Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

درج الدرر في تفسير الآي والسور
درج الدرر في تفسير الآي والسور
درج الدرر في تفسير الآي والسور
Ebook713 pages5 hours

درج الدرر في تفسير الآي والسور

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يعتبر كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور من الكتب القيمة لباحثي العلوم القرآنية بصورة خاصة وغيرهم من المتخصصين في العلوم الإسلامية بشكل عام وهو من منشورات مجلة الحكمة؛ ذلك أن كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور يقع في نطاق دراسات علوم القرآن الكريم وما يتصل بها من تخصصات تتعلق بتفسير القرآن العظيم.
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateApr 15, 1901
ISBN9786468061319
درج الدرر في تفسير الآي والسور

Read more from عبد القاهر الجرجاني

Related to درج الدرر في تفسير الآي والسور

Related ebooks

Related categories

Reviews for درج الدرر في تفسير الآي والسور

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    درج الدرر في تفسير الآي والسور - عبد القاهر الجرجاني

    الغلاف

    درج الدرر في تفسير الآي والسور

    الجزء 1

    الجرجاني، عبد القاهر

    471

    يعتبر كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور من الكتب القيمة لباحثي العلوم القرآنية بصورة خاصة وغيرهم من المتخصصين في العلوم الإسلامية بشكل عام وهو من منشورات مجلة الحكمة؛ ذلك أن كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور يقع في نطاق دراسات علوم القرآن الكريم وما يتصل بها من تخصصات تتعلق بتفسير القرآن العظيم.

    ـدَرْجُ الدُّرر في تَفِسيِر الآيِ والسُّوَرـ

    المؤلف: جرجاني، عبد القاهر بن عبد الرحمن

    محقق القسم الأول: طلعت صلاح الفرحان

    محقق القسم الثاني: محمد أديب شكور

    الناشر: دار الفکر - عمان

    عدد الأجزاء: 2

    [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] تنبيه: القسم الأول من الكتاب (من الفاتحة إلى سورة يونس)، هو أطروحة دكتوراة لـ الباحث طلعت صلاح الفرحان

    والقسم الثاني من الكتاب (من سورة هود إلى سورة الناس) أطروحة دكتوراة لـ محمد أديب شكور

    يقول محقق القسم الأول عن دراسته التي أجراها في صدر تحقيقه: ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ الدّراسة انصبّت أساسا على ما له صلة باللّغة والنّحو والصّرف، تاركا ما يتّصل بعلوم القرآن من تفسير وعلم كلام وحديث وفقه، باتّفاق مع الأخ الفاضل الذي يحقّق الجزء الثّاني من الكتاب، ليكون ذلك موضوع دراسته، فتتكامل الدّراستان بعون الله بسم الله الرحمن الرحيم

    قال الله سبحانه وتعالى:

    {إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9]

    وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

    (خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه) [صحيح البخاري]

    وقال ابن الجزريّ:

    لذاك كان حاملو القرآن … أشراف الامّة أولي الإحسان

    [طيبة النشر]

    مقدّمة

    {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}

    {الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (4)

    والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمد سيّد الأوّلين والآخرين، وعلى آله الطّيّبين الطّاهرين، وصحابته الغرّ الميامين من الأنصار والمهاجرين، والتّابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدّين، أمّا بعد:

    فإنّ خير الكلام كلام الله، وإنّ خير العلوم ما اتّصل بخدمة هذا الكلام الذي احتواه القرآن الكريم. وقد كان من فضل الله ومنّه عليّ أن كان موضوع رسالتي في الماجستير متّصلا بخدمة هذا الكتاب العزيز، وأردت أن يكون من تمام هذا الفضل أن يأتي موضوع أطروحة الدكتوراه في السّياق نفسه، فاخترت موضوعا غير هذا له صلة بخدمة الكتاب الكريم، ولكنّ أستاذي المشرف رحمه الله أشار عليّ في حينها أن أتابع مسيرة التّحقيق التي بدأتها في الماجستير، وأن يكون موضوعها ذا صلة بعلوم القرآن، وبعد استشارة كثير من أساتذتي الأجلاء، نصحني جلّهم بموافقة رأي أستاذي المشرف، فكان هذا الموضوع المتّصل بتحقيق أثر قيّم من كتب التّفسير هو (درج الدّرر في تفسير القرآن العظيم) الذي أجمعت نسخه المخطوطة على نسبته إلى إمام العربيّة في زمانه الشّيخ عبد القاهر الجرجانيّ. وبسبب كبر حجم المخطوط كان الرّأي أن يقتصر موضوع هذه الأطروحة على نصف الكتاب، وذلك من أول المصحف إلى آخر سورة يونس. وكان النّصف الثاني موضوع أطروحة دكتوراه أخرى لأخ فاضل في كلية العلوم الإسلامية، ولكنّ الظروف التي طرأت فيما بعد جعلت كلّيّته توافق على ما اقترحه أستاذه المشرف بحذف ما بعد سورة السّجدة من عمله.

    وقد حصلت على ثلاث من النّسخ المخطوطة للكتاب مصوّرة من مكتبة الجامعة الأردنية، لحقتها الرّابعة من مكتبة الأسكوريال بإسبانيا، وذلك كلّه كان بجهود كريمة مشكورة من الشّيخ المحقّق الدكتور محمد شكور امرير، وولده الأديب محمد أديب الذي يشاركني في تحقيق الكتاب، فمعظم الجزء الثاني منه هو موضوع أطروحته للدكتوراه التي توشك على الإنجاز بإذن الله.

    وبعد إقرار اللّجنة العلميّة في قسم اللّغة العربيّة الموضوع، بدأت متوكّلا على الله عزّ وجلّ، العمل الجادّ لإنجاز دراسة الكتاب وتحقيقه، وإخراجه بأفضل صورة ممكنة رغم الظّروف الصّعبة التي أدّت إلى قلّة المصادر التي أحتاج إليها في توثيق نصوص الكتاب، وتخريج الأقوال الكثيرة فيه، ثمّ كانت الحرب

    وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم … وما هو عنها بالحديث المرجّم

    وبعد الحرب جاء الأصعب، فالمصادر التي كانت قليلة أو نادرة صارت مفقودة أو ضائعة، وإذا المكتبات دمّرت، وإذا المراجع نهبت، وإذا الكتب احترقت، فلا نامت أعين التّتار.

    وقد جاءت هذه الأطروحة في قسمين: أولهما للدّراسة، وثانيهما للنص المحقّق. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ الدّراسة انصبّت أساسا على ما له صلة باللّغة والنّحو والصّرف، تاركا ما يتّصل بعلوم القرآن من تفسير وعلم كلام وحديث وفقه، باتّفاق مع الأخ الفاضل الذي يحقّق الجزء الثّاني من الكتاب، ليكون ذلك موضوع دراسته، فتتكامل الدّراستان بعون الله.

    وقد انقسمت الدراسة على أربعة فصول سبقتها مقدمة، وتلتها خاتمة تضمّنت أهمّ النّتائج المستخلصة من البحث. واختصّ الفصل الأول من الدّراسة بالحديث عن الجرجانيّ والكتاب، فجاء في مبحثين، تحدّثت في الأول منهما عن الجرجانيّ، حياته، وشيوخه، وتلاميذه، ومنزلته العلميّة، وآثاره، وتحدّثت في المبحث الثاني عن كتاب (درج الدّرر في تفسير القرآن العظيم)، اسمه وتوثيق نسبته إلى المؤلّف، ومنهجه، ومصادره، وأهمّيته، وما انفرد به من آراء وأقوال، وختمت هذا المبحث بالحديث عن المآخذ التي سجّلتها على الكتاب.

    وتحدّثت في الفصل الثاني عن موقف المؤلّف من أصول اللّغة والنّحو، وجاء في ثلاثة مباحث، تكلّمت في الأوّل منها على موقفه من الشّواهد، وفي المبحث الثّاني عرضت موقفه من السّماع والقياس، ثم بيّنت في المبحث الثّالث موقفه من الكوفيّين والبصريّين.

    وفي الفصل الثالث تناولت الظّواهر اللّغوية والصّرفية في الكتاب، فعرضت في المبحث الأول مجموعة من الظواهر اللغوية، وفي المبحث الثاني مجموعة من الظواهر الصرفية.

    وتكلمت في الفصل الرابع على نسخ الكتاب المخطوطة ومنهج التحقيق، وقد ضمّ ثلاثة مباحث: أولها للحديث عن نسخ الكتاب المخطوطة، وثانيها لبيان منهج التحقيق الذي اتّبعته، وثالثها لشرح المصطلحات المستعملة في التحقيق.

    وضمّ القسم الثاني من الأطروحة النصّ المحقّق من كتاب (درج الدّرر في تفسير القرآن العظيم) الذي يتناول تفسير عشر سور من القرآن الكريم هي: الفاتحة، والبقرة، وآل عمران، والنّساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، والتّوبة، ويونس.

    وبعد أن استقام هذا العمل على سوقه، ودنا قطافه بإذن الله، لا بدّ لي من أن أتقدّم بأصدق الشكر وأخلصه إلى الأستاذ عدنان سعد الدين الذي كان سببا في قبولي في الدراسات العليا، وهو صاحب الفضل الكبير على كثير من طلبة العلم، وغيرهم.

    وأتقدم بوافر الشكر والامتنان إلى أستاذي المغفور له الدكتور محمد صالح التكريتي الذي تفضّل بقبوله الإشراف على هذه الأطروحة، وتلطّف برسم معالمها، وأردف بتقويم معوجّها، فأفدت من غزير علمه، واستهديت بسديد رأيه في سبيل الوصول إلى هذه الحصيلة العلميّة، رغم ما عاناه في مرضه العضال، إلى أن لقي وجه ربّه، صابرا محتسبا، فجزاه الله عني خير الجزاء، وأسكنه فسيح جنّاته مع الأنبياء والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين، وحسن أولئك رفيقا.

    وأتقدم بالشكر الجزيل إلى أستاذي الفاضل الدكتور هاشم طه شلاش الذي لم يتأخّر يوما في تقديم إرشاداته السّديدة، وآرائه القيّمة التي أغنت هذا البحث، وجعلته يرقى إلى الصّورة التي صار عليها، وكان خير مرشد لي في أثناء مرض أستاذي المشرف، فجزاه الله عني كلّ خير، وأمدّ في عمره، وكلّله بتاج الصّحّة والعافية، ووقاه من كلّ مكروه.

    والشكر الجزيل أقدّمه أيضا إلى أستاذي الجليل الدكتور عبد الجليل العاني لتوجيهاته الكريمة، وما أمدّني به من مصادر وكتب قيّمة من مكتبته العامرة التي لم يمنع عني شيء منها في حضوره أو غيابه.

    وأتقدم بوافر الشكر والامتنان إلى كلّ من مدّ إليّ يد العون، وساعدني على إنجاز هذا العمل، والوصول به إلى ما صار إليه، وأرجو الله تعالى أن يعينني على ردّ جميلهم، ويجزيهم عني خير الجزاء.

    ولا أجد من الكلمات ما يوفّي هذا البلد الكريم المصابر، وأهله الطيّبين، أزال الله عنهم هذه الغمّة، ودفع عنهم كيد الكائدين.

    وختاما هذا عمل ابتغيت به مرضاة الله عزّ وجلّ، وادّخرت ثوابه عنده، فإن كنت قد أحسنت فبتوفيقه وفضله ومنّه، وإن كانت الأخرى فحسبي أنّني بذلت من الجهد والصّبر والمصابرة في سبيل إنجازه ما الله وحده به أعلم.

    {وَاِصْبِرْ حَتّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ}

    وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

    الباحث طلعت صلاح الفرحان

    الفصل الأول الجرجاني والكتاب

    المبحث الأول: الجرجاني

    أ-حياته

    ب-شيوخه

    ج-تلاميذه

    د-منزلته العلمية

    هـ-آثاره

    المبحث الثاني: الكتاب أ-اسمه وتوثيق نسبته إلى المؤلف

    ب-منهجه

    ج-مصادره

    د-أهميته

    هـ-ما انفرد به

    و-مآخذ على الكتاب

    المبحث الأول الجرجاني

    (1)

    سأوجز الحديث عن الجرجانيّ لسببين:

    الأول: أنّه درس دراسة وافية من عدد من الباحثين الفضلاء، منهم الدكتور البدراوي زهران في كتابه (عالم اللغة عبد القاهر الجرجاني المفتنّ في العربية ونحوها)، والدكتور أحمد أحمد بدوي في كتابه (عبد القاهر الجرجاني وجهوده في البلاغة العربية)، والدكتور أحمد مطلوب في كتابه (عبد القاهر الجرجاني، بلاغته ونقده) والدكتور كاظم بحر المرجان في مقدمة تحقيق كتاب (المقتصد في شرح الإيضاح).

    والثاني: أنّ نسبة (درج الدّرر في تفسير القرآن العظيم) إلى عبد القاهر الجرجانيّ غير مسلّمة، بحسب ما تكشّف لي في أثناء التّحقيق، وهو ما سيأتي بيانه مفصّلا في المبحث الثاني من هذا الفصل إن شاء الله.

    ويمكن اختصار الحديث عن الجرجاني بالآتي:

    أ-حياته

    لم تذكر المصادر السّنة التي ولد فيها أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجانيّ، ولا عمره حين وفاته، لنستدلّ منه على سنة ولادته. ولم يكن لعبد القاهر رحلة في طلب العلم في أثناء حياته، إذ ذكر أبو البركات الأنباري أنّه «لم يخرج عن جرجان في طلب العلم» (2).

    أمّا وفاته فمعظم المصادر على أنّها كانت في سنة إحدى وسبعين وأربع مئة (3)، وذكرت المصادر قولا آخر يساق في أكثرها بصيغة التّمريض (قيل)، وهو أنّ وفاته كانت في سنة أربع وسبعين وأربع مئة (4). والأول هو الرّاجح.

    ب-شيوخه

    ذكر ياقوت (5) أنّ من شيوخه: القاضي أبا الحسن علي بن عبد العزيز بن الحسن الجرجاني، (1) ينظر في ترجمته: نزهة الألباء 264، وإنباه الرواة 2/ 188، ومرآة الجنان 3/ 101، والبلغة 126، وبغية الوعاة 2/ 106، وطبقات المفسرين 1/ 330، وشذرات الذهب 3/ 340.

    (2) نزهة الألباء 264.

    (3) ينظر: العبر في خبر من غبر 3/ 279، والبلغة 127، وشذرات الذهب 3/ 340.

    (4) ينظر: مرآة الجنان 3/ 101، وطبقات الشافعية الكبرى 5/ 150، وطبقات الشافعية 2/ 253.

    (5) ينظر: معجم الأدباء 14/ 16. ويبعد ما ذكره؛ لأنّ وفاة عبد القاهر كما مرّ آنفا كانت بعد سنة 470 هـ، فإذا صحّ ما نقله فيكون قد عاش نحو مئة سنة، ولم تذكر مصادر ترجمته أنّه كان من المعمّرين.

    المتوفّى في سنة 392 هـ (1)، صاحب كتاب (الوساطة بين المتنبي وخصومه). كان قاضي جرجان، وولي قضاء قضاة الرّيّ، وكان من مفاخر جرجان. سمع الحديث الكثير، وترقّى في العلوم حتى برع في الفقه والشّعر والنّحو وغير ذلك من العلوم.

    وأكثر المصادر التي ترجمت لعبد القاهر الجرجانيّ لا تذكر غير شيخ واحد له هو: أبو الحسين، محمد بن الحسن بن محمد بن عبد الوارث الفارسي، المتوفّى في سنة 421 هـ (2)، نزيل جرجان، وابن أخت أبي علي الفارسيّ. أحد أعيان العلم والفضل، وإمام النّحو بعد خاله الفارسيّ. ولم يأخذ عبد القاهر عن غيره، «وكان يحكي عنه كثيرا؛ لأنّه لم يلق شيخا مشهورا في علم العربيّة غيره؛ لأنّه لم يخرج عن جرجان في طلب العلم، وإنّما طرأ عليه أبو الحسين فقرأ عليه» (3).

    ج-تلاميذه

    رغم ما جاء في بعض مصادر ترجمة عبد القاهر الجرجانيّ من أنّه «لم يزل مقيما بجرجان يفيد الرّاحلين إليه والوافدين عليه» (4) لا نجد في مصادر ترجمته إلا اسم تلميذ واحد من تلاميذه هو: عليّ بن أبي زيد محمد بن علي الفصيحيّ (ت 516 هـ) (5). وقد سمّي بالفصيحيّ لكثرة إعادته ودرسه كتاب (الفصيح) لثعلب. كان نحويّا حاذقا، أخذ عن الشّيخ عبد القاهر الجرجانيّ، ودرّس الأدب بالمدرسة النّظاميّة.

    وقد تثقّف على الفصيحيّ جماعة، وأخذوا ما أخذه من عبد القاهر (6).

    د-منزلته العلمية

    أصاب عبد القاهر الجرجانيّ حظّا عظيما من الشّهرة، «وصار الإمام المشهور المقصود من جميع الجهات» (7)، وهو «أول من دوّن علم المعاني» (8). وذاع صيت نظريّته في النّظم التي وضّح من خلالها علاقة النّحو بالبلاغة، وأثارت آراؤه اهتمام المعنيّين بالدّراسات النّقديّة والبلاغيّة. (1) ينظر في ترجمته: طبقات الشافعية 2/ 160، والنجوم الزاهرة 4/ 205.

    (2) ينظر في ترجمته: نزهة الألباء 251، ومعجم الأدباء 18/ 186، وفيهما أنّه محمد بن الحسين، ومعظم مصادر ترجمة عبد القاهر تذكر أنّه محمد بن الحسن، ينظر: طبقات الشافعية الكبرى 5/ 149، وطبقات الشافعية 2/ 252، وشذرات الذهب 3/ 340.

    (3) نزهة الألباء 264.

    (4) إنباه الرواة 2/ 189.

    (5) ينظر في ترجمته: نزهة الألباء 274، وإنباه الرواة 2/ 306، والبلغة 163.

    (6) ينظر: نزهة الألباء 274، ووفيات الأعيان 3/ 337.

    (7) طبقات الشافعية الكبرى 5/ 149.

    (8) البلغة 126.

    «وله شعر كثير» (1) أيضا، فهو أديب ناقد شاعر.

    والجرجانيّ من أئمّة النّحاة، «وله فضيلة تامّة في النّحو» (2)، وقد «انتهت إليه رئاسة النّحو في زمانه» (3)، فهو بالأساس، كما يقول د. كاظم بحر المرجان: «رجل نحوي، وهكذا كان يسمّى قديما، وأقواله بالأساس أيضا دفاع عن النحو، بل إنّ علم المعاني الذي قيل إنّه واضع أصوله لم يكن إلا إحياء لروح المعنى والحسّ والتّذوّق في علم النّحو بعد أن أجهز النّحاة على كلّ هذا بتعليلاتهم وتحليلاتهم وحججهم الدّائرة حول قضيّة الإعراب» (4).

    ويتجلّى دفاع عبد القاهر الجرجانيّ عن النّحو وإعجابه به في ما ذهب إليه في (دلائل الإعجاز) حين عاب على قوم ظنّهم النّحو «ضربا من التكلّف وبابا من التّعسّف»، وغير ذلك من الظّنون والآراء التي بلغ من إنكار الجرجانيّ لها أن قال في معتقديها: إنّهم «لو علموا مغبّتها وما تقود إليه لتعوّذوا بالله منها، ولأنفوا لأنفسهم من الرّضا بها، ذاك لأنّهم بإيثارهم الجهل بذلك العلم في معنى الصّادّ عن سبيل الله والمبتغي إطفاء نور الله تعالى» (5).

    وليس كتاب (المقتصد في شرح الإيضاح) وحده الذي تضمّن آراء عبد القاهر الجرجانيّ النّحويّة، ولكنّنا نجد له ملاحظات نحويّة كثيرة أيضا في (دلائل الإعجاز).

    هـ‍-آثاره

    فصّل المرحوم الدكتور كاظم بحر المرجان القول في مؤلفات عبد القاهر الجرجاني في مقدمة تحقيقه لكتاب (المقتصد في شرح الإيضاح)، وصنّفها في مجموعات (6)، وبلغ من تفصيله أنّه خصّ بالحديث «مجموعة من الكتب نشرت على أنّها له ولم تذكرها كتب التّراجم بين مصنّفاته» (7)، ولكنّه مع ذلك أغفل الحديث عن (درج الدّرر).

    وسأكتفي هنا بذكر أهم تلك المؤلّفات من غير تفصيل:

    1 - أسرار البلاغة.

    2 - الإيجاز: وهو شرح مختصر لكتاب (الإيضاح).

    3 - الجمل. (1) البلغة 127.

    (2) شذرات الذهب 3/ 340.

    (3) النجوم الزاهرة 5/ 108.

    (4) المقتصد 14.

    (5) دلائل الإعجاز 25.

    (6) ينظر المقتصد:1/ 21 - 36.

    (7) المقتصد 1/ 30.

    4 - درج الدرر في تفسير القرآن العظيم، وهو موضوع البحث، وسيأتي الحديث عنه مفصّلا.

    5 - دلائل الإعجاز.

    6 - العوامل المئة.

    7 - المغني في شرح الإيضاح.

    8 - المفتاح في الصرف.

    9 - المقتصد في شرح الإيضاح.

    10 - المقتصد في شرح التكملة.

    المبحث الثاني الكتاب

    أ-اسمه وتوثيق نسبته إلى المؤلف

    خلت نسخ الكتاب المخطوطة من مقدمة للمؤلف يذكر فيها اسم كتابه ومنهجه فيه. وقد ثبت على صفحة العنوان في نسخة الأصل أن اسم الكتاب: (درج الدّرر في تفسير القرآن العظيم)، والاسم المثبت على صفحتي العنوان في نسختي ك وب: (تفسير القرآن العظيم المسمى بدرج الدرر)، وفي نسخة ع: (درج الدرر تفسير القرآن العظيم)، وهي متقاربة جدّا.

    وأجمعت النّسخ الأربع على نسبة الكتاب إلى عبد القاهر الجرجانيّ.

    وأول من ذكر اسم الكتاب حاجي خليفة ولكنه لم يجزم بنسبته إلى عبد القاهر الجرجانيّ، قال (1): «درج الدرر في التّفسير، مختصر للشيخ عبد القاهر الجرجاني ظنّا»، وظنّ حاجي خليفة لا يبدو قائما على تثبّت أو اطّلاع على مادّة الكتاب؛ لأنّه كان قبل ذلك أدرج ضمن التّفاسير «تفسير عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني»، ولكنّه ذكر أنّه «مختصر في مجلد ولعلّه تفسير الفاتحة» (2). وقوله هذا دليل على عدم اطّلاعه على الكتاب، إذ لو كان ذلك لعرف أنّه ليس تفسير الفاتحة.

    وذكر إسماعيل باشا البغداديّ ضمن تصانيف عبد القاهر الجرجانيّ «درج الدّرر في تفسير الآي والسّور، دلائل الإعجاز في المعاني والبيان، شرح الفاتحة في مجلّد» (3)، وهذا يعني بوضوح أنّ (درج الدرر) غير تفسير الفاتحة.

    والعنوان الذي ذكره البغداديّ للكتاب يبدو الأقرب إلى طريقة كثير من القدماء في إطلاق تسميات مسجوعة على تآليفهم، ولكنّ نسخ المخطوطة الأربع لم تذكر العنوان بهذه الصّيغة، ولعلّ البغداديّ اطّلع على نسخة، أو نسخ أخرى من الكتاب لم تصل إلى خزائن مكتبات المخطوطات العامّة.

    وفي أثناء تحقيق الكتاب تكشّفت لي قرائن مهمّة تؤيّد الشّكّ في صحّة نسبة الكتاب إلى عبد القاهر الجرجانيّ، وتفصيلها على النحو الآتي: (1) كشف الظنون 1/ 745.

    (2) كشف الظنون 1/ 453.

    (3) هدية العارفين 1/ 606.

    من المعلوم أنّ الذين ترجموا لعبد القاهر ذكروا أنّه شافعيّ المذهب (1)، ولكنّ مؤلّف (درج الدّرر) حنفيّ، يشهد على ذلك تقديمه آراء الحنفيّة الفقهيّة، واقتصاره عليها في أحيان كثيرة، وربّما ذكر اختلاف أبي حنيفة وصاحبيه، ويذكر أحيانا آراء الحنفيّة في مقابلة آراء الشّافعيّة مبيّنا كونها خلافا لهم، وربّما قال عند عرض آرائهم: «وعندنا». ومن الأمثلة على ذلك ذكره رأي أبي حنيفة في أنّ (الصّابئين) أهل كتاب، في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصّابِئِينَ} [البقرة:62] وذكر مخالفة صاحبيه له وعدّهما (الصّابئين) عبدة الكواكب، واكتفاؤه بذلك (2). وفي قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ} [البقرة:158] بيّن حكم ترك السّعي بينهما بقوله: «والسّعي سنّة يجب بتركه الدّم عندنا، وعند الشافعيّ واجب يلزمه العود لها» (3). وفي قوله تعالى: {إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة:33] بيّن رأي الحنفيّة في النّفي المذكور في الآية بقوله: «والنّفي عندنا بالحبس حيث يستصوبه الإمام»، وتحدّث عن الصّلب فقال: «والصّلب بعد القتل»، ثمّ نقل عن أبي حنيفة «أنّه يصلب حيّا ثمّ يطعن في نحره» (4). وفي قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ} [التوبة:60] قال: {وَالْمَساكِينِ:} أهل التّرحّم والرّأفة، وهم أسوأ حالا من الفقراء عندنا» (5)، وهذا الذي ذكره قول الحنفيّة.

    وعبد القاهر الجرجانيّ بصري، وقد بلغ من عنايته بكتاب الإيضاح لأبي عليّ الفارسيّ، أحد أئمّة البصريّين، أن شرحه شرحا مبسوطا في نحو ثلاثين مجلدا وسمّاه (المغني)، ثمّ لخّص هذا الشّرح في كتابه (المقتصد في شرح الإيضاح)، واختصر (الإيضاح) في كتابه (الإيجاز) (6). أمّا مؤلّف (درج الدرر) فلم ينقل عن أبي عليّ إلا في موضع واحد من الجزء الذي حقّقته من الكتاب (7). وهو أكثر ميلا إلى الكوفيّين، فهو يعتدّ بآرائهم، ويقدّمها في كثير من الأحيان على آراء البصريّين، وقد يكتفي بها. وثمّة تفصيل أوفى عن مذهبه النّحويّ في الكلام على موقفه من الكوفيّين والبصريّين في الفصل الثّالث من هذه الدراسة. (1) ينظر: العبر في خبر من غبر 3/ 279، وطبقات الشافعية الكبرى 5/ 149، وطبقات الشافعية 2/ 252.

    (2) ينظر: درج الدرر 74.

    (3) درج الدرر 177.

    (4) درج الدرر 485.

    (5) درج الدرر 702.

    (6) ينظر: كشف الظنون 1/ 212.

    (7) ينظر: درج الدرر 266.

    والكتاب يخلو من أيّ إشارة إلى نظريّة النّظم (1) التي عرف بها عبد القاهر الجرجانيّ، بل إنّ في الكتاب آراء مناقضة لها، إذ ورد في عدّة مواضع منه أنّه لم يقل كذا لوفق رؤوس الآي، منها في قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظّالِمِينَ} [البقرة:35] قال: «وإنّما لم يقل: ظالمين، لوفق رؤوس الآي» (2). وفي قوله تعالى: {كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ} [البقرة:65] قال: «وتقديره: خاسئين قردة، وإلا يقال: قردة خاسئة، لكن التقديم والتأخير لوفق رؤوس الآي» (3). وفي قوله تعالى: {بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاِتَّقى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (76) [آل عمران:76] قال: «وإنّما لم يقل: فإنّ الله يحبّه لنظم الآي» (4). وفي قوله تعالى: {وَما لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ} [آل عمران:192] قال: «وإنّما قال: {مِنْ أَنْصارٍ،} ولم يقل: من ناصر، لنظم رؤوس الآي، أو مقابلة للظّالمين» (5). ونظرية النّظم تناقض هذه الأقوال، ويتبيّن ذلك من قول الجرجانيّ: «واعلم أن ليس النّظم إلا أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النّحو، وتعمل على قوانينه وأصوله» (6). فالتّقديم والتّأخير، أو تغيير التّركيب لوفق رؤوس الآي لا يتّفق مع قوله: «أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النّحو».

    وقد يجاب عن كلّ ما سبق بأنّ عبد القاهر ربّما ألّف (درج الدرر) في بداية حياته العلميّة، وقبل أن يستوي في تفكيره مفهوم نظريّة النّظم، وأنّه كان حنفيّا ثمّ صار شافعيّا، وليس هذا بدعا بين العلماء قبله وبعده، وأنّه كان يميل إلى آراء الكوفيّين ثمّ استقرّ بعد ذلك على المذهب البصريّ. وأنّ هذا كلّه كان في المرحلة التي ينطبق عليه فيها ما وصفه به القفطيّ من أنّه «كان ضيّق العطن، لا يستوفي الكلام على ما يذكره مع قدرته على ذلك» (7).

    ولا بدّ من الإشارة هنا إلى عبارة مهمّة أوردها المؤلف في القسم الثاني من الكتاب، ففي حديثه عن اسمه تعالى (البارئ) عند الكلام على قوله تعالى: {هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ} [الحشر:24] قال: «وقد استوفينا الكلام في الأسماء في مفتاح الهدى» (8)، فهو يذكر هنا كتابا له اسمه (مفتاح الهدى)، ولم أقف على ذكر لهذا الكتاب في المصادر التي بين يدي. ومن المعلوم أنّ (1) ينظر في نظرية النظم: دلائل الإعجاز 76 - 81.

    (2) درج الدرر 40.

    (3) درج الدرر 79.

    (4) درج الدرر 323.

    (5) درج الدرر 375.

    (6) دلائل الإعجاز 77.

    (7) إنباه الرواة 2/ 188.

    (8) درج الدرر (المخطوط) ورقة 308.

    لعبد القاهر كتابا اسمه (المفتاح في الصرف) (1)، ولم أجد فيه أيّ شيء عن اشتقاق أسماء الله الحسنى، وهذا يعني أنّه لا علاقة لمفتاح الهدى بمفتاح عبد القاهر الجرجانيّ. ولم يذكر المؤلّف (مفتاح الهدى) هذا في غير ذلك الموضع، ولم يشر إليه عند الحديث عن اشتقاق اسم الجلالة (الله) في بداية سورة الفاتحة (2).

    وليس في الجزء الذي حقّقته من الكتاب ما يدلّ على اسم مؤلّفه، ولم يذكر المؤلّف أحدا من شيوخه ليستدلّ بذكره عليه. أمّا محمد بن الحسن الذي ذكر في أثناء حديثه عن اشتقاق اسم الجلالة في سورة الفاتحة (3) فيبعد أن يكون شيخ عبد القاهر الجرجانيّ؛ لأنّ المصادر اختلفت في تسميته، ففي معظم مصادر ترجمة الجرجانيّ أنّه محمد بن الحسن، وفي مصادر ترجمة شيخه أنّه محمد بن الحسين، وقد أشرت إلى ذلك عند الحديث عن شيوخه. وثمّة سبب آخر يبعد أن يكون محمد بن الحسن المذكور شيخ عبد القاهر، وهو أنّه لم يذكر غير مرّة واحدة، وهذا يناقض ما قيل في مصادر ترجمة الجرجانيّ من أنّه «كان يحكي عنه كثيرا» (4)، وهو قول يؤيّده ما نجده في كتاب (المقتصد في شرح الإيضاح) من كثرة نقله عن شيخه، وتسميته بالشّيخ أبي الحسين، أو شيخنا أو الشّيخ رحمه الله، وعدم ذكره باسمه فقط (5).

    والأرجح أنّ المؤلّف من عصر عبد القاهر الجرجانيّ، أي أنّه من علماء القرن الخامس الهجريّ؛ لأنّ الكتاب خلا من أيّة نقول عن علماء بعد القرن الرّابع، فآخر علم ورد ذكره في الكتاب على وجه اليقين أحمد بن فارس (ت 395 هـ) الذي لم يذكر في الجزء الذي حقّقته، ولكنّه ذكر بعد ذلك ستّ مرات: واحدة في الحديث عن الآية 32 من سورة لقمان (6)، وأخرى في الحديث عن الآية 57 من سورة النجم (7)، وذكر مرّتين في سورة الحاقّة عند الحديث عن الآيتين 36 و 46 منها (8)، ومرّة عند الحديث عن الآية الثّامنة من سورة المدّثّر (9)، والمرّة الأخيرة عند الكلام على الآية العاشرة من سورة الشّمس (10). (1) ينظر: طبقات الشافعية الكبرى 5/ 150، وطبقات المفسرين 1/ 331، وكشف الظنون 2/ 1769.

    (2) ينظر: درج الدرر 1 - 2.

    (3) درج الدرر 1 - 2.

    (4) نزهة الألباء 264.

    (5) ينظر أمثلة على ذلك في المقتصد 1/ 97، و 105، و 122، و 135، و 142، و 151، و 156، و 157، و 189، و 194، و 195، و 197، و 214، و 215، و 221، و 249، و 290، و 404، و 409.

    (6) درج الدرر (المخطوط) ورقة 260.

    (7) درج الدرر (المخطوط) ورقة 302.

    (8) درج الدرر (المخطوط) ورقة 314.

    (9) درج الدرر (المخطوط) ورقة 316.

    (10) درج الدرر (المخطوط) ورقة 324.

    وكون مؤلّف الكتاب قريبا من عصر عبد القاهر ينفي ما يمكن أن يتوهّم من نسبته إلى الشّريف الجرجانيّ، عليّ بن محمد، المتوفّى في سنة 816 هـ (1). وهو وهم يمكن أن يستشفّ ممّا ذكره بروكلمان بعد قوله عن (درج الدرر): «وهو تفسير القرآن»، إذ نفى نسبته إلى الشّريف فقال: «وينسب خطأ للشّريف» (2). ونفيه هذا يوحي أنّ هناك من يتوهّم النّسبة إليه. ويؤكّد النّفي الذي ذهب إليه بروكلمان أنّ الشريف الجرجانيّ توفّي في سنة 816 هـ، وقد أسلفت أنّ (درج الدرر) خلا من أيّة نقول عن علماء بعد القرن الرابع، ولو كان الشريف مؤلف الكتاب فلا يعقل ألا ينقل عن أعلام بعد ذلك القرن، ولا سيّما الزّمخشريّ الذي ألّف الشريف حاشية على أوائل كشّافه (3).

    وثمّة عبارة وردت في النّصّ المحقّق مرّتين، وهي عبارة «قال الأمير» (4). ولعلّها أهمّ إشارة يمكن الاستدلال بها على المؤلف. وقد يكون الأمير المؤلف نفسه، فليس بدعا في كتب القدماء أن يذكر المؤلف باسمه أو بلقبه في كتابه؛ لأنّ كثيرا من تلك الكتب كان إملاء من مؤلفيها على تلامذتهم الذين نشروا كتب شيوخهم فيما بعد، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها: (معاني القرآن) للفراء الذي ترد فيه كثيرا عبارة «قال الفراء»، أو «حدثنا الفراء» (5)، ومثل هذا نجده أيضا في (إصلاح المنطق) لابن السّكّيت، أبي يوسف يعقوب بن إسحق (ت 244 هـ)، إذ تكثر في الكتاب عبارة «قال أبو يوسف» (6).

    ولأهميّة هذه العبارة بحثت في المصادر عمّن يلقّب بالأمير من علماء القرن الخامس، فلم أجد غير ابن ماكولا (7)، الأمير سعد الملك أبي نصر عليّ بن هبة الله بن عليّ بن جعفر، صاحب (الإكمال) المتوفّى في سنة نيّف وسبعين، أو نيّف وثمانين وأربع مئة للهجرة، أي أنّه من عصر عبد القاهر الجرجانيّ، أو بعبارة أخرى، هو من عصر مؤلف (درج الدرر) الذي رجّحت آنفا أنّه من القرن الخامس.

    وهو من أسرة مقرّبة من الخلفاء، «ووزّره أبوه أبو القاسم هبة الله للإمام القائم بأمر الله، وتولّى عمّه أبو عبد الله الحسين بن علي قضاء بغداد» (8). وهذا يعني أنّ الأمير ابن ماكولا نفسه (1) ينظر في ترجمته: الضوء اللامع 5/ 328، والبدر الطالع 1/ 488، وأبجد العلوم 3/ 57.

    (2) تاريخ الأدب العربي 5/ 207.

    (3) ينظر: البدر الطالع 1/ 488، وأبجد العلوم 3/ 57.

    (4) درج الدرر 616، و 727.

    (5) ينظر على سبيل المثال: معاني القرآن 1/ 21، و 22،156،338،367.

    (6) ينظر على سبيل المثال: إصلاح المنطق 18، و 66، و 92، و 101، و 105.

    (7) ينظر في ترجمته: الكامل في التاريخ 8/ 491، ووفيات الأعيان 3/ 305، وسير أعلام النبلاء 18/ 569، والنجوم الزاهرة 5/ 115، وطبقات الحفاظ 443، وشذرات الذهب 3/ 381.

    (8) وفيات الأعيان 3/ 305.

    كان مقرّبا من الحكّام أيضا، إذ بعثه «المقتدي بالله رسولا إلى سمرقند وبخارى لأخذ البيعة له على ملكها» (1). وفي (درج الدرر) عبارة توحي بميل مؤلّفه إلى خلفاء عصره، ففي أثناء تفسيره الآية 150 من سورة الأعراف قال: «وفي الآية دلالة أنّ صبر الخليفة على جنايات قومه والتّغافل عنها جائز لابتغاء المصلحة كمنابذته ومضاجرته إيّاهم، ولذلك يصبر خلفاء نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم من آل عبّاس على قبائح هذه الأمّة وافتراق أهوائها» (2). ولا بدّ هنا من العودة إلى عبد القاهر الجرجانيّ مرّة أخرى، إذ ليس في مصادر ترجمته ما يشير إلى قربه من حكام عصره، بل إنّ تلك المصادر تنقل عنه بيتين من الشّعر يظهر فيهما تبرّمه بزمانه الذي لم يعد فيه حظّ للعلماء والعقلاء، وإنّما صار زمان السّفهاء والجهّال، بحسب رأيه، يقول (3):

    كبّر على العقل (4) … لا ترمه

    ومل إلى الجهل ميل هائم

    وعش حمارا تعش سعيدا … فالسّعد في طالع البهائم

    وواضح أنّ مثل هذه السّخرية المرّة قد لا تصدر إلا عمّن رأى أنّ أولي الأمر يقرّبون الجهلة، وينبذون العلماء.

    وابن ماكولا «تتبّع الألفاظ المشتبهة في الأسماء والأعلام، وجمع منها شيئا كثيرا» (5)، وهو «النّسّابة صاحب التّصانيف» (6)، وكتابه (الإكمال) «في غاية الإفادة في رفع الالتباس، والضّبط والتّقييد، وعليه اعتماد المحدّثين وأرباب هذا الشّأن، فإنّه لم يوضع مثله، ولقد أحسن فيه غاية الإحسان» (7). «ولا يحتاج هذا الأمير بعده إلى فضيلة أخرى، ففيه دلالة على كثرة اطّلاعه وضبطه وتحريره وإتقانه» (8). ومؤلّف (درج الدّرر) كان مشغوفا بالرّوايات التاريخيّة، واستقصاء الأسماء إلى حدّ ذكر أسماء أبناء إبراهيم ويعقوب عليهما السّلام وحتى توأمتي قابيل وهابيل (9).

    ورغم أنّ مصادر ترجمة ابن ماكولا ذكرت أنّه «كان نحويّا مجوّدا وشاعرا مبرّزا» (10)، لم (1) سير أعلام النبلاء 18/ 575.

    (2) درج الدرر 623 - 624.

    (3) ينظر: طبقات الشافعية 2/ 253، وشذرات الذهب 3/ 340.

    (4) في بعض المصادر: العلم، ينظر: طبقات الشافعية الكبرى 5/ 150، والبلغة 127.

    (5) وفيات الأعيان 3/ 305.

    (6) العبر في خبر من غبر 3/ 319.

    (7) وفيات الأعيان 3/ 305.

    (8) البداية والنهاية 12/ 152.

    (9) سيأتي مزيد بيان لذلك عند الكلام على منهجه.

    (10) سير أعلام النبلاء 18/ 575، وطبقات الحفاظ 443.

    أقف في هذه المصادر على تآليف له في النّحو. والأهمّ من ذلك كلّه أنّ مصادر ترجمة ابن ماكولا التي وقفت عليها لم تذكر له تفسيرا.

    وإلى أن يظهر دليل قطعيّ، ينفي أو يثبت، يظلّ (درج الدّرر في تفسير القرآن العظيم) منسوبا إلى عبد القاهر الجرجانيّ.

    ب-منهجه

    يمكن أن نرسم صورة مجملة تجلّي لنا أهمّ السّمات التي ميّزت منهج (درج الدّرر في تفسير القرآن العظيم) على النّحو الآتي:

    1 - يبدأ المؤلف بذكر ألفاظ الآية التي يتوخّى تفسيرها، على وفق ترتيبها في المصحف، ثم يذكر في كثير من الأحيان أسباب نزول الآية، وأقوال المفسّرين فيها، ومعاني الألفاظ واشتقاقها وبنيتها الصّرفيّة، ويذكر بعض وجوه الإعراب، وربّما استدلّ بالآية لبعض الأحكام الفقهيّة.

    2 - كانت له عناية بالقراءات القرآنيّة في مواضع مختلفة من الكتاب، فقد استشهد بها متواترة أو شادّة، وسأذكر أمثلة على ذلك عند الحديث عن القراءات في مبحث (موقفه من الشّواهد) في الفصل الثاني. وقد ابتعد عن الخوض في القراءات التي أثارت جدلا كثيرا بين النّحويّين، كقراءة حمزة: {(وَاِتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ)} (1)، وقراءة ابن عامر: (وكذلك زيّن لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم) (2)، وقراءة: (معائش) التي رويت عن نافع (3).

    3 - عني كثيرا بذكر معاني الألفاظ التي يعرض لتفسيرها، فحكى معنى (الرّبّ) في قوله تعالى: {رَبِّ الْعالَمِينَ} [الفاتحة:2] فقال: «الرّبّ: السيّد والمولى، قال يوسف عليه السّلام:

    {اُذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف:42]، وقال: {اِرْجِعْ إِلى رَبِّكَ} [يوسف:50]. وربما يراد به المالك، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (أربّ إبل أنت أم ربّ غنم، فقال: من كلّ آتاني الله فأكثر وأطيب)» (4).

    وفرّق بين معاني ألفاظ المحاجّة والحجّة والحجّ في أثناء كلامه على قوله تعالى:

    {لِيُحَاجُّوكُمْ} [البقرة:76] فقال: «والمحاجّة هي المخاصمة بالحجّة، والحجّة: معنى تثبت به الدّعوى، وتقام مقام البيّنة، والحجّ هو الغلبة بالحجّة» (5). (1) في الآية الأولى من سورة النّساء. وينظر: السبعة 226، والبديع 450، والتجريد 203.

    (2) في الآية 137 من سورة الأنعام. وينظر: الحجة في القراءات السبع 151، والكشف 1/ 454، والنشر في القراءات العشر 2/ 263.

    (3) في الآية العاشرة من سورة الأعراف. وينظر:

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1