Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

بدائع الفوائد
بدائع الفوائد
بدائع الفوائد
Ebook799 pages5 hours

بدائع الفوائد

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

كتاب بدائع الفوائد للشيخ ابن قيم الجوزية، يغلب على الكتاب التحقيقات اللغوية وفيه معارف دقيقة في التفسير لكتاب الله لبيان منهج الأسلوب القرآني في البيان، وفي نطاق العقيدة أبان وحسم الموقف في كثير من المشكلات، وفي الفقه تعرض لكثير من الأحكام الدقيقة المطولة مثل بيان فرضية الحج، وحسم الكلام في قضايا أصولية متعددة
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJan 20, 1902
ISBN9786418685565
بدائع الفوائد

Read more from ابن قيم الجوزية

Related to بدائع الفوائد

Related ebooks

Related categories

Reviews for بدائع الفوائد

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    بدائع الفوائد - ابن قيم الجوزية

    الغلاف

    بدائع الفوائد

    الجزء 1

    ابن قيم الجوزية

    751

    كتاب بدائع الفوائد للشيخ ابن قيم الجوزية، يغلب على الكتاب التحقيقات اللغوية وفيه معارف دقيقة في التفسير لكتاب الله لبيان منهج الأسلوب القرآني في البيان، وفي نطاق العقيدة أبان وحسم الموقف في كثير من المشكلات، وفي الفقه تعرض لكثير من الأحكام الدقيقة المطولة مثل بيان فرضية الحج، وحسم الكلام في قضايا أصولية متعددة

    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

    مقدمة المحقِّق

    الحمد لله واهب الحمد ومُسْديه، وصلاةً وسلامًا على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه.

    أما بعد؛ فإن أغراض التأليف وألوانه لا تقف عند حدّ (1)، وهمم العلماء في ذلك لا تنقطع إلا بانقطاع العلم؛ وذلك لكثرة المطالب الباعثة عليه، وسعة المباغي الداعية إليه.

    ومن جملة تلك المطالب التي ألِفَ العلماءُ الكتابةَ فيها: تقييدُ بها يمرُّ بهم من الفوائد، والشوارد، والبدائع؛ من نصٍّ عزيز، أو نقلٍ غريب، أو استدلالٍ محرَّر، أو ترتيبٍ مُبتكر، أو استنباطٍ دقيق، أو إشارةٍ لطيفة = يُقيِّدون تلك الفوائد وقتَ ارتياضهم في خزائن العلم ودواوين الإسلام، أو مما سمعوه من أفواه الشيوخ أو عند مناظرة الأقران، أو بما تُمليه خواطرهم وينقدح في الأذهان.

    يجمعون تلك المقيَّدات في دواوين، لهم في تسميتها مسالك، فتُسَمَّى بـ الفوائد أو التذكرة أو الزنبيل أو الكنَّاش أو المخلاة (1) نعم، وإن حصرها بعض العلماء في أربعة أغراض كابن فارس في الصاحبي وأرسطو كما في كشف الظنون، أو بثمانية كما ذكر ابن حزم في نقط العروس ونقله عنه صاحب الكشف وأبو الطيب ابن الشركي في إضاءة الراموس وغيرهم، إلا أن هذا الحصر الجُمْلي يدخل تحته من التفاصيل والفروع ما لا يُحْصَى، والناظر في مدوّنات أسماء الكتب كـ الكشف ونظائره يعلم هذا حق العلم.

    أو الفنون أو السفينة أو الكشكول (1) وغيرها.

    وهم في تلك الضمائم والمقيَّدات يتفاوتون في جَوْدة الاختيار، وطرافة الترتيب، وعُمْق الفكرة = تفاوتَ علومهم وقرائحهم، وفهومهم ومشاربهم، فاختيار المرء -كما قيل وما أصدق ما قيل! - قطعةٌ من عقله، ويدلُّ على المرء حسنُ اختياره ونقله.

    إلا أن تلك الكتب تجمعها -في الجملة - أمور مشتركة؛ كغلبة النقل، وعزة الفوائد، وعدم الترتيب، وتنوُّع المعارف.

    ومن أحسن الكتب المؤلَّفة في هذا المضمار كتاب بدائع الفوائد (2) للإمام العلامة شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر، المعروف بابن قيِّم الجوزية، المتوفى: سنة (751) رحمة الله عليه. وهو كتابٌ مشحونٌ بالفوائد النادرة، والقواعد الضابطة، والتحقيقات المحرَّرة،: والنقول العزيزة، والنِّكات الطريفة المُعْجبَة؛ في التفسير، والحديث، والأصلين، والفقه، وعلوم العربية. إضافة إلى أنواع من المعارف؛ من المناظرات، والفروق، والمواعظ والرِّقاق وغيرها، مقًلِّدًا أعناق هذه المعارف سِمطًا من لآلئ تعليقاته المبتكرة. (1) انظر معجم الموضوعات المطروقة: (2/ 948 - 949). وفي ضبط (الكناش).

    انظر تاج العروس: (9/ 188 - 189)، وقصد السبيل: (2/ 404)، وكناشة النوادر: (ص/9 - 11).

    (2) وقد رأيت الشيخ الفقيه محمد العثيمين - رحمه الله - قد قال: وأحسن ما رأيتُ في مثل هذا -أي: في تقييد الفوائد المهمة والشوارد العلمية - كتاب بدائع الفوائد للعلامة ابن القيم، ففيه [من] بدائع العلوم مالا تكاد تجده في كتاب آخر، فهو جامع في كل فن، كلما طرأ على باله مسألة أو سمع فائدة قيَّد ذلك، ولهذا تجد فيه من علم الحقائد والفقه والحديث والتفسير والنحو والبلاغة .. اهـ من كتاب العلم: (ص/ 231).

    ومع ما وصفنا من كثرة فوائد الكتاب، إلا أنه لم يَنَل من الشهرة والذُّيُوع -في عصرنا هذا على الأقل (1) - ما نالَ صنوه الفوائد! وهل يكون الفوائد إلا قطرةً في بحرٍ لُجِّيٍّ من فوائد البدائع؟! وسبب ذلك -عندي - أن فوائد الكتاب عالية الرتبة، تَوَلَّجَ المؤلفُ فيها إلى دقائق الفنون، خاصة العربية، وهذه الدقائق والمباحث لا يفهمها المبتدئ والمقلِّد، كما يقول المؤلِّف في كتابه هذا (3/ 889). فبقي الكتاب لا يستفيد منه إلا الخاصةُ وخاصتُهم.

    وقد اتَّجَه العزمُ إلى تحقيق هذا الكتاب من بضع سنوات خلت، إلا أن العمل فيه كان متقطِّعًا، إلى أن صمدت له أخيراً ليكون باكورة هذا المشروع المبارك -إن شاء الله تعالى - آثار الإمام الحافظ ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال تحتَ رعايةِ ونظر شيخنا العلامة أبي عبد الله بكر بن عبد الله أبو زيد، ناشرِ علومِ الإمام ابن القيم وفقهِهِ وتراثِهِ -أحسنَ الله إليه وبارك في عمره-.

    وقد مهَّدْت بين يدي الكتاب بمباحث متعددة هي:

    * اسم الكتاب.

    * تاريخ تأليفه.

    * إثبات نسبته للمؤلف.

    * التعريف بالكتاب، فيه: .

    أهميته، وميزاته، ومنزلته بين كتب المصنِّف. (1) ومن الغرائب أن نسخ البدائع كثيرة جدًّا، أما كتاب الفوائد فلم نعثر له إلا على نسخة فريدة -هي التي طبع عنها الكتاب أول ما طبع - فهل كان البدائع أكثر شهرة وتداولاً من الفوائد؟! .

    • العلوم التي حواها، ومُجْمَل ترتيبه.

    • علاقته بكتاب الفوائد.

    • سماتُ الكتاب ومعالم منهجه.

    * إفادة العلماء منه ونقولهم عنه، وثناؤهم عليه.

    * موارده فيه.

    * بَيْن ابن القيم في (البدائع) والسُّهيلي في (النتائج).

    * مختصراته والمباحث المستلَّة منه.

    * طبعاته.

    * نسخه الخطيَّة.

    * منهج العمل فيه.

    * نماذج من النسخ الخطيَّة.

    وأنا أرجو -بعملي هذا - أن أكون قد أسهَمْتُ في توسيع دائرة الإفادة من الكتاب، بما أقمتُ من نصِّه؛ وبما أظهرتُ من مكنونات علومه وفوائده؛ وبما كشفتُ من خبايا زواياه؛ وبما قدَّمْتُ بين يدي الكتاب من مباحث بسطتُ القولَ فيها بما يُلاقىِ مكانةَ الكتاب ومكانةَ مؤلِّفِه، مع اعترافي قبل: ذلك وبعده بالعجز والتقصير، والله المستعان.

    اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد.

    وكتب

    علي بن محمد العمران

    9/ ربيع الأول/ 1424

    في مكة المكرمة حرسها الله تعالى *

    اسم الكتاب

    لا يختلف الذين ذكروا هذا الكتاب أن اسمه: بدائع الفوائد، سواء الذين ترجموا للمؤلف؛ كالصفدي في أعيان العصر: (4/ 370)، والوافي بالوفيات: (2/ 271)، وتلميذه ابن رجب في الذيل على طبقات الحنابلة: (2/ 450)، والحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة: (3/ 402)، والسيوطي في بغية الوعاة: (1/ 63) وغيرهم.

    = وسواء الذين نقلوا عن الكتاب واقتبسوا منه؛ كابن مفلح في الفروع والمرداوي في الإنصاف، والمناوي في الفيض، والشوكاني والقِنّوجي وغيرهم (كما سيأتي مشروحًا).

    ثم وجدنا هذا الاسم بدائع الفوائد هو الثابت على النُّسَخ الخطية التي وقفنا عليها، أو الموصوفة في الفهارس.

    فثبت أن هذا هو اسمه.

    ولا يُعَكِّر على ذلك ما وقع في كشف الظنون -وتابعه عليه صاحبُ هدية العارفين - من الاختلاف.

    فقد وقع فيهما على وجهين:

    1 - وقع باسم (بدائع الفرائد) -بالراء - (الكشف: 1/ 230، وهدية العارفين: 6/ 158).

    وهذا لا يعدو أن يكون أحد التحريفات الكثيرة في الكتابين.

    2 - ووقع -أيضًا - باسم (بديع الفوائد) (في الكشف: 1/ 235 وحده).

    وكان يمكن أن نعتبر هذا الوجه في التسمية أحد التحريفات، لكن يُعَكّر عليه أن الحاج خليفة قد ساقه بين كتبٍ كلُّها تُسمَّى بـ "بديع كذا وكذا. .

    "، فلعلَّه وقف على نسخة بهذا الاسم وهو احتمال ضعيف، أو تصَحَّف عليه الاسم، أو غير ذلك.

    ويبقى أن بعض العلماء قد يختصر اسمه عند النقل منه، فيسمِّيه البدائع كما وقع لجماعةٍ منهم.

    ومما يُلاحظ هنا أن المصنِّف -رحمه الله - لم يُسَمِّ كتابَه في أوله ولا في أثنائه، ولا في كتبه الأُخرى، ولا نقل عه أحدٌ أنه سمَّاه بهذا الاسم، ومن عادة ابن القيم الاعتناءُ بتسمية كتبه، واختيار العناوين المناسبة المسجوعة لها، فمن أين جِيء بهذا الاسم؟ .

    يُمكن القول: إن المؤلف إما أن يكون قد سمَّاه بذلك في صفحة العنوان من النسخة التي بخطه، فنُقِلت التسمية من هناك، كما نراه فى النسخ الفرعية التي وقفنا عليها أو وُصِفت. وهذا الموضع -أعني صفحة العنوان - من أَلْيَق المواضع بتسمية الكتاب ومعرفة عنوانه. فكم هي تلك الكتب التي إنَّما عُرِفت أسماؤها من صفحات عنواناتها، ولا أثر لتسميه الكتاب في مقدمته! -وهذا هو الأرجح-.

    وإما أن يكون -الاسم - مأخوذًا من تسمية من بعده من التلاميذ أو النُّسَّاخ، مستلْهِمِين ذلك من عَنْوَنة المؤلف لكثير من فوائد الكتاب بقوله: فائدة بديعة (تبدأ هذه العنونة من: 1/ 160 فما بعدها).

    ومع أن هذه العنونة ليست هي الغالبة، بل الغالب هو قوله فائدة فقط، إلا أن المؤلف رأى تخصيص هذا الكتاب بهذا الاسم (لفائدة بديعة) = ليَمِيْز بينه وبين كتابه الآخر الفوائد، ولعلّه من أجل ذلك تعمَّد هناك ألا يعنون بـفائدة بديعة -مع اشتراكهما في بعض الفوائد - ليَسْلم لهذا الأخير اختصاصُه بهذه الفوائد البدائع، والله أعلم.

    *

    تاريخ تأليفه

    لما كانت طبيعة الكتاب وموضوعه جمع الفوائد والشوارد والنِّكات وما شابهها، مما يُوْقَف على أكثره بالمطالعة، أو ينقدح بعد التأمل والتفكّر في الذهن = فإن تحديد وقت لبدء تأليف الكتاب ونهايته يُعد أمرًا عسيرًا ما لم يصرِّح به جامعه، أو تدلُّ عليه إشاراته وإيماءاته في تضاعيف كلامه وشأنُ هذه الكتب أن تُجْمع مع طول الأيام.

    إذا تقرر ذلك، فلا بأس إذًا من تلمُّس إشارات في ثنايا الكتاب: ترشد إلى تاريخ تأليف الكتاب جملةً، أو تاريخ كتابة تلك الفائدة -التي وُجدت فيها تلك الإشارة - على الأقل، إذ قد يكون بين كل فائدة وأخرى زمنٌ ليس بالقليل، لما وصفناه سابقًا.

    فمن تلك الإشارات: إحالاته على كتبه الأخرى لاستيفاء مبحث أو نحوه، فهذا دليل في الغالب -وإن كان يحتمل غير ذلك - على أن كتابنا أُلِّف بعد ذلك الكتاب المحال إليه.

    وقد أحال ابن القيم على عددٍ من كتبه (انظر فهرس الكتب) كـ التحفة المكية، وجِلاء الأفهام، وكتبٍ أخرى لا نعرف عنها إلا أسمها، أما الجِلاء فَلم نعرف تاريخ تأليفه. وكتبه الأخرى لم نقف عليها.

    لكن الإشارة التي نستفيد منها هي إحالته على كتاب تهذيب سنن أبي داود، فقد ذكره في: (2/ 668)، وقال: وقد ذكرنا هذه المسألة مستوفاة بما أمكننا في كتاب تهذيب السنن" اهـ وهذا الموضع موجود فيه: (8/ 75 - 77).

    وقد وقع في آخر تهذيب السنن التنضيص على سنة تأليفه وأنها سنة (732) بمكة المكرمة -حرسها الله-.

    وعلى هذا فكتاب (بدائع الفوائد) قد أُلِّف بعد سنة (732).

    ومما يؤيّد هذا -أيضًا-: كثرة نقل المؤلف عن شيخ الإسلام ابن تيميّة -رحمه الله-، وذكره لاختياراته، وجوابه على سؤالاته، وذكر بعض أحواله -مع الدعاء له بالرحمة - وذلك وإن لم يكن صريحًا في النقل عنه بعد وفاته (أي بعد سنة 728)؛ إذ يحتمل أن يكون الدعاء له من النُّساخ = فإنه قد ذكر في موضعٍ ما يقطعُ بأن تاريخ كتابة تلك الفائدة -على الأقل - إنما كان بعد وفاة شيخ الإسلام، ففي: (3/ 1113) ذكر ابن القيم محاورة بينه وبين شيخه، ثم ذكر إيرادًا وقال عقبه: ولم أسأله عن ذلك، وكان يمنع ذلك، ويختار ... اهـ. فلو كان حيًّا لسأله.

    وهذا ظاهر فيما أشرنا إليه. والله أعلم.

    ***

    * إثباتُ نسبة الكتاب إلى مؤلٌفه

    دلائل صحة نسبة كتاب بدائع الفوائد إلى مؤلِّفه كثيرة، نذكُرُ هنا أهمها:

    1 - ذَكَر عامَّةُ من ترجم للمؤلف أن له كتابًا بهذا الاسم، ووصفه بعضُهم بما يُطابق محتواه، من كونه كثير الفوائد، فيه كثير من المسائل النحوية (1)، وأنه كالتذكرة له (2).

    2 - جاءت نسبة الكتاب إلى مؤلِّفه في جميع النسخ الخطية التي وقفنا عليها أو وُصِفت في الفهارس.

    3 - إحالات المؤلف على كتبه (انظر فهارس الكتب)، فقد أحال على تهذيب سنن أبي داود ووجدنا النقل فيه (انظر ما تقدم ص/12)، وأحال على جلاء الأفهام في موضعين: (2/ 685 و 688).

    4 - نقول العلماء عن الكتاب باسمه الخاص، مع وجود تلك النقول في أماكنها في الكتاب، من مثل ابن مفلح في الفروع، والمرداوي في الإنصاف، والسيوطى في الإتقان، والزركشي في البرهان، والشوكاني في النيل وغيرهم (كما سيأتيِ مفضَّلاً في بابه).

    5 - كثرة نقول المؤلِّف عن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، فقد نقل عنه في أكثر من أربعين موضعًا (انظر فهرس الأعلام) على (1) انظر: بغية الوعاة: (1/ 63) للسيوطي.

    (2) انظر: نظم الدرر: (1/ 73) للبقاعي.

    طريقته المعهودة في النقل عنه؛ كقوله: قال شيخ الإسلام.. . ، أو سمعت شيخ الإسلام.. . ، أو وأختار شيخنا، وقال لي ونحوها.

    6 - كثيرًا ما نجد توافقًا بين مباحث الكتاب ومباحث ابن القيم في كتبه الأخرى، سواء في التقرير أو النقول أو الاختيارات، وذلك بالتوافق التام حينًا، وبالمعنى حينًا آخر، وبالاختصار تارةٌ، والتوسع والبسط تارةً أخرى، كما بيّنا بعضه في حواشي الكتاب.

    7 - طريقة المؤلف وأسلوبه المعروف ظاهر في الكتاب، لا يخفى على من أَلِفَ أُسلوبَه واعتادَ طريقته.

    وهذه الدلائل كافية لإثبات نِسبة الكتاب إلى مُؤلِّفه.

    *** *

    التعريف بالكتاب

    وفيه مباحث:

    • الأول: أهميَّته، وميزاته، ومنزلته بين كتب المصنِّف.

    تتجلى أهمية الكتاب في نقاط عدة، نذكر هنا أهمها، وسيأتي ذكر بعضها عَرضًا في مباحث المقدمة، تظهر بالتأمل.

    1) أنه أكبر آثار المصنِّف -وُجِد - فيما يتعلَّقُ بالعربية وعلومها.

    ومباحثها، نعم للمؤلف عدة كتب في علوم العربية، مثل معاني: الأدوات والحروف، ومسائل الخلاف بين الكوفيين والبصريين وغيرها، وله مباحث متفرقة في ثنايا كتبه، لكن كتبه المفردة لم يصلنا منها شيء، ومباحثه المضمَّنة قليلة مقارنة بمسائل هذا الكتاب. ونظرة إلى فهرس مسائل النحو والصرف والبلاغة تُفصح عما وصفناه.

    2) كما تظهر أهميته في أن المؤلف -رحمه الله - لم يكن فيما يورده من مباحث العربية ناقلاً فحسب، بل كان ناقلاً ناقدًا. ولم يكن يستكثر من مشهور مسائل الفن، بل يغوص في أعماقه ويستجلي أسراره، ويُنقِّب عن كنوزه ومكنوناته، فأتى فيه بكل عجيبة مستحسنة، وكل بديعة مُستملحة. وما فتئ المؤلف يستحسن هذه المباحث ويُشيد بها، ويبين عِزَّتها، ولطفها، ودقتها. ولنضرب أمثلة:

    قال في موضع: فتأمل هذا النحو ما ألطفه وأغربه وأعزه في الكتب والألسنة (1).

    وقال في موضع آخر: فليُنزِّه الفَطِنُ بصيرته في هذه الرياضِ المونقة المعْجِبة، التي ترقص القلوب لها فرحًا، ويغتذي بها عن الطعام والشرابَ (2).

    وقال أيضًا: فهدا من أسرار الكلام وبديع الخطاب الذي لا يُدركه إلا فحول البلاغة وفرسانها (3).

    وقال في موضع: ولا تستطل هذا الفصل، فإنه يحقق لك فصولاً لا تكاد تسمعها في خلال المذاكرات، ويُحصِّل لك قواعد وأصولاً لا تجدها في عامة المصنّفات (4).

    وقال في مواضع عدة: إن هذا من لطيف العربية ودقيقها (5).

    وقال في مواضع: إن هذا البحث من فقه النحو (6).

    وفي موضع: من بديع النحو (7).

    (3) اشتماله على تفسير كثير من الآيات الكريمة (وقد صنعنا لها فهرسًا خاصًا) وهو في تفسيره لتلك الآيات يغوص إلى ما تضمنه القرآن من الأسرار والحكم والعجائب والإعجاز. (1) (1/ 197).

    (2) (1/ 208).

    (3) (1/ 246).

    (4) (1/ 268)، ومثله: (2/ 540، 610، 4/ 1603).

    (5) (1/ 333)، ومثله: (1/ 355، 2/ 607).

    (6) (1/ 355) و (1/ 358).

    (7) (1/ 327).

    والمؤلف يلفت نظر القارئ في أحيانٍ كثيرة إلى تلك المباحث، فتراه يقول في موضع: واعرف قدر القرآن وما تضمنه من الأسرار وكنوز العلم والمعارف التي عجزت عقول الخلائق عن إحصاء عُشر معشارها (1).

    وقال في موضع آخر: فتأمل هذا الشرّ العجيب ولا يَنْبُ عنه فهمك، فإنه من الفهم الذي يؤتيه الله من يشاء في كتابه (2).

    كما أنه قد فسَّر سورًا بكاملها بما لم يُسْبَق إليه، مثل سورة الكافرون: (1/ 234 - 249)، والمعوِّذتين: (2/ 699 - 825)، كما فسّر آيات تفسيراً واسعًا يصلح أن يكون جزءاً مفردًا مثل قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)}: (2/ 406 - 453) فذكر فيها عشرين مسألة. وقوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ... إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)} [الأعراف: 55]: (3/ 835 - 889).

    ومما تغرَّد به هذا الكتاب: جزء في تفسير آيات من القرآن عن الإمام أحمد رواية المرُّوْذي، نقله المصنف من خط القاضي أبي يعلى: (3/ 1015 - 1034) (3).

    (4) ومن ميزات هذا الكتاب التي لا توجد مجتمعة في غيره، تلك التأصيلات والتحريرات والقواعد في مسائل الأسماء والصفات: (1/ 280 - 300) مما جعلها عمدة لكل كاتب في هذه المسائل ممن (1) (2/ 654).

    (2) (2/ 694).

    (3) كما بث المؤلف كثيرًا من القواعد فى التفسير وعلوم القرآن (صنعنا لها فهرسًا)، وأفردْتُ قواعده التفسيرية في بحث لي مستقلّ.

    أتى بعد المؤلف. وقد صنعنا لهذه القواعد فهرسًا ضمن فهرس مسائل العقيدة في آخر الكتاب.

    (5) ومن ميزاته كثرة نقول المؤلف -رحمه الله - عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية (انظر فهرس الأعلام)، وبعض هذه النقول لا توجد في غيره من الكتب مما يُكْسبه أهمية أخرى، وذلك مما جعل الشيخ عبد الرحمن بن قاسم -رحمه الله - يستلُّ منه بعض هذه النقول والفتاوى ويدرجها في مجموع الفتاوى كما في: (4/ 393 - 394) و (25/ 286 - 287، 288 - 289) (1).

    (6) واشتمل الكتاب -أيضًا - على كثير من التحريرات والقواعد والضوابط الفقهية والأصولية، فضلاً عن اشتماله على كثير من مسائل الفقه والأصول.

    (7) كما اشتمل على كثير من مسائل الإمام أحمد -رحمه الله - التي هي الآن في عداد المفقود، فصار مرجعًا مهمًّا لتوثيق كثير من الروايات المنقولة في الكتب. ولا يُخلي المصنف تلك الروايات من الشرح والتوجيه والجمع بين ما تعارض منها (وقد صنعنا فهرسًا لتلك الروايات في موارد المصنف وفي الفهارس).

    (8) وفي الكتاب كثير من المباحث التي تصلح أن تُفْرد بكتاب أو رسالة مستقلة -وقد كاد - كما سيأتى بيانُ بعضًها في مبحث الكتب المستلّة منه.

    (9) كما حفظ لنا نصوصًا كثيرة من كتب هي في عداد المفقود (1) وهذه النقول في البدائع: (3/ 1102 - 1106).

    اليوم، يتبين ذلك بالنظر في (موارد المصنف).

    <رمز>•

    المبحث الثاني: العلوم التى حواها، ومُجْمَل ترتيبه.

    كتاب بدائع الفوائد كتابٌ جامع كما ذكر جلال الدين السيوطي في الإتقان (1)، وهو الشأن في عامة الكتب المؤلفة على هذه الطريقة وذكر في كتابه الآخر بغية الوعاة (2): أن أكثره مسائل نحوية.

    وهذه الأكثرية التي ذكرها السيوطي تكون صحيحة إما باعتبار تتابع مباحث العربية بلا فاصل من فنون أخرى، كما هو شأن أكثر

    المجلد الأول

    . أو باعتبار تناسبها مع مادة الفنون الأخرى، فهي بالمقارنة مع كل فن على حدة تبدو الأكثر ظهوراً في الكتاب. لكن لو قورنت مباحثُ العربية ببقية الفنون لكانت تكُوْن نحو ثلث الكتاب، أي أكثر من خمسمئة صحيفة منه، ومن هاتين الجهتين يصدق كلام السيوطي: أما مسائل الكتاب من حيث كثرة العدد، فإن الفقه هو أكثرها، يليه العربية وعلومها، ثم التفسير، ثم العقيدة، فبقيَّة الفنون (انظر الفهارس الموضوعية).

    هذا من جهة الأكثرية، أما العلوم التي تضمَّنها الكتاب فهي غالب العلوم الإسلامية، من التفسير وعلومه، والقرآن وعلومه، والحديث وشرحه والاستنباط منه، والفقه وأصوله وقواعدهما، والتاريخ والتراجم، والعربية وعلومها من: نحو وصرف وبلاغة، (1) (1/ 24).

    (2) (1/ 63).

    والعقيدة وتقريرها والرد على المخالفين. كما اشتمل على ضروب من العلم، كالمناظرات، والفروق، والقواعد، والضوابط، والمواعظ، والحكم، والأشعار، واللطائف، والفوائد.

    أما ترتيب الكتاب؛ فلم يكن للمؤلف نَهْج مُتَّبع يسير عليه -كما هو حال هذه الكتب - إلا ما كان من تسلسل مباحث النحو والعربية في أول الكتاب بعد استفتاحه بطائفة من مسائل الفقه، ثم صار ينتقل من فن إلى فنٍّ، ومن دوحةٍ إلى أخرى.

    ولا بأس من عرضٍ موجزٍ لأهم أبحاث الكتاب وموضوعاته، التي تمثل وحدات موضوعية، أو مباحث متسلسلة، بحسب وضع الكتاب.

    (1)

    المجلد الأول

    - بحوث فقهية: 1/ 3 - 13

    - مباحث نحوية (أكثرها من النتائج): 1/ 13 - 233

    - تفسير سورة الكافرون: 1/ 234 - 249

    - مباحث نحوية: 1/ 250 - 280

    - مباحث جليلة في الأسماء والصفات: 1/ 280 - 300

    - مباحث نحوية: 1/ 301 - 384

    (2)

    المجلد الثاني

    - عشرون مسألة في قوله تعالى:

    {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)}: 2/ 406 - 453 - مسائل نحوية ولغوية: 2/ 452 - 576

    - عشر مسائل في قولهم (هذا بسرًا أطيب منه رطبًا): 2/ 577 - 593

    - ثمانية وعشرون سؤالاً في (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته): 2/ 594 - 698

    - تفسير المعوٍّذتين: 2/ 699 - 825

    (3)

    المجلد الثالث

    - فصل في قوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ... إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)}: 3/ 835 - 889

    - مسائل نحوية: 3/ 989 - 915

    - واو الثمانية و (لولا): 3/ 915 - 922

    - مباحث في الاستثناء: 3/ 922 - 954

    - فوائد من خط القاضي أبي يعلى: 3/ 955 - 993

    - منتقيات من خط القاضي أبي يعلى: 3/ 994 - 1015

    - جزء في التفسير للإمام أحمد: 3/ 1015 - 1034

    - فوائد في كلام ابن عقيل وفتاويه: 3/ 1035 - 1176

    - مواعظ من المدهش لابن الجوزي: 3/ 1176 - 1233 - فوائد من الفروق للقوافي مع التعليق عليها 3/ 1236 - 1252

    - ثلاث قواعد في الشك والاشتباه: 3/ 1253 - 1283

    - فقهيات ومنتقيات: 3/ 1283 - 1291

    (4)

    المجلد الرابع

    - مباحث أُصولية وفقهية: 4/ 1305 - 1351 -

    - من فتاوى أبي الخطاب وابن عقيل وابن الزاغوني: 4/ 1353 - 1377

    - مباحث فقهية أصولية: 4/ 1378 - 1387

    - منتقيات من روايات الإمام أحمد: 4/ 1387 - 1448

    - منتقيات لبعض كتب الحنابلة من خط القاضي أبي يعلى: 4/ 1448 - 1526

    - فصول عظيمة في إرشاد القرآن والسنة إلى طرق المناظرة وتصحيحها: 4/ 1533 - 1610

    - مباحث أصولية: 4/ 1611 - 1629

    - مباحث نحوية ولغوية: 4/ 1630 - 1656

    - مباحث أصولية: 4/ 1656 - 1662

    - فوائد متفرقة: 4/ 1664 - 1667 وهذا العرض -على طوله - مفيد في إعطاء صورة شاملة سريعة لمحتوى الكتاب وطريقة ترتيبه، وتوزع الفنون فيه، وكم تستوعب من حجم الكتاب في الجملة، ولا يخفى أن هناك الكثير من الفوائد والمباحث والنِّكات لم نُشِر إليها؛ لأن الغرض هو الوصف الجُمْلي للكتاب حَسْب.

    المبحث الثالث: علاقته بكتاب الفوائد

    .

    قد يظن الظانُّ -لأول وهلة - أن كتاب الفوائد مختصر أو منتقى من كتاب بدائع الفوائد بالنظر إلى حجم الكتابين، واتحاد موضوعهما، مع ما توحيه تسمية الكتابين من خلاف هذا الظن، إذ المظنون أن يكون الفوائد هو الأوسع، ثم تُنتقى بدائعها في كتاب مستقلّ.

    لكن كل ذلك لم يكن، فليس الفوائد منتقًى منه، بل هو كتاب مستقلّ برأسه، ولنعقد بعض المقارنات بينهما، تظهر من خلالها سمات كل كتاب:

    1 - الفوائد يكون في ربع حجم البدائع.

    2 - لم يتبين أيهما المتقدم على الآخر في زمن التأليف.

    3 - يغلب على البدائع المسائل العلمية من عقيدة وفقه.. . مع تحقيق وإطالة نفس، بينما يغلب على الفوائد الوعظ والترقيق، والاختصار في العرض، مع سهولة عبارته وقرب مأْخَذِه.

    4 - البدائع يَكْثُر فيه النقل عن العلماء ومصنفاتهم مع تعليق المؤلف عليها، بينما الفوائد أكثره خواطرُ وتأملات، وفِكر وتجلِّيات، ويقل فيه النقل جدًّا.

    5 - وَقَع اتفاق بين الكتابين في النقل عن المدهش لابن الجوزي بدون عزوٍ، الفوائد: (ص/ 145 - 151، 357 - 405)، والبدائع: (3/ 1176 - 1233). وهو الموضع الوحيد الذي يتفق فيه الكتابان. وقد نقل المؤلف في الفوائد عن المدهش في مواضع أخرى كثيرة.

    هذا أهم ما يمكن إبرازه في المقارنة بين الكتابين. وبالجملة فكتاب البدائع كتاب علم وتحقيق مع شيءٍ من المواعظ واللطائف، وكتاب الفوائد كتاب مواعظ وترقيق مع شيءٍ من العلم والتحقيق.

    المبحث الرابع: سمات الكتاب ومعالم منهجه

    .

    هذه بعض السمات والمعالم التي تبدَّت لنا في الكتاب، وهي تكفي للخروج بتصور واضح جليٍّ عن الكتاب وطريقة مؤلفه فيه، وسنذكرها في النقاط الآتية:

    (1) أن كثيرًا من فوائد الكتاب نقول عن مصادر أخرى، يُصرِّح المؤلف بها حينًا ويُغفلها أخرى، وقد يصرِّح بمؤلفيها وقد يُغفل الجميع (انظر مبحث موارد المصنف)، وهذا عائد إلى طبيعة الكتاب، فهو كالتذكرة.

    (2) لم يكن المؤلف متخيِّرًا فحسب، بل كانت له تعليقات ضافية، وإضافات سابغة على كثير من النصوص المنتخبة، وهذه التعليقات إما أن تكون تصحيحًا لوهم أو خطأ، أو تكميلاً لنقص، أو إضافة في البحث، أو تبيينًّا لمجمل، أو تنبيهًا على فائدة بديعة، ونكتة لطيفة.

    ومن العلماء الذين ناقشهم في الكتاب: (السهيلي -وأكثر من ذلك - والقرافي وأبو يعلى، وابن عقيل، وشيخه ابن تيمية، وابن العربي، وسيبويه، وابن قدامة والعز بن عبد السلام وابن جني، وابن الطراوة، والزمخشري).

    وكان في ذلك كله متأدّبًا بأدب العلماء؛ من أمانة النقل، والثناء على العلماء بما أحسنوا فيه، والانقياد للحجة والبرهان، وأدب المناظرة والاحتياج للخصم بكل دليل يصلح له (1).. . مع ما قد يعتريه -أحيانًا - من الشدة في الرد، كقوله: (1/ 347): وفي هذا من التعسُّف والبعد عن اللغة والمعنى ما لا يخفى، ومثله (2/ 566). وقوله: (2/ 414): فهذا جواب فاسد جدًّا. وقوله: (2/ 514): والذي ذكره أبو الحسين -أي ابن الطراوة - غير حَسَن، بل باطل قطعًا.

    وهو بعد هذا كله يعلن تواضعه وحسن قصده فيقول: (2/ 668): فهذا ما ظهر في.. . فمن وجد شيئًا فليلحقه بالهامش، يَشكر الله وعبادُه له سعيَه، فإن المقصود الوصول إلى الصواب، فإذا ظهر وُضِعَ ما عداه تحت الأَرْجُل اهـ.

    (3) الأمانة العلمية، فإنه قد صرَّح بالنقل عن غالب من نقل عنهم، وهذا المنهج هو الذي ارتضاه المصنف لنفسه -ويرتضيه كل منُصف - وقد صرّح المؤلف بهذا المعنى أتم تصريح إذ قال: (1/ 249) -بعد تفسير سورة الكافرون-: "فهذا ما فتح الله العظيم.. . من غير استعانة بتفسير، ولا تتبّع لهذه الكلمات من مظان توجد فيه.. . واللهُ (1) انظر (3/ 1139).

    يعلمُ أني لو وجدتها في كتاب لأضفتها إلى قائلها ولبالغت في استحسانها .. " اهـ.

    وقال في موضع آخر (1/ 361): فهذا ما في هذه المسألة، وكان قد وقع لي هذا بعينه أيام المقام بمكة، وكان يجول في نفسي فأضرب عنه صفحًا؛ لأني لم أره في مباحث القوم، ثم رأيته بعدُ لفاضلين من النحاة؛ أحدهما: حام حوله وما ورَدَ، ولا أعرف اسمه. والثاني: أبو القاسم السُّهيلي -رحمه الله - فإنه كشفه وصرَّح به.. . اهـ.

    وقال بعد أن قرر بعض المسائل: (2/ 418): ثم رأيتُ هذا المعنى بعينه قد ذكره السهيلي، فوافق فيه الخاطرُ الخاطرَ اهـ.

    وقال في: (2/ 528): فتأمل هذه المعاني.. . وقد ذكرنا من هذا وأمثاله.. . ما لو وجدناه لغيرنا لأعطيناه حقه من الاستحسان المدح.. . اهـ.

    (4) أن غالب هذه الفوائد قد كتبها المؤلف من الخاطر، دون مراجعة كتاب، مع بُعْده عن كتبه وعدم تمكنه من مراجعتها، فقال في (1/ 249): فهذا ما فتح الله العظيم به من هذه الكلمات اليسيرة النزرة.. . من غير استعانة بتفسير، ولا تتبع لهذه الكلمات من مظانَّ توجد فيه، بل هي استملاء مما علمه الله وألهمه بفضله وكرمه.. . اهـ وتقدم نقل باقيه قبل قليل.

    وقال في موضع آخر: (2/ 592): فهذا ما في هذه المسألة المشكلة من الأسئلة والمباحث علّقتها صيدًا لسوائح الخاطر فيها خشية ألا يعود، فليسامح الناظر فيها، فإنها عُلِّقت على حين بُعدي عن كتبي، وعدم تمكني من مراجعتها، وهكذا غالب هذا التعليق إنما هو صيد خاطر، والله: المستعان اهـ.

    فقوله: هذا التعليق يُفهم منه أن التعليقات والإضافات التي يضيفها على الفوائد المنقولة = إنما هي من رأس القلم دوَن مراجعة كتاب، أو حالَ السفر مع بعده عن كتبه، وهذا قريب. ويُفهم أيضًا أنَّه أراد جُملة الكتاب: بنقوله وتعليقاته، وهو ظاهر كلامه، وليس ذلك ببعيد، مع ما آتاه الله من قوَّة الحفظ وسَعَة الاطلاع والتبحُّر في العلم، ولا يبعد -أيضًا - وقد ألّف بعض كتبه في حال السفر وبعده عن الكتب، مثل زاد المعاد وتهذيب السنن ومفتاح دار السعادة: وروضة المحبين والفروسية (1) مع ما فيها من التوسّع والتحقيق والنقول! .

    (5) أما فوائده التي يسوقها، فكان يُصَدِّرها بعناوين مختلفة، فأكثر تلك الألفاظ استخدامًا هو لفظ (فائدة) مجردة، ثم لفظ (فصل)، ثم (فائدة بديعة) وقد ابتدأ هذا العنوان من: (1/ 160)، ثم تليها عبارات استخدمها المرة بعد المرة مثل (مسألة، وفوائد شتى، وفصول، وقاعدة).

    (6) الاستطراد (2).

    ونُدوِّن هنا بعض الملحوظات على استطرادات المؤلِّف.

    (أ) يستطرد المؤلف في أحيانٍ كثيرة، ثم يطلب من القارئ عدم (1) أبو قيِّم الجوزية: حياته، آثاره، موارده: (ص / 60).

    (2) انظر المصدر السابق: (ص / 103 - 109)، وهو مهم.

    استطالته؛ لأنه -أي الاستطراد - يكون أحيانًا أهم مما سِيق الكلام من أجله (1)، وذلك في المواضع الآتية: (1/ 128، 268 و 2/ 629، 665، 724 و 4/ 1598).

    (ب) يستطرد في أحيانٍ قليلة، ثم يعتذر بأنه من باب تكميل الفائدة، كما في: (2/ 538، 620).

    (جـ) قد يكون مجال الاستطراد فسيحًا، إلا أن المؤلف يُحْجم عنه؛ لأن هذا ليس موضعه، كما في: (1/ 343، 375 و 2/ 585، 643).

    بل يقول: إنه لو استطرد لاحتاج إلى سِفْرين، كما في: (1/ 290 و 2/ 697، 774).

    لأجل هذا تراه كثيرًا ما يحيل على كتبه الأخرى لاستيفاء مبحثٍ ما، خاصة التحفة المكية، وربما وعد بتأليف كتاب أو رسالة مستقلة في المسألة أو الآية التي يشرحها، كما في: (3/ 877 - 878 و 4/ 1591 و 1/ 300 و 2/ 605) وغيرها.

    (7) التكرار (2). (1) وقد ذكر المصنِّف -رحمه الله - في مدارج السالكين: (2/ 306) عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه (كان إذا سُئل عن مسألة حُكمية، ذكر فى جوابها مذاهب الأئمة الأربعة إذا قَدِر، ومأخْذ الخلاف، وترجيح القول الراجح، وذكر متعلقات المسألة التي ربما تكون أنفع للسائل من مسألته. فيكون فرحه بتلك المتعلقات واللوازم أعظم من فرحه بمسألته) اهـ وذكر أن هذا من الجود بالعلم، وذكر أمثلة من أجوبة النبي - صلى الله عليه وسلم - على هذه الطريقة.

    (2) انظر توجيه هذه الظاهرة فى كتاب ابن قيم الجوزية: (ص/ 122 - 128) وإن كان التكرار الذي نعنيه هنا أخص؛ لأنه في كتاب واحد، لا عدة كتب.

    وقع للمؤلف -رحمه الله - تكرار بعض المباحث في الكتاب، فيعيد البحث في المسألة الواحدة في موضعين دون الإشارة إلى أنه قد تقدم بحثها أو سيأتي البحث فيها، لكن يلاحظ في هذه المواضع: أن كلاًّ منها يقدم جديداً إلى المسألة المطروقة من زيادة استدلال وتحقيق، أو بسط وتوسع، إلا في مواضع يسيرة حصل للمؤلف نقل بعض الروايات عن الإمام أحمد، ثم أعادها مرة أخرى! فهدا يدلّ أن المؤلف كان يكتب هذه الفوائد والتعاليق على فترات متباعدة، وإلا لضم النظير إلى نظيره (1) أو تكلَّم عنها في موضع واحد، أو أشار إلى تقدم البحث فيها. وهذا بيان المسائل التي أعاد المؤلِّف البحثَ فيها:

    • التفضيل بين السمع والبصر: (1/ 123 - 130 و 3/ 1106 - 1108).

    • دخول الشرط على الشرط في الطلاق: (1/ 101 - 106 و 3/ 1237 - 1241).

    • العمل بالقرائن والفراسة: (3/ 1037، 1089 - 1096 و 4/ 1319 - 1322).

    • مسائل في الشكِّ: (3/ 1276 - 1283 و 4/ 1338 - 1339).

    • مسائل الفضل بن زياد القطان: (3/ 986، 991، 1002 و 4/ 1406، 1411). (1) قد يُحيل في موضع على كتابٍ آخر له، ثم هو يستوفي الكلام عليه في موضعٍ آخر من الكتاب -أعني البدائع - كما وقع له في: (2/ 664)، وقد استوفاه في (3/ 915) وهذا يدل على تفاوت وقت تدوين الفائدتين.

    • مسائل الميموني: (3/ 963، 991، 993 و 4/ 1406).

    • البحث في قولهم (في مستقر رحمتك): (2/ 677 - 678 و 4/ 1418 - 1419).

    • بيع المغيَّبات في الأرض: (3/ 1323 و 4/ 1423 - 1424).

    • إذا زوج السيدُ عبدَه: (4/ 1481 - 1483 و 4/ 1519 - 1520).

    • طريقةُ القرآن في إضافة الخير إلى الله والشر إلى غيره: (2/ 420 - 421 و 2/ 724 - 725).

    • قول السيد لعبده: أنت حر.. .: (4/ 1372 و 1399).

    (8) من الظواهر البارزة في كتب المصنف -رحمه الله - كثرةُ ثنائه على مباحثها، وما تفردت به من البحوث العزيزة والتحقيقات النادرة، كما في مفتاح دار السعادة وإعلام الموقعين وحادي الأرواح، وتحفة المودود وجلاء الأفهام، وهي أظهر وأجلى في كتابنا هذا، وله في بيان ذلك والدلالة عليه طرائق: منها: قوله إن فيه ما لا يوجد في الكتب: (1/ 197، 242، 268 و 2/ 610 و 4/ 1603).

    ومنها: أن يحمد الله -تعالى - على ما فتح عليه من العلم والنعم: (1/ 336 و 2/ 540، 694، 697).

    وتارة: بالإشارة إلى ما تضمنته الفائدة من أسرار العلم: (1/ 353، 358 و 2/ 420، 469، 476، 561، 608، 674 وغيرها).

    وتارة: بأن هذا البحث من النِّكات البديعة والمباحث العزيزة: (2/ 403، 411، 457، 463، 527، 576، 607 و 4/ 1603).

    وتارةً: بأن هذه الفائدة تساوي رحلة، أو حصلت بعد سَهَر وتَعَب وفِكْر: (1/ 34 و 2/ 540، 641).

    وتارة: بأن هذا البحث لا يفهمه إلا من آتاه الله فهمًا، أو أنه يحتاج إلى تدقيق

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1