Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

النفح الشذي في شرح جامع الترمذي
النفح الشذي في شرح جامع الترمذي
النفح الشذي في شرح جامع الترمذي
Ebook690 pages5 hours

النفح الشذي في شرح جامع الترمذي

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يعدُّ هذا الكتاب أولَ شرحٍ وافٍ لسنن الترمذي. النفح الشذي في شرح جامع الترمذي: هو أحد أهم كتب الحديث التي كُتبت في شرح جامع الترمذي. ألفه محمد بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن سيد الناس. إلا أنَّ ابن سيد الناس لم يتم كتابه، وقد قال في ذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني عن الكمال الإدفوني: (إنَّ ابن سيد الناس شرع لشرح الترمذي، ولو اقتصر فيه على فن الحديث من الكلام على الأسانيد لكمل، لكنه قصد أن يتبع شيخه ابن دقيق العيد فوقف دون ما يريد). إلا أنَّ ذلك لم يكنْ معيباً فيه، فقد وصفه محمد الشوكاني بأنَّه ممتع في جميع ما تكلم عليه من فن الحديث وغيره. كما أن تلميذ ابن سيد الناس الصلاح الصفدي وصفه بأنه: (جمع فأوعى).
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJan 3, 1902
ISBN9786413691882
النفح الشذي في شرح جامع الترمذي

Read more from ابن سيد الناس

Related to النفح الشذي في شرح جامع الترمذي

Related ebooks

Related categories

Reviews for النفح الشذي في شرح جامع الترمذي

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    النفح الشذي في شرح جامع الترمذي - ابن سيد الناس

    الغلاف

    النفح الشذي في شرح جامع الترمذي

    الجزء 1

    ابن سيد الناس

    734

    يعدُّ هذا الكتاب أولَ شرحٍ وافٍ لسنن الترمذي. النفح الشذي في شرح جامع الترمذي: هو أحد أهم كتب الحديث التي كُتبت في شرح جامع الترمذي. ألفه محمد بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن سيد الناس. إلا أنَّ ابن سيد الناس لم يتم كتابه، وقد قال في ذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني عن الكمال الإدفوني: (إنَّ ابن سيد الناس شرع لشرح الترمذي، ولو اقتصر فيه على فن الحديث من الكلام على الأسانيد لكمل، لكنه قصد أن يتبع شيخه ابن دقيق العيد فوقف دون ما يريد). إلا أنَّ ذلك لم يكنْ معيباً فيه، فقد وصفه محمد الشوكاني بأنَّه ممتع في جميع ما تكلم عليه من فن الحديث وغيره. كما أن تلميذ ابن سيد الناس الصلاح الصفدي وصفه بأنه: (جمع فأوعى).

    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

    حُقُوق النشر مَحْفُوظَة

    النشرَة الأولى 1409 هـ

    دَار العاصمة

    الرياض - المملكة الْعَرَبيَّة السعودية

    ص ب 41507 - الرَّمْز البريدي 11551 - هَاتِف 4915154 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

    (1)

    تقديم

    أهمية تحقيق كُتب السنة عمومًا، وتحقيق هذا الشرح خصوصًا

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين، ورحمة الله للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    ... وبعد:

    فإن تحقيق وضبط نصوص السنة سندًا ومتنًا، هو أساس العناية بها، وطريق الإفادة منها منذ فجر الإسلام؛ حيث قام الصحابة رضوان الله عليهم، ثم من جاء بعدهم بالجمع بين حفظ السنة وضبطها في الصدور، وبين كتابتها وضبطها في المسطور، مع الحرص على صيانة المكتوب عن الدس فيه، وعن تطرق الدخيل إليه.

    ونقل اللاحقون من الأصول الخطية للسابقين نسخًا فرعية، وقابلوها بأصولها المنقولة عنها، وبغيرها، وصار لهم في ذلك أعراف واصطلاحات يعمل بها للتحقق من صحة الفرع، ومطابقته للأصل، مع تصويبهم لما يوجد في صلب النص من خطأ أو مَحْوِهم له، وتداركهم للسقط، وتوضيحهم في الحواشي لفروق النسخ، وللغامض -في نظرهم - من النص.

    وعلى ضوء ذلك تحملوا الثابت المحقق ثم أدوه لمن بعدهم موثقًا بطرق التحمل المعتبرة، فكان ذلك إحياء وحفظًا للسنة ونشرًا لها في كل جيل، وصقع وقبيل، وواكبه إرساء قواعد واصطلاحات للمحدثين في كتابة الحديث وضبطه، وكانت وما زالت تمثل أصول وقواعد تحقيق النصوص عمومًا ونشرها.

    وإيمانًا مني بهذه الأهمية والأصالة لتحقيق نصوص السنة وعلومها، اتجهت -بعد الاستخارة - إلى تحقيق ما تيسر لي من هذا الكتاب، مع التعليق عليه بما رأيت أنه يخدم النص، ويساعد على فهمه والاستفادة منه بإذن الله.

    كما كان اختياري لهذا الشرح دون غيره، لما بدا لي من أهمية خاصة له أُجمِلُها في الآتي:

    1 - إِن هذا من شروح أحد الكتب الستة المشهورة، التي هي: الصحيحان وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، ولم أقف حتى الآن على شرح من شروح تلك الكتب -فضلًا عن غيرها - محققًا تحقيقًا علميًا، حيث إن كل المطبوع بين أيدينا -رغم؛ فائدته الكبرى - مصحح فقط على بعض نسخه الخطية، ومعظم التصحيح، إِن لم يكن كله، بواسطة غير المختصِّين، وكثيرًا ما يضن الطابعون لتلك الشروح بذكر النسخة أو النسخ الخطية التي اعتُمدَتْ قي الطبع حتى يمكننا تحديد درجة الوثوق بتلك الطبعة، ومراجعة أصلها عند الحاجة.

    2 - إن مؤلف هذا الشرح معدود من حفاظ الحديث الذين يعول عليهم، كما سيأتي في التعريف به، وقد صار كثير من آرائه التي أودعها في شرحه هذا، محورًا دارت حوله مناقشات وآراء من جاء بعده، وخاصة ما جاء في مقدمته الثانية لهذا الشرح من المسائل والقواعد المتعلقة بمصطلح الحديث وقواعده عند الترمذي وعند غيره، ويمكن التحقق من ذلك بمراجعة تلك المقدمة مع تعليقي عليها.

    3 - إن هذا الشرح يمثل في عمومه رأس حلقة من حلقات شروح الترمذي بين من تقدم وبين من تاخر من شراحه، كما سيأتي تفصيله، وتلك الحلقة بعضها مفتقد، وإن وجدت بعض نسخه الخطية، وبعضها مفقود حتى الآن.

    فلعل تحقيق ونشر ما وُجد من هذا الشرح ينبه أذهان المختصين بعلوم السنة، والغيورين عليها إلى الشروع في تحقيق الموجود من تلك الحلقة، وإلى البحث الدائب عن المفقود منها، ثم إحياء ما يوجد، بالتحقيق والنشر.

    4 - وأيضًا فإن تحقيق هذا الشرح ونشره يبين عمليًا الفارق العلمي الكبير بين تحقيق نصوص الشروح، وبين تصحيحها فقط دون توثيق أو تعليق.

    وصلتي بهذا الشرح لابن سيد الناس، وبتكملته للحافظ زين الدين العراقي (ت 806 هـ) وما يتعلق بهما من بحوث، كل ذلك يرجع إلى أزيد من خمس عشرة سنة ماضية، عندما كنت أُعِدُّ رسالتي للعالمية (الدكتوراه) بكلية أصول الدين -جامعة الأزهر - في موضوع (الحافظ العراقي وأثره في علوم السنة)، فقد وقفت حينذاك على مجلد وحيد بدار الكتب المصرية من تكملته لهذا الشرح (1)، وهو من مسودة العراقي بخطه، كما يظهر ذلك خلاله بوضوح، ورغم صعوبة قراءة المسوَّدات عمومًا، فإني قد قرأت المجلد بأكمله، كما أن ظروف حرب مصر مع إسرائيل آنذاك قد اقتضت نقل كل المخطوطات إلى مستودعات حصينة لحفظها من أي عدوان مفاجئ، ومُنِع الاطلاع عليها لأجل غير مسمى، فاضطررت خلال فترة الإِنذار بالمنع إلى نسخ معظم هذا المجلد بيدي، واستكمال نسخ الباقي بواسطة بعض إخواني الأفاضل، مع مراجعتي، وقد كان ذلك مما نبهني إلى قيمة تكملة العراقي هذه بالنسبة إلى المتداول من شروح الترمذي حاليًا، ونبهني أيضًا إلى ضرورة البحث عن أول الشرح الذي أنجزه ابن سيد الناس، قبل تكملة العراقي، وكذا البحث عن باقي المجلدات التي لا توجد في القاهرة من تكملة العراقي.

    وقد تبين لي بالبحث في فهارس المخطوطات أن أكبر قدر من نُسخ هذا الشرح لابن سيد الناس، وتكملته للعراقي موجود في مكتبات تركيا والمكتبة المحمودية بالمدينة المنورة، وبمعونة صادقة من بعض زملائي الذي كان يعمل آنذاك بالسعودية، حصلت على صورة ميكروفيلمية للموجود بالمكتبة المحمودية، (1) مخطوط بدار الكتب المصرية برقم (2504) حديث.

    وكذلك حصلت على صورة مماثلة للموجود بتركيا بمعونة كريمة من أحد الأساتذة الذي التقيت به في الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية، وأسال الله تعالى له الرحمة الواسعة.

    وبقراءتي لمعظم الموجود في شرح ابن سيد الناس هذا، ولعدة مجلدات من تكملة العراقي، لمست أهميتهما، مع أنهما غير كاملين، ووجدت أن غيرهما من شروح الترمذي، السابق منها واللاحق حتى الآن، لا يغني عنهما.

    ومن هنا اتجهت بعد الفراغ من مرحلة (الدكتوراه) إلى مواصلة العمل في تحقيق ونشر الموجود من هذا الشرح وتكملته للعراقي.

    وأحمد الله تعالى على توفيقي لذلك -رغم تعدد الصوارف الضرورية - حيث استكملت نسخ الباقي من نسخة تركيا لهذا الشرح، وقابلت جزءًا غير قليل منه، وحققته تمهيدًا لنشره بعد هذا القسم في أقرب وقت بإذن الله.

    كما أني نسخت مجلدين من تكملة العراقي، تمهيدًا لتحقيقها وموالاة نشرهما إذا امتد بي الأجل، مع العافية، وخفة الشواغل العلمية الأخرى، والله الموفق.

    *** (2)

    خطة الدراسة والتحقيق والتعليق

    هذا وقد جعلت خطة إخراج هذا القسم من شرح ابن سيد الناس، بعد تلك المقدمة تنقسم إلى قسمين، تعقبهما الفهارس.

    القسم الأول

    : دراسة عن المؤلف وعن الكتاب وتشمل:

    1 - التعريف بالمؤلف.

    2 - دراسة الكتاب.

    القسم الثاني: ويشمل:

    1 - بيان عملي في تحقيق الكتاب والتعليق عليه.

    2 - النص محققًا معلقًا عليه طبقًا لخطة العمل.

    ثم الفهارس الفنية التي تُيسِّر الاستفادة من الكتاب.

    ولما كان الفهرس التفصيلي لموضوعات أصل الكتاب والتعليق عليه، هو المفتاح لكل مشتملاتهما، والوسيلة المُيَسِّرة للوصول إلى صغير المحتويات وكبيرها؛ لذا، فإني عُنِيتُ بإنشاء عناوين هذا الفهرس وتفصيله، حتى إن القارئ له يكاد يحصل على مختصر لأصل الكتاب والتعليق عليه.

    وقد دعاني إلى ذلك أن التقسيم الموضوعي لأصل الكتاب مجمل جدًّا، نظرًا لما جرى عليه المتقدمون من أن على طالب الاستفادة بكتاب كهذا أن يقرأه كله، حتى يصل إلى خبايا الزوايا، من إلى ما هو في غير المَظِنَّة، أَوْ على الأقل يقرأ الباب المتعلق بموضوعه ليحصل على مطلوبه.

    وفي التعريف بالمؤلف، لم أشأ التوسع في دراسة شخصيته من مختلف جوانبها؛ لأن ذلك ليس مقصودي الأصلي، وفي نفس الوقت لم أجعلها ترجمة تقليدية قاصرة، بل حَرَصْتُ مع الإِيجاز على بيان العناصر المتكاملة لشخصيته العلمية ومكانَتها، مع إبراز الجانب الحديثي الذي غلب عليه وعُرِف به، وظهر نتاجه العلمي في إطاره، وفي مقدمته ما شرحه من جامع الترمذي الذي وفقني الله تعالى لتحقيق هذا القسم منه، مع التعليق عليه.

    فذكرت اسمه ونسبه، ونسبته، ولقبه، وكنيته التي عُرِف بها، وتمييزه عمن شاركه فيها. ثم تحقيق تاريخ مولده، وبيئته، ونشأته العلمية بعناية والده، الذي جمع له بين مسؤولية الأب، وبين الأستاذية له.

    كما بينتُ طلبه للحديث، ورحلته فيه، وثمرات ذلك، ثم ملازمته وتَخَرُّجه، ثم دراساته الأخرى التي تكاملَتْ بها شخصيتُه العلمية والحديثية.

    ثم عَرَّفْتُ بشيوخه بإجمال عام لتوضيح كثرتهم، وبيان مظاهر تأثيرهم العام على تكوينه الحديثي، ونتاجه العلمي، وأتبعته بتعريف موجز بشخصين من شيوخه، وبشيخةٍ له، مع بيان أثر كلٍّ منهم فيه. ثم بينت توثيقه ومواهبه، والجواب عما انتُقِد به، ثم نشاطه العلمي وأَلقابه، ومكانته الحديثية، ثم وظائفه العلمية وأثرها في خدمة علوم السنة، ثم عَرفتُ بتلاميذ المؤلف بإجمال وبنموذَجَين منهم بالتحديد، وبيان تأثير المؤلف فيهم، ثم عَرفْتُ بما وقَفْت عَليه من مؤلفاته، مع بيان المخطوط منها والمطبوع، أو المتضمن في غيره، أو المنسوب خطأ اليه. ثم ذكَرت وفاته وتشييع جنازته وبينت مكان دفنه، ثم رثاءه الدال على مكانته في علم الحديث وغيره، وعلى محاسنه، وأخلاقه، وبذلك انتهت ترجمته طبقًا لمسيرة حياته إلى نهايتها.

    أما الدراسة عن الكتاب فتشمل الآتي:

    1 - تسمية الكتاب.

    2 - إثبات نسبته إلى المؤلف، وإسناده إليه.

    3 - تحقيق القول فيما أنجزه المؤلف من هذا الشرح، وبيان الموجود منه حاليًا.

    4 - مكانة الكتاب بين أهم شروح الترمذي.

    5 - منهج المؤلف في الشرح، وموازنته إجمالًا بمناهج أهم الشروح لجامع الترمذي من قبله، ومن بعده.

    6 - أهم مميزات الشرح، وبعض الملاحظات عليه.

    7 - أثر الكتاب فيما بعده من شروح جامع الترمذي وغيره.

    8 - أما عملي في تحقيق الكتاب والتعليق عليه، فبينت فيه الآتي:

    (أ) التعريف بنسخ الكتاب الخطية، وبيان المعتمد عليه منها.

    (ب) خطوات تحقيق النص والتعليق عليه.

    (ج) بيان صعوبات تحقيق نصوص هذا الشرح.

    (د) عمل الفهارس الفنية للكتاب.

    وإني لأرجو أن أكون بذلك قد وُفِّقْتُ في خدمة هذا الشرح، وإحيائه بعد افتقاده وقدمتُ به نموذجًا لتحقيق شروح كتب السنة تحقيقًا علميًا لائقًا، ثمارها دانية لطلابها، إن شاء الله.

    ***

    القسم الأول

    ويشتمل على:

    أولًا: التعريف بالمؤلف.

    ثانيًا: دراسة عن الكتاب.

    أولًا: التعريف بالمؤلف

    1 -

    اسمه ونسبه:

    اتفقت مصادر ترجمة المؤلف على اسمه وسياق نسبه، وأطول نسب له، ساقه الحافظ ابن حجر، ومن بعده السيوطي، فقالا: محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن سيد الناس، بن أبي الوليد بن منذر بن عبد الجبار بن سليمان (1).

    2 -

    نسبته:

    تعددت نسبة المؤلف باعتبارات متعددة، فقيل له: الرَّبَعِي (2) (1) الدرر الكامنة لابن حجر 4/ 330، ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي / 350 والوافي بالوفيات للصفدي 1/ 289، وفوات الوفيات لابن شاكر 3/ 287 والبداية والنهاية لابن كثير 14/ 174 وفيات سنة 734 هـ، طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين ابْن السبكي 9/ 268، ولابن قاضي شهبة 2/ 390، ذيل تذكرة الحفاظ للحسيني / 16.

    (2) وفي ضبطها أقوال: أكثرها عند المحدثين: فتح الراء والباء، وفي بيان المنسوب إليه فيها أقوال: فقيل إنها نسبة إلى ربيعة بن نزار، وقلما يستعمل ذلك؛ لأن ربيعة بن نزار شعب واسع، فيه قبائل عظام، وبطون وأفخاذ استُغني بالنسب إليها عن النسب إلى ربيعة، وقيل الربعي أيضًا لمن يَنتَسِب إلى ربيعة الأزد، وغير ذلك/ انظر الأنساب للسمعاني 6/ 76 - 79 أصل وهامش، وفي الوافي قال: (اليعمري الربعي) وأنظر المصادر السابقة.

    اليَعمُري (1) باعتبار أصله الذي ينتمي إليه (2).

    وقيل له: الأندلسي، الإشبيلي، ثم المصري، القاهري، وهذه النسب باعتبار الموطن؛ فأصله من الأندلس، وبلدهم منها إشبيلية (3)، فنسب إلى العام ثم إلى الخاص ونُسب إلى مصر ثم إلى القاهرة؛ لانتقال والده إلى مصر، وإقامته بالقاهرة، حيث وُلد المؤلف بها (4). وقيل له (الشافعي) نسبة إلى مذهب الإِمام الشافعي في الفقه (5).

    وأشهر تلك النسب إطلاقًا عليه هي (اليَعمُري) حيث يُذكَر بها كثيرًا (6).

    3 -

    لقبه، وكنيته:

    لقب المؤلف بـ (فتح الدين) (7)، وله ألقاب أخرى علمية يأتي ذِكرُها في مكانته العلمية. (1) بفتح الياء المعجمة باثنتين من تحتها، وسكون العين المهملة، وفتح الميم، وفي آخرها الراء المهملة، نسبة إلى يَعمَر، وهو بطن من كنانة/ الأنساب 13/ 514 وذكر السخاوي أن ابن نقطة وغيره من الحفاظ قد اقتصروا على هذا الضبط، ولكن النووي ضبطه بضم الميم أيضًا/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 76، وقال الشيخ زكريا الأنصاري: إنها نسبة إلى يعمر بن شدَّاخ -بفتح المعجمة وتشديد المهملة وآخره معجمة - من بني ليث/ فتح الباقي شرح ألفية العراقي، المسماة بالتبصرة والتذكرة مع شرحها للعراقي 1/ 98.

    (2) عنوان الدراية للغُبريني/ 291.

    (3) انظر الدرر الكامنة 4/ 330 وعنوان الدراية للغُبريني / 291.

    (4) الدرر الكامنة 4/ 330 وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 390.

    (5) طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 9/ 268 ولابن قاضي شهبة 2/ 390، وللإسنوي 2/ 510، وفتح المغيث للسخاوي 1/ 76، 77.

    (6) انظر عمدة القاري للعيني، كتاب الوضوء - باب ما يقع من النجاسات في السمن 3/ 159 وألفية العراقي في المصطلح مع شرحها للعراقي، 1/ 98، وللسخاوي 1/ 60، 76.

    (7) الدرر الكامنة 4/ 330، والوافي بالوفيات 1/ 289، 306 وفوات الوفيات 3/ 287 وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 390 وغيرها من مصادر الترجمة التي تقدمت.

    أما كنيته، فقد كُني بابي الفتح، كَناه بذلك أول من أجازه بالحديث، وهو عبد اللطيف بن عبد المنعم بن علي، المعروف بالنجيب الحَرَّاني، كبير المسندين بمصر في وقته (1) حيث إن والد المؤلف أحضره في سنة مولده عند النجيب، فأجلسه في حجره وقَبَّله، وكناه بأبي الفتح، وأجازه برواية الحديث، وكان بعد ذلك يسأل والده عنه (2) وقد كان ابن دقيق العيد شيخ المؤلف، يناديه بتلك الكنية في درسه، كما سيأتي (3) واستخدمها الصفدي في مكاتباته له غير مرة؛ فمرة يقول له عن تلقي جوابه: وتلقيته بالضم إلى قلب لا يجبر منه الكسرَ غيرُ الفتح (4) ومرة يقول: بُدِئ الجناس بالبُستي وخُتم بمولانا، وكلاكما أبو الفتح، فصح القياس (5).

    وهناك كنية أخرى له، وهي (ابن سَيِّد الناس) وقد ذكرها له، كل الذين ترجموا له، وهي أشهر ما عُرف به، كما قرر ذلك غير واحد كالإِسنوي، وابن قاضي شهبة فقالا: المعروف بابن سَيِّد الناس (6).

    4 -

    تمييزه عمن يشاركه في كنيته:

    هذا وتطلق كنية (ابن سيد الناس) هذه على غير واحد من أسرة المؤلف، وأقربهم والده وجَدُّه، وأخ له أصغر منه، ويشاركه في بعض شيوخه، ولكن يمكن تمييزه عن هؤلاء وغيرهم، بما لكل منهم من كنية أخرى، مثلًا؛ فوالد المؤلف يُكنى بأبي عمرو (7) وجده يكنى بأبي بكر، ولم تعرف له رحلة علمية إلى (1) تذكرة الحفاظ 4/ 1491.

    (2) الوافي بالوفيات 1/ 290، 309 والدرر الكامنة 4/ 330.

    (3) وانظر الدرر الكامنة 4/ 332 والوافي 1/ 291.

    (4) الوافي بالوفيات 1/ 298.

    (5) المصدر السابق 299.

    (6) طبقات الشافعية للإسنوي 2/ 511 ولابن قاضي شهبة 2/ 390.

    (7) الدرر الكامنة 4/ 279 والبداية والنهاية لابن كثير 14/ 174.

    المشرق (1) وأخوه يكنى بأبي القاسم (2)، وهو كما تقدم يُكنى بأبي الفتح، فيتميز بها، إذا لم يعرف الشخص مميزات غيرها.

    5 -

    تحقيق تاريخ مولده:

    لقد أرخ المؤلف بنفسه مولده فقال: ومولدي في أربع عشر ذي القعدة سنة 671 هـ بالقاهرة (3) وقد مشى على هذا من المترجمين له: الإسنوي (4) وابن حجر (5) وذكر السيوطي الشهر والسنة، ولم يذكر اليوم (6) وذكر ابن شاكر الكتبي: اليوم والشهر، وتحرفت السنة من 671 هـ إلى 661 هـ (7)، أما ابن كثير، فخالَف في اليوم والشهر حيث قال: ولد في العَشر الأُول من ذي الحجة سنة 671 هـ (8) وذكر ابن السبكي شهر ذي الحجة من نفس السنة، ولم يذكر اليوم (9) أما ابن قاضي شهبة فتردد، حيث قال: ولد في ذي القعدة، وقيل في ذي الحجة سنة 671 هـ (10).

    والذي يترجح من ذلك هو الأول، لأنه قد قرره بنفسه، فلا يعارضه غيره.

    6 -

    بيئته ونشأته العلمية بعناية والده:

    قرر المترجمون للمؤلف أنه من بيت رياسة وعلم (11)، أما الرياسة ففي (1) انظر عنوان الدراية للغُبريني / 291 - 295.

    (2) الدرر الكامنة 4/ 335، 336.

    (3) الوافي بالوفيات 1/ 309.

    (4) طبقات الشافعية له 2/ 511.

    (5) الدرر الكامنة 4/ 330.

    (6) ذيل تذكرة الحفاظ له / 350.

    (7) فوات الوفيات 3/ 287.

    (8) البداية والنهاية له 14/ 147.

    (9) طبقات الشافعية لابن السبكي 9/ 269.

    (10) طبقات الشافعية له 2/ 390.

    (11) الدرر الكامنة 4/ 330، والوافي بالوفيات 1/ 290، وطبقات الشافعية لابن السبكي 9/ 269.

    موطنه الأصلي بإشبيلية، حيث أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر فقال في ترجمة المؤلف: وكان ابن عمه خَيِّرًا، قائدًا، حاجبًا بإشبيلية (1)، وقد كان المؤلف على صلة بباقي أسرته هناك، رغم استقراره بمصر، فقد كتب قصيدة طويلة في مدح ابن عمه المذكور، وأرسلها إليه (2).

    وأما العِلْم، فقد اشتهر من أسرته جماعة من العلماء بالأندلس ومصر وإفريقيا (3)، وخير دليل على ذلك سياق نسب المؤلف في تراجمه، إذ يقول التاج ابن السبكي عنه: الحافظ الأديب ... بن الفقيه أبي عمرو بن الحافظ أبي بكر (4).

    وقد كان لهذه البيئة العلمية أثرها في نشاة المؤلف نشأة علمية حديثية مبكرة، وكان والده أحد شيوخه في علم الحديث (5) وروى عنه عدة كتب بسنده عن شيوخه (6).

    كما ذكرت مصادر ترجمته أنه كان له، أو لوالده مكتبة تحوي أمهات كتب السنة (7). وتسلسلت بعض رواياته عن أبيه عن جده (8) ونقل في كتابه عيون الأثر عن بعض تعاليق جده عن شيوخه (9).

    ولم تقتصر عناية والده به على جهده هو، بل إنه أحضره في سنة مولده (1) الدرر الكامنة 4/ 330.

    (2) المصدر السابق / 334.

    (3) الحديث بإفريقية من القرن السادس الهجري إلى القرن الثامن/ رسالة ماجستير في السنة وعلومها، إعداد الشيخ ضو سالم مسكين التونسي، بكلية أصول الدين بالرياض سنة 1406 هـ شاركْتُ في مناقشته فيها.

    (4) طبقات الشافعية لابن السبكي 9/ 268.

    (5) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 390.

    (6) عيون الأثر للمؤلف 2/ 347.

    (7) الدرر الكامنة 4/ 330، وفوات الوفيات 3/ 288 والوافي بالوفيات 1/ 292.

    (8) الوافي بالوفيات 1/ 311.

    (9) عيون الأثر للمؤلف 2/ 347.

    على النجيب الحراني -كما ذكرت آنفًا - فأجازه النجيب برواية الحديث، وهو كما قال الذهبي: كبير المسندين (1) بعني بمصر في وقته. وبذلك توفر للمؤلف علو السند، منذ طفولته، خاصة وأن والده لم يقتصر به على اجازة النجيب هذه، بل استجاز له جماعة غيره، حيث أشار المؤلف إلى ذلك فقال بعد ذكر إجازة النجيب، وأجاز لي بعده جماعة (2).

    وواصل الوالد عنايته بولده، فلما بلغ الرابعة من عمره، وهي سن حضور الأطفال العاديين مجالس الحديث (3) أحضره والده أيضًا مجالس جماعة من أعيان المحدثين، وقرر ذلك المؤلف بقوله: ثم في سنة خمس وسبعين -يعني وستمائة - حضرت مجلس سماع الحديث عند جماعة، من الأعيان، منهم: الحبر الإِمام شيخ الإسلام، شمس الدين أبو عبد الله، محمد بن إبراهيم بن عبد الواحد المقدسي ... وأثبت اسمي في الطباق (4) حاضرًا، في الرابعة (5) يعني من عمره ...

    وقال الصفدي وابن شاكر الكتبي: وسمع حضورًا سنة خمس وسبعين -يعني وستمائة - من القاضي شمس الدين محمد بن العماد (6) وقال (1) تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1491.

    (2) الوافي بالوفيات 1/ 309.

    (3) تدريب الراوي 2/ 5، 6.

    (4) جمع طبقة، وهي ما يكتب في آخر صفحات الكتاب أو في أي موضع من صفحاته الأخرى، ببيان أسماء من حضر مجلس الحديث واسم الكاتب، وتعرض على المُسمِع فيوقع عليها بخطه ويؤرخها، ويُكتب عادة اسم المكان الذي عُقد فيه مجلس السماع، وتكون هذه الطبقة مستندًا في الرواية لمن أثبت اسمه فيها، ويُسمَّى المذكورون فيها طبقة لاتفاقهم في السماع من الشيخ/ انظر مقدمة تحقيق كتاب (القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية) لابن طولون - والمقدمة للشيخ محمد دهمان 1/ 22، 23 مع إضافة يسيرة من جانبي للتوضيح.

    (5) الوافي بالوفيات 1/ 309.

    (6) الوافي بالوفيات 1/ 290 وفوات الوفيات 3/ 287.

    ابن حجر: ثم أحضره -يعني والده - في الرابعة على شمس الدين المقدسي (1).

    وبعد مرحلة الإِحضار هذه، تأتي مرحلة السماع، وهي التي تكون من سن الخامسة على عادة المحدثين (2) وقد استمرت عناية والده به فيها أيضًا، حتى إنه كان يتولى بنفسه القراءة على المحدث، ويسمع ابنه بقراءته، فقد روى بذلك المؤلف بعض مسموعاته فقال: أخبرنا أبو العز عبد العزيز بن عبد المنعم بن علي الحراني -رحمه الله - بقراءة والدي -رحمه الله - عليه وأنا أسمع سنة 676 هـ قال: أخبرنا أبو علي ... إلخ (3).

    ويلاحظ أن تاريخ سماعه المذكور في بداية سن السماع، وبعد حضوره مجلس المقدسي المتقدم، بعام واحد، وفي سنة 677 هـ سمع الشفاء للقاضي عياض بقراءة والده على ابن رشيق بمصر" (4).

    وقد أخرج في شرحه لجامع الترمذي بعض مروياته بقراءة والده وهو يسمع على الشيخ أبي الفضل الموصلي، قال: أنا ابن طَبْرَزْد (5)، وسمع الغيلانيات أيضًا بقراءة والده على الشيخ المذكور (6) وسمع صحيح البخاري كذلك بقراءة والده على الشيخ عبد العزيز الحرَّاني (7).

    7 -

    طلبه للحديث ورحلته فيه:

    بعد أن اجتاز ابن سيد الناس بعناية والده مرحلة الاستجازة والإِحضار، وطرفًا من السماع، كما تقدم، ووصل إِلى سن الطلب بنفسه للحديث، واصل (1) الدرر الكامنة 4/ 335.

    (2) تدريب الراوي 2/ 5، 6.

    (3) انظر الوافي بالوفيات 1/ 308، 309.

    (4) عيون الأثر في فنون المغازي والسير للمؤلف 2/ 347.

    (5) الشرح / ق 22 أ، ب.

    (6) عيون الأثر 2/ 346.

    (7) المصدر السابق 2/ 342.

    السماع من الشيوخ والكتابة عنهم بنفسه، والقراءة عليهم، وقد حدد هو تاريخ الشروع في ذلك فقال: ثم في سنة 85 - يعني وستمائة - كتبت الحديث عن شيخنا الإمام قطب الدين أبي بكر محمد بن أحمد القسطلاني -رحمه الله - (1) بخطي، وقرأت عليه بلفظي وعلى الشيوخ من أصحاب المسنِد أبي حفص بن طَبْرزَد (2) والعلامة أبي اليُمْن الكندي والقاضي أبي القاسم الحرستاني، والصوفي أبي عبد الله بن البنا، وغيرهم، بمصر، والإسكندرية والشام والحجاز، وغير ذلك (3).

    وقال الحافظ ابن حجر: وسمع على القطب القسطلاني، والعز الحراني، وابن الأنماطي (4) وغازي -يعني الحلاوي - وابن الخيمي، وشامية بنت البكري، ثم قال: وطلب بنفسه وكتب بخطه، وأكثر عن أصحاب الكندي، وابن طبرزد (5).

    وقال الصفدي: وسمع بمصر من العز عبد العزيز بن الصيقل، وغازي الحلاوي، وابن خطيب المزة، والصفي خليل، وتلك الطبقة، وتنزل في الأخذ من أصحاب سبط السلفي، ثم إلى أصحاب الرشيد العطار (6).

    أقول ومن تمام طلب الحديث أن يأخذ العالي والنازل من الأسانيد، وهكذا فعل المؤلف بتنزله هذا، مع توفر الأسانيد العوالي لديه منذ سنة ولادته كما تقدم.

    أما رحلته في طلب الحديث فيشير إليها قوله السابق: إنه قرأ بلفظه على الشيوخ الذين أشار إليهم، بالاسكندرية والشام والحجاز، وغير ذلك، فهذا يدل على رحلته إلى تلك البلاد في طلب الحديث، كما أن تحديده بداية شروعه (1) سيأتي التعريف به في التعليق على المقدمة الأولى للشارح / ق 3 ب مع التعليق.

    (2) ومن أصحابه: شيخُه أبو الفضل الموصلي السابق ذكر سماعه منه بقراءة والده.

    (3) الوافي بالوفيات 1/ 309.

    (4) وقد أثبت سماعه عليه قطعة من صحيح مسلم./ عيون الأثر للمؤلف 2/ 343.

    (5) الدرر الكامنة 4/ 330، 331.

    (6) الوافي 1/ 290.

    في الطلب بنفسه بسنة 685 هـ كما تقدم، يفيد أن رحلاته بدأت من تلك السنة فما بعدها.

    وقد قرر الصفدي ذلك فقال: وفي سنة 85 - يعني وستمائة - كتب الحديث بخطه عن الشيخ قطب الدين بن القسطلاني، وقرأه بلفظه عليه، وعلى أصحاب ابن طَبْرَزْد وأصحاب الكِندي وابن الحرستاني، بمصر والشام والحجاز والإِسكندرية (1).

    ولم أجد تحديدًا لتاريخ رحلاته إلى تلك البلاد، غير الشام، حيث قرر المؤلف بنفسه سنة دخوله إلى دمشق، وتفاصيلَ عن تلقيه الحديث بها، فقال: ثم دخلت دمشق في حدود سنة تسعين وستمائة، فألفيت بها الشيخ الإمام، شيخ المشايخ -يعني أحمد بن إبراهيم بن عمر الفاروثي - وقال عنه: كان ممن قرأ القرآن بالحروف -يعني القراءات - وازدحم الناسِ على القراءة عليه، والفوز بما لديه، وطلب الحديث قديمًا، ولم يزل لذلك مديمًا وللسنة النبوية خديمًا حتى لقد سمعت بقراءته بدمشق على ابن مؤمن، وابن الواسطي، قطعة كبير من المعجم الكبير، لأبي القاسم الطبراني وربما قرأت عليه وعلى ابن الواسطي شيئًا مما اشتركا فيه من الروايات العراقيات عن عمر بن كرم، والسهروردي، وأمثالهما، ثم قال: ناولته يومًا استدعاء -يعني طلب - إجازة ليكتب عليه فكتب مرتَجلًا .... وذكر نظم الإجازة في ثلاثة أبيات، ثم أرخ وفاة الفاروثي هذا في مستهل ذي الحجة سنة 694 هـ بواسطة القصب من أرض العراق (2).

    أقول: وتأريخه دخول دمشق هذا بقوله: في حدود سنة 695 هـ يشير إلى أن هذا تحديد تقريبي، وقد حدد غيره تحديدًا دقيقًا فذكر الذهبي والصفدي وابن رجب وغيرهم: أن ابن سيد الناس رحل إلى دمشق ليدرك الفخر ابنَ البُخاري ففاته بليلتين، فتألم لذلك (3) وقال ابن حجر: ورحل إلى دمشق، (1) الوافي 1/ 290.

    (2) ذيل ابن فهد على تذكرة الحفاظ / 85 - 88.

    (3) الدرر الكامنة 4/ 331. الوافي بالوفيات 1/ 290 وذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2/ 327 وفوات الوفيات 3/ 288.

    فاتفق وصوله عند موت الفخر ابن البخاري فتألم لذلك (1).

    وحدد الاسنوي الموضع الذي وصله ابن سيد الناس عند موت ابن البخاري فقال: ورحل إلى الشام سنة 690 هـ ليدرك الفخر بن البخاري، فمات وهو بالكسوة (2) أقول: والكسوة هذه قرية على مشارف دمشق بالنسبة للخارج إلى القاهرة (3) وعندما نراجع تاريخ وفاة ابن البخاري نجده محددًا بضحى يوم الأربعاء 2 ربيع الأخر سنة 690 هـ (4).

    ومقتضى هذا أن ابن سيد الناس وصل الكسوة المشار إليها آنفًا في هذا التاريخ ووصل منها إلى دمشق بعد يومين أي في 4 أو 5 ربيع الآخر سنة 690 هـ.

    وهذا يُشكِلُ عليه ما ذكره الذهبي وغيره من أن الفاروثي الذي وجده ابن سيد الناس في دمشق، قد دخلها سنة 691 هـ (5) فكيف يلقاه ابن سيد الناس فيها في ربيع الأخر أوما بعده من شهور سنة 690 هـ؟. خاصة وأن عبارة ابن سيد الناس تفيد سبق وجود الفاروثي على دخوله هو، حيث يقول كما تقدم: (ثم دخَلْت دمشق في حدود سنة 690 هـ فألفَيت بها الشيخ ... إلخ هـ؛ فلا أرى هذا يستقيم، إلا إذا قيل: إن في تحديد تاريخ أي منهما وهمًا أو تجاوزًا.

    وعلى كل فإن تألم ابن سيد الناس لعدم ادراك السماع من ابن البخاري؛ لأنه كان متفردًا بالرواية عن شيوخ كثيرة (6) وانتهت إليه الرياسة في الرواية (7) (1) الدرر 4/ 330.

    (2) طبقات الشافعية للإسنوي 2/ 510.

    (3) معجم البلدان 7/ 252 بتصرف.

    (4) ذيل ابن رجب على طبقات الحنابلة 2/ 329.

    (5) العبر للذهبي 5/ 381 ط الكويت وذيل ابن فهد على تذكرة الحفاظ / 86.

    (6) ذيل ابن رجب على طبقات الحنابلة 2/ 329.

    (7) المصدر السابق.

    وقال الذهبي (هو آخر من كان في الدنيا بينه وبين النبي -صلى الله عليه وسلم - ثمانية رجال ثقات) قال ابن رجب: يريد بالسماع المتصل (1).

    ولعل فوقه كان حافزًا للمؤلف على تعويض ذلك بإكثار الأخذ عمن أدركهم غيره، في تلك الرحلة، قال ابن حجر: وأكثر عن الصوري، وابن عساكر وابن المجاور، وغيرهم (2).

    وزاد الصفدي على هؤلاء فقال: وأبي إسحاق بن الواسطي، وطبقتهم (3). وقال ابن كثير: ودخل دمشق سنة 90 هـ -يعني وستمائة - فسمع من الكِنْدي وغيره (4). وقال ابن قاضي شُبهة: وسمع الكثير من الجم الغفير (5).

    وبتلك الرحلات والأخذ فيها عمن أدركهم من عيون المحدثين والمسندين، ازدادت حصيلته من الرواية والدراية، وتوافرت له الأسانيد العالية والنازلة.

    وقد سأل ابن أيبك مسائل لابن سيد الناس عن أحفظ من لقيه، فجمع له من ذلك عددًا غير قليل، كما سيأتي ذكره في مؤلفاته (6).

    ثم إنه لم يكتف بذلك، بل اجتهد في تحصيل إجازات المحدثين، خاصة من أهل البلاد التي لم يُعرَف له رحلة إليها، كما أشار إلى ذلك، حيث قال: وأجاز لي جماعة من الرواة بالحجاز والعراق والشام، وإفريقية والأندلس، وغيرها (1) المصدر السابق.

    (2) الدرر الكامنة 4/ 331، وانظر بعض مروياته عن الصوري وغيره فمن أثبت أخذه عنهم بدمشق وضواحيها وذلك في كتابه عيون الأثر 2/ 342 - 346.

    (3) الوافي 1/ 290.

    (4) البداية والنهاية 14/ 147.

    (5) طبقات الشافعية 2/ 390.

    (6) وانظر ذيل ابن فهد على تذكرة الحفاظ / 77، 83، 86، 90، 94.

    ممن يطول ذكرهم (1) وقال ابن حجر: وأجاز له جَمع جَم من العراق وإفريقية وغيرها (2).

    وقال ابن كثير: وسمع الكثير، وأجاز له الرواية عنهم جماعات من المشايخ (3). ومن أجل هذا حَق للذهبي وغيره أن يقول: لعل مشيخته يقاربون الألف (4).

    8 -

    ملازمته وتَخَرُّجه:

    بعد أن توافر لابن سيد الناس معظم عناصر تكوين شخصيته الحديثية من حضور وسماع، للعالي والنازل من أسانيده، وكتابة للحديث عن الشيوخ وقراءة عليهم، ورحلة إِليهم. وإجازات منهم، يبقى عنصران هامان، وهما الملازمة والتخرج في علم الحديث، وذلك يستدعي القيام بملازمة عالم أو أكثر من علماء الحديث مدة كافية، بمعنى أن الطالب يواظب على حضور دروس الشيخ ومجالسه الحديثية؛ بحيث يثمكن من مدارسة فنون الحديث، ودرايتها، ويتمرس بالفن، حتى يتضح لشيخه أنه قد أصبح كفء لإفادة غيره من طلاب الحديث، وعندئذ يكتب له إِجازة برواية الحديث وتدريسه ويقال حينئذ: إن هذا التلميذ قد تخرج على الشيخ الفلاني أو المشايخ في علم الحديث قال في المعجم: خَرَّجَه في العلم أو الصناعة دربه، وعلمه، والمتعلم: خِرِّيج (5).

    وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن ابن سيد الناس قد لازم ابن دقيق العيد (6) ولم يحدد مدة، أنها ابن قاضي شهبة فقال: وأخذ علم الحديث عن والده، (1) الوافي بالوفيات 1/ 310.

    (2) الدرر الكامنة 4/ 331.

    (3) البداية والنهاية 14/ 147.

    (4) الوافي بالوفيات 1/ 291 والدرر الكامنة 4/ 331 وذيل السيوطي على تذكرة الحفاظ / 350.

    (5) المعجم الوسيط مادة (خرج) / 224.

    (6) الدرر الكامنة 4/ 331.

    وابن دقيق العيد ولازمه سنين كثيرة، وتخرَج عليه، وقرأ عليه أصول الفقه (1) وقال السيوطي: ولازم ابن دقيق العيد، وتخرج عليه، وأعاد عنده عليه يعني في الحديث، حيث كان ابن دقيق العيد شيخ الحديث بالمدرسة الكاملية بالقاهرة (2) وقد قال الصفدي: كان الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد يحبه، ويؤثره، ويركن إلى نقله، ثم أيد ذلك بما حكاه عن زميل لابن سيد الناس، وهو القاضي إسماعيل بن القيسراني قال: كان الشيخ تقي الدين إذا حضرنا درسه، وتكلم، فإذا جاء ذكر أحد من الصحابة، أو أحد من رجال الحديث قال: ايش ترجمة هذا يا أبا الفتح؟ فيأخذ فتح الدين في الكلام وشرد، والناس كلهم سكوت، والشيخ مصغ إلى ما يقوله أ. هـ (3).

    ومن هذا كله يتضح أن تخريج ابن دقيق العيد له كان في علم الحديث.

    غير أن الحافظ ابن حجر قال: ولازم ابن دقيق العيد، وتخرج عليه في أصول الفقه، وأعاد عنده (4) ولم يذكر تخرجه به ولا بغيره بها علم الحديث، مع أنه لا بد أن يكون قد تخرج في هذا العلم وأجيز بتدريسه، لكونه تولى مشيخة الحديث في الظاهرية، كما سيأتي في (وظائفه) وهذا لا يتأتى بدون إجازة وتخرج، فلعل الحافظ ابن حجر لم يذكر تخرجه بابن دقيق العيد في الحديث لظهوره، حيث إن ابن دقيق العيد أذن له بالإِعادة عنده في الحديث، وعول على كلامه فيه أثناء دروسه كما ذكرت، وهذا يقتضي تخرجه فيه، ولم أجد ذكرًا لملازمة ابن سيد الناس ومباحثته في الحديث هكذا مع أحد غير ابن دقيق العيد، فيكون ابن سيد الناس قد تخرج به في علم الأصول بجانب تخرجه به في علم الحديث.

    وبهذا اكتملت لابن سيد الناس أكثر جوانب شخصيته الحديثية، رواية ودراية وتخرجًا، وتأهل بذلك لما سيأتي في جوانب الإِثمار، من أداءٍ لما تحمل، وتدريس لما تعلم، وتأليف لما تمكن من التأليف فيه. (1) طبقات الشافعية 2/ 390.

    (2) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 300.

    (3) الوافي بالوفيات 1/ 291 والدرر الكامنة 4/ 331.

    (4) الدرر الكامنة 4/ 331.

    9 -

    دراساته الأخرى:

    لم تكن عناية المؤلف بتحصيل علوم السنة واختصاصه بها، مانعة له من دراسة بقية العلوم الإِسلامية، بل إن علوم السنة يَحتاجُ التمكنُ منها إلى دراسة العلوم الأخرى المساعدة على ضبطها، وفهمها، والإستنباط منها، فتكون أدوات معينة، ومكملة لشخصية المحدث العلمية.

    ولذا جاء في مصادر الترجمة للمؤلف أنه بجانب اشتغاله المكثف بعلوم الحديث قد اشتغل بتحصيل عدة علوم أخرى مثل أصول الفقه، الذي تقدم قول ابن حجر إن ابن سيد الناس تخرج فيه على ابن دقيق العيد.

    وذكر غير واحد ممن ترجمه أنه حفظ كتاب (التنبيه) (1) وهو

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1