Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

التفسير البسيط
التفسير البسيط
التفسير البسيط
Ebook773 pages6 hours

التفسير البسيط

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يعتبر كتاب التفسير البسيط – الواحدي من المؤلفات القيمة لدى الباحثين في مجال علوم القرآن والتفسير على نحو خاص، وعلوم الدعوة والعلوم الإسلامية بوجه عام حيث يدخل كتاب التفسير البسيط – الواحدي في نطاق تخصص العلوم القرآنية وعلوم التفسير ووثيق الصلة بالتخصصات الأخرى مثل أصول الفقه، والدعوة، والعقيدة
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateApr 12, 1901
ISBN9786399734726
التفسير البسيط

Read more from الواحدي

Related to التفسير البسيط

Related ebooks

Related categories

Reviews for التفسير البسيط

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    التفسير البسيط - الواحدي

    الغلاف

    التفسير البسيط

    الجزء 25

    الواحدي

    468

    يعتبر كتاب التفسير البسيط – الواحدي من المؤلفات القيمة لدى الباحثين في مجال علوم القرآن والتفسير على نحو خاص، وعلوم الدعوة والعلوم الإسلامية بوجه عام حيث يدخل كتاب التفسير البسيط – الواحدي في نطاق تخصص العلوم القرآنية وعلوم التفسير ووثيق الصلة بالتخصصات الأخرى مثل أصول الفقه، والدعوة، والعقيدة

    1، 2

    - {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا} قال الشعبي: لما نزلت آية الهجرة كتب بها المسلمون إلى إخوانهم بمكة، فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق أدركهم المشركون، فردوهم، فأنزل الله: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ} عشر آيات من أول السورة (2). وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء؛ وقال: يريد بالناس الذين آمنوا بمكة: سلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والوليد ابن الوليد، وعمار بن ياسر، وياسر بن عامر، وسمية أم عمار (3)، (1) سورة العنكبوت مكية، يقال: نزلت بين مكة والمدينة في طريق النبي -صلى الله عليه وسلم-، حين هاجر إلى المدينة، وهي تسع وستون آية. تفسير مقاتل 70 أ. وتفسير الثعلبي 8/ 155 أ. وقد ذكر الثعلبي في أولها بإسناده حديث أبي ابن كعب -رضي الله عنه-، في فضل هذه السورة، وكذا فعل الواحدي في الوسيط 3/ 412، وهو حديث موضوع سبق الحديث عنه في أول سورة الفرقان.

    (2) أخرجه عبد الرزاق 2/ 95. وابن جرير 20/ 129، وابن أبي حاتم 9/ 3031. وذكره الثعلبي 8/ 155 ب، والواحدي أسباب النزول 340.

    (3) سلمة بن هشام، هو أخو أبي جهل، من السابقين إلى الإسلام، هاجر إلى الحبشة، ثم رجع إلى مكة، فحبسه أخوه وكان النبي -صلى الله عليه وسلم - يدعو له ولعياش بن أبي ربيعة في القنوت، ثم هرب مهاجرًا بعد الخندق، -رضي الله عنه-. سير أعلام النبلاء 1/ 316، الإصابة في معرفة الصحابة 3/ 120. = . .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. . = - عياش بن أبي ربيعة، اسم أبيه: عمرو بن المغيرة، وكان عياش من السابقين إلى الإسلام، وهاجر الهجرتين، ثم خدعه أبو جهل فرجع إلى مكه، ثم فرَّ مع رفيقيه، الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعاش إلى خلافة عمر -رضي الله عنه-، فمات سنة: خمس عشرة، وقيل: قبل ذلك. وقيل: استشهد في اليمامة، وقيل: اليرموك. فتح الباري 8/ 227، والإصابة 5/ 47. وسير أعلام النبلاء 1/ 316.

    - الوليد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي، أخو خالد بن الوليد، أُسر مع من أسر من المشركين في بدر، ثم أسلم بعد ذلك، فلما أسلم حبسه أخواله فكان النبي -صلى الله عليه وسلم - يدعو له في القنوت مع غيره من المستضعفين، ثم أفلت من أسرهم ولحق بالنبي -صلى الله عليه وسلم - في عمرة القضية. الاستيعاب في معرفة الأصحاب 11/ 34، والإصابة في معرفة الصحابة 6/ 323.

    - ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين، حليف لبني مخزوم، يكنى: أبا عمار بابنه عمار بن ياسر، كان قد قدم من اليمن، وحالف أبا حذيفة بن المغيرة المخزومي، وزوجه أبو حذيفة أمة له يقال لها: سمية فولدت له عمارًا، فأعتقه أبو حذيفة، وجاء الله بالإِسلام فأسلم ياسر وابنه عمار وسمية، وعبد الله أخو عمار بن ياسر، وكان إسلامهم قديمًا في أول الإسلام، وكانوا ممن يعذب في الله، وقتل ياسر وسمية وعبد الله وهم يعذبون -رضي الله عنه-. الاستيعاب في معرفة الأصحاب 11/ 99، والإصابة في معرفة الصحابة 6/ 332.

    وقد ثبت في الصحيح دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم - لعياش بن أبي ربيعة، ومن كان معه من المستضعفين في مكة، في حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة يقول: اللَّهم أنج عياش بن أبي ربيعة، اللَّهم أنج سلمة بن هشام، اللَّهم أنج الوليد بن الوليد، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين، اللَّهم اشدد وطأتك على مُضر، اللَّهم اجعلها سنين كسني يوسف. قال ابن أبي الزناد عن أبيه: هذا كله في الصبح. أخرجه البخاري، كتاب الاستسقاء، رقم الحديث (1006), فتح الباري 2/ 492. وأخرجه مسلم 1/ 467، في المساجد، رقم (675)، وفي آخره قال أبو هريرة: ثم رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ترك الدعاء بعدُ فقلت: أرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قد ترك الدعاء لهم قال: فقيل: وما تراهم قد قدموا. وفي حاشية صحيح مسلم: وما تراهم قد قدموا، معناه: ماتوا!. ولم أجد هذا المعنى في = وعدة من بني مخزوم، وغيرهم من قريش (1).

    روى سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: {الم} قال: أنَّ الله أعلم (2). وقال عكرمة: {الم} أَن قسم (3).

    واختار الزجاج قول ابن عباس (4). = شرح النووي على صحيح مسلم؛ وهو تعليق غريب، لا يتضح به المعنى المراد، والمعنى الصحيح ما ذكره أبو حاتم؛ محمد بن حبان البستي: الصواب أن اللعن علي الكفار والمنافقين في الصلاة غير منسوخ، ولا الدعاء للمسلمين، والدليل على صحة هذا قوله -صلى الله عليه وسلم - في خبر أبي هريرة: أما تراهم وقد قدموا تُبين لك هذه اللفظة أنهم لولا أنهم قدموا ونجاهم الله من أيدي الكفار لأثبت القنوت -صلى الله عليه وسلم-، وداوم عليه .. ابن حبان - إحسان 5/ 327. رواية ابن حبان: أما تراهم وقد قدموا. ورواية مسلم: وما تراهم قد قدموا. فكأن المعلق فهم من هذه الرواية النفي. والله أعلم.

    (1) لم أجد هذا القول، وهناك قول آخر في سبب النزول؛ ذكره مقاتل 70 ب؛ قال: نزلت في مِهْجَع بن عبد الله مولى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، كان أول قتيل من المسلمين يوم بدر، وهو أول من يدعى إلى الجنة من شهداء أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، فجزع عليه أبواه. وذكره عنه الثعلبي 8/ 155 ب. والواحدي في أسباب النزول 340. وقال عنه الزيلعي: غريب. تخريج أحاديث الكشاف 3/ 39، وساق ما روي في شأن مهجع -رضي الله عنه-. ولا تعارض بين هذه الأسباب فكلها أمثلة لمن حصل لهم البلاء بسبب إيمانهم. وحكمها باقٍ؛ قال ابن عطية: وهذه الآية وإن كانت نازلة بهذا السبب، وفي هذه الجماعة، فهي بمعناها باقية في أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، موجود حكمها بقية الدهر، وذلك أن الفتنة من الله تعالى باقية في ثغور المسلمين بالأسر ونِكاية العدو، وغير ذلك.

    (2) أخرجه ابن أبي حاتم 9/ 3029، عن ابن عباس، من طريق سعيد بن جبير، وأبي الضحى. وسبق ذكر رأي الواحدي في الحروف المقطعة والتعليق عليه في أول سورة الشعراء.

    (3) أخرجه ابن أبي حاتم 9/ 3030.

    (4) معاني القرآن للزجاج 4/ 159.

    وقال في قوله: {أَحَسِبَ النَّاسُ} اللفظ لفظ استخبار، والمعنى معني تقرير وتوبيخ، ومعناه: أحسبوا بمعنى الذين جزعوا من أذى المشركين أن نقنع منهم بأن يقولوا: إنا مؤمنون فقط، ولا يمتحنون بما يتبين به حقيقة إيمانهم (1).

    وقوله: {أَنْ يُتْرَكُوا} (أن) في موضع نصب بحَسِب.

    وقوله: {أَنْ يَقُولُوا} (أن) في موضع نصب من جهتين؛ ذكرهما الفراء والزجاج؛ إحداهما أن التقدير: {أَنْ يُتْرَكُوا} لأن يقولوا أو بأن يقولوا، فلما حذف حرف الخفض وصل {يُتْرَكُوا} إلى أن فنصب.

    والثانية: أن تجعل {أَحَسِبَ} مكررة عليها، المعنى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا} أحسبوا (2) {أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} (3) قال أبو إسحاق: الأولى أجود (4).

    قال أبو علي: إن تَرَك، يتعدَى إلى مفعول واحد، فإنْ بُنِيَ للمفعول لم يتعدَّ إلى آخَر، فـ {أَنْ يَقُولُوا} لا يتعلق به ولا يتعدى إليه، حتى يقدر محذوفٌ (5) حرفٌ، ثم يُقدَّرُ الحرفُ فيصل الفعل (6). (1) معاني القرآن للزجاج 4/ 159.

    (2) أحسبوا. زيادة من الفراء.

    (3) معاني القرآن للفراء 2/ 314. التقدير على هذا القول: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا} أحسب الناس {أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا} وجملة {وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} متعلقة بالحالين: الترك، والقول. والله أعلم.

    (4) معاني القرآن للزجاج 4/ 159.

    (5) محذوف، من نسخة: (ب).

    (6) الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني 2/ 221 أ. والحرف المقدر هو ما سبق ذكره في قول الفراء والزجاج: لأن يقولوا، أو: بأن يقولوا.

    قوله تعالى: {وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} قال ابن عباس والسدي ومجاهد وقتادة: لا يفتنون في إيمانهم وأموالهم وأنفسهم (1).

    قال مقاتل وقتادة: يقول: أحسبوا أن يتركوا على التصديق بتوحيد الله وهم لا يبتلون بالقتل وبالتعذيب في الدنيا بقولهم: آمنا (2)، وهم لا يعاملون معاملة المختَبَر لتظهر الأفعال التي يُستحق عليها الجزاء، ثم أخبر عن فتنة مَنْ قبل هذه الأمة من المؤمنين (3) بقوله: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}.

    3 - {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} قالوا جميعًا: ابتلينا (4).

    قال ابن عباس: منهم إبراهيم خليل الرحمن -عليه السلام-، وقوم كانوا معه ومِنْ بعده نشروا بالمناشير على دين الله فلم يرجعوا عنه (5). (1) أخرجه ابن جرير 20/ 128، عن مجاهد. وأخرجه عبد الرزاق 2/ 96، وابن جرير 20/ 128، عن قتادة بلفظ: لا يبتلون. وأخرجه ابن أبي حاتم 9/ 3032، عن مجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، والربيع بن أنس.

    (2) تفسير مقاتل 70 ب، بمعناه. قال ابن قتيبة: {وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} أي: لا يقتلون ولا يعذبون. غريب القرآن 337.

    (3) تفسير مقاتل 70 ب.

    (4) أخرجه ابن جرير 20/ 129، عن مجاهد، وقتادة. وأخرجه ابن أبي حاتم 9/ 3032، عن الضحاك، وسعيد ابن جبير، ومجاهد، وعطاء. وتفسير مقاتل 70 ب. ومجاز القرآن لأبي عبيدة 2/ 113. وغريب القرآن لابن قتيبة 337، وقال في تأويل مشكل القرآن 472: اختبرنا.

    (5) ورد هذا المعنى في حديث مرفوع أخرجه البخاري، كتاب مناقب الأنصار، رقم الحديث (3852)، فتح الباري 7/ 165. من حديث خباب بن الأرت -رضي الله عنه-، قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو متوسد بردة، وهو في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت: يا رسول الله ألا تدعو الله لنا فقعد وهو محمرٌ وجهُه فقال: "لقد = وقال غيره: يعني بني إسرائيل ابتلوا بفرعون فكان يسومهم سوء العذاب (1).

    قوله تعالى: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} قال مقال: يقول: فليرين الله الذين صدقوا في إيمانهم من هذه الأمة عند البلاء، فيصبروا لقضاء الله {وَلَيَعْلَمَنَّ} يقول: وليرين {الْكَاذِبِينَ} (2)، فتنوا عند البلاء والتمحيص؛ يعني: المنافقين.

    قال أبو إسحاق: {فَلَيَعْلَمَنَّ} صِدْق الصادق بوقوع صدقه منه، ووقوع كذب الكاذب منه، وهو الذي يجازَى عليه، والله -عز وجل - قد علم الصادق من الكاذب قبل أن يخلقهما؛ ولكن القصد قصد وقوع العلم بما يجازَى عليه (3). يعني أن قوله: {فَلَيَعْلَمَنَّ} جاء بلفظ الاستقبال لحدوث المعلوم وهو الصدق والكذب، وإنما يعلم صدق الصادق كائنًا عند حدوثه، وكذلك كذب الكاذب، وقد بينا هذا بيانًا شافيًا عند قوله: {إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ} في سورة البقرة [143] (4). = كان مَن قبلكم ليُمشط بمشاط الحديد، ما دون عظامه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرِق رأسه فيُشق باثنين، ما يصرفه ذلك عن دينه. ولَيُتمن الله هذا الأمر حتى يسيرَ الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله. زاد بيانٌ: والذئبَ على غنمه. وقول ابن عباس ذكره الطبرسي مجمع البيان" 7/ 428.

    (1) ذكره الطبرسي مجمع البيان 7/ 428، ولم ينسبه.

    (2) تفسير مقاتل 70 ب.

    (3) معاني القرآن للزجاج 4/ 160.

    (4) قال الواحدي في تفسيرِ هذه الآية: قوله تعالى: {إِلَّا لِنَعْلَمَ} والله تعالى عالم لم يزل، ولا يجوز أن يَحدث له علم، واختلف أهل المعاني في وجه تأويله، فذهب = واختار صاحب النظم في قوله: {الم} أن يكون قسمًا، وجعله واقعًا على قوله: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ} وجعل قوله: {أَحَسِبَ النَّاسُ} كلامًا معترضًا بين القَسَم وبين ما هو واقع عليه؛ قال: ودل على هذا دخول النون الثقيلة في قوله: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ} كما تقول: والله لأضربنَّ عمرًا.

    فإن قيل: لِمَ دخلت الفاء في قوله: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ} قيل: إنه لما يجيء بالجواب لقوله: {الم} حتى قال: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} صار كأن قوله: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ} معطوفًا عليه وجوابًا له فقد اشترك قوله: {الم} وقوله: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} في قوله: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ} للعطف على معنى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا} وذلك أن الله تعالى لما قال: {أَحَسِبَ النَّاسُ} الآية، كان إنكارًا لحسبانهم أنهم لا يفتنون، وإذا كان إنكارًا ففيه دليل على أنه -عز وجل - أوجب أن يفتنهم؛ لأنه لا ينكر شيئًا إلا ويوجب ضده، ثم لما قال: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} دل بهذا القول على هذا المعنى من إيجاب الفتنة، فيكون تأويله: لنفتنهم كما فتنا الذين من قبلهم، ثم صار قوله: {فَلَيَعْلَمَنَّ} معطوفًا على هذا التأويل.

    وقال في قوله: {الَّذِينَ صَدَقُوا} ليس هذا من الصدق اللازم الذي تأويله: صَدَق في قوله، وهو من الصدق المتعدي الذي يقال عنه: صَدَقَنِي فلانٌ، أي: قال لي الصدق، وكَذَبَنِي؛ أي: قال لي الكذب. والمعنى = جماعة إلى أن العلم له منزلتان: علم بالشيء قبل وجوده، وعلم به بعد وجوده، والحُكم للعلم بعد الوجود؛ لأنه يوجب الثواب والعقاب، والمتعبَّد بالشيء إذا لم يُطع وعصى علمه الله تعالى عاصيًا، وإذا أطاع علمه مطيعًا، وكان قبل أن أطاع لم يعلمه علمًا يستحق به الثواب؛ وإن كان في معلوم الباري أنه يطمِع فمعنى قوله: {إِلَّا لِنَعْلَمَ} أي: لنعلم العلم الذي يستحق به العامل الثواب والعقاب.

    {الَّذِينَ صَدَقُوا} الله ما وعدوه، أي: تَمّوا عليه ووفوا به {وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} الذين كذبوا الله ما وعدوه. وقال في قوله: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}: لا يعني بذكر الفتنة إلا من أضمر الإيمان والإسلام دون الكافر؛ لأن الفتنة تجريب، كما يفتن الذهب والفضة بالنار إذا أحميا ليظهر صفاؤهما وخبثهما، والكافر ظاهر خبثه، فلا حاجة إلى تجريبه بالفتنة. انتهى كلامه.

    4 - قال مقاتل: ثم أوعد كفار العرب فقال: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} يعني الشرك (1).

    قال ابن عباس: يعني الوليد بن المغيرة، وأبا جهل، والأسود، والعاص بن هشام، وغيرهم من قبائل شتى (2).

    وقال مقاتل: نزلت في بني عبد شمس؛ منهم شيبة وعتبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة، وحنظلة بن أبي سفيان، وعقبة بن أبي معيط، والعاص بن وائل (3).

    وقال الكلبي: نزلت في الذين بارزوا عليًّا وحمزة وعبيدة بن الحارث (1) تفسير مقاتل 70 ب. وأخرجه ابن جرير 20/ 130، وابن أبي حاتم 9/ 3033, عن قتادة. وهو قول الثعلبي 8/ 156 أ.

    (2) تنوير المقباس 332، بنحوه.

    - الأسود بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم قتله يوم بدر حمزة ابن عبد المطلب -رضي الله عنه-. السيرة النبوية لابن هشام 2/ 370.

    - العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي، أخو أبي جهل، قتله يوم بدر عمر ابن الخطاب -رضي الله عنه-. السيرة النبوية لابن هشام 2/ 368, والأعلام 3/ 247.

    (3) تفسير مقاتل 70 ب.

    يوم بدر وهم. عتبة وشيبة والوليد بن عتبة (1).

    قوله تعالى: {أَنْ يَسْبِقُونَا} قال ابن عباس والمفسرون: [أن يفوتونا] (2). وقال مجاهد: أن يعجزونا (3). والمعنى: أن يفوتونا فوت السابق لغيره (4).

    قال مقاتل: أن يفوتونا بأعمالهم السيئة، كلا بل نخزيهم بها في الدنيا؛ فقتلهم الله ببدر (5).

    قوله تعالى: {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} قال ابن عباس: بئس ما حكموا لأنفسهم (6). وقال أبو إسحاق: موضع {مَا} نصب على: ساء حكمًا يحكمون، كما تقول: نعم رجلاً زيدٌ، ويجوز أن يكون رفعًا على معنى: ساء الحكم حكمهم (7).

    5 - قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ} أي: يخاف البعث والحساب. قاله المفسرون (8). قال مقاتل: يعني من كان يخشى البعث في (1) تنوير المقباس 332.

    (2) ما بين المعقوفين ساقط من النسختين، ولا يستقيم الكلام بدونه. وهو في تفسير مقاتل 70 ب. وتنوير المقباس 332، وتفسير ابن جرير 20/ 130.

    (3) أخرجه ابن جرير 20/ 130، وابن أبي حاتم 9/ 3033، عن مجاهد.

    (4) معاني القرآن للزجاج 4/ 160. وتفسير الثعلبي 8/ 156 أ، بمعناه.

    (5) تفسير مقاتل 70 ب.

    (6) تنوير المقباس 332.

    (7) معاني القرآن للزجاج 4/ 160.

    (8) أخرجه ابن أبي حاتم 9/ 3034، عن سعيد بن جبير، والسدي، بلفظ: يخشى. وهو قول أبي عبيدة، مجاز القرآن 2/ 113. وقال ابن قتيبة: يخافه، غريب القرآن 337. وهو قول ابن جرير 20/ 130. والثعلبي 8/ 156 أ.

    الآخرة فليعمل لذلك اليوم (1)، كقوله: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} [الكهف: 110].

    وقال سعيد بن جبير: من كان يطمع في ثواب الله (2). واختار أبو إسحاق هذا القول؛ وقال: معناه: من كان يرجو ثواب لقاء الله (3). أي: ثواب المصير إلى الله. والرجاء على هذا القول معناه: الأمل، وعلى القول الأول معناه: الخوف. {فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ} قال ابن عباس: يريد يوم القيامة (4).

    وقال صاحب النظم: هذا مقتص من قوله: {ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} [الأنعام: 2] والأجل المسمى (5) عنده: البعث والقيامة، ولذلك أضاف الأجل إلى نفسه -عز وجل-.

    {وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} قال ابن عباس: لقولكم {الْعَلِيمُ} بما في الدنيا العلم به.

    6 - قوله: {وَمَنْ جَاهَدَ} قال ابن عباس: يريد لمرضاة الله {فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ} وقال مقاتل: يقول: من يعمل الخير فإنما يعمل لنفسه (6). (1) تفسير مقاتل 70 ب.

    (2) تفسير الثعلبي 8/ 156 أ، بنصه، وأخرجه ابن أبي حاتم 9/ 3034، بلفظ: من كان يخشى، وبلفظ: البعث في الآخرة، وبلفظ: ثواب ربه.

    (3) معاني القرآن للزجاج 4/ 160، وقد رد على من قال بأن معنى الرجاء هنا الخوف فقال: فأما من قال: إن معناه الخوف، فالخوف ضد الرجاء، وليس في الكلام ضد.

    (4) تفسير مقاتل 70 ب.

    (5) المسمى، من نسخة: (أ).

    (6) تفسير مقاتل 70 ب.

    {إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} عن أعمالهم وعبادتهم.

    7 - قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} قال ابن عباس: يريد ما عملوا في الشرك. يريد: لَيُبْطِلها حتى تصير بمنزلة من لم يعمل {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا} قال مقاتل: نجزيهم بإحسانهم ولا نجزيهم بمساوئهم (1). والمعنى: لنجزيهم بأحسن أعمالهم؛ وهو ما أمرناهم به من الطاعة (2).

    8 - وقوله: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} قال الأخفش: هو على: ووصيناه بحسن، وقد تقول العرب: وصيته خيرًا، أي: وصيته بخير (3). وقال غيره: هو بمعنى: ألزمناه حسنًا، أو وصيناه أن يفعل حسنًا (4). قال أبو إسحاق: معناه: ووصينا الإنسان أن يفعل بوالديه ما يحسن (5).

    قال المفسرون: نزلت في سعد بن أبي وقاص، واسم أبي وقاص: مالك، لما هاجر قالت أمه: والله لا يظلني ظل بيت حمَى ترجع إلى ما كنت عليه، فحثَّ الله سعدًا على البر بأمه، ونهاه أن يطيعها في الشرك؛ وهو قوله: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (6) أي: لتشرك بي شريكًا (1) تفسير مقاتل 71 أ.

    (2) تفسير الثعلبي 8/ 156 أ.

    (3) معاني القرآن للأخفش 2/ 655.

    (4) قال ابن جرير 20/ 131: وقال بعض نحوي الكوفة: معنى ذلك: ووصينا الإنسان أن يفعل حسنًا، ولكن العرب تسقط من الكلام بعضه إذا كان فيما بقي دلالة على ما سقط. وذكر هذا القول الثعلبي 8/ 156 أ، ونسبه لأهل الكوفة.

    (5) معاني القرآن للزجاج 4/ 161.

    (6) أخرج سبب نزول هذه الآية مسلم في صحيحه 4/ 1877، كتاب: فضائل الصحابة، رقم (1748) بعد حديث رقم (2412). وأخرجه كذلك أبو يعلى = لا تعلمه لي {فَلَا تُطِعْهُمَا} وقال عطاء عن ابن عباس: نزلت في عياش بن أبي ربيعة، أخي أبي جهل لأمه، والقصة في ذلك مشهورة (1). = الموصلي، في مسنده 2/ 116، رقم (782). وروى بعضه البخاري، في الأدب المفرد، باب: بر الوالد المشرك، رقم (24)، صحيح الأدب المفرد (40). وأخرجه ابن جرير 20/ 131، عن قتادة. وابن أبي حاتم 9/ 3036، عن قتادة، ومصعب بن سعيد. وذكره مقاتل 71 أ. والثعلبي 8/ 156 أ. وأخرجه الواحدي بإسناده في الوسيط 3/ 414، وكذا في أسباب النزول 340، لكن صدَّره في أسباب النزول بقوله: قال المفسرون: نزلت في سعد بن أبي وقاص .. فلعله يريد بذلك: الاتفاق على نزولها في سعد -رضي الله عنه-، والله أعلم.

    (1) ذكر الواحدي هذه القصة في كتابه أسباب النزول 169، عند قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} [النساء: 92] ولم أجدها في تفسيره البسيط؛ حيث أفاد محقق سورة النساء أن تفسير هذه الآية من القسم المفقود من الكتاب، البسيط. وذكر هذه القصة الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف، في سورة النساء 1/ 339، وفي سورة العنكبوت 3/ 41، وملخص هذه القصة: أن عياش هاجر مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، مترافقين، حتى نزلا المدينة، فخرج أبو جهل بن هشام والحارث بن هشام أخواه لأمه .. فنزلا بعياش فقالا له: إن من دين محمد صلة الأرحام، وبر الوالدين، وقد تركت أمك لا تطعم، ولا تأوي بيتًا حتى تراك وهي أشد حبًا لك منا، فاخرج معنا فاستشار عمر، فقال: هما يخدعانك ولك عليَّ أن أقسم مالي بيني وبينك، فما زالا به حتى أطاعهما وعصى عمر، فقال عمر: أما إذ عصيتني فخذ ناقتي فليس في الدنيا بعير يلحقها، فإن رابك منهما ريب فارجع، فلما انتهوا إلى البيداء قال أبو جهل: إن ناقتي قد خلأت فاحملني معك، قال: نعم، فنزل ليوطئ لنفسه وله فأخذاه وشدا وثاقه، ونزلا فجلداه كل واحد منهما مائة جلدة، وذهبا به إلى أمه، قالت له: لا تزال في عذاب حتى ترجع عن دين محمد ففتناه فافتتن. قال الزيلعي: رواه البزار في مسنده، ثم ساق سنده، ثم قال: وكذلك رواه ابن هشام في السيرة، عن ابن إسحاق بسنده المذكور ومتنه سواء، ونقله الثعلبي بلفظ المصنف عن مقاتل. وقد ألمح ابن حجر إلى نقد هذه = ثم أوعد بالمصير إليه فقال: {إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي: أخبركم بصالح أعمالكم وسيئها لأجازيكم عليها؛ لأن فائدة الإخبار هنا: المجازاة عليها. والمعنى: أن طاعة الله في البر بالأم عمل صالح، [وطاعة الأم بالشرك بالله عن شيء يجازي الله عليها من عمل بأجرها] (1).

    9 - وقوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ} قال مقاتل: لندخلنهم مع الصالحين الجنة (2). وقال ابن جرير: أي في مُدخل الصالحين؛ وهو: الجنة (3).

    وقال صاحب النظم: تأويله: لندخلنهم الجنة في زمرة الصالحين. وهو من باب الاختصار. والمراد بالصالحين: الأنبياء والأولياء (4).

    10 - قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ} قال ابن عباس ومقاتل: نزلت في قصة عياش بن أبي ربيعة أسلم وهاجر، فلما ضرب على الإسلام وعوقب ارتد ورجع إلى الكفر (5). = الرواية فقال: أخرجه الثعلبي بغير سند، والواحدي عن ابن الكلبي، ورواه الطبري من طريق أسباط عن السدي بتغيير يسير. الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف 1/ 538. ومعنى: خلأت: بركت فلم تقم. تهذيب اللغة 7/ 577 (خلأ).

    (1) ما بين المعقوفين هكذا كتب في النسختين؛ ولعل الصواب -والله أعلم-: وطاعة الأم بالشرك بالله عمل سيئ يجازي الله عليها من عمل بها.

    (2) تفسير مقاتل 70 ب.

    (3) تفسير ابن جرير 20/ 132. وقد ذكره عنه بنصه الثعلبي 8/ 156 ب.

    (4) أخرجه ابن أبي حاتم 9/ 3037، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم. وذكره بنصه الثعلبي 156 ب، ولم ينسبه.

    (5) تفسير مقاتل 71 أ، في خبر طويل. وتنوير المقباس 332، مختصرًا. وذكره = وهو معنى قوله. {فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ} يعني: ضرب إخوته وأمه إياه ليفتنوه عن دينه، وهو قوله تعالى: {جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ}.

    وقال مقاتل: يقول: جعل عذاب الناس في الدنيا كعذاب الله في الآخرة (1).

    وقال أبو إسحاق: جزع من عذاب الناس، كما يجزع من عذاب الله (2).

    وقال صاحب النظم: أي جزع من أذى الناس ولم يصبر عليه فأطاع الناس، كما يطيع الله من خاف عذابَه، وفي نزول هذه الآية قول آخر؛ قال مجاهد: نزلت في أناس يؤمنون بألسنتهم فإذا أصابهم بلاء من الناس أو مصيبة في أنفسهم أو أموالهم افتتنوا، فجعلوا ذلك في الدنيا كعذاب الله في الآخرة (3). ونحو هذا قال السدي ومقاتل؛ قال: هو المنافق إذا أوذي في = الثعلبي 8/ 156 ب، بطوله، ونسبه لمقاتل والكلبي. وأخرج ابن جرير 20/ 133، وابن أبي حاتم 9/ 3037، عن ابن عباس، أنها نزلت في قوم من أهل مكة أسلموا، وكانوا يستخفون بالإسلام، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم فاصيب بعضهم، وقتل بعض، قال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمون وأكرهوا فاستغفروا لهم، فنزلت: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} الآية [النساء: 97] قال: فكتب إلى من بقي من المسلمين بهذه الآية: لا عذر لهم، خرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة، فنزلت فيهم هذه الآية. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، غير محمد بن شريك، وهو ثقة. مجمع الزوائد 7/ 10. وهذا هو الصواب جعل الآية عامة، أما ما ذكره الواحدي عن ابن عباس ومقاتل من ارتداد عياش، وجعل نزول الآية فيه؛ فهذا ليس بصواب؛ لما سبق في ترجمة عياش من أنه لم يرتد، بل صبر على فتنة قومه.

    (1) تفسير مقاتل 71 أ.

    (2) معاني القرآن للزجاج 4/ 161.

    (3) أخرجه ابن جرير 20/ 132، وابن أبي حاتم 9/ 3037، وذكره الثعلبي 156 ب.

    الله رجع عن الدين وكفر (1).

    قال أبو إسحاق: وينبغي للمؤمن أن يصبر على الأذية في الله -عز وجل - (2).

    قوله تعالى: {وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ} ابتداء كلام آخر على القول الأول (3)، وهو: إخبار عن المنافقين. قال مقاتل: ثم استأنف: {وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ} يعني: دولة للمؤمنين (4).

    وقال ابن عباس: نصر لأولياء الله وأهل طاعته (5).

    {لَيَقُولُنَّ} يعني: المنافقين للمؤمنين {إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ} على عدوكم (6). وعلى القول الثاني يتصل قوله: {وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ} بما سبقه. وهو اختيار صاحب النظم؛ أخرج {مِنْ} موحدًا في أول الآية، وأخرجه مخرج الجمع في قوله: {لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ} موحد مرةً على اللفظ، وجُمع مرةً على المعنى. وكذلك القراء يختلفون في الوقف عند قوله: {كَعَذَابِ اللَّهِ} فهو عند نافع تمام، وعند غيره ليس بتمام؛ لاتصاله بما قبله (7). (1) أخرجه ابن أبي حاتم 9/ 3037، عن السدي، بمعناه. وتفسير مقاتل 71 ب، بمعناه.

    (2) معاني القرآن للزجاج 4/ 161.

    (3) أي: على القول بأنها نزلت في عياش بن أبي ربيعة.

    (4) تفسير مقاتل 71 ب.

    (5) في تنوير المقباس 332: فتح مكة.

    (6) تفسير مقاتل 71 ب.

    (7) هكذا في النسختين: لاتصاله بما قبله؛ وهو خطأ؛ والصواب: لاتصاله بما بعده. قال النحاس: {فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} عن نافع تم، قال غيره: والتمام {أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ}. القطع والائتناف 2/ 519 قوله تعالى: {أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ} بضمائر العالمين وأسرارهم من الإيمان والنفاق، وغير ذلك، أي: لا يخفى عليه كذبهم فيما قالوا: {إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ} ننصركم على عدوكم.

    قال صاحب النظم: دَلَّ بقوله: {أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ} على أنهم كاذبون في قولهم: {إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ}.

    11 - وقوله: {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} قال مقاتل: وليرين الله الذين صدقوا عند البلاء فثبتوا على الإسلام {وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} بالشك عند البلاء (1) وترك الإيمان ورجوعهم إلى دينهم الأول. وذكرنا معنى: {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ} آنفًا.

    وقال صاحب النظم: دل بهذه الآية أن انقيادهم لمن آذاهم، وميلهم إليهم، وترك الصبر على الأذى في الله خروج من الإيمان, ودخول في الشرك في جملة المنافقين الذين لا يصبرون عند البلاء.

    12 - وقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا} قال مجاهد: هذا من قول كفار مكة لمن آمن منهم؛ قالوا لهم: لا نُبعث نحن ولا أنتم فاتبعونا، فإن كان عليكم شيء فهو علينا (2). ونحو هذا قال الكلبي (3).

    وقال مقاتل: قال أبو سفيان بن حرب، لعمر بن الخطاب، وعمار، (1) تفسير مقاتل 71 ب.

    (2) أخرجه ابن جرير 20/ 134، وابن أبي حاتم 9/ 3039، عن مجاهد، وأخرجا نحوه عن الضحاك.

    (3) تنوير المقباس 333.

    وخباب، ومن آمن من قريش: اتبعوا ديننا ملة آبائنا، ونحن الكفلاء (1) بكل تبعة من الله تصيبكما فذلك قوله: {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} (2).

    قال الأخفش: جزم على الأمر؛ كأنهم أمروا أنفسهم (3).

    وقال الفراء: هو أمر فيه تأويل جزاء، كما أن قوله: {لَا يَحْطِمَنَّكُمْ} [النمل: 18] نهي فيه تأويل الجزاء، وهو كثير في كلام العرب؛ قال الشاعر:

    فقلتُ ادعِي وأَدْعُ فإنَّ أندى ... لِصَوتٍ أن يُناديَ داعيانِ

    أراد: ادعِي ولأَدْعُ، كأنه قال: إن دعوتِ دعوتُ (4).

    وقال صاحب النظم: قال لهم ارجعوا إلى ديننا لنضمن عنكم كلَّ ما يجئكم من ذلك. وذكر أبو إسحاق نحو ما قال الفراء؛ فقال: هو أمرٌ في تأويل الشرط والجزاء؛ المعنى: إن تتبعوا طريقنا الذي نسلكه في ديننا حملنا خطاياكم، إن كان فيه إثم فنحن نحتمله (5). (1) في نسخة: (ب): الكفلة.

    (2) تفسير مقاتل 71 ب.

    (3) معاني القرآن للأخفش 2/ 655.

    (4) أنشده سيبويه 3/ 45، ونسبه للأعشى، وفي الحاشية: لم يرد في ديوانه، وروي أيضًا للحطيئة، أو ربيعة بن جشم، أو دثار بن شيبان النمري. وقبله:

    تقول خليلتي لما اشتكينا ... سيدركنا بنو القرم الهجان

    وأنشده الفراء، معاني القرآن 2/ 314، ولم ينسبه. وأنشده الثعلبي 8/ 157 أ، عن الفراء. واستشهد به في الإنصاف 2/ 531، على إعمال حرف الجزم مع الحذف، ولم ينسبه. وفي الحاشية: محل الاستشهاد من البيت قوله: وأدع، فإن المؤلف أنشده على لسان الكوفيين على أن الشاعر أراد: ولأدع، بلام الأمر، وبجزم الفعل المضارع بحذف الواو، والضمة قبلها دليل عليها.

    (5) معاني القرآن للزجاج 4/ 161.

    وقال المبرد: {اتَّبِعُوا} أمر {وَلْنَحْمِلْ} معطوف عليه، وإنما أمروهم ثم عادوا فأمروا أنفسهم، ولا تحذف اللام إلا من الأمر المواجهة وما سوى ذلك فلابد من اللام، تقول: قم وليقم زيد (1). وهذا وجه غير ما ذكره الفراء والزجاج؛ وهو أحسن.

    قال الله تعالى: {وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ} معناه: من شيء يخفف عن المحمول عنه العذاب (2) {إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} قال ابن عباس: يريد: إنهم ليعدونهم الباطل.

    13 - {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ} قال مقاتل: أوزارهم التي عملوها {وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} وأوزارهم لقولهم للمؤمنين: {اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا} (3)، وهذا كقوله: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [النحل: 25] قاله مقاتل وابن عباس ومجاهد (4).

    قال قتادة في هذه الآية: من دعا قومًا إلى ضلالة فعليه مثل أوزارهم من غير أن ينقص من أوزارهم شيئًا (5)؛ وهو معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم (1) أراد المبرد بقوله: الأمر المواجهة: صيغة الأمر الصريحة الأصلية التي يلزم منها حضور المأمور الموجه إليه الخطاب، كقولك: قم يا زيد، فإن كان الأمر بغيرها كالأمر بالمضارع لزم دخول اللام الدالة على الأمر كقولك: ليقم زيد. والله أعلم.

    (2) معاني القرآن للزجاج 4/ 162، بنصه.

    (3) تفسير مقاتل 71 ب.

    (4) أخرجه ابن جرير 20/ 135، عن ابن زيد، وفيه ذكر آية النحل. وذكره مقاتل 71 ب، دون ذكر آية النحل.

    (5) أخرجه عبد الرزاق 2/ 96، وابن أبي حاتم 9/ 3040. وذكره ابن قتيبة، غريب القرآن (337).

    شيء" (1)

    وقوله: {وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} قال أبو إسحاق: ذلك سؤال توبيخ لا سؤال إعلام (2).

    وقوله: {عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} قال ابن عباس: يقولون على الله الكذب (3).

    وقال مقاتل: يعني قولهم: نحن الكفلاء بكل تبعة تصيبكم من الله (4). (1) الحديث أخرجه مسلم 2/ 704، كتاب: الزكاة، رقم الحديث (1017)، وله قصة ذكرها جرير بن عبد الله -رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم - في صدر النهار قال فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر فتمعر وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم - لما رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} إلي قوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] والآية التي في الحشر: {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحشر: 18] تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره حتى قال: ولو بشق تمرة، قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كله تعجز عنها، بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يتهلل كأنه مُذهَبة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء. وأخرجه مختصرًا الترمذي 5/ 42، كتاب: العلم، رقم (2675)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه بسنده الثعلبي 8/ 157 ب، من حديث جرير بن عبد الله -رضي الله عنه-.

    (2) معاني القرآن للزجاج 4/ 162.

    (3) أخرجه ابن أبي حاتم 9/ 3040.

    (4) تفسير مقاتل 71 ب.

    14 - قال ابن عباس: ثم عزَّى نبيه فأخبره بما ابتلي به النبيون من قبله من قومهم؛ فقال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ} يريد: أقام فيهم يدعوهم إلى الله {أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} روى يوسف بن مهران عن ابن عباس قال: بُعث نوح لأربعين سنة، فلبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، وعاش بعد الغرق ستين عامًا، حتى كثر الناس وفشوا (1).

    {فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ} قال مقاتل: يعني الماء طغى فوق كل شيء فغرقوا (2) {وَهُمْ ظَالِمُونَ} قال ابن عباس: مشركون (3). وذكرنا الطوفان فيما تقدم (4).

    15 - {فَأَنْجَيْنَاهُ} يعني نوحًا من الغرق (5) {وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} يعني الذين ركبوها معه {وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} قال ابن عباس: يريد تركت السفينة آية لمن بعد نوح (6). (1) أخرجه ابن أبي حاتم 9/ 3041، من طريق يوسف بن مهران. وذكره الثعلبي 157 ب. وأخرجه من هذا الطريق الحاكم 2/ 595، كتاب تواريخ المتقدمين، رقم (4005)، ولم يتكلم عنه الحاكم، وسكت عنه الذهبي.

    (2) تفسير مقاتل 71 ب. وأخرجه عبد الرزاق 2/ 100، وابن جرير 20/ 136، عن قتادة. وقال ابن قتيبة: المطر الشديد. غريب القرآن 337.

    (3) أخرجه ابن أبي حاتم 9/ 3043.

    (4) عند قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ} [الأعراف: 133]، حيث تكلم الواحدي عن معنى الطوفان والمراد به في الآية في أربع صفحات، ومما ذكره قول الزجاج: الطوفان من كل شيء ما كان كثيرًا محيطًا مطيفًا بالجماعة كلها كالغرق الذي يشمل المدن الكثيرة يقال له: طوفان.

    (5) تفسير مقاتل 71 ب.

    (6) أخرجه ابن جرير 20/ 136، وابن أبي حاتم 9/ 3043، عن قتادة، بنحوه.

    وقال مقاتل والكلبي: يعني عبرة لمن بعدهم من الناس (1)، إن عصوا رسلهم فعلنا بهم مثل ذلك (2).

    16 - {وَإِبْرَاهِيمَ} قال الزجاج: المعنى: وأرسلنا إبراهيم، عطفًا على نوح (3).

    {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ} قال ابن عباس: أطيعوا الله وخافوه. وقال مقاتل: وحدوا الله واخشوه {ذَلِكُمْ} يعني: عبادة الله خير لكم من عبادة الأوثان {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ولكنكم لا تعلمون (4). وقال الكلبي: إن كنتم تعلمون أن الله ربكم (5).

    17 - وقوله: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا} قال أبو عبيدة: الأوثان: كل ما كان منحوتًا من خشب أو حجر، والصنم: ما كان من ذهب أو فضة أو نحاس (6). (1) تفسير مقاتل 71 ب. تنوير المقباس 333.

    (2) قال ابن جرير 20/ 136: ولو قيل: معنى: {وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} وجعلنا عقوبتنا إياهم آية للعالمين، وجعل الهاء والألف في قوله: {وَجَعَلْنَاهَا} كناية عن العقوبة أو السخط ونحو ذلك، إذ كان تقدم ذلك في قوله: {فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} كان وجهًا من التأويل.

    (3) معاني القرآن للزجاج 4/ 164.

    (4) تفسير مقاتل 71 ب.

    (5) تنوير المقباس 333.

    (6) مجاز القرآن لأبي عبيدة 2/ 114، بلفظ: الوثن: ما كان من حجارة أو جص. وليس فيه ما يتعلق بالصنم، وما ذكره أبو عبيدة في المجاز ذكره ابن قتيبة بنصه في غريب القرآن 337، ولم ينسبه. وقد تتبعت الآيات التي وردت فيها كلمة: أصنام، فلم أجد أبا عبيدة تكلم عن هذه المسألة في كتابه المجاز. وقريب مما ذكر الواحدي عند الأزهري؛ قال: وقال شمر فيما قرأت بخطه: أصل الأمثال = وهذا كما قال ابن عباس: يريد الأصنام التىِ تتخذ من الحجارة (1). قوله: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا} قال أبو عبيدة: خلق واختلق، وخرق واخترق وافترى؛ واحد كله (2). وفي هذا قولان للمفسرين؛ أحدهما: أن هذا

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1