Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

المسالك في شرح موطأ مالك
المسالك في شرح موطأ مالك
المسالك في شرح موطأ مالك
Ebook789 pages5 hours

المسالك في شرح موطأ مالك

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

كتاب في الحديث والفقه المالكي يشرح كتاب إمام المذهب الفقيه المحدث المجتهد المتبوع والمشهود له ويهدف إلى تيسير فهمه على قارئيه من الطلاب والعلماء وهو مقسم على الابواب الفقهية الطهارة الحيض الصلاة السهو ا
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJun 26, 1901
ISBN9786446081834
المسالك في شرح موطأ مالك

Read more from أبو بكر بن العربي

Related to المسالك في شرح موطأ مالك

Related ebooks

Related categories

Reviews for المسالك في شرح موطأ مالك

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    المسالك في شرح موطأ مالك - أبو بكر بن العربي

    الغلاف

    المسالك في شرح موطأ مالك

    الجزء 8

    أبو بكر بن العربي المالكي

    543

    كتاب في الحديث والفقه المالكي يشرح كتاب إمام المذهب الفقيه المحدث المجتهد المتبوع والمشهود له ويهدف إلى تيسير فهمه على قارئيه من الطلاب والعلماء وهو مقسم على الابواب الفقهية الطهارة الحيض الصلاة السهو ا

    باب نَفَقَةِ الأَمَةِ إذا طُلِّقتْ وهي حامِلٌ

    الفقه فى ثلاث مسائل:

    المسألةُ الأُولى (3):

    قولُه (4): لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى عَبْدٍ، وَلَا عَلَى حُرٍّ طَلَّقَا مَمْلُوكَةً يريدُ الطَّلاقَ البائنَ، فلا نَفَقَةَ لها وإن كانت حامِلًا؛ لأنَّ ابنها رقيقٌ لسيِّدَّها، وبهذا قال الشّافعيّ وجمهورُ الفقهاء.

    ورُوِيَ عن الحسن (5) والحَكَم (6)؛ أنّ النَّفَقَةَ على الزّوج إذا طلّقها وهي حامل. (1) انظر المعونة: 2/ 74.

    (2) النساء: 25.

    (3) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 4/ 90.

    (4) أي قول مالك في الموطَّأ (1677) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (1648).

    (5) رواه ابن أبي شيبة (18688).

    (6) رواه ابن أبي شيبة (18690).

    المسألةُ الثّانيةُ (1):

    قال علماؤنا (2): وكذلك العبدُ يطلِّقُ الحُرِّة حاملًا، فلا نَفَقَةَ عليه؛ لأنّ نَفَقَةَ الزّوجيّة قد بطلت بالطّلاق البائن، وليس للعبد أنّ يُنفِقَ مالًا لسَيِّدِهِ فيه حقّ الانتزاع على ابنه وهو حرٌّ، كما ليس له ذلك بعد الولادة.

    المسألةُ الثَالثةُ (3):

    وقولُه (4): وَلَيْسَ عَلَى حُرٍّ أنّ يَسْتَرْضِعَ لابْنِهِ وَهُوَ عَبْدٌ لقومٍ آخَرِينَ وكذلك ليس عليه نَفَقَة. وأجمعَ العلّماءُ على هذا ممّن يقول بالنَّفَقَة على الحامل وممّن لا يقول بذلك.

    ووجهه: أنّ العبدَ نَفَقَته على سيِّدِه دون ابْنِهِ، وهذا عبدٌ لموالي الأمّ فكانت نفقته عليه، واللهُ أعلمُ.

    باب عدّة الّتي تفقد زوجها

    قال (5) اللهُ العظيمُ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} الآية (6).

    قيل: إتها ناسخةٌ لقولِهِ: {مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} (7) قال علماؤنا: كانت (1) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 4/ 90.

    (2) المقصود هو الإمام الباجي.

    (3) هذه المسألة مقشة من المنتقى: 4/ 90.

    (4) أي قول مالك في الموطَّأ (1678) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (1649).

    (5) كلام المؤلِّف إلى بداية قوله: قال أهل اللُّغة ورد في أحكام القرآن: 1/ 207 - 210.

    (6) 234 من سورة البقرة.

    (7) البقرة: 240.

    عِدَّةُ الوفاةِ في صَدْرِ الإِسلامِ حَوْلًا كاملًا، كما كانت في الجاهليّة، ثمّ نَسَخَ اللهُ ذلك بأربعةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، قَالَهُ الأكثرون من علمائنا (1).

    وقيل: إنّها منسوخةٌ بقوله: {مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} * الآية (2)، تعتدُّ حيث شاءت؛ رُوِيَ عن ابن عبّاس (3) وعطاء* (4).

    التّربُّصُ: الانتظار، ومُتَعَلِّقُهُ ثلاثة أشياء: النّكاح، والطِّيب، والخروج والتَّصرُّف.

    أمَّا النّكاح فإذا وضعت المتوفَّى عنها زوجُها ولو بعدَ وَفاتِه بلحظةٍ حلَّتْ.

    وقيل: لا تحلُّ إلاَّ بانقضاءِ الأَشهُرِ، قاله ابنُ عباس.

    وقيل: لا تحلُّ إلاَّ بعدَ الطُّهْرِ من النِّفاس، قاله الحسن والأوزاعيّ، وسيأتي بيانُه.

    وأمَّا الطِّيبُ والزِّينةُ فقد رُوِي عن الحسن أنّه كان يجوِّزُ ذلك لها (5). (1) انظر تفسبر الطبري: 2/ 579 حيث رواه عن قتادة وغيره.

    (2) البقرة: 240.

    (3) هو الذي رجحه الطبري في تفسيره: 2/ 582، والمؤلِّف في الناسخ والمنسوخ: 2/ 32.

    (4) رواه الطبري في تفسيره: 2/ 514، 582، وابن أبي شيبة (18841).

    (5) الظّاهر أنّه سقط في هذا الموضع كلام طويل، ونرى من المستحسن ان نثبت في هذا الهامش خلاصته حتى تتم الفائدة إن شاء الله.

    يقول المؤلّف رحمه الله في أحكام القرآن: 1/ 209 في أثناء كلامه على رواية الحسن: أنه جوّز ذلك لها احتجاجاً بما رُوِي أنْ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال لاسماء بنت عُميس حين مات جعفر: أمسكي ثلاثاً، ثم افعلي ما بدا لك"، وهذا حديثٌ باطل ...

    وأما الخروجُ فعلى ثلاثة أَوْجهٍ:

    الأوّل: خروجُ انتقالٍ، ولا سبيلَ إليه عند عامَّةِ العلماء ... لاعتقادهم أنّ آية الإخراج لم تُنْسَخْ ...

    الثّاني: خروجُ العبادة، كالحجِّ والعمرة، قال ابن عبّاس وعطاء: يحْجَجْنَ لأداء الفَرْض عليهنّ، وقد قال عمر وابن عمر: لا يحججن؛ وقد كان عمر رضي الله عنه يردّ المعتدّات من البيداء يمنعهُنَّ الحجَّ؛ فرأيُ عمر في الخُلَفَاء ورأي مالك في العلماء وغيرهم أنَّ عمومَ فرضِ التّربُّص = والآيةُ عامَّةٌ في كلِّ متزوّجةٍ، مدخولٍ بها أو غير مدخولٍ بها، كبيرةٍ أو صغيرةٍ، أَمَةٍ أو حُرَّة، حامِلٍ أو غير حاملٍ، كما تَقَدَّم، وهي خاصَّةٌ في المُدَّةِ؛ فإن كانت أَمَةً فتعتدُّ نِصْفَ عِدَّة الحُرِّة إجماعًا، إِلَّا ما يُحْكَى عن الأَصَمِّ؛ فإنَّه سَوَّى فيه بين الحرَّة والأَمَة، والحجّةُ عليه: الإجماع على ذلك، واللهُ أعلمُ.

    قال أهل اللُّغةِ: (1) فقدُ الشّيءِ هو تَلَفُهُ بعدَ حُضُوره، وعدَمُهُ بعدَ وجُودِهِ، قال اللهُ العظيمُ: {وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ} الآية، إلى قوله: {زَعِيمٌ} (2)، فالمفقودُ هو الّذي يغيبُ حتّى ينقطع أَثَرُهُ ولا يُعْلَم خَبَرُه، وهو على أربعةِ أَوْجُهٍ:

    1 - مفقودٌ في بلاد المسلمين.

    2 - ومفقودٌ في بلاد العَدُوِّ.

    3 - ومفقودٌ في صَفِّ المسلمينَ في قتالِ العَدُوِّ.

    4 - ومفقودٌ في حرب المسملينَ في الفِتَنِ الّتي تكونُ بينهم، على ما نبيّنه في المسائل إنَّ شاء الله.

    الفقه في خمس مسائل:

    المسألةُ الأوُلى (3):

    قال الإمامُ ابنُ العربيّ: مسالةُ المفقودِ وقعَتْ في زَمَانِ عمرَ، فقضَى فيها عمر = في زَمَنِ العِدَّةِ مُقَدَّمٌ على عموم زمان فرضِ الحَجِّ، لا سيّما إنَّ قلنا إنَّه على التّراخي، كان قلنا على الفَوْرِ فحقُّ التّربّصِ آكَدٌ من حقِّ الحجِّ؛ لأنّ حقَّ العِدَّة لله تعالى ثّمّ للآدميِّ في صيانة مَائِهِ وتحرير نَسَبِهِ، وحقُّ الحجِّ خاصٌّ بالله سبحانه.

    الثَالث: خروجُها بالنّهار للتّصرُّف ورجوعُها باللّيل، قاله ابن عمر وغيره".

    (1) هذه الفقرة مقتبسة من المقدِّمات الممهّدات: 1/ 525.

    (2) يوسف: 71 - 72.

    (3) انظرها في القبس: 2/ 753.

    بالمصلحة، ورأَى أنّ بقاءَهَا تنتظِرُهُ ضَرَرٌ بِهَا، وأنّ الاْستعجالَ على الغائِبِ قبل الاستيناء به ضرَرٌ عليه.

    المسألةُ الثّانيةُ (1):

    أمّا المفقودُ في بلاب المسلمينَ، فالحكمُ فيه إذا رَفَعَت أمرهَا إلى الإمام أنّ يكلِّفَها إثبات الزَّوجيَّة والمغيب، فهذا أثبتت ذلك، كَتَبَ إلى وَالي البلدِ الّذي يُظَنّ أنّه فيه، أو إلى البلد الجامع إنَّ لم يظنّ به في بَلَدٍ بعينه مستبحثًا عنه، ويعرِّفُه في كتابه إليه باسْمِهِ ونَسَبِهِ وصِفَتِهِ وَمَتْجَرِهِ، ويكتُب هو بذلك إلى نواحي بَلَدِهِ، فهذا وَرَدَ على الإمام جواب كتابه بأنّه لم يُعْلَمْ أنّه حيٌّ ولا وُجِدَ أثرٌ، ضَرَبَ لامرأته أجلًا أربعة أعوام إنَّ كانَ حُرَّا، أو عامين إنَّ كان عَبْدًا، ينفق عليها فيه من ماله.

    وفي مختصر ابن عبد الحكم: أنّ الأجلَ يُضرَبُ من يوم الرَّفْع.

    وقال الأبْهَرِيُّ: إنّما ضُرِبَ لامرأة المفقودِ أجل أربعة أعوامٍ؛ لأنَّه أَقْصَى أَمَد الحمل، وهو تعليلٌ ضعيف؛ لأنّ العِلَّةَ لو كانت في ذلك هذا، لَوَجَبَ أنّ يستوي فيه الحرّ والعبد، لاستوائهما في مُدَّةِ لحوق النَّسَبِ، وَلَوَجَبَ أنّ يسقط جملة في الصَّغيرة الّتي لا يوطأ مثلُها إذا فُقِدَ زوجُها فقام عنها أبوها في ذلك، فقد قال: إنّها لو أقامت عشرين سنة، ثمّ رَفعَت أمرَهَا، لَضُرِبَ لها أجل أربعة أعوام، وهذا يبطلُ تعليله إبطالًا ظاهرًا.

    (2) وقد تكلّم العلّماءُ في وجهِ الحِكْمَةِ في ضربِ عُمرَ الأجل أربعةَ أَعوامٍ. (1) هذه المسألة مقتبسة من المقدِّمات: 1/ 525 - 526، وانظر المعونة: 2/ 820.

    (2) من هنا إلى قوله: ولا يقطع عليه، من زيادات المؤلِّف على نصِّ المقدِّمات، وانظر هذه الإضافة في القبس: 2/ 755.

    فقال بعضُهم: إنَّما ذلك لاختبارِ حالِهِ في الجهاتِ الأربع: في الشّرقِ، والغرب، والشّمال، والجنوب، فجعل لكلِّ جهةٍ عامًا، وهذا ممّا يمكِنُ أنّ يكون قَصَدَه ولا يُقطَعُ عليه.

    وقيل: إنّما ضَرَبَ لها عمر الأجل أربعة؛ لأنّها المُدَّة الّتي تبلغها المكاتبة في بلاد الإسلام سيرًا وعَودًا، وهذا يبطل أيضًا على القولِ بأنَّ الأجلَ إنَّما يُضرَبُ بعدَ الكَشْفِ والبحثِ، وإنّما حُكمُهُ أنّ يقالَ على مذهبِ من يَرَى ضربَ الأَجَلِ من يومِ الرَّفعِ، وفيه أيضًا نظرٌ، وإنّما أُخِذَت الأربعة أعوام بالاجتهاد؛ لأنّ الغالبَ أنَّ من كان حيًّا لا تخفَى حياتُه مع البحث عليه أكثر من هذه المُدَّة، ووجبَ الاقتصار عليها؛ لأنّ الزّيادةَ فيها والتّقصير منها خَرْقٌ للإجماع؛ لأنّ الأُمَّة في المفقود على قولين:

    1 - أنّ زوجته لا تتزوّج حتَّى يُعْلَم موتُه، أو يأتي عليه من الزّمان ما لا يحيى إلى مِثْلِهِ.

    2 - والثّاني: أنّه يباحُ لها التّزويج إذا اعْتَدَّت بعدَ تربُّصِ أربعة أعوام.

    فلا يجوز إحداث قولٍ ثالثٍ.

    والَّذي ذَكَرَهُ الأَنجهَيري من أنّ أكثر مُدَّة الحمل أربعة أعوام هو ظاهر ما في كتاب العِتقِ الثّاني من المُدَوَّنة (1)، وهو مذهبُ الشّافعيّ (2).

    وذهب ابن القاسم إلى أنّ أكثَرَهُ خمسة أعوابم.

    وروَى أشهب عن مالك سبعة أعوام، على ما رُوِيَ أنّ امرأة ابن عجلان ولدت لسبعة أعوام.

    وذهب أبو حنيفة وأصحابه والثّوريّ إلى أنّ أقصاه عامانِ، واختارهُ الطحاويّ (3)، استدلالًا بقوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} (4) فلا يصحّ أنّ يخرجَا منها ولا واحد منهما، فلمّا خرجت عنها سائر الأقرال لم يبقَ إِلَّا هذا القول الَّذي لم يخرج قائله (1) لم نجد. في الكتاب المذكور من المدوّنة.

    (2) انظر الحاوي الكبير: 11/ 316، ومختصر خلافيات البيهقي: 4/ 297.

    (3) وهو الّذي يفهم من كلامه في المختصر: 204 - 205.

    (4) الاحقاف: 15.

    بها، عنها فكان هو أَوْلَاها بالصَّوابِ.

    المسألةُ الثّالئةُ (1):

    وأمّا المفقودُ في بلادِ الحربِ، فَحُكمُهُ حُكْم الأَسير، لا تتزوّج امرأته، ولا يقسم ماله حتَّى يُعْلَم موتُه، أو يأتي عليه من الزَّمان ما لا يحيى إلى مثلِهِ في قول أصحابنا كلهم، حاشا أشهب فإنَّه حَكمَ له بِحُكْمِ المفقودِ في المالِ والزّوجة جميعًا.

    واختلفَ العلّماءُ فيمن سار في البحر إلى بلاد الحرب ثمّ فُقِدَ:

    فقيل: إنّه كالمفقودِ في بلادِ المسلمين، لإمكانِ أنّ تكون الرِّيحُ قد رَدَّتهُ إلى بلادِ المسلمينَ، إلّا أنّ يُعْلَم أنّه صار في بعضِ جزائر الرُّومِ ثمَّ فُقِدَ بَعْدُ.

    وقيل: كالمفقودِ في بلاد الرُّومِ.

    المسألةُ الرّابعةُ (2):

    وأمّا المفقودُ في صفِّ المسلمينَ في قتالِ العَدُوِّ، ففي ذلك أربعة أقوال:

    أحدهما: روايةُ ابنِ القاسمِ عن مالك في سماع عيسى (3) أنّه يُحْكَم لَهُ بحُكْمِ الأسيرِ، فلا تتزوّج امرأتُه، ولا يقسم مالُه، حتّى يُعلم موتُه، أو يأتي عليه من الزَّمانِ ما لا يحيى إلى مثله.

    الثّاني: روايةُ أشهب عن مالك (4)؛ أنَّه يُحْكَم له بحُكْمِ المقتولِ، بعد أنّ يُتلَوَّمَ (5) له سنة من يوم يُرفَع أمرُهُ إلى السُّلطان، ثمَّ تعتدُّ امرأتُه وتَتَزوَّجُ ويُقسمُ مالُه، وإن كان لم يتكلْم في الرِّواية على قسم ماله فهو المعنى واللهُ أعلمُ، وسواء كانت المعركة في بلاد الحرب أو في بلاد المسلمين إذا أمكن أنّ يُؤْسَر فيخَفَى أَمْرُهُ، فحَمَلَهُ ابنُ القاسم في رواية عيسى عنه على أنَّه أسير، وحمله مالك في رواية أشهب عنه على أنَّه قتيل. (1) هذه المسألة مقتبسة من المقدِّمات الممهِّدات: 1/ 533.

    (2) هذه المسألة مقتبسة من المقدِّمات لابن رشد: 1/ 533 - 535.

    (3) من العتبية: 4/ 438 - 439كتاب أوَّله أسلم وله بنون صغار. وانظر: 5/ 411.

    (4) انظر نحو هذه الرِّواية في العتبية: 5/ 368 في سماع أشهب وابن نافع عن مالك، من كتاب الطّلاق الثّاني.

    (5) أي يُنتظر.

    وأمّا إنَّ كان بموضعٍ لا يمكن أنّ يخفى أَسْرُهُ إنَّ أُسِرَ، فحكْمُهُ حكم المفقودِ في حربِ المسلمينَ في الفِتَنِ.

    الثَالثُ: أنَّه يُحْكَم له بحُكْمِ المفقودِ في جميعِ الأحوالِ، فيضرب له الأَجل أربعة أعوام، ثمَّ تعتدُّ امرأته وتتزوّج، ولا يقسم ماله حتّى يَأتي عليه من الزَّمانِ ما لا يحيى إلى مِثلِهِ. حكى هذا القول ابنُ الموّاز.

    الرّابعُ: أنّه يُحْكَم له بِحُكْمِ المقتولِ في الزَّوجة، فتعتدُّ بعدَ التَّلَوُّمِ وتتزوَّج، وبحُكْمِ المفقودِ في مالِهِ فلا يقسم حتّى يُعْلَم موتُه، أو يأتِي عليه من الزَّمان ما لَا يحيى إلى مِثْلِهِ، وهو قول الأوزاعي. وتأوّل رواية أشهب عن مالك على ذلك، وهو بعيدٌ.

    وأمّا المفقود في حرب المسلمينَ في الفِتَنِ الْتي تكونُ بينهم، ففي ذلك قولان:

    أحدهما: أنَّه يُحْكَم له بِحُكْمِ المقتولِ، في زوجته وماله، فتعتدُّ امرأتُه ويقسم مَالُهُ، قيل: من يوم المعركة قريبة كانتَ أو بعيدة، وهو قول سحنون، وقيل: بعد أنّ يتلوّم له على قَدْرِ ما ينصرف مَنْ هَرَبَ أو انْهَزَمَ.

    فإن كانت المعركةُ على بُعْدٍ من بِلَادِهِ مثل إفريقية من المدينة، ضُرِبَ لامرأته سَنَة (1)، ثمَّ تعتدّ وتتزوج ويقسم ماله.

    وقيل: إنَّ العِدَّةَ داخلةٌ في التَلوُّم، واختلفَ في ذلك قول ابن القاسم والصّواب أنّ العِدّة داخلة في التَّلوُّم؛ لأنَّه إنَّما تلوّم له* مخافة أنّ يكون حُيَّا* (2). (1) أي أجل سنة، وهذا القول هو لابن القاسم في العتبية: 5/ 411 - 412.

    (2) الظّاهر أنَّه سقط هاهنا كلام، وإليكموه كما هو في المقدِّمات الممهّدات: 1/ 535 "فإذا لم يوجد له خبر حُمل أمره على أنّه قتل في المعركة فاعتدت امرأته من ذلك اليوم وقسم ماله على ورثته يومئذ. وإن كانت بمرضع لا يظن ان له بقاء لقربه واتضاح أمره اعتدت امرأته من ذلك =

    باب ما جاء في الأقراء في عِدَّة الطّلاق وطلاق الحائض

    قال الإمام: القُرْءُ كلمةٌ محتملةٌ للحيضِ والطُّهْرِ. والأصلُ فيه، قولُه تعالى: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (1) وذلك راجعٌ على الطُّهْر؛ لأنَّه مذكَّرٌ، ولو أرادَ الحَيْضَ لقال: ثلاث حيض لأنّ الحَيْضَ مؤنَّثٌ.

    واتَّفقَ أهلُ اللُّغةِ على أنَّ القُرْءَ الوقتُ. والطّلاق الشّرعي: هو فُرقة الزّوجة. وذَكَرَ مالكٌ عن عائشة؛ أنَّ الأَقْرَاءَ الأَطْهَارُ (2).

    الفقه في ثمان مسائل:

    المسألة الأُولى (3):

    اختلفَ النَّاسُ من الفقهاء وأهلِ اللُّغة في الأقراء اختلافًا كثيرًا, ولا شكَّ في أنَّ زمانَ الحيضِ يُسمَّى قُرْءًا، كما أنَّ زمانِ الطُّهْرِ يُسمَّى قُرْءًا, ولكن نُوَضِّحُ أنَّ المرادَ في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (4) أنَّه زمانُ الطُّهْرِ، لثلاثَهِ أَوْجهٍ: = اليوم. وقيل: إنَّ الأندلس كلها كبلدة واحدة فلا يتلوم له وتعتد امرأته من ذلك اليوم وتتزوج إن شاءت ويقسم ماله. وإنّما يضرب له أجل سنة إذا كانت المعركة بعيدة مثل إفريقية من مصر ومصر من المدينة، قاله عيسى بن دينار.

    والثّاني رواية أشهب عن مالك أنّه يُضرب له أجل سنة ثمّ تعتد امرأته وتتزوج ولا يقسم ماله حتّى يأتي عليه من الزّمان ما لا يحيى إلى مثله، وهو قول الأوزاعي وتأويل أحمد بن خالد على رواية أشهب. والتأويل الصّحيح فيها أنّه يقسم ماله بعد السُّنَّة، وهو قول ثالث في المسألة، وهذا كله إذا شهدت البينة المدلة أنّه شهد المعترك. فأما إنَّ كانوا إنّما رأوه خارجًا في جملة العسكر ولم يروه في المعترك فحكمه حكم المفقود في زوجته وماله باتِّفاق والله سبحانه وتعالى أعلم".

    (1) البقرة: 228، وانظر أحكام القرآن: 1/ 184.

    (2) أخرجه مالك في الموطَّأ (1684) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (1656)، وسويد (361)، والشّافعيّ في مسنده: 296، وابن وهب عند الطحاوي في شرح معاني الآثار: 3/ 61, وابن بكير عند البيهقي: 7/ 415.

    (3) انظرها في القبس: 2/ 756 - 757.

    (4) البقرة: 228.

    أحدها: أنَّ حقيقةَ القُرْءِ اجتماعُ الدَّمِ، والدَّمُ إنّما يَجتمِعُ في مُدَّةِ الطُّهْرِ، والحَيْضُ هو سَيلَانُ ما اجتَمعَ.

    الثّاني: أنَّ الله يقولُ في كتابه: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (1) وبَيَّنَ النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - أنَّ الطّلاقَ في الطُّهْرِ لا في الحَيْضِ.

    الثّالث: أنَّ الأحكامَ ترتبطُ بأسبابِهَا، وسببُ العِدَّة الطّلاقُ، فيجبُ أنّ تكونَ مُقترِنةً به. وليس لأهل العراق ولا لغيرهم من المخالِفِينَ بعد هذا في الاعتراضِ عليه شيءٌ يَنْفَعُ (2). ولذلك أَمَرَ النّبيُّ عبدَ الله بنَ عُمرَ حين طَلَّقَ امرأتَهُ وهي حائضٌ بالرَّجعة، لِئلّا تَطُولَ عليها العِدَّةُ، فإنّ زمانَ الحَيْضِ الّذي وقعَ الطَّلاقُ فيهِ لا يُحْتَسَبُ لها به، فيمضي عليه الطّلاقُ الّذي أَلْزَمه نفسَه، ويُجْبَرُ على الَّرَّجعةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عن المرأةِ، فتجتمعُ الفائدتان.

    المسألةُ الثّانيةُ (3):

    قال الإمام: والمُعتَدَّاتُ على ثمانيةِ أقسامٍ:

    الأوّل: مُعْتَادَةٌ، فهذه عِدَّتُها ثلاثةُ قُرُوءٍ، كما قال الله تعالى (4)، أو وَضْعُ الحَمْلِ كما أخبر الله (5).

    الثّاني: من تأخَّرَ حَيْضُها بمَرَضٍ (6).

    الثَالث: من تأخَّرَ حَيْضُها لِرَضَاعٍ، فأمّا مَنْ تأخَّرَ حيضُها لمرضٍ، فتُقِيمُ تِسْعَةَ أَشهُرٍ، ثمَّ تأتي بثلاثةِ أَشْهُرِ عند الكُلِّ من علمائنا. (1) الطّلاق: 1.

    (2) يقول ابن حبيب في شرح غريب الموطَّأ: الورقة 89 فأما أهل العراق فلم أسمع لهم فيه [أي في الأقراء] قولة يحتجون بها. وأمّا أهل المدينة فالحجة لهم فيه بالآثار وبكلام العرب قويّة بينَة.

    (3) انظرها في القبس: 2/ 756 - 758، والأحكام: 4/ 1827.

    (4) وذلك في قوله سبحانه: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} البقرة: 228.

    (5) وذلك في قوله عزّ وجلّ: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} الطّلاق: 4.

    (6) زاد في القبس: فتبقَى تسعةَ أشهُرٍ وقال أَشْهَبُ: إنّما تَعْتَدُّ بعدَ السَّنَة، كما في قصَّةِ حَبَّانَ الّذي رواهُ مالك في الموطَّأ (1)، والمريضةُ والمُرْضِعُ سواءٌ. والصّحيحُ* هو الأوَّلُ.

    الرَّابعُ: من تأخّر حَيْضُها لغير شيءٍ، فإنّها تتربَّصُ سنةً ما لم تَرْتَبْ، فإذا ارتابت، تقيمُ عامين في قول عائشة (2) وأهل العراق (3)، وأربعٌ في قولٍ (4)، وفي قول علمائنا إلى خمسٍ (5)، وسَبْعٍ (6)، فإن تمادت الرِّيبةُ، فلا تَحِلُّ أبدًا حتّى ينقطعَ، عند أشهبَ، والشّافعىّ* (7)، وأبي حنيفةَ. وقد وقَعَت روايةٌ لمالكٍ، والصّحيحُ أنَّ الزِّيادةَ على مُدَّةِ الحملِ لا اعتبارَ لها؛ لأنّ مدَّةَ الحملِ لا تُعْلَم بدليل الشّريعة، وإنَّما تُعلمُ بِمُسْتَمِرٍّ من العادةِ. وقد زعموا أنّهم وَجَدوا الولادةَ بعدَ سبعةِ أعوامٍ من الوَطْءِ، ورَبُّك أعلمُ بما تُكِنُّ البطونُ.

    وقد سمعتُ من يقولُ: أقصى الحمل سبعة أشهرٍ، وهي نُكتَةً فلسفيَّةٌ، واعراضٌ عن الدِّيانة قَصِيَّةٌ، وخلافُ إجماعِ الأُمَّةِ، فلا ينبغي أنَّ يُلْتَفَتْ إليه.

    الخامس: المستحاضةُ، قال ابنُ القاسم وسعيد بن المُسَيَّب: تُقيمُ سَنَةً (8).

    وقال غيرُهما: تقيمُ حتَّى تزولَ الرِّيبة.

    السَادس: صغيرةٌ، عدَّتُها ثلاثةُ أَشْهُرٍ (9)، سواءٌ كانت حُرِّةً أو أَمَةً. (1) الأثر (1664) رواية يحيى.

    (2) رواه الدارقطني: 3/ 322، والبيهقي: 7/ 443.

    (3) انظر الهداية شرح البداية: 2/ 36.

    (4) ذكر ابن الجلّاب في التفريع: 2/ 116 أنّ هذا القول هو اظهر الرِّوايات عن مالك، وهو الّذي صحَّحَهُ ابن الجلّاب، وعبد الوهّاب في المعونة: 2/ 924.

    (5) حكاه ابن الجلّاب في التفريع: 2/ 116, والقاضى عبد الوهّاب في المعونة: 2/ 924.

    (6) ذكر عبد الوهّاب في المعونة: 2/ 924 أنَّه لم يقف على وجود لهذه المدَّة.

    (7) في الأم: 11/ 264 (ط. قتيبة)، والوسيط: 6/ 132.

    (8) أخرج مالك قول ابن المسيَّب في الموطَّأ (1705) رواية يحيى. أمّا قول ابن القاسم فحكاه الباجى في المنتقى: 4/ 110.

    (9) قاله مالك في المدوّنة: 2/ 68 في عدة الصبية.

    وقال عبدُ الملك: في الأَمَةِ شهرٌ ونصفٌ.

    وقال غيرُهُ: شهران. وقد اتُّفِقَ على أنَّ عِدَّتُهَا في الوَفَاةِ شهرانِ وخمسُ ليالٍ.

    السّابع: اليائسةُ، وهي مِثلُها (1)، وقد نصَّ اللهُ عليها في مُحْكمِ كتابِه، فقال: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} الآية (2).

    الثّامن: المشكلةُ، وهي الّتي قاربت من الصَّغيرة سِنَّ الحَيضِ، وقارَبَت من الكبيرةِ سنَّ انقطاع الدَّمِ، فتبني على الأَشْهرِ باتِّفاق من علمائنا إِلَّا إنَّ ارتابت، فإِنِ ارتابت فَتَحْصُلُ في القسمِ الرّابعِ وهي المُرتابةُ.

    المسألة الثّالثة:

    قال (3) علماؤُنَا (4) - رحمةُ اللهِ عليهم-: وإنّما شُرعَ الإِقراءُ ليعلم براءَة الرَّحمِ، وليغلب على الظَّنِّ براءته. فهذا حاضت حَيْضَة، كانت من العلّامات على براءَةِ الرَّحِمِ، فإذا حاضت الثّانية والثالثة، تأكَّدَ براءة الرَّحِمِ، فحلّت للأزواج ولم تنتظر بقيّة الحَيْضَة.

    وقال (5) أهلُ العراقِ (6): إنْ الأَقراءَ هي الحيض.

    والدَّليلُ على صحّةِ مذهبِ مالكٍ، قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} الآية (7)، أي في مكان يعتددن به، كما قرأ ابنُ عمر: فطلقوهنّ لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ (8) وهي قراءة تُسَاقُ على طريقِ التَّفسيرِ (9). وبَيَّنَ النَّبِيُّ عليه السّلام أنَّ ذلك أن يطلِّقها في طُهْرٍ لم يمسّها فيه (10)، فدلَّ ذلك على أنَّ الطُّهْرَ الّذي يطلِّقها فيه تعتدُّ به، وأنَّه من أقرائها, ولو (1) انظر المصدر السابق.

    (2) الطّلاق: 4.

    (3) من هنا إلى آخر الفقرة عند قوله: بقية الحيضة، مقتبسٌ من المنتقى: 4/ 93 بتصرُّف يسير.

    (4) المقصود هو القاضي أبو إسحاق كما نصّ على ذلك الباجي.

    (5) من هاهنا إلى آخر المسألة مقتبسٌ من المقدِّمات لابن رشد: 1/ 517.

    (6) انظر مختصر اختلاف العلماء: 2/ 385، والمبسوط: 6/ 13.

    (7) الطّلاق: 1، وانظر أحكام القرآن: 4/ 1823 ما بعدها.

    (8) رواها مالك (1720) رواية يحيى.

    (9) قال عنها النووي فى شرح مسلم: 10/ 69 وهي قراءة شاذَّة لا تثبت قرآنًا بالإجماع.

    (10) انظر تخريجه بعد التعليق التالي.

    كانت الأقراء الحيض - كلما قال أهل العراق - لكان المطَّلقُ في الطُّهْرِ مطلَّقاٌ لغير العِدَّةِ.

    ومن جهة المعنى: أنَّ الْقُرْءَ مأخوذٌ من قَرَيتُ الماءَ في الحَوْضِ، أي جمعتُه فيه، والرَّحِمُ يجمعُ الدَّمَ في مدَّةِ الطُّهْرِ، ثمَّ يرخيه في مُدَّة الحَيْضِ.

    وموضعُ الخلافِ إنّما هو: هل تحلُ المرأةُ بدخولها في الدَّمِ الثالثِ؟ أو بإنقضاء آخره؟ فمن قال: إنَّ الأقراء هي الأطهار، يقول: إنَّها تحلُّ بدخولها في الدِّم، ومن قال: إنَّها الحيض، يقول: إنّها لا تحلُّ حتّى تتمّ الحيضة.

    المسألة الرّابعة (1):

    وقد رَوَى يحيى بن يحيى في تفسير قراءة ابن عمر: فَطَلِّقُوهُنَّ لِقُبُلِ عِدَّتهِنَّ قال يحيى بن يحيى: قال مالك: يريدُ أنَّ يطلِّقَهَا في كلّ طُهْرٍ مَرَّةُ. قال أبو محمّد الأصيلي: لم يَرْوِ هذا التّفسير عن مالك إلّا يحيى بن يحيى.

    المسألة الخامسة (2):

    قوله (3): أنّ ابنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وهيَ حَائِضٌ يحتملُ أنَّ يثبت ذلك بإقرارها، أو بِبَيِّنَةٍ من النِّساءِ.

    فإن أَقَرَّتْ أنَّها حائضٌ، وأنكر ذلك الزَّوج، قال ابن سحنون عن أبيه: هي مُصَدَّقَةٌ في ذلك، وكذلك تُصَدَّق أيضًا المتوفَّى عنها زوجُها في العِدَّةِ، ولا يُكْشَفُ على الحائض، ولا يَنْظُر إليها النِّساء، وُيُجْبَر على الرَّجْعَةِ.

    ووَجْهُهُ: أنَّ هذا حكمٌ من الأحكامِ في الحيضِ، فكانت مُصَدَّقَة فيه مثل انْقِضَاء العدَّة. (1) هذه المسألة مقتبسة من تفسير الموطَّأ للبوني: 88/ ب.

    (2) هذه المسألة مقتبسة من المنتقي: 4/ 95.

    (3) في حديث الموطَّأ (1683) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (1655)، وسويد (361)، والقعنبي عند الجوهري (681)، وابن وهب عند عبد الرزّاق (10952)، وابن مهدي عند أحمد: 2/ 63، وابن أبي أويس عند البخاريّ (5251)، ويحيى بن يحيى النيسابوري عند مسلم (1471)، وخالد بن خالد عند الدارمي (2267)، وابن القاسم عند النسائي: 6/ 138.

    ورَوَى أَصْبَغُ عنِ ابنِ القاسمِ فيمن طلَّقَ امرأته، فقالت: طَلِّقَني في الحيضِ، فقال: بل وأنتِ طاهرةٌ، القولُ قولُه، ومعنى ذلك أنَّ تقولَهُ بعد ما طهرت، وإذا قالت قبل أنّ تُقِرّ بالطُّهْرِ فالقولُ قولُها.

    المسألة السّادسة (1):

    ولا يجوزُ أنّ يُصَالِحَ امرأتَهُ في الحيضِ، قاله ابنُ القاسمِ وأَشْهَب.

    وأمَّا الطّلاقُ الّذي يكونُ بغَلَبَةٍ من السُّلطانِ فيمن به جنُونٌ، أو جُذَامٌ، أو بَرَصٌ، أو عُنَّة، فقد قال مالك وابن القاسم: لا تُطَلَّق عليه في دَمٍ حَيْضٍ ولا نِفَاسٍ.

    والأَمَةُ تُعْتَقُ في الحيضِ لا تختار حتّى تَطُهر، فإن فعلت مَضَى.

    وأمّا المَوْلَى، فروَى أشهب عن مالك وابن القاسم: لا تُطَلَّق عليه في الحَيْضِ. وَرَوَى ابنُ القاسم عنه أنّها تُطَلَّقْ عليه.

    المسألة السَّابعة (2):

    قوله (3) مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا يقتضِي وجوب الاِرْتجاعِ عليه، وذلك لازِمٌ ثمّ لكلِّ من طلَّقَ في الحيضِ أنَّ يراجِعَ إذا كان له عليها رَجْعَة.

    فأمّا العِنِّين فلا رَجْعَةَ له؛ لأنَّه طلَّقَ قبلَ الدُّخولِ، وأمَّا غيره فَلِزَوَالِ مُوجِبِ الطَّلاقِ، مثل أنَّ يُفِيقَ المجنونُ ويوسر المُعْسِرُ، وقد قال محمّد (4): لِكُلِّ واحدٍ منهم الرَّجعة. (1) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 4/ 96.

    (2) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 4/ 97.

    (3) في حديث الموطَّأ السابق ذِكْرُهُ.

    (4) هو ابن الموّاز.

    قال: ومَن طلَّقَ منهم حائضًا أُجْبِرَ على الرَّجعةِ، خلافًا لأبي حنيفة (1) والشّافعيّ (2) في قوليهما: يُؤْمَرُ بها ولا يُجْبَرُ.

    ودليلُنا: ما تقدَّمَ من قولِهِ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ التِي أَمَرَ اللهُ أنّ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاء (3).

    ومن جِهةِ المعنى: أنَّه مضارّ بتطويل العِدَّةِ، فمُنِعَ من ذلك وأُجْبِرَ على الرَّجْعَةِ.

    المسألة الثّامنة (4):

    قولُه (5): حَتَّى تَطْهُرَ، ثمّ تَحِيضَ ثُمَّ تطْهُرَ، ثُمَّ إنَّ شَاءَ طَلَّقَ، وَإِنْ شَاءَ أمْسَكَ قال البغداديون: معنى ذلك أنَّ يُمْسِكَها في الطُّهْرِ ليتمكَّنَ من الوَطءِ إِن شاءَ؛ لأنَّ مقصود النِّكاح المبتدأ والرَّجعة الوطءُ، فلذلك شُرعَ له أنَّ يُمسِكها في طُهْرٍ يكون له فيه الوَطءُ إِن شاءَ. قال اللهُ العظيم: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} (6) وقال: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} الآية (7)، فَشَرَطَ الإصلاحَ (8)، ومعناه: أنّ يكون على سُنَّةِ النّكاحِ، ولفظُ الرَّجعةِ يدلُّ على وقوع الطَّلاقِ، ولو لم يقع لقال: مُرْهُ فَلْيُمْسِكْهَا هكذا روى نافع عن ابن عمر، وهو أَثْبَتُ النَّاسِ.

    قوله: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا الرَّجْعَةُ -بفتحِ الرَّاءِ - إذا طلَّقها تطليقة أو تطليقتين فراجَعَها رجعة، وأَصْلُهُ من الرُّجوعِ، أي راجعها بالنِّكاح، معناهُ: يرجع عن الطَّلاقِ رَجعةً -بالفتح - وهي بفعلة، والمبارأة مَأخوذةٌ من البراءَةِ، وهو أنّ يفترقَ أحدهما عن صاحبه عن غير عِوَضٍ منهما. ومن ذلك اشتقَّت البراءة النّبيّ بكتبها النَّاس بينهم. (1) انظر مختصر الطحاوي: 192.

    (2) انظر الحاوي الكبير: 10/ 115 - 116.

    (3) انظر تخريجه فيما سبق.

    (4) النصفُ الأوّلُ من هذه المسألة مقتبس من المنتقى: 4/ 97 - 98.

    (5) في حديث الموطَّأ السابق ذكره.

    (6) البقرة: 231.

    (7) البقرة: 228.

    (8) يعني إرادة الإصلاح في الرَّجعة.

    باب عِدَّة المرأة في بيتها اذا طُلِّقت فيه

    فقه في خمس مسائل:

    المسألةُ الأُولى (1):

    قوله (2): فَانْتَقَلَهَا عَبدُ الرَّحْمَنِ يريدُ: مِنْ موضعِ عِدَّتِها، وذلك أنّ السُّكْنَى وإن كان حقَّا من حقوق الزَّوجيّة فإنّ المقصودَ منه حِفْظ النَّسَبْ، ولحقِّ الله تعالى به تعلُّقٌ، فليس للزّوجةِ إسقاطُهُ، وقد قال مالك: للمبتوتة السُّكنَى على زوجِها في العِدَّة (3)، ويُحْبَس ويُباعُ عليه فيه مالُهُ.

    المسألةُ الثّانية (4):

    فإن لم يكن له مالٌ، فقد قال مالك: ذلك عليها (5)؛ لأنَّه إنَّما يجبُ عليه بشرطِ اليَسَارِ، فيكونُ عليها أنَّ تُسْكِنْ نَفْسَهَا كما عليها أنَّ تُنْفِق (6)، وهذا في المدخولِ بها الّتي تُوطَأ، وإن كانت غير مدخولٍ بها، فَانْتَقَلَهَا أهلها لِعِلَّةٍ، لم يكن لها سُكْنَى في وَفَاةٍ ولا طلاقٍ، صغيرة كانت أو كبيرة، قاله مالك في الموّازيّة.

    المسألةُ الثالثةُ (7):

    فإن كانت أَمَة، فقد قال محمّد: لم يختلِف أصحابُنا أنَّ لها السُّكْنَى في الفراق، كان الزوجُ حرَّا أو عبدًا، إذا بُوِّئَتْ بَيْتًا. (1) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 4/ 101.

    (2) في حديث الموطَّأ (1693) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (1667)، ومحمد بن الحسن (591)، والشّافعيّ في مسنده: 302، وابن وهب عند الطحاوي في شرح معاني الآثار: 3/ 68.

    (3) قاله في المدوّنة: 2/ 108 في نفقة المطلقة وسكناها.

    (4) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 4/ 101.

    (5) قاله في المدوّنة: 2/ 112 في الرَّجل يطلِّق امرأته وهو معسر.

    (6) على نفسها.

    (7) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 4/ 101.

    وقال مالك: تَعْتَدُّ حيثُ كانت، إنَّ كانت عند أهلها، (1) اعتدّت عندَهُم (2)، وإن كانت عندهم بالنّهار، وتَبِيتُ عندَ زوجِهَا باللَّيلِ، اعتدَّت في منزله.

    قال أشهب: إنَّ كان يُنْفِق عليها، فعليه السُّكْنَى، وإلّا فلا (3).

    ووجهُ ذلك (4): أنَّ سُكْنَى العِدَّة معتبر بالسكنى في حالي الزّوجيّة. فإن لم يكن لها سُكْنَى في حالِ الزّوجيَّة وَوَقْتِ كمالِ النِّكاحِ، فلا يجبُ لها حال الفِراقِ.

    المسألة الرّابعةُ (5):

    سؤالُه عن المطلّقة في بيتٍ بكراءٍ (6)، يريدُ الّتي قد دخلَ بها زوجُها، وكان الطلاقُ رجعيًا، فقال سعيد: الْكِرَاءُ عَلَيهِ يريد كراء العِدَّةِ، وأمَّا كراء السُّكنَى في مُدَّةِ الزّوجيَّة فلا (7)، لاتِّفاق الجميعِ على أنَّ السُّكنَى تجبُ على الزَّوجِ (8).

    ولا خلافَ بين الفقهاء في الرَّجعيَ، وإن اختلفوا في البائن.

    ودليلُنا: قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} الآيةُ (9)، والأمر يقتضي الوجوبَ، وإنَّما خُوطِبَ بذلك مَنْ طَلَّقَ، وقد كان الإنفاق والسُّكْنَى لازِمَيْنِ له قبلَ الطَّلاقِ، فلمَّا أُمِرَ بالسُّكْنَى بعدَ الطَّلاقِ، يقتضي ذلك أنَّ حُكْمَهُ بعدَ الطَّلاقِ غير حكم الإنفاق؛ لأنّ للزّوجة إسقاط النَّفَقَةِ قبلَ الطَّلاقِ وبعدَهُ، وليس لها إسقاط السُّكْنَى ولا نقله عن مَحَلِّهِ.

    وقد رُوِيَ عن عمر (10) وابنِ مسعودٍ (11)، أنَّ المَبْتُوتَةَ لها النَّفَقَة والسُّكْنَى خاصَّة. (1) وكان الزّوج يأتيها عند أهلها.

    (2) قاله في المدوّنة: 2/ 112.

    (3) ووجه قول أشهب: أنّ السُّكنى حكم يجب بالزَّوجيَّة كالنَّفقة، فهذا اقتضت الزَّوجيّة ثبوت إحداهما اقتضت الأخرى، وإذا لم تقتضه لم تقتض الأخرى.

    (4) وهو وجه قول الإمام مالك.

    (5) هذه المسألة مقتبسة من المنتقي: 4/ 103 - 104.

    (6) أي سؤال سعيد بن المسيّب في الموطَّأ (1696) رواية يحيى, ورواه عن مالك: أبو مصعب (1670)، ومحمد بن الحسن (594).

    (7) أي: فلا يُسأَل عن مثله.

    (8) مدّة الزوجيّة.

    (9) الطّلاق: 6.

    (10) رواه مسلم (1480).

    (11) واه ابن أبي شيبة (18654)، والدارقطني: 4/ 22 وغيرهما.

    وأمّا النَّفَقَة، فتختصُّ بالحامل، قال الله: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} الآية (1).

    وقد ذهبت طائفةٌ إلى أنَّه ليس لها سُكْنَى ولا نَفَقَة، وقد قال مالك وجمهور الفقهاء: إنَّ لها السُّكْنَى فقط، لقوله: {أَسْكِنُوهُنَّ} الآية.

    باب ما جاءَ في نَفَقَةِ المُطَلَّقةِ

    قال (2) الإمامُ: هذه المسألةُ وأقرانُها مِنْ ذِكْرِ العِدَّةِ والاسْتِرْضَاعِ أحْكَمَها اللهُ في سُورة النِّساءِ الصُّغْرَى (3).

    الفقه في أربع مسائل:

    المسألةُ الأوُلى (4):

    قوله (5): أنَّ أبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ يريد آخر طَلْقَة بَقِيَتْ له، وقد بَيَّنَ ذلك الزُّهريّ (6) فى روايَتِهِ عن عُبَيْدِ الله؛ أنَّ أبا عَمْرٍ بن حَفص أرسلَ امرأَتَهُ فاطمة بنت قّيْس بتطليقةٍ كانت بقيت لَهُ.

    وقول رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - لها: وَليسَ لَكِ نَفَقَةٌ هذا بَيِّنٌ في أنَّ المبتُوتَةَ غير الحاملِ لا نَفَقةَ لها، خلافًا لأبي حنيفة والثّوريّ (7) في قولهما: لكُلِّ مطلَّقةِ النَّفَقَة في العِدَّة.

    ودليلُنا: قولُه عليه السّلام لفاطمة بنت قَيْس: ليْسَ لَكِ نَفقَةٌ.

    ومن جهة المعنى: أنّها بائِنٌ بالطّلاقِ، فلم تجب لها النَّفَقَة، كغير المدخول بها. (1) الطّلاق: 6.

    (2) انظر القبس: 2/ 752.

    (3) وذلك في كتابه أحكام القرآن: 4/ 1827.

    (4) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 4/ 104.

    (5) في حديث الموطَّأ (1697) رواية يحيي، ورواه عن مالك: أبو مصعب (1665)، وسويد (363)، والقعنبي عند الجرهري (461)، والشّافعيّ في مسنده: 302، والطباع، وابن مهدي عند أحمد: 6/ 412، ويحيي بن يحيى النيسابوري عند مسلم (36 - 1480)، وابن وهب عند الطحاوي في شرح معاني الآثار: 3/ 65.

    (6) فيما رواه عنه مسلم (1480).

    (7) انظر مختصر الطحاوي: 225، ومختصر اختلاف العلماء: 2/ 399.

    المسألةُ الثّانيةُ (1):

    فإن كانت حاملًا، فلها النَّفَقَةُ من أجلِ الحملِ، قال اللهُ العظيم {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} الآية (2)، وهذه روايةُ أبي سَلَمَة، وهي أصحّ من روايةِ أهلِ الكُوفةِ: الشّعبيّ (3) وغيره (4)؛ أنَّ رسول الله قال: لانَفَقَة لَكِ وَلَا سُكْنَى وإنّما هو تأويلٌ ممّن رَوَى ذلك، أو رَوَى عنه على المعنى دونَ لَفْظِ الحديث، لّما أَمَرَهَا رسولُ اللهِ أنَّ تعتدَّ في بيتِ أُمِّ شَرِيكٍ أَوْ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، وأبو سَلَمَة نقلَ كلّ واحدٍ من الحُكْمَينِ على وجهه، والله أعلم.

    المسألة الثالثةُ (5):

    قوله (6):وَاعْتَدَّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ يقتضي اختصاص هذه السُّكْنَى بمدّة العِدَّةِ، وأنّها أمرٌ لازِمٌ لها، وبَدَلٌ من الاعتداد في بيت زوجها، وَرُوِيَ أنَّ ذلك كان لعلّة (7).

    المسألة الرّابعة:

    وأمّا السُّكْنَى، فلا خلافَ فيه على ما قدّمناهُ، ولا يجوزُ له أنَّ يُخْرِجَها منه إِلَّا أنّ تأتي بفاحشةٍ مُبَيِّنَةٍ. كلُّ ما كان في القرآن فاحشة مُبَيِّنَة فهو البذاء من اللِّسان (8)، وهذا (9) يقتضي أنّ من الفاحشة ما ليست ببيِّنَةٍ، وليس ذلك الزِّنَا في قول من قال ذلك؛ لأنّ أمر (1) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 4/ 104.

    (2) الطّلاق: 6، وانظر أحكام القرآن: 4/ 1840.

    (3) أخرجه عبد الرزّاق (12027).

    (4) مثل ما رواه مُطَرِّف عن عامر، أخرجه أبو عوانة (4609) ومن طريقه الطبراني في الكبير: 24/ 382 (947).

    (5) هذه المسألة مقتبسة من المنتفى: 4/

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1