Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

شرح صحيح البخاري
شرح صحيح البخاري
شرح صحيح البخاري
Ebook779 pages5 hours

شرح صحيح البخاري

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

هذا كتاب شَرحَ فيه مصنفُه كتاب: «الجامع الصحيح» للإمام البخاري، فبيَّن المفردات والألفاظ غير الواضحة، ووجَّه الروايات نحويًّا وصرفيًّا، كما تعرض لبيان خواص التراكيب بحسب علوم البلاغة، وذكر ما يستفاد وما يتعلق بالحديث من المسائل الفقهية، وبخاصة المذهب المالكي، وذكر ما يتعلق بأصول الفقه من الخاص والعام، والمجمل والمبين، وأنواع الأقيسة، وذكر ما يتعلق بالآداب والدقائق، وما يتعلق بعلوم الحديث واصطلاحات المحدثين، وبيَّن الملتبس والمشتبه، والمختلف والمؤتلف من الأسماء والأنساب وغيرها.
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateMar 24, 1901
ISBN9786468696245
شرح صحيح البخاري

Related to شرح صحيح البخاري

Related ebooks

Related categories

Reviews for شرح صحيح البخاري

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    شرح صحيح البخاري - ابن بطال

    الغلاف

    شرح صحيح البخاري

    الجزء 8

    ابن بطال

    449

    هذا كتاب شَرحَ فيه مصنفُه كتاب: «الجامع الصحيح» للإمام البخاري، فبيَّن المفردات والألفاظ غير الواضحة، ووجَّه الروايات نحويًّا وصرفيًّا، كما تعرض لبيان خواص التراكيب بحسب علوم البلاغة، وذكر ما يستفاد وما يتعلق بالحديث من المسائل الفقهية، وبخاصة المذهب المالكي، وذكر ما يتعلق بأصول الفقه من الخاص والعام، والمجمل والمبين، وأنواع الأقيسة، وذكر ما يتعلق بالآداب والدقائق، وما يتعلق بعلوم الحديث واصطلاحات المحدثين، وبيَّن الملتبس والمشتبه، والمختلف والمؤتلف من الأسماء والأنساب وغيرها.

    بَاب بَيْعِ التَّصَاوِيرِ الَّتِى لَيْسَ فِيهَا أَرْوَاحٌ وَمَا يُكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ

    / 144 - فيه: ابْن عَبَّاس، أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إن مَعِيشَتِى مِنْ صَنْعَةِ يَدِى، وَإِنِّا أَصْنَعُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ أُحَدِّثُكَ إِلاَ مَا سَمِعْتُ من رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) يَقُولُ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: (مَنْ صَوَّرَ صُورَةً، فَإِنَّ اللَّهَ مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا)، فَرَبَا الرَّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً، وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ، إِنْ أَبَيْتَ إِلاَ أَنْ تَصْنَعَ فَعَلَيْكَ بِهَذَهِ الشَّجَرِةِ كُلِّ شَىْءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ). قال المهلب: إنما كره هذا من أجل أن الصور التى فيها الأرواح كانت معبودة فى الجاهلية، فكرهت كل صورة وإن كانت لا فىء لها ولا جسم؛ قطعًا للذريعة، حتى إذا استوطن أمر الإسلام وعرف الناس من أمر الله وعبادته ما لا يخاف عليهم فيه من الأصنام والصور، أرخص فيما كان رقمًا أو صبغًا إذا وضع موضع المهنة، وإذا نصب نصب العبادة، وسأتقصى ما للعلماء فى الصور فى كتاب الزينة - إن شاء الله.

    وقال صاحب العين: يقال ربا الرجل أصابه نفس فى جوفه، وهو الربو والرَّبوة والرِّبوة.

    96 -

    بَاب تَحْرِيمِ التِّجَارَةِ فِى الْخَمْرِ

    وقال جابر: حرم النبى عليه السلام بيع الخمر. / 145 - وفيه عائشة: لَمَّا نَزَلَتْ آيَاتُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ عَنْ آخِرِهَا، خَرَجَ النَّبِىُّ، عليه السَّلام، فَقَالَ: (حُرِّمَتِ التِّجَارَةُ فِى الْخَمْرِ). الأمة مجمعة على تحريم بيع الخمر، كما أجمعوا على تحريم شربها والانتفاع بها، واختلفوا فى تخليلها، واختلف قول مالك فى ذلك أيضًا، فروى عنه ابن وهب وابن القاسم: أنه لا يحل لمسلم أن يخلل الخمر، ولكن يهريقها، فإن صارت خلا بغير علاج فهى حلال، وهو قياس قول الشافعى، وروى ابن القاسم عن مالك أنه إن خللها جاز أكلها وبيعها، وبئس ما صنع. وروى عن أشهب: إن خللها النصارى فلا بأس بأكلها، وكذلك إن خللها مسلم واستغفر الله، وهو قول الليث. وأجاز الثورى والأوزاعى وأبو حنيفة وأصحابه تخليل الخمر، ولا بأس أن يطرح فيها السمك والملح فيصير مريا إذا تحولت عن حال الخمر. واحتج الشافعى بما روى الثورى عن السدى، عن أبى هريرة قال: (جاء رجل إلى النبى وفى حجره يتيم، وكان عنده خمر له حين حرمت الخمر، فقال: يا رسول الله، نصنعها خلا؟ فقال: لا.

    فصبها حتى سال الوادى). قال الطحاوى: واحتمل نهى النبى - عليه السلام - أن تجعل خلا وأمره بالإراقة معان: أحدها: أن يكون نهيًا عن التخليل، ولا دلالة فيه بعد ذلك على حظر ذلك الخل الكائن منها، واحتمل أن يكون مراده تحريم ذلك الخل، ويحتمل أن يكون أراد التغليظ وقطع العادة؛ لقرب عهدهم بشرب الخمر. واحتج الكوفيون بما روى أبو إدريس الخولانى أن أبا الدرداء كان يأكل المرى الذى جعل فيه الخمر، ويقول: دبغته الشمس والملح. قالوا: وكما لا يختلف حكم جلد الميتة فى دبغه بعلاج آدمى وغيره، كذلك استحالة الخمر خلا.

    97 -

    بَاب إِثْمِ مَنْ بَاعَ حُرًّا

    / 146 - فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ: (قَالَ اللَّهُ: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِى، ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا، ثُمَّ أَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا، فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ). قال المهلب: قوله: (أعطى بى ثم غدر) يريد نقض عهدًا عاهده عليه، وقوله: (استأجر أجيرا فلم يعطه أجره)، هو داخل فى معنى من باع حرًا؛ لأنه استخدمه بغير عوض، وهذا عين الظلم، وإنما عظم الإثم فيمن باع حرا؛ لأن المسلمين أكفاء فى الحرمة والذمة، وللمسلم على المسلم أن ينصره ولا يظلمه، وأن ينصحه ولا يسلمه، وليس فى الظلم أعظم من أن يستعبده أو يعرضه لذلك، ومن باع حرا فقد منعه التصرف فيما أباح الله له، وألزمه حال الذلة والصغار، فهو ذنب عظيم، ينازع الله به فى عبادة. قال ابن المنذر: وكل من لقيت من أهل العلم على أنه من باع حرا أنه لا قطع عليه ويعاقب، ويروى عن ابن عباس قال: يرد البيع ويعاقبان. وروى جلاس عن على أنه قال: تقطع يده. والصواب قول الجماعة؛ لأنه ليس بسارق، ولا يجوز قطع غير السارق.

    98 -

    بَاب أَمْرِ النَّبِىِّ (صلى الله عليه وسلم) الْيَهُودَ بِبَيْعِ أَرضهم حتى أَجْلاَهُمْ

    / 147 - فيه: الْمَقْبُرىُّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ.

    99 -

    بَاب بَيْعِ الْعَبِيدِ وَالْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً

    وَاشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ، يُوفِيهَا صَاحِبَهَا بِالرَّبَذَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدْ يَكُونُ الْبَعِيرُ خَيْرًا مِنَ الْبَعِيرَيْنِ. وَاشْتَرَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ، فَأَعْطَاهُ أَحَدَهُمَا، وَقَالَ: آتِيكَ بِالآخَرِ غَدًا رَهْوًا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: لاَ رِبَا فِى الْحَيَوَانِ الْبَعِيرُ بِالْبَعِيرَيْنِ، وَالشَّاةُ بِالشَّاتَيْنِ إِلَى أَجَلٍ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لاَ بَأْسَ بِبَعِيرٍ بِبَعِيرَيْنِ نَسِيئَةً، وَدرهم بِدرهم نَسِيئَةً.

    / 148 - فيه: أَنَس، قَالَ: كَانَ فِى السَّبْىِ صَفِيَّةُ، فَصَارَتْ إِلَى دَحْيَةَ الْكَلْبِىِّ، ثُمَّ صَارَتْ إِلَى النَّبِىِّ، عليه السَّلام. قال المؤلف: حديث المقبرى عن أبى هريرة الذى أشار إليه البخارى فى هذا الباب، قد ذكره فى آخر كتاب الجهاد، فى باب: إخراج اليهود من جزيرة العرب، قال أبو هريرة: (بينا نحن فى المسجد خرج النبى - عليه السلام - فقال: انطلقوا إلى يهود، فخرجنا حتى جئنا بيت المدراس، فقال: أسلموا، واعلموا أن الأرض لله ولرسوله، وإنى أريد أن أجليكم من هذه الأرض، فمن وجد منكم بماله ثمنًا فليبعه، وإلا فاعلموا أن الأرض لله ولرسوله). قال المؤلف: وهؤلاء اليهود الذين أجلاهم النبى - عليه السلام - هم بنو النضير، وذلك أنهم أرادوا الغدر برسول الله، وأن يلقوا عليه حجرًا، فأوحى الله إليه بذلك، فأمر بإجلائهم، وأن يسيروا حيث شاءوا، فلما سمع المنافقون بذلك بعثوا إلى بنى النضير: اثبتوا وتمنعوا؛ فإنا لن نسلمكم، إن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم، فتربصوا بذلك لنصرهم فلم يفعلوا، وقذف الله فى قلوبهم الرعب، فسألوا رسول الله أن يجليهم، ويكف عن دمائهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلفة، ففعل، فاحتملوا ذلك وخرجوا إلى خيبر، وخرج أكثرهم إلى الشام، وخلوا الأموال لرسول الله، فكانت له خاصة يضعها حيث يشاء، فقسمها رسول الله على المهاجرين دون الأنصار فى حديث طويل ذكره ابن إسحاق, قال المؤلف: فإن قال قائل: هذا معارض لحديث المقبرى عن أبى هريرة؛ لأن فيه أن النبى - عليه السلام - أمرهم ببيع أرضهم، وفى حديث ابن إسحاق أنهم تركوا أرضهم دون عوض، وحلت لرسول الله فما وجه ذلك؟ فالجواب: أن النبى إنما أمرهم ببيع أرضهم - والله أعلم - قبل أن يكونوا له حربا، فكانوا مالكين لأرضهم، وكانت بينهم وبين النبى مسالمة وموافقة للجيرة، فكان النبى - عليه السلام - يمسك عنهم لإمساكهم عنه، ولم يكن بينهم عهد، ثم أطلعه الله على ما يؤملون من الغدر به، وقد كان أمره لهم ببيع أرضهم وإجلائهم قبل ذلك فلم يفعلوا؛ لأجل قول المنافقين لهم: اثبتوا فإنا لن نسلمكم إن قوتلتم فوثقوا بقولهم، وثبتوا ولم يخرجوا، وعزموا على مقاتلة النبى - عليه السلام - فصاروا له حربًا؛ فحلت بذلك دماؤهم وأموالهم، فخرج إليه رسول الله وأصحابه فى السلاح وحاصرهم، فلما يئسوا من عون المنافقين ألقى الله فى قلوبهم الرعب، وسألوا رسول الله الذى كان عرضه عليهم قبل ذلك، فلم يبح لهم بيع الأرض، وقاضاهم على أن يجليهم ويتحملوا بما استقلت به الإبل، وعلى أن يكف عن دمائهم وأموالهم، فحلوا عن ديارهم، وكفى الله المؤمنين القتال، وكانت أراضيهم وأموالهم مما لم يوجف عليها بقتال مما انجلى عنها أهلها بالرعب، وصارت خالصة لرسول الله يضعها حيث شاء، قال ابن إسحاق: ولم يسلم من بنى النضير إلا رجلان أسلما على أموالهما فأحرزاها، قال: ونزلت فى بنى النضير سورة الحشر إلى قوله: (ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم فى الدنيا (أى: بالقتل والسبى، ولهم فى الآخرة مع ذلك عذاب النار. وقوله: (لأول الحشر (، يعنى: الشام الذى جلا أكثرهم إليه؛ لأنه روى فى الحديث أنه تجىء نار تحشر الناس إلى الشام، ولذلك قيل فى الشام أنها أرض المحشر. وأما بيع الحيوان بالحيوان نسيئة فإن العلماء اختلفوا فى ذلك، فقالت طائفة: لا ربا فى الحيوان، وجائز بيع بعضه ببعض نقدًا ونسيئة اختلف أو لم يختلف، هذا مذهب على ابن أبى طالب وابن عمر وابن المسيب، وهو قول الشافعى وأبى ثور، وقال مالك: لا بأس بالبعير النجيب بالبعيرين من حاشية الإبل نسيئة، وإن كانت من نعم واحدة إذا اختلف فبان اختلافها، وإن أشبه بعضها بعضا واتفقت أجناسها، فلا يؤخذ منها اثنان بواحد إلى أجل، ويؤخذ يد بيد، وهو قول سليمان بن يسار وربيعة ويحيى بن سعيد، وقال الثورى والكوفيون وأحمد: لا يجوز بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، اختلفت أجناسه أو لم تختلف، واحتجوا بحديث الحسن عن سمرة ابن جندب (أن النبى - عليه السلام - نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة). وبحديث يحيى بن أبى كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: (نهى رسول الله عن بيه الحيوان بالحيوان نسيئة) ومعنى النهى عن ذلك عندهم لعدم وجود مثله؛ ولأنه غير موقوف عليه، قالوا: وهذا مذهب ابن عباس وعمار بن ياسر، وأجازوا التفاضل فيه يدًا بيد، وحجة القول الأول: ما رواه ابن إسحاق، عن أبى سفيان، عن مسلم بن كثير، عن عمرو بن حريش قال: قلت لعبد الله عمرو: (إنه ليس بأرضنا ذهب ولا فضة، وإنما نبيع البعير بالبعيرين، والبقرة بالبقرتين، والشاة بالشاتين. فقال: (إن رسول الله أمر أن يجهز جيش، فنفدت الإبل، فأمر أن نأخذ على قلائص الصدقة بالبعيرين إلى إبل الصدقة). وقد سأل عثمان السجستانى يحيى بن معين عن سند هذا الحديث، فقال: سند صحيح مشهور، وهذا المذهب أراد البخارى، ووجه إدخاله حديث صفية فى هذا الباب، أن صفية صارت إلى دحية الكلبى بأمر النبى - عليه السلام - فأخبر النبى أنها سيدة قريظة ولا تصلح إلا له، وذكر من جمالها، فأمر النبى فأتى بها، فلما رآها عليه السلام قال لدحية: دعها وخذ غيرها، فكان تركه لها عند النبى وأخذه جارية السبى غير معينة، بيعًا لها بجارية نسيئة حتى يأخذها ويستحسنها، فحينئذ تتعين له، وليس ذلك يدًا بيد، وحجة مالك أن الحيوان إذا اختلفت منافعه صار كجنسين من سائر الأشياء، ويجوز فيه التفاضل والأجل؛ لاختلاف أغراض الناس فيه لأن غرض الناس من العبيد والحيوان والمنافع، ولا ربا عندهم فى الحيوان والعروض إذا حدث فيها النسيئة إلا من باب الزيادة فى السلف، وإذا كان التفاضل فى الجهة الواحدة خرج من أن تتوهم فيه الزيادة فى السلف، وليس العبد الكاتب والصائغ عندهم مثل العبد الذى هو مثله فى الصورة، إذا لم يكن كاتبًا ولا صائغًا، وأما إذا اتفقت منافعها فلا يجوز عندهم صنف منه بصنف مثله أكثر منه إلى أجل؛ لأن ذلك يدخل فى معنى قرض جر منفعة؛ لأنه أعطى شيئًا له منفعة بشىء أكثر منه له مثل تلك المنفعة؛ لأنه إنما طلب زيادة الشىء لاختلاف منافعه، فلم يجز ذلك، وتأول مالك فيما روى عن على بن أبى طالب أنه باع جملا له يدعى عصيفير بعشرين بعيرًا إلى أجل، وما روى عن ابن عمر أنه اشترى راحلة بأربعة أبعرة، أن منافعها كانت مختلفة، وليس فى الحديث عنهم أن منافعها كانت متفقة، فلا حجة للمخالف فى ذلك. وأما قول ابن سيرين: لا بأس ببعير ببعيرين، ودرهم بدرهم نسيئة، وفى بعض النسخ بدرهمين نسيئة، فإن ذلك خطأ فى النقل عن البخارى، والصحيح عن ابن سيرين ما رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين قال: (لا بأس ببعير ببعيرين وردهم، والدرهم نسيئة فإن كان أحد البعيرين نسيئة فهو مكروه) وهذا مذهب مالك، وقد ذكره فى الموطأ فى مسألة الجمل بالجمل وزيادة دراهم، قال: والذى يجوز من ذلك أن يكون الجملان نقدًا، ولا يبالى تأخرت الدراهم أم تعجلت؛ لأن الجمل بالجمل قد حصل يدًا بيد، فبطل أن يتوهم فيه السلف، وأعلم أنه بيع؛ لأن الدراهم هاهنا تبع للجمل، وليس هى المقصد، وأما إذا كان أحد الجملين نسيئة فلا يجوز؛ لأنه عنده من باب الزيادة فى السلف، كأنه أسلفه جملا فى مثله واستزاد عليه الدراهم، ولو كانت الدراهم والجمل جميعًا إلى أجل لم يجز؛ لأنه أقرضه الجمل على أنه يرده إليه بصفته ويرد معه دراهم، فهو سلف جر منفعة، وزيادة على ما أخذ المستسلف فلا يجوز.

    وقول رافع بن خديج: (آتيك غدًا رهوًا) قال صاحب العين: الرهو: مشى فى سكون. وقال أبو عبيد: يقول: آتيك عفوًا لا احتباس فيه.

    0 -

    بَاب بَيْعِ الرَّقِيقِ

    / 149 - فيه: أَبُو سَعِيد، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نُصِيبُ سَبْيًا فَنُحِبُّ الأَثْمَانَ فَكَيْفَ تَرَى فِى الْعَزْلِ؟ فَقَالَ: (أَوَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ ذَلِكَ، لاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا ذَلِكُ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ نَسَمَةٌ كَتَبَ اللَّهُ أَنْ تَخْرُجَ إِلاَ هِىَ خَارِجَةٌ). / 150 - وفيه: جَابِر، قَالَ: بَاعَ النَّبِىُّ (صلى الله عليه وسلم) الْمُدَبَّرَ. / 151 - وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، وَزَيْدَ بْنَ خَالِدٍ، أنّ النَّبِىّ، عليه السَّلام، سُئل، عَنِ الأَمَةِ تَزْنِى وَلَمْ تُحْصَنْ، قَالَ: (اجْلِدُوهَا، فَإِنْ زَنَتْ، فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ بِيعُوهَا بَعْدَ الثَّالِثَةِ، أَوِ الرَّابِعَةِ). بيع الرقيق كبيع سائر المباحات الداخلة فى عموم قوله تعالى: (وأحل الله البيع (. وقوله فى حديث أبى سعيد: فنحب الأثمان. يدل أنه لا يجوز بيع أم الولد؛ لأن الحمل منهن يمنع الفداء والثمن، وسيأتى تمام القول فى أم الولد فى موضعه - إن شاء الله. وأما بيع المدبر فإن العلماء اختلفوا فيه، فذهب مالك والكوفيون إلى أنه لا يجوز بيعه، ولا يجوز تحويله عن موضعه الذى وضع فيه، وقال الشافعى: بيع المدبر جائز، واحتج بحديث جابر أن النبى - عليه السلام - باع مدبرًا، وسيأتى بيان مذاهبهم فيه فى موضعه، وقد تقدم فى باب بيع العبد الزانى، الكلام فى حديث أبى هريرة، فأغنى عن إعادته - والحمد لله.

    1 -

    بَاب هَلْ يُسَافِرُ بِالْجَارِيَةِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا

    وَلَمْ يَرَ الْحَسَنُ بَأْسًا أَنْ يُقَبِّلَهَا أَوْ يُبَاشِرَهَا. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِذَا وُهِبَتِ الْوَلِيدَةُ الَّتِى تُوطَأُ، أَوْ بِيعَتْ أَوْ عَتَقَتْ، فَلْيُسْتَبْرَأْ رَحِمُهَا بِحَيْضَةٍ، وَلاَ تُسْتَبْرَأُ الْعَذْرَاءُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُصِيبَ مِنْ جَارِيَتِهِ الْحَامِلِ مَا دُونَ الْفَرْجِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (إِلاَ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ (. / 152 - فيه: أَنَس، قَدِمَ النَّبِىُّ، عليه السَّلام، خَيْبَرَ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحِصْنَ ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَىِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا وَكَانَتْ عَرُوسًا، فَاصْطَفَاهَا النَّبِىّ (صلى الله عليه وسلم) لِنَفْسِهِ، فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الرَّوْحَاءِ حَلَّتْ فَبَنَى بِهَا، ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِى نِطَعٍ صَغِيرٍ، ثُمَّ قَالَ عليه السَّلام: (آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ)، فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) عَلَى صَفِيَّةَ، ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) يُحَوِّى لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ، ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ، فَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ. فى حديث صفية دليل على أن الاستبراء أمانة، يؤتمن المبتاع عليها بألا يطأها حتى تحيض حيضة إن لم تكن حاملاً؛ لأن النبى - عليه السلام - ألقى رداءه على صفية، وأمرها أن تحتجب بالجعرانة حين صارت فى سهمه، ومعلوم أن من سنته أن الحائل لا توطأ حتى تحيض حيضة؛ خشية أن تكون حاملاً، وأن الحامل لا توطأ حتى تضع؛ لئلا يسقى ماءه زرع غيره، فلما كان الاستبراء أمانة ارتفعت فيه الحكومة، وفى هذا حجة لمن لم يوجب المواضعة على البائع، وهو قول جماعة فقهاء الأمصار غير ربيعة ومالك بن أنس، فإنهما أوجبا المواضعة فى الجوارى المرتفعات المتخذات للوطء خاصة، قال مالك فى المدونة: أكره ترك المواضعة وائتمان المبتاع على الاستبراء، فإن فعلا أجزأهما، وهى من البائع حتى تدخل فى أول دمها. قال المهلب: وإنما قال مالك بالمواضعة خشية أن يتذرع المشترى إلى الوطء، فجعل الاستبراء حياطة على الفروج وحفظا للأنساب، ولقوله عليه السلام: (لا توطأ حائل حتى تحيض). وأحتج من لم ير المواضعة بأن عطاء بن أبى رباح قال: ما سمعنا بالمواضعة قط. وقال محمد بن عبد الحكم: أول من قال بالمواضعة ربيعة. قال الطحاوى: والدليل على أن المواضعة غير واجبة أن العقد إنما يوجب تسليم البدلين، وقد وافقنا مالك على أن غير المرتفعات من الجوارى لا يجب فيهن استبراء، فوجب أن يكون كذلك حكم المرتفعات، وأجمع الفقهاء على أن حيضة واحدة براءة فى الرحم، إلا أن مالكًا والليث قالا: إن اشتراها فى أول حيضتها اعتد بها، وإن كان فى آخرها لم يعتد بها. واختلفوا فى تقبيل الجارية ومباشرتها قبل الاستبراء، فأجاز ذلك الحسن البصرى وعكرمة، وبه قال أبو ثور، وثبت عن ابن عمر أنه قبل جارية وقعت فى سهمه يوم جلولاء ساعة قبضها. وكره ذلك ابن سيرين، وهو قول الليث ومالك وأبى حنيفة والشافعى، ووجه كراهتهم لذلك قطعا للذريعة، وحفظاُ للانساب. وحجة الذين أجازوا ذلك قوله تعالى: (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم (وقوله عليه السلام: (لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تحيض). فدل هذا أن ما دون الوطء من المباشرة والقبلة فى حيز المباح وسفر النبى عليه السلام بصفية قبل أن يستبرئها حجة فى ذلك لأنه لو لم يحل له من مباشرتها ما دون الجماع لم يسافر بها معه، لأنه لا بد أن يرفعها أو ينزلها، وكان عليه السلام لا يمس بيده امرأة لا تحل له، ومن هذا الباب اختلافهم فى مباشرة المظاهر وقبلته لامرأته التى ظاهر منها، فذهب الزهرى والنخعى ومالك وأبو حنيفة والشافعى إلى أنه لا يقبل امرأته ولا يتلذذ منها بشىء. وقال الحسن البصرى: لا بأس أن ينال منها ما دون الجماع. وهو قول الثورى والأوزاعى وأحمد وإسحاق وأبى ثور، وكذلك فسر عطاء وقتادة والزهرى قوله تعالى: (من قبل أن يتماسا (أنه عنى بالمسيس الجماع فى هذه الآية، واختلفوا فى استبراء العذراء فقال ابن عمر: لا تستبرأ. وبه قال أبو ثور، وقال سائر الفقهاء: تستبرأ بحيضة إذا كانت ممن تحيض ويوطأ مثلها.

    2 -

    بَاب بَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالأَصْنَامِ

    / 153 - فيه: جَابِر، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ، وَهُوَ بِمَكَّةَ: (إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالأَصْنَامِ)، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ، فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ، فَقَالَ: (لاَ هُوَ حَرَامٌ)، ثُمَّ قَالَ عليه السَّلام عِنْدَ ذَلِكَ: (قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا أجَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ). أجمعت الأمة على أنه لا يجوز بيع الميتة والأصنام، لأنه لا يحل الانتفاع بهما، فوضع الثمن فيهما إضاعة المال، وقد نهى النبى عن إضاعة المال، قال ابن المنذر: فإذا أجمعوا على تحريم بيع الميتة، فبيع جيفة الكافر من أهل الحرب كذلك، وقد روى ذلك عن النبى - عليه السلام - وهو مذكور فى آخر كتاب الجهاد. قال الطبرى: فإن قال قائل: ما وجه قوله عليه السلام إذ سأله السائل عن شحوم الميتة وقال: إنها تدهن بها الجلود والسفن ونستصبح بها، فقال مجيبًا له: (قاتل الله اليهود؛ حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها). قيل: إن جوابه عليه السلام كان عن مسألة بيع الشحوم، لا عن دهن الجلود والسفن، وإنما سأله عن بيع ذلك إذ ظنه جائزًا من أجل ما فيه من المنافع، كما جاز بيع الحمر الأهلية لما فيها من المنافع وإن حرم أكلها، فظن أن شحوم الميتة كذلك، يحل بيعها وشراؤها وإن حرم أكلها، فأخبره عليه السلام أن ذلك ليس كالذى ظن، وأن بيعها حرام وثمنها حرام إذ كانت نجسة، ونظيره الدم والخمر فيما يحرم من بيعها وأكل ثمنها، فأما الاستصباح ودهن السفن والجلود بها، فهو مخالف بيعها وأكل ثمنها، إذ كان ما يدهن بها من ذلك ينغسل بالماء غسل الشىء الذى أصابته نجاسة فيطهره الماء. هذا قول عطاء بن أبى رباح وجماعة من العلماء، وممن أجاز الاستصباح بالزيت تقع فيه الفأرة: على بن أبى طالب، وابن عباس، وابن عمر، وقد تقصينا هذا فى كتاب الذبائح فى باب (إذا وقعت الفأرة فى سمن جامد أو دهن) .

    3 -

    بَاب ثَمَنِ الْكَلْبِ

    / 154 - فيه: أَبُو مَسْعُود الأَنْصَارِىِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِىِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ.

    / 155 - وفيه: أَبُو جُحَيْفَةَ، نَهَى النَّبِىّ عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ، وَثَمَنِ الْكَلْبِ، وَكَسْبِ الأَمَةِ.. . الحديث. اختلفت الرواية عن مالك فى بيع الكلب، فقال فى الموطأ: أكره بيع الكلب الضارى وغيره؛ لنهى رسول الله عن ثمن الكلب. وروى ابن نافع عن مالك أنه كان يأمر ببيع الكلب الضارى فى الميراث والدين والمغانم، وكان يكره بيعه للرجل ابتداءً، قال ابن نافع: وإنما نهى رسول الله عن ثمن الكلب العقور، وروى أبو زيد عن ابن القاسم أنه لا بأس باشتراء كلب الصيد، ولا يعجبنى بيعها، وكان ابن كنانة وسحنون يجيزان بيع كلاب الصيد والحرث والماشية، قال سحنون: ويحج بثمنها، وهو قول الكوفيين. وقال مالك: إن قتل كلب الدار فلا شىء عليه إلا أن يسرح مع الماشية. وروى عن أبى حنيفة أنه من قتل كلبًا لرجل ليس بكلب صيد ولا ماشية فعليه قيمته، وكذلك السباع كلها، وقال الأوزاعى الكلب لا يباع فى مقاسم المسلمين، هو لمن أخذه، وقال الشافعى: لا يجوز بيع كلاب الصيد والحرث والماشية، ولا قيمة فيها. وهو قول أحمد بن حنبل، احتجا بعموم نهيه عليه السلام عن ثمن الكلب. وحجة مالك والكوفيين قوله تعال: (يسئلونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين (فإذا أحل لنا الذى علمناه، أفادنا ذلك إباحة التصرف فيها بالإمساك والبيع وغير ذلك، فوجب أن يجوز بيعها وشراؤها بظاهر الآية. فإن قيل: المذكور فى هذه الآية هو تحليل تعليم الكلاب، وأكل ما أمسكن علينا. فالجواب: أن (ما) بمعنى الذى، وتقديره أحل لكم الطيبات والذى علمتم من الجوارح، ثم أباح تعليمهن بقوله: (تعلمونهن مما علمكم الله (وهذا قول جماعة السلف. روى عن جابر بن عبد الله أنه جعل القيمة فى كلب الصيد، وعن عطاء مثله، وقال: لا بأس بثمن الكلب السلوقى. وعن النخعى مثله، وقال أشهب: إذا قتل الكلب المعلم ففيه القيمة. وأوجب فيه ابن عمر أربعين درهمًا، وفى كلب ماشية، شاة، وفى كلب الزرع فرقًا من طعام، وأجاز عثمان الكلب الضارى فى المهر، وجعل فيه عشرين من الإبل على من قتله. وقد روى عن ابن عمر عن النبى - عليه السلام - أنه قال: (من اقتنى كلبًا إلا كلبًا ضاريًا أو كلب صيد؛ نقص من عمله كل يوم قيراطان) فهذا الحديث زائد، فكأنه عليه السلام نهى عن ثمن الكلب إلا الكلب الذى أذن فى اتخاذه للانتفاع به، ويحتمل أن يكون الحديث الذى فيه النهى عن ثمن الكلب وكسب الحجام كان فى بدء الإسلام، ثم نسخ ذلك، وأبيح الاصطياد به، وكان كسائر الجوارح فى جواز بيعه، وكذلك لما أعطى الحجام أجره كان ناسخًا لما تقدمه، وذكر الطحاوى من حديث أبى رافع أن النبى - عليه السلام - لما أمر بقتل الكلاب أتاه ناس فقالوا: يا رسول الله، ما يحل لنا من هذه الأمة التى أمرت بقتلها؟ فنزلت: (يسئلونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين (فلما حل لنا الانتفاع بها، حل لنا بيعها وأكل ثمنها. وقال المهلب: ما فى حديث أبى جحيفة غير كسب الإماء وأكل الربا، فهو مكروه تنزهًا عن رذائل المكاسب، وكسب الإماء والزنا محرمان بالكتاب والسنة، وهو كله مذكور تحت قول واحد، فلا حجة لأحدٍ فى جمع أمور مختلفة الأحكام تحت كلام واحد. وحلوان الكاهن يعنى: أجره على الكهانة. وسيأتى تفسير البغى فى كتاب الإجارة، إن شاء الله.

    - بَاب السَّلَمِ فِى كَيْلٍ مَعْلُومٍ

    / 1 - فيه: ابْن عَبَّاس، قَدِمَ النَّبِىّ، عليه السَّلام، الْمَدِينَةَ، وَالنَّاسُ يُسْلِفُونَ فِى الثَّمَرِ الْعَامَ وَالْعَامَيْنِ - أَوْ قَالَ: عَامَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً شَكَّ إِسْمَاعِيلُ - فَقَالَ: (مَنْ سَلَّفَ فِى تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِى كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ). وترجم له: (باب السلم فى وزن معلوم) وزاد فيه: (إلى أجل معلوم). / 2 - وفيه: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادِ، أنَّهُ اختلف هو وَأَبُو بُرْدَةَ فِى السَّلَفِ، فَبَعَثُونِى إِلَى ابْنِ أَبِى أَوْفَى، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: إِنَّا كُنَّا نُسْلِفُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَم وَأَبِى بَكْرٍ، وَعُمَرَ فِى الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ، وَسَأَلْتُ ابْنَ أَبْزَى، فَقَالَ: مِثْلَ ذَلِكَ.

    أجمع العلماء أنه لا يجوز السلم إلا فى كيل معلوم أو وزن معلوم فيما يكال أو يوزن، وأجمعوا أنه إن كان السلم فيما لا يكال ولا يوزن فلا بد فيه من عدد معلوم، وأجمعوا أنه لا بد من معرفة صفة الشىء المسلم فيه، واختلفوا فى الأجل على ما يأتى ذكره فى بابه بعد هذا - إن شاء الله. واختلفوا فى ترك ذكر مكان القبض، فقال أحمد وإسحاق وأبو ثور: إن لم يسم مكانًا فالسلم جائز، استدلالاً بحديث ابن عباس؛ لأنه ليس فيه ذكر المكان، ولو كان ترك ذلك يفسد السلم لأعلمهم بذلك عليه السلام، وقال مالك: إن لم يذكر الموضع جاز السلم، ويقبضه فى المكان الذى كان فيه السلم، فإن اختلفا فى الموضع فالقول قول البائع. وقال الثورى وأبو حنيفة: لا يجوز السلم فيما له حمل مؤنة إلا أن يشترط فى تسليمه مكانًا معلومًا. وهو قول الشافعى. قال ابن المنذر: وقوله: (يسلفون فى التمر العام والعامين) فيه إجازة السلم فى التمر وإن لم يكن ذلك الوقت موجودًا إذا وجد وقت يحل فيه السلم، ويفسد السلم عند الثورى والكوفيين والشافعى بالافتراق دون القبض لرأس المال، وهو عندهم من باب الدين بالدين، وعند مالك إن تأخر قبض رأس المال يومين وثلاثة بغير شرط فى العقد جاز، كما لو كان لرجل على رجل دين جاز أن يؤخر اليوم واليومين على وجه الرفق.

    - بَاب السَّلَم إِلَى مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ أَصْلٌ

    / 3 - فيه: عَبْد اللَّه بِن أَبِى أَوْفَى، كُنَّا نُسْلِفُ نَبِيطَ أَهْلِ الشَّأْمِ فِى الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّيْتِ فِى كَيْلٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، قُلْتُ: إِلَى مَنْ كَانَ أَصْلُهُ عِنْدَهُ؟ قَالَ: مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ بَعَثَانِى إِلَى عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: كَانَ أَصْحَابُ النَّبِىِّ، عليه السَّلام، يُسْلِفُونَ عَلَى عَهْدِ النَّبِىِّ، عليه السَّلام، وَلَمْ نَسْأَلْهُمْ أَلَهُمْ حَرْثٌ أَمْ لاَ؟. وَقَالَ: جَرِيرٌ، عَنِ الشَّيْبَانِىِّ: فِى الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ. / 4 - وفيه: ابْن عَبَّاس، سُئل عَنِ السَّلَمِ فِى النَّخْلِ، قَالَ: نَهَى النَّبِىُّ، عليه السَّلام، عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ، حَتَّى يُؤكَلَ مِنْهُ، وَحَتَّى يُوزَنَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَأَىُّ شَىْءٍ يُوزَنُ؟ قَالَ رَجُلٌ إِلَى جَانِبِهِ: حَتَّى يُحْرَزَ. قال المؤلف: روى وكيع، عن شعبة، عن محمد بن أبى المجالد قال: (اختلف أبو بردة وعبد الله بن شداد فى السلم فقال: فأرسلونى إلى ابن أبى أوفى، فقال: كنا نسلم على عهد رسول الله فى الحنطة والشعير والزبيب، ولا ندرى عند أصحابه من شىء أم لا) فهذا اختلاف من أبى بردة وعبد الله بن شداد فى هذه المسألة وإنما كره السلم إلى من ليس عنده أصل من كرهه؛ لأنه جعله من باب الغرر، وأصل السلم أن يكون إلى من عنده مما يسلم فيه أصل، إلا أنه لما وردت السنة فى السلم بالصفة المعلومة والكيل أو الوزن والأجل المعلوم كان ذلك عاما فيمن عنده أصل وفيمن ليس عنده، وجماعة الفقهاء يجيزون السلم إلى من ليس عنده أصل، وحجتهم حديث عبد الله بن أبى أوفى، وهو نص فى ذلك. قال المهلب: وفيه من الفقه جواز السلم فى العروض إلى من ليس عنه ما باع بالسلم، ولو كان عنده ما باع ما حل البيع؛ لأنه بيع شىء بعينه لا يقبض إلى مدة طويلة، وهذا لا يجوز بإجماع. وقال ابن المنذر: فى حديث ابن أبى أوفى مبايعة أهل الذمة والسلم إليهم. وفيه دليل على إباحة السلم فى السمن والشبرق وما أشبه ذلك كيلاً معلومًا أو وزنًا معلومًا، إذ هو فى معنى الزيت، وأما حديث ابن عباس الذى هو فى آخر الباب، فليس هو من هذا الباب، وإنما هو من الباب الذى بعده، وغلط فيه الناسخ - والله أعلم.

    3 -

    بَاب السَّلَمِ فِى النَّخْلِ

    / 5 - فيه: ابْن عُمَرَ، أنه سُئل عَنِ السَّلَمِ فِى النَّخْلِ، فَقَالَ: نُهِىَ عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَصْلُحَ، وَعَنْ بَيْعِ الْوَرِقِ نَسِيئًا بِنَاجِزٍ. وَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ السَّلَمِ فِى النَّخْلِ، فَقَالَ: نَهَى النَّبِىُّ، عليه السَّلام، عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يُؤْكَلَ أَوْ يَأْكُلَ مِنْهُ وَحَتَّى يُوزَنَ. قُلْتُ: وَمَا يُوزَنُ؟ قَالَ رَجُلٌ عِنْدَهُ: حَتَّى يُحْرَزَ.

    اختلف العلماء فى هذا الباب، فقال الكوفيون والثورى والأوزاعى: لا يجوز السلم إلا أن يكون المسلم فيه موجودًا فى أيدى الناس من وقت العقد إلى حين حلول الأجل، فإن انقطع فى شىء من ذلك لم يجز. وهو مذهب ابن عمر وابن عباس - على ما ذكره البخارى فى هذا الباب - وقال مالك والشافعى وأحمد وإسحاق وأبو ثور: يجوز السلم فيما هو معدود من أيدى الناس إذا كان مأمون الوجود عند حلول الأجل فى الغالب، فإن كان ينقطع حينئذ لم يجز. واحتج الكوفيون بأن النبى نهى عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها، وعن بيع ما لم يخلق، وقالوا: من مات فقد حل دينه وإن لم يوجد كان غررًا. قال ابن القصار: وهذا فاسد؛ فإنه قد يحل الأجل ويتعذر السلم؛ بأن يموت المسلم إليه أو يفلس، ولو وجب أن يمنع السلم لجواز ما ذكروه، لوجب ألا يجوز بيع شىء نسيئةً؛ لأنه قد يطرأ على المشترى الموت والفلس قبل محل الأجل، فلا يصل صاحب الحق إلى ماله فيكون هذا غررًا، ولكنه جائز؛ لأن الناس يدخلون فى وقت العقد

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1