Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

منهاج السنة النبوية
منهاج السنة النبوية
منهاج السنة النبوية
Ebook1,137 pages5 hours

منهاج السنة النبوية

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية هو كتاب ضخم من تأليف الفقيه السنّي ابن تيمية، ويعد هذا الكتب من أشهر مؤلّفاته على الإطلاق، ويشتمل على الرد على الشيعة الإثني عشرية وفرقة القدريّة، وقد كتبه في الأصل رداً على كتاب الفقيه الشيعي المعروف ابن المطهر الحلي منهاج الكرامة.
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateDec 28, 1901
ISBN9786382622375
منهاج السنة النبوية

Read more from ابن تيمية

Related to منهاج السنة النبوية

Related ebooks

Related categories

Reviews for منهاج السنة النبوية

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    منهاج السنة النبوية - ابن تيمية

    الغلاف

    منهاج السنة النبوية

    الجزء 8

    ابن تيمية

    728

    منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية هو كتاب ضخم من تأليف الفقيه السنّي ابن تيمية، ويعد هذا الكتب من أشهر مؤلّفاته على الإطلاق، ويشتمل على الرد على الشيعة الإثني عشرية وفرقة القدريّة، وقد كتبه في الأصل رداً على كتاب الفقيه الشيعي المعروف ابن المطهر الحلي منهاج الكرامة.

    فصل كلام الرافضي على عمر رضي الله عنه والكلام على موقفه من فدك

    ]

    فَصْلٌ (3)

    قَالَ الرَّافِضِيُّ (4): " وَلَمَّا وَعَظَتْ فَاطِمَةُ (5). أَبَا بَكْرٍ فِي فَدَكٍ، كَتَبَ لَهَا كِتَابًا بِهَا (6)، وَرَدَّهَا عَلَيْهَا، فَخَرَجَتْ مِنْ عِنْدِهِ، (1) لَمْ يَذْكُرْ سَزْكِينُ هَذَا الْكِتَابَ ضِمْنَ الْكُتُبِ الْمَخْطُوطَةِ الْمَوْجُودَةِ لِمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرِيٍّ الْمَرْوَزِيِّ: انْظُرْ: م [0 - 9] ج [0 - 9] ص [0 - 9] 97 - 198، وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ كِتَابًا بِهَذَا الْعُنْوَانِ لِلْبُخَارِيِّ انْظُرْ م [0 - 9] ج [0 - 9] ص 258

    (2) وَالطَّحَاوِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: فِي (ح)، (ب): الطَّبَرِيُّ وَابْنُ نَصْرٍ، وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ وَالطَّحَاوِيِّ مِنْ (ر)، (ي) .

    (3) فَصْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح)، (ر)، وَفِي (ي) الْفَصْلِ الثَّانِي وَالثَلَاثُونَ.

    (4) فِي (ك) ص 137 (م) .

    (5) ك: فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ

    (6) بِهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م)، (ك) .

    فَلَقِيَهَا (1) عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَحَرَّقَ (2) الْكِتَابَ، فَدَعَتْ عَلَيْهِ بِمَا فَعَلَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ بِهِ، وَعَطَّلَ حُدُودَ (3) اللَّهِ فَلَمْ يَحُدَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، وَكَانَ يُعْطِي أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَكْثَرَ مِمَّا يَنْبَغِي، وَكَانَ (4). يُعْطِي عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ فِي كُلِّ سَنَةٍ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَغَيَّرَ حُكْمَ اللَّهِ فِي الْمَنْفَيِّينَ (5)، وَكَانَ قَلِيلَ الْمَعْرِفَةِ فِي الْأَحْكَامِ ".

    وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنَ الْكَذِبِ الَّذِي لَا يَسْتَرِيبُ (6) فِيهِ عَالِمٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، وَلَا يُعْرَفْ لَهُ إِسْنَادٌ، وَأَبُو بَكْرٍ لَمْ يَكْتُبْ فَدَكًا قَطُّ لِأَحَدٍ لَا لِفَاطِمَةَ، وَلَا غَيْرِهَا (7)، وَلَا دَعَتْ فَاطِمَةُ عَلَى عُمَرَ.

    وَمَا فَعَلَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ كَرَامَةٌ فِي حَقِّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ أَعْظَمُ مِمَّا فَعَلَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ بِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمَا فَعَلَهُ قَتَلَةُ الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِهِ. فَإِنَّ أَبَا لُؤْلُؤَةَ كَافِرٌ قَتَلَ عُمَرَ كَمَا يَقْتُلُ الْكَافِرُ الْمُؤْمِنَ، وَهَذِهِ الشَّهَادَةُ أَعْظَمُ مِنْ شَهَادَةِ مَنْ يَقْتُلُهُ مُسْلِمٌ؛ فَإِنَّ قَتِيلَ الْكَافِرِ أَعْظَمُ دَرَجَةٍ مِنْ قَتِيلِ الْمُسْلِمِينَ (8)، وَقَتْلُ أَبِي لُؤْلُؤَةَ لِعُمَرَ كَانَ بَعْدَ مَوْتِ فَاطِمَةَ بِمُدَّةِ (1) ن: فَلَفَتَهَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

    (2) فَحَرَّقَ: كَذَا فِي (ك)، (م)، وَفِي (ب) فَمَزَّقَ، وَفِي (ن)، (ر)، (ح)، (ي) فَخَرَقَ.

    (3) ك: حَدَّ.

    (4) ك: فَكَانَ

    (5) ن: الْمُتَّقِينَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

    (6) ن، م: لَمْ يَسْتَرِبْ.

    (7) ب: وَلَا لِغَيْرِهَا.

    (8) ن، م: فَإِنَّ قَتْلَ الْكُفَّارِ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِينَ.

    خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إِلَّا سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَمِنْ أَيْنَ يَعْرِفُ (1) أَنَّ قَتْلَهُ كَانَ بِسَبَبِ دُعَاءٍ حَصَلَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ.

    وَالدَّاعِي إِذَا دَعَا عَلَى مُسْلِمٍ بِأَنْ يَقْتُلَهُ كَافِرٌ، كَانَ ذَلِكَ دُعَاءً (2) لَهُ لَا عَلَيْهِ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو لِأَصْحَابِهِ بِنَحْوِ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: «يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلَانٍ فَيَقُولُونَ: لَوْ أَمْتَعْتَنَا بِهِ»! [وَكَانَ] (3). إِذَا دَعَا لِأَحَدٍ بِذَلِكَ اسْتُشْهِدَ (4) وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ عَلِيًّا ظَلَمَ أَهْلَ صِفِّينَ وَالْخَوَارِجَ حَتَّى دَعَوْا عَلَيْهِ بِمَا فَعَلَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ، لَمْ يَكُنْ هَذَا أَبْعَدُ عَنِ الْمَعْقُولِ مِنْ هَذَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: إِنَّ آلَ [سُفْيَانَ بْنِ] حَرْبٍ (5) دَعَوْا عَلَى الْحُسَيْنِ بِمَا فُعِلَ بِهِ. (1) ن، م: يَعْلَمُ.

    (2) ر، ح، ي: الدُّعَاءُ.

    (3) وَكَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن)

    (4) الْحَدِيثُ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا وَمَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 5/130 - 131 كِتَابِ الْمَغَازِي بَابِ غَزْوَةِ خَيْبَرَ، 9/7 - 8 كِتَابِ الدِّيَّاتِ، بَابِ إِذَا قَتَلَ نَفْسَهُ خَطَأً فَلَا دِيَةَ لَهُ، مُسْلِمٍ 3/1427 - 1429 كِتَابِ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابِ غَزْوَةِ خَيْبَرَ، 3/1433 - 1441 كِتَابِ السَّابِقِ، بَابِ غَزْوَةِ ذِي قَرَدَ وَغَيْرِهَا، وَهَذِهِ أَوْفَى الرِّوَايَاتِ وَأَدُلُّهَا عَلَى مَا قَصَدَهُ ابْنُ تَيْمِيَةَ وَفِيهَا 3/1440: فَجَعَلَ عَمِّي عَامِرٌ يَرْتَجِزُ بِالْقَوْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَنَا عَامِرٌ، قَالَ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ رَبُّكَ، قَالَ: وَمَا اسْتَغْفَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِنْسَانٍ يَخُصُّهُ إِلَّا اسْتُشْهِدَ، قَالَ: فَنَادَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَوْلَا مَا مَتَّعْتَنَا بِعَامِرٍ، الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَوَقَعَ سَيْفُ مَرْحَبٍ فِي تُرْسِ عَامِرٍ، وَذَهَبَ عَامِرٌ يَسْفُلُ لَهُ، فَرَجَعَ سَيْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَقَطَعَ أَكْحَلَهُ، فَكَانَتْ فِيهَا نَفْسُهُ، وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 4/46، 47 - 48، 50، 51 - 52.

    (5) ن، م: إِنَّ آلَ حَرْبٍ.

    وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ فِي فَدَكٍ؛ [لَمْ] (1) يَأْخُذْهَا لِنَفْسِهِ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ أَقَارِبِهِ وَأَصْدِقَائِهِ، وَلَا كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي حِرْمَانِ [أَهْلِ] (2). بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ كَانَ يُقَدِّمُهُمْ فِي الْعَطَاءِ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ، وَيُفَضِّلُهُمْ فِي الْعَطَاءِ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ، حَتَّى أَنَّهُ «لَمَّا وَضَعَ الدِّيوَانَ لِلْعَطَاءِ، وَكَتَبَ أَسْمَاءَ النَّاسِ، قَالُوا: نَبْدَأُ بِكَ؟ قَالَ: لَا ابْدَأُوا بِأَقَارِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَضَعُوا عُمَرَ حَيْثُ وَضَعَهُ اللَّهُ، فَبَدَأَ بِبَنِي هَاشِمٍ، وَضَمَّ إِلَيْهِمْ بَنِي الْمُطَّلِبِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ، إِنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ (3) فَقَدَّمَ الْعَبَّاسَ وَعَلِيًّا وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، وَفَرَضَ لَهُمْ أَكْثَرُ مِمَّا فَرَضَ لِنُظَرَائِهِمْ مِنْ سَائِرِ الْقَبَائِلِ، وَفَضَّلَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ عَلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ فِي الْعَطَاءِ، فَغَضِبَ ابْنُهُ وَقَالَ: تُفَضِّلُ عَلَيَّ أُسَامَةَ؟ قَالَ: فَإِنَّهُ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ مِنْكَ، وَكَانَ أَبُوهُ أَحَبَّ إِلَى [رَسُولِ اللَّهِ] مِنْ أَبِيكَ» (4) .

    وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَقْدِيمِهِ بَنِي هَاشِمٍ وَتَفْضِيلِهِ لَهُمْ أَمْرٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ بِالسِّيَرِ، لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ اثْنَانِ، فَمَنْ تَكُونُ هَذِهِ مُرَاعَاتُهُ لِأَقَارِبِ الرَّسُولِ وَعِتْرَتِهِ، أَيَظْلِمُ أَقْرَبَ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَسَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَهِيَ مُصَابَةٌ [بِهِ] (5) فِي يَسِيرٍ مِنَ الْمَالِ، وَهُوَ يُعْطِي أَوْلَادَهَا أَضْعَافَ (1) لَمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن)، (م) .

    (2) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن)

    (3) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/594

    (4) ن، م، ي: أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَبِيكَ، ر: أَحَبَّ إِلَى أَبِيهِ مِنْكَ، وَهُوَ خَطَأٌ.

    (5) بِهِ: زِيَادَةٌ فِي (ر)، (ي) .

    ذَلِكَ الْمَالِ، وَيُعْطِي مَنْ هُوَ أَبْعَدُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا وَيُعْطِي عَلِيًّا؟! .

    ثُمَّ الْعَادَةُ الْجَارِيَةُ بِأَنَّ طُلَّابَ الْمُلْكِ وَالرِّيَاسَةِ لَا يَتَعَرَّضُونَ لِلنِّسَاءِ، بَلْ يُكْرِمُونَهُنَّ لِأَنَّهُنَّ لَا يَصْلُحْنَ لِلْمُلْكِ، فَكَيْفَ يُجْزِلُ (1) الْعَطَاءَ لِلرِّجَالِ، وَالْمَرْأَةُ يَحْرِمُهَا مِنْ حَقِّهَا، لَا لِغَرَضٍ أَصْلًا لَا دِينِيٍّ وَلَا دُنْيَوِيٍّ؟ !

    قَوْلُ الرَّافِضِيِّ أن عمر عَطَّلَ حُدُودَ اللَّهِ فَلَمْ يُحِدَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ والرد عليه

    وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: وَعَطَّلَ حُدُودَ اللَّهِ فَلَمْ يُحِدَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ .

    فَالْجَوَابُ: أَنَّ جَمَاهِيرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَا فَعَلَهُ عُمَرُ فِي قِصَّةِ الْمُغِيرَةِ، وَأَنَّ الْبَيِّنَةَ إِذَا لَمْ تَكْمُلْ حَدَّ الشُّهُودَ، وَمَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الْآخَرِ لَمْ يُنَازِعْ فِي أَنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةُ اجْتِهَادٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَا يَرُدُّ عَلَى عَلِيٍّ بِتَعْطِيلِ إِقَامَةِ (2) الْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ عَلَى قَتَلَةِ عُثْمَانَ أَعْظَمُ، فَإِذَا كَانَ الْقَادِحُ فِي عَلِيٍّ مُبْطِلًا، فَالْقَادِحُ فِي عُمَرَ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ.

    وَالَّذِي فَعَلَهُ بِالْمُغِيرَةِ كَانَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَأَقَرُّوهُ عَلَى ذَلِكَ، وَعَلِيٌّ مِنْهُمْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى إِقْرَارِ عَلِيٍّ [لَهُ] (3). أَنَّهُ لَمَّا جَلَدَ الثَّلَاثَةَ الْحَدَّ، أَعَادَ أَبُو بَكْرَةَ الْقَذْفَ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ زَنَى، فَهَمَّ عُمَرُ بِجِلْدِهِ ثَانِيًا، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إِنْ كُنْتَ جَالِدَهُ فَارْجُمِ الْمُغِيرَةَ، يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ إِنْ كَانَ هُوَ الْأَوَّلَ (4). فَقَدْ حُدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ جَعَلْتَهُ (5) بِمَنْزِلَةِ قَوْلٍ ثَانٍ فَقَدْ (1) ح: يُجِيزُ.

    (2) إِقَامَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح)، (ب) .

    (3) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن)، (م)

    (4) ن: إِنْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْأَوَّلَ، م: إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ

    (5) ح، ر، ي: وَإِنْ جُعِلَ.

    تَمَّ النِّصَابُ [أَرْبَعَةٌ] (1)، فَيَجِبُ رَجْمُهُ (2). فَلَمْ يَحُدَّهُ عُمَرُ (3)، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى رِضَا عَلِيٍّ بِحَدِّهِمْ أَوَّلًا (4). دُونَ الْحَدِّ الثَّانِي، وَإِلَّا كَانَ أَنْكَرَ حَدَّهُمْ أَوَّلًا، كَمَا أَنْكَرَ الثَّانِيَ.

    وَكَانَ مَنْ هُوَ دُونَ عَلِيٍّ يُرَاجِعُ عُمَرَ وَيَحْتَجُّ عَلَيْهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَيَرْجِعُ عُمَرُ إِلَى قَوْلِهِ؛ فَإِنَّ عُمَرَ كَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى -.

    رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (5): " قَدَّمَ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ عَلَى [ابْنِ] (6) أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ (7)، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ (8) يُدْنِيهِمْ عُمَرُ، وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابُ مَجَالِسِ (9) عُمَرَ كُهُولًا (10) كَانُوا أَوْ شُبَّانًا. فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أَخِيهِ: يَا ابْنَ أَخِي لَكَ وَجْهٌ (11) عِنْدَ هَذَا الْأَمِيرِ فَاسْتَأْذِنْ (12) لِي عَلَيْهِ. فَقَالَ: سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاسْتَأْذَنَ الْحُرُّ لِعُيَيْنَةَ، فَأَذِنَ (1) أَرْبَعَةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن)، (م) .

    (2) عِبَارَةُ (فَيَجِبُ رَجْمُهُ) سَاقِطَةٌ مِنْ (م)

    (3) ن، م: فَلَمْ يَجْلِدْهُ عُمَرُ.

    (4) ن، م: وَهَذَا دَلِيلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَحْدُّهُمْ أَوَّلًا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

    (5) جَاءَ الْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ فِي مَوْضِعَيْنِ 6/60 كِتَابِ التَّفْسِيرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ 9/94 كِتَابِ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بَابِ الِاقْتِدَاءِ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    (6) ابْنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

    (7) الْبُخَارِيِّ: عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ.

    (8) ن: الَّذِي.

    (9) ح، ب: الْبُخَارِيُّ ج [0 - 9]: مَجْلِسٌ.

    (10) الْبُخَارِيِّ: عُمَرُ وَمُشَاوَرَتُهُ كُهُولًا.

    (11) الْبُخَارِيِّ: هَلْ لَكَ وَجْهٌ.

    (12) الْبُخَارِيِّ ج [0 - 9]: فَتَسْتَأْذِنُ.

    لَهُ عُمَرُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: هِيهِ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، فَوَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ، وَلَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ (1). فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَالَ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 199] وَإِنَّ هَذَا مِنَ الْجَاهِلِينَ، فَوَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ عُمَرُ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ ".

    وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنَ الْمُتَوَاتِرِ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، حَتَّى أَنَّهُ أَقَامَ عَلَى ابْنِهِ الْحَدَّ لَمَّا شَرِبَ (2) بِمِصْرَ، بَعْدَ أَنْ كَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ضَرَبَهُ الْحَدَّ، [لَكِنْ] (3) كَانَ (4) ضَرَبَهُ سِرًّا فِي الْبَيْتِ، وَكَانَ النَّاسُ يُضْرَبُونَ عَلَانِيَةً، فَبَعَثَ عُمَرُ إِلَى عَمْرٍو يَزْجُرُهُ وَيَتَهَدَّدُهُ (5)، لِكَوْنِهِ حَابَى ابْنَهُ، ثُمَّ طَلَبَهُ فَضَرَبَهُ مَرَّةً ثَانِيَةً، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَا لَكَ هَذَا، فَزَجَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ ضَرَبَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَكَذِبٌ عَلَى عُمَرَ، وَضَرْبُ الْمَيِّتِ لَا يَجُوزُ (6) .

    وَأَخْبَارُ عُمَرَ الْمُتَوَاتِرَةُ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ، وَأَنَّهُ كَانَ لَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ هُنَا. (1) الْبُخَارِيِّ: هَمَّ بِهِ، وَفِي قِرَاءَةِ هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ، وَفِي قِرَاءَةِ: هَمَّ بِأَنْ يَقَعَ بِهِ.

    (2) ح، ر، ي: لَمَّا أَنْ شَرِبَ.

    (3) لَكِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن)، (م) .

    (4) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) .

    (5) ن، م: وَيَتَوَعَّدُهُ.

    (6) ن، م: لَا يَحِلُّ، وَانْظُرْ هَذَا الْخَبَرَ فِي تَارِيخِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ، ص 207 - 209 وَانْظُرْ قَوْلَ ابْنِ الْجَوْزِيِّ ص 209 فَسَمَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكَتَبَ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنِ ابْعَثْ إِلَيَّ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ عَلَى قَتَبٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ عَمْرٌو، فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى عُمَرَ جَلَدَهُ وَعَاقَبَهُ مِنْ أَجْلِ مَكَانِهِ مِنْهُ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ، فَلَبِثَ شَهْرًا صَحِيحًا، ثُمَّ أَصَابَهُ قَدَرُهُ، فَتَحَسَّبَ عَامَّةُ النَّاسِ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ جَلْدِ عُمَرَ، وَلَمْ يَمُتْ مِنْ جَلْدِهِ، قُلْتُ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُظَنَّ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ شَرِبَ الْخَمْرَ، وَإِنَّمَا شَرِبَ النَّبِيذَ مُتَأَوِّلًا يَظُنُّ أَنَّ الشُّرْبَ مِنْهُ لَا يُسْكِرُ، وَكَذَلِكَ أَبُو سَرْوَعَةَ، وَأَبُو سَرْوَعَةَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، فَلَمَّا خَرَجَ بِهِمَا الْأَمْرُ إِلَى السُّكْرِ طَلَبَا التَّطْهِيرَ بِالْحَدِّ، وَقَدْ كَانَ يَكْفِيهِمَا مُجَرَّدُ النَّدَمِ عَلَى التَّفْرِيطِ، غَيْرَ أَنَّهُمَا غَضِبَا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَى أَنْفُسِهِمَا الْمُفْرِطَةِ، فَأَسْلَمَاهَا إِلَى إِقَامَةِ الْحَدِّ، وَأَمَّا كَوْنُ عُمَرَ أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى وَلَدِهِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ حَدًّا، وَإِنَّمَا ضَرَبَهُ غَضَبًا وَتَأْدِيبًا وَإِلَّا فَالْحَدُّ لَا يُكَرَّرُ، وَقَدْ أَخَذَ هَذَا الْحَدِيثَ قَوْمٌ مِنَ الْقُصَّاصِ فَأَبَدَأُوا فِيهِ وَأَعَادُوا، فَتَارَةً يَجْعَلُونَ هَذَا الظَّنَّ مَضْرُوبًا عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ، وَتَارَةً عَلَى الزِّنَا، وَيَذْكُرُونَ كَلَامًا مُلَفَّقًا يُبْكِي الْعَوَامَّ، وَانْظُرْ أَخْبَارَ عُمَرَ لِعَلِيٍّ وَنَاجِي طَنْطَاوِيٍّ ص 382 - 383.

    وَأَيُّ غَرَضٍ كَانَ لِعُمَرَ فِي الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ؟! وَكَانَ عُمَرُ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ كَالْمِيزَانِ الْعَادِلِ الَّذِي لَا يَمِيلُ إِلَى ذَا الْجَانِبِ وَلَا ذَا الْجَانِبِ.

    [

    كلام الرافضي على عطايا عمر لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم

    ]

    وَقَوْلُهُ: وَكَانَ يُعْطِي أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَكْثَرَ مِمَّا يَنْبَغِي، وَكَانَ يُعْطِي عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ مِنَ الْمَالِ فِي كُلِّ سَنَةٍ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ .

    فَالْجَوَابُ: أَمَّا حَفْصَةُ فَكَانَ يُنْقِصُهَا مِنَ الْعَطَاءِ لِكَوْنِهَا ابْنَتَهُ، كَمَا نَقَصَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ (1). وَهَذَا مِنْ كَمَالِ احْتِيَاطِهِ فِي الْعَدْلِ، وَخَوْفِهِ مَقَامَ رَبِّهِ، وَنَهْيِهِ نَفْسَهُ عَنِ الْهَوَى، وَهُوَ كَانَ يَرَى التَّفْضِيلَ فِي الْعَطَاءِ بِالْفَضْلِ، فَيُعْطِي أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْظَمَ مِمَّا يُعْطِي غَيْرَهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ، كَمَا كَانَ يُعْطِي بَنِي هَاشِمٍ مِنْ آلِ أَبِي طَالِبٍ وَآلِ الْعَبَّاسِ أَكْثَرَ مِمَّا يُعْطِي أَعْدَادَهُمْ مِنْ سَائِرِ الْقَبَائِلِ، فَإِذَا فَضَّلَ شَخْصًا كَانَ لِأَجْلِ اتِّصَالِهِ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لِسَابِقَتِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ، وَكَانَ يَقُولُ: (1) ن، م: عَبْدُ اللَّهِ ابْنُهُ.

    لَيْسَ أَحَدٌ أَحَقَّ بِهَذَا الْمَالِ مِنْ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ الرَّجُلُ وَغِنَاؤُهُ، وَالرَّجُلُ وَبَلَاؤُهُ، وَالرَّجُلُ وَسَابِقَتُهُ، وَالرَّجُلُ وَحَاجَتُهُ، فَمَا (1) كَانَ يُعْطِي مَنْ يُتَّهَمُ عَلَى إِعْطَائِهِ بِمُحَابَاةٍ فِي صَدَاقَةٍ أَوْ قَرَابَةٍ، بَلْ كَانَ يُنْقِصُ ابْنَهُ وَابْنَتَهُ وَنَحْوَهُمَا عَنْ نُظَرَائِهِمْ فِي الْعَطَاءِ، وَإِنَّمَا كَانَ يُفَضِّلُ بِالْأَسْبَابِ الدِّينِيَّةِ الْمَحْضَةِ، وَيُفَضِّلُ أَهْلَ بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جَمِيعِ الْبُيُوتَاتِ وَيُقَدِّمُهُمْ.

    وَهَذِهِ السِّيرَةُ لَمْ يَسِرْهَا بَعْدَهُ مِثْلُهُ لَا عُثْمَانُ وَلَا عَلِيٌّ وَلَا غَيْرُهُمَا، فَإِنْ قُدِحَ فِيهِ بِتَفْضِيلِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلْيُقْدَحْ فِيهِ بِتَفْضِيلِ رِجَالِ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ وَتَقْدِيمِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ.

    فصل الرد على قول الرافضي في عمر: وغيَّر حكم الله في المنفيين

    فَصْلٌ

    وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَغَيَّرَ (2) حُكْمَ اللَّهِ فِي الْمَنْفَيِّينَ .

    فَالْجَوَابُ: أَنَّ التَّغْيِيرَ لِحُكْمِ اللَّهِ بِمَا يُنَاقِضُ (3) حُكْمَ اللَّهِ، مِثْلُ إِسْقَاطِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ، وَتَحْرِيمِ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ، وَالنَّفْيُ فِي الْخَمْرِ كَانَ (4) مِنْ بَابِ التَّعْزِيرِ الَّذِي يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْخَمْرَ لَمْ يُقَدِّرِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّهَا لَا قَدْرَهُ وَلَا صِفَتَهُ، بَلْ جَوَّزَ فِيهَا (5) الضَّرْبَ (1) ن: كَمَا.

    (2) ن، م: فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ: وَغَيَّرَ.. .

    (3) م، ر، ي: يَكُونُ بِمَا يُنَاقِضُ.

    (4) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح)، (ر) .

    (5) ح، ب: فِيهِ.

    بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ (1) وَعُثْكُولِ النَّخْلِ (2). وَالضَّرْبُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَالزِّنَا إِنَّمَا يَكُونُ بِالسَّوْطِ، وَأَمَّا الْعَدَدُ فِي الْخَمْرِ (3) فَقَدْ ضَرَبَ الصَّحَابَةُ أَرْبَعِينَ، وَضَرَبُوا ثَمَانِينَ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: وَكُلٌّ سُنَّةٌ (4). وَالْفُقَهَاءُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ، قِيلَ: الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعِينَ حَدٌّ وَاجِبٌ، كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ [عَنْهُ] (5). وَقِيلَ: هُوَ تَعْزِيرٌ، لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَأَنْ يَتْرُكَهُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَهُوَ أَظْهَرُ، وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَحْلِقُ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ وَيَنْفِي أَيْضًا، وَكَانَ هَذَا مِنْ جِنْسِ التَّعْزِيرِ الْعَارِضِ فِيهَا.

    وَقَدْ «رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِ الشَّارِبِ فِي [الثَّالِثَةِ أَوْ] الرَّابِعَةِ» (6). رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا (7) . (1) ن: النَّبَاتُ.

    (2) فِي اللِّسَانِ: الْعِثْكَالُ وَالْعُثْكُولُ وَالْعُثْكُولَةُ الْعِذْقُ، وَالْعُثْكُولُ وَالْعِثْكَالُ الشِّمْرَاخُ، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْبُسْرُ مِنْ عِيدَانِ الْكِبَاسَةِ، وَهُوَ فِي النَّخْلِ بِمَنْزِلَةِ الْعُنْقُودِ مِنَ الْكَرْمِ.

    (3) ر، ي: فِي حَدِّ الْخَمْرِ.

    (4) فِي مُسْلِمٍ 3/1331 - 1332 كِتَابِ الْحُدُودِ بَابِ حَدِّ الْخَمْرِ، أَثَرٌ جَاءَ فِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَلَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، وَعُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ، وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ، وَجَاءَ هَذَا الْأَثَرُ بِمَعْنَاهُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/228 كِتَابِ الْحُدُودِ بَابِ الْحَدِّ فِي الْخَمْرِ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/858 كِتَابِ الْحُدُودِ بَابِ حَدِّ السَّكْرَانِ.

    (5) عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (ح)، (ب) .

    (6) ن، م: فِي الرَّابِعَةِ.

    (7) جَاءَتْ عِدَّةُ أَحَادِيثَ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِيهَا النَّصُّ عَلَى قَتْلِ شَارِبِ الْخَمْرِ الَّذِي يَتَكَرَّرُ شُرْبُهُ عِدَّةَ مَرَّاتٍ، مِنْهَا حَدِيثٌ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا شَرِبُوا الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُمْ، ثُمَّ إِنْ شَرِبُوا فَاجْلِدُوهُمْ، ثُمَّ إِنْ شَرِبُوا فَاقْتُلُوهُمْ) وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/228 كِتَابِ الْحُدُودِ بَابِ إِذَا تَتَابَعَ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ، وَفِي نَفْسِ الْبَابِ 4/229 - 230 أَحَادِيثُ بِنَفْسِ الْمَعْنَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَجَاءَ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/449 - 450 كِتَابِ الْحُدُودِ بَابِ مَا جَاءَ: مَنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ، وَعَلَّقَ التِّرْمِذِيُّ عَلَى ذَلِكَ تَعْلِيقًا طَوِيلًا ذَكَرَ فِيهِ أَسْمَاءَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ رَوَوُا الْحَدِيثَ وَجَاءَ فِي تَعْلِيقِهِ مَا يَلِي: سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: حَدِيثُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ، إِلَخْ، وَانْظُرْ أَيْضًا: سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 2/859 كِتَابَ الْحُدُودِ بَابَ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ مِرَارًا، سُنَنَ الدَّارِمِيِّ 2/175 - 176 كِتَابَ الْحُدُودِ بَابَ فِي شَارِبِ الْخَمْرِ إِذَا أُتِيَ بِهِ الرَّابِعَةَ، سُنَنَ النَّسَائِيِّ 8/281 كِتَابَ الْأَشْرِبَةِ بَابَ الرِّوَايَاتِ الْمُغَلَّظَةِ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ، الْمُسْنَدَ ط. الْمَعَارِفِ، الْأَرْقَامَ 6553، 7003 إِسْنَادُهُمَا صَحِيحٌ وَانْظُرِ التَّعْلِيقَ الطَّوِيلَ الَّذِي كَتَبَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ شَاكِرٍ رَحِمَهُ لِلَّهِ 9/49 - 91 وَكَلَامُهُ عَنْ وُرُودِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي الْبَابِ.

    وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ هُوَ مَنْسُوخٌ أَوْ مُحْكَمٌ؟ أَوْ هُوَ مِنْ بَابِ التَّعْزِيرِ الَّذِي يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ إِنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ وَلَا يَجِبُ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَضْرِبُ فِي الْحَدِّ فَوْقَ الْأَرْبَعِينَ، وَقَالَ: مَا أَحَدٌ أُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ فَيَمُوتُ، فَأَجِدُ فِي نَفْسِي إِلَّا شَارِبَ الْخَمْرِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَ لَوَدَيْتُهُ، فَإِنَّهُ شَيْءٌ فَعَلْنَاهُ بِرَأْيِنَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (1) وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ بَابِ التَّعْزِيرِ الَّذِي يُفْعَلُ بِالِاجْتِهَادِ، ثُمَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ أَنَّ مَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدٌّ أَوْ تَعْزِيرٌ أَوْ قِصَاصٌ فَمَاتَ (1) جَاءَ هَذَا الْأَثَرُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 8/158 كِتَابِ الْحُدُودِ، بَابِ الضَّرْبِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، مُسْلِمٍ 3/1332 كِتَابِ الْحُدُودِ، بَابِ حَدِّ الْخَمْرِ، الْمُسْنَدَ ط. الْمَعَارِفِ 2/222 - 223، 244.

    مِنْ ذَلِكَ، هَلْ يُضْمَنُ؟ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنِ الْوَاجِبَ الْمُقَدَّرَ [كَالْحَدِّ لَا تُضْمَنُ سَرَايَتُهُ، لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُبَاحِ، كَالْقِصَاصِ، وَفِي غَيْرِ الْمُقَدَّرِ] (1) كَالتَّعْزِيرِ، وَضَرْبِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَضَرْبِ الرَّائِضِ لِلدَّابَّةِ، وَالْمُؤَدِّبِ لِلصَّبِيِّ، عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، فَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَمَالِكٍ فِيمَا أَظُنُّ (2). وَقِيلَ: يَضْمَنُ فِي الْمُبَاحِ دُونَ الْوَاجِبِ [الَّذِي لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ] (3) لِأَنَّ لَهُ تَرْكَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ: يَضْمَنُ غَيْرَ الْمُقَدَّرِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّ غَيْرَ الْمُقَدَّرِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ أَخْطَأَ إِذَا تَلِفَ بِهِ.

    [

    فصل كلام الرافضي: أن عمر رضي الله عنه أمر برجم حامل

    ]

    فَصْلٌ (4)

    قَالَ الرَّافِضِيُّ (5): وَكَانَ قَلِيلَ الْمَعْرِفَةِ بِالْأَحْكَامِ: أَمَرَ (6) بِرَجْمِ حَامِلٍ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ (7): إِنْ كَانَ لَكَ عَلَيْهَا سَبِيلٌ، فَلَا سَبِيلَ لَكَ عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا، فَأَمْسَكَ، وَقَالَ: لَوْلَا عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ .

    وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ إِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَلَا تَخْلُو مِنْ أَنْ (1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) .

    (2) عِبَارَةٌ فِيمَا أَظُنُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ر)، (ح)، (ي) .

    (3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن)، (م) .

    (4) فَصْلٌ: فِي (ن) فَقَطْ، وَفِي (ي) الْفَصْلُ الثَّالِثُ وَالثَلَاثُونَ.

    (5) فِي (ك) ص 137 (م) .

    (6) ك: وَأَمَرَ.

    (7) ك: فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

    يَكُونُ عُمَرُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا حَامِلٌ، فَأَخْبَرَهُ عَلِيٌّ بِحَمْلِهَا، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعِلْمِ، وَالْإِمَامُ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّةَ لِلْقَتْلِ أَوِ الرَّجْمِ حَامِلٌ، فَعَرَّفَهُ بَعْضُ النَّاسِ بِحَالِهَا، كَانَ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ إِخْبَارِهِ بِأَحْوَالِ النَّاسِ الْمُغَيَّبَاتِ، وَمِنْ جِنْسِ مَا يَشْهَدُ بِهِ عِنْدَهُ الشُّهُودُ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ مَعَ كُلِّ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْأَحْكَامِ الْكُلِّيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ.

    وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عُمَرُ قَدْ غَابَ عَنْهُ كَوْنُ الْحَامِلِ لَا تُرْجَمُ، فَلَمَّا ذَكَّرَهُ عَلِيٌّ ذَكَرَ ذَلِكَ، وَلِهَذَا أَمْسَكَ، وَلَوْ كَانَ رَأْيُهُ أَنَّ الْحَامِلَ تُرْجَمَ لَرَجَمَهَا، وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى رَأْيِ غَيْرِهِ، وَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «- فِي الْغَامِدِيَّةِ، لَمَّا قَالَتْ: إِنِّي حُبْلَى مِنَ الزِّنَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اذْهَبِي حَتَّى تَضَعِيهِ» (1). وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ عِلْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَتَّى عَرَفَهُ، لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِيهِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ سَاسَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلَ الذِّمَّةِ، يُعْطِي الْحُقُوقَ، وَيُقِيمُ الْحُدُودَ، وَيَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ، وَفِي زَمَنِهِ انْتَشَرَ الْإِسْلَامُ، وَظَهَرَ ظُهُورًا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ مِثْلُهُ، وَهُوَ دَائِمًا يَقْضِي وَيُفْتِي، وَلَوْلَا كَثْرَةُ عِلْمِهِ لَمْ يُطِقْ ذَلِكَ، فَإِذَا خَفِيَتْ عَلَيْهِ قَضِيَّةٌ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ قَضِيَّةٍ ثُمَّ عَرَفَهَا (2)، أَوْ كَانَ نَسِيَهَا فَذَكَرَهَا، فَأَيُّ عَيْبٍ فِي ذَلِكَ؟ ! (1) حَدِيثُ الْغَامِدِيَّةِ الَّتِي زَنَتْ ثُمَّ تَابَتْ وَطَلَبَتْ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهَا، سَيَرِدُ فِيمَا يَلِي فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 174 وَسَأَذْكُرُ هُنَاكَ مَوَاضِعَ وُرُودِ هَذَا الْحَدِيثِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَانْظُرْ: مُسْلِمٍ 3/1323 وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: إِمَّا لَا، فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/212 - 213 سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/180، الْمُسْنَدَ ط. الْحَلَبِيِّ 5/348 قَالَ لَهَا: ارْجِعِي حَتَّى تَلِدِي.

    (2) ح، ر: ثُمَّ كَانَ عَرَفَهَا.

    وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ خَفِيَ عَلَيْهِ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَضْعَافُ ذَلِكَ، وَمِنْهَا مَا مَاتَ وَلَمْ يَعْرِفْهُ.

    ثُمَّ يُقَالُ: عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ بَلَغَ مِنْ عِلْمِهِ وَعَدْلِهِ وَرَحْمَتِهِ بِالذُّرِّيَّةِ أَنَّهُ (1) كَانَ لَا يَفْرِضُ لِلصَّغِيرِ (2) حَتَّى يُفْطَمَ (3)، وَيَقُولُ: يَكْفِيهِ اللَّبَنَ، فَسَمِعَ امْرَأَةً تُكْرِهُ ابْنَهَا عَلَى الْفِطَامِ لِيُفْرَضَ لَهُ، فَأَصْبَحَ فَنَادَى فِي النَّاسِ: أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَفْرِضُ لِلْفَطِيمِ وَالرَّضِيعِ (4). وَتَضَرُّرُ الرَّضِيعِ كَانَ بِإِكْرَاهِ أُمِّهِ لَا بِفِعْلِهِ هُوَ، لَكِنْ رَأَى أَنْ يُفْرَضَ لِلرُّضَعَاءِ لِيَمْتَنِعَ النَّاسُ عَنْ إِيذَائِهِمْ (5). فَهَذَا إِحْسَانُهُ إِلَى ذُرِّيَّةِ الْمُسْلِمِينَ.

    وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْعُقُوبَةَ إِذَا أَمْكَنَ أَنْ لَا يَتَعَدَّى بِهَا الْجَانِي كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبَ (6). وَمَعَ هَذَا فَإِذَا كَانَ الْفَسَادُ فِي تَرْكِ عُقُوبَةِ الْجَانِي أَعْظَمَ مِنَ الْفَسَادِ فِي عُقُوبَةِ مَنْ لَمْ يَجْنِ، دَفَعَ أَعْظَمَ الْفَسَادَيْنِ بِالْتِزَامِ أَدْنَاهُمَا، كَمَا رَمَى «النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ الطَّائِفِ بِالْمَنْجَنِيقِ» (7)، مَعَ أَنَّ الْمَنْجَنِيقَ قَدْ يُصِيبُ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ. (1) ح، ب: أَنْ.

    (2) ح، ر، ي: لِصَغِيرٍ.

    (3) م: حَتَّى يُطْعَمَ.

    (4) ر، ي: لِلرَّضِيعِ وَلِلْفَطِيمِ.

    (5) ح، ب: أَذَاهُمْ.

    (6) ن، م: فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبُ، ح: كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا، ب: كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا.

    (7) فِي طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ ط. بَيْرُوتَ 1376 1957 وَأَخْبَرَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مَكْحُولٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَذَكَرَ الْخَبَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ 3/496 وَقَالَ الْمُحَقِّقُ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ 4/126: وَرَمَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَنْجَنِيقِ، حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلُ مَنْ رَمَى فِي الْإِسْلَامِ بِالْمَنْجَنِيقِ، رَمَى أَهْلَ الطَّائِفِ، وَانْظُرْ خَبَرَ الرَّمْيِ بِالْمَنْجَنِيقِ فِي جَوَامِعِ السِّيرَةِ ص 243، إِمْتَاعِ الْأَسْمَاعِ 1/417 - 418 وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ «الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَهْلِ الدَّارِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَبِيتُونَ فَيُصَابُ مِنْ ذَرَارِيِّهِمْ، فَقَالَ: هُمْ مِنْهُمْ» (1) .

    وَلَوْ صَالَتِ الْمَرْأَةُ (2) الْحَامِلُ عَلَى النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ الْمَعْصُومَةِ، فَلَمْ يَنْدَفِعْ صِيَالُهَا إِلَّا بِقَتْلِهَا (3) قُتِلَتْ، وَإِنْ قُتِلَ جَنِينُهَا.

    فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ظَنَّ أَنَّ إِقَامَةَ الْحُدُودِ مِنْ هَذَا الْبَابِ، حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ (4)، لَمْ يَكُنْ هَذَا بِأَعْظَمَ مِنَ الْقِتَالِ يَوْمَ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ، الَّذِي أَفْضَى إِلَى أَنْوَاعٍ مِنَ الْفَسَادِ أَعْظَمَ مِنْ هَذَا، وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ مَعَ نَظَرِهِ وَاجْتِهَادِهِ، لَا يَظُنُّ أَنَّ الْأَمْرَ يَبْلُغُ إِلَى مَا بَلَغَ، وَلَوْ عَلِمَ ذَلِكَ لَمَا فَعَلَ مَا فَعَلَ، كَمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ. (1) الْحَدِيثَ عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 4/61 كِتَابِ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابِ أَهْلِ الدَّارِ يَبِيتُونَ فَيُصَابُ الْوِلْدَانُ وَالذَّرَارِيُّ. .) مُسْلِمٍ 3/1364 - 1365 كِتَابِ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ بَابِ جَوَازِ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فِي الْبَيَاتِ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/73 - 74 كِتَابِ الْجِهَادِ بَابِ فِي قَتْلِ النِّسَاءِ.

    (2) الْمَرْأَةُ سَاقِطَةٌ مِنْ (ح)، (ي)، (ر) .

    (3) عِبَارَةُ (إِلَّا بِقَتْلِهَا) سَاقِطَةٌ مِنْ (ر) .

    (4) سَاقِطٌ مِنْ (ح) .

    [

    فصل كلام الرافضي: أن عمر رضي الله عنه أمر برجم مجنونة

    ]

    فَصْلٌ (1)

    قَالَ الرَّافِضِيُّ (2): وَأَمَرَ بِرَجْمِ مَجْنُونَةٍ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إِنَّ الْقَلَمَ رُفِعَ عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَفِيقَ، فَأَمْسَكَ، وَقَالَ: لَوْلَا عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ .

    وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ مَعْرُوفَةً فِي هَذَا الْحَدِيثِ (3). وَرَجْمُ الْمَجْنُونَةِ لَا يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَعْلَمْ بِجُنُونِهَا فَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي عِلْمِهِ بِالْأَحْكَامِ، أَوْ كَانَ ذَاهِلًا عَنْ ذَلِكَ فَذُكِّرَ بِذَلِكَ، أَوْ يَظُنُّ الظَّانُّ أَنَّ الْعُقُوبَاتِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فِي الدُّنْيَا، وَالْمَجْنُونُ قَدْ يُعَاقَبُ لِدَفْعِ عُدْوَانِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْعُقَلَاءِ وَالْمَجَانِينِ، وَالزِّنَا هُوَ مِنَ الْعُدْوَانِ، فَيُعَاقَبُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ حُدُودِ اللَّهِ - تَعَالَى - الَّتِي لَا تُقَامُ إِلَّا عَلَى الْمُكَلَّفِ.

    وَالشَّرِيعَةُ قَدْ جَاءَتْ بِعُقُوبَةِ الصِّبْيَانِ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ، كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» (4) . (1) فَصْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح)، (ر)، وَفِي (ي): الْفَصْلُ الرَّابِعُ وَالثَلَاثُونَ.

    (2) ن، م: وَقَوْلُ الرَّافِضِيِّ، وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) ص 138 (م) .

    (3) سَيَذْكُرُ ابْنُ تَيْمِيَةَ نَصَّ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ بَعْدَ قَلِيلٍ ص [0 - 9] 9 وَهُوَ: رَفْعُ الْقَلَمِ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَالْمَجْنُونِ حَتَّى يَفِيقَ، وَالنَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى 5/185.

    (4) الْحَدِيثَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جِدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/193 كِتَابِ الصَّلَاةِ بَابِ مَتَى يُؤْمَرُ الْغُلَامُ بِالصَّلَاةِ، الْمُسْنَدَ ط. الْمَعَارِفِ 10/217 - 218 وَانْظُرْ تَعْلِيقَ الْمُحَقِّقِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى الْحَدِيثِ، وَقَوْلُهُ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ فِي: الْمُسْتَدْرَكِ 1/197 وَالْمَجْنُونُ إِذَا صَالَ وَلَمْ يَنْدَفِعْ صِيَالُهُ إِلَّا بِقَتْلِهِ قُتِلَ، بَلِ الْبَهِيمَةُ إِذَا صَالَتْ وَلَمْ يَنْدَفِعْ صِيَالُهَا إِلَّا بِقَتْلِهَا قُتِلَتْ، وَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَمْ يَكُنْ عَلَى قَاتِلِهَا ضَمَانٌ لِلْمَالِكِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: إِنَّهُ يَضْمَنُهَا لِلْمَالِكِ لِأَنَّهُ قَتَلَهَا لِمَصْلَحَتِهِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَتَلَهَا فِي الْمَخْمَصَةِ، وَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ: هُنَاكَ قَتْلُهَا بِسَبَبٍ مِنْهُ لَا بِسَبَبِ عُدْوَانِهَا (1)، وَهُنَا قَتْلُهَا بِسَبَبِ عُدْوَانِهَا (2) .

    فَفِي الْجُمْلَةِ قَتْلُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ، كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْبَهِيمَةِ، لِدَفْعِ عُدْوَانِهِمْ [جَائِزٌ بِالنَّصِّ وَالِاتِّفَاقِ، (3) إِلَّا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ] (4) كَقَتْلِهِمْ فِي الْإِغَارَةِ وَالْبَيَاتِ وَبِالْمَنْجَنِيقِ وَقَتْلِهِمْ لِدَفْعِ صِيالِهِمْ.

    وَحَدِيثُ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ» إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى رَفْعِ الْإِثْمِ لَا [يَدُلُّ] (5) عَلَى مَنْعِ الْحَدِّ (6) إِلَّا بِمُقَدِّمَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: مَنْ لَا قَلَمَ عَلَيْهِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ فِيهَا خَفَاءٌ؛ فَإِنَّ مَنْ لَا قَلَمَ عَلَيْهِ (7) قَدْ يُعَاقَبُ أَحْيَانًا، وَلَا يُعَاقَبُ أَحْيَانًا، وَالْفَصْلُ بَيْنَهُمَا يَحْتَاجُ إِلَى عِلْمٍ خَفِيٍّ، وَلَوِ اسْتَكْرَهَ الْمَجْنُونُ امْرَأَةً عَلَى نَفْسِهَا، وَلَمْ يَنْدَفِعْ إِلَّا بِقَتْلِهِ، فَلَهَا قَتْلُهُ، بَلْ عَلَيْهَا ذَلِكَ بِالسُّنَّةِ وَاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ. (1) ن: عَدَاوَتِهَا.

    (2) ن: عَدَاوَتِهَا.

    (3) ي: وَاتِّفَاقُ الْأَئِمَّةِ.

    (4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن)، (م) .

    (5) يَدُلُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن)، (م) .

    (6) ح، ب: رُفِعَ.

    (7) سَاقِطٌ مِنْ (ح) .

    فَلَوِ اعْتَقَدَ بَعْضُ الْمُجْتَهِدِينَ أَنَّ الزِّنَا عُدْوَانٌ، كَمَا سَمَّاهُ اللَّهُ - تَعَالَى - عُدْوَانًا بِقَوْلِهِ: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: 7] فَيَقْتُلُ بِهِ الْمَجْنُونَ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ هَذَا حَدُّ اللَّهِ، فَلَا يُقَامُ (1) إِلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ، وَالْمَجْنُونُ لَمْ يَعْلَمِ التَّحْرِيمَ، لَمْ يُشَنَّعْ عَلَيْهِ فِي هَذَا إِلَّا مَنْ شَنَّعَ بِأَعْظَمَ مِنْهُ عَلَى غَيْرِهِ.

    فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: قِتَالُ الْمُسْلِمِينَ هُوَ عُقُوبَةٌ لَهُمْ، فَلَا يُعَاقَبُونَ حَتَّى يَعْلَمُوا الْإِيجَابَ وَالتَّحْرِيمَ، وَأَصْحَابُ مُعَاوِيَةَ [الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ (2) عَلِيٌّ] (3) لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ لَهُمْ ذَنْبًا، فَلَمْ يَجُزْ لِعَلِيٍّ قِتَالُهُمْ عَلَى مَا لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ ذَنْبٌ، وَإِنْ كَانُوا مُذْنِبِينَ فَإِنَّ غَايَةَ مَا يُقَالُ (4): إِنَّهُمْ تَرَكُوا الطَّاعَةَ الْوَاجِبَةَ، لَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ - أَوْ أَكْثَرَهُمْ - لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ طَاعَةُ عَلِيٍّ وَمُتَابَعَتُهُ، بَلْ كَانَ لَهُمْ مِنَ الشُّبَهَاتِ وَالتَّأْوِيلَاتِ مَا يَمْنَعُ عِلْمَهُمْ بِالْوُجُوبِ، فَكَيْفَ جَازَ قِتَالُ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ تَرَكَ وَاجِبًا، أَوْ فَعَلَ مُحَرَّمًا مَعَ كَوْنِهِ كَانَ مَعْصُومًا؟ لَمْ يَكُنْ مِثْلُ هَذَا قَدْحًا فِي إِمَامَةِ عَلِيٍّ، فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ قَدْحًا فِي إِمَامَةِ عُمَرَ؟ !

    لَا سِيَّمَا وَالْقِتَالُ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ إِنَّمَا يُشْرَعُ إِذَا كَانَتْ مَفْسَدَةُ الْقِتَالِ أَقَلَّ مِنْ مَفْسَدَةِ تَرْكِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ، وَالْمَصْلَحَةُ بِالْقِتَالِ أَعْظَمَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ بِتَرْكِهِ. (1) ن: فَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ.

    (2) ح، ب: قَتَلَهُمْ.

    (3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) (م) .

    (4) ح، ب: مَا يُقَالُ لَهُمْ.

    وَلَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّ الْقِتَالَ لَمْ يُحَصِّلِ الطَّاعَةَ الْمَطْلُوبَةَ، بَلْ زَادَ بِذَلِكَ عِصْيَانُ النَّاسِ لِعَلِيٍّ، حَتَّى عَصَاهُ وَخَرَجَ عَلَيْهِ خَوَارِجُ مِنْ عَسْكَرِهِ، وَقَاتَلَهُ كَثِيرٌ مِنْ أُمَرَاءِ جَيْشِهِ، وَأَكْثَرُهُمْ (1) لَمْ يَكُونُوا مُطِيعِينَ لَهُ مُطْلَقًا، وَكَانُوا قَبْلَ الْقِتَالِ أَطْوَعَ لَهُ مِنْهُمْ بَعْدَ الْقِتَالِ.

    فَإِنْ قِيلَ: عَلِيٌّ كَانَ مُجْتَهِدًا فِي ذَلِكَ، مُعْتَقِدًا أَنَّهُ بِالْقِتَالِ يُحَصِّلُ الطَّاعَةَ.

    قِيلَ: فَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا الِاجْتِهَادِ مَغْفُورًا، مَعَ أَنَّهُ أَفْضَى إِلَى قَتْلِ أُلُوفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، بِحَيْثُ حَصَلَ الْفَسَادُ، وَلَمْ يَحْصُلِ الْمَطْلُوبُ مِنَ الصَّلَاحِ، أَفَلَا يَكُونُ الِاجْتِهَادُ فِي قَتْلِ وَاحِدٍ، لَوْ قُتِلَ لَحَصَلَ بِهِ نَوْعُ الْمَصْلَحَةِ مِنَ الزَّجْرِ عَنِ الْفَوَاحِشِ، اجْتِهَادًا مَغْفُورًا؟ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقْتُلْهُ، بَلْ هَمَّ بِهِ وَتَرَكَهُ.

    وَوَلِيُّ الْأَمْرِ إِلَى مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ فِي السِّيَاسَةِ الْعَامَّةِ الْكُلِّيَّةِ أَحْوَجُ مِنْهُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ (2) فِي الْحُدُودِ الْجُزْئِيَّةِ، وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَكُنْ يَخْفَى عَلَيْهِ أَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ: لَكِنَّ (3) الْمُشْكِلَ أَنَّ مَنْ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ: هَلْ يُعَاقَبُ لِدَفْعِ الْفَسَادِ؟ هَذَا مَوْضِعٌ مُشْتَبَهٌ؛ فَإِنَّ الشَّرْعَ قَدْ جَاءَ بِعُقُوبَةِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ فِي دَفْعِ الْفَسَادِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَالْعَقْلُ يَقْتَضِي ذَلِكَ لِحُصُولِ مَصْلَحَةِ النَّاسِ، وَالْغُلَامُ الَّذِي قَتَلَهُ الْخِضْرُ قَدْ قِيلَ: إِنَّهُ (1) ر، ي، م: أَوْ أَكْثَرُهُمْ.

    (2) سَاقِطٌ مِنْ (ح) .

    (3) لَكِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح)، (ر)، (ي) .

    كَانَ لَمْ يَبْلُغِ [الْحُلُمَ] (1) وَقَتَلَهُ لِدَفْعِ صَوْلِهِ عَلَى أَبَوَيْهِ بِأَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا.

    وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَالْمَجْنُونِ حَتَّى يَفِيقَ، وَالنَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ» (2)، إِنَّمَا يَقْتَضِي رَفْعَ الْمَأْثَمِ لَا رَفْعَ الضَّمَانِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَوْ أَتْلَفُوا نَفْسًا أَوْ مَالًا ضَمِنُوهُ، وَأَمَّا رَفْعُ الْعُقُوبَةِ إِذَا سَرَقَ أَحَدُهُمَا أَوْ زَنَى أَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ، فَهَذَا عِلْمٌ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ بِمُجَرَّدِ هَذَا الْحَدِيثِ.

    وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَجْنُونَ وَالصَّغِيرَ الَّذِي لَيْسَ بِمُمَيَّزٍ لَيْسَ عَلَيْهِ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ، وَاتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ الْحُقُوقِ فِي أَمْوَالِهِمْ كَالنَّفَقَاتِ وَالْأَثْمَانِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الزَّكَاةِ؛ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ - كَأَبِي حَنِيفَةَ -: إِنَّهَا لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى مُكَلَّفٍ كَالصَّلَاةِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ - كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ -: بَلِ الزَّكَاةُ مِنَ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ كَالْعُشْرِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ.

    فَإِذَا كَانَ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ قَدْ تَشْتَبِهُ بَعْضُ الْوَاجِبَاتِ: هَلْ تَجِبُ فِي مَالِهِ أَمْ لَا؟ فَكَذَلِكَ بَعْضُ الْعُقُوبَاتِ قَدْ تُشْتَبَهُ: هَلْ يُعَاقَبُ بِهَا أَمْ لَا؟ لِأَنَّ مِنَ الْوَاجِبَاتِ مَا يَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ بِالِاتِّفَاقِ، [وَمِنْهَا مَا لَا يَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ بِالِاتِّفَاقِ] (3) وَبَعْضُهَا يَشْتَبِهُ: هَلْ هُوَ مِنْ هَذَا أَوْ هَذَا؟ (1) الْحُلُمَ: زِيَادَةٌ فِي (ر)، (ي) .

    (2) انْظُرْ كَلَامِي قَبْلَ صَفَحَاتٍ ص 45

    (3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) .

    وَكَذَلِكَ الْعُقُوبَاتُ: مِنْهَا مَا لَا يُعَاقَبُ بِهِ (1) بِالِاتِّفَاقِ، كَالْقَتْلِ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ الْمَجْنُونَ لَا يُقْتَلُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمِنْهَا مَا يُعَاقَبُ بِهِ، كَدَفْعِ صِيَالِهِ، وَمِنْهَا مَا قَدْ يُشْتَبَهُ.

    وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ كَالصَّبِيِّ الْمُمَيَّزِ يُعَاقَبُ عَلَى الْفَاحِشَةِ تَعْزِيرًا بَلِيغًا، وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ يُضْرَبُ عَلَى مَا فَعَلَهُ (2) لِيَنْزَجِرَ، لَكِنَّ الْعُقُوبَةَ (3) الَّتِي فِيهَا قَتْلٌ أَوْ قَطْعٌ هِيَ الَّتِي

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1