Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

أبجد العلوم
أبجد العلوم
أبجد العلوم
Ebook1,001 pages6 hours

أبجد العلوم

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

أبجد العلوم موسوعة للتعريف بالعلوم والفنون وخاصة الإسلامية منها والتاريخ والتراجم، وضعها محمد صديق خان أمير بهوبال واعتمد في تصنيفها على كتاب إحصاء العلوم للفارابي ومفاتيح العلوم للخوارزمي ومفتاح السعادة لطا شكبري زاده وكشف الظنون لحاجي خليفة.
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJul 30, 1903
ISBN9786398533191
أبجد العلوم

Related to أبجد العلوم

Related ebooks

Reviews for أبجد العلوم

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    أبجد العلوم - صديق حسن خان

    الغلاف

    أبجد العلوم

    الجزء 3

    صديق حسن خان

    1307

    أبجد العلوم موسوعة للتعريف بالعلوم والفنون وخاصة الإسلامية منها والتاريخ والتراجم، وضعها محمد صديق خان أمير بهوبال واعتمد في تصنيفها على كتاب إحصاء العلوم للفارابي ومفاتيح العلوم للخوارزمي ومفتاح السعادة لطا شكبري زاده وكشف الظنون لحاجي خليفة.

    علم الكلام

    قال أبو الخير في الموضوعات : هو علم يقتدر به على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج عليها ودفع الشبه عنها ، وموضوعه ذات الله سبحانه وتعالى وصفاته عند المتقدمين . وقيل : موضوعه الموجود من حيث هو موجود .وعند المتأخرين ، موضوعه المعلوم من حيث ما يتعلق به من إثبات العقائد الدينية متعلقا قريبا ، أو بعيدا ، أو أرادوا بالدينية المنسوبة إلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم انتهى ملخصا .والكتب المؤلفة فيه كثيرة ذكرها صاحب كشف الظنون .وللسيد الإمام العلامة محمد بن الوزير كتاب ( ترجيح أساليب القرآن لأهل الإيمان على أساليب اليونان ) وبيان ذلك بإجماع الأعيان بأوضح التبيان وكتاب البرهان القاطع في إثبات الصانع وجميع ما جاءت به الشرائع رد في هذين الكتابين على المتكلمين ، والكلام ، وأثبت أن جميع مسائل هذا العلم تثبت بالسنة والقرآن ولا يحتاج معهما إلى قوانين المتكلمين وقواعد الكلام وهما نفيسان جدا وما أحسن ما قال الغزالي في 'الإحياء' .وحاصل ما يشتمل عليه علم الكلام من الأدلة التي ينتفع بها فالقرآن والأخبار مشتملة عليه وما خرج عنهما ، فهو إما مجادلة مذمومة وهي من البدع ، وإما مشاغبة بالتعلق بمناقضات الفرق وتطويل بنقل المقالات التي أكثرها ترهات وهذيانات تزدريها الطباع ، وتمجها الأسماع ، وبعضها خوض فيما لا يتعلق بالدين ، ولم يكن شيئا منها مألوفا في العصر الأول وكان الخوض فيه بالكلية من البدع انتهى .قال ابن خلدون : علم الكلام هو علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية ، والرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف ، وأهل السنة ، وسر هذه العقائد الإيمانية هو التوحيد فلنقدم هنا لطيفة في برهان عقلي يكشف لنا عن التوحيد على أقرب الطرق والمآخذ ثم نرجع إلى تحقيق علمه وفيما ينظر ويشير إلى حدوثه في الملة وما دعا إلى وضعهفنقول إن الحوادث في عالم الكائنات سواء كانت من الذوات أو من الأفعال البشرية أو الحيوانية فلا بد لها من أسباب متقدمة عليها بها تقع في مستقر العادة وعنها يتم كونه وكل واحد من هذه الأسباب حادث أيضاً فلا بد له من أسباب أخر ولا تزال تلك الأسباب مرتقية حتى تنتهي إلى مسبب الأسباب ، وموجدها وخالقها سبحانه لا إله إلا هو وتلك الأسباب في ارتقائها تتفسح وتتضاعف طولا وعرضا ، ويحار العقل في إدراكها وتعديدها فإذا لا يحصرها إلا العلم المحيط سيما الأفعال البشرية والحيوانية ، فإن من جملة أسبابها في الشاهد المقصود ، والإرادات إذ لا يتم كون الفعل إلا بإرادته والقصد إليه .والقصود والإرادات أمور نفسانية ناشئة في الغالب عن تصورات سابقة يتلو بعضها بعضا ، وتلك التصورات هي أسباب قصد الفعل ، وقد تكون أسباب تلك التصورات تصورات أخرى وكل ما يقع في النفس من التصورات مجهول سببه إذ لا يطلع أحد على مبادئ الأمور النفسانية ولا على ترتيبها ، إنما هي أشياء يلقيها الله في الفكر يتبع بعضها بعضا والإنسان عاجز عن معرفة مباديها وغاياتها ، وإنما يحيط علما في الغالب بالأسباب التي هي طبيعية ظاهرة يوقع في مداركها على نظام وترتيب لأن لا طبيعة محصورة للنفس وتحت طورها .وأما التصورات فنطاقها أوسع من النفس لأنها للعقل الذي هو فوق طور النفس فلا تدرك الكثير منها فضلا عن الإحاطة بها ، وتأمل من ذلك حكمة الشارع في نهيه عن النظر إلى الأسباب والوقوف معها فإنه واد يهيم فيه الفكر ولا يحلو منه بطائل ولا يظفر بحقيقة ( قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون ) وربما انقطع في وقوفه عن الارتقاء إلى ما فوقه فزلت قدمه وأصبح من الضالين الهالكين نعوذ بالله من الحرمان والخسران المبين .ولا تحسبن أن هذا الوقوف أو الرجوع عنه في قدرتك واختيارك بل هو لون يحصل للنفس وصبغة تستحكم من الخوض في الأسباب على نسبة لا نعلمها إذ لو عملناها لتحرزنا منها ، فلنتحرز من ذلك بقطع النظر عنها جملة وأيضاً فوجه تأثير هذه الأسباب في الكثير من مسبباتها مجهول لأنها إنما يوقف عليها بالعادة لاقتران الشاهد بالاستناد إلى الظاهر ، وحقيقة التأثير وكيفية مجهولة ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) فلذلك أمرنا بقطع النظر عنها وإلغائها جملة والتوجه إلى مسبب الأسباب كلها ، وفاعلها ، وموجدها لترسخ صفة التوحيد في النفس على ماعلمنا الشارع الذي هو أعرف بمصالح ديننا وطرق سعادتنا لاطلاعه على ما وراء الحس قال صلى الله عليه وآله وسلم :( من مات يشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة ) فإن وقف عند تلك الأسباب فقد انقطع وحقت عليه كلمة الكفر ، وإن سبح في بحر النظر والبحث عنها وعن أسبابها وتأثيراتها واحدا بعد واحد فأنا الضامن له أن لا يعود إلا بالخيبة فلذلك نهانا الشارع عن النظر في الأسباب وأمرنا بالتوحيد المطلق ، ( قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) .ولا تثقن بما يزعم لك الفكر من أنه مقتدر على الإحاطة بالكائنات وأسبابها ، والوقوف على تفصيل الوجود كله وسفه رأيه في ذلك .واعلم أن الوجود عند كل مدرك في بادئ رأيه منحصر في مداركه لا يعدوها ، والأمر في نفسه بخلاف ذلك ، والحق من ورائه ، ألا ترى الأصم كيف ينحصر الوجود عنده في المحسوسات الأربع والمعقولات ، ويسقط من الوجود عنده صنف المسموعات .وكذلك الأعمى أيضاً يسقط عنده صنف المرئيات .ولولا ما يردهم إلى ذلك تقليد الآباء هذه الأصناف لا بمقتضى فطرتهم ، وطبيعة إدراكهم ولو سئل الحيوان الأعجم ونطق لوجدناه منكرا للمعقولات ، وساقطة لديه بالكلية ، فإذا علمت هذا فلعل هناك ضربا من الإدراك غير مدركاتنا لأن إدراكاتنا مخلوقة محدثة ، وخلق الله أكبر من خلق الناس ، والحصر مجهول الوجود أوسع نطاقا من ذلك والله من ورائهم محيط ، فاتهم إدراكك ومدركاتك في الحصر واتبع ما أمرك الشارع به من اعتقادك وعملك فهو أحرص على سعادتك ، واعلم بما ينفعك لأنه من طور فوق إدراكك ، ومن نطاق أوسع من نطاق عقلك ، وليس ذلك بقادح في العقل ومداركه بل العقل ميزان صحيح فأحكامه يقينية لا كذب فيها غير أنك لا تطمع أن تزن به أمور التوحيد والآخرة ، وحقيقة النبوة ، وحقائق الصفات الإلهية ، وكل ما وراء طوره فإن ذلك طمع في محال .ومثال ذلك : مثال رجل رأى الميزان الذي يوزن به الذهب ، فطمع أن يزن به الجبال ، وهذا لا يدرك على أن الميزان في أحكامه غير صادق ، لكن العقل قد يقف عنده ولا يتعدى طوره حتى يكون له أن يحيط بالله وبصفاته ، فإنه ذرة من ذرات الوجود الحاصل منه ، وتفطن في هذا الغلط من يقدم العقل على السمع في أمثال هذه القضايا ، وقصور فهمه ، واضمحلال رأيه ، فقد تبين لك الحق من ذلك .إذا تبين ذلك فلعل الأسباب إذا تجاوزت في الارتقاء نطاق إدراكنا ووجودنا خرجت عن أن تكون مدركة ، فيضل العقل في بيداء الأوهام ويحار وينقطع ، فإذا التوحيد هو العجز عن إدراك الأسباب وكيفيات تأثيرها وتفويض ذلك إلى خالقها المحيط بها إذ لا فاعل غيره وكلها ترتقي إليه ، وترجع إلى قدرته ، وعلمنا به إنما هو من حيث صدورنا عنه وهذا هو معنى ما نقل عن بعض الصديقين العجز عن الإدراك إدراك .ثم إن المعتبر في هذا التوحيد ليس هو الإيمان فقط الذي هو تصديق حكمي ، فإن ذلك من حديث النفس ، وإنما الكمال فيه حصول صفة منه تتكيف بها النفس كما أن المطلوب من الأعمال والعبادات أيضاً حصول ملكة الطاعات والانقياد وتفريغ القلب عن شواغل ما سوى المعبود ، حتى ينقلب المريد السالك ربانيا .والفرق بين الحال والعلم في العقائد فرق ما بين القول والاتصاف .وشرحه أن كثيرا من الناس يعلم أن رحمة اليتيم والمسكين قربة إلى الله تعالى مندوب إليها ، ويقول بذلك ، ويعترف به ، ويذكر مأخذه من الشريعة ، وهو لو رأى يتيما أو مسكينا من أبناء المستضعفين لفر عنه ، واستنكف أن يباشره فضلا عن التمسح عليه للرحمة وما بعد ذلك من مقامات العطف والحنو والصدقة .فهذا إنما حصل له من رحمة اليتيم مقام العلم ، ولم يحصل له مقام الحال والاتصاف ، ومن الناس من يحصل له مع مقام العلم والاعتراف بأن رحمة المسكين قربة إلى الله تعالى مقام آخر أعلى من الأول وهو الاتصاف بالرحمة وحصول ملكتها ، فمتى رأى يتيما أو مسكينا بادر إليه ومسح عليه والتمس الثواب في الشفقة عليه لا يكاد يصبر عن ذلك ، ولو دفع عنه ثم يتصدق عليه بما حضره من ذات يده وكذا علمك بالتوحيد مع اتصافك وليس الاتصاف ضرورة هو أوثق مبني من العلم الحاصل قبل الاتصاف .وليس الاتصاف بحاصل عن مجرد العلم حتى يقع العمل ويتكرر مرارا غير منحصرة فترسخ الملكة ، ويحصل الاتصاف بحاصل عن مجرد العلم حتى يقع العمل ، ويتكرر مرارا غير منحصرة فترسخ الملكة ، ويحصل الاتصاف والتحقيق ، ويجيء العلم الثاني النافع في الآخرة فان العلم الأول المجرد عن الاتصاف قليل الجدوى ، والنفع وهذا علم أكثر النظار والمطلوب إنما هو العلم الحالي الناشئ عن العادة .واعلم أن الكمال عند الشارع في كل ما كلف به إنما هو في هذا فما طلب اعتقاده فالكمال في العلم الثاني الحاصل عن الاتصاف ، وما طلب عمله من العبادات فالكمال فيها في حصول الاتصاف والتحقق بها ، ثم إن الإقبال على العبادات والمواظبة عليها هو المحصل لهذه الثمرة الشريفة قال صلى الله عليه وسلم في رأس العبادات :( جعلت قرة عيني في الصلاة ) فإن الصلاة صارت له صفة وحالا ، يجد فيها منتهى لذته وقرة عينه ، وأين هذا من صلاة الناس ومن لهم بها ( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ) اللهم وفقنا واهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين .فقد تبين لك من جميع ما قررنا أن المطلوب في التكاليف كلها حصول ملكة راسخة في النفس ، يحصل عنها علم اضطراري للنفس ، هو التوحيد وهو : العقيدة الإيمانية وهو : الذي تحصل به السعادة وإن ذلك سواء في التكاليف القلبية والبدنية ويتفهم منه أن الإيمان الذي هو أصل التكاليف وينبوعها هو بهذه المثابة ذو مراتب :أولها : التصديق القلبي الموافق اللسان .وأعلاها : حصول كيفية من ذلك الاعتقاد القلبي وما يتبعه من العمل مستولية على القلب ، فيستتبع الخوارج وتندرج في طاعتها جميع التصرفات حتى تنخرط الأفعال كلها في طاعة ذلك التصديق الإيماني .وهذا ارفع مراتب الإيمان وهو الإيمان الكامل الذي لا يقارف المؤمن معه صغير ولا كبيرة ، إذ حصول الملكة ورسوخها مانع من الانحراف عن مناهجه طرفة عين ، قال صلى الله عليه وسلم :( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) وفي حديث هرقل لما سأل أبا سفيان بن حرب عن النبي صلى الله عليه وسلم وأحواله فقال في أصحابه : هل يرتد أحد منهم سخطة لدينه ؟ قال : لا ، قال : وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب .ومعناه : أن ملكة الإيمان إذا استقرت عسر على النفس مخالفتها ، شأن الملكات إذا استقرت فإنها تحصل بمثابة الجبلة والفطرة ، وهذه هي المرتبة العالية من الإيمان وهي في المرتبة الثانية من العصمة لأن العصمة واجبة للأنبياء وجوبا سابقا ، وهذه حاصلة للمؤمنين حصولا تابعا لأعمالهم وتصديقهم .وبهذه الملكة ورسوخها يقع التفاوت في الإيمان كالذي يتلى عليك من أقاويل السلف ، وفي تراجم البخاري رضي الله عنه في باب الإيمان كثير منه مثل :أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص ، وأن الصلاة والصيام من الإيمان ، وأن تطوع رمضان من الإيمان ، والحياء من الإيمان ، والمراد بهذا كله الإيمان الكامل الذي أشرنا إليه وإلى ملكته وهو فعلي .وأما التصديق الذي هو أول مراتبه ومن اعتبروا آخر الأسماء وحمله على هذه الملكة التي هي الإيمان الكامل ظهر له التفاوت وليس ذلك بقادح في اتحاد حقيقته الأولى ، التي هي التصديق إذ التصديق موجود في جميع رتبه لأنه أقل ما يطلق عليه اسم الإيمان وهو المخلص من عهدة الكفر والفيصل بين الكافر والمسلم ، فلا يجزى أقل منه وهو في نفسه حقيقة واحدة لا تتفاوت وإنما التفاوت في الحال الحاصلة عن الأعمال كما قلناه فافهم .واعلم أن الشارع وصف لنا هذه الإيمان الذي في المرتبة الأولى الذي هو تصديق وعين أمورا مخصوصة كلفنا التصديق بها بقلوبنا واعتقادها في أنفسنا مع الإقرار بألسنتنا ، وهي العقائد التي تقررت في الدين ، قال صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الإيمان فقال :( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ) وهذه هي العقائد الإيماينة المقررة في علم الكلام .ولنشر إليها بجملة لتتبين لك حقيقة هذا الفن وكيفية حدوثه فنقول :اعلم أن الشارع لما أمرنا بالإيمان بهذا الخالق الذي رد الأفعال كلها إليه وأفرده به كما قدمناه ، وعرفنا أن في هذا الإيمان نجاتنا عند الموت إذا حضرنا لم يعرفنا بكنه حقيقة هذا الخالق المعبود ، إذ ذاك متعذر على إدراكنا ومن فوق طورنا فكلفنا أولا اعتقاد تنزيهه في ذاته عن مشابهة المخلوقين ، وإلا لما صح أنه خالق لهم لعدم الفارق على هذا التقديم ، ثم تنزيهه عن صفات النقص وإلا لشابه المخلوقين ، ثم توحيده بالاتحاد وإلا لم يتم الخلق للتمانع ، ثم اعتقاد أنه عالم قادر ، فبذلك تتم الأفعال شاهد قضيته لكمال الاتحاد والخلق .ومريد وإلا لم يخصص شيء من المخلوقات .ومقدر لكل كائن وإلا فالإرادة حادثة .وأنه يعيدنا بعد الموت .ثم اعتقاد بعثة الرسل لنجاة من شقاء هذا المعاد لاختلاف أحواله بالشقاء والسعادة ، وعدم معرفتنا بذلك ، وتمام لطفه بنا في الإيتاء بذلك وبيان الطريقين وأن الجنة للنعيم وجهنم للعذاب .هذه أمهات العقائد الإيمانية معللة بأدلتها العقلية وأدلتها من الكتاب والسنة كثيرة ، وعن تلك الأدلة أخذها السلف وأرشد إليها العلماء وحققتها الأئمة ، إلا أنه عرض بعد ذلك خلاف في تفاصيل هذه العقائد أكثر مثارها من الآي المتشابهة فدعا ذلك إلى الخصام والتناظر . والاستدلال بالعقل زيادة إلى النقل فحدث بذلك علم الكلام ، ولنبين لك تفصيل هذا المجمل وذلكأن القرآن ورد فيه وصف المعبود بالتنزيه المطلق الظاهر الدلالة من غير تأويل في آي كثيرة وهي سلوب كلها وصريحة في بابها ، فوجب الإيمان بها ووقع في كلام الشارع صلوات الله عليه وكلام الصحابة والتابعين تفسيرها على ظاهرها .ثم وردت في القرآن آي أخر قليلة توهم التشبيه مرة في الذات وأخرى في الصفات .فأما السلف فغلبوا أدلة التنزيه لكثرتها ووضح دلالتها ، وعلموا استحالة التشبيه وقضوا بأن الآيات من كلام الله فآمنوا بها ، ولم يتعرضوا لمعناها ببحث ولا تأويل ، وهذا معنى قول الكثير منهم اقرؤوها كما جاءت ، أي : آمنوا بأنها من عند الله ولا تتعرضوا لتأويلها ، ولا تفسيرها ، لجواز أن تكون ابتلاء فيجب الوقف والإذعان له .وشذ لعصرهم مبتدعة اتبعوا ما تشابه من الآيات وتوغلوا في التشبيه .ففريق أشبهوا في الذات باعتقاد اليد والقدم والوجه عملا بظاهر وردت بذلك فوقعوا في التجسيم الصريح ، ومخالفة آي التنزيه المطلق التي هي أكثر موارد ، وأوضح دلالة لأن معقولية الجسم تقتضي النقص والافتقار ، وتغليب آيات السلوب في التنزيه المطلق ، الذي هي أكثر موارد ، وأوضح دلالة أولى من التعلق بظواهر هذه التي لنا عنها غنية .وجمع بين الدليلين بتأويلهم ثم يفرون من شناعة ذلك بقولهم جسم لا كالأجسام وليس ذلك بدافع لأنه قول متناقض وجمع بين نفي وإثبات إن كان بالمعقولية واحدا من الجسم ، وإن خالفوا بينهما ونفوا المعقولية المتعارفة ، فقد وافقونا في التنزيه ولم يبق إلا جعلهم لفظ الجسم اسما من أسمائه ويتوقف مثله على الأذن .وفريق منهم ذهبوا إلى التشبيه في الصفات كثبات الجبهة ، والاستواء ، والنزول ، والصوت ، والحرف ، وأمثال ذلك ، وآل قولهم إلى التجسيم فنزعوا مثل الأولين إلى قولهم ، وصوت لا كالأصوات ، جهة لا كالجهات ، ونزول لا كالنزول ، يعنون من الأجسام ، واندفع ذلك بما اندفع به الأول ، ولم يبق في هذه الظواهر إلا اعتقادات السلف ومذاهبهم والإيمان بها كما هي لئلا يكر النفي على معانيها بنفيها مع أنها صحيحة ثابتة من القرآن ، ولهذا تنظر ما تراه في عقيدة الرسالة لابن أبي زيد وكتاب المختصر له ، وفي كتاب الحافظ ابن عبد البر وغيرهم فإنهم يحومون على هذا المعنى ، ولا تغمض عينك عن القرائن الدالة على ذلك في غصون كلامهم .ثم لما كثرت العلوم والصنائع ، وولع الناس بالتدوين والبحث في سائر الأنحاء ، وألف المتكلمون في التنزيه حدثت بدعة المعتزلة في تعميم هذا التنزيه في آي السلوب .فقضوا بنفي صفات المعاني من العلم والقدرة والإرادة والحياة زائدة على أحكامها لما يلزم على ذلك من تعدد القديم بزعمهم وهو مردود ، بأن الصفات ليست عين الذات ولا غيرها .وقضوا بنفي السمع والبصر لكونهما من عوارض الأجسام ، وهو مردود ، لعدم اشتراط البينة في مدلول هذا اللفظ وإنما هو إدراك المسموع أو المبصر .وقضوا بنفي الكلام لشبه ما في السمع والبصر ، ولم يعقلوا صفة الكلام التي تقوم بالنفس فقضوا بأن القرآن مخلوق بدعة صرح السلف بخلافها وعظم ضرر هذه البدعة ، ولقنها بعض الخلفاء عن أئمتهم فحمل الناس عليها وخالفهم أئمة السلف فاستحل لخلافهم أيسار كثير منهم ودماءهم كان ذلك سببا لإنتهاض أهل السنة بالأدلة العقلية على هذه العقائد دفعا في صدور هذه البدع .وقام بذلك الشيخ أبو الحسن الأشعري ، ما المتكلمين فوسط بين الطرق ونفي التشبيه ، وأثبت الصفات المعنوية ، وقصر التنزيه على ما قصره عليه السلف ، وشهدت له الأدلة المخصصة لعمومه فأثبت الصفات الأربع المعنوية ، والسمع ، والبصر ، والكلام القائم بالنفس بطريق النقل والعقل ورد على المبتدعة في ذلك كله ، وتكلم معهم فيما مهدوه لهذه البدع من القول بالصلاح ، والأصلح ، والتحسين ، والتقبيح ، وكمل العقائد في البعثة ، وأحوال الجنة ، والنار ، والثواب ، والعقاب ، وألحق بذلك الكلام في الإمامة لما ظهر حينئذ من بدعة الإمامية من قولهم : أنها من عقائد الإيمان وأنه يجب على النبي تعيينها ، والخروج عن العهدة في ذلك لمن هي له ، وكذلك على الأمة .وقصارى أمر الإمامة أنها قضية مصلحية إجماعية لا تلحق بالعقائد فلذلك ألحقوها بمسائل هذا الفن وسموا مجموعة ، علم الكلام .أما لما فيه من المناظرة على البدع وهي كلام صرف وليست براجعة إلى عمل .وأما لأن سبب وضعه والخوض فيه هو تنازعهم في إثبات الكلام النفسي .وكثر اتباع الشيخ أبي الحسن الأشعري ، واقتفى طريقته من بعده تلميذه كابن مجاهد وغيره ، وأخذ عنهم القاضي أبو بكر الباقلاني فتصدر للأمة في طريقتهم وهذبها ووضع المقدمات العقلية التي تتوقف عليها الأدلة والأنظار ، وذلك مثل إثبات الجوهر الفرد ، والخلاء وإن العرض لا يقوم بالعرض وأنه لا يبقى زمانين وأمثال ذلك مما تتوقف عليه أدلتهم وجعل هذه القواعد تبعا للعقائد الإيمانية في وجوب اعتقادها لتوقف تلك الأدلة عليها .وإن بطلان الدليل يؤذن ببطلان المدلول وجملت هذه الطريقة وجاءت من أحسن الفنون النظرية ، والعلوم الدينية إلا أن صور الأدلة تعتبر بها الأقيسة ولم تكن حينئذ ظاهرة في الملة ولو ظهر منها بعض الشيء فلم يأخذ به المتكلمون لملابستها للعلوم الفلسفية المباينة للعقائد الشرعية بالجملة فكانت مهجورة عندهم لذلك .ثم جاء بعد القاضي أبي بكر الباقلاني إمام الحرمين أبو المعالي فأملى في الطريقة كتاب الشامل وأوسع القول فيه ، ثم لخصه في كتاب الإرشاد واتخذه الناس إماما لعقائدهم ، ثم انتشرت من بعد ذلك علوم المنطق في الملة وقرأه الناس وفرقوا بينه وبين العلوم الفلسفية بأنه قانون ومعيار للأدلة فقط يسير به الأدلة منها كما يسير من سواها .ثم نظروا في تلك القواعد والمقدمات في فن الكلام للأقدمين فخالفوا الكثير منها بالبراهين التي أدلت إلى ذلك ، وربما أن كثيرا منها مقتبس من كلام الفلاسفة في الطبيعيات والإلهيات ، فلما سيروها لمعيار المنطق ردهم إلى ذلك فيها ولم يعتقدوا بطلان المدلول من بطلان دليله كما صار إليه القاضي فصارت هذه الطريقة من مصطلحهم مباينة للطريقة الأولى وتسمى طريقة المتأخرين ، وربما أدخلوا فيها الرد على الفلاسفة فيما خالفوا فيه من العقائد الإيمانية وجعلوهم من خصوم العقائد لتناسب الكثير من مذاهب المبتدعة ومذاهبهم .وأول من كتب في طريقة الكلام على هذا المنحى الغزالي رحمه الله ، وتبعه الإمام ابن الخطيب ، وجماعة قفوا أثرهم واعتمدوا تقليدهم ، ثم توغل المتأخرون من بعدهم في مخالطة كتب الفلسفة ، والتبس عليهم شأن الموضوع في العلمين فحسبوه فيها واحدا من اشتباه المسائل فيهما .واعلم أن المتكلمين لما كانوا يستدلون في أكثر أحوالهم بالكائنات وأحوالها على وجود الباري وصفاته ، وهو نوع استدلالهم غالبا والجسم الطبيعي ينظر فيه الفيلسوفي في الطبيعيات وهو بعض من هذه الكائنات إلا أن نظره فيها مخالف لنظر المتكلم وهو ينظر في الجسم من حيث يتحرك ويسكن .والمتكلم ينظر فيه من حيث يدل على الفاعل .وكذا نظر الفيلسوفي في الإلهيات إنما هو نظر في الوجود المطلق وما يقتضيه لذاته .ونظر المتكلم في الوجود من حيث أنه يدل على الموجد ، وبالجملة فموضوع علم الكلام عند أهله إنما هو العقائد الإيمانية بعد فرضها صحيحة من الشرع من حيث يمكن أن يستدل عليها بالأدلة العقلية فترفع البدع وتزول الشكوك والشبه عن تلك العقائد .وإذا تأملت حال الفن في حدوثه وكيف تدرج كلام الناس فيه صدرا بعد صدر وكلهم يفرض العقائد صحيحة ويستنهض الحجج والأدلة علمت حينئذ ما قررناه لك في موضوع الفن وأنه لا يعدوه .ولقد اختلطت الطريقتان عند هؤلاء المتأخرين والتبست مسائل الكلام بمسائل الفلسفة بحيث لا يتميز أحد الفنين من الآخر ولا يحصل عليه طالبه من كتبهم كما فعله البيضاوي في الطوالع ومن جاء بعده من علماء العجم في جميع تآليفهم ، إلا أن هذه الطريقة قد يعني بها بعض طلبة العلم للاطلاع على المذاهب ، والإغراق في معرفة الحجاج لوفور ذلك فيها .وأما محاذاة طريقة السلف بعقائد علم الكلام فإنما هو الطريقة القديمة للمتكلمين وأصلها كتاب الإرشاد وما حذا حذوه .ومن أراد إدخال الرد على الفلاسفة في عقائده فعليه بكتب الغزالي ، والإمام ابن الخطيب ، فإنها وإن وقع فيها مخالفة للاصطلاح القديم فليس فيها من الاختلاط في المسائل ، والالتباس في الموضوع ما في طريقة هؤلاء المتأخرين من بعدم .وعلى الجملة فينبغي أن يعلم أن هذا العلم الذي هو علم الكلام غير ضروري لهذا العهد على طالب العلم إذ الملحدة والمبتدعة قد انقرضوا والأئمة من أهل السنة كفونا شأنهم فيما كتبوا ودونوا ، والأدلة العقلية إنما احتاجوا إليها حين دافعوا ونصروا وأما الآن فلم يبق منها إلا كلام تنزه الباري عن كثير إيهاماته وإطلاقه .ولقد سئل الجنيد رحمه الله عن قوم مر بهم من المتكلمين يفيضون فيه فقال : ما هؤلاء ؟ فقيل : قوم ينزهون الله بالأدلة عن صفات الحدوث وسمات النقص ، فقال : نفي العيب حيث يستحيل العيب عيب .لكن فائدته في آحاد الناس وطلبة العلم فائدة معتبرة إذ لا يحسن بحامل السنة الجهل بالحجج النظرية على عقائدها والله تعالى ولي المؤمنين .

    علم الكون والفساد

    هو علم باحث عن كيفية الأمطار ، والثلوج ، والرعد ، وأمثالها ووجودها في بعض البلاد دون بعض ، وفي بعض الأزمان دون آخر ، وسبب نفع بعضها وضرر الآخر إلى غير ذلك من الأحوال ، ذكره الأرنيقي في كتابه المسمى 'بمدينة العلوم' .

    علم الكهانة

    المراد منه مناسبة الأرواح البشرية مع الأرواح المجردة من الجن ، والشياطين ، والاستعلام بهم عن الأحوال الجزئية الحادثة في عالم الكون والفساد المخصوصة بالمستقبل ، وأكثر ما يكون في العرب .وقد اشتهر فيهم كاهنان أحدهما : شق ، والآخر سطيح ، وقصتهما مشهورة في السير .وقيل كان وجود ذلك في العرب أحد أسباب معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ، لما كان يخبر به ويحث على اتباعه ، كما يحكى منهم أخبار مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ولادته المباركة ، وكونه نبي آخر الزمان وخاتم الأنبياء .وفي هذا الباب حكايات غريبة لا يليق إيرادها بهذا المختصر فمن أراد الإطلاع عليها فعليه بكتب السير ، والتواريخ ، ولا سيما كتاب أعلام النبوة للماوردي ، لكنهم كانوا محرومين بعد بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام من الإطلاع على المغيبات ، ومحجوبين عنها بغلبة نور النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى ورد في بعض الروايات أنه لا كهانة بعد النبوة .فلا يجوز الآن تصديق الكهنة والإصغاء إليهم بل هو من إمارات الكفر والمصدق يكون كافرا لقوله عليه الصلاة والسلام : ( من أتى كاهنا فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد ) .لكن المفهوم من كتاب السر المكتوم للفخر الرازي جواز ذلك في الشرع ، حيث جوز النبي صلى الله عليه وسلم إصابة العين ، وقال : ( العين حق ) .قال الرازي : إن الكهانة على قسمين :قسم يكون من خواص بعض النفوس ، فهو ليس بمكتسب .وقسم يكون بالعزائم ، ودعوة الكواكب ، والاشتغال بهما ، فبعض طرقه مذكورة فيه ، وإن السلوك في هذا الطريق محرم في شريعتنا ، فعلى ذلك وجب الاحتراز عن تحصيله واكتسابه ، والقسم الأول داخل في علم العرافة ، وقد تنبه عليه في محله فلا تغفل .حكي أن السلطان يمين الدولة محمود بن سبكتكين حاصر حصنا فصعب عليه فتحها ، فخرج من ذلك الحصن رجل ، فقال : لا يمنعكم عن فتحها إلا أصحاب الأوهام ، والساكنون فيها ، ولا يمنعهم عن ذلك إلا تشويشهم بما يمنعهم عن توجيه الأوهام من ضروب الطبول المزعجة ، وغلبات العساكر المقلقة ، عند طلوع الشمس ففعلوا كما قاله ، وانفتح لهم الحصن كذا في 'مدينة العلوم' .

    علم كيفية إنزال القرآن

    قال صاحب 'مفتاح السعادة' وفي معرفة كيفية إنزاله ثلاثة أقوال :الأول : وهو الأصح الأشهر أنه نزل إلى سماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة ، ثم نزل بعد ذلك منجما في ثلث أو خمس وعشرين سنة ، على حسب الاختلاف في مدة إقامته بمكة بعد البعثة .الثاني : أنه نزل إلى سماء الدنيا في عشرين ليلة قدرا وثلث وعشرين أو خمس وعشرين في كل ليلة ما يقدر الله إنزاله في كل السنة ، ثم نزل بعد ذلك منجما في جميع السنة ، وهذا القول نقله مقاتل ، وقال به الحليمي والماوردي ، وذكره فخر الدين الرازي بقوله : ويحتمل ثم توقف هل هذا أولى أو الأول ؟ .الثالث : أنه ابتدأ إنزاله ليلة القدر ، ثم نزل بعد ذلك منجما في أوقات مختلفة من سائر الأوقات .واعلم أن العلماء اختلفوا في معنى الإنزال :فمنهم من قال : هو إظهار القراءة .ومنهم قال : ألهم صلى الله عليه وسلم كلامه ، وعلم قراءته .ومنهم من قال : يتلقفه الملك من الله تلقفا روحانيا ، أو يحفظه من اللوح المحفوظ ، فينزل به إلى الرسول ويلقيه عليه .ومنهم من قال : إن الذين يقولون القرآن معنى قائم بذاته يقولون إنزاله إيجاد الكلمات ، والحروف الدالة على ذلك المعنى ، وإثباته في اللوح به .وأما الذين يقولون : إنه اللفظ فإنزاله عندهم مجرد إتيانه في اللوح ثم في المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أقوال :أحدها : أنه اللفظ والمعنى .وثانيها : أن جبرئيل نزل بالمعاني خاصة ، وأنه صلى الله عليه وسلم علمها وعبر عنها بلغة العرب ، وتمسك صاحب هذا القول بظاهر قوله تعالى : ( نزل به الروح الأمين على قلبك ) .وثالثها : أن جبريل ألقى عليه المعنى ، وأنه عبر بهذه الألفاظ بلغة العرب ، وأن أهل السماء يقرؤونه بالعربية ثم نزل به كذلك انتهى .وفيه أقوال غير ذلك إن أردتها وجدتها في التفاسير ، و'حواشي' البيضاوي ، و'الإتقان' للسيوطي رحمهما الله .

    علم الكيمياء

    هو علم يعرف به طرق سلب الخواص من الجواهر المعدنية، وجلب خاصية جديدة إليها، وإفادتها خواصا لم تكن لها، والاعتماد فيه عن أن الفلزات كلها مشتركة في النوعية، والاختلاف الظاهر بينها إنما هو باعتبار أمور عرضية يجوز انتقالها .قال الصفدي في شرح لامية العجم: وهذه اللفظة معربة من اللفظ العبراني، وأصله كيم يه معناه أنه من الله وذكر الاختلاف في شأنه بامتناعه عنهم .وحاصل ما ذكره أن الناس فيه على طريقتين .فقال: كثير ببطلانه منهم الشيخ الرئيس ابن سينا أبطله بمقدمات من كتاب الشفاء، والشيخ تقي الدين أحمد بن تيمية رحمه الله صنف رسالة في إنكاره، وصنف يعقوب الكندي أيضاً رسالة في إبطاله جعلها مقالتين، وكذلك غيرهم لكنهم لم يوردوا شيئاً يفيد الظن لامتناعه فضلاً عن اليقين بل لم يأتوا إلا بما يفيد الاستبعاد .وذهب آخرون إلى إمكانه منهم الإمام فخر الدين الرازي، فإنه في المباحث المشرقية عقد فصلا في بيان إمكانه .والشيخ نجم الدين بن أبي الدر البغدادي رد على الشيخ ابن تيمية، وزيف ما قاله في رسالته .ورد أبو بكر محمد بن زكريا الرازي على يعقوب الكندي رداً غير طائل، ومؤيد الدين أبو إسماعيل الحسين بن علي المعروف بالطغرائي صنف فيه كتبا منها حقائق الإشهادات وبين إثباته ورد على ابن سينا .ثم ذكر الصفدي نبذة من أقوال المثبتين والمنكرين .وقال الشيخ الرئيس: نسلم إمكان صبغ النحاس بصبغ الفضة، والفضة بصبغ الذهب، وأن يزال عن الرصاص أكثر ما فيه من النقص فأما أن يكون المصبوغ يسلب أو يكسى أما الأول فحال وأما الثاني فلم يظهر إلى إمكانه بعد، إذ هذه الأمور المحسوسة يشبه أن لا تكون هي الفصول التي تصير بها هذه الأجساد أنواعا، بل هي أعراض ولوازم وفصولها مجهولة، وإذا كان الشيء مجهولا كيف يمكن أن يقصد قصد إيجاد أو إفناء .وذكر الإمام حججا أخرى للفلاسفة على امتناعه، وأبطل بعد ذلك ما قرره الشيخ وغيره، وقرر إمكانه واستدل في الملخص أيضاً على إمكانه فقال :الإمكان العقلي ثابت، لأن الأجسام مشتركة الجسمية، فوجب أن يصح على كل واحد منها ما يصح على الكل على ما ثبت .وأما الوقوع فلأن انفصال الذهب عن غيره باللون والرزانة، وكل واحد منهما يمكن اكتسابه، ولا منافاة بينهما نعم الطريق إليه عسير .وحكى أبو بكر بن الصائغ المعروف بابن ماجة الأندلسي في بعض تآليفه عن الشيخ أبي نصر الفارابي أنه قال: قد بين أرسطو في كتابه من المعادن أن صناعة الكيمياء داخلة تحت الإمكان إلا أنها من الممكن الذي يعسر وجوده بالفعل، اللهم إلا أن تتفق قرائن يسهل بها الوجود وذلك أنه فحص عنها أولا على طريق الجدل، فأثبتها بقياس، وأبطلها بقياس على عادته فيما يكثر عناده من الأوضاع، ثم أثبتها أخيرا بقياس ألفه من مقدمتين بينهما في أول الكتاب .وهما أن الفلزات واحدة بالنوع والاختلاف الذي بينها ليس في ماهياتها، وإنما هو في أعراضها فبعضه في أعراضها الذاتية وبعضه في أعراضها العرضية .والثانية: أن كل شيئين تحت نوع واحد اختلفا بعرض فإنه يمكن انتقال كل واحد منهما إلى الآخر فإن كان العرض ذاتيا عسر الانتقال، وإن كان مفارقا سهل الانتقال، والعسير في هذه الصناعة إنما هو لاختلاف أكثر هذه الجواهر في أعراضها الذاتية، ويشبه أن يكون الاختلاف الذي بين الذهب والفضة يسير جدا، انتهى كلامه .وقال الإمام شمس الدين محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاري: إذا أراد المدبر أن يصنع ذهبا نظير ما صنعته الطبيعة من الزيبق والكبريت الظاهرين فيحتاج إلى أربعة أشياء :كمية كل واحد من ذنيك الجزئين .وكيفيته .ومقدار الحرارة الفاعلة للطبخ .وزمانه، وكل واحد منها عسر التحصيل .وأما إن أراد ذلك بأن يدبر دواء، وهو المعبر عنه بالإكسير مثلا ويلقيه على الفضة ليمتزج بها ويستقر خالدا حال جميع المعدنيات، وخواصها، وإن استخرجه بالقياس فمقدماته مجهولة ولا خفاء في عسر ذلك ومشقته، انتهى .وقال الصفدي: زعم الطبيعون في علة كون الذهب في المعدن إن الزيبق لما كمل طبخه جذبه إليه كبريت المعدن فاجنه في جوفه لئلا يسيل سيلان الرطوبات، فلما اختلطا واتحدا وزالت الحرارة الفاعلة للطبخ، وزمان تكون الذهب، وكل منهما عسر التحصيل .وأما إن أراد ذلك بأن يدبر دواء وهو المعبر عنه بالإكسير مثلا ويلقيه على الفضة في طبخها ونضجها، انعقد من ذلك ضروب المعادن، فإن كان الزئبق صافيا، والكبريت نقيا، واختلطت أجزاؤهما على النسبة، وكانت حرارة المعدن معتدلة، لم يعرض لها عارض من البرد واليبس، ولا من الملوحات، والمرارت، والحموضات انعقد من ذلك على طول الزمان الذهب الإبريز .وهذا المعدن لا يتكون إلا في البراري الرملة والأحجار الرخوة، ومراعاة الإنسان النار في عمل الذهب بيده على مثل هذا النظام مما تشق معرفة الطريق إليه والوصول إلى غايته :

    فيا دارها بالخيف إن مزراها ........ قريب ولكن دون ذلك أهوال

    وذكر يعقوب الكندي في رسالته: تعذر فعلل الناس لما انفردت الطبيعة بفعله، وخداع أهل هذه الصناعة، وجهلهم، وبطل دعوى الذين يدعون صنعة الذهب والفضة .قال المنكرون: لو كان الذهب الصباغي مثلا للذهب الطبيعي لكان ما بالصناعة مثلا لما بالطبيعة، ولو جاز ذلك لجاز أن يكون ما بالطبيعة مثلا لما بالصناعة، فكنا نجد سيفا، أو سريرا، أو خاتما بالطبيعة وذلك باطل .وقالوا أيضاً: الجواهر الصابغة إما أن تكون أصبر على النار من المصبوغ، أو يكون المصبوغ أصبر أو تكونا متساويين .فإن كان الصابغ أصبر وجب أن يكون المصبوغ أصبر، ووجب أن يفنى الصابغ ويبقى المصبوغ على حاله الأول عريا من الصبغ .وإن تساويا في الصبر على النار فهما من جنس واحد لاستوائهما في المصابرة عليها، فلا يكون أحدهما صابغا ولا مصبوغا وهذه الحجة الثانية من أقوى حجج المنكرين .والجواب من المثبتين عن الأولى: إنا نجد النار تحصل بالقدح واصطكاك الأجرام والريح تحصل بالمراوح، وأكواز الفقاع، والنوشادر قد تتخذ من الشعر، وكذلك كثير من الزاجات ثم بتقدير أن لا يوجد بالطبيعة ما لا يوجد بالصناعة، لا يلزمنا الجزم بنفي ذلك ولا يلزمنا من إمكان حصول الأمر الطبعي بالصناعة إمكان العكس بل الأمر موقوف على الدليل .وعن الثانية: أنه لا يلزم من استواء الصابغ. والمصبوغ على النار استواؤهما في الماهية لما عرفت أن المختلفين يشتركان في بعض الصفات وفي هذا الجواب نظر .وحكى بعض من أنفق عمره في الطلب أن الطغرائي ألقى المثقال من الإكسير أولا على ستين ألف مثقال من معدن آخر فصار ذهبا، ثم أنه ألقى آخر المثقال على ثلاثمائة ألف، وأن مر يانس الراهب معلم خالد بن يزيد ألقى المثقال على ألف ألف ومائتي ألف مثقال، وقالت مارية القبطية: والله لولا الله لقلت أن المثقال بملأ ما بين الخافقين. والجواب الفصل ما قاله الغزي.

    كجوهر الكيمياء ليس ترى ........ من ناله والأنام في طلبه

    وصاحب الشذور من جملة أئمة هذا الفن صرح بأن نهاية الصبغ إلقاء الواحد على الألف في قوله:

    فعاد بلطف الحل والعقد جوهرا ........ يطاع في النيران واحده الألفا

    وزعم بعضهم أن المقامات للحريري، وكليلة ودمنة، رموز في الكيمياء، ويزعمون أن الصناعة مرموزة في صورة البراري، وقد كتب بعض من جرب وتعب وأقلقه الجد وظن أن جدها لعب على مصنفات جابر تلميذ إمام جعفر الصادق:

    هذا الذي مقاله ........ غر الأوائل والأواخر

    ما أنت إلا كاسر ........ كذب الذي سماك جابر

    وكان قد شغل نفسه بطلب الكيمياء، فأفنى بذلك عمره .وذكر الصفدي أن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، وإمام الحرمين كان كل منهما مغرى به .واعلم أن المعتنين به بعضهم يدبر مجموع الكبريت والزيبق في حر النار لتحصل امتزاجات كثيرة في مدة يسيرة لا يحصل في المعدن إلا في زمان طويل، وهذا أصعب الطرق لأنه يحتاج إلى عمل شاق .وبعضهم يؤلف المعادن على نسبة أوزان الفلزات وحجمها .وبعضهم يجهل القياس فيحصل لهم الاشتباه والالتباس، فيستمدون بالنباتات، والجمادات، والحيوانات، كالشعر، والبيض، والمرارة، وهم لا يهتدون إلى النتيجة .ثم إن الحكماء أشاروا إلى طريقة صنعة الإكسير على طريق الأحاجي، والألغاز، والتعمية، لأن في كتمه مصلحة عامة فلا سبيل إلى الاهتداء بكتبهم والله يهدي من يشاء .قال أبو الأصبع عبد العزيز بن تمام العراقي يشير إلى مكانة الواصل لهذه الحكمة:

    فقد ظفرت بما لم يؤته ملك ........ لا المنذران ولا كسرى بن ساسان

    ولا ابن هند ولا النعمان صاحبه ........ ولا ابن ذي يزن في رأس غمدان

    قال الجلدكي في شرح المكتسب بعد أن بين انتسابه إلى الشيخ جابر وتحصيله في خدمته: وبالله تعالى أقسم أنه أراد بعد ذلك أن ينقلني عن هذا العلم مرارا عديدة ويورد علي الشكوك، يريد لي بذلك الإضلال بعد الهداية، ويأبى الله إلا ما أراد .فلما فهمت مراده وعلمت أن الحسد قد داخله مني حصرته في ميدان البحث، ومددت إليه سنان اللسان، وعجز عن القيام بسيف الدليل، ونادى عليه برهان الحق بالإفحام، فجنح للسلم، وقام واعتنقني، وقال :إنما أردت أن اختبرك وأعلم حقيقة مكان الإدراك منك، ولتكن من أهل هذا العلم على حذر ممن يأخذه عنك .واعلم أن من لا مفترض علينا كتمان هذا العلم وتحريم إذاعته لغير المستحق من بني نوعنا، وأن لا نكتمه عن أهله لأن وضع الأشياء في محالها من الأمور الواجبة ولأن في إذاعته خراب العالم وفي كتمانه عن أهله تضييع لهم .وقد رأينا أن الحكمة صارت في زماننا مهدمة البنيان لا سيما وطلبة هذا الزمان من أجهل الحيوان قد اجتمعوا على المحال، فإنهم ما بين سوقة وباعة، وأصحاب دهاء وشعبذة، لا يدرون ما يقولون، فأخذوا يتذاكرون الفقر،

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1