Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد
سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد
سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد
Ebook466 pages4 hours

سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد هو كتاب في السيرة النبوية، من تصنيف الإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي يعتبر الكتاب من أضخم ما ألف في السيرة، فهو يعد موسوعة بكل ما تعنيه الكلمة، وقد أراد منه مؤلفه أن يستوعب فيه كل ما سبقه من مصنفات السيرة، حيث يقول في مقدمته للكتاب: «فهذا كتاب اقتضبته من أكثر من ثلاثمائة كتاب»، وقد حرص على توخي الدقة والصواب فيه
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJul 30, 1902
ISBN9786866184597
سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

Related to سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

Related ebooks

Related categories

Reviews for سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد - الشمس الشامي

    الغلاف

    سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

    الجزء 15

    الشمس الشامي

    942

    سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد هو كتاب في السيرة النبوية، من تصنيف الإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي يعتبر الكتاب من أضخم ما ألف في السيرة، فهو يعد موسوعة بكل ما تعنيه الكلمة، وقد أراد منه مؤلفه أن يستوعب فيه كل ما سبقه من مصنفات السيرة، حيث يقول في مقدمته للكتاب: «فهذا كتاب اقتضبته من أكثر من ثلاثمائة كتاب»، وقد حرص على توخي الدقة والصواب فيه

    مرض رسول الله

    صلّى الله عليه وسلّم - ووفاته

    الباب الأول في كثرة أمراضه - صلّى الله عليه وسلّم -

    روى أبو يعلى بسند جيد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان عرق الكلية وهي الخاصرة تأخذ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - شهرا ما يستطيع أن يخرج للناس، ولقد رأيته يكرب حتى آخذ بيده فأتفل فيها بالقرآن ثم أكبها على وجهه ألتمس بذلك بركة القرآن وبركة يد رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فأقول يا رسول الله إنك مجاب الدعوى فادع الله يفرج عنك ما أنت فيه فيقول: (يا عائشة أنا أشد الناس بلاء) .وروى ابن السني، وأبو نعيم عنها: (أن الخاصرة كانت تنهز رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فكنا ندعوها عرق الكلية) .وروى أبو يعلى - بسند ضعيف عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (مات رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - من ذاب الجنب) .قال الحافظ بهاء الدين محمد بن أبي البوصيري في (إتحاف المهرة) إنه حديث منكر فقد ثبت في الصحيح أن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال: (ذلك ما كان الله يعذبني به) .وروى الحاكم وصححه عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - (أن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - كانت تأخذه الخاصرة فيشتد به جدا فاشتدت به حتى أغمي عليه وفزع الناس إله فظننا أن به ذات الجنب فلددناه ثم سري عن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - وأفاق فعرف أنه قد لد فقال: (ظننتم أن الله قد سلطها علي ما كان ليفعل إنها من الشيطان وما كان الله ليسلطه علي) .وروى البخاري وابن سعد والحاكم وابن جرير عن عائشة وابن سعد عن أم سلمة وابن سعد عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - قالوا: (كانت تأخذ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - الخاصرة فاشتدت به فأغمي عليه حتى ظننا أنه قد مات فلددناه فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني فقلنا: كراهية المريض للدواء فلما أفاق. قال: (ألم أنهكم أن تلدوني). - وفي لفظ - (أما إنكم لددتموني وأنا صائم) ثم قال: (أكنتم ترون أن الله يسلط علي ذات الجنب ما كان الله ليجعل لها علي سلطانا إن ذات الجنب من الشيطان والله لا يبقي في البيت أحد إلا لد وأنا أنظر، إلا العباس فإنه لم يشهدكم فما بقي أحد في البيت إلا لد ولددنا ميمونة وهي صائمة) .وروى ابن إسحاق - بسند فيه متهم وهو علي - عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت (تمادى على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - وجعه وهو يدور على نسائه في بيت ميمونة فاجتمع إليه أهله فقال العباس: إنا لنرى برسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - ذات الجنب لألدنه فلدوه وأفاق رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقال: (من فعل هذا ؟) قالوا: عمك العباس تخوف أن يكون بك ذات الجنب فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: (إنها من الشيطان وما كان الله ليسلطه علي لا يبقى في البيت أحد إلا لددتموه إلا عمي العباس) فلد أهل البيت كلهم حتى ميمونة وإنها لصائمة يومئذ وذلك بعين رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - .قلت: ولا منافاة بين حديث أبي يعلى وهذين الحديثين: لأن في ذات الجنب تطلق بإزاء مرضين .أحدهما: ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن .والآخر: ريح محتقن بين الأضلاع، فالأول هو المنفي هنا، والثاني هو الذي أثبت في حديث أبي يعلى وليس فيه محذور كالأول .( اللدود) بفتح اللام وبدالين مهملتين أن تجعل الدواء في أحد جانبي الفم، وكان الذي لدوه به العود الهندي، والزيت والورس.

    الباب الثاني في نعي الله تعالى إلى رسوله - صلّى الله عليه وسلّم - نفسه الشريفة

    قال الله تعالى: (إنك ميت وإنهم ميتون) (الزمر 30) .وقال عز وجل: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون) ؟(الأنبياء 34) وقال تعالى تقدس اسمه (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة) (آل عمران 185) الآيات .وقال تبارك وتعالى: (كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون) (الأنبياء 35) .وقال سبحانه وتعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين) (آل عمران 144) .وقال تبارك وتعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) (النصر 1 - 3) .وروى ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر والبزار وأبو يعلى وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: نزلت على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أوسط أيام التشريق بمنى وهو في حجة الوداع (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا) (النصر 1 - 3) حتى ختمها فعرف رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أنه الوداع فخطب الناس خطبة أمرهم فيها ونهاهم .وروى الإمام أحمد والبلاذري وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال: لما نزلت (إذا جاء نصر الله والفتح) (النصر 1) قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: (نعيت إلي نفسي وقرب أجلي) .وروى النسائي وعبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عنه قال: لما نزلت (إذا جاء نصر الله والفتح) نعيت إلى رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - نفسه حتى أنزلت فأخذني أشد ما يكون اجتهادا في أمر الآخرة .وروى الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم عن الفضيل بن عياض قال: لما نزلت (إذا جاء نصر الله والفتح) (النصر 1) إلى آخر السورة قال محمد - صلّى الله عليه وسلّم -: (يا جبريل نعيت إلي نفسي) قال جبريل: (الآخرة خير لك من الأولى) .وروى ابن سعد عن الحسن البصري - رحمه الله تعالى - قال: لما نزلت على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - (إذا جاء نصر الله والفتح) إلى آخرها قال قرب لرسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أجله وأمر بكثرة التسبيح والاستغفار .وروى عبد الرزاق والشيخان وابن سعد عن عائشة وابن جرير وابن مردويه عن أم سلمة وعبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر والحاكم عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - منذ نزلت عليه السورة كان لا يقوم ولا يقعد ولا يذهب ولا يجيء إلا قال: وفي لفظ لعائشة: كان يكثر في آخر عمره من قول: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم) ويقول ذلك في ركوعه وسجوده يتأول القرآن يعني (إذا جاء نصر الله والفتح) (النصر 1) قالت عائشة: فقلت له: يا رسول الله إنك تكثر من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليك ما لم تكن تفعله قبل اليوم، فقال: (إن ربي كان أخبرني بعلامة في أمتي فقال إذا رأيتها فسبح بحمد ربك واستغفره فقد رأيتها) (إذا جاء نصر الله والفتح) (النصر 1) إلى آخر السورة .وروى ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أم حبيبة - رضي الله تعالى عنها - قالت: لما نزلت (إذا جاء نصر الله والفتح) قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: (إن الله لم يبعث نبيا إلا عمر في أمته شطر ما عمر النبي الماضي قبله، وإن عيسى ابن مريم كان عمره أربعين سنة في بني إسرائيل، وهذه لي عشرون سنة وأنا ميت في هذه السنة فبكت فاطمة فقال النبي - صلّى الله عليه وسلّم -: (وأنت أول هل بيتي لحوقا بي) فتبسمت .وروى الطبراني والحاكم والطحاوي والبيهقي بسند صحيح عن فاطمة الزهراء - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال: (إنه لم يكن نبي إلا عاش من بعده نصف عمر الذي كان قبله وإن عيسى ابن مريم عاش عشرين ومائة سنة، ولا أراني إلا ذاهبا على رأس الستين. يا بنية إنه ليس منا من نساء المسلمين امرأة أعظم ذرية منك فلا تكوني من أدنى امرأة صبرا، إنك أول أهل بيتي لحوقا بي وإنك سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من البتول مريم بنت عمران) .وروى إسحاق بن راهويه وابن سعد عن يحيى بن جعدة أن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال: (يا فاطمة إنه لم يبعث نبي إلا عمر نصف الذي كان قبله (وإن عيسى ابن مريم بعث رسولا لأربعين وإني بعثت لعشرين) .وروى البخاري في (تاريخه) عن زيد بن أرقم - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: (ما بعث الله نبيا إلا عاش نصف ما عاش الذي كان قبله) .وروى ابن سعد عن يزيد بن زياد أن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال في السنة التي قبض فيها لعائشة - رضي الله تعالى عنها -: (إن جبريل كان يعرض علي القرآن في كل سنة مرة فقد عرض علي العام مرتين وإنه لم يكن نبي إلا عاش نصف عمر أخيه الذي كان قبله عاش عيسى ابن مريم مائة وخمسا وعشرين سنة وهذه اثنتان وستون سنة، ومات في نصف السنة) .وروى أبو يعلى من طريق الحسين بن علي بن الأسود وباقي رجاله ثقات عن يحيى بن جعدة قال: قالت فاطمة - رضوان الله تعالى عليها - قال لي رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: (إن عيسى ابن مريم مكث في بني إسرائيل أربعين سنة) .تنبيه: قال البيهقي كذا في هذه الرواية .وقد ورد عن ابن المسيب أن عيسى حين رفع كان ابن ثلاث وثلاثين سنة .وعن وهب بن منبه: اثنان وثلاثون سنة، فإن صح قول ابن المسيب وابن وهب فالمراد من الحديث والله تعالى أعلم: ما بقي في الأرض بعد نزوله من السماء والله تعالى أعلم .قلت: لم يصح ما نقله عن سعيد ووهب وقد بسطت الكلام على ذلك في باب (. ..) فراجعه .وقال الحافظ ابن حجر بعد إيراده في (المطالب العالية ): حديث يحيى بن جعدة معناه عمره في النبوة.

    الباب الثالث في عرضه - صلّى الله عليه وسلّم - القرآن على جبريل - عليه الصلاة والسلام - في العام الذي مات فيه مرتين ونعيه - صلّى الله عليه وسلّم - نفسه لأصحابه .

    روى الإمام أحمد وابن سعد عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يعرض القرآن على جبريل في كل رمضان فلما كان في العام الذي مات فيه عرضه عليه مرتين) .وروى البخاري عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يعتكف في كل شهر رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي توفي فيه عكف عشرين يوما وكان جبريل يقرأ عليه القرآن مرة كل رمضان فلما كان العام الذي توفيه فيه عرضه عليه مرتين .وروى الشيخان عن فاطمة الزهراء - رضي الله تعالى عنها - أنها أسر إليها رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقال: (إن جبريل كان يعارضني القرآن كل عام مرة وإنه عارضني به العام مرتين ولا أرى أجلي إلا قد قرب فاتقي الله واصبري فإني نعم السلف أنا لك) .وروى مسلم عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال رأيت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يرمي الجمار فوقف وقال: (لتأخذوا عني مناسككم فلعلي لا أحج بعد عامي هذا) .وروى ابن مردويه عن معاوية بن أبي سفيان والإمام أحمد وابن سعد وأبو يعلى والطبراني بسند صحيح عن واثلة بن الأسقع - رضي الله تعالى عنهما - قالا: خرج علينا رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقال: أتزعمون أني من آخركم وفاة قلنا: أجل، قال: فإني من أولكم وفاة وتتبعوني أفنادا يهلك بعضكم بعضا) .وروى ابن سعد عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: (إني أوشك أن أدعى فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما) .وروى ابن سعد عن عكرمة مرسلا قال: قال العباس: لأعلمن ما بقاء رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فينا فقال له: يا رسول الله لو اتخذت عرشا فإن الناس قد آخوك، فقال (والله لا أزال بين ظهرانيهم ينازعوني ردائي ويصيبني غبارهم حتى يكون الله يريحني منهم )! قال العباس: فعرفنا أن بقاء رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فينا قليل .وروى البزار عن ابن العباس - رضي الله تعالى عنه - قال رأيت في المنام كأن الأرض تنزع إلى السماء بأشطان شداد، فقصصت ذلك على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقال: (ذاك وفاة ابن أخيك) .أفناد قال في القاموس أي: تتبعوني ذوي فند: أي ذوي عجز وكفر للنعمة والأشطان: بشين جمع شطن بشين معجمة فطاء مهملة: فنون الحبل.

    الباب الرابع فيما جاء أنه خير بين أن يبقى حتى يرى ما يفتح على أمته وبين التعجيل واستغفاره - صلّى الله عليه وسلّم - لأهل البقيع

    وروى ابن إسحاق والإمام أحمد وابن سعد والبيهقي عن أبي مويهبة والإمام أحمد وابن سعد والبيهقي عن أبي رافع موليا رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - رضي الله تعالى عنهما - واللفظ لأبي مويهبة - قال: أمر رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أن يصلى على أهل البقيع فصلى عليهم ثلاث مرات، فلما كان في الثانية هبني من جوف الليل فقال: (يا أبا مويهبة إني أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فاسرج لي دابتي) قال: فركب ومشيت حتى انتهى إليهم فنزل عن دابته، وأمسكت الدابة، فلما وقف بين أظهرهم قال: (السلام عليكم يا أهل المقابر ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح فيه الناس، لو تعلمون ما نجاكم الله منه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضا بعضا، يتبع آخرهم أولها، الآخرة شر من الأولى)، ثم أقبل علي وقال: (يا أبا مويهبة إني قد أتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة. فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة) قال: قلت بأبي أنت وأمي فخذ مفاتيح الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، قال: (لا والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي والجنة) ثم استغفر لأهل البقيع، ثم انصرف، فبدأ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في وجعه الذي قبضه الله عز وجل فيه حين أصبح .وروى ابن سعد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قام رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - ذات ليلة فلبس ثيابه ثم خرج، فأمرت خادمتي بريرة، فتبعته حتى إذا جاء البقيع وقف في أدناه ما شاء الله أن يقف ثم انصرف فسبقته بريرة فأخبرتني فلم أذكر له شيئاً حتى أصبح، ثم ذكرت له ذلك فقال (إني بعثت لأهل البقيع لأصلي عليهم) .وروى أيضاًعنها قالت: فقدت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - من الليل فإذا هو بالبقيع فقال: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم لنا فرط أتانا الله وأتاكم ما توعدون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم) قالت: ثم التفت إلي فقال: (ويحها لو تستطيع ما فعلت) .وروى الإمام أحمد والشيخان عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال: خطب رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقال: (إن عبدا خيره الله تعالى بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله)، فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه فكان المخير رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - وكان أبو بكر هو أعلمنا به فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: (لا تبك يا أبا بكر إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام، لا يبقى باب في المسجد إلا سد إلا باب أبي بكر) .وروى عبد الرزاق بسند جيد قوي عن طاووس مرسلا قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: (نصرت بالرعب وأعطيت الخزائن، وخيرت بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتي وبين التعجيل فاخترت التعجيل) .وروي عن عقبة بن عامر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات ثم طلع على المنبر فقال: (إني بين أيديكم فرط، وأنا عليكم شهيد! وإن موعدكم الحوض وإني لأنظر إليه وأنا في مقامي هذا، لست أخشى عليكم أن تشركوا، ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها) .قال عقبة: وكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - .تنبيه: (هب من نومه) هب بضم الهاء وأهببته أي استيقظته وأنبهته من نومه وانتبه بمعناه .القطع: بكسر القاف وسكون الطاء ظلمة آخر الليل.

    الباب الخامس في ابتداء مرضه - صلّى الله عليه وسلّم - وسؤال أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - أن يمرضه في بيته

    قال ابن إسحاق: لما قفل رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - من حجة الوداع أقام بالمدينة ذا الحجة، والمحرم، وصفر. وضرب على الناس بعث أميره أسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنه - وقد تقدم ذكر ذلك في جماع أبواب بعوثه فبينا الناس على ذلك إذ ابتدأ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - بشكواه الذي قبضه الله تعالى فيه إلى ما أراده به من رحمة وكرامة في ليال بقين من صفر، أو في أول ربيع الأول صبيحة ليلة خروجه البقيع ليلا مع أبي مويهبة، فلما أصبح ابتدأ بمرضه من يومه ذلك .وروى ابن سعد عن محمد بن عمر عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن جده - رضي الله تعالى عنه - والبيهقي عن محمد بن قيس قالا: أول ما بدأ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - شكواه يوم الأربعاء فكان شكوه إلى أن قبض - صلّى الله عليه وسلّم ت ثلاثة عشر يوما. ومشى على ذلك أبو عمرو وغيره .وقال سليمان التيمي: يوم السبت ومشى عليه الخطابي وقال الإمام الليث بن سعد: يوم الاثنين في صفر سنة إحدى عشرة ليلة إحدى وعشرين رواه يعقوب بن سفيان قال أبو عمر: لليلتين بقيتا منه .وروى محمد بن قيس لإحدى عشرة ليلة بقيت منه .وقال عمر بن علي: لليلة بقيت منه قال أبو الفرج بن الجوزي: ابتدأ به صداع في بيت عائشة، ثم اشتد أمره في بيت ميمونة، وقيل: في بيت زينب بنت جحش .وقيل: في بيت ريحانة .قال الحافظ: وكونه في بيت ميمونة هو المعتمد ؛لأنه الذي رواه الشيخان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - .وروى البلاذري عنها أنه - صلّى الله عليه وسلّم - أقام في بيت ميمونة سبعة أيام .وروى ابن إسحاق والإمام أحمد عنها قالت: رجع رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - ذات يوم البقيع فدخل علي وهو يصدع وأنا اشتكي رأسي فقلت: وارأساه فقال: (والله بل أنا والله وارأساه) .وفي رواية قال: كان رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - إذا مر ببابي يلقي إلي الكلمة ينفع الله بها فمر ذات يوم فلم يقل شيئاً مرتين، أو ثلاثا فقلت: يا جارية دعي لي وسادة على الباب: فجلست عليها على طريقه وعصبت رأسي فمر بي وقال: (ما شأنك) ؟فقلت: أشتكي رأسي! فقال: (بل أنا وارأساه )! ثم مضى فلم يلبث إلا يسيرا حتى جيء به محمولا في كساء فدخل علي وقال: (وما عليك لو مت قبلي، فوليت أمرك وصليت عليك ودفنتك) فقلت: والله إني لأحسب أن لو كان ذلك، لقد خلوت ببعض نسائك في بيتي في آخر النهار فأعرست بها فضحك رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - ثم تمادى به وجعه وهو يدور على نسائه ثم استعز به وهو في بيت ميمونة) .وروى البخاري نحوه .وروى أبو يعلى والإمام أحمد - برجال ثقات - عنها قالت: ما مر رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - على بابي قط إلا قد قال كلمة تقر بها عيني قلت: فمر يوما فلم يكلمني ومر من الغد فلم يكلمني قالت: ومر من الغد فلم يكلمني، قلت: قد وجد علي رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في شيء: قالت فعصبت رأسي وصفرت وجهي، وألقيت وسادة قبالة باب الدار فاجتنحت عليها، قالت: فمر رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فنظر إلي فقال: (ما لك يا عائشة) ؟قالت: قلت يا رسول الله اشتكيت وصدعت قال: (تقولي: وارأساه، بل أنا وارأساه) قالت فما لبث إلا قليلا حتى أتيت به يحمل في كساء قالت: فمرضته ولم أمرض مريضا قط. .. الحديث .وروى ابن سعد عن عطاء بن يسار - رحمه الله تعالى - مرسلا قال: أتى رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقيل له: اذهب فصل على أهل البقيع، فذهب فصلى عليهم فقال: اللهم اغفر لأهل البقيع، ثم رجع فرقد فأتى فقيل له: اذهب فصل على الشهداء فذهب إلى أحد فصلى على قتلى أحد فرجع معصوب الرأس فكان بدء الوجع الذي مات فيه - صلّى الله عليه وسلّم - .وروى أبو طاهر المخلص عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: جاء أبو بكر إلى النبي - صلّى الله عليه وسلّم - فقال: يا رسول الله ائذن لي فأمرضك فأكون الذي أقوم عليك فقال: (يا أبا بكر إني إن لم أجد أزواجي وبناتي علاجي ازدادت مصيبتي عليهم عظما، وقد وقع أجرك على الله.

    الباب السادس فيما جاء أنه - صلّى الله عليه وسلّم - كان يدور على بيوت أزواجه في مرضه

    روى ابن سعد عن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - كان يحمل في ثوب يطوف على نسائه وهو مريض يقسم بينهن .وروى البلاذري عن ابن إسحاق قال: كان رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - إذا دير به على نسائه يحمل في ثوب يأخذ بأطرافه الأربعة أبو مويهبة، وشقران، وثوبان، وأبو رافع مواليه وذلك أن زينب بنت جحش كلمته في ذلك فقال: أنا أطوف وأدور عليكن وأقام ببيت ميمونة سبعة أيام يبعث إلى نسائه أسماء بنت عميس يقول لهن: إن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يشق عليه أن يدور عليكن فحللنه .وروى ابن سعد بإسناد صحيح عن الزهري أن فاطمة هي التي خاطبت أمهات المؤمنين بذلك فقالت لهن: إنه يشق عليه الاختلاف .وروى ابن إسحاق - بسند فيه متهم وهو علي - كما في الصحيح والبخاري وابن سعد والحاكم عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - الحديث المتقدم في الباب الأول، وفيه: ثم استأذن نساءه أن يمرض في بيتي فقال: إني أشتكي ولا أستطيع أن أدور بيوتكن فإن شئتن أذنتن لي كنت في بيت عائشة، فأذن له فخرج رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - (يهادى) إلى بيتي وهو بين العباس وبين رجل خر تخط قدماه الأرض إلى بيت عائشة، وفي رواية عنها عند مسلم: فخرج بين الفضل بين عباس ورجل آخر، وفي أخرى: بين رجلين أحدهما علي، وعند الدار قطني أسامة والفضل وعند ابن حبان (بريرة ونوبة) بضم النون وسكون ونوبة الواو ثم موحدة، قيل: هو اسم أمة، وقيل: عبد، وعند ابن سعد من وجه آخر والفضل وثوبان .وجمعوا بين هذه الروايات على تقرير ثبوتها بأن خروجه تعدد فتعدد من اتكأ عليه .وروى البخاري وابن سعد عنها أن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - كان يسأل في مرضه الذي مات فيه. أين أنا غدا ؟أين أنا غدا ؟يريد يوم عائشة، فأذن له أزواجه أن يكون حيث شاء، وكان في بيت عائشة حتى مات عندها، قالت: فمات في يومي الذي كان يدور علي فيه، وفي رواية أن دخوله - عليه الصلاة والسلام - بيتها كان في يوم الاثنين، وموته يوم الاثنين الذي يليه .وروى الإسماعيلي قالت: (لما كان رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في مرضه جعل يدور على نسائه ويقول أين أنا حرصا على بيت عائشة قالت: فلما كان يومي سلت) .وروى البخاري والإسماعيلي والبرقاني عنها قالت: كان رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يقول في مرضه: أين أنا اليوم ؟أين أنا ؟استبطاءا ليوم عائشة، فلما كان يومي قبضه الله بين

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1