Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

غريب الحديث
غريب الحديث
غريب الحديث
Ebook714 pages5 hours

غريب الحديث

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

هذا الكتاب يبحث في علم من علوم الحديث النبوي وهو علم غريب الحديث . إذ أن بعض الأحاديث تحتوي على ألفاظ غريبة مبهمة غير مفهومة لدى أكثر الناس، والمصنف هنا يذكر الأحاديث الواردة فيها هذه الكلمات أو العبارات ويأتي عليها بالشواهد من اللغة العربية وأقوال العرب
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateAug 11, 1900
ISBN9786324613980
غريب الحديث

Read more from أبو عُبيد القاسم بن سلاّم

Related to غريب الحديث

Related ebooks

Related categories

Reviews for غريب الحديث

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    غريب الحديث - أبو عُبيد القاسم بن سلاّم

    الغلاف

    غريب الحديث

    الجزء 1

    أبو عُبيد القاسم بن سلاّم

    224

    هذا الكتاب يبحث في علم من علوم الحديث النبوي وهو علم غريب الحديث . إذ أن بعض الأحاديث تحتوي على ألفاظ غريبة مبهمة غير مفهومة لدى أكثر الناس، والمصنف هنا يذكر الأحاديث الواردة فيها هذه الكلمات أو العبارات ويأتي عليها بالشواهد من اللغة العربية وأقوال العرب

    1 - قال أبو عبيد [القاسم بن سلام -رحمه الله-] في حديث النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-:

    زويت لى الأرض، فأريت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمَّتى ما زوى لى منها [قال] حدثناه إسماعيل بن إبراهيم، ثنا أيُّوب، عن أبى قلابة، أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم - قال ذلك في حديث فيه طول.

    قال أبو عبيد: سمعت أبا عبيدة معمر بن المثنى التيمى -من تيم قريش مولًى لهم - يقول: زويت: جمعت، ويقال: انزوى القوم بعضهم إلى بعض: إذا تدانوا، وتضاُّموا، وانزوت الجلدة في النار: إذا انقبضت، واجتمعت.

    قال أبو عبيد: ومنه الحديث الآخر: إنَّ المسجد لينزوى من النُّخامة كما تنزوى الجلدة في النَّار إذا انقبضت واجتمعت

    قال أبو عبيد: ولا يكاد يكون الانزواء إلا بانحراف مع تقبُّض، قال الأعشى:

    يزيد يغضُّ الطرف عنى كأنَّه ... زوى بين عينيه علَّى المحاجم

    فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى ... ولا تلقنى إلاَّ وأنفك راغم 2 - [و] قال أبو عبيد في حديث النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-.

    إنَّ منبرى هذا على ترعة من ترع الجنَّة.

    [قال] حدَّثناه إسماعيل بن جعفر [المدنىُّ]، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبى سلمة بن عبد الرَّحمن، [عن أبى هريرة]، عن النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-، أنَّه قال ذلك.

    قال أبو عبيدة: التُّرعة: الرَّوضة تكون على المكان المرتفع خاصًة، فإذا كانت في المكان المطمئنِّ، فهي روضة.

    [و] قال أبو زياد الكلابىَّ: أحسن ما تكون الرَّوضة على المكان الذي فيه غلظ وارتفاع ألم تسمع قول الأعشى: ما روضة من رياض الحزن معشبة ... خضراء جاد عليها مسبل هطل

    قال [أبو زياد]: والحزن: ما بين زبالة إلى ما فوق ذلك مصعِّدًا في بلاد نجد وفيه ارتفاع وغلظ.

    [و] قال أبو عمرو الشَّيبانىُّ: التُّرعة: الدَّرجة.

    قال أبو عبيد: وقال غيرهم: الترعة: الباب، كأنَّه قال: منبرى هذا على باب من أبواب الجنَّة.

    [قال]: حدَّثنا حسان بن عبد الله، [قال حدَّ] ثنا يعقوب بن عبد الرَّحمن القارى، عن أبى حازم، عن سهل بن سعد [الساعدىِّ]، أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: إنَّ منبرى هذا على ترعة من [2/ب] ترع الجنَّة.

    قال: فقال سهل بن سعد: أتدرون ما التُّرعة؟ هي الباب من أبواب الجنَّة.

    قال أبو عبيد: وهو الوجه عندنا.

    [قال]: وحدَّثنى علُّى بن معبد، عن عبيد الله بن عمرو، عن عبد الملك بن عمير، عن بعض [بنى] أبى المعلَّى -رجل من الأنصار - عن أبيه، عن جدِّه، أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم - قال:

    إنَّ قدمىَّ على ترعة من ترع الحوض

    [أى درجة من درج الحوض]

    3 - [و] قال أبو عبيد فى حديث النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-أنَّه قال: خير النَّاس رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله، كلَّما سمع هيعًة طار إليها ويروى: من خير معاش رجل ممسك بعنان فرسه [فى سبيل الله]

    [قال]: حدَّثناه عبد الله بن جعفر، عن أبى حازم، عن بهجة بن عبد الله بن بدر، [عن أبى هريرة]، عن النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-.

    قال أبو عبيدة: الهيعة [6]: الصَّوت الَّذى تفزع منه، وتخافه من عدو.

    [وقال]: وأصل هذا من الجزع.

    يقال: رجل هاع لاع، وهائع لائع: إذا كان جبانًا ضعيفًا.

    وقد هاع يهيع هيوعًا وهيعانًا.

    قال أبو عبيد: وقال الطرمَّاح بن حكيم [الطائيُّ]:

    أنا ابن حماة المجد من آل مالك ... إذا جعلت خور الرِّجال تهيع

    أى تجبن، والخور: الضِّعاف، والواحد خوَّار.

    [قال أبو عبيد]: وفي الحديث:

    أو رجل فى شعفة فى غنيمته حتَّى يأتيه الموت

    قوله: شعفة: يعنى رأس الجبل.

    4 - [و] قال أبو عبيد فى حديث النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم -:

    ليس فى الجبهة، ولا فى النَّخَّة، ولا فى الكسعة صدقة.

    قال: حدَّثناه ابن أبى مريم، عن حَّماد بن زيد، عن كثير بن زياد الخراسانى يرفعه.

    وعن غير حمَّاد [بن زيد]، عن جوبير، عن الضَّحَّاك يرفعه.

    قال أبو عبيدة: الجبهة: الخيل، والنَّخَّة: الرَّقيق، والكسعة: الحمير.

    قال الكسائىُّ وغيره فى الجبهة والكسعة مثله.

    وقال الكسائىِّ: هى النَّخَّة -برفع النون - وفسَّرها هو وغيره فى مجلسه: البقر العوامل.

    [و] قال الكسائىُّ: [و] هذا كلام أهل تلك الناحية كأنَّه يعنى أهل الحجاز وما وراءها إلى اليمن.

    وقال الفرَّاء: النَّخَّة: أن يأخذ المصَّدِّق دينارًا بعد فراغه من الصَّدقة.

    قال وأنشدنا: عمِّى الَّذى منع الدِّينار ضاحيًة ... دينار نخَّة كلب وهو مشهود

    قال أبو عبيد: وحدَّثنا نعيم بن حَّماد، عن ابن الدَّراودىِّ المدينىِّ، عن أبى حرزة القاصِّ يعقوب بن مجاهد، عن سارية [7] الخلجىِّ، عن النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم - قال:

    أخرجوا صدقاتكم، فإن الله [-عز وجلَّ-] قد أراحكم من الجبهة، والسَّجَّة، والبجَّة

    وفسَّرها: أنَّها كانت آلهة يعبدونها فى الجاهليَّة.

    وهذا خلاف ما [جاء] فى الحديث الأول، والتفسير فى الحديث، والله أعلم أيهما المحفوظ من ذلك.

    5 - وقال أبو عبيد فى حديث النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ رجلاً أتاه، فقال: يا رسول الله! إنِّى أبدع بى فاحملنى.

    قال: حدَّثناه أبو اليقظان عمَّار بن محمَّد، عن الأعمش، عن أبى عمرو الشَّيبانىِّ، عن أبى مسعود الأنصارىِّ، عن النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ رجلاً أتاه، فقال: يا رسول الله! إنىِّ أبدع بى، فاحملنى.

    قال أبو عبيدة: يقال للرَّجل إذا كلَّت ركابه، أو عطيت، وبقى منقطعًا به: قد أبدع به.

    وقال الكسائىُّ مثله، وزاد فيه: ويقال: أبدعت الرِّكاب: إذا كلَّت، وعطبت.

    وقال بعض الأعراب: لا يكون الإبداع إلاَّ بظلع.

    يقال: أبدعت به راحلته: إذا ظلعت.

    [قال أبو عبيد]: وهذا ليس باختلاف، وبعضه شبيه ببعض.

    6 - وقال أبو عبيد فى حديث النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ قريشًا كانوا يقولون: إنَّ محمَّدًا صنبور

    قال: حدَّثناه محمَّد بن أبى عدىٍّ -لا أعلمه إلاَّ عن داود بن أبى هند - الشَّكُّ من أبى عبيد - عن الشَّعبىِّ، عن النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-

    قال أبو عبيدة: الصُّنبور: النَّخلة تخرج من أصل النَّخلة الأخرى لم تغرس.

    وقال الأصمعىُّ: الصُّنبور: النُّخلة تبقى منفردة، ويدقُّ أسفلها، قال: ولقى رجل رجلاً من العرب، فسأله عن نخله، فقال: صنبر أسفله [8] وعشَّش أعلاه: يعنى دق أسفله، وقلَّ سعفه، ويبس.

    قال أبو عبيد: فشبَّهوه بها، يقولون: إنَّه فرد ليس له ولد ولا أخ، فإذا مات انقطع ذكره.

    قال [أبو عبيد]: وقول الأصمعىِّ فى الصُّنبور أعجب إلىِّ من قول أبي عبيدة لأنَّ النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يكن أحد من أعدائه من مشركى العرب، ولا غيرهم يطعن عليه فى نسبه، ولا اختلفوا [فيه] أنه أوسطهم نسبًا [-صلَّى الله عليه وسلَّم-].

    [قال أبو عبيد: و] قال أوس بن حجر، يعيب قومًا:

    مخلَّفون ويقضى الناس أمرهم ... غسُّ الأمانة صنبور فصنبور [قال أبو عبيد: فى غسُّو ثلاثة أوجه: غسو، وغش، وغشى، ويروى غش الملامة قال: ويروى: أهل الملامة أيضا]

    وقال أبو عبيد: والصُّنبور أيضًا فى غير هذا: القصبة الَّتى تكون فى الأداوة من حديد أو رصاص يشرب منها [بها].

    7 - وقال أبو عبيد فى حديث النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "أنَّه سأل رجلاً أراد الجهاد معه [فقال له]: هل فى أهلك من كاهل؟ -ويقال: من كاهل - فقال: نعم.

    قال: حدَّثناه إسماعيل بن إبراهيم، عن خالد الحذَّاء، عن أبى قلابة، عن مسلم بن يسار، عن النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-

    قال أبو عبيدة: هو مأخوذ من الكهل، يقول: هل فيهم من أسنَّ، وصار كهلاً؟

    قال أبو عبيدة: يقال منه: رجل كهل، وامرأة كهلة، وأنشدنا [العذافر]:

    * ولا أعود بعدها كريَّا *

    * أمارس الكهلة والصَّبيَّا *

    8 - وقال أبو عبيد فى حديث النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ما يحملكم على أن تتايعوا فى الكذب كما يتتايع الفراش فى النار قال: حدَّثناه ابن أبى مريم، عن داود [9] العطَّار، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد، عن النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال:

    ما يحملكم على أن تتايعوا فى الكذب كما يتتايع الفراش فى النَّار.

    قال أبو عبيدة: التَّتايع: التَّهافت فى الشَّيء، والمتابعة عليه.

    يقال للقوم: قد تتابعوا فى الشَّئ: إذا تهافتوا فيه، وأسرعوا إليه.)

    قال أبو عبيد: ومنه قول الحسن بن علىِّ [-رضى الله عنهما-]: إنَّ عليَّا أراد أمرًا، فتتابعت عليه الأمور، فلم يجد منزعًا: يعنى فى أمر الجمل.

    ومنه الحديث المرفوع فى الرَّجل يوجد مع المرأة.

    قال: حدَّثنا هشيم بن بشير، عن يونس بن عبيد، عن الحسن قال: لمَّا نزلت [هذه الآية]: {والَّذين يرمون المحصنات، ثمَّ لم يأتوا بأربعة شهداء، فاجلدوهم ثمانين جلدًة، ولا تقبلوا لهم شهادًة أبدًا} قال سعد بن عبادة: يا رسول الله! "أرأيت إن رأى رجل مع امرأته رجلاً، فقتله، أتقتلونه، وإن أخبر بما رأى جلد ثمانين؟ أفلا يضربه بالسَّيف؟ فقال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-:

    كفى بالسَّيف شا.

    قال أراد أن يقول: شاهدًا، ثمَّ أمسك، وقال:

    لولا أن يتتايع فيه الغيران والسَّكران.

    قال أبو عبيد: كره أن يجعل السيف شاهدًا، فيحتجَّ به الغيران والسَّكران، فيقتلوا، فأمسك عن ذلك.

    قال أبو عبيد: ويقال فى التَّتابع: إنَّه اللَّجاجة، وهو يرجع [10] إلى هذا المعنى. وقال أبو عبيد: ولم نسمع التتابع فى الخير إنَّما سمعناه فى الشَّرِّ.

    9 - وقال أبو عبيد فى حديث النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: من أزلَّت إليه نعمة فليشكرها.

    قال: حدَّثناه يحيى بن سعيد، عن السَّائب بن عمر، عن يحيى بن عبد الله بن صيفى، عن النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال ذلك.

    قال أبو عبيدة: قوله: أزلَّت إليه: يقول: أسديت إليه، واصطنعت عنده.

    يقال منه: أزللت إلى فلان نعمًة فأنا أزلها إزلالاً.

    وقال أبو زيد الأنصارى مثله، وأنشدنا أبو عبيدة لكثيِّر [عزَّة]

    وإنىِّ، وإن صدَّت لمثن وصادق ... عليها بما كانت إلينا أزلَّت

    قال أبو عبيد: و [يروى]: لدينا [أزلَّت].

    قال: وقد رواه بعضهم: من أنزلت إليه نعمة وليس هذا بمحفوظ ولاله وجه فى الكلام.

    10 - وقال أبو عبيد فى حديث النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-:

    أنه مر بقوم يربعون حجرًا

    قال: حدَّثنيه محمد بن كثير، عن حمَّاد بن سلمة، عن ثابت البنانىِّ، عن عبد الرَّحمن بن عجلان رفعه:

    أنَّه مرِّ بقوم يربعون حجرًا.

    وفى بعض الحديث يرتبعون [حجرًا]، فقالوا: هذا حجر الأشدَّاء

    فقال:

    "ألا أخبركم بأشدِّكم؟

    من ملك نفسه عند الغضب.

    قال أبو عبيدة: الرَّبع أن يشال الحجر باليد، يفعل ذلك؛ لتعرف به شدَّة الرَّجل، يقال ذلك فى الحجر خاصًة.

    قال أبو محمّد الأموىُّ: أخو يحيى بن سعيد، فى الرَّبع مثله.

    قال أبو عبيد: ومن هذا الباب حديث ابن عبّاس، الذى يرويه ابن المبارك، عن معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس: أنَّه مرَّ بقوم [وهم] يتجاذون حجرًا -ويروى: يجذون حجرا، فقال: عمَّال الله أقوى من هؤلاء.

    وكلُّ هذا من الرَّفع والإشالة، وهو مثل الرَّبع.

    قال [أبو عبيد]: وحدَّثنا أبو النَّضر، عن اللَّيث بن سعد، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن عامر بن سعد، أنَّ النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-مرَّ بناس يتجاذون مهراسًا، فقال:

    "أتحسبون الشِّدَّة فى حمل الحجارة؟

    إنَّما الشِّدَّة أن يمتلئ أحدكم غيظًا، ثمَّ يغلبه".

    وقال الأموىُّ: المربعة أيضًا: العصا التى تحمل بها الأحمال حتى توضع على ظهور الدَّوابّ.

    قال [أبو عبيد]: وأنشدنا الأموىُّ:

    * أين الشِّظاظان وأين المربعه *

    * وأين وسق النَّاقة المطبَّعه *

    قوله: الشَّظاظان: هما العودان الَّلذان يجعلان فى عرى الجوالق، المطبَّعة: المثقَّلة [ويروى الجلنفعة].

    11 - [و] قال أبو عبيد فى حديث النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: أنَّه نهى عن الصَّلاة إذا تضيَّفت الشَّمس للغروب.

    قال: حدَّثناه ابن مهدى، عن موسى بن علِّى بن رباح -قال أبو عبيد: أهل مصر، يقولون: علىّ. وأهل العراق، يقولون: على -عن أبيه، عن عقبة بن عامر [الجهنى] قال:

    ثلاث ساعات كان رسول الله-صلَّى الله عليه وسلَّم - ينهانا أن نصلِّى فيها، وأن نقبر فيها موتانا: إذا طلعت الشَّمس حتَّى ترتفع، وإذا تضيَّفت للغروب، ونصف النهار.

    قال أبو عبيدة: قوله: تضيَّفت: [يعنى] مالت للمغيب.

    يقال منه: قد ضاقت، فهى تضيف ضيفا: إذا مالت.

    قال أبو عبيد: ومنه سمِّى الضَّيف ضيفًا.

    يقال منه: ضفت فلانًا: إذا ملت إليه، ونزلت به.

    وأضفته، فأنا أضيفه: إذا أملته إليك، ونزلته عليك؛ ولذلك قيل: هو مضاف إلى كذا وكذا: أى [هو] ممال إليه، قال امرؤ القيس:

    فلمَّا دخلناه أضفنا ظهورنا ... إلى كلِّ حارىٍّ جديد مشطَّب

    [4/ب]: أى أسندنا ظهورنا إليه، وأملناها، ومنه قيل للدَّعىِّ: مضاف؛ لأنَّه مسند إلى قوم ليس منهم

    ويقال: ضاف السَّهم يضيف: إذا عدل عن الهدف، وهو من هذا.

    وفيه لغة أخرى ليست فى الحديث: صاف السَّهم بمعنى ضاف، قال أبو زبيد [الطائى] يذكر المنيَّة:

    كلُّ يوم ترميه منها برشق ... فمصيب أوصاف غير بعيد

    فهذا بالصاد، وأمَّا الذى فى الحديث فبالضَّاد.

    قال أبو عبيد: الرِّشق: الوجه من الرَّمى: إذا رموا وجهًا بجميع سهامهم، قالوا: رمينا رشقًا، والرَّشق: المصدر. يقال [منه]: رشقت رشقًا.

    12 - وقال أبو عبيد فى حديث النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-:

    أنه نهى عن الكالئ بالكالئ.

    حدَّثنيه زيد بن الحباب، عن موسى بن عبيدة، عن عبد الله بن دينار، عن [عبد الله] بن عمر، عن النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-:

    أنَّه نهى عن الكالئ بالكالئ.

    قال أبو عبيدة: يقال: هو النَّسيئة بالنَّسئة، مهموز.

    قال أبو عبيد: ومنه قولهم: أنسأ الله فلانًا أجله، ونسأ [الله] فى أجله -بغير ألف - قال [وقال] أبو عبيدة: يقال فى الكالى: تكلَّات كلاة: إذا استنسأت نسيئة والنسيئة، التأخير أيضا، ومنه قوله [تعالى]: {إنما النسئ زيادة فى الكفر}. إنما هو تأخيرهم تحريم المحرم إلى صفر.

    وقال الأموىُّ فى الكلأة مثله.

    وقال الأموىُّ: يقال: بلَّغ الله بك أكلأ العمر: يعنى آخره وأبعده.

    وهو من التأخير [أيضا].

    قال أبو عبيد: [و] قال الشاعر يذمُّ رجلًا:

    وعينه كالكالئ الضِّمار ..

    يعنى بعينه: حاضره وشاهده، فالحاضر من عطيَّته كالضمَّار، وهو الغائب الذى لا يرجى قال: أبو عبيد: وقوله: النسيئة بالنَّسيئة فى وجوه كثيرة من البيع منها: أن يسلِّم الرَّجل إلى الرجل مائة درهم إلى سنة فى كرٍّ من طعام، فإذا انقضت السَّنة، وحلَّ الطَّعام عليه، قال الَّذى عليه الطَّعام للدَّافع ليس عندى طعام، ولكن بعنى هذا الكرَّ بمائتى درهم إلى شهر، فهذه نسيئة انتقلت إلى نسيئة، وكلُّ ما أشبه هذا.

    ولو كان قبض الطَّعام منه، ثمَّ باعه منه أو من غيره بنسيئة لم يكن كالئًا بكالئ.

    قال أبو عبيد: ومن الضمار قول عمر بن عبد العزيز فى كتابه إلى ميمون بن مهران فى الأموال التى كانت فى بيت المال من المظالم أن يردَّها، ولا يأخذ زكاتها: فإنَّه كان مالاً ضمارًا (5/ 1): يعنى لا يرجى.

    [قال]: سمعت كثير بن هشام يحدِّث عن جعفر بن برقان، عن ميمون.

    قال أبو عبيد: [و] قال الأعشى:

    أرانا إذا أضمرتك البلا ... دنجفى، وتقطع منَّا الرَّحم

    13 - [و] قال أبو عبيد فى حديث النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم - حين قال لعبد الله بن عمرو بن العاص، وذكر قيام اللَّيل، وصيام النَّهار، فقال:

    إنَّك إذا فعلت ذلك هجمت عيناك، وتفهت نفسك.

    قال أبو عبيدة: قوله: تفهت نفسك: أعيت، وكلَّت، ويقال للمعنى: منفَّة، ونافه، وجمع النَّافه نفَّه.

    قال أبو عمرو: وهجمت [14] عينك: غارت ودخلت.

    قال أبو عبيد: ومنه [قيل]: هجمت علىَّ وهجمت على القوم: إذا دخلت عليهم، وكذلك هجم عليهم البيت: إذا سقط عليهم.

    قال أبو عمرو: [و] نفهت نفسك: أى أعيت [وكلَّت] مثل قول أبى عبيدة.

    وقال رؤبة [بن العجَّاج] يذكر بلادًا والمهارى:

    * به تمطَّت غول كلِّ ميله *

    - بنا حراجيج المهارى النُّفَّه *

    يعنى المعيية، واحدتها نافه ونافهة، وقوله: [كل] ميله: يعنى البلاد التى تولِّه النَّاس فيها، كالإنسان الواله المتحير.

    14 - وقال أبو عبيد فى حديث النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: أنَّ رجلاً سأله، فقال:

    يا رسول الله! إنَّا نصيب هوامى الإبل.

    قال: حدَّثناه يحيى بن سعيد، عن حميد الطويل، عن الحسن، عن مطرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّير، عن أبيه، عن النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-أنَّه سئل عن ذلك، فقال: ضالَّة المؤمن أو المسلم حرق النَّار.

    قال أبو عبيدة: قوله: الهوامى: المهملة التى لا راعى لها، ولا حافظ.

    يقال منه: ناقة هامية، وبعير هام، وقد همت تهمى هميًا: إذا ذهبت على وجوهها فى الأرض لرعى أو غيره.

    وكذلك كلُّ ذاهب وسائل من ماء أو مطر، وأنشد لطرفة، ويقال للمرقِّش:

    فسقى ديارك غير مفسدها ... صوب الربيع وديمة تهمى

    أى تسيل، وتذهب.

    وقال أبو عمرو مثله، أو نحوه.

    [وقال] الكسائىُّ، وأبو زيد: همت عينه تهمى هميًا: إذا سألت، ودمعت، وهو من ذلك أيضًا.

    قال أبو عبيد: وليس هذا من الهائم.

    إنَّما يقال من الهائم: هام يهيم، وهى إبل هوائم، وتلك الَّتى فى الحديث هوامى، إلَّا أن تجعله من المقلوب، كما قالوا: جذب وجبذ، وضبَّ وبضَّ: إذا سال الماء وغيره، وأشباه ذلك.

    15 - [و] قال أبو عبيد فى حديث النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: أنَّه أتى بكتف مؤرَّبة، فأكلها، وصلَّى، ولم يتوضَّأ.

    يروى عن حاتم بن أبى [15] صغيرة، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، يرفعه: أنَّ النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم - فعل ذلك.

    قال أبو عبيدة، وأبو عمرو: المؤرَّبَّة: هى الموفَّرة الَّتى لم ينقص منها شئ

    قال أبو عبيد: يقال منه: أربَّت الشَّيء تأريبًا: إذا وفَّرته، ولا أراه أخذ إلاَّ من الإرب، وهو العضو.

    يقال [منه]: قطعَّته إربًا إربًا: أى عضوًا عضوًا، قال أبو زبيد فى المؤرَّب:

    وأعطى فوق النصف ذو الحقِّ منهم ... وأظلم بعضًا أو جميعًا مؤرَّبا

    قال أبو عبيد: ويروى: وأظلم نصفًا.

    وقال الكميت بن زيد الأسدىُّ.

    ولانتشلت عضوين منها يحابر ... وكان لعبد القيس عضو مورّب

    قال أبو عبيد: عضو وعضو لغتان ... مؤرَّب: أى نامُّ لم ينقص منه شيء، والشِّلو أيضًا: العضو.

    ومنه حديث علِّى فى الأضحيَّة:

    إيتى بشلوها الأيمن.

    16 - [و] قال أبو عبيد فى حديث النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-:

    لا عدوى، ولا هامة، ولا صفر.

    قال: حدَّثنيه يزيد، عن الدستوائىِّ، عن يحيى بن أبى كثير، عن ابن المسيَّب، عن سعد، عن النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-.

    وليس فى حديث سعد الصَّفر

    قال: وحدَّثنى حجَّاج، عن حماد بن سلمة، وابن جريج، عن أبى الزُّبير، عن جابر [بن عبد الله]، عن النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-.

    وزاد فيه: ولا غول.

    وفسَّر جابر الصَّفر: دوابَّ البطن.

    قال: وحدَّثنى شجاع بن الوليد [16]، عن ابن شبرمة، عن أبى زرعة، عن أبى هريرة، عن النَّبىِّ [-صلَّى الله عليه وسلَّم-].

    قال: وحدَّثنيه إسماعيل بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرَّحمن، عن أبيه، عن أبى هريرة يرفعه.

    دخل حديث بعضهم فى بعض.

    قال أبو عبيدة: سمعت يونس يسأل رؤبة بن العجَّاج عن الصَّفر، فقال: هى حيَّة تكون فى البطن تصيب الماشية والناس.

    قال: وهى أعدى من الجرب عند العرب.

    قال أبو عبيد: فأبطل النبىُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّها تعدى.

    ويقال: إنَّها تشتد على الإنسان إذا جاع، وتؤذيه، قال أعشى باهلة يرثى رجلاً:

    لا يتأرَّى لما فى القدر يرقبه ... ولا يعضُّ على شرسوفه الصَّفر.

    قال أبو عبيد: ويروى:

    لا يشتكى الساق من أين ولا وصم ... ولا يعضُّ على شرسوفه الصَّفر

    ويروى: ولا وصب.

    قال أبو عبيدة فى الصَّفر أيضًا: يقال: إنه [هو] تأخيرهم المحرَّم إلى صفر فى تحريمه.

    قال: وأمَّا الهامة: فإنَّ العرب كانت تقول: إنَّ عظام الموتى تصير هامًة، فتطير.

    وقال أبو عمرو فى الصَّفر مثل قول رؤية وقال فى الهامة مثل قول أبى عبيدة، إلاَّ أنَّه قال: كانوا يسمُّون ذلك الطائر الذى يخرج من هامة الميِّت إذا بلى: الصَّدى.

    قال أبو عبيد: وجمعه أصداء، وكلُّ هذا قد جاء فى أشعارهم، قال أبو دؤاد الإيادىِّ:

    سلِّط الموت والمنون عليهم ... فلهم فى صدى المقابر هام

    فذكر الصَّدا والهام جميعًا.

    وقال لبيد يرثى أخاه أربد:

    فليس النَّاس بعدك فى نقير ... ولا هم غير أصداء وهام وهذا كثير فى أشعارهم [لا يحصى].

    فردَّ النَّبىُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم - ذلك.

    [و] قال أبو زيد فى الصَّفر: مثل قول أبى عبيدة الأول.

    [و] قال أبو زيد: الهامَّة -مشدَّدة الميم - يذهب إلى واحدة الهوام، وهى دوابُّ الأرض.

    قال أبو عبيد: ولا أرى أبا زيد حفظ هذا، وليس له معنى.

    ولم يقل أحد منهم فى الصَّفر إنَّه من المشُّهور غير أبى عبيدة، والوجه فيه التَّفسير الأول.

    17 - قال أبو عبيد فى حديث النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال للنِّساء: لا تعذِّبن أولادكنَّ بالدَّعر.

    وهو من حديث ابن عيينة، عن الزهرىِّ، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أمِّ قيس بنت محصن، عن النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-.

    قال أبو عبيدة: هو غمز الحلق، وذلك أنَّ الصَّبىَّ تأخذه العذرة، وهو وجع يهيج فى الحلق [وذلك] من الدَّم، فإذا عولج منه صاحبه، قيل: عذرته فهو معذور، قال جرير بن الخطفى:

    *غمز الطَّبيب نغانغ المعذور*

    والنَّغانغ: لحمات تكون عند اللَّهوات، واحدتها تغنغ.

    والدَّغر: أن ترفع المرأة ذلك الموضع بأصبعها.

    يقال منه: دغرت أدغر دغرًا.

    قال أبو عبيد: ويقال للنَّغانغ أيضًا اللَّغانين، واحدها لغنون، واللغاديد واحدها لغدود، ويقال: لغد

    فمن قال لغد للواحد، قال للجميع ألغاد.

    ومن الدَّغر حديث علىِّ [بن أبى طالب -رضى الله عنه-]:

    لا قطع فى الدَّغرة.

    [قال]: حدَّثناه الأنصارى عن عوف، عن خلاس، عن على.

    والمحدِّثون يقولون: الدَّغرة -بفتح الغين - ويفسِّرها الفقهاء أنَّها الخلسة.

    قال أبو عبيد: وهى مأخوذة عندى من الدَّفع أيضًا، وهى الدَّغرة -بجزم الغين - وإنَّما هو توثب المختلس، ودفعه نفسه على المتاع، ليختسله ويقال فى مثل: دغرا لاصفَّا يقول: ادغروا عليهم، ولا تصافُّوهم.

    ويروى: دغرى لاصفَّى مثل عقرا خلقًا، وعقرى حلقى.

    18 - (و) قال أبو عبيد فى حديث النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-:

    لا يترك فى الإسلام مفرج.

    (قال): هو من حديث حفص، عن كثير بن عبد الله، عن أبيه، عن جدَّه.

    قال: وحدَّثنى حمَّاد بن عبيد، عن جابر، عن الشَّعبىِّ، أو عن أبى جعفر محمَّد ابن علىٍّ -الشَّك من أبى عبيد - عن النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: العقل على المسلمين عامَّة، ولا يترك فى الإسلام مفرج.

    قال: حمَّاد: فقلت [6 - ب/د] لجابر: ما المفرج؟

    قال: هو الرجل يكون فى القوم من غيرهم، فحقَّ عليهم أن يعقلوا عنه، وقال غير حمَّاد: مفرح -بالحاء.

    [وقال]: حدَّثنا حجاج، عن ابن جريج، أن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: وعلى المسلمين ألا يتركوا مفدوحًا فى فداء أو عقل.

    وقال فى حديث غيره: مفروحًا.

    قال الأصمعىُّ: والمفرح -بالحاء - هو الذى قد أفرحه الدين: يعنى أثقله.

    يقول: يقضى عنه دينه من بيت المال، ولا يترك مدينًا، وأنكر قولهم: مفرج -بالجيم - وقال أبو عمرو: المفرح [-بالحاء-] هو المثقل بالدَّين أيضا، وأنشد [نا]:

    إذا أنت لم تبرح تؤدِّى أمانة ... وتحمل أخرى أفرحتك الودائع

    يعنى أثقلتك.

    وقال الكسائىُّ فى لمفرح: مثله، أو نحوه.

    قال [أبو عبيد]: وسمعت محّمد بن الحسن يقول: هو يروى بالحاء والجيم.

    فمن قال: مفرح -بالحاء - فأحسبه قال فيه مثل قول هؤلاء.

    ومن قال: مفرج -بالجيم - فإنَّه القتيل يوجد فى أرض فلاة [و] لا يكون عند قرية. [يقول]: فإنَّه يودى من بيت المال، ولا يبطل دمه.

    وعن أبى عبيدة: المفرج -بالجيم - أن يسلم الرَّجل، ولا يوالى أحدًا. يقول: فتكون جنايته على بيت المال؛ لأنَّه لا عاقلة له، فهو مفرج [-بالجيم-]

    وقال بعضهم: هو الذى لا ديوان له.

    19 - وقال أبو عبيد فى حديث النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم - فى الثَّوب المصلب: أنَّه كان إذا رآه فى ثوب قضبه.

    قال: حدَّثنيه ابن عليه، عن سلمة بن علقمة، عن ابن سيرين قال: نبئت عن دفرة أمِّ عبد الله بن أذينة، أنَّها قالت:

    كنَّا نطوف مع عائشة فرأت ثوبًا مصلَّبًا، فقالت:

    إنَّ رسول الله-صلَّى الله عليه وسلَّم - كان إذا راه فى ثوب قضبه.

    قال الأصمعى: يعنى قطع موضع التصليب، والقضب: القطع.

    [قال]: ومنه قيل: اقتضبت الحديث: إنَّما هو انتزعته، واقتطعته.

    قال أبو عبيد: وإياه عنى ذو الرُّمَّة بقوله يصف الثَّور:

    كأنَّه كوكب فى إثر عفرية ... معوَّم فى سواد اللَّيل منقضب

    [20] أى متقطع من مكانه.

    وقال القطامىُّ يصن الثَّور أيضًا:

    فغدا صبيحة صوبها متوجِّسا ... شئز القيام يقضِّب الأغصانا

    [يعنى يقطعها].

    20 - وقال أبو عبيد فى حديث النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم - حين قال لعائشة، وسمعها تدعو على سارق سرقها، فقال:

    لا تسبِّخى عنه بدعائك عليه.

    قال: حدَّثناه ابن مهدىٍّ، عن سفيان، عن حبيب بن أبى ثابت، عن عطاء، عن عائشة، عن النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-

    قال الأصمعى: [لا تسبِّخى] يقول: لا تخفِّفى عنه بدعائك عليه.

    وهذا مثل الحديث الآخر:

    من دعا على من ظلمه، فقد انتصر.

    وكذلك كلُّ من خفِّف عنه شيء فقد سبِّخ عنه.

    [قال]: يقال: اللَّهمَّ سبِّخ عنى الحمَّى: أى سلَّها، وخفِّفها.

    قال أبو عبيد: ولهذا قيل لقطع القطن إذا ندف: سبائخ، ومنه قول الأخطل يصف القنَّاص والكلاب.

    فأرسلوهنَّ يذرين التُّراب كما ... يذرى سبائخ قطن ندف أوتار

    يعنى ما يتساقط من القطن.

    قال أبو زيد والكسائى: يقال سبَّخ الله عنا الأذى: يعنى كشفه وخفَّفه.

    ويقال لريش الطائر الذى يسقط: سبيخَّ؛ لأنه يغسل، فيسقط عنه.

    21 - وقال أبو عبيد فى حديث النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-

    لأن يمتلئ جوف أحدكم قبحًا حتَّى يريه خير له من أن يمتلئ شعرًا يروى [ذلك] عن عوف، عن الحسن يرفعه.

    قال: وحدَّثنيه أيضًا حجَّاج، عن شعبة، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن محّمد بن سعد، عن أبيه سعد بن أبى وقاص، عن النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-. مثل حديث عوف سواء.

    قال الأصمعىُّ: قوله: حتَّى يريه: هو من الورى على مثال الرَّمى.

    يقال منه: رجل مورى [مشدَّد] غير مهموز [21] وهو أن بدوى جوفه، وأنشد:

    *قالت له وريا إذا تنحنح*

    *تدعو عليه بالورى*

    وأنشدنا الأصمعى أيضًا للعجَّاج يصف الجراحات:

    *عن قلب ضجم تورِّى من سبر* يقول: إن سبرها إنسان أصابه منها الورى من شدَّتها.

    والقلب: الآبار، واحدها قليب، وهى البشر شبَّه الجراحة بها.

    [و] قال أبو عبيدة فى الورى مثله إلا أنَّه قال: هو أن يأكل القيح جوفه وأنشدنا غيره لعبد بنى الحسحاس يذكر النِّساء:

    وراهنَّ ربى مثل ما قد وريتنى ... وأحمى على أكبادهن المكاويا

    [قال أبو عبيد]: وسمعت يزييد بن هارون يحدِّث [بحديث] عن الشَّرقى ابن القطامىِّ، عن مجالد، عن الشَّعبىَّ أن النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم - قال:

    لأن يمتلىَّ جوف أحدكم قيحًا حتَّى يريه خير له من أن يمتلئ شعرًا.

    يعنى من الشعر الذى [قد] هجى به النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-.

    قال أبو عبيد: والذى عندى فى هذا الحديث غير هذا القول؛ لأنَّ الذى هجى به النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم - لو كان شطر بيت لكان كفرًا، فكأنَّه إذا حمل وجه الحديث على امَّتلاء القلب منه، أنَّه قد رخص فى القليل منه.

    ولكن وجهه عندى أن يمتلئ قلبه [من الشِّعر] حتى يغلب عليه، فيشغله عن القرآن، وعن ذكر الله، فيكون الغالب عليه من أىِّ الشِّعر كان.

    فأما إذا كان القرآن والعلم الغالب عليه، فليس جوف هذا عندنا ممتلئا من الشعر.

    22 - وقال أبو عبيد فى حديث النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-:

    إن الإسلام ليأرز إلى [22] المدينة كما تأزر الحيَّة إلى حجرها.

    قال الأصمعى: قوله: يأزر: ينضمُّ إليها، ويجتمع بعضه إلى بعض فيها وأنشدنا لرؤية يذم رجلاً: *فذاك بخال أروز الأرز*

    يعنى أنَّه لا ينبسط للمعروف، ولكنَّه ينضمُّ بعضه إلى بعض.

    قال الأصمعىُّ: وأخبرنى عيسى بن عمر -عن أبى الأسود الدُّولىِّ أنَّه قال:

    إنَّ فلانًا إذا سئل أرز، وإذا دعى اهتزَّ -أو قال: انتهز، شكَّ أبو عبيد -قال: يعنى أنَّه إذا سئل المعروف تضامَّ، وإذا دعى إلى طعام أو غيره ممَّا يناله اهتزَّ لذلك، [و] قال زهير:

    بآرزة الفقارة لم يخنها ... قطاف فى الرِّكاب ولا خلاء

    الآرزة: الشديدة المجتمع بعضها إلى بعض: يعنى الناقة، والفّقارة: فقارة الصلب.

    قال أبو عبيد: سمعت الكسائىَّ يقول: الدُّولىَّ، وقال ابن الكلبىِّ: الدِّيلىَّ، وهو الصَّواب عندنا.

    23 - وقال أبو عبيد فى حديث النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم - حين قال لابن مسعود:

    إذنك علَّى أن ترفع الحجاب، وتستمع سوادى حتَّى أنهاك.

    قال: حدَّثناه حفص، عن الحسن بن عبيد الله النَّخعىِّ، عن إبراهيم بن سويد، عن عبد الرَّحمن بن يزيد، عن عبد الله [بن مسعود] عن النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم - قال الأصمعىُّ: السِّولد: السِّرار.

    يقال منه: ساودته مساودًة وسوادًا: إذا ساررته، ولم يعرفها -برفع السِّن. سوادًا.

    قال أبو عبيد: ويجوز الرَّفع، وهو بمنزلة جوار وجوار، فالجوار المصدر، والجوار: الاسم وقال الأحمر: هو من إدناه سوادك من سواده، وهو الشَّخص.

    قال أبو عبيد: وهذا [23] من السِّرار أيضًا؛ لأنَّ السِّرار لا يكون إلاَّ بإدناء السّواد من السواد، [و] أنشدنا الأحمر:

    من يكن في السِّواد والدَّد والإغرا ... م زيرًا فإنَّنى غير زير

    قوله: زيرًا: هو الرَّجل يحبُّ مجالسة النِّساء ومحادثتهنَّ.

    [قال أبو عبيد]: وسئلت بنت الخسِّ: لم زنيت، وأنت سيِّدة نساء قومك؟

    قالت: قرب الوساد، وطول السِّواد، والدَّد، والَّلهو، واللَّعب.

    [قال أبو عبيد: والدَّدُّ: الَّلهو والَّلعب].

    ومنه حديث النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-:

    ما أنا من دد، ولا الدَّد منِّى.

    قال: حدَّثناه نعيم بن حمَّاد، عن ابن الدَّراوردىِّ، عن عمرو بن أبى عمرو، عن رجل قد سمَّاه، عن النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال ذلك.

    قوله: الدَّد: هو الَّلعب والَّلهو.

    قال الأحمر: وفى الدَّد ثلاث لغات:

    يقال: هذا دد على مثال يد ودم.

    وهذا ددًا [على] مثال قفًا وعصا

    وهذا ددن [على] مثال حزن.

    قال الأعشى:

    أترجل من ليلى، ولمَّا تزوَّد ... وكنت كمن قضى الُّلبانة من دد

    وقال عدىُّ بن زيد:

    أيُّها القلب تعلَّل بددن ... إنَّ همى فى سماع وأذن

    24 - وقال أبو عبيد فى حديث النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم

    فى أشراط الساعة.

    قال الأصمعىُّ: هى علاماتها، قال: ومنه الاشتراط الذى يشترط الناس بعضهم على بعض، إنَّما هى علامة يجعلونها بينهم؛ ولهذا سمِّيت الشُّرط؛ لأنَّهم جعولا لأنفسهم علامًة يعرفون [24] بها.

    وقال غيره فى بيت أوس بن حجر، وذكر رجلاً تدلىَّ من رأس جبل بحبل إلى نبعة؛ ليقطعها، ويتَّخذ منها قومًا:

    فأشرط فيها نفسه، وهو معصم ... وألقى بأسباب له وتوكَّلا

    قال: هو من هذا أيضًا، يريد أنَّه جعل نفسه علمًا لذلك الأمر.

    25 - [و] قال أبو عبيد فى حديث النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-:

    أنّه أتى على بئر ذمَّة.

    قال: حدَّ ثنيه أبو النَّصر، عن سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، عن يونس، عن البراء بن عازب، عن النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-.

    قال الأصمعىُّ: الذَّمَّة: القليلة الماء، يقال: هى بئر ذمَّة، وجمعها ذمام.

    قال أبو عبيدة: قال ذو الرُّمَّة يصف عيون الإبل أنَّها قد غارت من طول السَّير:

    على حميريَّات كأنَّ عيونها ... ذمام الرَّكايا أنكرتها المواتح

    قوله: أنكزتها: يعنى أنفدت ماءها، والمواتح: المستقية.

    وفي الحديث: قال الراء بن عازب: فنزلنا فيها ستَّة ما حًة.

    قال: والماحة واحدهم ماتح، وهو الذى إذا قلَّ ماء الرَّكيَّة حتى لا يمكن أن يعترف منها بالدَّلو، نزل رجل، فغرف منها بيديه، فيجعله فى الدَّلو، فهذا المائح، قال ذو الرُّمَّة:

    ومن جوف ماء عرمض الحول فوقه ... متى يحس منه ما تح القوم يثفل

    وقال الشَّاعر:

    * يأيَّها المائح دلوى دونكا *

    * إنِّى رأيت الناس يحمدونكا *

    والمائح فى أشياء سوى هذا.

    26 - [و] قال أبو عبيد فى حديث النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ رجلاً أتاه، فقال:

    يا رسول الله [25] إنَّا نركب أرماثًا فى البحر، فتحضر الصَّلاة، وليس معنا ماء إلاَّ لشفاهنا، أفنتوضَّأ بماء البحر؟

    فقال:

    هو الطَّهور ماؤه، الحلُّ ميتته.

    قال: حدثناه هشيم، عن يحيى بن سعيد، عن المغيرة، عن عبد الله بن أبى بردة، عن رجل من بنى مدلج، عن النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-

    قال أبو عبيد: وغير هشيم يجعل فى هذا الإسناد مكان رجل من بنى مدلج، عن أبى هريرة عن النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم - قال الأصمعىُّ: الأرماث: خشب يضمُّ بعضها إلى بعض، ويشدُّ، ثمَّ تركب، يقال لواحدها: رمث وجمعها أرماث.

    والرَّمث فى غير هذا أن تأكل الإبل الرِّمث، فتمرض عنه.

    قال الكسائى: يقال منه إبل رمثة ورماثى.

    ويقال: إبل طلاحى وأراكى: إذا أكلت الأراك والطَّلح، فمرضت عنه.

    وأنشدنا أبو عبيد لبعض الهذليين، ويقال: إنَّه لأبى صخر:

    تمنَّيت من حبىِّ بثينة أنَّنا ... على رمث فى البحر ليس لنا وفر

    قال أبو عبيد: أى مال، ويروى: على رمث فى

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1