Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

وله
وله
وله
Ebook474 pages3 hours

وله

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

تقودنا رواية عوض إلى أماكن غير مألوفة وأحداث غير متوقعة، حيث يواجه يوسف الغدر والخيانة والظروف القاسية التي تبدد حلمه السامي. نشهد انحرافات المصير وتجاربه الشخصية التي تقوده إلى أعماق اليأس والحزن.

ومع ذلك، فإن روح يوسف القوية وإيمانه الثابت بالله يبقيانه ينطلق نحو الأمل والتحدي. فهل سيتمكن من تحقيق رؤيته الرائعة والانتقام من أعدائه؟ هل ستكون نهاية قصته سعيدة أم مؤلمة؟

بين صفحات هذه الرواية المشوقة، ستعيش تجربة فريدة من نوعها لقصة النبي يوسف. ستتواجه مع التساؤلات والألغاز والعواطف المتضاربة، وستندمج في عالم مليء بالأحداث المثيرة والشخصيات المميزة.

.إن رواية مصطفى عوض الجديدة تعدنا بمغامرة مدهشة ومفعمة بالإلهام، وستجعلنا نعيد التفكير في القصة التقليدية للنبي يوسف ونتساءل عن أبعادها الأعمق والمعاني الخفية التي يمكن أن تكون قد أخفتها.

عندما يتعلق الأمر بالروايات التاريخية والدينية، فإن رواية "ألف لام راء" للكاتب مصطفى عوض تأتي في مقدمة القصص المثيرة والممتعة التي تتناول حياة النبي يوسف عليه السلام. إنها رواية تأخذنا في رحلة مشوقة إلى العالم القديم وتروي قصة هذا النبي العظيم ومحنته التي مر بها.

تبدأ الرواية بإهداء مؤثر لأم الكاتب وتحمل وراءها وعوداً بأحداث مليئة بالإثارة والتشويق. تعكس الرواية أبعادًا عاطفية وروحية عميقة للشخصيات وتسلط الضوء على العلاقات الإنسانية والتحديات التي يواجهها النبي يوسف في حياته.

تتناول الرواية العديد من المواضيع المهمة مثل العدل والظلم والغيرة والغدر والتضحية، فضلاً عن الثقة بالله والصبر والأمل. تتميز بقدرتها على جذب القارئ وإبقائه مشدوهًا طوال القصة، حيث يتابع التطورات والمفاجآت التي تحدث في حياة يوسف وكيف يتعامل معها.

الكاتب مصطفى عوض يتميز بأسلوبه السلس والجذاب في السرد، حيث يستخدم لغة مشوقة ومعبرة تجذب القارئ وتحمله في عالم الرواية. يقدم الكاتب وصفاً دقيقاً للأحداث والأماكن والشخصيات، مما يعزز تجربة القراءة ويجعل الرواية أكثر واقعية وملموسة.

بصفة عامة، تعتبر رواية "ألف لام راء" فرصة لا تُفوت لاكتشاف حياة النبي يوسف والتعرف على تفاصيلها بطريقة جديدة ومشوقة. تضيف الرواية بُعدًا جديدًا للقصة الشهيرة وتنقلنا إلى العالم القديم بطريقة مدهشة.

إذا كنت تبحث عن قصة مشوقة تمزج بين الدين والتاريخ والإثارة، فإن "ألف لام راء" هي الرواية المثالية لك. انغمس في عالم النبي يوسف واستمتع برحلة لا تُنسى مليئة بالتحديات والتراجيديا والأمل.

Languageالعربية
Release dateAug 1, 2023
ISBN9798223962861
وله
Author

مصطفى عوض

Name: Mustafa Awad Nationality: Egyptian, residing in Tunisia Mustafa Awad is a highly talented and acclaimed writer known for his creative works in different genres. He has made a significant contribution to the literary world with his thought-provoking stories and captivating narratives. Born in Egypt and currently residing in Tunisia, Awad has successfully captured the hearts of readers across different countries and cultures. Some of his notable works include "Portrait" (a collection of short stories) published by Tanweer Publishing and Distribution, Egypt, and "The Long Life of Simon Jad El Rab" (a collection of short stories) published by Ajnaha Publishing and Distribution, Algeria. His novel "Alif Lam Ra" was published by Zaynab Publishing and Distribution, Tunisia, and gained wide acclaim for its engaging storytelling and unique perspective. In addition to his published works, Mustafa Awad has upcoming projects in the pipeline. His novel "The Elephant Cemetery" and his collection of short stories "I Will Surprise You with My Departure Tonight" are currently in the printing process. He is also working on a collection of very short Arabic stories titled "I am the Highest". With his exceptional storytelling abilities and diverse range of works, Mustafa Awad continues to leave a lasting impact on the literary scene. His writings explore various themes and offer insights into the human condition, captivating readers with his imaginative narratives and unique literary style.

Read more from مصطفى عوض

Related to وله

Related ebooks

Related categories

Reviews for وله

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    وله - مصطفى عوض

    وله

    ألف لام راء

    مصطفى عوض

    إهداء

    إلى أمي... وأسما.

    1

    يا آلهة الحسن! كل هذا الجمال والألق؟!..  كل هذا البهاء؟! من أي شيءٍ سويتموه هذا الإله الصغير؟! من أي طاقة نورٍ اقتبستم مادته؟! من أي بركانٍ ثائر؟

    - يوسف

    هتفت روحي؛ فالتفت، كان يحمل قنينة من نبيذٍ بدا داكن اللون مقارنةً بوجهه المشرب بحمرةٍ رائقة

    كقرص شمسٍ ساعة الشروق، وجهك يا يوسف

    يتأمل شفتي المزمومتين المرتعشتين، وتتسع ابتسامته

    - سيدتي

    يغرد؛ فأشهق حد هروب النفس..  يكاد ينخلع قلبي كلما همس..  أنفاسه روح الإله السادر في احتجابه خلف الغيوم البعيدة. لم أنبس بحرفٍ، لكنه يقرأ ما تهمس به القلوب، يخترق الأرواح كشعاع رحمةٍ مقدس..  كنفحةٍ، أو كبركة إله

    - تأذنين لي بالانصراف؟

    - لا..

    أهتف بلهفةٍ، فيصمت. عيناه أيتها الآلهة!! كيف استطعتم أن تتجسدوا فيها جميعاً بهذا الشكل؟ أراكم تتربعون في بؤبئها الأسود كليلٍ منسكب، ما حاجتي لمعبدٍ أو مذبحٍ مقدسٍ أو صلاة؟ هناك صلاتي وإيماني..  موتي وحياتي..  شكي ويقيني..  ما حاجتي لأي شيء؟! هناك ينام الكون هانئاً كقطٍ يقعي عند قدمي سيدته، يتمسح بساقيها الناعمتين مستسلماً

    - يوسف

    - سيدتي

    لصوتك ترنيمة ملاكٍ يضرب على أرغول

    - لم أنت دائماً حزين؟

    يطرق؛ فينساب شعره كشلالٍ من ضياءٍ أسود.. ومتى كان الضوء أسود يا آلهة العبث؟

    - سيدي بانتظاري

    تباً لسيدك

    يرفع رأسه..  تخترقني نظراته، تسكنني كدفءٍ فاجأ تائهاً في صحراءٍ من جليد

    بل تباً للعالم، والآلهة، والملكوت

    تتجلى بسمته كوجه الرب الأعظم على قلبي

    - كلهم يغيبون حين تشرق أنت

    أخيراً طاوعتني، شفتي فهمستا

    -  سيدتي، لابد أن أذهب

    - تعلم ما في نفسي يا يوسف!

    - لا أعلم حتى ما في نفسي

    - ليتني أعلم ما في نفسك

    أدنو خطوة..  خطوةً أخرى، تفصلني عنه الآن خطوتان، وآلاف الحواجز..  بجرأةٍ، أرفع يدي، ألمس شعره الفاحم..  تنزلق كفي على الحرير الأملس..  تخترق قدس الخدين المشرقين كحرم الرب..  تجتاحني النار وأشتعل.. كجمرةٍ..  تضطرب أنفاسي بينما أدنو من الشفتين الناعستين كحلمٍ بعيد، أغوص في الجسد الإلهي المقدس حد الذوبان

    كيف هي مضاجعة إله؟

    أهمس متأوهةً، بينما ردائي يسقط عند قدمي مغسولاً بالشبق.. أتوه في تفاصيله، وأضيع كجرمٍ صغيرٍ في فضاءٍ سرمدي

    - سيدتي!!

    - أنت سيدي

    - سيدي ينتظر

    - شبقي لا يطيق الانتظار

    أتشمم الجيد المرمري، فتنسال أسرار الأكوان طيعةً إلى كياني، ينداح وجودي وأختفي فلا أجدني..  كوناً يحل مكان كوني، وبراحاً لانهائي الاتساع

    - هكذا أقول للأشياء كن؛ فتكون

    أسر في أذنه، بينما آخذ تلك الشحمة السماوية السمت بين شفتي، أغمض عيني؛ فلا أرى سواه ورغبتي التي تغلي كجحيمٍ يصرخ: هل من مزيد؟ يتعملق شبقي كوحشٍ أسطوريٍ قديم، أدفع جذعي حتى يلامس الوتد الذي يحمل السماوات والأرض..  أرتد إلى لحظة التكوين الأولى، أسمع غمغمة المخلوقات حين سكنتها دهشة الاستيقاظ من العدم القديم، رأيتها بينما تنفض عن أرواحها غبار السكون..  سمعت صرير القلم وهو يسطر الأقدار، أمسكت به وكتبت في صحيفتي كلمةً واحدة...

    يوسف

    أصرخ بينما أنشب أسناني في كتفه، وأظافري تخمش ظهره كقطةٍ عابثة..  وجودٌ طاغٍ يخترق وجودي فيمحيني..  أموت وأحيا، ثم أموت وأبعث ,أتنقل ما بين فراديسٍ وجنانٍ وأنهارٍ من نور، وبين جحيمٍ ونيران وأنهارٍ من حمم... أصرخ.. أشهق.. أغمغم.. أغني.. أبكي.. أضحك.. أرتخي، أسقط متكومةً فوق ردائي، رويداً يرتد الكون عائداً من رحلته الطويلة، وتستكين الأشياء، تجدني روحي؛ فتعانقني بلهفةٍ وتهدأ، أصادف أنفاسي تدور حول رأسي؛ فألتقطها..  يهدأ اضطراب صدري، ويسكن هذا القرع الهائل كطبول الحرب بين ضلوعه

    - سيدتي

    أتأمل المحيط من حولي، كل شيءٍ كما هو!! أنظر للأرض التي مادت بي لملايين السنين منذ برهة

    - سيدي ينتظر

    أتحسس ردائي الملفوف بإحكامٍ حول جسدي..  قنينة النبيذ الداكنة الحمرة.. الوجه الساطع كقرص شمسٍ ساعة الغروب

    - يوسف

    أهمس، فيزداد وجهه إشراقاً، يحني رأسه مبتسماً، يدور منصرفاً، أتأمله ملياً حتى يختفي، أشهق بينما كل ذرةٍ في كياني تصرخ: هيت لك..

    ––––––––

    2

    مذ ألقوني في غيابة الجب، وأنا لا يفارقني هذا الصوت. صغيراً كنت أرتجف خوفاً، ووحيداً جداً تحاصرني العتمة، ويمضغني البرد

    - إخوتيييي

    من هذا العمق السحيق, أرى رؤسهم، صغيرةً تطل علي

    - لا تتركوني

    يتبادلون النظرات فيما بينهم  وبيني، تباعاً تختفي الرؤوس ويبقى واحد، بوضوحٍ استطيع تمييز التماعٍ في عينيه، وخيطين رفيعين من دمعٍ يسيلان على خديه  

    - خائفٌ يا أخي

    أصرخ ملتاعاً

    - أخرجني..أخي..لا تتركني هنا

    يختفي الرأس فجأةً، ويعود مع رأسين آخرين، يمتد ذراعٌ في فراغ البئر، يشير بعصبيةٍ إلي، اسمع صياحاً واضطراباً وأقداماً تضرب على الأرض بعنف، تختفي الرؤوس ويثار غبارٌ كثيف، آهاتٌ تتردد وأجسادٌ ترتطم بالأرض، أدركت أن ثمة معركة تدور رحاها بالأعلى، حول البئر، حيث إخوتي الأحد عشر يسطرون لي نهايةً غير التي توقعت

    - أبي، رأيت أحد عشر كوكباً يسجدون لي

    - حقاً؟

    - ومعهم الشمس والقمر

    باسماً أجيب، بعد أن طمأنني وجهه متهلل الأسارير، وضحكته العذبة

    - هل أخبرت بها أحداً؟

    - لا يا أبت

    يربت على كتفي، فأتشجع مستطرداً بحماسٍ

    -  ما كان لي أن أعرف أرؤيا خيرٍ هي أم شرٍ، حتى أسألك

    - بوركت يا بني

    يصمت قليلاً، ويضيف

    - أرجو أن تكون ذا شأن

    يضمني ويمسح على صدري محركاً شفتيه بكلماتٍ ما، يشع الدفء في قلبي، وفي روحي يسكن السلام. أستكين بين يديه حتى ينتهي، يضم كفيه إلى وجهه وينفث فيهما، يمسح على جسدي من قمة الرأس وحتى أخمص القدمين، يقبل جبيني، ويبتسم

    - سأخبر إخوتي

    مبتهجاً أقوم، وأجري سالكاً طريق المرعى

    - يوسف

    ألتفت فأجده قد انتصب واقفاً..  جميلٌ في وقفته تلك متكئاً على عصاه، مسترسل اللحية، يتمايل شعر رأسه مع الريح ناعماً طويلاً

    - لا تخبر إخوتك.

    أبي، هذا الشيخ المكلل بالجلال والهيبة، المترع دائماً بمخزونٍ لا ينضب من حكايا لها سحر الأساطير، وبهجة معانقة الضوء...عن ملائكةٍ، وشياطين، وأنبياء، وملكوت

    - وما الملكوت يا أبت؟

    سألته يوماً وكان القمر بدراً، والحكايا عصافير ملونةٌ تتقافز فوق العشب.

    - هي مملكة الرب يا بني

    - وأين يسكن الرب؟

    - في قلوب المؤمنين

    غامضٌ هو أحياناً، وصامتٌ على الدوام

    - أصمت لأتفكر يا بني

    يجيبني حين أسأله

    - التفكر صلاة

    لا تخبر إخوتك يا بني

    أطرق متفكراً، أركل حصاةً وأعقد كفي خلف ظهري

    - كما تشاء يا أبت

    تهدأ الأصوات فجأة كما بدأت فجأة، يسود هدوءٌ مخيفٌ وتعوي الريح؛ فانكمش

    - اخوتييييييي

    أصرخ حتى ينقطع نفسي ويضيع صوتي، وارتمي في قاع البئر باكياً بحرقة

    - أحقاً ما ذكرت؟!

    يسأل أخي مندهشاً

    - نعم

    تتسع عيناه، وتلمعان، يعبث بلحيته الصغيرة كعادته حين يستغرق في تفكيرٍ عميقٍ، أو يهمه أمر

    - ونصحك أبي ألا تخبرنا؟

    - بل أمرني

    - أمرك؟!

    هو أقرب إخوتي إلي، عمراًومكانة، الأكبر منه غلاظٌ   ويعاملونني بجفاءٍ وصلف، أردت الخروج معهم هذا اليوم للمرعى؛ فأبوا

    - سيرفض أبوك

    قال الأخي الأكبر بخشونة

    - يخاف عليك من الذئاب

    عقب آخر

    - ذئاب البشر، فمن هم في مثل جمالك عرضةٌ لل..

    يضيف ثالثٌ ويضحك عالياً؛ فيشاركونه ضحكاً طويلاً ممجوجاً، كلهم، ما عدا أخي هذا

    -  إن أنا أخبرتك بسرٍ، هل تصطحبني معك إلى المرعى؟

    - سر؟ !  أي سر؟

    يصفن قليلاً

    - أجل، هات ما عندك.

    يشق رأسٌ فراغ البئر

    - يوسف

    أهب واقفاً، وأهتف بتوسل

    - عرفت أنك لن تتركني

    - مازلت حياً... شكرًا للرب

    يرمي لي بجرابٍ جلديٍ ممتلئ بالماء، وبعض أرغفة الخبز، ثم يختفي

    أنهار مرةً أخرى على الأرض.. أفقد كل طاقتي وما تبقى لدي من قدرةٍ على المقاومة، اليأس كفنٌ يلتف حول روحي بإحكام، حتى البكاء لا أجده، أغلق عيني مستسلماً لقدرٍ ما لا أعرفه، لكنني أميز بوضوحٍ هسيس خطواته تقترب بتؤدةٍ وإصرار

    يوسف

    أسمع الصوت فأفتح عيني وأهب واقفاً

    أنظر لأعلى.. لا أحد هناك، لا شيء سوى سماء صافية، ونجوم تتدلى كقناديل صغيرة- يوسف..

    يتكرر النداء، فأتلفت حولي..  أتحسس جدران البئر الصخرية مرتعباً... فقط، كان الظلام والبرد، وخوفٌ بحجم الكون

    - ممممن

    أهمس مرتجفاً..  أدور حول نفسي

    يوسف

    صوتٌ أكثر عمقاً تلك المرة... صوتٌ قويٌ مسيطرٌ، يبدو نابعاً من أعماقي، يحتل وجودي ويتلبسني كروحٍ قدس

    - وما الروح القدس يا أبت؟

    يبتسم متملياً وجهي، ويقول:

    - هي رحمة الرب إذ تتجلى على القلوب يا بني

    أغلق عيني مطمئناً، أبتسم حين أرى وجه أبي متجلياً خلف الظلمات، أسوي الجرة الجلدية التي فرغت تحت رأسي

    يوسف...

    أعانق الصوت، وأستسلم لنومٍ عميق..

    ––––––––

    3

    خطواتك آثمةٌ يا روبين.. تحاول جعلها منكسرةً مترددة قدر استطاعتك، رأسك المطأطئ في حزنٍ مصطنعٍ، كتفيك المتهدلتين، ورأسك العاري المغبر، ولحيتك المشعثة

    - أبتاه

    صوتك المرتعش، وعيناك المحمرتان، وتلك الالتماعة في عينيك، أكانت دموعاً؟ !

    - لا يا لاوى

    - لم يا أبت؟

    يسأل مبتسماً- تلك البسمة الصفراء يا لاوى-  

    - دعه يأت معنا

    يضيف مستعطفاً

    - الطقس صحوٌ، والشمس مشرقة، وفي المرعى، ماءٌ وكلأ، وفراشاتٌ ملونةٌ وعصافير

    أهذا أنت يا شمعون؟! تحبه - يوسف- لهذا الحد؟

    - دعوه معي، فهو سلواي حين تغيبون

    أقول؛ فيضحك روبين..  ضحكته خشنةٌ ممطوطةٌ، يتبعها دائماً سعالٌ جاف

    - تحبه حباً جماً يا أبت

    ويلي حين تضغط على حروفك، كازاً على أسنانك بهذا الشكل يا روبين!

    - أخوكم صغيرٌ غر، والمرعى واسعٌ، والصحراء تمتد إلى ما لانهاية

    - اطمئن يا أبي

    أقربهم أنت إليه يا يهوذا، تحبه بلا شك، لكنك واحدٌ يا بني.. واحدٌ وهم عشرة

    - أنا أضمن لك عودته سالماً

    - يا إله السماوات!

    أهب فزعاً من نومي، صدري يعلو ويهبط مضطرباً، متحشرجةٌ أنفاسي، زائغ العينين أبحث عن هواءٍ، وعرقٌ باردٌ يغطيني كما لو أنني خرجت لتوي من المغطس

    - يعقوب

    تستوي راحيل جالسةً في الفراش

    - ما بك يا حبيبي؟

    تمسح العرق عن وجهي بلهفةٍ وخوف، تضم رأسي إلى صدرها الدافئ المكتنز، بينما أصابعها تتخلل خصلات شعري الغذير

    - اهدأ.. اهدأ يا حبيبي

    أنتفض كفرخٍ سقط في وعاء ماءٍ يغلي. قبلت جبيني ووجنتي

    - يوسف

    أهتف

    - يوسف؟ ما به؟!

    أرمي الغطاءوأهب واقفاً، أجري إلى حيث الستار المسدل في منتصف الخيمة، تتبعني فزعةً

    - ما بك يا يعقوب؟ ما به يوسف

    أزيح الستار بقوةٍ

    - لله ما أجملهما!

    تقول راحيل التي طوقت وسطي بذراعيها مطلةً عليهما من فوق كتفي

    - أنظر كيف ينامان كملاكين، متعانقين بحبٍ وطمأنينة

    كان يوسف ملاكاً من نورٍ يبتسم، يضم أخاه (بنيامين)، أبتسم رغم تلك اليد الباردة التي تعتصر فؤادي، أقترب منهما..  أركع على ركبتي..  أقبلهما، أحكم لف الغطاء حول جسديهما، أقوم متثاقلاً، أطيل النظر ليوسف قبل أن أسدل الستار

    - ماذا رأيت يا يعقوب؟

    - لا شيء يا راحيل

    ترمقني بشكٍ..  تتأملني قلقةً عابسةً، أتصنع التشاغل عنها، وأحرك فمي متمتماً، تتنهد مستسلمةً وتتمدد، تعانقني وتدفن رأسها الجميل في صدري، يتناثر شعرها على جسدي كسجادةٍ من حرير، يجتاحني عبقه الوحشي السطوة؛ فتهدأ نفسي قليلاً، يجافي عيني الوسن؛ فأظل مستيقظاً أحملق في سقف الخيمة متفكراً...

    لتكن مشيئة الرب

    أتنهد مستسلماً، فيضحك روبين، ويهلل لاوى، أتبادل نظرةً ذات معنى مع يهوذا؛ فيبتسم وهو يهز رأسه

    - اطمئن يا أبت

    بحثت عنك ساعتها يا يهوذا، كنت أسترق النظر إلى مدخل الخيمة، بينما أخوك الأكبر يبحث عن دمعةٍ عصيةٍ، يواري بها سوءة روحه، لم ألتفت لنشيجه المفتعل، واهتزاز جسده الضخم، وكلماته التي تكاد تصرخ مع كل حرفٍ، فاضحةً جريمتكم الشنعاء..  أمسكت القميص الغارق بالدماء، شممته فوجدت فيه يوسف ولم أجد دمه! شكرت الذئب الذي كان رحيماً بي وترك قميصه كما هو لم يمزقه، أثراً أتلمس فيه ريح يوسف..  قمت، لا أدري كيف؟، وخرجت متكئاً على عصاي، لم تكن ثمة أرضٌ لتميد بي ولا سماء فوقي، تركت القميص لراحيل التي شقت جلبابها وافترشت الأرض تهيل التراب على رأسها صارخةً، وتخمش وجهها بأظافرها هاتفةً باسم يوسف..  بحثت عن وجهك يا يهوذا بين تلك الرؤوس المخزية المطأطئة، المجللة بالإثم والخطيئة، متمنياً ألا أراه، أنظر متملياً إلى ما خلف الربوة العالية، فأراك تلهث، مجرجراً قدميك، حاملاً أخاك، تلوح لي بذراعك

    - نفذ أمر الرب يا أبت

    أها!.. إذن فأنت هنا.. معهم، نفذ أمر الرب يا يهوذا!! أتحاشى النظرفي عينيك، أطرق قليلاً، أرسم بعصاي دوائر، وخطوط غير ذات معنى على الرمال، دمعةٌ ملتاعةٌ أشعر بها كالحنظل في فمي..  يمتلئ قلبي بمرارةٍ وقهر..  أدور مترنحاً، أجرجر قدمي في الرمال عائداً للخيمة، أزفر كبركانٍ ثار بعد رقادٍ طويل، أردد دون أن أحرك شفتي

    - لتكن مشيئة الرب.. لتكن مشيئة الرب...

    4

    (يا بشرى! هذا غلام!)

    أفتح عيني، والهتاف الفرح المندهش يرن في أذني كرجع صدى قديم، أتمطى بينما أنظر حولي..  الظلام دامسٌ، والهدوء يبسط رداءه على المكان، أتحسس الحاشية الناعمة تحتي

    وأستوي جاساً. رويداً تعتاد عيناي الظلام، وتسرح في تفاصيل المكان، أتثاءب وأدس قدمي في الحذاء الجلدي وأقوم، أرفل في ثوبي الفضفاض الناعم متجهاً نحو الطاولة الخشبية في ركن الغرفة الشرقي، أتناول قنينة النبيذ الأحمر، أصب ما تبقى منه في كأسٍ من خشب الأبنوس الأسود المصقول، أرشفه دفعةً واحدةً؛ فينساب في حلقي حامضاً قوياً، فأسعل، يصيحُ ديكٌ مبدداً الصمت، أضع الكأس على الطاولة وأقترب من الشباك، أزيح ستاره الأسود السميك؛ فيتسلل شعاع نورٍ على استحياء، أزيح الرتاج وأفتحه على مصراعيه؛ فينسكب الضوء الصباحي الهادئ مفترشاً أرض الغرفة، أتأمل صفحة النيل المستكين تحت قدمي القصر المنيف، في المسافة بين المدى والبصر، مساحاتٌ خضراء تمتد إلى مالا نهاية، لا أثر هنالك للون الأصفر

    - الصحراء تليق بالعارفين

    - كيف يا أبت؟

    ويطرق قليلاً ثم يرفع رأسه, ويرسل بصره بين النجوم

    - هنا تعانق الأرض السماء، وتتحد الكائنات بالرب

    على الباب أسمع طرقاً دافئاً متتابعاً ملهوفاً، أدفع المزلاج وأطل برأسي دون أن أفتحه كاملاً

    - ألن تدعوني للدخول؟

    لوهلةٍ أصمت متفكراً

    - بكل تأكيد

    أجيب، وأنا أتراجع للخلف خطوتين وأفتح الباب على مصراعيه، مومياً برأسي

    - تفضلي

    أسبل جفني، وهذا العطر يغمرني ساحقاً، ويتسلل عبر مسامي

    - صباحٌ رائق

    تقول بينما تجلس على حافة فراشي

    - كنت أتريض على شاطئ النيل, ورأيت شباك غرفتك مشرعاً

    تتكئ على الحاشية بذراعيها العاريتين البضتين، وتضع ساقاً على الأخرى، فينحسر ثوبها الحريري إلى ما فوق ركبتيها، تهز ساقها شاهقة البياض، فيسقط عنها الحذاء الجلدي كاشفاً عن قدمين ناعمتين مجلوتين، أصابع مخضبة بالحناء, وأظافر طويلةٍ مطليةٍ بلونٍ وردي

    - اقترب يا يوسف

    ترفع ذراعها محركةً إبهامها ببطءٍ أن تعال

    - علي أن أسرج فرس سيدي، وأجهز له ال..

    -  غادر سيدك قبل طلوع الفجر

    تتمطى؛ فيتلوى هذا الثعبان الأحمر الراقد أعلى كتفها فاحاً اللهب

    - استدعاه الملك، فخرج على عجل

    أهمهم بكلامٍ غير مفهومٍ، وأطرق محاولاً الفرار من العينين المترعتين بالنداء

    -  طلبت منه ألا يزعجك

    يرتفع رأسي، فأجدها أمامي، وكفها اللدنة تحت ذقني

    - أبحث عن راحتك دائماً

    تهمس

    - سيدتي..أش.. احم.. أشكرك

    في جسدي يسري هذا التيار العارم الذي يشبه رجة زلزال

    - وأنا..؟

    كل شئٍ يتلاشى.. تذوب جدران الغرفة، تميد اليابسة وأغوص في الأراضين السبع

    - أ.. أنت.. أنت.. مماذا يا..يا سيدتي

    أدير وجهي بعيداً، أيممه نحو الشباك علني أجد السماء الصافية وصفحة النيل، وهذا الخضار المترع بالسكينة والدفء

    - من يريحني؟..  من يطفيء نار زليخا؟

    يا إله السماوات!! ليس ثمة غير هذا الوجه المتلهف، والعينين الراغبتين، والليل المتنكر في هيئةِ شعرٍ، يضوع بالمسك، وينثر اللهب، حملتني الذكريات إلى البعيد، في تلك اللحظة، تجسد أمامي كل ما جاهدت كي أنساه

    يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكباً

    ألقوه في غيابة الجب

    لا تخبر إخوتك

    يا بشرى، هذا غلام!!!

    على حافة البئر تحلق الجمع حولي، يتأملونني مندهشين

    - يا رب الغرائب، والأعاجيب!

    قال الذي أخرجني من البئر

    - ما أجمله!

    فاغراً فاه قال آخر

    - من أنت يا فتى؟

    سأل من يبدو أنه كبيرهم بجفاءٍ، وكأنما أكلت الطير لساني؛ صمت! عارياً كنت أرتجف، أقلب عيني فيما بينهم بفزعٍ وذهول

    - هو أخرسٌ على ما يبدو

    قال واحدٌ، مشفقا

    - أحكموا وثاقه

    هتف كبيرهم. آلمني الحبل الخشن المعقود حول كفي الطريتين، والقيد الثقيل في قدمي، وهذا اليأس الذي جثم على صدري كحجرٍ ثقيل، أصابني الغثيان والراحلة تهتز بعنفٍ..  أجلسوني بلا سرجٍ، ولا حاشةٍ؛ فاشتعلت تحتي النار، وبكيت يوسف.

    لفحني لهب الأنفاس اللاهثة، والهمس المعطون بالرجاء..  تراجعت خطوتين، فأمسكت بردائي.. جذبتني إليها بعنفٍ، فالتصقت بها.. أمسكت بكفي.. وضعتهما على وسطها، وطوقت عنقي بذراعيها.. قاومت بشدة.. دفعتها؛ فتراجعت خطواتٍ، وكادت أن تسقط على الأرض.. عاودت الاندفاع نحوي وهي تموء كقطةٍ وحشية.. ألقت بنفسها عليّ.. عاودت دفعها بقوةٍ أكبر؛ فسقطت هذه المرة على الأرض.. قامت صارخةً، وجرت إلي.. أمسكت ردائي من الطوق، وشقته حتى آخره.. بقبضةٍ من جحيمٍ، أمسكتني.. سحبتني إلى الفراش، دفعتني؛ فسقطت عليه عارياً.. تجردت من ملابسها، ورمتها بعيداً.. ألقت بنفسها علي، فتحاشيتها، وجريت إلى الباب

    - سيدتي، رجع سيدي وهو يبحث عنك

    على الباب كانت جاريةٌ، مستوية القامة، مطأطئة الرأس في خشوعٍ تقف، لاحظت تلك الارتجافة الخفية التي تجتاح جسدها، وتقاوم كي لا تظهر آثارها..  ذلك الصدر الذي يعلو ويهبط مضطرباً في صمتٍ، والعينين اللتين تحاولان اختلاس النظر لا إرادياً

    - أخبريه أني قادمة

    بتراخٍ أومأت برأسها، فتراجعت الجارية منحنيةً عدة خطواتٍ، قبل أن تدور، مسرعة الخطى كأن شبحاً يطاردها

    - الجواري هنا عمياواتٌ لا يرين، لا يسمعن، ولا يتكلمن

    رفت على شفتيها ابتسامةٌ ذات معنى، وقالت بينما تحل طوق ذراعيها عن عنقي

    - والغلمان أيضاً

    بإبهامها مست شفتي السفلى، قبل أن تتجه نحو الباب، التقطت وشاحاً سقط منها على الأرض، وضعته على كتفيها، ودارت

    - هنا لا شيء غير الطاعة العمياء

    صمتت قليلاً، ثم قالت ضاغطةً على حروف الكلمات:

    - فقط..الطاعة العمياء يا يوسف

    غمزت بعينها، وانصرفت، جاهدت حتى انتظمت أنفاسي وزال اضطرابي، تلفتت لأتفقد آثار المعركة التي دارت رحاها منذ قليل، كان الفراش مرتباً كما تركته، كل شيء في مكانه، وردائي يلف جسدي ناعماً فضفاضاً!

    ––––––––

    5

    راحيل

    الوقت ضحى.. صيف حاران مرجلٌ تغلي منه الدماء في الرؤوس، ويذوب الجلد عرقاً ساخناً غزيراً، الشمس ناعسةٌ ما تزال، تتمطى فترسل أشعتها حمماً تصلي الأجساد، الرمال على امتداد البصر تنفث اللهيب، الصخور قطعٌ كبيرةٌ من جمرٍ مشتعل، تهب الرياح ساخنةً؛ فتكوي وجوه المتحلقين حول البئر ينتظرون

    - تباً للآلهة

    يهتف صوتٌ مغتاظٌ، يطرح قربته الجلدية أرضاً..  صمتٌ ذهلٌ ران على الجميع

    - أجننت؟!

    يلكزه جاره صائحاً، فتسري همهماتٌ مبهمةٌ، وتشرئب رؤوس

    - بل تباً للصحراء

    يقول آخر

    - تباً للجفاف

    - تباً

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1