سَوَانِحُ عَابِرَة إلى نُفُوسٍ حَائِرَة
()
About this ebook
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء، وإمام المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
في محرابه يحطّ المرء عنه نياشينه ليعود طفلا كما درج أول مرة، وقد جعلها ربي محاريب شتى، وأذن للقلم والدواة أن تتنزّل في هذه المحاريب منزلة السيد في قومه، وكان القلم وكنت به أتنفس حين يضيق النفس، حين عجز عن الكلام، وحين يكون الصمت الملاذ الآمن.
صنعت به مدن الريحان، وشخوص ذات تيجان، وخوالج غنج وأنغام هذّبت حزني حين كسوته غلالة من السماء، ثم صنعت منه مُوشّحاً متفرداً سلوى للعابرين وعرفاناً لربي رافع النقم ومجزل النعم.
دبجته رسائل تترى، ربما الحنين ساقيها، والشوق ساعيها غير أنها جسر إلى أحبة حجبهم الغياب وبقيت أرواحهم تسعى، وإلى كل فتاة طافت وجالت حافية ترمق السراب بقيعة تحسب فيه السعادة، فلم تجده شيئا وقصصا لعابرين مرّوا وبقي أثرهم ينخر بعضه، أعمدة المجتمع وبعضه الآخر يرممهم.
الواقع ليس مثالياً، ولم يعِدْنا ربُّنا في هذه الحياة بالسلامة التامة، بل جعلها دنيا نتقلب فيها بين السعادة والشقاء، الغنى والفقر، والحياة والموت حتى يترسّخ فيها ذلك المعنى السامي، إنها دار عبور، فلِمَ الحرص إذن ؟ ولِمَ التهالك على الهالك في جميع الأحوال، وقد أشار الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام إلى هذا المعنى، فيما رواه عنه عبدُ اللَّه بن مَسْعُودٍ حيث قَالَ : «نَامَ رسولُ اللَّه ﷺ عَلَى حَصيرٍ، فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ في جَنْبِهِ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله، لوِ اتَّخَذْنَا لكَ وِطَاءً، فقال: مَا لي وَللدُّنْيَا؟ مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» [رواه الترمذي].
لذلك وُجِد الألم ليصقل مداركنا، ويلهب واعج النفس فتظهر على شكل حبات لؤلؤ، ثم يأتي السرور بعد أن عرجت الروح في معراج التسامي، وتيقّنت أنَّ ما أصابها لم يكن ليخطئها، وما أخطأها لم يكن ليصيبها.
وقد سعيت بهذه السوانح العابرة تسلية نفسي وغيري، فليس بعد كل أَلَم إلا مستراح ويُسْر.
للقارئ اللبيب غُنْمه، وللكاتب غُرْمه، فإن رأيت عيباً فَسُدَّ الخللَ.
Related to سَوَانِحُ عَابِرَة إلى نُفُوسٍ حَائِرَة
Related ebooks
سَوَانِحُ عَابِرَة إلى نُفُوسٍ حَائِرَة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsبين البوح والكتمان Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمناجاة أرواح: جبران خليل جبران Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالباب المرصود Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالأجنحة المتكسرة: جبران خليل جبران Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsقبض الريح Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsبين زوايا الغرفة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsابتسامات ودموع Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالسحاب الأحمر: مصطفى صادق الرافعي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsقيراط الحب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsزوج التنتين Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsظلمات وأشعة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsشهي كالبرتقال Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsوعطرك يبقى Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsصيف ممطر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالأجنحة المتكسرة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأحزان فرتر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsحالة حب موسمية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأمنيات Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالأرواح المتمردة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالتجاريب: مجموعة مقالات اجتماعية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsحصاد الهشيم Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمذكرات Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsغربان على صنم Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsجوسلين Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمحاضرات عن إبراهيم المازني Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالذخيرة في محاسن أهل الجزيرة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsجوسلين Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالسراب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsرسائل الأحزان: في فلسفة الجمال والحب: مصطفى صادق الرافعي Rating: 0 out of 5 stars0 ratings
Reviews for سَوَانِحُ عَابِرَة إلى نُفُوسٍ حَائِرَة
0 ratings0 reviews
Book preview
سَوَانِحُ عَابِرَة إلى نُفُوسٍ حَائِرَة - مرام حسناء يوسف بن مسعود
رسائل الحنين
وكنت كلما هزني الحنين، واعتصر الفؤاد.
رحت أسكب الحبر بلا هوادة.
وأستعطف الحرف أن يكون جوادا
وبفوضى كَلْمَى أكسر الجمودا
أنثر الحرف هنا وهناك
أبحث عنكِ بين السطور
أكتب عنكِ وإليكِ
عن خضرة عينيك، وضحكة فاكِ
حضنك الحاني، وديباج يمناكِ
أرسل أشواقي
أحزاني وآهاتي
تقطع أنفاسي
وانسكاب عبراتي
كثافة روحي وانشطاراتي
كمحمومة أضناها بلّ الرأس
لأرسم فسيفساء من صميم حواسي
حبّرتها بمداد من الروح، وشريط أنفاسي
ثم أتوقف حينا، وأفكر هنيهات
في اللوحة نقص لم يكتمل، مازال قلبي أسي
ثم أنثر حروف اسمك كحبات ألماس
الغين.. غيث صيّب طيب كان يسقي ربى حياتي
النون.. نهر عذب يجري بالمسرات
الياء.. يمن دائم وأبواب فتحت بالبركات والدعوات
التاء.. تاج رصع بالزمرد يشع في أحلك الظلمات
اااآه..أماه بعد فقدك استوى عندي كل فقد
بت أجهل الأخذ والرد
وحتى العدّ، أفتراه قلبي بعدك سيسعد..؟؟
مرثية
قال لي يوما والدمع منهمر...
والقلب من كمده يكاد يستعر...
أي بنية إن البشر كالشجر
المثمر منها لا يعمّر إلا ما ندر
والعبرة بحسن السمت والأثر
والشقي من لمصابه ناح وتبر
وفقدي ليس كفقدكم بل أدهى وأمرّ
أبعد أن قاربت الثمانين وضاع العمر
وكساني الشيب وضعف السمع والبصر
أفارق روحي وبستاني بل ونهري المنهمر
مأوى فؤادي هي غطائي المدثر
صيّنة رقيقة القلب حسنة المعشر
كريمة جادت وأثمرت لي بنين وبنات كالدرر
أيطيب لي بعدها عيش أم أميل إلى الزهر
كلا وألف كلا إني صابر رغم الأسى مصطبر
راضٍ بوحدتي بتصرم أيامي وإني لمعتبر...
وإني لمعتبر
سوق الدلالة
وسط فوضى الأيام وانفراط الساعات.. وجدتني رابضة على الهامش، ألوح للعابرين وهم يحملون أوراق ذكرياتهم العطنة!. سجنها الطويل بين دفتي الكتاب وهي تفترش أديم الصفحات، أفقدها الرغبة في الانفلات والتحرر أو الولوج إلى سراديب النسيان..
وبعد أن غزتها جحافل العَثِّ وشارفت على الهلاك، أخذت في التنهّد والتأوّه والتأفّف..
اقتنصتْ الرياحُ الفرصةَ لتهُبَّ وتُلهِب مكامنَ الحسرة تلك، تطايرت الأوراق، وهي لا تصدق خبر الرياح، أن في لحظة الهلاك الفارقة تولد المعجزات، ومع أول طرقة مطر بدت ملامح التغيير أكثر وضوحا، شاهدت الأوراق نفسها وهي تنزف حبرها الكامن، فابتسمت الذكريات وتلاشى الأديم!.
بين تلاش وابتسامة، دبّ خَلق جديد في الكتاب الذي لم يطلق على نفسه أي تسمية من قبل، كان مجرد حاوٍ يبتلع ما أسند إليه بصمت مطبق، ثم يعيد عرضه في سوق الدّلالة، حيث تعرض الغرائب وتقصده جميع أطياف البشر، وها هو الآن يشتهي أن يقلب صفحاته أحد ما، وربما يضع عليه تسعيرة أو حتى عنوانا يترادف وغلافه المتموج بكل ألوان الطيف، غير أن لا أحد اقترب..
في سوق الدّلالة الخردوات أغلى قيمة من الكتب، هكذا ارتأى صاحب المتجر الذي قرر منح الكتاب لأول عابر عند شروق الشمس..
أتساءل لماذا كنت يومها العابرة الأولى ليشتريني كتاب؟
حملته فحدثني عن نفسه وعنهم...
الأحلام فخ، الذكريات هيستيريا الأحياء، وحدها الهوامش والغلاف من يقولان الحقيقة، أما التفاصيل فهيفواصل في حروب معتمة، وعلامات التعجب محض اهتراء، والاستفهام تدابر، العناوين تنابز، القصص جسور من ورق.
أنهار الدموع جفاف في المحبرة.. الخيال قاصر.
أجلسني الكتاب على هامش من هومشه وراح يسرد ويسرد.. سرده الشيق والمسترسل أنساني سبب وجودي هناك، ولماذا حملته معي، وإلى أين كنت ذاهبة.. محاولة إيقافه عن الحديث بدت مستحيلة، بعد برهة دخل الكتاب في حالة هذيان رغم ذلك لم أتمكن من إيقافه...
طوال عمري كنت هكذا، أنصت للآخرين دون مقاطعة، أدافع عنهم دون طلب منهم، حتى لقبتنيأمي بمحامية الفقراء، وكم سببت لي عادتي هذه من متاعب، حتى مع أمي، حين تحدثني عما يؤلمها أحاول تهوين الأمر وتبرير أفعال الآخرين، فتغضب وربما تخاصمني لم يكن قصدي أبدا أغضابها بقدر ماكان حبي لها يدعوني لذلك، بيد أن الحب يجعل المرء ينزف روحه بسذاجة!
-اسمك شهرقومس..
-فجأة توقف عن الهذيان.. ماذا.. هل قلت شيئا؟
-نعم، من اليوم أنت صديقي وقد سميتك شهرقومس، ألا