Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

رسالة السيدة العمياء
رسالة السيدة العمياء
رسالة السيدة العمياء
Ebook244 pages1 hour

رسالة السيدة العمياء

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

حين بدأت الكتابة، كنت ما أزال طالباً بكلية الهندسة، كان الواقع يشغلني لكن مع مرور السنوات اكتشفت أن الخيال أكثر ابهاراً لعقلي. تلك المجموعة القصصية هي نتاج جلسات طويلة تركت العنان لروحي أن تحلق بعيداً عن قيود الحياة النمطية لكن في أغلب تلك القصص كان المجتمع المصري حاضراً بشدة فكان هو البطل الخفي وراء الشخصيات وتحولاتها.

Languageالعربية
PublisherNabil Nazih
Release dateApr 8, 2023
ISBN9798215357217
رسالة السيدة العمياء

Related to رسالة السيدة العمياء

Related ebooks

Reviews for رسالة السيدة العمياء

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    رسالة السيدة العمياء - نبيل نزيه

    رسالة السيدة العمياء

    365 يوم مرت على رحيل والدته، في كل يوم يحاول أن يتناساها، أن يتلاشى رائحتها التي تنبعث من كل ركن من أركان المنزل الذي جمع يوماً عائلة تكونت من أبيه سيد نور ومن والدته فايقة وأخته الكبرى نورا ومنه حازم سيد نور...

    توفي والده منذ احدى عشر عاماً وتزوجت أخته في نفس العام من المحاسب ذكي كامل، فخلا المنزل من الجميع عدا هو ووالدته السيدة فايقة، وكان حينها في الثانية والعشرين من عمره.

    كانت علاقته بأمه جيدة، لكن كل شيء تغير منذ وفاة والده، حيث أصبحت السيدة فايقة ميالة إلى الوحدة الحزينة فشعر بغضب عجيب منها وكأنه يستنكر عليها حزنها بالرغم من أنها لم تقصر في اهتمامها به على الإطلاق، فلاذ بالصمت وتحاشا الحديث معها حتى أنه كان يتعمد العودة إلى المنزل بعد موعد نومها.

    وجاء يوماً مشئوماً سقطت فيه السيدة فايقة من على كرسي خشبي أثناء تثبيتها لأحد الستائر، حادثة عادية قد تؤدي في أسوأ الأحوال إلى كسر أو عدة كسور لكن جسد المرأة العجوز استقبل ذلك السقوط بفقدان تام للرؤية.

    أصبحت السيدة فايقة عمياء بلا أمل في شفائها، وحين اجتمع ولداها ليقررا ما سيفعلاه بشأن والدتهما، اقترح حازم أن تأتي خادمة لتمكث معها في النهار وتعطيها الدواء وتهتم بشئون المنزل في غيابه، لكن مصاريف تلك الخادمة باهظة والعين بصيرة واليد قصيرة، فهو الموظف بأرشيف الحكومة ولا يتعدى راتبه مئات قليلة من الجنيهات. هكذا اضطرت نورا أن تساهم في مصاريف الخادمة على مضد في حين اقترح زوجها أن يضعا والدتهم في أحد دور العناية الخيرية وقبل أن يزين الفكرة قابله حازم برفض قاطع فصمت متذمراً لا يفكر سوى فيما سيستقطع من راتب زوجته من جنيهات غالية.

    هكذا مرت أيام وسنوات طويلة، وزادت الأمراض في جسد السيدة فايقة مما ضاعف من مصاريف علاجها وأخذت تدخل في نوبات أشبه بالغيبوبة لفترات طويلة ولم تعد تتحدث على الإطلاق حتى ظُن أنها فقدت القدرة على الكلام. وبدا الزواج حلماً بعيد المنال عن حازم الذي فشل في ادخار أي مبلغ من المال ليس فقط بسبب مصاريف علاج أمه وراتب الخادمة كما كان يدعي، بل لأنه كان دائم السهر مواظباً على الخمر الرديء وعاهرات الدرجة الثالثة، وكان يصطحبهن في جنح الليل إلى منزله مطمئنأ أن عيني أمه - لو كانت في يقظة من غيبوبتها - لن تريا شيئاً وأنها وان سمعت حركة غريبة فلن يساعدها جسدها أن تتبين مصدر الحركة الغريبة في المنزل...

    حوالي ثمان سنوات والحال هو الحال، لكن أخيراً رزقت نورا بطفل، وقرر زوجها أنه آن الوقت أن تتوقف الإعانة الشهرية، وهكذا وجد حازم نفسه محروماً من سهراته ونزواته وقفزت فكرة الزواج أمامه، لكن من سترضى به وقد تعدى الثلاثين دون أن يحرز تقدماً محترماً في الوظيفة ودون مبلغاً من المال يعينه على مصاريف الزواج، والأهم من سترضى أن تعيش مع سيدة بين الموت والحياة...؟

    وفي يوم أتت أخته وزوجها بصحبة الرضيع بحجة زيارة السيدة فايقة، لكن الغرض الحقيقي من تلك الزيارة كان أن تمد نورا يدها خلسة في دولاب أمها لتسرق منه علبة الحُلي، وخططت أن يشغل زوجها أخيها في الصالون كي تتمكن هي من التسلل لغرفة الأم، وحدث كل شيء كما خطط له لكنها فوجأت بأمها تصدر صوتاً متشنجاً في سريرها وكأنها رأتها تسرقها فخرجت من الغرفة مهرولة.

    نظر ذكي في عيني زوجته فأدرك فشلها، ورمق حازم بنظرة مستهزئة ثم قال له: انت مش ناوي تتجوز؟ صمت حازم، فيما قام ذكي حاملاً رضيعه مشيراً لزوجته بانتهاء الزيارة ومال على أذن حازم : اخلص منها أي تغيير ولو بسيط في الأدوية، ومتنساش ان الشقة ديه مكتوبة باسمها...

    لم يكد ذكي يكمل عبارته حتى انفجر فيه حازم طارداً اياه من المنزل، وبعد أقل من أسبوع من هذه الواقعة توفيت السيدة فايقة.

    واليوم وبعد مرور عام من رحيلها، استيقظ حازم قبيل الفجر وهام على وجهه في المنزل، كان قد رفض لسبب لا يعلمه أن تباع الشقة، وحدثت قطيعة بينه وبين أخته حين هدد زوجها بكسر قدمه حين اتهمه الأخير بقتل والدته! لم يكن قد قتلها، لا ينكر انه فكر مرات في التخلص منها لكن نفسه لم تسمح له ربما بدافع الخوف أو الشفقة لا يهم، لكنه في النهاية لم يقتل أمه. وشعر أنه يفتقدها بالرغم من أن علاقته بها كانت مقطوعة تقريباً بعد وفاة والده. وبكى، لم يبكها في موتها، حسد أخته على تلك الدموع والصرخات التي أطلقتها في الجنازة، وها هي الآن دموعه حقيقية ساخنة على وجهه لا يعرف إذا كان يبكي أمه أو يبكي نفسه. مات السيدة التي طالما ألصق بها فشله، ومر علة موتها عام ومازال هو كما هو، لم يبع البيت ولم يتزوج ولم يدخر قرشاً واحداً...

    كان قد أغلق غرفة أمه بمفتاح منذ وفاتها ولم يدخلها أحد حتى الخادمة التي كانت تأتي لتنظيف البيت. وأمام باب تلك الغرفة وقف لحظات ووجد نفسه يدس المفتاح في مكانه ويلفه ليصدر الباب أنيناً وهو ينفتح أمامه.

    كانت الشمس قد أرسلت شعاعاً إلى داخل غرفة الأم، فظهرت معالم الغرفة أمام عينيه باهتة، الدولاب الخشبي، والسرير الذي نام عليه يوماً أبيه وأمه، والكومودينو على يسار السرير وعليه راديو - كاسيت اعتادت أمه أن تستمع إليه حين كانت تستفيق، وكذلك مرآة التسريحة والكرسي الصغير أمامها.

    امتلأ كيانه برائحة حميمة، تلك الرائحة التي كان يشمها وهو طفل حين كان يلتجئ لحضن أمه فيشعر الأمان ويرفع عينيه إلى فوق ليرى عينيها الباسمتين تطمئنانه، وهكذا رفع عينيه لكن عيناها لم تكونا بانتظاره لتطمئنه...

    بتثاقل شديد ألقى بنفسه على السرير فشعر برجفة غريبة تنتاب جسده، وتأمل الغرفة في أسى وهو يمسح ما تبقى من دموع على خديه، وقعت عينيه على الراديو كاسيت فابتسم ابتسامة كالحة وضغط على زر التشغيل فخرج صوت ام كلثوم يغني ألف ليلة وليلة، أغنية امه المفضلة التي لم تمل يوماً من سماعها أو ترديدها.

    شعر بروح أمه تشع بهجة غريبة في أرجاء الغرفة وكأنها تنظر إليه من الأعلى بنفس تلك الابتسامة القديمة، واستراح لتلك الفكرة لكنه فوجئ بصوت الكاسيت يتحشرج، وبدلاً من صوت أم كلثوم، خرج صوت والدته من السماعة، فانتفض جالساً على السرير ناظراً بذهول إلى الراديو - كاسيت، وكان صوت أمه متألما، مجاهداً أن يخرج:

    " حبيبي...

    أنا عارفة انك هتسمع الكلام دة في يوم، عارفة انك هتسمعه لوحدك، سنين عدت كنت مستنية تيجي في حضني، تيجي تكلمني بس انت كنت بعيد وأنا مكنتش عايزة أضايقك، حتى لما اتعميت وقعدت في السرير كنت بستنى يوم تيجي تبص علي بس كنت بقول لنفسي انه مش قادر يشوفني وأنا تعبانة وعامية، صح؟ انت مكنتش قادر تستحمل تشوفني وانا عيانة مش كدة؟

    العمى دة غريب، بيخلي الواحد يسمع ويشم أكتر من الطبيعي، في أول سنة كانت الدنيا ضلمة وبعدين بديت أتعلم أشوف بوداني ومناخيري، كنت عارفة انك شقي وكنت عارفة ان أنا السبب في انك متجوزتش. لأ أنا بكذب، أنا كنت بخاف أصرخ وأبين اني عارفة لما بتيجي معاك بنت لتطردني في الشارع أو ترميني في دار عجزة، انت مكنتش هتعمل كدة؟ صح؟ أنا بخرف؟

    كنت خايفة يا ابني، الضلمة وحشة والموت كان حلم بعيد بتمناه عشان أستريح وأريحك، وأريح أختك وجوزها.

    وفي يوم جت أختك وحاولت تفتح الدولاب عشان الدهب، وأنا بينتلها إني عارفة هي بتعمل ايه، مكنش هاممني الدهب، طظ في الدهب، أنا عمري ما كنت هلبسه تاني، بس بنتي بتسرقني عشان أنا عامية؟ أنا صرخت ساعتها من الوجع...

    وفي اليوم دة سمعته بيهملسك في ودنك إنك تقتلني، وازاي انت طردته، كان دة كفاية علي اني أعرف انك لسة بتحبني، مش انت بتحبني زي زمان زي أيام ما كنت بجلك لعب أحطهالك تحت المخدة ولما تسألني جت منين، أقولك العصفورة جابتهالك؟

    أنا بلبعت أدوية مع نفسي، كنت عايزة أمشي بقا، يمكن أما أمشي ربنا يسمح لي أشوفك انت وأختك وبنتها حفيدتي ولو لحظة واحدة...

    قبل ما أمشي سجلت الكلام دة، كنت عايزة أقولك إني بحبك..."

    وعاد صوت أم كلثوم ...

    كانت الدموع تنهمر من عينيه كأمطار شتوية غاضبة فيما صدره يعلو ويهبط في ذعر، كانت حوله بروحها حتى كاد يلمسها وللحظات ارتجف جسده وفقد السيطرة على نفسه حتى ظن أنه أصيب بالشلل، وبقى على حاله دقائق طويلة وأخيراً صرخ: أنا اللي قتلتها!

    غاب فيما بين نوم وغيبوبة حتى الثالثة ظهراً، وحينما استفاق وسيطر على نفسه تمام السيطرة، توجه إلى الراديو - كاسيت محاولاً إعادة الرسالة لكنه لم يجد سوى صوت أم كلثوم.

    29/1/2016

    احياء العرف

    كانت علاقتهما أشبه برواية رومانسية رخيصة من النوع الذي تفضله الفتيات في سن المراهقة كُللت كما هو متوقع بالزواج في حفل أقيم بأحد ديار القوات المسلحة. الخطوبة وتجهيزات منزل الزوجية وأخيراً حفل الزفاف كانوا بالنسبة لهما مجرد خطوات في سبيل أن يغلق عليهما باب غرفة واحدة في الحلال. العروسة ميرنا والعريس مروان شابان في بداية الثلاثينات، وابنان باران للطبقة الوسطى التي تدعي الثراء في العلن وتحسب نفقاتها بالسحتوت في الخفاء...

    كانا قد اتفقا سوياً على تفاصيل الليلة الأولى، وقد اختارا سويا قميص النوم الأسود من فيكتوريا سيكريت - قامت ميرنا بشراء عدة قمصان نوم مثيرة لكن غير أصلية بغرض التوفير – وزوج البيجامات التي سوف يرتديها مروان أثناء أسبوع العسل. وكانت خطتهما حين يختليا بنفسهما في غرفة الفندق كالتالي؛ سوف يذهب مروان إلى الحمام ليغير ملابسه فيما تستعد ميرنا في الغرفة حيث ستخلع فستان الزفاف وترتدي قميص النوم المثير وتتخلص من الألف مشبك في شعرها كي ترخيه على كتفيها وتخفف طبقات المكياج، وحين تصل لدرجة الكمال المنشود سوف تنادي حبيبها كي يأتي إليها.

    كان مروان في عجلة من أمره، وقد انتهى في أقل من دقيقتين من تغيير ملابسه وأخذ يضرب الحمام جيئة وذهاباً في انتظار نداء المحبوبة، فيما اختارت ميرنا أن تتأنى أمام المرآة كعادة النساء، وقد أخذت تدقق في ملامحها وتعبث بأدوات التجميل بحرفية أمام المرآة التي عكست ملامح الغرفة حيث السرير الكبير على جانبيه كومودينو، على يساره الدولاب والممر الذي به بابي الحمام والغرفة، وعلى يمينه مقعدان ومنضدة وباب البلكون.

    فيما أمسكت ميرنا بقلم الكحل ومالت نحو المرآة كي تضع لمسة أخيرة على عينيها، شعرت بأنفاس ساخنة تداعب شعرها فرفعت عينيها سريعاً متوقعةً أن ترى وجه زوجها في المرآة وقد تسلل من الحمام مدفوعاً بلهيب الشوق. لكن ما رأته جمد الدماء في عروقها وقد جحظت عينيها وجزت على أسنانها حتى أخذ وجهها يهتز متشنجاً، لقد كان والد مروان واقفاً خلفها مرتدياً البيجاما التي كان من المفرض أن يرتديها ابنه، وقد أخذت يداه تمسكان بكتفيها. للحظات ظلا ثابتين في مكانهما حتى تمكنت ميرنا

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1