Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الإرهاب من العنف السياسي إلى التهديد الإستراتيجي
الإرهاب من العنف السياسي إلى التهديد الإستراتيجي
الإرهاب من العنف السياسي إلى التهديد الإستراتيجي
Ebook450 pages3 hours

الإرهاب من العنف السياسي إلى التهديد الإستراتيجي

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يأتي كتاب الإرهاب من العنف السياسي إلى التهديد الإستراتيجي لتحقيق أربعة أهداف: الأول: تصحيح المفاهيم المتعلّقة بالإرهاب والإرهابيّين، إذ هناك اختلال في هذا الجانب يعيق خطط المجابهة. الثاني: تجاوز عمليّة الإلهاء والإشغال المقصودة بمسائل دون معنى تتعلّق بأطروحات الإرهابيّين وفتاويهم المنحرفة، فحماية الشعب لا تمرّ عبر هذه الأمور بل تتمّ أساسا بالكشف عن تنظيماتهم وشبكاتهم والتعرّف على وسائلهم وتقنياتهم وممارساتهم. الثالث: إثارة قضية "الحرب على الإرهاب" وسيادة القانون، فقد ترتّبت عن هذه الحرب آثار قانونية على مستوى القضايا الداخلية والدّولية، وأفرزت اتهامات متبادلة حول المسؤوليات والسّياسات المناسبة لمواجهة الظاهرة. الرابع: اقتراح رؤية للمقاربات التي يمكن أن تقوم عليها إستراتيجيّة مكافحة الإرهاب، فالمجابهة تشمل السّلطة السّياسية والقوّة العسكرية والهياكل الأمنية، والأجهزة الدّبلوماسية والمؤسّسات الإقتصادية والإجتماعية، فهي تعبئة شاملة تفرض التعاون الوطني والإقليمي والدّولي.

Languageالعربية
Publishertevoi
Release dateSep 8, 2022
ISBN9789938230048
الإرهاب من العنف السياسي إلى التهديد الإستراتيجي

Related to الإرهاب من العنف السياسي إلى التهديد الإستراتيجي

Related ebooks

Reviews for الإرهاب من العنف السياسي إلى التهديد الإستراتيجي

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الإرهاب من العنف السياسي إلى التهديد الإستراتيجي - محسن بن عيسى

    الإرهـاب

    من العنف السياسي

    إلى التهديدالإستراتيجي

    رؤية أمنية

    للضابط السّامي في الأمن الداخلي التونسي

    العقيد محسن بن عيسى

    الإرهـاب

    من العنف السياسي إلى التهديدالإستراتيجي

    المؤلف: العقيد محسن بن عيسى

    مدير النشر عماد العزّالي

    تصميم الغلاف رشدي بوديـّة

    الترقيم الدّولي للكتاب

    978-9938-23-004-8

    جميع الحقوق محفوظة

    الطبعة الأولى

    2018 م- 1439 هـ

    العنوان: 5 شارع شطرانة، 2073 برج الوزير- أريانة- الجمهورية التونسية

    الهاتف: 880 698 70 216

    الفاكس: 633 698 70 216

    الموقع الإلكتروني:www.mediterraneanpub.com

    البـريد الإلكتروني: medi.publishers@gnet.tn

    يحظر نشر أو تصوير أو ترجمة أو إعادة تنضيد وصفّ الكتاب كاملا أو مجزّأ أو تسجيله على أشرطة كاسات،

    أو إدخاله على الحاسوب أو برمجته على إسطوانات مضغوطة إلاّ بموافقة خطيّة من النّاشر.

    بسم الله الرحمان الرحيم

    ﴿ قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحقّ

    ولا تتّبعوا أهـواء قوم قد ضـلّوا مـن قبـل

    وأضلّوا كثـيرا وضلّـوا عن سواء السّبيـل﴾

    المائدة/77

    مقدمة

    تواجه تونس على غرار العديد من دول العالم ظاهرة الإرهاب التي لا تقتصر على دين أو ثقافة أو هويّة معيّنة. ولا يخفى على أحد، أنّ هذا التّهديد قد تطوّر منذ ستّينات القرن الماضي، واضطرّت الدّول لتطوير خطط مجابهته وفقا لذلك، وانطلاقا من التّسعينات ظهر الإرهاب الدّيني في الدّول الإسلاميّة والعربيّة وشكّل منعرجا خطرا على المستوى الدّولي. ورغم النّجاح النّسبي لبعض الدّول في السّيطرة عليه بعد مواجهات دامية1، أصبح الإرهاب في السّنين الأخيرة واقعا مفروضا نتيجة الإخفاق والفشل في التعامل معه، خاصّة في العراق وسوريا واليمن وليبيا.

    ولعلّّ الكثير من المتتبّعين للشأن العربي يتّفقون معي على أنّ عوامل القلق أضحت متعدّدة: إغراء الشباب للجهاد بسوريا، واستيلاء داعش على عديد المدن بالعراق وسوريا، وتدهور الوضع في ليبيا واليمن، فضلا عن ظهور نسخ أو أجيال جديدة للإرهاب تثير تساؤلات عن السّياسات المعتمدة ومدى جدواها، فالإرهاب في نهاية الأمر هو صناعة سياسية ولا يمكن بالتّالي أن يختفي إلاّ بصناعة سياسية مضادّة.

    وإذا كان لكلّّ منّا الحقّ في أن يفكّر ويعبّر أو يطرح تساؤلات أو يسجّل مآخذ على طبيعة المجابهة، فإنّه لا يمكن بأيّ حال من الأحوال إخضاع الرأي العام لتحاليل خبراء مزعومين تنمّّ مداخلاتهم عن انعدام الاختصاص وقلّة المعرفة.

    ومن المؤكّد أنّ هناك نزعة لاستضعاف الدّولة في الجدل القائم، ولكن مهما تطوّر الإرهاب ليصبح الظاهرة الأخطر في العالم فإنه يظلّ تهديدا، ولا يمكن أن يخيف دولا تحترم نظامها وسيادتها وتاريخها وانتصاراتها. ولا يجب أن نفزع من قوّة أيّ تنظيم إرهابي، فالقضيّة مرتبطة أساسا بمصالح سياسية وإقتصادية، إقليمية ودولية، يوظّف فيها الدّين الإسلامي توظيفا سيّئا.

    وإن لم أكن من مؤيّدي نظريّة المؤامرة التي تتملّك الكثير لتفسير الفشل لديهم وتبريره، فإنّّي لا أستطيع التغاضي عمّا يجري الآن في العالم العربي من انهيار وتفكّك وإشاعة للفكر الإقصائي بما يخدم المشروع الصّهيوني ومشروع الفوضى الخلاّقة التي أسّست له كونداليسا رايس وزيرة الخارجيّة الأمريكية السابقة2.

    لقد نجح الغرب في أن ينصر جانب التطرّف على جانب الاعتدال. وأن يصنع صورة الثورية والبطولة لدوائر الإرهاب، وأن يعطي صورة البلادة والتّبعية لدوائر الاعتدال، وبحكم ذلك تمّّت الإساءة إلى شيوخ الإسلام، وتمّّت الصناعة لشيوخ الفتنة3.

    والحقيقة أنّ ما يستفزني في هذا الموضوع- وعلى رأي أحد الباحثين- هو أنّ كلمة الإسلام لم تعد مرتبطة بابن رشد أو إبن سينا أو الخوارزمي أو إبن خلدون أو بغيرهم ممّن ساهموا في إثراء الفكر الإنساني، بل بأسماء مثل أسامة بن لادن والظواهري وأبي بكر البغدادي الذين تسبّبوا في ربط الإسلام بالإرهاب4 من خلال ما ارتكبوه من فظاعات.

    فالإرهاب ليس مجرّد مطالب سياسيّة أو دينيّة أو إيديولوجيّة، بل هو تهديد إستراتيجي يستهدف منظومة الأمن والدفاع أوّلا والدّولة في مكوّناتها ثانيا.

    فالأمن هو أساسا قدرة الدّولة على حماية شعبها وأرضها ومواردها ومصالحها من التّهديدات الخارجيّة والداخليّة. وعلى هذا المعنى عرّف روبرت ماكنامارا وزير الدفاع الأمريكي الأسبق وأحد مفكري الإستراتيجيا البارزين مفهوم الأمن في كتابه جوهر الأمن، حيث يرى أنّ الأمن يتمثّل في التطوّر والتّنمية5، سواء منها الاقتصاديّة والاجتماعيّة أو السياسيّة في ظل حماية مضمونة6 ويقصد بذلك الحماية الأمنيّة والعسكريّة التي تبقى أساسيّة للحفاظ على أمن الدّولة.

    لقد تعدّى الإرهاب حدود المنطق والعقلانية والأخلاق بوحشيّة ممارساته ودمويّتها. وهو يعمل الآن على التموقع كمصدر فتنة لتأليب الرأي العام بدعوى تقصير الدّولة وأجهزتها في حماية الشعب مشجّعا على المواجهة والتمرّد. فالإرهاب ينتشر ويتغيّر، ولقد عرفناه كعنف سياسي ناتج عن قضايا داخلية ونعيشه اليوم كتهديد إيديولوجي، وسيحفظ التاريخ أن قضيّة التطرّف أي التشدّد والتعصّب والتّكفير، انتشرت بدعم عربي وإسلامي انطلاقا من سبعينات القرن الماضي، من إفريقيا السوداء إلى أندونيسيا، وتدعّمت مع التدخّل الأمريكي سنة 3002 في العراق ومع التّهميش المقصود الذي فرض على طائفة دون أخرى لتعميق القطيعة وتكريس الانقسام. الإرهاب اليوم واقع معيش له أصوله ومرجعيّاته التّاريخية والرّمزية والإيديولوجية، ومجابهته تقتضي استهداف مقوّماته الأساسيّة.

    وما دام العالم العربي يعيش على وقع الحرب على الإرهاب7 وجب التذكير برأي سون تزو (uzT nuS)8 في هذا السّياق حيث يقول ...ففنّ الحرب ذو أهمّية بالغة للدولة، إنها قضيّة حياة أو موت، وهو طريق إلى السّلامة أو الدّمار، وهو موضوع ذو استحقاق لا يمكن إهماله مهما كانت الأسباب.

    إنّ ظاهرة الإرهاب تفرض واقعا جديدا وتدفع نحو تعميق الصّراع داخل المجتمعات، وعلينا المضيّ قدما لتكريس الفهم المتبادل وقطع طريق الكراهيّة وصناعة اليأس. فالبلدان العربيّة تبدو في وضع هشّ للغاية رغم تقدم العملية السياسية والانتقال الديمقراطي في البعض منها، فعودة المقاتلين من بؤر التوتّر هو اختبار لهذه الدّول ولجدّية إصلاحاتها. وتمثّل الحالة التونسيّة من حيث ارتفاع عدد المقاتلين والجدل القائم حول عودتهم تحدّيا أمنيا وسياسيا كبيرا للدولة.

    وفي نظري أنّ أيّ إستراتيجيّة للتّصدي لا يمكن أن تكون عسكرية أو أمنية فحسب وإنّما هي أيضا إستراتيجية سوسيولوجيا الأمل كما طرحها المفكر الكبير محمد أركون والتي يعتبرها البديل الإستراتيجي الوحيد لثقافة العنف السائد، وفي صلبها ضرب الجذور الفكرية المنتجة للتّخلف، والتي من دونها لما ازدهرت ثقافة التطرّف والإلغاء والإقصاء. وهي تشكّل مشروعا لمحو الأمّية بكلّ أنواعها بما في ذلك الأمّية المعرفية والجمالية والثقافية. وهي تتعدّى المفهوم التقليدي لتأخذ معنى ضرب معيقات التّقدم، وتغيير الذّهنية المنتجة للتّخلف واستبدال العقلية الجاهزة لاستقبال فكر التّخلف، فالمطلوب تحقيق قطيعة معرفية مع فكر التخلف الذي يتكيّف مع القيم الاجتماعية والدينية المتخلّفة، والذي يضع بلادنا في حلقة مفرغة طوال الوقت. فالتّغييرات لن تعطي نتائجها إن لم يتمّّ ضرب مصدر الوعي الزّائف9.

    ودون الدخول في تفصيلات قد تبعدنا عن الغرض المقصود، يأتي هذا الكتاب لتحقيق أربعة أهداف:

    الأول: تصحيح المفاهيم المتعلّقة بالإرهاب والإرهابيّين، إذ هناك اختلال في هذا الجانب يعيق خطط المجابهة.

    الثاني: تجاوز عمليّة الإلهاء والإشغال المقصودة بمسائل دون معنى تتعلّق بأطروحات الإرهابيّين وفتاويهم المنحرفة، فحماية الشعب لا تمرّ عبر هذه الأمور بل تتمّ أساسا بالكشف عن تنظيماتهم وشبكاتهم والتعرّف على وسائلهم وتقنياتهم وممارساتهم.

    الثالث: إثارة قضية الحرب على الإرهاب وسيادة القانون، فقد ترتّبت عن هذه الحرب آثار قانونية على مستوى القضايا الداخلية والدّولية، وأفرزت اتهامات متبادلة حول المسؤوليات والسّياسات المناسبة لمواجهة الظاهرة، فالغرب يعتبرها مسؤولية عربيّة وإسلاميّة دون اعتبار لدوره في خلق المناخ الثّقافي والسّياسي لولادتها، والمجتمع الدّولي منقسم على خطوط المصالح والإستراتيجيّات السّياسية والعسكرية.

    الرابع: اقتراح رؤية للمقاربات التي يمكن أن تقوم عليها إستراتيجيّة مكافحة الإرهاب، فالمجابهة تشمل السّلطة السّياسية والقوّة العسكرية والهياكل الأمنية، والأجهزة الدّبلوماسية والمؤسّسات الإقتصادية والإجتماعية، فهي تعبئة شاملة تفرض التعاون الوطني والإقليمي والدّولي.

    ولقد بذلت قصارى جهدي ليكون هذا العمل شاملا بقدر الإمكان، معترفا أنّه لا يمكن لباحث واحد أن يفي هذا الموضوع حقّه، فالمتغيرات في هذا الجانب كثيرة وسريعة، إلاّ أنّي حاولت، مستعينا بخبرتي الأمنيّة وتكويني العسكري ودراستي الجامعية، وخاصّةالتزامي الأخلاقي والوطني. وعملت للأمانة الفكريّة على إرجاع كلّ معلومة إلى أصلها ومساعدة القارئ على العودة إليها بيسر عند الاقتضاء.

    أرجو أن يحقّق هذا الكتاب الذي يعالج أكثر المواضيع إثارة في هذه المرحلة أهدافه المنشودة، وأن يؤسّس لدراسات أخرى تثري المكتبة الأمنية التونسية والعربية.

    1- الدّولة الأولى التي واجهت الإرهاب في العالم العربي وبشكل مثير هي الجزائر، فخلال عشرية دموية من 1990 إلى 2000 سقط على أيدي الجماعة الإسلامية المسلحة الراجعة للجبهة الإسلامية للإنقاذ سابقا 150000 ضحيّة نساء ورجالا وأطفالا أبرياء. وحاربت الجزائر بمفردها وواجهت بامكاناتها فظاعة العمليات الإرهابية من اغتيال وتفجير وتهديد.

    2- انبثقت إستراتيجية الفوضى الخلاقة من جهود العلّماء الأمريكيين حول تداعيات حالات الفوضى وامكانات الإستفادة منها في تعظيم الدور الذي تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية في التحكم في كلّ الشؤون الداخلية للدّول الضعيفة والمارقة، مما يساعدها على العمل بكفاءة كشرطي للعالم. راجع الرابط: http://www.acrseg.org/21410

    3- راجع أحمد المسلماني، الجهاد ضد الجهاد، دار ليلى، 2015

    4- أنظر د. سليم نزال، حصاد مرّ: نظرات في الفكر والثقافة والاجتماع السياسي، إصدارات إي- كتب، لندن 2015، ص 180-179.

    5- لقد سبق أن أصدرت كتابا حول الأمن والتنمية، حاولت فيه مناقشة هذا الموضوع ورصد بعض معالم الإصلاح الممكنة. راجع: محسن بن عيسى، الأمن والتنمية، مركز البحوث والدراسات، جامعة نايف العربية للعلّوم الأمنية، الرياض، 2011.

    6- راجع: جاسم محمد، داعش وإعلان الدّولة الاسلامية. والصراع على البيعة، المكتب العربي للمعارف، مصر الجديدة، القاهرة، 2015.

    7- لنا تحفّظ على هذه التسمية وسنناقش الموضوع في الفصل السادس من هذا الكتاب.

    8- زعيم صيني وقائد حرب وفيلسوف ومفكر صاحب كتاب فن الحرب . يقال أنه أول من اخترع فن الحرب وأول من أقنع جنوده بأنّ الحرب ليست مجرد دماء وإنما تفكير وتخطيط. عاش في القرن الخامس ق.م. في الصين.

    9- أنظر د. سليم نزال، المرجع السابق ، ص 10.

    الفصل الأول

    إشكالية تعريف الإرهاب

    الإرهاب مصطلح قديم جديد، استعمل في بعض الدول لإدانة ممارسات أعدائها، ولذلك تصنّف معظم الحركات التي مارست العنف اللامشروع بالمنظّمات الإرهابية.

    واللاّفت للنظر أنّه بالرغم من إدانة غالبية الدول للإرهاب منذ 73911، فإن المجتمع الدولي لازال يواجه صعوبات حقيقيّة لتعريف الظاهرة، وفي محاولة لفهم أسبابها يرى معظم المحلّلين أنّ تواصل الجدل والنقاش مردّه غلبة الطابع الذاتي على المفاهيم المطروحة وتشعّب المعايير وتعقّد الظاهرة وتعدّد مجالاتها، والحال أنّ قرار الأمم المتحدة رقم 42/159 لسنة 7891 يعترف بأنّ فاعليّة محاربة الإرهاب يمكن تعزيزها من خلال وضع تعريف يحظى بإجماع الجميع.

    لقد نشأ الإرهاب وتطوّر في سياق تاريخي جعل مفهومه يتغيّر باستمرار ليخضع في العقود الأخيرة لتوظيف سياسي وإيديولوجي وفقا لمصالح بعض الدول وتحقيقا لأهدافها، وتبعا لذلك أضحى الإرهاب مجالا خصبا للتأويل إلى درجة النّيل من الكفاح العادل والمشروع ضد الاحتلال والعدوان والتعسّف تجاه ديانات وجنسيّات معيّنة.

    وللوقوف على تعدّد استعمالات هذا المفهوم وشرح أسباب غياب الاتّفاق ودوافع الاختلاف حوله، نحاول الإجابة في هذا الفصل على الأسئلة التالية:

    1- اتفاقية منع الإرهاب والمعاقبة عليه التي تبنّتها 24 دولة من الدول الأعضاء في عصبة الأمم في 16 نوفمبر 1937.

    - ما هي العناصر المشتركة التي تشكّل جوهر الإرهاب؟

    - لماذا بقي تعريف الإرهاب صعبا للغاية ؟

    أصل مصطلح الإرهاب وتطوّره

    ترجع كلمة إرهاب - terror الى اللغة اللاتينية الكلاسيكيّة، وتفيد الخوف والرعب. واستنادا إلى مجمع اللغة العربية فالإرهاب مصطلح حديث أساسه رهب ومنه فعل أرهب ومصدره إرهاب. والرّهبة في اللغة العربيّة هي الخوف والفزع، وأرهبه ورهّبه واسترهبه أخافه وفزّعه1.

    ويعرّف هذا المصطلح في القواميس والموسوعات العربيّة كالآتي2:

    - المعجم الوسيط: الإرهابيّون هو وصف يطلق على الذين يسلكون سبيل العنف والإرهاب لتحقيق أهدافهم السياسية3.

    - الموسوعة العربية: الإرهاب هو استخدام العنف أو التّهديد به لإثارة الخوف والذعر4.

    - القاموس السّياسي: الإرهاب هو محاولة نشر الذّعر والفزع لتحقيق أغراض سياسية. والإرهاب وسيلة تستخدمها الحكومة الإستبدادية لإرغام الشعب على الخضوع والاستسلام.

    - قاموس علم الجريمة: الإرهاب هو نمط من العنف يتضمّن الاستخدام المنظّم للقتل أو التّهديد باستخدامه أو الأذى الجسدي، والتدبير لإنزال الرّعب بجماعة مستهدفة.

    - موسوعة العلوم الاجتماعية: الإرهاب محاولة مقصودة لبث الرّعب في السكّان بوسائل مخيفة، ويكون إما من جانب الدولة أو من جانب حزب يهدف إلى إسقاط الدولة5.

    1- ابن منظور (571-630 هـ) لسان العرب، المجلد الأول، بيروت، دار صادر، ط 3، 1994، ص 436-437.

    2- راجع: رائد محد الدبعي المشكلة في تعريف الإرهاب على الرابط: http://pulpit.alwatanvoice.com/content/print/140275.html

    3- إبراهيم مصطفى وآخرون، المعجم الوسيط، إسطنبول، المكتبة الإسلامية، ط2، ص 376.

    4- الموسوعة العربية العالمية الميسرة، الرياض، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، الجزء الأول، ط2، 1990، ص 558.

    5- موسوعة العلوم الاجتماعية، تعريب عادل الهواري وسعد مصلوح، دار المعرفة الجامعية، 1999، ص 579.

    ويعتبر استعمال العنف وإشاعة الخوف والذعر أبرز العناصر المشتركة بين هذه التعاريف.

    ويرى بعض المؤرخين أن ظهور هذا المصطلح في الثقافة الغربية يبدو حديثا أيضا حيث يرجع استعماله لأول مرة إلى القرن الثامن عشر مباشرة بعد الثورة الفرنسية، ويدل على طبيعة نظام الحكم الذي اعتمدته الحكومة الثورية من أفريل 1793 إلى جويلية 1794، كما ارتبط بالنظام الذي أرساه روبسبيار (Robespierre) لتوطيد سلطته وترويع خصومه السّياسيين1.

    ومواكبة للتطور اللغوي حاولت المراجع الإنجليزية والفرنسية فصل الإرهاب عن جذوره التّاريخية وطرح تعاريف جديدة:

    - فهو بالنسبة إلى قاموس أوكسفورد (Oxford) استخدام العنف والتّخويف، خصوصا لتحقيق أهداف سياسية.

    - وهو في قاموس روبار الصغير (Petit Robert) الاستخدام المنهجي للعنف لتحقيق هدف سياسي.

    - فيما يعرفه قاموس لاروس (Larousse) بأعمال عنف منظّمة ترتكب لخلق مناخ من انعدام الأمن وابتزاز السلطة وتغذية روح الكراهية تجاه الدولة وداخل المجتمع2.

    والمتأمل في هذه المعاني يلاحظ توسّعا متدرّجا للمفهوم الأصلي، فقد انتقلت كلمة إرهاب من معناها الخاص الضيّق إلى معان عامة تتّسم بالشموليّة والاتّساع، ويتطابق ذلك مع ما لاحظه علماء اللغة منذ القدم من أنّ معاني الكلمات لا يمكن أن تثبت على حال واحدة إذ أنها بمرور الزّمن قد تتسع أو تتخصّص أو ينتقل استخدامها من مجال إلى آخر فتصبح الكلمات بذلك منطوية على دلالات جديدة تميّزها قليلا أو كثيرا عمّا كانت عليه في السابق.

    1- من خلال تقرير لجنة السلامة العامة التي تراقب عمل الشرطة السياسية والمحكمة الثورية التي أنشأها دانتون (Danton) تمّ اعتقال ما يزيد على 000 300 مشتبه فيه وإعدام حوالي 000 17 فرنسي بالإضافة إلى موت الآلاف في السجون بدون محاكمة.

    2- النسخة الالكترونية قاموس لاروس، مراجعة 22 ماي 2015.

    وإتماما لذلك نستعرض فيما يلي وفي نقاط سريعة أبرز ملامح هذا التطوّر.

    ظهرت كلمة إرهاب أو إرهابيّ على يد الفيلسوف إيمانويل كانط (Emmanuel Kant) سنة 1798، وكان لها آنذاك معنى مختلف، فقد استعملها للتعبير عن المصير المتشائم للبشرية إذا لم تأخذ بأسباب الحكمة في إدارة شؤونها، وأدرجت في نفس السّنة في القاموس المرجعي للأكاديمية الفرنسية لفظة Terreur  للدلالة على الرّعب الثوري الذي مورس أثناء الثورة الفرنسية، فخلافا للمفهوم الشائع للإرهاب على اعتباره نشاطا ثوريا تنفّذه كيانات غير حكومية ضد السلطة، كان نظام الإرهاب خلال الثورة الفرنسية أداة السلطة لدعم وتعزيز نظام الحكم الجديد.

    وحول تطوّر المفهوم يبيّن أرنو بلان1 (Arnaud Blin) أنّ هذه الجذور التاريخية تتصادم اليوم مع إدراكنا وأفكارنا على اعتبار أنّ هذه النوعية من الإرهاب طرفها الرئيسي الدولة والمستهدف فيها هو الشعب. وتطوّرت الكلمة في القرن التاسع عشر من التعبير عن الممارسات القمعيّة للدولة إلى توصيف العمليات التي تنفّذ ضدّها، وفي هذا السياق ارتبطت كلمة الإرهاب بالحركات الثورية السياسية وكذلك بالمنظّمات الانفصالية2 الساعية إلى تشكيل كيان سياسي مستقل عن النظام القائم. وانطلاقا من سنة 1930 تحوّل مفهوم الإرهاب ليشير الى سوء ممارسة الحكم وغياب الضوابط واحترام الأحكام الدستورية وشخصنة السلطة ويعرف ذلك بإرهاب الدولة3.

    1 - Arnaud BLIN, Spécialiste de géopolitique et de politique américaine. Ancien directeur du Centre Beaumarchais (Washington), ancien chercheur à l’Institut Diplomatie et Défense (Paris),actuellement chercheur à l’Ecole de la Paix(Grenoble). co-auteur de L’Histoire du terrorisme de l’antiquité à Al-Qaïda, éd. Fayard 2015, 835 p. (Date de publication originale (2004).

    2- اغتيال الأرشيدوق فرانسيس فرديناند وريث عرش هابسبورغ من طرف الانفصالي الصربي جافريلو بيرنسيب عضو في حركة قومية سرية تسمى ملادا بوسنة (البوسنة الشابة). ويعتبر هذا الهجوم الشرارة الأولى لاندلاع الحرب العالميّة الأولى.

    3- من أمثلة ذلك القمع الذي تعرّض له السكان في ألمانيا النازية وروسيا الستالينية.

    ومع نهاية الحرب العالمية الثانية وانطلاقا من سنة 1950 استعمل المصطلح لترجمة كفاح عديد الحركات في العالم النامي لمقاومة الاستعمار ومحاولة التخلّص من نير الامبريالية والتحرّر من الهيمنة الأوروبية، وتزايد استعمال المصطلح في سنوات 1970-1960 مع تعدّد عمليات المنظّمات الثورية من اليسار الراديكالي أو الماركسي أو من كليهما معا في إيرلندا وإسبانيا وفلسطين.

    وفي سنة 1980 عاد المفهوم ليرتبط بالدولة ولكن بشكل أوسع، فقد استعمل مصطلح إرهاب الدولة خلال الحرب الباردة في الإتحاد السوفياتي سابقا للتنديد باستراتيجيات قمع حركات التمرد اليسارية التي انتشرت منذ السبعينات لمواجهة عديد الأنظمة بأمريكا الجنوبية في الأرجنتين وبوليفيا والبرازيل والشيلي والباراغواي والأوروغواي، وفي هذا الإطار أيضا رعت البلدان الشرقية أغلب الحركات الفلسطينية ومنها جبهة الرفض1 الناشطة في الشرق الأوسط والجيش الأحمر الناشط بالدول الغربية، وهي حركات مرتبطة بأنظمة عربية تابعة للمعسكر الشرقي. وتوسّعت قائمة الحركات الثورية المدعّمة من دول أخرى سمّيت بالدول المارقة2 حسب تعريف الولايات المتحدة الأمريكية وتشمل إيران والعراق وسوريا وليبيا، وكوبا التي طرحت أخيرا من القائمة، وكوريا الشمالية والسودان.

    ومباشرة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 أصبح العالم يتكلّم عن الحرب ضد الإرهاب في سياق حركة تضامن دولية تقودها الولايات المتحدة، وفي هذا الإطار تمّ تغييب المعايير وإحلال الانتقائية واتّهام العرب والمسلمين، وذهبت الاجتهادات إلى التأثير على الرأي العام الدولي وتعليل التدخّلات العسكرية بتعمّد إقحام العامل الديني.

    والحقيقة أنّ مصطلح الإرهاب تغيّر فعلا ولكن بقيت توجّهاته الأساسية ثابتة وقائمة، فالإرهاب لايزال يعتمد على العنف لحشد الجماهير ولفت انتباههم وشد الرأي العام للحصول على تنازلات من السلطة. وعلى هذا المعنى تفصل المراجع الحديثة بين القراءة التاريخية التي تشير إلى الأحداث التي جدّت بفرنسا سنتي 1973-1974 والتعريف الشّائع الذي يفيد استعمال العنف لزعزعة استقرار الأنظمة.

    ولعلّ ما استعرضناه من تشعّب وتطوّر لمفهوم الإرهاب عبر الأزمنة يسمح لنا باقتراح تعريف منقّح ومبسّط نعتبر على أساسه أن الإرهاب هو" كل فعل يتّسم بالعنف المتعمّد المؤدّي إلى نشر الخوف أو التهديد، ويصدر عن شخص أو أشخاص أو أجهزة دولة بدوافع سياسية أو دينية أو إيديولوجية، مستهدفا المواطنين أو الممتلكات، الغاية منه التأثير على المجتمع وتوجيه سلوكه .وهو

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1