Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

العودة إلى الأرض: مغامرات أزاكيس وبتري
العودة إلى الأرض: مغامرات أزاكيس وبتري
العودة إلى الأرض: مغامرات أزاكيس وبتري
Ebook436 pages3 hours

العودة إلى الأرض: مغامرات أزاكيس وبتري

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

المجلد 1/3 ”كنا في طريق العودة. لم يكن قد انقضى سوى سنة واحدة فقط من السنين الشمسية منذ أن أُجبرنا على مغادرة الكوكب على عجل، ولكنّها بالنسبة إليهم تساوي 3600 من سنين الأرض. ماذا سنجد يا ترى؟”

إن مدار الكوكب الثاني عشر في نظامنا الشمسي والمسمى نيبيرو بيضوي جداً ومعاكس وأكبر بكثير من مدارات كل الكواكب الأخرى. في الحقيقة فإن دورة واحدة له حول الشمس تستغرق 3600 سنة. كان سكانه يستغلون الفرصة التي يقدمها هذا التقارب الدوريّ ليقوموا بزيارات منظمة خلال مئات آلاف السنين، ليؤثروا كلّ مرةٍ على ثقافة ومعرفة وتقنية وتطور الجنس البشري. أشار إليهم أسلافنا بأسماءٍ مختلفة، لكن أفضل تسمية لهم على الأرجح كانت دائماً ”الآلهة”. يستقل أزاكيس وبتري، وهما ساكنان ودودان من سكان هذا الكوكب الغريب، سفينة ثيوس الفضائية في طريق العودة إلى الأرض ليسترجعا شحنة ثمينة تُركت مخبأة خلال زيارتهما السابقة. هذه قصة آسرة ومسلية لكنها مليئة بالتشويق مع تفسيرات جديدة وربما مدمرة للأحداث التاريخية.
Languageالعربية
PublisherTektime
Release dateJul 23, 2018
ISBN9788873048923
العودة إلى الأرض: مغامرات أزاكيس وبتري

Related to العودة إلى الأرض

Related ebooks

Reviews for العودة إلى الأرض

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    العودة إلى الأرض - Danilo Clementoni

    مقدمة

    إن الكوكب الثاني عشر، نيبيرو (كوكب التقاطع) كما كان السومريون يدعونه، أو ماردوك (ملك السماوات) كما أطلق عليه البابليون، هو في الحقيقة جرمٌ سماويٌّ تستغرق دورته حول الشمس 3600 سنة. مداره بيضوي جداً ومعاكس (يدور حول الشمس في اتجاهٍ معاكسٍ لبقية الكواكب) ومائلٌ بصورةٍ واضحةٍ بالنسبة إلى مستوي نظامنا الشمسي.

    كان الاقتراب الدوريّ له يسبب دائماً اضطرابات كوكبية في مدارات نظامنا الشمسي وفي تشكيل الكواكب التي يضمها، وخلال إحدى أعنف دوراته تدمَّر كوكب تيامات العظيم باصطدامٍ مهول، والذي كان يقع بين المريخ والمشتري بكتلة تقارب تسعة أضعاف كتلة الأرض اليوم، والغني بالماء والمتميز بأحد عشر تابعاً، إذ أدى اصطدام أحد أقمار نيبيرو السبعة بكوكب تيامات الضخم إلى انقسامه لشطرين واندفاع كل شطرٍ إلى مدارٍ معاكسٍ للآخر، وفي الدورة التالية (اليوم الثاني من التكوين) أكملت التوابع المتبقية لنيبيرو هذه العملية بالتدمير التام لأحد الشطرين الناتجين عن الاصطدام الأول. شكّل الحطام الناتج عن الاصطدامات العديدة ما ندعوه اليوم بـ حزام الكويكبات أو السوار المطروق كما أسماه السومريون، ثم ابتلعت الكواكب المجاورة جزءاً منه، خصوصاً المشتري الذي أخذ القسم الأكبر، ليزيد بذلك من كتلته بشكلٍ ملحوظ.

    قُذفت الأجرام الناتجة عن هذه الكارثة، بما فيها تلك المتبقية من تيامات، إلى مداراتٍ خارجية لتشكل ما نعرفه الآن باسم المذنبات. يتوضع الجزء الذي نجا من الدورة الثانية الآن في مدارٍ مستقرٍ بين المريخ والزهرة، مصطحباً معه آخر التوابع المتبقية مُشكلًا بذلك ما ندعوه اليوم باسم الأرض مع مرافقه الملازم له، ألا وهو القمر.

    ما يزال أثر ذلك الاصطدام الكوني الذي وقع قبل 4 مليارات سنة تقريباً مرئياً جزئياً في يومنا هذا، إذ تغطي المياه اليوم الجزء المتضرر من الكوكب كلياً فيما يسمى بالمحيط الهادي. يشكل هذا الجزء ثلث مساحة سطح الأرض تقريباً بمساحة تفوق 179 مليون كيلومتر مربع، ولا تحتوي هذه المنطقة الشاسعة عملياً أي أرض يابسة، إنّما هناك انخفاض ممتدٌ حتى عمق يفوق عشرة كيلومترات.

    يشبه نيبيرو في تشكيله الأرض حالياً إلى حدٍ كبير، إذ تغطي المياه ثلثي سطحه، بينما تشغل الثلث المتبقي قارةٌ وحيدةٌ تمتد من الشمال إلى الجنوب بمساحةٍ كليةٍ تفوق 100 مليون كيلومتر مربع. كان بعض سكانه، وخلال مئات آلاف السنين، يستغلون فترات اقتراب كوكبهم من كوكبنا ليقوموا بزيارات دورية، ليؤثروا كلّ مرةٍ على ثقافة الجنس البشري ومعرفته وتقنياته وتطوره. أشار إليهم أسلافنا بأسماءٍ مختلفة، لكن أفضل تسمية لهم على الأرجح كانت دائماً الآلهة.

    سفينة ثيوس الفضائية – على بعد 1000000 كم من المشتري

    كان أزاكيس يرتاح متمدداً على أريكته الداكنة ذاتية التكيف التي أهداها إليه قبل عدة سنوات صديقٌ حرفيٌّ عجوزٌ صنعها بنفسه بمناسبة مهمته الأولى للسفر بين الكواكب.

    قال له في ذلك اليوم: ستجلب لك الحظ السعيد، وستساعدك على الاسترخاء واتخاذ القرارات الصحيحة عندما تحتاج إلى ذلك.

    لقد اتخذ بالفعل قراراتٍ كثيرة أثناء جلوسه عليها، وغالباً ما كان الحظ يحالفه فيها. لذلك دائماً ما كان يسترجع تلك الذكرى العزيزة عند اتخاذ القرارات رغم القواعد الكثيرة التي تمنع استخدامها، خصوصاً على سفينة فضائية من فئة باوزن-1 كالتي يقبع فيها الآن.

    ارتفع خيطٌ رفيعٌ من الدخان مائلٌ للزرقة بسرعة عمودياً من السيجارة التي كان يحملها بين إبهام وسبابة يده اليمنى بينما كانت عيناه تحاول تتبع مسافة الـ 4.2 وحدة فلكية¹ التي ما تزال تفصله عن وجهته النهائية. ورغم أنه يقوم بهذه الرحلات منذ سنواتٍ عديدة، إلا أنّ سحر الظلام في الفضاء المحيط وآلاف النجوم التي تزينه ما زالت قادرة على جذب انتباهه. مكّنته الفتحة البيضوية الكبيرة أمامه مباشرةً من رؤية منظرٍ شامل لاتجاه السفر، وكان لا يزال يستغرب نجاح حقل الطاقة الرقيق رقة خيط العنكبوت في حمايته من البرودة الفلكية للفضاء ومنع تسرب الهواء المفاجئ وانجذابه إلى الخلاء في الخارج، وبذلك سيكون الموت فورياً تقريباً. أخذ نفساً سريعاً من سيجارته الطويلة واستمر بالتحديق في العرض المجسم أمامه حيث كان بإمكانه أن يرى الوجه المتعب وغير الحليق لمرافقه في السفر. وفي مكانٍ آخر من السفينة، كان بتري يُصلح نظام التحكم في قنوات التفريغ. رفّه عن نفسه قليلاً بنفخ الدخان الذي استنشقه للتو ليشوه الصورة في المركز، ويصنع بذلك تأثيراً موجياً ذكره كثيراً بالحركة الجيبية للراقصين الغرباء الذين كان كثيراً ما يذهب لرؤيتهم بعد عودته إلى مسقط رأسه حيث يصبح بإمكانه أن ينعم ببعض الراحة التي يستحقها.

    كان بتري، صديقه ومرافقه في المغامرة، يقارب الثانية والثلاثين من العمر، وهذه هي مهمته الرابعة من هذا النوع. كانت بنيته الكبيرة والمهيبة تكسبه احترام كل من يقابله. بعينين سوداوين كالفضاء الخارجي، وبشعرٍ داكنٍ طويلٍ وأشعث تدلى على كتفيه، وببنيته التي تقارب المترين وثلاثين، وبصدره وذراعيه القويتين القادرتين على رفع نيبير² بالغٍ بسهولة، ولكن روحه مع ذلك كانت تشابه روح الأطفال. كانت رؤية زهرة سويل³ وهي تشرق تحت الشمس تؤثر فيه، وكان من الممكن أن يجلس لساعات مبتهجاً بينما يشاهد الأمواج تتلاطم على ساحل خليج ساران⁴ العاجي. كان شخصاً مذهلاً، فهو جديرٌ بالثقة ووفيٌّ، ومستعد لأن يضحي بحياته من أجله بلا تردد. لم يكن ليغادر أبداً دون وجود بتري إلى جانبه. لقد كان الشخص الوحيد في العالم الذي يثق به ثقةً عمياء والذي يستحيل أن يخونه.

    أصدرت محركات السفينة، التي ضُبطت لتناسب الملاحة في النظام الشمسي، الهمهمة ثنائية الطور الكلاسيكية والمطمئنة. بالنسبة إلى أذنيه الخبيرتين، كان ذلك يعني أن السفينة تعمل على ما يرام. حيث يُمكّنه سمعه شديد الحساسية من تمييز تغير صغير في حجرات الضبط لدرجة 0,0001 لازغ قبل أن يلتقطه نظام التحكم الآلي المعقد بفترةٍ طويلة. كان هذا السبب وراء إسناد مهمة قيادة سفينة من فئة بيغاسوس إليه رغم صغر سنه.

    هناك أناسٌ كثيرون مستعدون لبذل الغالي والنفيس ليكونوا مكانه، ولكنّه تفوق عليهم جميعاً.

    مكنته شريحة أوكوم المزروعة داخل عينه من رؤية الطريق المعاد رسمه مجدداً أمامه. من المذهل كيف يمكن لجسمٍ لا يتجاوز بضعة ميكرونات أن يقوم بكل هذه الوظائف. بزرعها مباشرةً ضمن العصب البصري، مكنته من رؤية واجهة تحكمٍ كاملة فوق الصورة التي كانت أمامه فعلياً. لم يكن من السهل في البداية اعتياد أمر سحري كهذا، وقد أوشك الغثيان أكثر من مرةٍ أن يتجاوز حد الاحتمال، أما الآن فلم يعد بإمكانه أن يعمل دونها.

    كان النظام الشمسي بكامله يدور حوله بكل سحره المذهل. تمثل النقطة الزرقاء الصغيرة قرب كوكب المشتري الضخم موقع سفينتهم، أما الخط الأحمر الرفيع، والأكثر انحناء بقليل من الخط السابق الذي أصبح باهتاً، فهو يمثل المسار الجديد باتجاه الأرض.

    كانت قوة جذب أكبر الكواكب في ذلك النظام الشمسي مقلقة، ومن الضروري أن يحافظوا على مسافة أمان مناسبة. لا يمكن لسفينة ثيوس أن تتفادى ذلك العناق الفتاك إلا بقوة محركي باوزن الذين تمتلكهما.

    أصدر جهاز التواصل المحمول المتصل بالواجهة أمامه صوتاً صارخاً: أزاكيس، علينا تفقد حال الوصلات في الحجرة السادسة.

    أجابه بنبرةٍ لعوبةٍ عرف أنها ستغضبه: ألم تقم بذلك حتى الآن؟.

    صرخ بتري غاضباً: ألقِ تلك السيجارة النتنة من يدك وتعال ساعدني!.

    كنت أعرف ذلك.

    لقد نجح بإغضابه وكان يستمتع بذلك بجنون.

    أنا هنا، أنا هنا، أنا قادمٌ يا صديقي. لا تنفعل.

    أسرع، أنا هنا بين هذه الخردة منذ أربع ساعات ومزاجي لا يسمح لي بتقبل المزاح الآن.

    حاد الطبع كعادته، لكن لا شيء ولا أحد يمكنه أن يفرّق بينهما.

    كانا يعرفان بعضهما منذ الطفولة، إذ أنقذه أكثر من مرة من التعرض للضرب (كان أكبر حجماً منه بكثير حين كان طفلاً) مستفيداً من حجمه المعتبر ليتدخل بينه وبين جماعة المتنمرين الاعتياديين الذين كانوا يستهدفونه.

    لم يكن أزاكيس حين كان طفلاً متأكداً أنه سيكون ممّن قد يتنافس عليه الأشخاص الجذابون من الجنس الآخر. كان دائماً يرتدي ملابس قذرةٍ مع رأسٍ حليقٍ وبنيةٍ نحيلة وكان متصلاً دائماً بنظام التواصل العالمي⁵ ، ومنه كان يستقي كميات وافرة من المعلومات أسرع بعشرة أضعاف من معظم الناس. وبعمر العاشرة، وبفضل أدائه الأكاديمي المذهل، كان قد مُنح مستوى وصول ج، الذي يتيح اكتساب معلوماتٍ غير متوفرةٍ للسواد الأعظم من أقرانه. لكن رغم ذلك فإن شريحة إنكوم العصبية التي مكنته من الوصول إلى ذلك كان لها عددٌ من الأعراض الجانبية الطفيفة، فمرحلة الاستقبال تتطلب تركيزاً كلياً، وبما أنه يقضي معظم وقته بها فقد كانت نظرته جامدة دائماً تقريباً وهو يحدق إلى الفضاء منفصلاً تماماً عما يدور حوله، ورغم ما يدعيه الشيوخ ففي الواقع كان الاعتقاد السائد أنه متخلفٌ قليلاً.

    لم يكن ذلك يهمه على الإطلاق.

    تعطشُه للمعرفة لم يكن له أي حد. كان يبقى متصلاً في الليل حتى، رغم أن استطاعة الاستقبال خلال النوم كانت تنخفض على نحو غريب إلى 1% بسبب الحاجة إلى التركيز المطلق على نحوٍ خاص. لم يكن يرغب بإضاعة أي لحظةٍ من حياته دون الاستفادة منها في تطوير خلفيته الثقافية.

    استيقظ مع ابتسامة خفيفة وتوجه إلى الحجرة السادسة، حيث كان صديقه بانتظاره.

    كوكب الأرض – تل المقيَّر – العراق

    حاولت إليزا هنتر مرةً أخرى مسح قطرات العرق الكريهة من على جبينها. كانت القطرات مصممةً على أن تسيل ببطءٍ باتجاه أنفها ثم تتقاطر على الرمال الساخنة تحتها. كانت في ذلك الوقت قد أمضت عدة ساعاتٍ جاثيةً على ركبتيها حاملة مجرفة مارشال تاون⁶ التي لم تكن تفارقها أبداً، وهي تقوم بحك الأرض بلطفٍ وهدوء حتى لا تسبب أي ضرر محاولةً اكتشاف جسمٍ بدا كأنه الجزء العلوي من شاهدة قبر، لكنها كانت ما تزال غير مقتنعةٍ بهذه النظرية من أصلها. كانت قد عملت لشهرين تقريباً قرب زقورة أور⁷ ، وقد سُمح لها بالعمل هناك بسبب سمعتها الجيدة كعالمة آثار ومعرفتها الواسعة باللغة السومرية. عُثر على عدة أضرحة منذ بدء الحفريات في بداية القرن العشرين، ولكن أياً من تلك الأضرحة لم يكن يضم شيئاً كهذا. نظراً لشكله المربع وحجمه الكبير فقد بدا أشبه بغطاءٍ لصندوقٍ ما وليس لتابوتٍ حجري. جسمٌ مدفونٌ هناك منذ آلاف السنين لحماية أو إخفاء شيء ما.

    لسوء الحظ لم تكن قادرةً بعد على تقدير طول الصندوق المفترض لأنها لم تكشف سوى جزءٍ صغيرٍ من القسم العلوي حتى الآن. لم تكن النقوش المسمارية المغطية لكامل سطح الغطاء المرئي تشبه أي شيء رأته من قبل.

    ستستغرق منها ترجمتها عدة أيام وليال دون نوم.

    دكتورة هنتر.

    رفعت إليزا رأسها ووضعت يدها اليمنى أعلى عينيها لتحجب عنهما الشمس، فرأت مساعدها هشام آتياً تجاهها بسرعة.

    أستاذة كرّر نداءه، هناك اتصالٌ لك من القاعدة. يبدو أمراً عاجلاً.

    حسناً، شكراً يا هشام.

    استغلت هذه الاستراحة الإجبارية واستمتعت برشفة ماءٍ يكاد يغلي من القارورة التي دائماً ما تحملها معها في حزامها.

    مكالمة من القاعدة... لا بد أن هناك مشكلةٌ ما.

    نهضت واقفةً ونفضت غيوماً من الغبار الكثيف عن بنطالها ومضت تجاه الخيمة التي كانت تعد قاعدة للبحث، وأكملت فتح السحّاب نصف المفتوح للخيمة ثم دخلت. احتاجت عيناها للحظاتٍ قليلةٍ لتتكيف مع تغير شدة الضوء، ولكن ذلك لم يمنعها من التعرف على وجه العقيد جاك هدسون على الشاشة. كان يحدق في الفضاء متجهماً بانتظار ظهورها.

    كان العقيد مسؤولاً بشكلٍ رسميٍّ عن الفرقة الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب المتمركزة في الناصرية، ولكن واجبه الحقيقي كان تنسيق برنامج بحثٍ علميٍّ بتفويض ومراقبة من قسم إلساد ELSAD⁸ الوهمي. يكتنف الغموض هذا القسم كسائر المنظمات المشابهة، ولم يكن يعرف الأهداف والمقاصد الحقيقية لهذه المنظمة سوى القليل. كل ما كان مؤكداً هو أن قيادة العملية كانت ترسل تقاريرها مباشرةً إلى رئيس الولايات المتحدة الأميركية.

    لم تبد إليزا اهتماماً كبيراً بكل هذا. كان السبب الحقيقي لقبولها العرض بالمشاركة في واحدةٍ من هذه الرحلات الاستكشافية هو أنها ستتمكن أخيراً من العودة إلى أكثر مكان أحبته في العالم لتقوم بالعمل الذي أحبت. ورغم صغر سنها النسبي (الثامنة والثلاثين)، كانت واحدةً من أنجح العاملين في مجالها.

    مساء الخير، سيادة العقيد، قالت إليزا مصطنعةً أفضل ابتسامة لديها. إلام أعزو شرف هذه المكالمة؟

    "دكتورة هنتر، لا داعي للمجاملات. تعلمين تماماً سبب اتصالي. لقد انتهت صلاحية الإذن الذي حصلتِ عليه لإتمام عملك منذ يومين، ولا يمكنك البقاء هناك أكثر من ذلك. كان صوته شديداً وحاسماً. حتى سحرها الذي لا يمكن إنكاره لن يكون كافياً لتحصيل أي تمديدٍ إضافيٍّ هذه المرة. عندها قررت لعب ورقتها الأخيرة.

    منذ الثالث والعشرين من آذار/مارس عام 2003، عندما قرّر التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة غزو العراق مع النية المعلنة بإسقاط الدكتاتور صدام حسين المتهم بحيازة أسلحة دمار شامل (الاتهام الذي تبين لاحقاً عدم صحته)، وبدعم الإرهاب الإسلامي في العراق، فإن جميع بحوث الآثار – التي كانت صعبةً أساساً في أوقات السلام – عانت من انتكاسة. لكن الإعلان الرسمي لوقف القتال في الخامس عشر من نيسان عام 2003 أحيا آمال علماء الآثار حول العالم بأن يكونوا قادرين مرةً أخرى على الوصول إلى مكان نشأة أحد أقدم الحضارات في التاريخ، والتي نشرت ثقافتها لاحقاً حول العالم. حوّل قرار الحكومة العراقية في أواخر عام 2011 بإعادة فتح المجال أمام التنقيب في بعض المواقع ذات الأهمية التاريخية التي لا تقدر بثمن بغرض الاستمرار بتعزيز إرثهم الثقافي ذلك الأمل إلى يقين. في كنف الأمم المتحدة، وبعد تفويضاتٍ متعددةٍ موقعةٍ ومصدقةٍ مسبقاً من قبل هيئات لا معدودة، ستكون عدة مجموعاتٍ بحثية – تم اختيارها ومراقبتها من قبل أعضاء لجان ملائمة – قادرة على العمل لوقتٍ محدودٍ في أهم المناطق الأثرية على الأراضي العراقية.

    عزيزي العقيد، قالت وبدأت بالانحناء أقرب ما يمكن إلى كاميرا الويب، بحيث تحصل عيناها الواسعتان ذواتي اللون الأخضر الزمردي على النتائج المأمولة. أنت محقٌ بكل تأكيد.

    كانت تعلم أن إعطاء وجهها لمحدثها سيحسن من مزاجه.

    لكننا قريبون جداً الآن.

    قريبون من ماذا؟، قال العقيد منتفضاً، جالساً على الكرسي وواضعاً قبضتي يديه على الطاولة. إنك تكررين نفس القصة القديمة منذ أسابيع. لا يمكنني أن أواصل دعمك إن لم تقدمي شيئاً ملموساً.

    إن شرفتني بتناول العشاء معي الليلة، سأعرض عليك بسرور شيئاً من شأنه أن يجعلك تعيد النظر مرةً أخرى. ما رأيك؟.

    ابتسمت ابتسامةً جميلةً مظهرةً أسنانها البيضاء، ومررت يدها خلال شعرها الأشقر الطويل. لقد كانت متأكدة أنها قادرةٌ على إقناعه.

    قطّب العقيد جبينه محاولاً إبقاء هيئة الغضب، لكنه بنفسه كان يعلم أنه لا يستطيع رفض مثل هذا العرض. لطالما أثارت إليزا إعجابه وفكرة العشاء معها فتنته. كان لا يزال رجلاً جذاباً رغم أنه في الثامنة والأربعين من العمر. بجسده الرياضي، وملامحه الحادة، وشعره القصير البادئ بالشيب، والنظرة الحادة الحاسمة في عينيه الزرقاوين، ومعلوماته العامة الواسعة التي تمكنه من الحديث مطولاً في عديد المواضيع، والسحر الذي لا يقاوم لأي ضابط يلبس بدلته، كان العقيد لا يزال رجلاً ’مثيراً للاهتمام‘.

    حسناً، شخر العقيد. ولكن عليك الإتيان بشيءٍ مثيرٍ هذه الليلة، وإلا فإنّ من الأفضل أن تبدئي بجمع خردتك وحزم أمتعتك. كان يحاول استخدام أشد النبرات التسلطية الممكنة، لكنه لم يكن جيداً بذلك. كوني جاهزةً عند الساعة الثامنة. سأرسل سيارةً لتأخذك من الفندق، ثم قطع الاتصال دون أن يقول وداعاً.

    اللعنة، علي أن أسرع. لدي ساعاتٌ قليلةٌ فقط قبل أن يحل الظلام.

    هشام، نادت وهي تنظر إلى خارج الخيمة. استدعِ كل الفريق. سأحتاج إلى كل مساعدة ممكنة.

    أسرعت بقطع الأمتار القليلة التي تفصلها عن منطقة التنقيب تاركةً خلفها سلسلة غيومٍ من الغبار الكثيف، وخلال دقائق قليلةٍ كان الجميع مجتمعاً حولها بانتظار التعليمات.

    أنت، من فضلك قم بإزالة الرمال عن تلك الزاوية، طلبت ذلك مشيرةً إلى أبعد الجوانب من الحجر. وأنت قم بمساعدته، أقترح أن تكونوا حذرين. إن كان هذا ما أتوقعه، فربما ينقذنا من الورطة التي نحن فيها.

    سفينة ثيوس – الدوران حول المشتري

    كانت وحدة التنقل الداخلي الكروية الصغيرة لكن المريحة جداً تسير بسرعةٍ وسطيةٍ تقارب 10 م/ثا على طول المسار الثالث، لتوصل أزاكيس إلى مدخل الحجرة التي ينتظره رفيقه بتري بداخلها.

    كان لسفينة ثيوس، ذات الشكل الكروي أيضاً بقطرٍ يبلغ ستة وتسعون متراً، ثمانية عشر قناة أنبوبية يفوق طول كل منها ثلاثمائة متر بقليل. أنشأت هذه كخطوط طول يفصل بين كل منها 10 درجات بحيث تغطي المحيط كله. يبلغ ارتفاع كل من الطبقات الثلاثة والعشرين أربعة أمتار، باستثناء العقدة المركزية (الطبقة الحادية عشرة) والتي يبلغ ارتفاعها ضعف ذلك. كان من السهل الوصول إلى كل منها عبر محطات التوقف الموجودة في كل طابق، وعملياً فإن الانتقال بين أبعد نقطتين على السفينة يستغرق خمس عشرة ثانية على الأكثر.

    لم يكن الشعور بتباطؤ حركة وحدة التنقل ممكناً إلا بصعوبة. انفتح الباب مصدراً حفيفاً خفيفاً ليظهر بتري واقفاً مباعداً بين ساقيه وعاطفاً ذراعيه.

    قال بنبرةٍ غير مقنعة: إنني أنتظر منذ ساعات. هل انتهيت من سد مرشحات الهواء بتلك القمامة النتنة التي تحملها معك دائماً؟. لم يكن من الصعب فهم إشارته إلى السيجارة.

    تجاهل أزاكيس الملاحظة الاستفزازية بابتسامةٍ خفيفة، ليسحب المحلل المتنقل من حزامه ويشعله بنقرةٍ من إبهامه.

    أمسك هذا. علينا أن نسرع، أجابه بذلك بينما كان يعطيه لبتري بإحدى يديه ويده الأخرى تحاول إعادة الحساس إلى الجيب على يمينه. موعد وصولنا المتوقع بعد 58 ساعة وهذا يدفعني للقلق.

    سأل بتري متفاجئاً: لماذا؟.

    لا أعلم، لدي إحساسٌ بأن شيئاً ما ليس على ما يرام.

    بدأ الجهاز الذي كان بتري يحمله بإصدار سلسلةٍ من الأصوات متفاوتة الترددات، فأخذ يتفحص الجهاز دون أدنى فكرةٍ عما كانت تعنيه. رفع نظره إلى وجه صديقه ليبحث عن أي علامةٍ مفسرةٍ دون جدوى. تحرك أزاكيس بحذر ليضع الحساس في الجيب الآخر فصدرت سلسلةٌ أخرى من الأصوات غير المفهومة من المحلل يتلوها صمتٌ مطبق. أخذ أزاكيس الجهاز من مرافقه ونظر بتمعنٍ إلى النتائج وابتسم.

    كل شيءٍ على ما يرام. يمكننا متابعة رحلتنا.

    أدرك بتري حينها أنه متوقف عن التنفس منذ مدة، فتنفّس الصعداء وشعر براحةٍ فورية، فأيّ خللٍ في

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1