Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

المدركون الأوائل – خِنتاي
المدركون الأوائل – خِنتاي
المدركون الأوائل – خِنتاي
Ebook341 pages2 hours

المدركون الأوائل – خِنتاي

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

رواية "المدركون الأوائل، خِنتاي"، هي الجزء الأول من سلسلة روايات "المدركون الأوائل". الرواية عبارة عن مُغامرة تحدث لأفراد قبيلة "سنجواي" - التي عاشت في أفريقيا قبل آلاف السنين - تُسرَد الرواية عن طريق إدراكهم وليس عقولهم، وتَشْرَحُ كيف شكَّلت هذه النزاعات غريزة الإنسان، وإن كل الأحداث المِحورية في حياة الإنسان يتم توارثها في الجينات البشرية.  تشرح الرواية دور الإدراك في خلق الأساطير وتكوين الأخلاق وتشكيل الغرائز الإنسانية، وأن كل سلوك إنساني نابع من تراكمات غرائزية قد توارثها الإنسان عبر العصور. بعض فصول الرواية تأخذ العقل بعيداً لشرح أصل الكون والحياة من منظور خيالي، لتعكس أن ما زالت هنالك أفكار جديدة يمكن للعقل البشري أن يُقدِّمها، وأن هنالك الكثير من الإشكالات الفلسفية موجودة داخل عقولنا ولم نُجب عليها بعد.
Languageالعربية
Release dateOct 28, 2021
ISBN9789948834885
المدركون الأوائل – خِنتاي
Author

محمود عوض الكريم موسى عبد اللطيف

محمود عوض الكريم موسى عبد اللطيف ، كاتب وروائي سوداني، تمتزج كتاباته بالخيال والواقعية المثيرة للجدل، وتمتلئ دائماً بأفكار ثورية تتقاطع دائماً مع ما تعوَّد عليه الأخرون، ممَّا يفتح أبواباً أخرى لحوارات تتشعب لتطرح تساؤلات جديدة.

Related to المدركون الأوائل – خِنتاي

Related ebooks

Reviews for المدركون الأوائل – خِنتاي

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    المدركون الأوائل – خِنتاي - محمود عوض الكريم موسى عبد اللطيف

    المدركون الأوائل

    خِنتاي

    محمود عوض الكريم موسى عبد اللطيف

    Austin Macauley Publishers

    المدركون الأوائل

    خِنتاي

    محمود عوض الكريم موسى عبد اللطيف

    الإهــداء

    حقوق النشر ©

    شكر وتقدير

    المدركون الأوائل

    المُقدمة

    القبيلة

    البداية

    الرغبة

    الرغبة

    مكتبة الغرائز

    الترفيه

    الموت

    التكرار

    قِصة الكون

    طقس الهاوية

    الطبخ

    اللص

    سيناتي

    الكائنات الحية

    الأحلام

    تَكيُّف اللذة

    غابة الصندل

    أنثى النمر

    الحقيقة

    الهروب

    الهاوية

    نصف نصر

    الإيثار

    الجنة

    طَقس النهر

    الانطفاءة

    الاستنارة

    محمود عوض الكريم موسى عبد اللطيف

    محمود عوض الكريم موسى عبد اللطيف ، كاتب وروائي سوداني، تمتزج كتاباته بالخيال والواقعية المثيرة للجدل، وتمتلئ دائماً بأفكار ثورية تتقاطع دائماً مع ما تعوَّد عليه الأخرون، ممَّا يفتح أبواباً أخرى لحوارات تتشعب لتطرح تساؤلات جديدة.

    الإهــداء

    إلى حيواتنا التي عِشناها من قبل، وحيواتنا القادمة.

    حقوق النشر ©

    محمود عوض الكريم موسى عبد اللطيف 2021

    يمتلك محمود عوض الكريم موسى عبد اللطيف الحق كمؤلف لهذا العمل، وفقاً للقانون الاتحادي رقم (7) لدولة الإمارات العربية المتحدة، لسنة 2002 م، في شأن حقوق المؤلف والحقوق المجاورة.

    جميع الحقوق محفوظة

    لا يحق إعادة إنتاج أي جزء من هذا الكتاب، أو تخزينه، أو نقله، أو نسخه بأية وسيلة ممكنة؛ سواء كانت إلكترونية، أو ميكانيكية، أو نسخة تصويرية، أو تسجيلية، أو غير ذلك دون الحصول على إذن مسبق من الناشرين.

    أي شخص يرتكب أي فعل غير مصرح به في سياق المذكور أعلاه، قد يكون عرضة للمقاضاة القانونية والمطالبات المدنية بالتعويض عن الأضرار.

    الرقم الدولي الموحد للكتاب 9789948834878 (غلاف ورقي)

    الرقم الدولي الموحد للكتاب 9789948834885 (كتاب إلكتروني)

    رقم الطلب:MC-10-01-3024793

    التصنيف العمري: 21+

    تم تصنيف وتحديد الفئة العمرية التي تلائم محتوى الكتب وفقا لنظام التصنيف العمري الصادر عن المجلس الوطني للإعلام.

    الطبعة الأولى 2021

    أوستن ماكولي للنشر م. م. ح

    مدينة الشارقة للنشر

    صندوق بريد [519201]

    الشارقة، الإمارات العربية المتحدة

    www.austinmacauley.ae

    202 95 655 971+

    شكر وتقدير

    الشكر والتقدير للوالد المُفكر الأستاذ. عوض الكريم موسى، والذي كان له القدح المُعلَّى في تشكيل عقلي وتفكيري.

    المدركون الأوائل

    المدركون الأوائل، هي سلسلة من روايات أدب الخيال العلمي والتي تهدف إلى توسيع خيال القارئ لربط التاريخ الإنساني الذي لم نقرأه بواقعنا. وجعل الفلسفة الأخلاقية كموروث أحيائي أكثر منه ثقافي.

    خِنتاي هي الرواية الأولى من هذه السلسلة، والتي ستتبعها رواية ملاكُسيبيان. وهي مزيج من الأدب العلمي والخيال لمناقشة بعض الأجوبة للأسئلة الوجودية من دون الإخلال بمعتقدات الآخرين.

    المُقدمة

    على الإنسان أن يعلم أنه سيُدرك حياة أخرى غير حياته هذه، طال الزمن أو قَصُر، عبر نسله أو عبر أسرته أو عبر أي نسل إنساني آخر، وأن حِمضنا النووي قد استنزف كل تباديله وتوافيقه لتكوين إنسانٍ جديدٍ، وليس له خيارٌ سوى تِكرارِنا. لقد بَلَغتْ الإنسانية من العدد ما لو أُدخَل في متوالية عددية – كمتوالية التكاثر – لما استطاع توليد أرقام جديدة، أو بالأحرى بشرٍ آخرين. وهنالك احتمال أن نكون قد أدركنا حياة أخرى من قبل ولكنا فشلنا في استعادة ذكرياتها.

    لقد أصبح من الضروري علينا أن نجعل هذا الكوكب صالحاً، فسوف نعيش عليه مرة أخرى في المستقبل. وأن نُحافظ على كل روح إنسانية فيه؛ فهي طريق يسلكه إدراكُنا. فكل روح إنسانية قد تكون مساراً لخلقنا من جديد.

    إن أي روح – تعيش الآن – ستكون سبباً لحياة لنا أُخرى حتى لو بعد آلاف السنين. وإني لأفرح جداً إذا رأيت طفلاً في أمريكا اللاتينية، فهو سيَنْقُلني إلى هناك في يوم من الأيام.

    وإني لأحزن جداً إن رأيت مجرماً يُحاول أن يفسد كوكبي مما قد يجعل حياتي الأُخرى القادمة قاسية إلى حد ما.

    ولن يفنى الكون قبل أن يعيش أيٌّ مِنّا في كل بُقعة على هذا الكوكب ولو مرة واحدة على الأقل.

    القبيلة

    تسكن قبيلة سنجواي في وسط غابة استوائية صغيرة في شرق القارة الأفريقية. يَمُر بجوارها أحد الجداول الصغيرة التي غذّت نهر النيل الأزرق لآلاف السنين.

    تكوّنت القبيلة – في البدء – من صيادين ينحدرون من أسرة واحدة هبطوا من كهوف جبال النوبة ليتتبعوا قطعان الحيوانات التي يصطادونها، فقد غَيّروا سلوكهم الغذائي من الاعتماد على تناول النباتات – من حولهم – إلى الاعتماد على اصطياد الحيوانات وتناول لحومها.

    بينما توجه عدد آخر شرقاً، اتباعاً لشهوتهم في تناول لحوم الحيوانات فتخطوا نهر النيل الأزرق وسهول الدندر أكبر المناطق الغنية بالصيد في أفريقيا. وتقول الأساطير إن بعضهم قد بلغ حدود الأرض فاكتشفوا أنها عبارة عن بحار من المياه؛ فعاشوا على شواطئها... فعِشق الإنسان للبحار والشواطئ موروث سُجّل في الإدراك من أسلافهم الذين خرجوا من المحيطات لليابسة... وما فتئوا أن صنعوا لأنفسهم سفناً ليعودوا للبحار مرة أخرى ليعبروا إلى أراضٍ أخرى علّهم يعثرون على نظام غذائي أفضل من اللحوم، وسلوك اجتماعي أيسر من الصيد، وظلوا في حالة من مُطاردة السعادة حتى انتشروا في كل بقاع الأرض.

    كان اعتقادهم بأنهم طالما تطوروا من تناول النباتات إلى اللحوم فلربما يجدون غذاءً يتناولونه مرة واحدة في اليوم، فيوفر لهم ما يحتاجونه من طاقة لمدة شهر، ويقضون ما توفر لهم من زمن في تطور آخر.

    فضّلت أسرة زالخان الاستقرار وسط غابة من الأشجار الطويلة، فاتخذوها سوراً طبيعياً يحميهم من هجمات الحيوانات المفترسة، والتي تتَّبِع أسلوب الصيد الجماعي وحموا أنفسهم من البقية التي تصطاد فُرادى. وقد أطلقوا على مجتمعهم الجديد اسم سنجواي تيمناً بـ سنجوي والد زالخان...

    كان زالخان هو أول من وطئت قدمه أرض سنجواي، فتبعه أفراد أسرته وبعض الأقرباء فشكّلوا مُجتمعاً صغيراً سُرعان ما تزاوج ونما، ليشكِّل قبيلة سنجواي كما هي الآن... ظل أفراد قبيلة سُنجواي يَكِنُّون الاحترام لأبناء زالخان، وأصبح كل من أتى من نسل زالخان يُمثّل زعامة على بقية أفراد القبيلة.

    تشكلت قبيلة سنجواي من هذا المجتمع من الصيادين الذين تكاثروا عبر مئات السنين، وتكاثرت معهم عاداتهم وتقاليدهم وغرائزهم.

    بدأت إدراكاتهم في التكوّن والتشكّل، بعد أن تناقلوها جيلاً بعد جيل، أو تبادلوها في ما بينهم نتيجة لتفاعلهم الاجتماعي، فقد ورث الأبناء إدراكاتهم من الآباء، ثم صقلوها في مجتمعهم؛ فالإدراك ثروة يمكنك أن تَرِثها وتُـــنَمّيها.

    عاش أفراد القبيلة يتَّبعون رغبات إدراكاتهم في العيش والتكاثر.

    كان على النسوة الاستيقاظ باكراً – كل يوم – لقطف الثمار من البستان المجاور.

    أما الذكور فقد كانت مسؤوليتهم محصورة في صيد الحيوانات وجمع العسل من الغابات والجبال المجاورة.

    أما الفتيات فعليهن جلب المياه من الجدول المجاور في قِرَبٍ تُصنع من جلود الغزلان وتفريغها في حوض ضخم – بجوار مدخل القرية – تم حفره خصيصاً لتجميع المياه لاستخدامها بعد إغلاق المدخل، بينما ينخرط الصبية في التدرّب على الصيد.

    بعد الظهيرة تتوجه النسوة مرة أخرى لحظائر الأبقار لجلب المياه لها وإطعامها ثم حلب ألبانها والتي غالباً ما يستخدمونها في صُنع مشروب العونات؛ وهو المشروب المُفضَّل لأفراد القبيلة، والذي يُخلط في بعض الأحيان مع القليل من العسل.

    لقد صنعوا لأنفسهم جنةً زرعوا فيها كل ما استساغوا أكله من قبل.

    لم يكن هنالك حسابٌ للأيام أو السنين، لكنهم يقسمون حياتهم لسبعة أيام بناءً على الكواكب التي تظهر في السماء، فأعطوا كل يوم كوكباً خاصاً به... وتُسَمَّى كل دورة للكواكب أسبوعاً.

    تحتفل سنجواي ثلاث مرات في هذا الأسبوع الافتراضي، احتفالين يتزامنان مع عودة الرجال من رحلات الصيد... تتخللهما مأدبة ضخمة يتناولون فيها اللحوم الطازجة، فأمامهم يومان من تناول اللحوم المجففة حتى يحين يوم الصيد التالي. أما الاحتفال الثالث فهو يوم التكاثر، وهو يتبع مأدبة الصيد الأولى، وهو احتفال يجتمع فيه الذكور والإناث حتى يختار أحدهم شريكه الذي سيتكاثر معه.

    كانت الحياة أبسط بكثير من أن تنمو فيها الشرور.

    البداية

    مرحباً! أنا خِنتاي. إدراك في الحمض النووي لهذا الطفل الذي لا أعلم اسمه حقيقةً – حتى الآن – ولكني سمعت والديه يناديانه بـ مو.

    نعم إن الإدراك عضوٌ محسوس في جسد الكائن الحي، وأنت أيضاً تمتلك عضواً مِثْلي يُمثّل إدراكك. لا أعرف اسم إدراكك. ولكن دائماً ما تبدأ أسماؤنا بحرف الخاء.

    من الممكن جداً أن أكون أباً لإدراكك أو أنت أباً لي. لا يهم الآن، المهم أن تعرف أن الإدراك عضو من أعضاء جسد الكائن حي.

    ليست كل أعضائكم لديها أشكال مُعيّنة في مساحة مُعيّنة داخل أجسادكم. فالجلد مثلاً أكبر عضو في جسدك، ولكنه في كل مكان، وكذلك أنا أيضاً في كل مكان وفي كل خلية.

    أعرف كل شيء عن جسدك، أتحكم في كل شيء فيه. بالتأكيد ليس بهذه البساطة، لأن عقلك هو من يتحكم بجسدك، ولكنني أوسوس له كثيراً بما يجب عليه أن يفعل أو لا يفعل.

    هذه أول حياة لي على هذا الكوكب، ولكنها لن تكون الأخيرة! فبعض أصدقائي من الإدراكات قد عاشوا أكثر من عشر حيوات في أجساد مُختلفة على مدار السنين، وبنفس الجسد مرة أو مرتين ولكن في أزمان مُتباعدة جداً.

    ولكن ليس لأني إدراك استنار لأول مرة، فهذا يعني أنني سأتعلم من البدء مثلما تتعلمون. بالطبع لا... فإننا نولد داخل مكتبة ضخمة مليئة بالمعارف، منذ الإنسان الأول وحتى الآن...إني ذاكرة يمكنك أن ترِثَها وتُوَرِّثَها.

    أنا لا أُفَكّر ولكنني أملك قاعدة بيانات ضخمة تحتوي على ماكينة استدلال تقوم باختيار الأفضل لك والذي سينعكس كالأفضل لي – بالتأكيد – في هذه الحياة وفي حيوات أخرى سأعيشها.

    الإدراك هو وعي موروث يخدع العقل بالغرائز.

    لا تتعبني بالشرح يا صديقي ولا تخبرني كيف أفكر بلا عقل وكيف أفكر فقط من خلال معلومات مسجلة في داخلي!

    هل تقود سيّارَتك؟

    إنك عندما تقود سيّارَتك في بادئ الأمر تفكر بأنك ستنطلق باستخدام السرعة الأولى في عِلبة تروس السيارة. وعندما ترى بعينيك المسافة التي انطلقتها وتَسْمَعُ بأذنيك صوت المحرك يهدر، فإنك تُغيّر السرعة للثانية وهكذا. ولكنك لن تفكر في هذا كثيراً عندما يتكرر الموقف... فقد تم تسجيل شفرات هذا الحدث في إدراكك.

    ستقول لي لماذا لا نَرِثُ هذه الصفة؟ يا صديقي، إنك لا تقود نفس السيارة التي قادها والدك، فهي لا تملك نفس صوت محرك سيارتك، وصور الشوارع ليست نفسها صور الشوارع التي قاد فيها. حتى أنت نفسك إذا قُمت بتغيير سيارتك ستبدأ بالتفكير بنفس الطريقة ولكن لفترة قليلة إلى حد ما.

    هل امتطيت حِصاناً من قبل؟ إن الأطفال الذين قاد آباؤهم أحصنة لا يفكرون كثيراً وإنما نوَرّثهم كيف يمتطون الأحصنة وسيجدون مهنة امتطاء الخيل مُسجلة في إدراكهم، فالأحصنة هي الأحصنة. ولكن ابناؤك سيحتاجون للتدريب فأنت لن تُوَرّثهم إدراكاً غير موجود في مكتبة غرائزك.

    هل تُفَكّر كيف تحمي جسدك عند السقوط؟ بالطبع لا. فهذه معلومات مسجلة لدينا نَرِثُها من إدراك والدك والذي ورثها مِمَّنْ قبله، فالأرض هي الأرض والجاذبية هي الجاذبية.

    هل تستخدم جهاز البصمة عندما تلج مقرَّ عملك؟ بالرغم من أنك تعتقد بأن هذا الجهاز عبقري ولكنه أساساً مبني على خيارين: (صفر، وواحد).

    هل يستطيع ابنك أن يتعامل مع هاتفك الذكي أفضل منك؟

    لقد بدأ التعلم من الغرائز المُسجلة في إدراكه والتي تُوفّر له كيفية التعامل مع الأجهزة المتطورة أفضل منك، فقد بدأ من النقطة التي انتهيت إليها.

    كل الحيوانات ذكية، تستطيع القطة أن تتعلم فتح علبة السردين، وتستطيع أن تُوَرِّث ذلك لابنها، ولكنها لا تمتلك لغة لتخبر غيرها من القطط. وقد لا يجد ابنها علبة سردين طوال حياته، فتبهت هذه الغريزة إلى الأبد فهي لا تملك إدراكاً ذا ذاكرة قوية مثلي.

    لذلك أنت تعتقد أنك قد تطورت سريعاً. لا يا صديقي! أنت فقط امتلكت جهاز تخزين في جيناتك فأصبحت – أي الجينات – تسجل الأحداث كجهاز البصمة الذي في مكتبك وتتعرف على القرار المناسب من ضمن عدد من الأحداث المُسجلة في قاعدة بياناتنا.

    في بداية تكوّني كإدراك، كنت واعياً جداً بأن جسدَ مُستضيفي الأول يحتوي على عدد قليل من الذكريات والخبرات في مكتبة الغرائز. فأدركت أن عليَّ أن أزرع في جسد مُستضيفي مو مبدئين أساسيين: الرغبة في التكاثر، والنجاة بحياته. فمن غير هذه المبادئ الأساسية لن أحصُل على فُرَص لحيوات أخرى والانتقال من جسد إلى آخر. فالإدراك ليس إلا شيفرة تتغير بتغيُّر الكائن الحي، ومع وجود عدد محدود من الاحتمالات فهذه الشيفرة لها القابلية للتكرار أكثر من قابلية الشيفرة الجينية الكاملة للكائن الحي على أن تتكرر. مع عدم استبعاد احتمال تكرار شيفرة الكائن الحي كاملة فمن الممكن أن يعيش نفس الشخص بشحمه ولحمه أكثر من حياة.

    مئات السنين قد تكون كافية لتكرار الشيفرة الجينية لإدراك الكائن البشري؛ أكثر من مرة، مثله مثل أي عضو في جسد الإنسان.

    إن الكُلى التي تُكوّنها أجزاء من الشيفرة الجينية، تتكرر باستمرار، بل يُمكن نقلها من كائن إلى آخر في حالة التطابق الجيني الكافي. وكذلك الإدراك، ولكنه بشيفرة جينية أطول بكثير... فالإدراك نتاج عرضي لدى الكائن الحي ينبت من الذكاء والذاكرة.

    أدرك المُدركون الأوائل أن شيفرات الحمض النووي تنتقل من الأب إلى الابن، فيصبح جسد الابن حاملاً لحمض نووي مُشابه – إلى حد ما – الحمض النووي للأب والأم، واللذين استضافا إدراكين مُختلفين آخرين. وبما أن هذا الإدراك جزء من الحمض النووي فهنالك احتمالية أن تتكرر الشيفرة المكونة له في ابناء الابن أو في أي من أنساله، في الزمن اللا متناهي للكون، مما يُمَكّنهم من الحياة أكثر من مرة. لذلك كان التكاثر والحفاظ على الحياة أهم غريزة يُمكن أن يزرعها الإدراك في جسد مُستضيفه حتى يتسنى له التكاثر لمرات كثيرة تُزيد من احتمالية تكرار شيفرته.

    كانت شيفرتي تبدأ بنمط مُعيّن من الحروف الجينية. فانحصرت فرصتي الكُبرى للتواجد في أجساد أخرى في تكرار نفس هذا النمط – من الشيفرة – لينشأ كإدراك جديد في جسد جديد في المستقبل بعد انطفاء مُستضيفي. لذا وجب عليَّ أن أُحفّز مستُضيفي للحفاظ على حياته أطول فترة ممكنة ليتمكن من التكاثر لمرات عديدة، فاحتمالية تكرار شيفرتي تكون أكبر من نسل وابناء مُستضيفي. وعليّ أن أُحفّز مُستضيفي على الاعتناء بأسرته وتوفير الحماية والغذاء لهم. ففي نفس الوقت هنالك احتمالية – ولكنها أقل – من تكرار نمط شيفرتي من أفراد أُسرة مُستضيفي الذين يحملون جينات مُشابهة لجيناته مثل إخوانه وأعمامه وأخواله.

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1