Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

شجرة الكمال
شجرة الكمال
شجرة الكمال
Ebook351 pages5 hours

شجرة الكمال

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

شجرة الكمال

 

الرواية في جملة:

الإنسان .. ذلك الساعي بين وهم النقص وحلم الكمال .. من اللحم إلى الروح. 

 

عرض الرواية:

روحان في لحظة بدء الخليقة يقرران أن يتحلَّيا بالإرادة الحرة فينطلقان بمساعدة ملاكهما بين بوابات الزمن .. من ديوانٍ إلى ديوان:

 

الديوان الأول: سوق الرقيق حيث يبيع الإنسان الإنسان .. فإمَّا يستسلمان فيصيران سلعة أو يتحدَّيان نقصهما نحو الكمال. 

 

الديوان الثاني: الإنسان المقدس .. تفوق قداسته الأحجار .. فهل يعي قداسته؟ .. وهل يعي أن الحجر المقدَّس إنما وضع لأجله، فهل يدركان قداستهما؟ .. وهل يسمح لهما مَن لا يرون الإنسان مقدَّسًا أن يعلنا قداستهما؟

 

الديوان الثالث: مع أبي عبد الله سيدنا الحسين .. عندما يصير الحب مهربًا من الواجب .. وملجأ لأن يغفل الإنسان عن المعنى الكامن في الحياة ليصير الحب خمرًا تغمض العين وتريح الضمير. 

 

الديوان الرابع: يقع العاشقان في قبضة القداسة الزائفة .. عندما يسلم الإنسان نفسه لمن خطفوا القداسة وادَّعوا أنهم رجال الرب، وأن في طاعتهم طاعته .. هل يصمد حينذاك؟

 

الديوان الخامس: مع السيد المسيح .. فإمّا الطريق نحو الكمال أو الطرق المتشعبة للنقصان، فماذا يختار العاشقان؟ .. وهل يحملان صليبهما أم يختاران النجاة؟ .. ترى أين النجاة؟ .. في الصلب أم السلامة؟

 

الديوان الأخير: العاشقان في زماننا .. زماننا الذي لا يعرف الأبطال وقصص العشق المثالية .. وإنما العشق في زماننا لحظات متعة نبحث بعدها عن غيرها .. فهل هو زمان للعشق أم هو زمان بلا عشق؟ .. عاشقان أرهقتهما المثالية .. فهل المثالية من الكمال؟

 

الختام .. ويليه ما بعد الختام: كيف يواجه العاشقان عالمًا زائفًا؟ .. وكيف يكون النقص طريق الكمال؟

 

Languageالعربية
Release dateFeb 16, 2024
ISBN9798224171040
شجرة الكمال

Related to شجرة الكمال

Related ebooks

Reviews for شجرة الكمال

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    شجرة الكمال - أحمد مجدي

    الإهداء

    إلى الكذب ...

    ذلك الرفيق الذي يصر أن يقابلني يوميًّا.

    الديوان الأول

    وسط غيوم كثيفة سرنا طائرين .. أمواج البشر لا أول لها ولا آخر .. ورغم ضعف الضوء لم نتعثر ولم نصطدم كأننا جميعًا نعلم وجهتنا، كنا نتناسل من بعضنا البعض، فأخذ كل منا ينزل من ظهر الآخر، وكل منا ينزل من ظهره عشرات  فمئات  فآلاف غيره، وكل من ينزل من ظهر غيره يسير فى طريقه بنفس وقع الخطوات الرتيبة .. إلى أن نزل هو .. فسار فى طريقه المرسوم إلى أن نزلت هي .. فسارت فى طريقها المرسوم إلى أن وجدا يديهما قد تشابكت معًا .. ولأول مرة يعلمان أن عينيهما تريان .. فلقد التفتا لبعضهما البعض، وظهرت الابتسامة على وجهيهما .. ثم سارا فى الطريق المرسوم متشابكي اليدين، ولكن المسير اختلف، فهما لأول مرة يلاحظان علامات الطريق من حولهما .. فرغم الغيوم لاحظا الذين أحاطوا أمواج البشر من الجانبين ليجبروهم على السير فى طريقهم المرسوم، أما الطريق فكانت أرضيته من نور كلما سارا عليه شعرا أن القــــمر يملأ جسميهما  وروحيهما .. كما لاحظا صاحب العينين الناريتين الذى أخذ يتلصص من خلف  صف الملائكة حيث ينظر إلى الأمواج البشرية فى ترقب وقلق، ولاحظا نظرة الرعب فى عينيه عندما نظر إلى يديهما المتشابكتين ورغم اللسعة التى شعرا أنها تصيب يديهما جراء نظرته إلا أنهما حافظا على تشابك يديهما، فقد أخذا يحثان الخطى فى طريقهما المرسوم وانشغلا بالورود التى تزين الطريق والدخان الأبيض المنبعث من خلالها .. ومن بعيد لاحظا تلك البوابة الدائرية التى أخذ شعاع من الضوء يتلاعب عند مدخلها فى حركة حلزونية .. فأعاد النظر إليها وقال:

    -  هل سنظل سائرين فى الدرب المرسوم؟

    قالت فى آلية:

    -  ليس لنا خيار آخر.

    فأشار نحو البوابة، وقال:

    -  بل لدينا خيار آخر .. هناك.

    -  ولكن خطانا لها قدر مرسوم وليس لنا أن نخرج عنه.

    -  ولماذا لا نخرج عنه ؟ .. أليس من الممكن أن يكون خيرًا من طريقنا المرسوم هذا؟

    -  أخاف الخروج عن الصراط.  

    كيف لها أن تشعر بالخوف وهى فى قبضته، لكنه أيضًا شعر بالرأفة نحوها وخشى أن يزيد من خوفها فسار معها فى الطريق المرسوم ولكن عينيه ظلتا معلقتين بالبوابة ذات الضوء الحلزوني حتى أنه أصبح لا يرى شيئًا غيرها وظل هكذا إلى أن توقفت الجموع فوجد أنهما وصلا إلى حيث  اصطفت الأمواج البشرية فى صفوف أفقية وقد رفع الجميع أعناقهم إلى أعلى، فألقى نظرة على بوابته ثم رفع عنقه إلى أعلى مثل الجميع وهو يتحسس يدها وكأنه يريد الأطمئنان إلى أنها لا تزال بجانبه .. كانا ينظران إلى الفراغ المظلم الممتد أمامهما فى اشتياق شديد، ورغم انشغالهما بذلك إلا أنهما لاحظا نظرات صاحب العينين الناريتين تحدق بهما فى رعب، ولاحظا كتلة من البشر تنظر نحوهما فى ترقب والهمسات تتناقل بينهم، وأخذت الأصوات تعلو حتى صار في إمكانهما تمييز بعض هذه الهمسات.

    -  إنهما لي لا تحاول.

    -  أنتَ غير لائق .. اعذرني.

    -  أنتِ ملكي فأين تهربين.

    -  أنا خطيئتك التى ستطاردك للأبد.

    -  ازرعي الخوف تجني السلامة.

    -  تنابزوا بالألقاب.

    -  الذهب .. الذهب .. الذهب.

    -  مخادع.

    -  ساذجة .. أمينة .. بائعة هوى .. قلب رقيق .. قلب حديد.

    لم يلتفتا لأي من هذه الهمسات، ورفعا عنقيهما بشدة .. وفجأة اختفت الهمسات .. وفقدا الإحساس حتى بيديهما المتشابكتين .. فقد بدأ التجلي، وانطفأ كل نور سواه حتى نور البوابة انطفأ .. حتى صاحب العينين الناريتين قد انطفأت عيناه .. وتم التجلي وساد الصمت ثم ترامت الكلمات القلائل، ولم يدر أحد هل جاءت الكلمات كصوت شعرت به الآذان أم كإحساس سكن وجدان المتلقين.

    -  ألست بربكم؟

    وعلى الفور أجابت الأمواج البشرية فى صوت واحد سيطر عليه الانبهار والتعظيم والتوقير:

    -  بلى شهدنا.

    ثم تراموا ساجدين إلى أن انتهى التجلي وسمعوا أصواتًا تقول:

    -  هيا فليذهب كلٌ منكم فى طريقه وينتظر دوره.

    رفعوا رؤوسهم، قاموا من سجودهم، وبدأوا فى العودة جماعات جماعات وقد غمرتهم السكينة .. رفعا رأسيهما .. تحسسا يديهما المتشابكتين .. سارا فى طريق العودة .. شعرا بنفس اللسعة .. رأيا البوابة ذات الضوء الحلزوني، فقالت فى لهجة محرضة:

    -  ما رأيك؟

    -  تعلمين رأيي من قبل .. إن هذه البوابة هى المنفذ الوحيد هنا .. وربما تكون هى المنقذ الوحيد لنا، فإما البوابة وإما الانتظار لآلاف السنين حتى يحين دورنا، وقد نجد خلفها السعادة.

    -  أو ربما نجد الألم.

    -  أحيانا يكون الألم هو أول خطوة فى تحقيق السعادة.

    -  خائفة.

    -  اكسري خوفك وسيري معي فهناك الأمل.

    -  فكرتُ وقررتُ .. نحن قادرون أن نصنع القدر بيدينا المتشابكتين إذا غيرنا المسار.

    تنفست بعمق علها تسيطر على توترها، وأخذت تحاول استجماع شجاعتها لتتغلب على خوفها، فقال لها مشجعًا:

    -  إن عودتنا للطريق المرسوم تعني أن لا اختيار لنا، أما اختراقنا لهذه البوابة فمعناه إرادة واختيار.

    -  والاختيار أمانة.

    -  إذن فلنحمل الأمانة.

    -  ياله من حمل ثقيل .. وربي إن السماوات والأرض والجبال لتأبين حملها، ولتشفقن منها.

    -  ولكنا إنسان .. نملك الإرادة .. فهل تحملينها معي؟

    أومأت برأسها موافقة وقالت:

    -  نعم .. أحملها معك.

    وفجأة شق الفراغ حولهما صوت يقول:

    -  وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولًا.

    فالتفتا إلى مصدر الصوت فوجداه ملاكًا يرفف بأجنحته الثمانية وقد تقطر النور وتناثر من حوله، فقال له:

    -  ماذا تقصد؟

    -  قررتما حمل أمانة الاختيار ولم تعرفا تبعاتها  فظلمتما نفسيكما وجهلتما بالعواقب.

    فقالا فى ترقب مشوب بالقلق:

    -  وما العواقب ؟

    -  خلق الإنسان ضعيفًا.

    -  وما علاقة ذلك بالعواقب؟

    -  وقفوهم إنهم مسئولون.

    -  وعن أى شيء نُسأل؟

    -  عن اختياراتكما.

    -  رغم ضعفنا ؟!

    -  ضعفكما لا يمنعكما من حسن الاختيار.

    نظرا لبعضهما البعض كأن كل واحد منهما يريد أن يستمد الشجاعة من الآخر حتى قالا معًا:

    -  لقد اخترنا .. سنجتاز البوابة معًا .. لكن ما الذى ينتظرنا هناك؟

    قال الملاك:

    -  ينتظركما ضعفكما واختياراتكما فلا تجعلا الضعف سببًا لسوء الاختيار.

    قالا معًا:

    -  وكيف هي الحياة هناك؟

    قال الملاك مرفرفا بأجنحته:

    -  اختبارات معقدة كلما أنهيتما اختبارًا وجدتما بوابة أخرى تدلكما على اختيار جديد.

    -  ومتى النهاية ؟

    -  إما تحسنا الاختيار فالسعادة، وإما تنتهي الاختبارات فالشقاء.

    سارا معًا نحو البوابة .. أعادا النظر نحو الملاك فأشار لهما مودعًا مبتسمًا وهو يقول:

    -  أدعو لكما بالتوفيق.

    دخلا إلى البوابة ولم ينتبها إلى أن صاحب العينين الناريتين قد تبعهما .. وبعد المرور في إعصار حلزوني داخل البوابة شعرا فيه بانخطاف غريب وجدا نفسيهما فى ذلك السوق...

    أول سوق عرفته البشرية .. سوق فسيح يحيطه رجال أشداء وقد امتلأ بصفوف كثيرة من البشر، حيث تجمعوا فى جماعات متناثرة،  وكل مجموعة تقف تحت مظلة واسعة وأمام كل مظلة يقف رجل ينادى على بضاعته، فيحسن فيها ويجملها فى عيون الزبائن، وظهر كل الرجال المنادين بمظهر واحد .. فكلهم يرفلون فى النعمة، ويتدثرون بأفخم أنواع الثياب، ويتعطرون بأغلى أنواع العطور .. إلا أن حرارة الشمس جعلت رائحة العطور رائحة محترقة .. ولكل رجل منهم شارب عريض، وبطن منتفخة جراء الإفراط فى الطعام .. وأسفل كل مظلة تجمع العشرات من المخلوقات البشرية .. أجساد ملقاة فوق بعضها البعض .. متراصة فى نظام شديد فى صفوف خلف بعضها البعض .. ورغم التصاق الرجال بالنساء إلا أن أحدهم لم يشعر بالآخر فعيونهم مصوبة إلى الأمام، ومشاعرهم مجمدة كعيونهم .. أمسك أحد المنادين بفتاة أخرجها من الصف وأخذ يعرضها على زبون جاء إليه، فكشف المنادي عن صدرها وهو يقول:

    -  انظر يا سيدي .. لن تجد فى مثل طراوتهما .. إنه طلبك .. فيها كل ما تريد.

    كادت عينا الرجل تخرج من محجريهما لتلتصقا بنهديها إلى الأبد .. لاحظ المنادي أن أحد الرجال أسفل المظلة كان ينظر نحو نهديها،  فنظر إليه نظرة تهديد ممتزجة بتعجب لهذ الفعل غير المعتاد من أقرانه، فأمسك بكتف الزبون وأدار جسده حتى يكون ظهره هو المقابل لصاحب العينين الملتصقتين فلا يراه، فذلك التصرف يسيئ إلى سمعته فى السوق، وهو لا بد سيعاقب هذا المتلصص الدنيئ، ثم وجه كلامه نحو زبونه قائلا:

    -  سيدي .. أين تجد مثل هذه الصفات الرائعة .. فتاة بكر فى السادسة عشر من عمرها، فاتنة كما ترى، جسد كالعجين فى يدك .. تجيد الرقص والغناء.

    ثم أمسك الفتاة وأخذ يقلبها، فضغط على نهديها ليثبت طراوتهما، وحرك ساقيها كى تصيبهما هزة متموجة هدت كل حصون التردد .. حيث أخذ الرجل يفكر في الليالي التى سيقضيها مع تللك الفتاة مبهرة الجمال مابين رقص وقبلات وأغانٍ لا تنتهي، ودفقات لا نهائية تلقيه بعد ذلك كالجثة على فراشه .. لذا قال من فوره:

    -  بكم هذه الجارية؟

    توقف البائع عن تحسين بضاعته وأخذ يداعب شاربه متظاهرًا بالتفكير، وأمسك بذراع جاريته  وحركها فوضعها خلف ظهره كى يجنبها نظرات الزبون الذى سال لعابه، وقال:

    -  لا أعرف هل تتحمل ثمنها أم...

    قاطعه الزبون وهو يحاول أن يمنع سقوط لعابه على الأرض من بين كلماته، وقال:

    -  أي ثمن .. أي ثمن سأدفعه.

    تأكد الصياد أنه أحكم الشباك حول فريسته، فقال:

    -  هل عندك بيت فخم؟

    -  قصر من الزمرد.

    -  وماذا تعمل أيها السيد؟

    -  وما دخل عملي بشرائي لهذه الجارية؟

    -  هل تظنها جارية كبقية الجواري تباع بالمال فقط؟

    -  إذن بماذا تباع؟

    -  لا بد أن تعيش فى بيت فخم، ولا بد أن يشتريها رجل ذو مكانة لا لمجرد أنه يقدر على  ثمنها، ثم بعد كل ذلك لا بد أن يمتلك ثمنها ثم أخيرًا لابد أن يحبها.

    -  يحبها؟! .. هل قلت لك أنى سأتزوجها؟

    -  وما الفارق بين الزوجات والجواري؟ .. فكلهن سبايا عندك تتحكم فيهن، تأمرهن فيطعن، تدعوهن فيلبين.

    -  على كل أنا طبيب كما أني من بنيت قصر الخليفة.

    -  عظيم .. إن هذه المقومات لهي مقومات عظيمة تجعلك أهلًا لكى تنال شرف أن تكون سيدها .. ولكن من أي عائلة أيها السيد؟ .. هل عائلتك تليق بأن تدخل جاريتي بيتهم؟

    -  يا سبحان الله .. إنها جارية أيها البائع، فهل تختار الجارية العائلة التى تشتريها.

    تخلى البائع عن مكانه قليلًا كي يكشف عن عيني الجارية فهو يعلم تأثير سحر عينيها على الزبائن، ثم قال:

    -  لا تنس أيها السيد، إنها ليست كأي جارية.

    فقال الرجل فى لهجة من نفذ صبره:

    -  أنا من عائلة الأهيم السكندري.

    فأطلق البائع صفيرًا طويلًا جعل الزبون يشعر بفخر شديد، ثم قال:

    -  إنها عائلة عريقة، وجدكم الأهيم هو الذى وجد ألف صندوق مليئ بالذهب فى الصحراء .. إنك بهذا تستحق هذه الجارية إن امتلكت ثمنها.

    قال الزبون على الفور:

    -  موافق.

    -  بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما فى خير .. خير كثير لا ينفد ولا يبلى.

    سادت لحظة صمت قال الزبون بعده:

    -  ولكنك لم تسألني عن الشرط الأخير.

    -  نعم فقد قلت لى لا بد .. لا بد ..  لا بد أن يحبها من يشتريها.  

    ربت البائع على كتف الزبون وقال بلهجة من يستسهل الأمر:

    -  يا رجل .. إن من يدفع كل هذه القطع الذهبية، ويتحمل كل هذه الأسئلة لكي يشترى جارية فهو بالتأكيد يحبها.

    ثم التفت الرجل إلى حيث الجارية، وهو يقول:

    -  هيا .. خذ جاريتك أيها السيد.

    ولكن فوجئ الرجل بأن الجارية غير موجودة، فقال فى تعجب:

    -  أين ذهبت الجارية؟ .. لا تقلق أيها السيد لا بد أن ذهبت لتفعل أي شيء حتى ننتهي من النقاش، ولا بد  أنها ستعود.

    ثم أخذ البائع يمسك رأسه بأصابعه وهو يقول:

    -  أين ذهبت هذه الجارية؟

    وفجأة شعر برعب شديد إذ وجد مكان العبد ذى العينين المتلصصتين خاليًا، فحدث نفسه غير مصدق، وقال:

    -  معقول .. هل هربا معًا؟ .. ستكون هذه أول حالة هروب من سوق الرقيق.

    ولكنه سرعان ما ضحك مطمئنًا، وهو يقول:

    - بالتأكيد سيعودون، فلا يمكن لعبد أو لجارية أن يخرجوا عن قواعد السوق أبدًا .. أبدًا .. فوقتها ستطاردهم كل الأرض وتتحول الوردة الرقيقة فى أيديهم إلى سم زعاف يفتك بهما.  

    فى هذا الوقت جلسا أسفل شجرة وارفة، تدلت فروعها من كل الاتجاهات كمظلة ساترة لهما تحجب عنهما الشمس الحارقة، وتمنع عنهما عيون المتلصصين، أما حول هذه الشجرة فصحراء واسعة ليس بها أى أثر للحياة، ليست إلا رمال ناعمة مستوية لا أثر فيها لنبات أو حشرة او حيوان أو حتى أثر قدم، كانا هما الحياة الوحيدة فى هذه الصحراء...

    أسندت رأسها إلى كتفه فى حين لف ذراعه حولها، وهى تقول:

    -  أخيرًا وجدت وطنًا لرأسي.

    -  أريدك.

    -  ما كان لعبد أن يريد، وما كانت لجارية أن تريد. 

    زاد من ضمه لها، ثم قال:

    -  إذن لماذا وافقت أن تأتي معي؟

    -  لم يكن لى أن أرفض.

    -  هل أنت هكذا دومًا بلا قرار؟ .. لا تستطعين رفضي ولا تستطعين رفض قرار البائع.

    -  إني مابين الحياة والموت، فلا بيدي أن أحيا ولا بيدي أن أموت.

    -  أنا أدعوك للحياة وهم يدعونك للموت، فأيهما تختارين؟

    -  ليس لى خيار .. أنا ملك سيدي، وهو الذى يتحكم بي.

    -  أنت إنسان .. حملت الأمانة باختيارك وصارت لديك الإرادة الحرة.

    -  إن لسيدى فضل عليّ.

    -  مهما كان فضله فليس له أن يتحكم فى حياتك كلها يا حبيبتي.

    ارتجت عندما سمعت كلمته الأخيرة، وشعرت أن براكين الحياة تدب بداخلها إلا أنها لم تُلْق حممًا واكتفت أن تشعر بلهيبها داخلها .. لاحظت دمعة تفر من عينيه فأشاحت بوجهها عنه وهى تقول:

    -  أرجوك لا تتألم لا أستطيع أن أرى ألمك.

    -  إن كنت لا تتحملين ألمي فكوني لي.

    -  لست لك.

    -  إذن فأنت لا تريدين أن تري ألمي .. لا لأنك تشفقين عليّ ولكن لأنك تشفقين على نفسك أن تكوني سببًا فى ألم الآخرين.

    قالت فى قسوة مفاجئة مغلفة بالحنان:

    -  لا تلمني وقل لي ماذا فعلت أنت لتخلصني من عبوديتي؟

    شعر على الفور باختناق يحاصره، وقال:

    -  أنا واقع فى العبودية مثلك، فماذا كان يمكنني أن أفعل، إن أقصى ما أستطعيه أن أخاطر بحياتي وأطلب منك الهرب معي فأنت تعلمين جزاء العبد الآبق.  

    -  إذن فأنت تريدني أن أهرب معك وبالتالي ينزل العقاب على كلينا .. رغم أن الحل فى يديك.

    -  وكيف ؟ .. دليني عليه وسأفعله على الفور.

    -  عليك أن تبحث عنه.

    -  سأعود إلى السوق، وأنتظرك هناك، فإما أن تسبق الجميع،  وإما يشتريني هذا الزبون.

    ثم انطلقت تجري بسرعة فى اتجاه السوق، وتركته غارقًا فى حيرته ماذا يفعل وهو العبد الذليل؟ .. فهو لا يملك حريته حتى يستطيع أن يهب الحرية لغيره .. قطعت أفكاره فجأة رؤيته لذلك الرجل الغريب الذى انشقت الصحراء عنه فجأة، والذى أمسك يد الفتى، وهو يقول:

    -  تعال معي.

    خرج الفتى مستسلمًا إلى حيث الصحراء الخالية، وعلى رمالها الناعمة جلسا، فإذا بالرجل يبدأ الحديث فيقول:

    -  لا تستبد بك الأفكار .. إنها لا تستحق أن تفعل لأجلها شيئًا.

    -  كيف وهي الطهر؟

    ضحك الرجل على سذاجة الفتى الغر وقال:

    -  يا لك من ساذج أبله .. وماذا يفيدك الطهر إذا تفقد إيمانك .. إنها اختارت بنفسها مصيرها واستســلمت له فإن كانــــــت تريدك لذهبت معك.

    -  كان فى يدي أن أقتل البائع .. أن أسرق المال وأشتريها .. أن أكسر

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1