Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الحرب الباردة: مشاهدات سياسية
الحرب الباردة: مشاهدات سياسية
الحرب الباردة: مشاهدات سياسية
Ebook372 pages2 hours

الحرب الباردة: مشاهدات سياسية

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يقدم هذا الكتاب لمحة شاملة حول الحرب الباردة، تمتد منذ عام ١٩٤٥ حتى الحل النهائي للمواجهة الأمريكية السوفييتية في عام ١٩٩٠. يسلط الضوء على الأحداث والاتجاهات والقضايا الرئيسية للحرب الباردة، مستندًا إلى بعض أهم وأحدث الدراسات حول هذا الصراع التاريخي. يتناول الكتاب الأسئلة الأساسية الموجهة للحرب الباردة، مثل كيف ومتى ولماذا بدأت؟ ولماذا استمرت لفترة طويلة؟ وكيف اتسعت نطاقها من أوروبا إلى أنحاء العالم؟ وكيف انتهت بهذه الطريقة المفاجئة والغير المتوقعة؟ وما هو الأثر الذي خلفته على التاريخ العالمي والعلاقات الدولية؟ يعتبر هذا الكتاب مرجعًا مهمًا يلقي نظرة عميقة على تفاصيل هذه الحقبة التاريخية الهامة.
Languageالعربية
Release dateJan 25, 2024
ISBN9781005533830
الحرب الباردة: مشاهدات سياسية

Related to الحرب الباردة

Related ebooks

Reviews for الحرب الباردة

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الحرب الباردة - روبرت جيه ماكمان

    يقدم ماكمان سردًا قويًّا موجزًا لحقبة مهمة من تاريخ العالم الحديث. هذا الكتاب الواضح الموجز الجدير بالإعجاب يصلح تمهيدًا رائعًا عن هذا الموضوع.

    فريدريك لوجفال،

    جامعة كاليفورنيا، سانتا باربرا

    تمهيد هذه الطبعة

    لا ريب أن كتابة تاريخ موجز للصراع الذي هيمن على العلاقات الدولية، وحدد شكلها بدرجة كبيرة، لنحو نصف قرن يعد مهمة ثقيلة، مثيرة، وصعبة. توجد دراسات مفصلة — كثير منها ممتاز وأغلبها أكبر حجمًا من هذا الكتاب — عن كل الأحداث والأزمات والنزاعات والشخصيات المهمة التي يتناولها هذا الكتاب الصغير. علاوة على ذلك، استعرت مناقشات علمية حامية، كثيرًا ما اتسمت بالذم المتبادل، بشأن جميع أوجه تاريخ الحرب الباردة تقريبًا. وقد شهدت هذه النقاشات ثراءً وعمقًا في السنوات الأخيرة بفضل كشف النقاب عن الأدلة الوثائقية التي كانت سرية في الماضي الموجودة في سجلات المحفوظات بالولايات المتحدة وروسيا وأوروبا الشرقية والصين وغيرها، وبفضل الرؤى الجديدة التي تتوافر لنا مع مرور الوقت. من ثمَّ، لا يزعم كتابنا هذا أنه يحمل كلمة الفصل عن الحرب الباردة أو أنه يمثل، ولو من بعيد، تأريخًا شاملًا لهذا الصراع المعقد متعدد الجوانب.

    بالأحرى، وتماشيًا مع الهدف العام لهذه السلسلة، كان هدفي هو أن أقدم نظرة تفسيرية واسعة؛ نظرة يمكن لكل طالب أو قارئ عادي أن يستوعبها. يقدم هذا الكتاب ملخصًا عامًّا للحرب الباردة، يمتد عبر الفترة من عام ١٩٤٥ حتى الحل النهائي للمواجهة الأمريكية السوفييتية في عام ١٩٩٠. يلقي الكتاب الضوء على الأحداث والنزاعات والقضايا الأساسية، معتمدًا في ذلك على بعض أهم وأحدث الدراسات عن الحرب الباردة. وقد سعيت، قبل كل شيء، إلى أن أمد القارئ بالأساس الضروري لفهم وتقييم أحد أهم الأحداث في تاريخ العالم الحديث.

    بطبيعة الحال، اضطررت لاتخاذ قرارات صعبة بشأن ما أغطيه وما أتجاهله في ذلك الصراع الذي امتد عبر أربعة عقود ونصف العقد وطوَّق الكرة الأرضية بأكملها تقريبًا. حال نقص المساحة دون معالجة بعض الأحداث المهمة وأجبرني على تقديم البعض الآخر بأكبر قدر ممكن من الاختصار. قررت أيضًا ألا أولي الأبعاد العسكرية للحرب الباردة اهتمامًا كبيرًا، وهو ما يرجع في جزء منه إلى تخصيص كتابين آخرين في هذه السلسلة للحربين الكورية والفيتنامية. ما أقدمه إذن هو «مشاهدات سياسية» للحرب الباردة، كما يقول العنوان بالضبط، مكتوبة من منظور دولي ومن منظور تالٍ لانتهاء الحرب الباردة. من الأسئلة الإرشادية المحورية التي يسعى هذا الكتاب إلى الإجابة عنها: كيف ومتى ولماذا بدأت الحرب الباردة؟ لماذا امتدت لهذه الفترة؟ لماذا اتسعت في بداياتها من أوروبا ما بعد الحرب العالمية لتشمل العالم أجمع تقريبًا؟ لماذا انتهت على هذا النحو المفاجئ غير المتوقع؟ وما الأثر الذي خلفته؟

    أعبر عن امتناني لكل من روبرت زيجر ولورانس فريدمان وميلفين لفلر، الذين قرأ كل منهم مخطوطة الكتاب التمهيدية وقدم اقتراحات قيمة لتحسينه. أشكر أيضًا ريبيكا أوكونور لتشجيعها ونصائحها ودعمها المتواصل، إضافة إلى جميع أفراد هيئة التحرير بدار أكسفورد يونيفرسيتي برس، الذين جعلوا عملي بهذا الكتاب ممتعًا.

    الفصل الأول

    الحرب العالمية الثانية وتدمير النظام القديم

    لا مناص من بدء أي نقاشات تخص الحرب الباردة بالحرب العالمية الثانية. فهذه الحرب، التي تعد — وفق أي معيار يمكن تصوره — الصراع الأكثر تدميرًا في تاريخ البشرية، تسببت في مستويات لا نظير لها من الموت والدمار والحرمان والفوضى.

    يقول المؤرخ توماس جي باترسون: «إن الدمار الرهيب الذي شهده العالم بين عامي ١٩٣٩ و١٩٤٥ كان شاملًا وعميقًا لدرجة انقلب العالم معها رأسًا على عقب. ليس فقط عالم البشر بعماله ومزارعيه وتجاره وموسريه ومفكريه الأصحاء المنتجين، ليس فقط ذلك العالم الآمن بعائلاته ومجتمعاته المتماسكة، ليس فقط ذلك العالم العسكري بقوات العاصفة التابعة للنازي وطياري الكاميكازي اليابانيين الانتحاريين، بل كل هذا معًا وأكثر.» وبزعزعة «عالم السياسات الراسخة والحكم والتقاليد الموروثة والمؤسسات والتحالفات والولاء والتجارة والطبقات الاجتماعية»، خلقت الحرب ظروفًا جعلت صراع القوى العظمى محتمل الحدوث بدرجة كبيرة، إن لم يكن حتميًّا.

    عالم انقلب رأسًا على عقب

    تسببت الحرب في مقتل نحو ٦٠ مليون شخص، قرابة ثلثيهم من المدنيين. تكبد الطرف الخاسر للحرب؛ دول المحور المكونة من ألمانيا واليابان وإيطاليا، أكثر من ٣ ملايين قتيل من المدنيين، وتكبد الطرف المنتصر؛ الحلفاء، أكثر من هذا الرقم بكثير: إذ لقي نحو ٣٥ مليون مدني حتفهم جراء الحرب. كانت نسبة الضحايا مذهلة؛ إذ لقي نحو ١٠ إلى ٢٠ بالمائة من إجمالي سكان الاتحاد السوفييتي وبولندا ويوغوسلافيا حتفهم، وتراوحت النسبة بين ٤ و٦ بالمائة من إجمالي سكان ألمانيا وإيطاليا والنمسا والمجر واليابان والصين. ومثلما يستمر عدد ضحايا هذا الصراع العالمي الطاحن في الاستعصاء على أي جهود إحصائية دقيقة، فإن فداحة الخسائر البشرية التي حصدها تظل بالتأكيد مستعصية على الاستيعاب على نحو صادم بعد مرور جيلين على انقضاء الحرب العالمية الثانية، تمامًا كما كانت عقب انتهاء الصراع مباشرة.

    بنهاية الحرب عم الخراب أغلب القارة الأوروبية. وقد وصف رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، بكلمات قوية ليست بالغريبة عليه، أوروبا ما بعد الحرب بأنها «كومة من الأنقاض، ومقبرة، وأرض خصبة للأوبئة والكراهية». ووفق تعبير المراسل ويليام شيرر فإن برلين كانت «أرض خراب تام، ولا أظن أن دمارًا وقع من قبل قط على مثل هذا النطاق». في الواقع، عانى كثير من أكبر مدن وسط وشرق أوروبا مستويات مقاربة من الدمار؛ إذ سُوي ٩٠ بالمائة من مباني كولونيا ودوسلدورف وهامبورج بالأرض جراء قصف طائرات الحلفاء، وتهدم ٧٠ بالمائة من المباني الموجودة بوسط فيينا. وفي وارسو، كما نقل لنا جون هيرشي، دمر الألمان المدينة «على نحو منهجي، شارعًا شارعًا، وزقاقًا زقاقًا، ومنزلًا منزلًا. ولم يتخلف شيء سوى هياكل خربة». وقد كتب السفير الأمريكي آرثر بليس لين، عند دخوله تلك المدينة التي مزقتها الحرب، في يوليو من عام ١٩٤٥ قائلًا: «كانت رائحة اللحم البشري المحترق المثيرة للغثيان تحذرنا من أننا على وشك دخول مدينة للموتى.» وفي فرنسا، دُمر خُمس مباني الدولة بشكل كليٍّ أو جزئي، وفي اليونان بلغت هذه النسبة الربع. وحتى بريطانيا العظمى التي لم تُحتل فقد عانت ضررًا بالغًا، تسبب فيه بالأساس القصف النازي، في الوقت الذي خسرت فيه ما يقدر بربع ثروتها القومية على امتداد الصراع. كانت خسائر الاتحاد السوفييتي هي الأكبر على الإطلاق؛ إذ لقي ما لا يقل عن ٢٥ مليون شخص حتفهم، فيما شُرد ٢٥ مليونًا آخرون، ودُمر ٦ ملايين مبنى، وسويت أغلب مصانع الدولة ومزارعها المنتجة بالأرض. وعلى امتداد أوروبا، تسببت الحرب في تشريد ٥٠ مليون شخص، أطلق على نحو ١٦ مليونًا منهم، على سبيل التخفيف، لقب «النازحين» من جانب الحلفاء المنتصرين.

    كانت الظروف في آسيا بعد انتهاء الحرب على الدرجة عينها من القتامة. تعرضت المدن اليابانية كافة للدمار بفعل القصف الأمريكي المتواصل، ووصلت نسبة المناطق الحضرية المدمرة على نحو تام إلى ٤٠ بالمائة. تعرضت طوكيو، كبرى المدن اليابانية، لقصف عنيف من جانب قوات الحلفاء حتى إن أكثر من نصف مبانيها سُوي بالأرض تمامًا. أما هيروشيما وناجازاكي فقد لقيتا مصيرًا أبشع حين ألقي على المدينتين قنبلتان ذريتان أنهتا الحرب في المحيط الهادي ومحتا المدينتين من الوجود. شرد نحو ٩ ملايين ياباني قبل أن يعلن قادة البلاد الاستسلام. وفي الصين، التي امتدت عليها المعارك لأكثر من عقد، أصاب الخراب منطقة منشوريا الصناعية، وأغرقت مياه الفيضانات مزارع النهر الأصفر. وقُتل نحو أربعة ملايين إندونيسي كنتيجة مباشرة أو غير مباشرة للصراع، وهلك مليون هندي بسبب المجاعة التي سببتها الحرب في عام ١٩٤٣، تبعهم مليونا شخص في الهند الصينية بعدها بعامين. ومع أن السواد الأعظم من جنوب شرق آسيا نجا من أهوال الحرب المباشرة التي حلت باليابان والصين وكثير من جزر المحيط الهادي، فإن مناطق أخرى، كالفلبين وبورما، لم تكن محظوظة بالمثل. فأثناء المراحل الأخيرة من الصراع دُمر ٨٠ بالمائة من مباني العاصمة مانيلا تمامًا أثناء القتال الهمجي. وتسببت معركة مماثلة في وحشيتها في بورما، حسب شهادة القائد الحربي با ماو «في تحويل جزء كبير من البلاد إلى أنقاض».

    figure

    خريطة ١: وسط أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.¹

    لم يتسبب النطاق العريض من الموت والدمار الذي خلفته الحرب في دمار الجزء الأكبر من أوروبا وآسيا وحسب، بل دمر النظام الدولي القديم بالمثل. يقول مساعد وزير الخارجية الأمريكي دين أتشيسون: «إن نظام وبنية العالم الذي ورثناه من القرن التاسع عشر ولَّيَا بالكامل إلى غير رجعة.» في الواقع، إن النظام الدولي المتمركز حول أوروبا الذي هيمن على العالم على مدار الخمسمائة عام الماضية اختفى تمامًا بين عشية وضحاها. وعوضًا عنه، ظهر للنور قوتان عسكريتان عاتيتان الواحدة منهما في حجم القارة — توصفان بالفعل بأنهما قوتان عظميان — وكلتاهما تعتزم إرساء نظام عالمي جديد يتفق مع احتياجاتها وقيمها. وبينما دخلت الحرب مرحلتها الأخيرة، صار جليًّا لأي مهتم بالسياسة العالمية ولو من بعيد أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي يملكان أغلب الأوراق العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية. بيد أن هذين الحليفين اللذين تحولا إلى غريمين اتفقا على هدف واحد؛ ضرورة استعادة مظهر السلطة والاستقرار بكل سرعة؛ ليس فقط بالمناطق التي تأثرت على نحو مباشر بالحرب، بل على مستوى النظام الدولي الأوسع أيضًا. كانت المهمة عاجلة بقدر ما هي ثقيلة، وكما حذر وكيل وزارة الخارجية الأمريكي جوزيف جرو في يونيو ١٩٤٥ فإن «الفوضى قد تنتج عن المحنة الاقتصادية والاضطراب السياسي السائدين حاليًّا».

    تكمن الجذور المباشرة للحرب الباردة، على الأقل على المستوى البنيوي الواسع، في التقاطع بين العالم المنهك بفعل صراع عالمي مدمر، والرؤى المتعارضة للنظام الدولي التي سعت واشنطن وموسكو لفرضها على العالم الهش الذي مزقته الحرب. من الحتمي أن تنشأ درجة ما من الصراع كلما انقلب نظام دولي سائد، وما يصاحبه من توازن لنظم القوى، رأسًا على عقب. ومن الطبيعي أن نتوقع حدوث هذا حين تحدث عملية التغير العنيف هذه على ذلك النحو الصادم المفاجئ. ومن ثم، لم يكن التوتر والشك والتنافس الذي شاب العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي بعد انتهاء الحرب بالأمر المفاجئ. ومع هذا فإن عوامل مثل «درجة» و«نطاق» الصراع الناتج، وخاصة «مدته»، لا يمكن تفسيرها من واقع القوى البنيوية وحدها. إن التاريخ، على أي حال، مليء بأمثلة لقوى عظمى اتبعت سبيل التفاهم والتعاون، واختارت العمل في تناغم بهدف إرساء نظام دولي مقبول من كل الأطراف قادر على الوفاء بأكثر الاهتمامات جوهرية لكل طرف. وقد استخدم الباحثون مصطلح «السيادة المشتركة للقوى العظمى» لوصف مثل هذه النظم. لكن بالرغم من آمال بعض المسئولين البارزين في كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، لم يكن بالإمكان تحقيق هذا تلك المرة. أسباب ذلك تعود إلى قلب مسألة أصول الحرب الباردة، لكن يمكن القول باختصار إن التباين الصارخ في الطموحات والاحتياجات والتاريخ والمؤسسات الحاكمة والأيديولوجيات ما بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي هو ما حول مواقف التوتر الحتمي إلى تلك المواجهة التي استمرت أربعة عقود والتي نسميها بالحرب الباردة.

    الرؤى الأمريكية لنظام ما بعد الحرب

    خرجت الولايات من حطام الحرب العالمية الثانية بخسائر متواضعة نسبيًّا. فبالرغم من مقتل قرابة ٤٠٠ ألف من جنودها وبحارتها في الصراع ضد قوات المحور، ثلاثة أرباعهم تقريبًا في ميادين المعارك، فإنه يجب التأكيد على أن هذه الأرقام تمثل أقل من واحد بالمائة من إجمالي ضحايا الحرب، وأقل من اثنين بالمائة من الخسائر البشرية التي تكبدها حليفها؛ الاتحاد السوفييتي. وبالنسبة لأغلب المدنيين، وفي تناقض صارخ لنظرائهم عبر أوروبا وشرق آسيا وشمال أفريقيا وغيرها من المناطق، لم تمثل الحرب أي معاناة أو حرمان، بل مثلت رخاء يصل إلى حد الوفرة. تضاعف إجمالي الناتج المحلي بين عامي ١٩٤١ و١٩٤٥، ما وفر اقتصادًا عالي الإنتاجية، وقضاء تامًّا على البطالة للمواطنين الذين اعتادوا الحرمان الذي فرضه عقد الكساد المنقضي. ارتفعت الأجور الحقيقية بسرعة وعلى نحو مباغت خلال سنوات الحرب، ووجد الأمريكيون على الجبهة الداخلية أنفسهم وسط فيض من السلع الاستهلاكية التي باتوا قادرين الآن على شرائها. وقد علق مدير مكتب التعبئة الحربية وإعادة التحويل على هذا قائلًا: «الشعب الأمريكي واقع في معضلة طيبة تتمثل في ضرورة تعلمه كيف يعيش على مستوى معيشي أعلى بخمسين بالمائة مما اعتاد العيش عليه من قبل.»

    في مارس ١٩٤٥، عبر الرئيس المنتخب حديثًا هاري إس ترومان عن الواقع الواضح وضوح الشمس حين قال: «لقد خرجنا من هذه الحرب ونحن أقوى أمة في العالم، بل ربما أقوى أمة على مر التاريخ.» لكن لم يكن باستطاعة المنافع الاقتصادية التي جناها الشعب الأمريكي من وراء الحرب أو القوة العسكرية العاتية أو القدرة الإنتاجية أو المكانة الدولية التي حظيت بها الدولة خلال صراعها ضد عدوان قوات المحور أن تقلل من الشكوك المفزعة المتعلقة بالعالم الجديد الذي أذنت الحرب بوجوده. لقد بدد الهجوم الياباني على بيرل هاربر تمامًا وهم التحصن الذي تمتع به الأمريكيون منذ نهاية الحروب النابليونية في بداية القرن التاسع عشر. ومن الممكن ربط هوس الأمن الداخلي، الذي صار الأساس الذي قامت عليه السياسة الخارجية والدفاعية على امتداد حقبة الحرب الباردة، على نحو مباشر بالأحداث التي بددت تلك الخرافة ووصلت إلى ذروتها بالهجوم الياباني في السابع من ديسمبر ١٩٤١. ولم يحدث أن عايش الشعب الأمريكي مثل هذا الهجوم المباشر غير المتوقع تمامًا على أراضيه إلا بعد ذلك بستين عامًا مع الهجمات الإرهابية على نيويورك وواشنطن.

    استقى المحللون الاستراتيجيون عددًا من الدروس من الهجوم الياباني الجريء، كان لكل درس منها تبعاته المستقبلية؛ أولًا: صاروا مقتنعين بأن التكنولوجيا، خاصة القوة الجوية، قلصت الكرة الأرضية لدرجة لم يعد معها الساتر الأمريكي المتمثل في المحيطين قادرًا على توفير الحماية الكافية من الهجوم الخارجي. يتطلب الأمن الحقيقي الآن أن يبدأ الدفاع بعيدًا عن السواحل الأمريكية، أو يتطلب عمقًا دفاعيًّا، باللغة العسكرية. قاد هذا المفهوم مسئولي الدفاع في إدارتي روزفلت وترومان إلى المناداة بتأسيس شبكة عالمية متكاملة من القواعد الجوية والبحرية تحت السيطرة الأمريكية، إضافة إلى التفاوض على حق عبور قواتها العسكرية على نطاق واسع. سيمكن هذان الأمران الولايات المتحدة من نشر قواتها على نحو أكثر سهولة في مناطق الصراع المحتملة إضافة إلى منع أو ردع أي أعداء مستقبليين قبل أن يملكوا القوة الكافية لمهاجمة الأراضي الأمريكية. يمكن التعرف على مقدار اتساع المتطلبات الخاصة بالقواعد العسكرية الأمريكية من واقع قائمة المواقع «الضرورية» التي أعدتها وزارة الخارجية عام ١٩٤٦ التي شملت ضمن مواقع أخرى كلًّا من بورما وكندا وجزر فيجي ونيوزيلندا وكوبا وجرينلاند والإكوادور والحماية الفرنسية بالمغرب والسنغال وأيسلندا وليبيريا وبنما وبيرو وجزر الأزور.

    ثانيًا، والأوسع نطاقًا: قرر كبار المحليين الاستراتيجيين الأمريكيين أن القوة العسكرية للدولة يجب ألا يُسمح لها بالضمور. وقد اتفقوا على أن القوة العسكرية الأمريكية يجب أن تشكل عنصرًا جوهريًّا للنظام العالمي الجديد. ومن ثم، أصرت إدارتا فرانكلين دي روزفلت وهاري إس ترومان على الحفاظ على القوات الجوية والبحرية في أفضل حالة ممكنة؛ فتحقق لها حضور عسكري قوي في المحيط الهادي، وهيمنة على نصف الكرة الغربي، ولعبت دورًا محوريًّا في احتلال دول الأعداء المنهزمة كإيطاليا وألمانيا والنمسا واليابان، وواصلت احتكارها للقنبلة الذرية. وحتى قبل بداية الحرب الباردة كان المخططون العسكريون الأمريكيون يعملون انطلاقًا من تصور ممتد للأمن القومي.

    عزز

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1