Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

يا سلام من هذه الآلام: رواية وفذلكة تاريخية
يا سلام من هذه الآلام: رواية وفذلكة تاريخية
يا سلام من هذه الآلام: رواية وفذلكة تاريخية
Ebook330 pages2 hours

يا سلام من هذه الآلام: رواية وفذلكة تاريخية

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

أخذ عنوان هذه الرواية من كتاب عجائب الآثار في التراجم والأخبار للجبرتي. كتب الجبرتي عن القاهريين أيام ثورة القاهرة ضد الحملة الفرنسية أنهم صاحوا "يا سلام من هذه الآلام" عندما سقطت عليهم قنابل نابليون بونابرت ولم يكونوا قد شاهدوا قنابل من قبل. لعل الجبرتي قد اختار كلمة "يا سلام" فقط لتستقيم قافية السجع، ومع ذلك فقد نجح في إ

Languageالعربية
Release dateNov 8, 2023
ISBN9781738444014
يا سلام من هذه الآلام: رواية وفذلكة تاريخية

Related to يا سلام من هذه الآلام

Related ebooks

Reviews for يا سلام من هذه الآلام

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    يا سلام من هذه الآلام - الدكتور رأفت خلف

    يا سلام من هذه الآلام

    رواية وفذلكة تاريخية

    الدكتور رأفت خلف

    جميع حقوق الطبع محفوظة للمؤلف ©

    إهداء

    إلى سامية

    مقدمة

    أخذ عنوان هذه الرواية من كتاب عجائب الآثار في التراجم والأخبار للجبرتي. كتب الجبرتي عن القاهريين أيام ثورة القاهرة ضد الحملة الفرنسية أنهم صاحوا يا سلام من هذه الآلام عندما سقطت عليهم قنابل نابليون بونابرت ولم يكونوا قد شاهدوا قنابل من قبل. لعل الجبرتي قد اختار كلمة يا سلام فقط لتستقيم قافية السجع، ومع ذلك فقد نجح في إيصال المعنى.

    لا يحتاج العالم لكتاب جديد عن الحملة الفرنسية على مصر والشام التي حدثت في مطلع القرن التاسع عشر فقد كتب الكثير في هذا الشأن بالعربية والإنجليزية والفرنسية. والكتب التي كتبت عن نابليون بونابرت أكثر من تلك التي كتبت عن أي زعيم آخر في تاريخ العالم. لكن الحديث عن الدوافع والمشاعر البشرية لا ينتهي. هذه الرواية هي فذلكة تاريخية لأحداث السنة الأولى من الحملة من خلال الحياة اليومية لمن عاشوا هذه الأحداث الجسيمة من مصريين وفرنسيين وإنجليز، وقصة حب وسط العنف والدمار حين دفعت مصر دفعا إلى وسط الصراع بين القوتين العظمتين في العالم في القرن الثامن عشر إنجلترا وفرنسا.

    يوجد دائما وجهان للتاريخ الوجه الأول هو الأحداث والقادة الذين شكلوا هذه الأحداث والوجه الثاني هو تأثير هذه الأحداث على الناس العاديين الذين لا يذكرهم التاريخ عادة. في هذه الرواية ذكرت الأحداث الحقيقية واستخدمت الأسماء الحقيقية للقادة كما جاءت في المراجع التاريخية الأصلية أما فيما يخص ما حدث للناس العاديين فأن ما ذكرته هو أحداث وأسماء مختلقة.

    لعل أهم ما نتعلمه من قراءة التاريخ هو أننا لا نتعلم من قراءة التاريخ. ولهذا السبب فإن التاريخ يعيد نفسه. تلك الأحداث الناتجة عن تنوع البشر واختلاف الثقافات وما يتبع ذلك من صراعات وآلام، هي نفس القصة تتكرر عبر العصور. ظروف الحياة تتغير، ولكن طبيعة البشر والمشاعر البشرية هي واحدة في كل بلاد العالم وهي لا تتغير على مر العصور.

    كتاب الجبرتي الشهير هو نموذج في الالتزام بالأمانة العلمية في وصف الأحداث التي عاصرها حتى أن أغلب أكاديمي العالم يعتبرون كتابه ذات مصداقية ويرجعون إليه كمصدر موثوق به. يعبر الجبرتي في كتابه أحيانا عن مشاعره الشخصية النابعة من الانتماء الديني القوي واعتزازه بدين الإسلام ومع ذلك فهو يصف الأحداث بحيادية الأكاديميين. كان كتابه أحد المراجع التي قرأتها قبل أن أكتب وقد أرفقت مقتطفات من كتابه بين أحداث هذه الرواية.

    أود هنا أن أشيد بالجبرتي، إن قراءة كتابه لا يكشف فقط عن أحداث هذه الفترة من تاريخ مصر، ولكنه يكشف أيضا عن شخصية الجبرتي الذي يشعر بمشاعر الذين يكتب عنهم بحساسية الشاعر المرهف الإحساس. التزامه بالأمانة العلمية في وصف الأحداث للأجيال القادمة كان يلزمه ألا يتملق الحاكم وألا يستسلم لأي ضغط يفرض عليه لتغيير أحداث التاريخ، وقد دفع ثمن ذلك أغلى ما يملك.

    الدكتور رأفت خلف

    المملكة المتحدة

    2023

    فهرس

    مقدمة

    حدث في 2 يوليو 1798

    حدث في 23 يوليو 1798

    حدث في 1 أغسطس 1798

    حدث في سيبتمبر1798

    حدث في 21 أكتوبر 1798

    حدث في ديسمبر 1798

    حدث في يناير 1799

    حدث في فبراير 1799

    حدث في مايو1799

    حدث في يونيو 1799

    حدث في يوليو1799

    حدث في أغسطس 1799

    معاني بعض الكلمات التي استعملت في هذه الرواية والتي لا تستعمل الآن في اللغة العربية المعاصرة

    سنة ثلاث عشرة وماءتين وألف (هجرية)

    أول سِنين الملاحم العظيمة، والحوادث الجسيمة،

    والوقائع النازلة، والنوازل الهائلة،

    وتضاعف الشرور، وترادف الأمور،

    وتوالي المحن، واختلال الزمن،

    وانعكاس المطبوع، وانقلاب الموضوع،

    وتتابع الأهوال، واختلاف الأحوال،

    وفساد التدبير، وحصول التدمير،

    وعموم الخراب، وتواتر الأسباب،

    وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون

    عبد الرحمن بن حسن الجبرتي

    من كتاب عجائب الآثار في التراجم والأخبار

    القاهرة 1798

    حدث في 2 يوليو 1798

    الصناديقية، القاهرة

    تجمع الأصدقاء كعادتهم في أول المساء حول الشيشة وفناجين القهوة والقرفة بالبندق لكن جلستهم هذه المرة سادها كثير من الوجوم والترقب والحيرة.  منذ عدة أيام جاء عمال البريد بخيولهم المسرعة برسالة عاجلة من محمد كريم حاكم الإسكندرية بخبر وصول أسطول من السفن الإنجليزية في الثغر. فأشاع ذلك التوتر والخوف من غزو صليبي جديد ثم جاءت الأخبار برحيل السفن الإنجليزية وأطمئنت النفوس، ولكن لم يمضي كثير من الوقت حتى وصلت الخيول المسرعة مرة أخرى من الإسكندرية، هذه المرة، بخبر وصول عدد هائل من السفن الفرنسية لا يستطيع أحد أن يحصي عددها ولم يدري سكان الإسكندرية إلا بوصول أعداد كبيرة من الجنود الفرنسيين كالجراد في كل مكان ليحتلوا المدينة.

    كان الأصدقاء مجموعة من الأثرياء وعلية القوم، لم يكونوا من ملة واحدة، ولكن كانت تجمعهم صداقة تمتد إلى سنين عديدة. كان لديهم الكثير من العلم ببواطن الأمور والكثير من التأثير في الأحداث بسبب علاقاتهم الوثيقة على مدى السنين بالأمراء والأئمة والأتراك. كانت جلستهم شبه اليومية هي مصدر الراحة والسلام في الحياة وكانوا حريصين للقدوم إليها ولم يكن يمنعهم إلا دواعي السفر أحيانا. نهار الصناديقية مليء بالضجيج والصخب والصياح من الورش الكثيرة في الحارة، ولكن المكان يبعث البهجة في النفوس عند المساء عندما يسود السكون، إنه حديقة خلف بيت الحاج مصطفى الكبير.  الجلسة في شرفة على الحديقة فى صالة البيت الكبيرة تحت تكعيبة عنب ومحاطة بأشجار اللبلاب وشجيرات النعناع والريحان والياسمين لتضيف عبقا جميلا للمكان. في حديثهم المعتاد كان يحلو لهم أن يتبادلوا الآراء عما يحدث في القاهرة والقطر المصري بصفة عامة ويحلو لكل منهم أن يتكلم عن أحداث يومه وما ينوي فعله ويتحدث كل منهم عن أخبار أبنائه وأحفاده فكلهم يعرفون كل شيء عن بعضهم البعض، والحديث لا يخلو من السخرية والنكات اللاذعة الموجهة لمن حدث أن قابلوهم من الناس في هذا اليوم ولا ينجو من سخريتهم بائع أو حلاق أو سقاء ولا يخلو الأمر من توجيه النكات نحو بعضهم البعض لتعلو أصوات قهقهاتهم العالية لتخترق الأبواب والجدران وتكسر سكون المساء في الحارة الهادئة.

    لم تسمع الضحكات العالية هذا المساء. عرفوا أن كبير الفرنسيين قد أصدر بيانا وزع منه نسخ كثيره في الإسكندرية ووصلت بعضها للقاهرة. حصل الحاج مصطفى على واحدة منها قرأها الجميع بتأني ثم بدأ الحديث:

    ـ لا أحد يعرف ماذا تخبئه الأيام. لم يواجه القطر المصري غزو خارجي منذ مئات السنين لم يجرؤ الفرنجة على الاقتراب من أرض السلطان من قبل.

    ـ لا أصدق حرفا واحدا مما جاء في هذا البيان، لو كان الفرنسيس حقا قد جاءوا بموافقة السلطان فلماذا إذا لا نرى معهم أي مكاتبة من السلطان تثبت ذلك.

    ـ إن كبير الفرنسيس الكافر يحاول أن يستميل الناس بالقرآن، من يصدق أن الفرنسيس مسلمين.

    ـ أوافق على ذلك ومع هذا فالبيان يدعو ألي بعض الاطمئنان، لا أحد يعرف بالتحديد ماذا يضمرون لكن على الأقل لا يظهر في البيان نذيرا بالشر.

    ـ أوروبا تغيرت كثيرا عما يعرفه الأمراء، ليس لديهم دراية بما يحدث في العالم حولهم، لعل وصول أسطول الإنجليز قبل أسطول الفرنسيس يعطيهم علامة.

    ـ وماذا قد تشير هذه العلامة؟

    ـ أن عداء الفرنسيس للإنجليز وليس للسلطان

    ـ ستكشف الأيام ما يضمرون، علينا الآن الاستعداد لمواجهة أيام عصيبة قادمة.

    ـ لا بد من التصدي للفرنساوية، الأمراء قادرون على سحقهم، أنهم القادرون على حماية الناس، لا أحد يشك في ذلك.

    ـ جيش السلطان بعيد والأمراء هم كل ما نملك للدفاع. رغم ما نراه من عنت الأمراء فلا أحد يشك في شجاعتهم ومهارتهم في الفروسية والقتال.

    ـ لا تسيؤا تقدير الفرنسيس، إنهم غير الفرنسيس الذين قهرهم الأمراء في القرون الماضية.

    كعادتهم كانت آراؤهم في الحوادث الجارية متضاربة، ظل الجدال بينهم لفترة طويلة، ولكنهم اتفقوا أنهم سوف يواجهون أوقاتا صعبة ويجب أن يستعدوا لها بأقصى ما يستطيعون، وانصرف الجميع إلى بيوتهم ولم يفارقهم الخوف والقلق والحيرة.

    قصر العيني، القاهرة

    وصلت الأنباء الخطيرة من الإسكندرية ورشيد بأن سفن الأسطول الفرنسي لا يدرك النظر نهايتها وإنها قد رست في خليج أبو قير وأن أعداد كبيرة من الجنود الفرنسيس قد أخذوا زمام الأمور في المدينة فاستدعي أعضاء الديوان على عجل لحضور الجلسة الطارئة في قصر العيني.

    الديوان هو الذي يحكم القطر المصري. الديوان يتكون من مجموعات متنافرة، ولكن ما يجمعهم تحت سقف واحد هو أن كل منهم يحتاج للآخر. الحاكم الرسمي للقطر المصري هو أبو بكر الطرابلسي الذي يسمونه بكير باشا والي السلطان العثماني، ولكن سلطته الحقيقية لا تتعدى كونها شكلية. القوة الحقيقية في يد المماليك الذين يشار إليهم بالأمراء المصريين. يسمون بالمصريين، ولكنهم ليسوا مصريين، بل على العكس إنهم يحتقرون المصريين ولا يختلطون بهم و يعاملونهم بكل قسوة ووحشية. أصلهم من القوقاز، إثنين منهم من جورجيا هم إبراهيم بيك ومراد بيك يتقاسمون الحكم بينهم. هذا وضع غير عادي. الوضع العادي إنه عند موت الحاكم يكون الحاكم الجديد هو المملوك الذي يستطيع القضاء على كل منافسيه، ولكن حدث هذه المرة بعد أن مات سيدهم أبو الذهب انه لم يستطع أي منهم القضاء على الآخر فاتفقوا على أن يتقاسموا الحكم فيما بينهم فنتج عن ذلك فترة من السلام بعد القلاقل والعنف.

    مجموعة مختلفة عن المماليك في هذا الديوان هي الأئمة. إنهم المصريين الحقيقيين في الديوان ويمثلون علماء الأزهر. المماليك يحكمون بالسيف والجميع يخشونهم لكنهم لا يستطيعون بالسيف وحده السيطرة على كل الأمور. هم يحتاجون للأئمة لضمان ولاء الناس واستقرار الحكم. الأئمة بدورهم يستطيعون التأثير في الناس، ولكنهم لا يستطيعون قمع أي معارضة لهم. إنهم يحتاجون لقوة المماليك لفرض النظام والحفاظ على مكانتهم وسط الناس.

    الوالي العثماني لا يملك من القوة للسيطرة على الأمور، ولكنه يعتمد على أن الطرفين الآخرين في حاجة إليه. المماليك يحتاجون إليه لإضفاء الشرعية على حكمهم حيث إنهم يحكمون بإسم السلطان خليفة المسلمين. الأئمة أيضا يحتاجون للوالي لأنه الممثل لخليفة المسلمين. ولاء الناس المطلق هو للخليفة. العامة يتخيلون الخليفة على أنه قمة المجد والقوة على سطح الأرض ويعتقدون أيضا أن الخليفة عادل وإنه يمكن أن يقضي على المماليك لو وصلته الأخبار بظلمهم وقسوتهم وفسادهم. وعلى ذلك تسير الأمور بالتوازن الدقيق بين هؤلاء الأطراف الثلاثة.

    بدأ مراد بيك الحديث باتهام الوالي العثماني بإحضار الفرنسيس لمصر للتخلص من المماليك. اعترض الوالي على أنه لا يصح أن يتهم خليفة المسلمين بالتحالف مع الكفار لغزو بلاد المسلمين. شعر مراد بيك إنه لا يوجد من الحاضرين من يوافقه فآثر الصمت. دار الحديث بعد ذلك عن كيفية التصدي للخطر القادم من الإسكندرية.  اتفقوا أخيرا على أن بكير باشا يرسل مكتوبا لإبلاغ السلطان ويقود مراد بيك جيش المماليك للتصدي للفرنسيين قبل وصولهم للقاهرة في الضفة الشرقية للنيل على أن يقود إبراهيم بيك الجزء الآخر من الجيش من الضفة الغربية للنيل. على الرغم من القوة والثراء الهائل للمماليك فإنهم لم يبذلوا أي جهد لمحاولة فهم العالم من حولهم. كانت كل فكرتهم عن الأوروبيين هو ما عرف عنهم من خلال الحروب الصليبية قبل عدة قرون ومن خلال العبيد الأوروبيين الذين كانوا يختطفون من قراهم على ساحل المتوسط بواسطة قراصنة جزائريين تحت راية السلطان ليباعوا كعبيد للمسلمين في شمال أفريقيا. كانوا ينظرون للأوروبيين بازدراء واحتقار ولا يعتقدون أن هؤلاء القوم من شاحبي الوجوه ثقيلي اللسان بطيئي التفكير يمكن أن يكونوا بأي حال من الأحوال ندا لهما في الشجاعة وفنون الحرب. قال مراد بيك الحاضرين دعوا الفرنجة يأتون وسوف نسحقهم تحت حوافر خيولنا.

    عندما بدا أن الاجتماع قد أوشك على نهايته تكلم أحد الأئمة بصوت حذر عن ضرورة رفع الحماية عن النصارى وعن ضرورة أن يتم قتل كل النصارى كخطوة دفاعية حكيمة قبل وصول الفرنسيس حيث أن النصارى سوف يتجسسون لحساب الفرنجة ويساعدوهم ويهاجمون جيش المسلمين من الخلف. لم يكن يرغب في أن يقول ذلك لكنه قال ما قال لأنه كلف من آخرين. لاحظ من وجوه الحاضرين أن أحدا لا يؤيد هذا الرأي وانتهى الموضوع عندما قال بكير باشا أن النصارى هم أهل الذمة تحت حماية السلطان ولا يمكن قتل أي واحد منهم إلا إذا ارتكب جرما يستحق القتل وتأكيدا لذلك أصدر الديوان مرسوما بعدم التعرض للنصارى وخرج المنادون لإعلان ذلك.

    الفحامين، القاهرة

    بدأ عدد كبير من الطبقات الكادحة والمعدمين الذين يسميهم الناس بالجعيدية والأوباش في الحضور من كل مكان والتجمع في الفحامين استجابة لدعوة الشيخ عبد الرحمن للجهاد. إنهم الفقراء الذين يعملون بقوت يومهم يوما بعد يوم. كثيرون منهم مسلحين بالنبابيت والعصي والسكاكين. تعالت الأصوات بالنصر للإسلام والمسلمين والموت للفرنجة الكفار. زادت أعدادهم وانتشر عدد من تلاميذ الأزهر يخطبون بينهم ويدعونهم للزحف نحو منازل الأقباط والقضاء عليهم وانتشرت الأقاويل والصياح والهتافات من كل جانب تزلزل أركان الحارة

    ـ الصليبيون قادمون للقضاء على ملة الإسلام وهتك أعراض المسلمين.

    ـ النصارى يتجسسون لحساب الفرنجة ويساعدونهم ويستعدون لمهاجمة جيش المسلمين من الخلف جهادنا هو القضاء عليهم.

    ـ اقتلوا النصارى وصونوا دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم.

    ـ قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله وباليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق صدق الله العظيم.

    ـ لا ملة غير ملة الإسلام كل من دان بغير الإسلام فهو كافر.

    ـ عصر الذمة قد انتهى من لم يسلموا يقتلون لا مكان في هذه الديار لغير المسلمين.

    ـ اعتدى الكفار على حرمات المسلمين الجهاد علينا حق.

    وقف الشيخ عبد الرحمن قريبا من الجامع منتظرا الأنباء من الديوان برفع الحماية عن النصارى ليوجه الجمع إلى بيوت النصارى. فوجئ بالرسول يخبره بعكس ذلك وأن مرسوما قد صدر بعدم التعرض للنصارى. حقد على أئمة الأزهر في الديوان ونعتهم بالخيانة والضعف، ولكنه لم يجد بدا من أن يطلب من شيخ الجعيدية ومن معاونيه بأن يفعلوا ما في وسعهم لتفريق الحشود وترك الهجوم ليوم آخر.

    الكنيسة

    تجمع عدد كبير من الأقباط حول الكنيسة ودخل بعضهم في فناء الكنيسة وهم في حالة من الارتباك والتخبط والزعر. جاءتهم الأنباء بأن الأوباش والجعيدية يتجمهرون استعدادا للهجوم على حارة النصارى. لم يجد الأقباط الوقت الكافي للهروب وأغلب الرجال كانوا غائبين عن بيوتهم. ثار جدال بين البعض عما يمكن عمله وممن يطلبون المعونة. تعالت الأصوات والصيحات مختلطة بالنحيب

    ـ إنهم سوف يقتلوننا عن بكرة أبينا ويحرقون بيوتنا.

    ـ نظرات الكراهية في عيونهم ترعبني.

    ـ إنهم لن يرحموا أطفالي.

    ـ لن يهابوا شيخا ولن يشفقوا على طفل.

    قدم الكاهن الشاب اثناسيوس من الكنيسة وأشار بيديه للجمع في فناء الكنيسة بالسكون وقال بصوته الجهوري محاولا أن يغطي على أصوات البكاء والعويل:

    ـ الله لنا ملجا وقوة. عونا في الضيقات ونصير شديد. لذلك لا نخشى ولو تزحزحت الأرض ولو انقلبت الجبال الى قلب البحار. رب الجنود معنا. ملجانا اله يعقوب. حقأ الرب صالح والى الأبد رحمته. بصلاة سمعان الخراز وشفاعة العذراء تحرك الجبل الشرقي من مكانه وارتفع

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1