Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

المجموع شرح المهذب
المجموع شرح المهذب
المجموع شرح المهذب
Ebook1,210 pages6 hours

المجموع شرح المهذب

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

شرح الإمام النووي المتن أولا بتبيين اللغات، ثم شرح الأحاديث الواردة مع بيان درجتها من حيث الصحةُ والضعفُ، ثم أتبعه بذكر المسائل الفقهية، وذِكْر الراجح منها عند الشافعية من وجوه وأقوال، ثم ترجم للصحابة والعلماء المذكورين في كلام الشيرازي
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateNov 6, 1901
ISBN9786483246852
المجموع شرح المهذب

Read more from النووي

Related to المجموع شرح المهذب

Related ebooks

Related categories

Reviews for المجموع شرح المهذب

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    المجموع شرح المهذب - النووي

    الغلاف

    المجموع شرح المهذب

    الجزء 12

    النووي

    676

    شرح الإمام النووي المتن أولا بتبيين اللغات، ثم شرح الأحاديث الواردة مع بيان درجتها من حيث الصحةُ والضعفُ، ثم أتبعه بذكر المسائل الفقهية، وذِكْر الراجح منها عند الشافعية من وجوه وأقوال، ثم ترجم للصحابة والعلماء المذكورين في كلام الشيرازي

    الجزء الثامن

    دار الفكر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

    * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله

    * (

    باب صفة الحج

    )

    (إذا أراد دخول مكة وهو محرم بالحج اغتسل بذي طوى لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما جاء وادي طوى بات حتى صلى الصبح فاغتسل ثم دخل من ثنية كداء ويدخل من ثنية كداء من أعلى مكة ويخرج من السفلى لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يدخل مكة من الثنية العليا ويخرج من الثنية السفلى)

    * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الثَّانِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَرَوَيَاهُ أَيْضًا بِلَفْظِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ أَيْضًا (وَأَمَّا) حَدِيثُهُ الْأَوَّلُ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا بِمَعْنَاهُ وَلَفْظُهُمَا عَنْ نَافِعٍ قَالَ (كان ابْنُ عُمَرَ إذَا دَخَلَ أَدْنَى الْحَرَمِ أَمْسَكَ عَنْ التَّلْبِيَةِ ثُمَّ يَبِيتُ بِذِي طَوًى ثُمَّ يُصَلِّي بِهِ الصُّبْحَ وَيَغْتَسِلُ وَيُحَدِّثَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ (وَأَمَّا) طَوًى - فَبِفَتْحِ الطَّاءِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ الْفَتْحُ أَجْوَدُ وَمِمَّنْ حَكَى اللُّغَاتِ الثَّلَاثَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَجَمَاعَاتٌ قَالُوا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَاقْتَصَرَ الْحَازِمِيُّ فِي الْمُؤْتَلِفِ عَلَى ضَمِّهِ وَاقْتَصَرَ آخَرُونَ عَلَى الْفَتْحِ وَهُوَ مُنَوَّنٌ مَصْرُوفٌ مَقْصُورٌ لَا يَجُوزُ مَدُّهُ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَوَقَعَ في لباب المستملى ذوالطواء مَمْدُودٌ وَهُوَ وَادٍ بِبَابِ

    مَكَّةَ (وَأَمَّا) الثَّنِيَّةُ فَهِيَ الطَّرِيقُ بَيْنَ جَبَلَيْنِ (وَأَمَّا) كَدَاءٍ الْعُلْيَا - فَبِفَتْحِ الْكَافِ - وَبِالْمَدِّ مَصْرُوفٌ (وَأَمَّا) السُّفْلَى فَيُقَالُ لها ثنية كدا - بِالضَّمِّ - مَقْصُورٌ (وَأَمَّا) مَكَّةُ فَلَهَا أَسْمَاءٌ كَثِيرَةٌ وَقَدْ قَالُوا كَثْرَةُ الْأَسْمَاءِ تَدُلُّ عَلَى شَرَفِ المسمى ولهذا كَثُرَتْ أَسْمَاءُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى أَلْفُ اسم وللنبي صلى الله عليه وسلم (1) وَقَدْ أَشَرْت إلَى هَذَا فِي أَوَّلِ تَهْذِيبِ الاسماء واللغات في أول ترجمة النبي صلى الله عليه وسلم فمما حَضَرَنِي مِنْ أَسْمَاءِ مَكَّةَ سِتَّةَ عَشَرَ اسْمًا (أَحَدُهَا) مَكَّةُ - وَالثَّانِي بَكَّةُ - وَالثَّالِثُ - أُمُّ الْقُرَى - وَالرَّابِعُ - الْبَلَدُ الْأَمِينُ - وَالْخَامِسُ - رُحْمٌ - بِضَمِّ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - لِأَنَّ النَّاسَ يَتَرَاحَمُونَ فِيهَا وَيَتَوَادَعُونَ - السَّادِسُ - صَلَاحِ - بِكَسْرِ الْحَاءِ - مَبْنِيٌّ عَلَى الكسر كقطام وَنَظَائِرِهَا سُمِّيَتْ بِهِ لِأَمْنِهَا - السَّابِعُ - الْبَاسَّةُ - بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ - لِأَنَّهَا تَبُسُّ مَنْ أَلْحَدَ فِيهَا أَيْ تُحَطِّمُهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى (وَبُسَّتِ الجبال) الثَّامِنُ - النَّاسَّةُ - بِالنُّونِ - التَّاسِعُ - النَّسَّاسَةُ (قِيلَ) لِأَنَّهَا تَنُسُّ الْمُلْحِدَ أَيْ تَطْرُدُهُ وَقِيلَ لِقِلَّةِ مَائِهَا والنس اليبس - العاشر - الحاطمة لحطهما الْمُلْحِدِينَ فِيهَا - الْحَادِيَ عَشَرَ - الرَّأْسُ كَرَأْسِ الْإِنْسَانِ - الثَّانِي عَشَرَ - كُوثَى - بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْح الْمُثَلَّثَةِ - بِاسْمِ مَوْضِعٍ بِهَا - الثَّالِثَ عَشَرَ - الْعَرْشُ - الرَّابِعَ عَشَرَ - الْقَادِسُ - الْخَامِسَ عَشَرَ - الْمُقَدَّسَةُ مِنْ التَّقْدِيسِ - السَّادِسَ عَشَرَ - الْبَلْدَةُ (وَأَمَّا) مَكَّةُ وَبَكَّةُ فَقِيلَ هُمَا اسْمَانِ لِلْبَلْدَةِ وَقِيلَ مَكَّةُ الْحَرَمُ كُلُّهُ وبكة المسجد خاصة وهو مَحْكِيٌّ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَقِيلَ مَكَّةُ اسْمٌ لِلْبَلَدِ وَبَكَّةُ اسْمُ الْبَيْتِ وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ مَكَّةُ الْبَلَدُ وبكة البيت وموضوع الطَّوَافِ سُمِّيَتْ بَكَّةَ لِازْدِحَامِ النَّاسِ فِيهَا يَبُكُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَيْ يَدْفَعُهُ فِي زَحْمَةِ الطَّوَافِ وقيل لانهاتبك - أَعْنَاقَ الْجَبَابِرَةِ أَيْ تَدُقُّهَا وَالْبَكُّ الدَّقُّ

    * وَسُمِّيَتْ مَكَّةَ لِقِلَّةِ مَائِهَا مِنْ قَوْلِهِمْ امْتَكَّ الْفَصِيلُ ضَرْعَ أُمِّهِ إذَا امْتَصَّهُ وَقِيلَ لِأَنَّهَا تَمُكُّ الذُّنُوبَ أَيْ تَذْهَبُ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) مَدِينَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَهَا أَسْمَاءٌ - الْمَدِينَةُ - وَطَيْبَةُ وَطَابَةُ وَالدَّارُ قَالَ اللَّهُ تعالى (ما كان لاهل المدينة) ويقولون لئن رجعنا إلى المدينة) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْمَدِينَةَ طَابَةَ) قَالَ الْعُلَمَاءُ سُمِّيَتْ طَابَةَ وَطَيِّبَةَ مِنْ

    الطَّيِّبِ وَهُوَ الطَّاهِرُ لِخُلُوصِهَا مِنْ الشِّرْكِ وَطَهَارَتِهَا (وَقِيلَ) مِنْ طِيبِ الْعَيْشِ وَقِيلَ مِنْ الطِّيبِ وَهُوَ الرَّائِحَةُ الْحَسَنَةُ وَسُمِّيَتْ الدَّارُ لِأَمْنِهَا وَلِلِاسْتِقْرَارِ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ لِدُخُولِ الْمُحْرِمِ مَكَّةَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ أَغْسَالِ الْحَجِّ فِي أَوَّلِ بَابِ الْإِحْرَامِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ إنْ عَجَزَ عَنْ الْغُسْلِ تَيَمَّمَ وَذَكَرْنَا فِيهِ فُرُوعًا كَثِيرَةً وَيُسْتَحَبُّ هَذَا الْغُسْلُ بِذِي طَوًى إنْ كَانَتْ فِي طَرِيقِهِ وَإِلَّا اغْتَسَلَ فِي غَيْرِ طَرِيقِهَا كَنَحْوِ مَسَافَتِهَا وَيَنْوِي بِهِ غُسْلَ دُخُولِ مَكَّةَ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ مُحْرِمٍ حَتَّى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالصَّبِيِّ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ

    * قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ خَرَجَ إنْسَانٌ مِنْ مَكَّةَ فَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْحِلِّ وَاغْتَسَلَ لِلْإِحْرَامِ ثُمَّ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ فَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ من موضع بعيد من مَكَّةَ كَالْجِعْرَانَةِ وَالْحُدَيْبِيَةِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَغْتَسِلَ أَيْضًا لِدُخُولِ مَكَّةَ وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعٍ قَرِيبٍ مِنْ مَكَّةَ كَالتَّنْعِيمِ أَوْ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ لَمْ يَغْتَسِلْ لِدُخُولِ مَكَّةَ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الْغُسْلِ النَّظَافَةُ وَإِزَالَةُ الْوَسَخِ عِنْدَ دُخُولِهِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِغُسْلِهِ السَّابِقِ

    * وَهَذَا الْغُسْلُ مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ دَاخِلٍ مُحْرِمٍ سَوَاءٌ كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ قِرَانٍ بِلَا خِلَافٍ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ فَأَوْهَمَ اخْتِصَاصَهُ بِهِ (وَالصَّوَابُ) حَذْفُ لَفْظَةِ الْحَجِّ كَمَا حَذَفَهَا فِي التَّنْبِيهِ وَالْأَصْحَابُ (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ لِلْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ هَكَذَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَسَائِرُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ (وَأَمَّا) مَا يَفْعَلُهُ حَجِيجُ الْعِرَاقِ مِنْ قُدُومِهِمْ إلَى عَرَفَاتٍ قَبْلَ دُخُولِ مَكَّةَ فَخَطَأٌ مِنْهُمْ وَجَهَالَةٌ وَفِيهِ ارْتِكَابُ بِدْعَةٍ وَتَفْوِيتُ سُنَنٍ (مِنْهَا) دُخُولُ مَكَّةَ أَوَّلًا (وَمِنْهَا) تَفْوِيتُ طَوَافِ الْقُدُومِ وَتَفْوِيتُ تَعْجِيلِ السَّعْيِ وَزِيَارَةِ الْكَعْبَةِ وَكَثْرَةُ الصَّلَاةِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحُضُورُ خُطْبَةِ الْإِمَامِ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ بِمَكَّةَ وَالْمَبِيتُ بِمِنًى لَيْلَةَ عَرَفَةَ وَالصَّلَاةُ بِهَا وَالنُّزُولُ بِنَمِرَةَ وَحُضُورُ تِلْكَ الْمَشَاهِدِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّالِثَةُ) يُسْتَحَبُّ إذَا وَصَلَ الْحَرَمَ أَنْ يَسْتَحْضِرَ فِي قَلْبِهِ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَيَتَذَكَّرُ جَلَالَةَ الْحَرَمِ وَمَزِيَّتَهُ عَلَى غَيْرِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنَّ هَذَا حَرَمُك وَأَمْنُك فَحَرِّمْنِي عَلَى النَّارِ وَآمِنِّي مِنْ عَذَابِك يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَك وَاجْعَلْنِي مِنْ أَوْلِيَائِك وَأَهْلِ طَاعَتِك (الرَّابِعَةُ)

    قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يُسْتَحَبُّ لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ وَهِيَ - بِفَتْحِ الْكَافِ - وَالْمَدِّ كَمَا سَبَقَ وَمِنْهَا يَتَجَرَّدُ إلَى مَقَابِرِ مَكَّةَ وَإِذَا خَرَجَ رَاجِعًا إلَى بَلَدِهِ خَرَجَ مِنْ ثَنِيَّةِ كدا - بضم الكاف - وبالقصر وهي باسفل مكة بقرب جَبَلِ قُعَيْقِعَانَ وَإِلَى صَوْبِ ذِي طَوًى قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنَّ الْخُرُوجَ إلَى عَرَفَاتٍ يُسْتَحَبُّ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مِنْ هَذِهِ السُّفْلَى (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ الْمُخْتَارَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الدُّخُولَ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ مُحْرِمٍ دَاخِلٍ مَكَّةَ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي صَوْبِ طَرِيقِهِ أَمْ لَمْ تَكُنْ وَيَعْتَدِلُ إلَيْهَا مَنْ لَمْ تَكُنْ فِي طَرِيقِهِ وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي إنَّمَا يُسْتَحَبُّ الدُّخُولُ مِنْهَا لِمَنْ كَانَتْ فِي طَرِيقِهِ (وَأَمَّا) مَنْ لَمْ تَكُنْ فِي طَرِيقِهِ فَقَالُوا لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْعُدُولُ إلَيْهَا قالوا وانما دخل النبي صلى إليه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتِّفَاقًا لِكَوْنِهَا كَانَتْ فِي طَرِيقِهِ

    * هَذَا كَلَامُ الصَّيْدَلَانِيِّ وَمُوَافِقِيهِ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ لَيْسَتْ الْعُلْيَا عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ بَلْ عَدَلَ إلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَعَمِّدًا لَهَا قَالَ فَيُسْتَحَبُّ الدُّخُولُ مِنْهَا لِكُلِّ أَحَدٍ قَالَ وَوَافَقَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْجُمْهُورَ فِي الْحُكْمِ وَوَافَقَ أَبَا مُحَمَّدٍ فِي أَنَّ مَوْضِعَ الثَّنِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ

    * وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ كَوْنِ الثَّنِيَّةِ لَيْسَتْ عَلَى نَهْجِ الطَّرِيقِ بَلْ عَدَلَ إلَيْهَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي يَقْضِي بِهِ الْحِسُّ وَالْعِيَانُ فَالصَّحِيحُ اسْتِحْبَابُ الدُّخُولِ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا لِكُلِّ مُحْرِمٍ قَصَدَ مَكَّةَ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي صَوْبِ طَرِيقِهِ أَمْ لَا وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِ فَإِنَّهُ قَالَ وَيَدْخُلُ الْمُحْرِمُ من ثنية كدا وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانُ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ

    * (فَرْعٌ)

    قَالَ أَصْحَابُنَا لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ رَاكِبًا وماشيا وأيهما أفضل فيه وجهان وحكاهما الرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) مَاشِيًا أَفْضَلُ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالتَّوَاضُعِ وَالْأَدَبِ وَلَيْسَ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَلَا فَوَاتُ مُهِمٍّ بِخِلَافِ الرُّكُوبِ فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ هُنَاكَ وَلِأَنَّ الرَّاكِبَ فِي الدُّخُولِ مُتَعَرِّضٌ لَأَنْ يُؤْذِيَ النَّاسَ بِدَابَّتِهِ فِي الزَّحْمَةِ وَاَللَّهُ أعلم

    * وإذا دخل ماشيا فالافضل كونه حافيالو لم يلحقه مشقة ولاخاف نَجَاسَةَ رِجْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

    *

    (فَرْعٌ)

    قَالَ أَصْحَابُنَا له دخول مكة ليلا ونهاراولا كَرَاهَةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ فِيهَا كَمَا سَأَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْفَضِيلَةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) دُخُولُهَا نَهَارًا أَفْضَلُ حَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَرَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْعَبْدَرِيُّ هُمَا سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ لَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ

    * وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ الْأَمْرَانِ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرِدْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْجِيحٌ لِأَحَدِهِمَا وَلَا نَهْيٌ فَكَانَا سَوَاءً

    * وَاحْتَجَّ مَنْ رَجَّحَ النَّهَارَ بِأَنَّهُ الَّذِي اخْتَارَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ وَحَجَّةِ الْوَدَاعِ وَقَالَ فِي آخِرِهَا (لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) فَهَذَا تَرْجِيحٌ ظَاهِرٌ لِلنَّهَارِ وَلِأَنَّهُ أَعْوَنُ للداخل وارفق به واقرب إلى مراعاته للوضائف الْمَشْرُوعَةِ لَهُ عَلَى أَكْمَلِ وُجُوهِهَا وَأَسْلَمُ لَهُ مِنْ التَّأَذِّي وَالْإِيذَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) الْحَدِيثَانِ الْوَارِدَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ (فَأَحَدُهُمَا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (بَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي طَوًى حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ نَافِعٍ (أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَقْدَمُ مكة الابات بِذِي طَوًى حَتَّى يُصْبِحَ وَيَغْتَسِلَ ثُمَّ يَدْخُلَ مَكَّةَ نَهَارًا وَيَذْكُرُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فَعَلَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَنْزِلُ بِذِي طَوًى وَيَبِيتُ فِيهِ حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ) (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْآخَرُ فَعَنْ مُحَرِّشٍ الْكَعْبِيِّ الصَّحَابِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَرَجَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ لَيْلًا مُعْتَمِرًا فَدَخَلَ لَيْلًا فَقَضَى عُمْرَتَهُ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ لَيْلَتِهِ فَأَصْبَحَ بِالْجِعْرَانَةِ كَبَائِتٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَلَا يُعْرَفُ لِمُحَرِّشٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَثَبَتَ فِي ضَبْطِ مُحَرِّشٍ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ حَكَاهَا أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ (أَصَحُّهَا) وَأَشْهُرُهَا وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ أَبُو نَصْرِ بْنُ مَاكُولَا مُحَرِّشٌ - بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ - (وَالثَّانِي) مِحْرَشٌ - بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ - (وَالثَّالِثُ) مِخْرَشٌ - بكسر الميم واسكان الخاء المعجمة -

    وهو قول علي بن المدني وادعى انه الصَّوَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

    * (فَرْعٌ)

    فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فممن اسْتَحَبَّ دُخُولَهَا نَهَارًا ابْنُ عُمَرَ وَعَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ

    * وَمِمَّنْ اسْتَحَبَّهُ لَيْلًا عَائِشَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ

    * وَمِمَّنْ قَالَ هُمَا سَوَاءٌ طَاوُسٌ وَالثَّوْرِيُّ

    * (فَرْعٌ)

    يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَفَّظَ فِي دُخُولِهِ مِنْ إيذَاءِ النَّاسِ فِي الزَّحْمَةِ وَيَتَلَطَّفَ بِمَنْ يُزَاحِمُهُ وَيَلْحَظَ بِقَلْبِهِ جَلَالَةَ الْبُقْعَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَالْكَعْبَةِ الَّتِي هُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَيْهَا وَيُمَهِّدَ عُذْرَ مَنْ زَاحَمَهُ

    * (فَرْعٌ)

    قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ دُخُولُ مَكَّةَ بِخُشُوعِ قَلْبِهِ وَخُضُوعِ جَوَارِحِهِ دَاعِيًا مُتَضَرِّعًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَكُونُ مِنْ دُعَائِهِ مَا رَوَاهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول عند دخول (اللَّهُمَّ الْبَلَدُ بَلَدُك وَالْبَيْتُ بَيْتُك جِئْت أَطْلُبُ رَحْمَتَك وَأَؤُمُّ طَاعَتَك مُتَّبِعًا لِأَمْرِك رَاضِيًا بِقَدَرِك مُبَلِّغًا لِأَمْرِك أَسْأَلُك مَسْأَلَةَ الْمُضْطَرِّ إلَيْك الْمُشْفِقِ مِنْ عَذَابِك أَنْ تَسْتَقْبِلَنِي وَأَنْ تَتَجَاوَزَ عَنِّي برحمتك وأن تدخلني جنتك) * قال المصنف رحمه الله

    * (وإذا رأى البيت دعا لما روى أبو أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (تفتح أبواب السماء وتستجاب دعوة المسلم عند رؤية الكعبة) ويستحب أن يرفع اليد في الدعاء لما روى ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (ترفع الايدي في الدعاء لاستقبال البيت) ويستحب أن يقول: اللهم زد هذا البيت تشريفا وتكريما وتعظيما ومهابة وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا لما روى ابن جريج أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذا رأى البيت (رفع يديه وقال ذلك) ويضيف إليه اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام لما روي أن عمر كان إذا نظر إلى البيت قال ذلك)

    * (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَغَرِيبٌ لَيْسَ بِثَابِتٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ الْإِمَامُ سعيد ابن مَنْصُورٍ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْإِمَامِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ فَكَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ

    عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُرْسَلٌ مُعْضَلٌ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فرواه البيقهي وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بِقَوِيٍّ

    * (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَاعْلَمْ أَنَّ بناء البيت زاده الله فضلا وشرفا رفيع يُرَى قَبْلَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ فِي مَكَان يُقَالُ لَهُ رَأْسُ الرَّدْمِ إذَا دَخَلَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ وَهُنَاكَ يَقِفُ وَيَدْعُو

    * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا رَأَى الْبَيْتَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ وَيَقُولُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَيَدْعُو مَعَ ذَلِكَ بِمَا أَحَبَّ مِنْ مُهِمَّاتِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَهَمُّهَا سُؤَالُ الْمَغْفِرَةِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ وَالْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي جَامِعِهِ وَالدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ مَعَ هَذَا الدُّعَاءِ ثُمَّ قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ لَا أَكْرَهُهُ وَلَا أَسْتَحِبُّهُ وَلَكِنْ إنْ رَفْعَ كَانَ حَسَنًا

    * هَذَا نَصُّهُ وَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ هَذَا النَّصَّ مَحْمُولٌ عَلَى وَفْقِ النص والذي نَقَلَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَجَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ

    * وَقَدْ قَدَّمْت فِي آخِرِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ فَصْلًا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الثَّابِتَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

    * (فَرْعٌ)

    هذا الذكر الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَكَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِمْ وَنَقَلَهُ الْمُزَنِيّ فِي المختصر فغيره فقال وزد من شرفه وعظمته مِمَّنْ حَجَّهُ أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً

    * وَقَدْ كَرَّرَ الْمَهَابَةَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الطَّرِيقِينَ هَذَا غَلَطٌ مِنْ الْمُزَنِيِّ وَإِنَّمَا يُقَالُ فِي الثَّانِي وَبِرًّا لِأَنَّ الْمَهَابَةَ تَلِيقُ بِالْبَيْتِ وَالْبِرُّ يَلِيقُ بِالْإِنْسَانِ وَهَكَذَا هُوَ فِي الْحَدِيثِ وَفِي نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَمِمَّنْ نَقَلَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى تَغْلِيطِ الْمُزَنِيِّ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَكَذَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ

    * وَوَقَعَ فِي الْوَجِيزِ ذِكْرُ الْمَهَابَةِ وَالْبِرِّ جَمِيعًا فِي الْأَوَّلِ وَذُكِرَ الْبِرُّ وَحْدَهُ ثَانِيًا وَهَذَا أَيْضًا مَرْدُودٌ وَالْإِنْكَارُ فِي ذِكْرِهِ الْبِرَّ فِي الْأَوَّلِ

    وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

    * قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ التَّكْبِيرُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ لَا يُعْرَفُ لِلشَّافِعِيِّ أَصْلًا قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إذَا رَآهَا كَبَّرَ قَالَ الْقَاضِي هَذَا ليس بشئ

    * (فَرْعٌ)

    قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ) الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ السَّلَامَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَقَوْلُهُ (وَمِنْك السَّلَامُ) أَيْ السَّلَامَةُ مِنْ الْآفَاتِ

    * وَقَوْلُهُ (حَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ) أَيْ اجْعَلْ تَحِيَّتَنَا فِي وُفُودِنَا عَلَيْك السَّلَامَةَ مِنْ الْآفَاتِ

    * (فَرْعٌ)

    فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ

    * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُهُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وابن المبارك وأحمد واسحق قَالَ وَبِهِ أَقُولُ

    * وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَرْفَعُ وَقَدْ يُحْتَجُّ لَهُ بِحَدِيثِ الْمُهَاجِرِ الْمَكِّيِّ قَالَ (سئل جابر ابن عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الرَّجُلِ الَّذِي يَرَى الْبَيْتَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فَقَالَ مَا كُنْت أَرَى أَحَدًا يَفْعَلُ هَذَا إلَّا الْيَهُودَ قَدْ حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَكُنْ يَفْعَلُهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْمُهَاجِرِ الْمَكِّيِّ أَيْضًا قَالَ (سُئِلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَيَرْفَعُ الرَّجُلُ يَدَيْهِ إذَا رَأَى الْبَيْتَ فَقَالَ حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنَّا نَفْعَلُهُ) هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ

    * قَالَ أَصْحَابُنَا رِوَايَةُ الْمُثْبِتِ لِلرَّفْعِ أَوْلَى لِأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةَ عِلْمٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رِوَايَةُ غَيْرِ جَابِرٍ فِي إثْبَاتِ الرَّفْعِ أَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ رِوَايَةِ الْمُهَاجِرِ الْمَكِّيِّ قَالَ وَالْقَوْلُ فِي مِثْلِ هَذَا قَوْلُ مَنْ رَأَى وَأَثْبَتَ والله أعلم

    * (فَرْعٌ)

    اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي صَوْبِ طَرِيقِهِ أَمْ لَا فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْدِلَ إلَيْهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَرِيقِهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا عَلَى اخْتِيَارِ الْخُرَاسَانِيِّينَ حَيْثُ قَالُوا لَا يُسْتَحَبُّ الْعُدُولُ إلَيْهَا كَمَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِي الْعُدُولِ إلَى بَابِ بَنِي شَيْبَةَ بِخِلَافِ الثَّنِيَّةِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَدَلَ إلَى بَابِ بَنِي شَيْبَةَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى طَرِيقِهِ)

    * وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ لِلدُّخُولِ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ بِمَا رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ هَذَا الْبَابِ الْأَعْظَمِ وَقَدْ جَلَسَتْ قُرَيْشٌ مِمَّا يَلِي الْحَجَرَ)

    ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا فِي دُخُولِهِ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ وَخُرُوجِهِ مِنْ بَابِ الْحَنَّاطِينَ قَالَ وَإِسْنَادُهُ عَنْهُ قَوِيٌّ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ (يَدْخُلَ الْمُحْرِمُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ وَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ وَخَرَجَ مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ إلَى الصَّفَا) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا مُرْسَلٌ جَيِّدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

    * (فَرْعٌ)

    يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدِّمَ فِي دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَفِي خُرُوجِهِ الْيُسْرَى وَيَقُولَ الْأَذْكَارَ الْمَشْرُوعَةَ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسَاجِدِ وَالْخُرُوجِ مِنْهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ

    * وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَحْضِرَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ الْخُشُوعِ وَالتَّذَلُّلِ وَالْخُضُوعِ وَالْمَهَابَةِ وَالْإِجْلَالِ فَهَذِهِ عَادَةُ الصَّالِحِينَ وَعِبَادِ اللَّهِ الْعَارِفِينَ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْبَيْتِ تُشَوِّقُ إلَى رَبِّ الْبَيْتِ وَقَدْ حَكَوْا أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ مَكَّةَ فَجَعَلَتْ تَقُولُ أَيْنَ بَيْتُ رَبِّي فَقِيلَ الْآنَ تَرَيْنَهُ فَلَمَّا لَاحَ الْبَيْتُ قِيلَ لَهَا هَذَا بَيْتُ رَبِّكِ فَاشْتَدَّتْ نَحْوَهُ فَأَلْصَقَتْ جَبِينَهَا بِحَائِطِ الْبَيْتِ فَمَا رُفِعَتْ إلَّا مَيِّتَةً

    * وَأَنَّ الشِّبْلِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غُشِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ ثُمَّ أَفَاقَ فَأَنْشَدَ هذه دارهم وَأَنْتَ مُحِبٌّ

    * مَا بَقَاءُ الدُّمُوعِ فِي الْآمَاقِ * قال المصنف رحمه الله

    * (ويبتدئ بطواف القدوم لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أول شئ بدأ به حين قدم مكة انه توضأ ثم طاف بالبيت) فان خاف فوت مكتوبة أو سنة مؤكدة أتى بها قبل الطواف لانها تفوت والطواف لا يفوت وهذا الطواف سنة لانه تحية فلم يجب كتحية المسجد)

    * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ أصحابنا يستحب للمحرم أَوَّلِ دُخُولِهِ مَكَّةَ أَنْ لَا يُعَرِّجَ عَلَى اسْتِئْجَارِ مَنْزِلٍ وَحَطِّ قُمَاشٍ وَتَغْيِيرِ ثِيَابِهِ وَلَا شئ آخَرَ غَيْرَ الطَّوَافِ بَلْ يَقِفُ بَعْضُ الرُّفْقَةِ عِنْدَ مَتَاعِهِمْ وَرَوَاحِلِهِمْ حَتَّى يَطُوفُوا ثُمَّ يَرْجِعُوا إلَى رَوَاحِلِهِمْ وَمَتَاعِهِمْ وَاسْتِئْجَارِ الْمَنْزِلِ

    * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الدُّعَاءِ عِنْدَ رَأْسِ الرَّدْمِ قَصَدَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَهُ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ كما ذكر فاول شئ يَفْعَلُهُ طَوَافُ الْقُدُومِ

    * وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ مِنْ هَذَا الْمَرْأَةَ الْجَمِيلَةَ وَالشَّرِيفَةَ

    الَّتِي لَا تَبْرُزُ لِلرِّجَالِ قَالُوا فَيُسْتَحَبُّ لَهَا تَأْخِيرُ الطَّوَافِ وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ إلَى اللَّيْلِ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا وَأَسْلَمُ لَهَا وَلِغَيْرِهَا مِنْ الْفِتْنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

    * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ لَا يَشْتَغِلُ بِصَلَاةِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَلَا غَيْرِهَا بَلْ يَبْدَأُ بِالطَّوَافِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَيَقْصِدُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَيَبْدَأُ بِطَوَافِ الْقُدُومِ وَهُوَ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ

    * قَالَ أَصْحَابُنَا وَالِابْتِدَاءُ بِالطَّوَافِ مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ دَاخِلٍ سَوَاءٌ كَانَ مُحْرِمًا أَوْ غَيْرَهُ إلَّا إذَا خَافَ فَوْتَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ أَوْ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ أَوْ مُؤَكَّدَةٍ أَوْ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا وَاسِعًا أَوْ كَانَ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ مَكْتُوبَةٌ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ كُلَّ هَذَا عَلَى الطَّوَافِ ثُمَّ يَطُوفُ وَلَوْ دَخَلَ وَقَدْ مُنِعَ النَّاسُ مِنْ الطَّوَافِ صَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ

    * وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُمْرَةَ لَيْسَ فِيهَا طَوَافُ قُدُومٍ وَإِنَّمَا فِيهَا طَوَافٌ وَاحِدٌ يُقَالُ لَهُ طَوَافُ الْفَرْضِ وَطَوَافُ الرُّكْنِ (وَأَمَّا) الْحَجُّ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَطْوِفَةٍ - طَوَافُ الْقُدُومِ - وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ - وَطَوَافُ الْوَدَاعِ - وَيُشْرَعُ لَهُ وَلِلْعُمْرَةِ طَوَافٌ رَابِعٌ وَهُوَ الْمُتَطَوَّعُ بِهِ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِكْثَارُ مِنْ الطَّوَافِ (فَأَمَّا) طَوَافُ الْقُدُومِ فَلَهُ خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ طَوَافُ الْقُدُومِ - وَالْقَادِمِ وَالْوُرُودِ وَالْوَارِدِ - وَطَوَافُ التَّحِيَّةِ (وَأَمَّا) طَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَلَهُ أَيْضًا خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ - وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ - وَطَوَافُ الْفَرْضِ - وَطَوَافُ الرُّكْنِ - وَطَوَافُ الصَّدَرِ - بِفَتْحِ الصَّادِ وَالدَّالِ - (وَأَمَّا) طَوَافُ الْوَدَاعِ فَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا طواف الصدر

    * ومحل طواف القدم أَوَّلُ قُدُومِهِ وَمَحَلُّ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَنِصْفَ لَيْلَةِ النَّحْرِ وَمَحَلُّ طَوَافِ الْوَدَاعِ عِنْدَ إرَادَةِ السَّفَرِ مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ مَنَاسِكِهِ كُلِّهَا

    * وَاعْلَمْ أَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ رُكْنٌ لَا يَصِحُّ الْحَجُّ إلَّا بِهِ وَطَوَافُ الْوَدَاعِ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ وَاجِبٌ (وَالثَّانِي) سُنَّةٌ فَإِنْ تَرَكَهُ أَرَاقَ دَمًا (إنْ قُلْنَا) هُوَ وَاجِبٌ فَالدَّمُ وَاجِبٌ وَإِنْ قُلْنَا سُنَّةٌ فَالدَّمُ سُنَّةٌ (وَأَمَّا) طَوَافُ الْقُدُومِ فَسُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فلو تركه فحجه صحيح ولا شئ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ ونص عليه الشافعي وقطع به جماهير العراقيين والخراسانيين وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ فِي وُجُوبِهِ وَجْهًا ضَعِيفًا شَاذًّا وَأَنَّهُ إذَا تَرَكَهُ لَزِمَهُ دَمٌ

    * مِمَّنْ قَالَهُ وَحَكَاهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي آخِرِ صِفَةِ الْحَجِّ مِنْ تَعْلِيقِهِ وَأَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ - بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ - وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ

    *

    (فَرْعٌ)

    قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُؤْمَرُ أَنْ يَأْتِيَ بِطَوَافِ الْقُدُومِ أَوَّلَ قُدُومِهِ فَلَوْ أَخَّرَهُ فَفِي فَوَاتِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ

    * (فَرْعٌ)

    اعْلَمْ أَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّ مُفْرِدِ الْحَجِّ وَفِي حَقِّ الْقَارِنِ إذَا كَانَا قَدْ أَحْرَمَا مِنْ غَيْرِ مَكَّةَ وَدَخَلَاهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ فَأَمَّا الْمَكِّيُّ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهِ طَوَافُ الْقُدُومِ إذْ لَا قُدُومَ لَهُ (وَأَمَّا) الْمُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهِ طَوَافُ قُدُومٍ بَلْ إذَا طَافَ لِلْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ عَنْهُمَا وَيَتَضَمَّنُ الْقُدُومَ كَمَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ عَنْ الْفَرْضِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ

    * قَالَ أَصْحَابُنَا حَتَّى لَوْ طَافَ الْمُعْتَمِرُ بِنِيَّةِ طَوَافِ الْقُدُومِ وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ فَأَحْرَمَ بِحَجَّةِ تَطَوُّعٍ فَإِنَّهَا تَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ (وَأَمَّا) مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا وَلَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ إلَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ فَلَيْسَ فِي حَقِّهِ طَوَافُ قُدُومٍ بَلْ الطَّوَافُ الَّذِي يَفْعَلُهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَلَوْ نَوَى بِهِ طَوَافَ الْقُدُومِ وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ إنْ كَانَ دَخَلَ وَقْتُهُ وَهُوَ نِصْفُ لَيْلَةِ النَّحْرِ كَمَا قُلْنَا فِي الْمُعْتَمِرِ إذَا نَوَى طَوَافَ الْقُدُومِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

    * قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسَنُّ طَوَافُ الْقُدُومِ لِكُلِّ قَادِمٍ إلَى مَكَّةَ سَوَاءٌ كَانَ حَاجًّا أَوْ تَاجِرًا أَوْ زَائِرًا أَوْ غَيْرَهُمْ مِمَّنْ دَخَلَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجٍّ بَعْدَ الْوُقُوفِ كَمَا سَبَقَ

    * (فَرْعٌ)

    فِي

    صِفَةِ الطَّوَافِ الْكَامِلَةِ

    * وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلْيَقْصِدْ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَهُوَ فِي الرُّكْنِ الَّذِي يَلِي بَابَ الْبَيْتِ مِنْ جَانِبِ الْمَشْرِقِ وَيُسَمَّى الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ وَيُقَالُ لَهُ وَلِلرُّكْنِ الْيَمَانِي الرُّكْنَانِ الْيَمَانِيَانِ وَارْتِفَاعُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْأَرْضِ ثَلَاثُ أَذْرُعٍ إلَّا سَبْعَ أَصَابِعَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ بِوَجْهِهِ وَيَدْنُوَ مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤْذِيَ أَحَدًا بِالْمُزَاحَمَةِ فَيَسْتَلِمَهُ ثُمَّ يُقَبِّلَهُ مِنْ غَيْرِ صَوْتٍ يَظْهَرُ فِي الْقُبْلَةِ وَيَسْجُدَ عَلَيْهِ وَيُكَرِّرَ التَّقْبِيلَ وَالسُّجُودَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ يَبْتَدِئَ الطَّوَافَ وَيَقْطَعَ التَّلْبِيَةَ فِي الطَّوَافِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَسَائِلِ التَّلْبِيَةِ وَيَضْطَبِعَ مَعَ دُخُولِهِ فِي الطَّوَافِ فَإِنْ اضْطَبَعَ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ فَلَا بَأْسَ وَالِاضْطِبَاعُ أَنْ يَجْعَلَ وَسَطَ رِدَائِهِ تَحْتَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ عِنْدَ إبْطِهِ وَيَطْرَحَ طَرَفَيْهِ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ وَيَكُونَ مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ مَكْشُوفًا

    * وَصِفَةُ الطَّوَافِ أَنْ يُحَاذِيَ جَمِيعُهُ جَمِيعَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَيَمُرَّ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْبَيْتَ وَيَقِفَ عَلَى جَانِبِ الْحَجَرِ الَّذِي إلَى جِهَةِ

    الرُّكْنِ الْيَمَانِي بِحَيْثُ يَصِيرُ جَمِيعُ الْحَجَرِ عَنْ يَمِينِهِ وَيَصِيرُ مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ عِنْدَ طَرَفِ الْحَجَرِ ثُمَّ يَنْوِي الطَّوَافَ لِلَّهِ تَعَالَى ثُمَّ يَمْشِي مُسْتَقْبِلَ الْحَجَرِ مَارًّا إلَى جِهَةِ يَمِينِهِ حَتَّى يُجَاوِزَ الْحَجَرَ فَإِذَا جَاوَزَهُ انْفَتَلَ وَجَعَلَ يَسَارَهُ إلَى الْبَيْتِ وَيَمِينَهُ إلَى خَارِجٍ وَلَوْ فَعَلَ هَذَا مِنْ الْأَوَّلِ وَتَرَكَ اسْتِقْبَالَ الْحَجَرِ جَازَ لَكِنَّهُ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ ثُمَّ يَمْشِي هَكَذَا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ طَائِفًا حَوْلَ الْبَيْتِ كُلِّهِ فَيَمُرُّ عَلَى الْمُلْتَزَمِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَالْبَابُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ يَلْزَمُونَهُ عِنْدَ الدُّعَاءِ ثُمَّ يَمُرُّ إلَى الرُّكْنِ الثَّانِي بَعْدَ الْأَسْوَدِ ثُمَّ يَمُرُّ وَرَاءَ الْحِجْرِ - بِكَسْرِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ - وَهُوَ فِي صَوْبِ الشَّامِ وَالْمَغْرِبِ فَيَمْشِي حَوْلَهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَيُقَالُ لِهَذَا الرُّكْنِ مَعَ الَّذِي قَبْلَهُ الرُّكْنَانِ الشَّامِيَّانِ وَرُبَّمَا قِيلَ الْمَغْرِبِيَّانِ ثُمَّ يَدُورُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الرُّكْنِ الرَّابِعِ الْمُسَمَّى بِالرُّكْنِ الْيَمَانِي ثُمَّ يَمُرُّ مِنْهُ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَيَصِلُ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ فَيَكْمُلُ لَهُ حِينَئِذٍ طَوْفَةٌ وَاحِدَةٌ ثُمَّ يَطُوفُ كَذَلِكَ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً حَتَّى يُكْمِلَ سَبْعَ طَوْفَاتٍ فَكُلُّ مَرَّةٍ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَيْهِ طَوْفَةٌ وَالسَّبْعُ طَوَافٌ كَامِلٌ

    * هَذِهِ صِفَةُ الطَّوَافِ الَّتِي إذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهَا صَحَّ طَوَافُهُ وَبَقِيَتْ مِنْ صِفَاتِهِ الْمُكَمِّلَةِ أَفْعَالٌ وَأَقْوَالٌ نَذْكُرُهَا بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الطَّوَافَ يَشْتَمِلُ عَلَى شُرُوطٍ وَوَاجِبَاتٍ لَا يَصِحُّ بِدُونِهَا وَعَلَى سُنَنٍ يَصِحُّ بِدُونِهَا (فَأَمَّا) الشُّرُوطُ الْوَاجِبَاتُ فَثَمَانِيَةٌ مُخْتَلَفٌ فِي بَعْضِهَا (أَحَدُهَا) الطَّهَارَةُ عَنْ الْحَدَثِ وَعَنْ النجس في الثوب والبدن والمكان الذي يطوه فِي مَشْيِهَا (الثَّانِي) كَوْنُ الطَّوَافِ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ (الثَّالِثُ) إكْمَالُ سَبْعِ طَوْفَاتٍ (الرَّابِعُ) التَّرْتِيبُ وَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَأَنْ يَمُرَّ عَلَى يَسَارِهِ (الْخَامِسُ) أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ بَدَنِهِ خَارِجًا عَنْ جَمِيعِ الْبَيْتِ فَهَذِهِ الْخَمْسَةُ وَاجِبَةٌ بِلَا خِلَافٍ (السَّادِسُ وَالسَّابِعُ وَالثَّامِنُ) نِيَّةُ الطَّوَافِ وَصَلَاتُهُ وَمُوَالَاتُهُ وَفِي الثَّلَاثَةِ خِلَافٌ (الْأَصَحُّ) أَنَّهَا سُنَّةٌ (وَالثَّانِي) وَاجِبَةٌ (وَأَمَّا) السُّنَنُ فَثَمَانِيَةٌ أَيْضًا (أحدها) أن يكون ماشيا (الثاني) الِاضْطِبَاعُ (الثَّالِثُ) الرَّمَلُ (الرَّابِعُ) اسْتِلَامُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَتَقْبِيلُهُ وَوَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَيْهِ (الْخَامِسُ) الْمُسْتَحَبَّةُ فِي الطَّوَافِ وَسَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (السَّادِسُ) الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الطَّوْفَاتِ (السَّابِعُ) صَلَاةُ الطَّوَافِ (الثَّامِنُ) أَنْ يَكُونَ فِي طَوَافِهِ خَاشِعًا خَاضِعًا مُتَذَلِّلًا حَاضِرَ الْقَلْبِ مُلَازِمَ الْأَدَبِ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَفِي حركته

    ونظره وهيئته فهذه خُلَاصَةُ الْقَوْلِ فِي الطَّوَافِ وَبَيَانِ صِفَتِهِ وَوَاجِبَاتِهِ وَمَنْدُوبَاتِهِ وَسَنُوَضِّحُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى ترتيب المصنف والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

    * (ومن شرط الطواف الطهارة لقوله صلى الله عليه وسلم (الطواف بالبيت صلاة الا أن الله تعالى أباح فيه الكلام) ومن شرطه ستر العورة لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بعث أبا بكر رضي الله عنه إلى مكة فنادى ألا لا يطوفن بالبيت مشرك ولا عريان) وهل يفتقر إلى النية فيه وجهان (احدهما) يفتقر إلى النية لانها عبادة تفتقر إلى البيت فافتقرت إلى النية كركعتي المقام (والثاني) لا يفتقر لان نية الحج تأتي على ذلك كما تأتي على الوقوف

    * (الشَّرْحُ) (أَمَّا) الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فَمَرْوِيٌّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ (وَالصَّحِيحُ) أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ كَذَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ وَيُغْنِي عَنْهُ مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) حَدِيثُ بَعْثِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ فِي صحيحي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ لَكِنْ غَيَّرَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَهُ وَإِنَّمَا لَفْظُ رِوَايَتِهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَهُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبُلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ يَوْمَ النَّحْرِ أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ) هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رُوِيَ فَأَتَى بِهِ بِصِيغَةِ تَمْرِيضٍ مَعَ أَنَّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى بِهِ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ مَعَ أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ (وَالصَّوَابُ) الْعَكْسُ فِيهِمَا (وَقَوْلُهُ) عِبَادَةٌ تَفْتَقِرُ إلَى الْبَيْتِ احْتِرَازٌ مِنْ الْوُقُوفِ وَالسَّعْيِ وَالرَّمْيِ وَالْحَلْقِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ فَافْتَقَرَتْ إلَى النِّيَّةِ كَرَكْعَتَيْ الْمَقَامِ فَيُوهَمُ أَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ تَخْتَصَّانِ بِالْمَقَامِ وَتَفْتَقِرَانِ إلَى فِعْلِهِمَا عِنْدَ الْبَيْتِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُمَا تَصِحَّانِ فِي غَيْرِ مَكَّةَ بَيْنَ أَقْطَارِ الْأَرْضِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَكِنْ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِافْتِقَارِهِمَا إلَى الْبَيْتِ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُمَا إلَّا إلَى الْبَيْتِ حَيْثُ كَانَ الْمُصَلَّى (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِي الْفَصْلِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ (إحْدَاهَا) يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الطَّوَافِ الطَّهَارَةُ مِنْ الْحَدَثِ والنجس في الثوب والبدن والمكان الذي يطوه فِي طَوَافِهِ فَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ

    مُبَاشِرًا لِنَجَاسَةٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمُرَادُ لِلْأَئِمَّةِ تَشْبِيهُ مَكَانِ الطَّوَافِ بِالطَّرِيقِ فِي حَقِّ الْمُتَنَفِّلِ وَهُوَ تَشْبِيهٌ لَا بَأْسَ بِهِ هَذَا كَلَامُهُ (قُلْت) وَاَلَّذِي أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَوْ لَاقَى النَّجَاسَةَ بِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ مَشَى عَلَيْهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ

    * وَمِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى غَلَبَةُ النَّجَاسَةِ فِي مَوْضِعِ الطَّوَافِ مِنْ جِهَةِ الطَّيْرِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ اخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُحَقِّقِينَ الْمُطَّلِعِينَ الْعَفْوَ عَنْهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ يُعْفَى عَمَّا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا عُفِيَ عَنْ دَمِ الْقَمْلِ وَالْبَرَاغِيثِ وَالْبَقِّ وَوَنِيمِ الذُّبَابِ وَهُوَ رَوْثُهُ وَكَمَا عُفِيَ عن أثر الاستنجاء بِالْأَحْجَارِ وَكَمَا عُفِيَ عَنْ الْقَلِيلِ مِنْ طِينِ الشَّوَارِعِ الَّذِي تَيَقَّنَّا نَجَاسَتَهُ وَكَمَا عُفِيَ عَنْ النَّجَاسَةِ الَّتِي لَا يُدْرِكُهَا الطَّرْفُ فِي الْمَاءِ وَالثَّوْبِ عَلَى الْأَصَحِّ وَنَظَائِرُ مَا ذَكَرْتُهُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا وَاضِحَةً فِي مَوَاضِعِهَا وَقَدْ سُئِلَ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ عَنْ مَسْأَلَةٍ مِنْ نَحْوِ هَذَا فَقَالَ بِالْعَفْوِ ثُمَّ قَالَ الْأَمْرُ إذَا ضَاقَ اتَّسَعَ كَأَنَّهُ يَسْتَمِدُّ مِنْ قَوْلِ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حرج) وَلِأَنَّ مَحَلَّ الطَّوَافِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَخَلَفِهَا لَمْ يَزَلْ عَلَى هَذَا الْحَالِ وَلَمْ يَمْتَنِعْ أَحَدٌ مِنْ الْمَطَافِ لِذَلِكَ وَلَا أَلْزَمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَحَدٍ بَعْدَهُ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ بِتَطْهِيرِ الطَّوَافِ عَنْ ذَلِكَ ولا ألزمووا اعادة الطواف بسبب ذلك والله أَعْلَمُ

    * وَمِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فِي الطَّوَافِ مُلَامَسَةُ النِّسَاءِ لِلزَّحْمَةِ فَيَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يُزَاحِمَهُنَّ وَيَنْبَغِي لَهُنَّ أَنْ لَا يُزَاحِمْنَ بَلْ يَطُفْنَ مِنْ وَرَاءِ الرِّجَالِ فَإِنْ حَصَلَ لَمْسٌ فَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُهُ فِي بَابِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

    * (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) سَتْرُ الْعَوْرَةِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الطَّوَافِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي بَابِهِ فَمَتَى انْكَشَفَ جُزْءٌ مِنْ عَوْرَةِ أَحَدِهِمَا بِتَفْرِيطِهِ بَطَلَ مَا يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الطَّوَافِ (وَأَمَّا) مَا سَبَقَ مِنْهُ فَحُكْمُهُ فِي الْبِنَاءِ حُكْمُ مَنْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ طَوَافِهِ وَسَنُوَضِّحُهُ فِي آخِرِ أَحْكَامِ الطَّوَافِ حَيْثُ ذَكَرَهُ المصنف ان اشاء اللَّهُ تَعَالَى وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَبْنِي وَإِنْ انْكَشَفَ بِلَا تَفْرِيطٍ وَسَتَرَ فِي الْحَالِ لَمْ يَبْطُلْ طَوَافُهُ كَمَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فِي نِيَّةِ الطَّوَافِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ الطَّوَافُ فِي غَيْرِ حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ لَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِ نِيَّةٍ بِلَا خِلَافٍ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِمَا وَإِنْ كَانَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ الطَّوَافَ فَإِنْ طَافَ بِلَا

    نِيَّةٍ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) صِحَّتُهُ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (وَالثَّانِي) بُطْلَانُهُ فَإِنْ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ فَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَصْرِفَهُ إلَى غَرَضٍ آخَرَ مِنْ طَلَبِ غَرِيمٍ وَنَحْوِهِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) يتشرط قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَرُبَّمَا كَانَ شَيْخِي يَقْطَعُ بِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ الدَّارِمِيُّ فَإِنْ صَرَفَهُ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ وَلَا يُعَدُّ طَائِفًا (وَالثَّانِي) لَا يُشْتَرَطُ وَلَوْ صَرَفَهُ صَحَّ طَوَافُهُ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ فَنَوَى غَيْرَهَا فَإِنَّهُ يَقْطَعُ عَنْهَا فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (احدها) لا يصح طوافه إلا بِنِيَّةٍ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ بِلَا نِيَّةٍ وَلَا يَضُرُّ صَرْفُهُ إلَى غَيْرِهِ (وَأَصَحُّهَا) يَصِحُّ بِلَا نِيَّةٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَصْرِفَهُ إلَى غَيْرِهِ

    * وَلَوْ نام في الطواف أو بعضه على هيأة لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا يقرب من صرف النية إلى طلب لغريم قَالَ وَنَحْوُهُ أَنْ يَقْطَعَ بِصِحَّةِ الطَّوَافِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْرِفْ الطَّوَافَ إلَى غَيْرِ النُّسُكِ فَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ غَيْرَ ذَاكِرٍ

    * هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ ذَكَرَهُ فِي مَسَائِلِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ (وَالْأَصَحُّ) صِحَّةُ طَوَافِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ كَانَ الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ مُحْرِمٌ بِعُمْرَةٍ أَجْزَأَهُ عَنْ الْحَجِّ كَمَا لَوْ طَافَ عَنْ غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ طَوَافٌ عَنْ نَفْسِهِ ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ

    * (فَرْعٌ)

    قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي أَعْمَالِ يَوْمِ النَّحْرِ فِي مَسَائِلِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ أَفْعَالُ الْحَجِّ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَبِمُزْدَلِفَةَ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالرَّمْيِ هَلْ يَفْتَقِرُ كُلُّ فِعْلٍ مِنْهَا إلَى نِيَّةٍ فيه ثلاثة أوجه (أحدها) لا يفتقر شئ مِنْهَا إلَى نِيَّةٍ لِأَنَّ نِيَّةَ الْحَجِّ تَشْمَلُهَا كُلَّهَا كَمَا أَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ تَشْمَلُ جَمِيعَ أَفْعَالِهَا وَلَا يُحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ فِي رُكُوعٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ نَاسِيًا أَجْزَأَهُ بِالْإِجْمَاعِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي اسحق المروزي لا يفتقر شئ مِنْهَا إلَى النِّيَّةِ إلَّا الطَّوَافَ لِأَنَّهُ صَلَاةٌ وَالصَّلَاةُ تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا كَانَ مِنْهَا مُخْتَصًّا بِفِعْلٍ كَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالرَّمْيِ افْتَقَرَ وَمَا لَا يَخْتَصُّ وَإِنَّمَا هُوَ لُبْثٌ مُجَرَّدٌ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَبِمُزْدَلِفَةَ وَالْمَبِيتِ لَا يَفْتَقِرُ

    * هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي (وَالصَّحِيحُ) مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ هُوَ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمْهُورُ غَيْرَهُ إلَّا الْوَجْهَ الضَّعِيفَ فِي إيجَابِ نِيَّةِ الطَّوَافِ وَالصَّحِيحُ أَيْضًا عِنْدَهُ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِيهَا أَنَّهَا لَا

    تَجِبُ كما سبق وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

    * (فَرْعٌ)

    قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الطَّوَافُ إلَّا بِطَهَارَةٍ سَوَاءٌ فِيهِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الطَّوَافِ هَكَذَا جَزَمَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ إلَّا وَجْهًا ضَعِيفًا بَاطِلًا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي يَعْقُوبَ الْأَبِيوَرْدِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَصِحُّ طَوَافُ الْوَدَاعِ بِلَا طَهَارَةٍ وَتُجْبَرُ الطَّهَارَةُ بِالدَّمِ قَالَ الْإِمَامُ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الدَّمَ إنَّمَا وَجَبَ جَبْرًا لِلطَّوَافِ لَا لِلطَّهَارَةِ

    * (فَرْعٌ)

    فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الطَّهَارَةِ فِي الطَّوَافِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ عَنْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ عَنْ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَانْفَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ الطَّهَارَةُ مِنْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِلطَّوَافِ فَلَوْ طَافَ وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ أَوْ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا صَحَّ طَوَافُهُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي كون الطهارة واجبة مع اتفاقهم عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فَمَنْ أَوْجَبَهَا مِنْهُمْ قَالَ إنْ طَافَ مُحْدِثًا لَزِمَهُ شَاةٌ وَإِنْ طَافَ جُنُبًا لَزِمَهُ بَدَنَةٌ قَالُوا وَيُعِيدُهُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) كَمَذْهَبِنَا (وَالثَّانِيَةُ) إنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ أَعَادَهُ وَإِنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ جَبَرَهُ بِدَمٍ

    * وَقَالَ دَاوُد الطَّهَارَةُ لِلطَّوَافِ وَاجِبَةٌ فَإِنْ طَافَ مُحْدِثًا أَجْزَأَهُ إلَّا الْحَائِضَ وَقَالَ الْمَنْصُورِيُّ مِنْ أَصْحَابِ دَاوُد الطَّهَارَةُ شَرْطٌ كَمَذْهَبِنَا

    * وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُوَافِقُوهُ بِعُمُومِ قوله تعالى

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1