Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

التفسير الوسيط للواحدي
التفسير الوسيط للواحدي
التفسير الوسيط للواحدي
Ebook979 pages6 hours

التفسير الوسيط للواحدي

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

فإنَّ القرآنَ الكريمَ كلامُ الله -تعالى- ومعجزتُه العظيمة التي أعجزَ بها كلَّ لبيبٍ فصيح بليغ، ولقد تسابقَ العلماء على مدار تاريخ الأمّة في نيل شرَف تفسير كتاب الله -تعالى- وبيان معانيه، ووضَعُوا علومًا كثيرة تتعلق بكتاب الله -تعالى-.
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateApr 12, 1901
ISBN9786457834757
التفسير الوسيط للواحدي

Read more from الواحدي

Related to التفسير الوسيط للواحدي

Related ebooks

Related categories

Reviews for التفسير الوسيط للواحدي

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    التفسير الوسيط للواحدي - الواحدي

    الغلاف

    التفسير الوسيط للواحدي

    الجزء 2

    الواحدي

    468

    فإنَّ القرآنَ الكريمَ كلامُ الله -تعالى- ومعجزتُه العظيمة التي أعجزَ بها كلَّ لبيبٍ فصيح بليغ، ولقد تسابقَ العلماء على مدار تاريخ الأمّة في نيل شرَف تفسير كتاب الله -تعالى- وبيان معانيه، ووضَعُوا علومًا كثيرة تتعلق بكتاب الله -تعالى-.

    سورة النساء

    مدنية وآياتها سبعون ومائة

    188 - أَخْبَرَنَا الأُسْتَاذُ أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُقْرِئِ الزَّعْفَرَانِيُّ، أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَطَرٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَرِيكٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا سَلامُ بْنُ سُلَيْمٍ الْمَدَايِنِيُّ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ النِّسَاءَ فَكَأَنَّمَا تَصَدَّقَ عَلَى كُلِّ مَنْ وَرِثَ مِيرَاثًا، وَأُعْطِيَ مِنَ الأَجْرِ كَمَنِ اشْتَرَى مُحَرَّرًا، وَبَرِئَ مِنَ الشِّرْكِ، وَكَانَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِينَ يَتَجَاوَزُ عَنْهُمْ»

    189 - أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ السَّهْمِيُّ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يَقُولُ: تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَسُورَةَ النِّسَاءِ و

    َسُورَةَ الْمَائِدَةِ

    وَسُوَرةَ الْحَجِّ وَسُورَةَ النُّورِ فَإِنَّ فِيهِنَّ الْفَرَائِضَ

    {يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا {1} وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا {2} وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا {3} وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا {4}} [النساء: 1-4] .

    قوله: {يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} [النساء: 1] قال ابن عباس: الخطاب لأهل مكة.

    {الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: 1] يعني: آدم، {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: 1] حواء خلقت من ضلع من أضلاع آدم، ولذلك قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن المرأة خلقت من ضلع، فإن ذهبت تقيمها كسرتها، وإن تركتها وفيها عوج استمتعت بها» .

    وقوله: وبث أي: فرق ونشر، والبث التفريق، ومنه قوله: وزرابي مبثوثة أي: متفرقة في المجالس، وخلق الله الخلق فبثهم في الأرض.

    وقوله: منهما أي: من آدم وحواء، وهما أبوا البشر، وفي هذا بيان قدرة الله تعالى، حيث خلق آدم وكان نفسا واحدة، ثم خلق منه حواء، ثم خلق منهما الرجال والنساء على كثرتهم.

    قوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ} [النساء: 1] أي: تتساءلون، فأدغم التاء في السين ومن خفف حذف ولم يدغم، والمعنى: تتساءلون فيما بينكم حوائجكم وحقوقكم به، فتقولون: أسألك بالله، وأنشدك بالله، ونشدتك الله، وكذا كانت العرب تقول له.

    وقوله: والأرحام قال قتادة، ومجاهد، والسدي، والضحاك، وابن زيد، والفراء، والزجاج: واتقوا الأرحام أن تقطعوها، فهي عطف على اسم الله في قوله: واتقوا الله.

    والمعنى: واتقوا الأرحام فصلوها ولا تقطعوها وهذا ينبئ بوجوب صلة الرحم.

    190 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْمَيْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ رَدَّادًا اللَّيْثِيَّ أَخْبَرَهُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أنا الرَّحْمَنُ خَلَقْتُ الرَّحِمَ وَشَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنَ اسْمِي فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ

    191 - أَخْبَرَنَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصُّوفِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُوسَى بْنِ خَلَفٍ الرّسْعَنِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَيَّارٍ، حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ هَارُونَ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ لَيُعَمِّرُ بِالْقَوْمِ الدِّيَارَ وَيُكْثِرُ لَهُمُ الأَمْوَالَ، وَمَا نَظَرَ إِلَيْهِمْ مُذُ خَلَقَهُمْ بُغْضًا، قِيلَ: وَكَيْفَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: بِصِلَتِهِمْ أَرْحَامَهُمْ وقرأ حمزة والأرحامِ بالخفض، وضعف النحويون كلهم هذه القراءة واستقبحوها.

    قال الزجاج: إجماع النحويين أنه يقبح باسم ظاهر على اسم مضمر في حال الخفض إلا بإظهار الخافض كقوله: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ} [القصص: 81]، ويستقبح النحويون: مررت به وزيد، لأن المكني المخفوض حرف متصل غير منفصل، فكأنه كالتنوين في الاسم، فقبح أن يعطف باسم يقوم بنفسه على اسم لا يقوم بنفسه.

    وقال سيبويه: لا يجوز عطف الظاهر على المكني المخفوض من غير إعادة الخافض إلا في ضرورة الشعر وأنشد:

    فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا ... فاذهب فما بك والأيام من عجب

    وقوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] الرقيب: الحافظ يقال: رقب يرقب رقبة ورقبًا.

    ومعناه: أنه يرقب عليكم أعمالكم، فاتقوه فيما نهاكم عنه.

    قوله: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 2] الخطاب للأوصياء وأولياء اليتامى أي: أعطوهم أموالهم إذا بلغوا، {وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} [النساء: 2] يقال: تبدل الشيءَ بالشيء، إذا أخذه مكانه.

    قال المفسرون: كان ولي اليتيم يأخذ الجيد من ماله ويجعل الرديء مكانه، فيجعل الزائف بدل الجيد، والمهزول بدل السمين، فنهى الله تعالى عن ذلك.

    قال السدي: لا تضع بعيرا مهزولا مكان بعير سمين، تقول: بعير ببعير.

    وشاة مهزولة مكان شاة سمينة، وثوبًا خلقا مكان ثوب جديد، تقول: ثوب بثوب وشاة بشاة.

    وأراد ب الخبيث: الحرام، وهو ما يأخذه من مال اليتيم بدل ماله الحلال، قوله: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2] أي: لا تضيفوها في الأكل إلى أموالكم، وقال السدي: يقول: ولا تخلطوها بأموالكم ثم تأكلوها جميعا.

    إنه يعني: إن أكل أموالهم {كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} [النساء: 2] الحوب والحوب والحاب: الإثم الكبير.

    وقوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [النساء: 3] الإقساط: العدل، يقال: أقسط الرجل إذا عدل، ومنه قوله: {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9] .

    192 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشِّيرَازِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَمِيرَوَيْهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنِي شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [النساء: 3] قَالَتْ عَائِشَةُ: هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حِجْرِ وَلِيِّهَا فَيَرْغَبُ فِي مَالِهَا وَجَمَالِهَا وَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِأَدْنَى مِنْ سُنَّةِ نِسَائِهَا، فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ فِي إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ

    وعلى هذا التفسير تقدير الآية: وإن خفتم ألا تقسطوا في نكاح اليتامى فحذف المضاف، وقوله: { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: 3] أي: من غيرهن، وقال أكثر المفسرين: يقول: فإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى وهمكم ذلك، فكذلك خافوا في النساء أن لا تعدلوا فيهن، فلا تتزوجوا أكثر ما يمكنكم إمساكهن والقيام بحقهن لأن النساء كاليتامى في الضعف والعجز.

    وهذا قول ابن عباس، في رواية الوالبي، وسعيد بن جبير وقتادة والربيع والضحاك والسدي.

    وقوله: {مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: 3] أي: حل لكم من النساء، يعني: من اللاتي يحل نكاحهن، دون المحرمات اللاتي ذكرن في قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] الآية.

    وما ههنا: بمعنى مَن كقوله: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: 5]، وقال مجاهد: معناه: فانكحوا النكاح الذي طاب لكم من النساء، فما على هذا عبارة عن النكاح.

    وقوله: {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] معناه: اثنتين اثنتين، وثلاثا ثلاثا، وأربعًا أربعًا، على اختلاف الأحوال لأن الأربع إنما يحل نكاحهن إذا لم يتقدمها ثلاث، وكذلك الثلاث إذا لم يتقدمها اثنتان.

    ولا تدل الآية على إباحة التسع، وإن كان مجموع هذه الأعداد تسعًا لأن الله تعالى خاطب العرب بأفصح اللغات، وليس من شأن البليغ أن يعبر في العدد عن التسعة باثنين وثلاثة وأربعة فمن قال: أعط زيدًا اثنين وثلاثة وأربعة وهو يريد تسعة كان ذلك أعيا كلام.

    قوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا} [النساء: 3] أي: في الأربع بالحب والجماع، فواحدة أي: فلينكح كل واحد منكم واحدة من الحرائر، {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] من الجواري لأنه لا يلزم فيهن من الحقوق كالذي يلزم في الحرائر من التسوية بينهن في القسمة.

    وقوله: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء: 3] أي: نكاح الأربع على قلة عددهن أقرب إلى العدل وأبعد من الظلم.

    ومعنى تعولوا: تميلوا وتجوروا، عن جميع المفسرين، والعول: الميل في الحكم إلى الجور.

    قال الفراء: عال الرجل يعول عولًا، إذا مال وجار، وهذا قول ابن عباس، والحسن، وإبراهيم، وقتادة، والربيع، وعكرمة، والفراء، والزجاج، وابن الأنباري.

    وقوله: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] الصدُقات: المهور، واحدتها صدقة، النحلة معناها في اللغة: الديانة والملة والشريعة، يقال: فلان ينتحل كذا.

    إذا كان يتدين به، ونحلته كذا.

    أي: دينه.

    ولهذا قال ابن عباس، وقتادة، وابن جريج، وابن زيد في قوله: نحلة أي: فريضة.

    والخطاب للأزواج، أمروا بإيتاء النساء مهورهن تدينا، لأنه مما أوجبه الله لهن.

    وقال الكلبي: نحلة: هبة وعطية، يقال: نحلت فلانًا شيئًا أنحله نحلة.

    أي: أعطيه، والمعنى: أن الله جعل الصداق نحلة للنساء، فأمر الأزواج بإعطاء مهور النساء من غير مطالبة منهن، ولا مخاصمة فيه، لأن ما يأخذ بالمحاكمة لا يقال له نحلة.

    193 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي، أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّازِيُّ، أَخْبَرَنَا الْقَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَحَقَّ الشَّرْطِ أَنْ يُوَفَى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسَفَ، عَنِ اللَّيْثِ، وَرَوَاه مُسْلِمٌ، عَن مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، كِلاهُمَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ

    194 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ صَيْفِيِّ بْنِ صُهَيْبٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ جَدِّهِ صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَصْدَقَ امْرَأَةً صَدَاقًا وَهُوَ مُجْمِعٌ عَلَى أَنْ لا يُوَفِّيَهَا إِيَّاهُ، ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُعْطِهَا إِيَّاهُ، لَقِيَ اللَّهَ زَانِيًا»

    وقوله: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا} [النساء: 4] قال الفراء، والزجاج: فإن طابت أنفسهن لكم عن شيء من الصداق، {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] معنى الهنيء: الطيب المساغ الذي لا ينقصه شيء، والمريء: المحمود العاقبة، التام الهضم، الذي لا يضر ولا يؤذي.

    قال المفسرون: يقول: لا تخافون به في الدنيا مطالبة ولا في الآخرة تبعة.

    195 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] قَالَ: «إِذَا جَادَتِ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا بِالْعَطِيَّةِ غَيْرَ مُكْرَهَةٍ لا يَقْضِي بِهِ عَلَيْهِ سُلْطَانٌ، وَلا يُؤَاخِذُ اللَّهُ بِهِ فِي الآخِرَةِ»

    {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا {5} وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا {6} لِلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا {7}} [النساء: 5-7] قوله تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ} [النساء: 5] قال ابن عباس في رواية الوالبي: يقول: لا تعمد إلى مالك الذي خولك الله، وجعله لك معيشة، فتعطيه امرأتك وبنيك، فيكونوا هم الذين يقومون عليك، ثم تنظر إلى ما في أيديهم، ولكن أمسك مالك وأصلحه، وكن أنت الذي تنفق عليهم في كسوتهم، ورزقهم ومؤنتهم.

    ف السفهاء هم النساء والصبيان.

    هذا قول الحسن، وقتادة، وسعيد بن جبير، والسدي.

    وقوله: {الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5] قال عطاء، عن ابن عباس: قيامًا لمعايشكم، وصلاح دنياكم، قال الزجاج: التي جعله الله تقيمكم، فتقومون بها قيامًا.

    قال الكسائي: القيام ههنا: اسم بمعنى القوام وهو ما يقوم به الشيء.

    قال ابن قتيبة: يقال: هذا قوام أمرك وقيام أمرك، أي ما يقوم به أمرك.

    وقرأ نافع قيما، قال الأخفش: قيامًا وقوامًا وقيمًا وقوما: واحدًا، فالقيم عنده مصدر في معنى القيام.

    وقال غيره: القيم: جمع قيمة، والدنانير والدرهم قيم الأشياء، واختار الزجاج هذا الوجه فقال: من قرأ قيمًا فالمعنى: أموالكم التي جعلها الله قيمًا للأشياء فبها تقوم أموركم.

    وقوله: {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [النساء: 5] الرزق من العباد: هو الأجر الموظف، يقال: رزق فلان عياله كذا وكذا، أي: أجرى عليهم.

    وإنما قال: فيها، ولم يقل منها لأنه أراد: اجعلوا لهم فيها رزقًا، كأنه أوجب ذلك لهم في المال، قال ابن عباس: يريد أنفقوا عليهم منها.

    ومعنى واكسوهم: ألبسوهم الثياب، يقال: كسوت فلانًا ثوبًا فاكتساه.

    أي: لبسه، والكسوة: ما يكتسي من الثياب.

    وقوله: {وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا} [النساء: 5] أي: عِدَةً جميلة من البر والصلة، تقول: إذا ربحت في سفرتي هذه أحسنت إليكم، وإن غنمت في غزاتي أعطيتكم.

    قوله تعالى: وابتلوا اليتامى: قال الحسن، وقتادة، ومجاهد: اختبروهم في عقولهم وأديانهم.

    وكيفية هذا الابتلاء: أن يرد إليه الأمر في نفقته عند مراهقة الحلم ليعرف كيف تدبيره وتصرفه.

    وإن كانت جارية يرد إليها ما يرد إلى النساء من أمور البيت وتدبير الغزل والقطن، {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6] أي: حال النكاح من الاحتلام، وإنزال الماء، فإن آنستم أي: عرفتم ورأيتم، والإيناس: الإبصار، ومنه قوله: {آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا} [القصص: 29] .

    وقوله: منهم رشدًا قال ابن عباس، والسدي: هو الصلاح في العقل، وحفظ المال.

    وقال الشافعي: الرشيد من يكون صالحًا في دينه مصلحًا لماله.

    وقوله: {وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} [النساء: 6] يقول: لا تبادروا بأكل أموالهم قبل كبرهم ورشدهم حذرًا أن يبلغوا، فيلزمكم تسليم المال إليهم، {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا} [النساء: 6] من الأوصياء وأولياء اليتامى، فليستعفف أي: عن مال اليتيم، وليتركه.

    يقال: استعف عن الشيء، وعف عنه.

    إذا امتنع منه وتركه.

    {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] وهو أن يأخذ من ماله بقدر قيامه وأجرة عمله، والغني يستعف كما أمره الله، فإن أخذ الأجرة حلت له في مقابلة عمله.

    196 - أَخْبَرَنَا الأُسْتَاذُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَيْهَقِيُّ، أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بْنُ عَبْدَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَزْهَرِيِّ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي بُكَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَشْجَعِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: حَضَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَاسْتَفْتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيْتَامٌ لِي، لَهُمْ لِقَاحٌ، أَفَأَشْرَبُ مِنْ فَضْلِ أَلْبَانِهَا؟ فَقَالَ: أَلَسْتَ تَرِدُ نَادَّتَهَا، وَتَلُوطُ حَوْضَهَا، وَتَكْفِي مِهْنَتَهَا؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَاشْرَبْ مِنْ فَضْلِ أَلْبَانِهَا غَيْرَ مُضِرٍّ بِأَوْلَادِهَا، وَلا نَاهِكٍ فِي الْحَلْبِ

    وقوله: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 6] هذا وصية من الله تعالى للأولياء بالإشهاد عليهم على دفع المال إذا دفعوه إلى الأيتام، لكي إن وقع اختلاف أمكن أن يقيم البينة على أنه رد المال إليه.

    قوله: {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [النساء: 6] قال ابن عباس: مجازيًا للمحسن والمسيء.

    والحسيب بمعنى المحاسب، والباء في بالله زيادة، وحسيبًا منصوب على الحال، والمعنى: وكفى بالله في حال الحساب.

    قوله: للرجال نصيب الآية قال ابن عباس في رواية الكلبي: إن أوس بن ثابت الأنصاري توفي، وترك ثلاث بنات وامرأته يقال لها أم كُحة، فقام رجلان من بني عمه، فأخذا ماله، ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئا، فجاءت أم كحة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذكرت له ذلك فنزلت هذه الآية.

    قال المفسرون: كانت العرب في الجاهلية لا تورث النساء، ولا الصغار شيئًا، وإن كانوا ذكورًا، وإنما كانت تورث الكبار ومن طاعن بالرماح، وحاز الغنيمة، فأبطل الله ذلك عليهم، وأعلم أن حق الميراث على ما ذكر من الفرض.

    وقوله: نصيبًا مفروضًا قال الأخفش: هو نصب على معنى: جعل لهم نصيبًا، والآية تدل على هذا لأن قوله: للرجال نصيب، وللنساء نصيب يدل على معنى: جعل لهم نصيبًا.

    {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا {8} وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا {9} إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا {10}} [النساء: 8-10] .

    قوله {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} [النساء: 8] يعني: قسمة المال بين الورثة، أولو القربى: ذوو القرابات الذين يحزنون ولا يرثون، {وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء: 8] هذا على الندب والاستحباب، يستحب للوارث أن يرضخ لهؤلاء بشيء من التركة بقدر ما تطيب به نفسه من الذهب والورق، ويقول لهم عند قسمة العقار والرقيق، {وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا} [النساء: 8] وهو أن يقول: بورك فيكم.

    قال ابن عباس في رواية عطاء، والكلبي: هذه الآية منسوخة بآية المواريث، وإباحة الثلث للميت يجعله حيث يشاء من القرابات واليتامى والمساكين.

    قوله: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا} [النساء: 9] الآية، قال ابن عباس في رواية عطاء: كان الرجل إذا حضرته الوفاة قعد عنده أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا له: انظر لنفسك فإن ولدك لا يغنون عنك من الله شيئًا، فيقدم الرجل ماله، ويحجب ولده.

    وهذا قبل أن تكون الوصية في الثلث، فكره الله تعالى ذلك منهم وأنزل: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا} [النساء: 9] أي: أولاد صغارًا خافوا عليهم: الفقر {فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: 9] فليخافوا الله إذا قعدوا عند أحد من إخوانهم وهو في الموت، {وَلْيَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} [النساء: 9] عدلا، وهو أن يأمره أن يخلف ماله لولده، ويتصدق بما دون الثلث، وهذا قول سعيد بن جبير، والحسن، وقتادة، والسدي.

    والسديد: العدل والصواب من القول، يقال: سددًا وسدادًا وسديدًا.

    قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10] سماه بما يئول إليه في العاقبة، كقوله: أعصر خمرًا ومنه قوله عليه السلام في الشارب من آنية الذهب والفضة: «إنما يجرجر في بطنه نار جهنم» .

    197 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الْمُخَلَّدِيُّ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْمَاسَرْجَسِيُّ، أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ: " فَإِذَا أنا بِرِجَالٍ قَدْ وُكِّلَ بِهِمْ رِجَالٌ يَفُكُّونَ لِحَاهُمْ، وَآخَرُونَ يَجِيئُونَ بِالصُّخُورِ مِنَ النَّارِ فَيَقْذِفُونَهَا فِي أَفْوَاهِهِمْ فَتَخْرُجُ مِنْ أَدْبَارِهِمْ، فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ: مَنْ هَؤُلاءِ؟ قَالَ: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10]

    198 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، أَخْبَرَنَا زِيَادُ بْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ نَافِعِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَبْعَثُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَوْمًا مِنْ قُبُورِهِمْ تَأَجَّجُ أَفْوَاهُهُمْ نَارًا، فَقِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10] ؟

    وقوله: {وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10] يقال: صلى الكافر النار يصلاها صلا وصلاء، وهو صال النار.

    إذا قاسى حرها وشدتها، ومنه قوله: {إِلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 163]، ومَن ضم الياء فهو من قولهم: أصلاه الله حر النار إصلاء.

    قال الله تعالى: {فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا} [النساء: 30] .

    والسعير النار المستعرة، يقال: سعرت النار أسعرها سعرًا وهي مسعورة وسعير.

    {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا {11} وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ {12} تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {13} وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ {14}} [النساء: 11-14] .

    قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] الآية

    199 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَنْصُورِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَاعِدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةً بِابْنَتَيْنِ لَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَاتَانِ بِنْتَا ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَوْ قَالَتْ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ قُتِلَ مَعَكَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَقَدْ اسْتَفَاءَ عَمُّهُمَا مَالَهُمَا وَمِيرَاثَهُمَا فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالًا إِلَّا أَخَذَهُ، فَمَا تَرَى يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَوَاللَّهِ مَا يُنْكَحَانِ أَبَدًا إِلَّا وَلَهُمَا مَالٌ، قَالَ: فَقَالَ: يَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ سُورَةٌ فِيهَا {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] إِلَى آخِرِ الآيَةِ، فَقَالَ لِي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادْعُ لِي الْمَرْأَةَ وَصَاحِبَهَا، فَقَالَ لِعَمِّهَا: أَعْطِهِمَا الثُّلُثَيْنِ وَأَعْطِ أُمَّهُمَا الثُّمُنَ، وَمَا بَقِيَ فَلَكَ

    ومعنى يوصيكم اللَّه: قَالَ الزجاج: يفرض عليكم، لأن الوصية من اللَّه فرض، والدليل عَلَى ذَلِكَ قوله تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} [الأنعام: 151]، وهذا من الفرض المحكم علينا.

    ثُمّ بين ما أوصى فَقَالَ: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] يعني: للابن من الميراث مثل حظ الأنثيين.

    ثُمّ ذكر نصيب الأناث من الأولاد فَقَالَ: فَإِن كن يعني الأولاد، {نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11]، وأجمعت الأمة عَلَى أن: للبنتين الثلثين إِلَّا ما روي عَنْ ابْن عَبَّاس: أَنَّهُ ذهب إلى ظاهر الآية وقَالَ: الثلثان فرض الثلاث من البنات لأن اللَّه تَعَالَى قَالَ: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النساء: 11]، فجعل الثلثين للنساء إذا زدن عَلَى الثنتين وهذا غير مأخوذ به.

    ووجه الآية، أن فوق ههنا: صلة لا معنى لَهُ، كقوله {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ} [الأنفال: 12]، يريد: فاضربوا الأعناق.

    وسمى البنتين جماعة، لأن الاثنين جماعة عِنْد العرب، واللَّه تَعَالَى يَقُولُ: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]، وقَالَ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، فسمى التثنية باسم الجمع، فثبت بِهَذَا البيان أن ثلثي التركة للبنتين، وأن نصفها للواحدة، وَهُوَ قوله {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] .

    وقرأ نَافِع واحدةٌ بالرفع عَلَى معنى: وإن وقعت واحدة، وتم بيان ميراث الأولاد.

    ثُمّ ذكر ميراث الوالدين فَقَالَ: ولأبويه يعني: أبوي الميت، وَلَم يجر لَهُ ذكر فكنى عَنْ غَيْر مذكور، {لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا} [النساء: 11] من الأبوين {السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ} [النساء: 11] للميت ولد، أو ولد ابْن، واسم الولد يقع عَلَى ما وُلِد الابن، {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] إذا مات وَلَم يخلف غَيْر أبويه كان ثلث المال للأم، والباقي للأب.

    وقرأ حمزة بكسر الهمزة إذا وليتها كسرة أَوْ ياء نحو: فلإمه، أَوْ بيوت إمهاتكم وَفِي إمها أتبع الهمزة ما قبلها من الياء والكسرة.

    قَالَ أَبُو إسحاق الزجاج: إنهم استثقلوا الضمة بعد الكسرة فِي قوله فلأمه وليس من كلام العرب مثل: فِعُل بكسر الفاء وضم العين.

    فَإِن كان للميت أخوان عاد نصيب الأم من الثلث إلى السدس، وَهُوَ قوله: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] .

    وأجمعت الأمة عَلَى أن الأخوين يحجبان الأم من الثلث إلى السدس، والأخ الواحد لَا يحجب.

    وابن عَبَّاس يخالف فِي هَذِهِ المسألة وهي ما

    200 - أَخْبَرَنَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُفَسِّرُ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بْنُ عَبْدَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَزْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: حُدِّثْتُ، عَنِ ابْن أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَالَ: إِنَّ الأَخَوَيْنِ لَا يَرُدَّانِ الأُمَّ إِلَى السُّدُسِ، إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وَالأَخَوَانِ فِي لِسَانِ قَوْمِكَ وَكَلامِ الْعَرَبِ لَيْسَا بِإِخْوَةٍ، فَقَالَ عُثْمَانُ: لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْقُضَ أَمْرًا كَانَ قَبْلِي وَتَوَارَثَهُ النَّاسُ وَجَرَى فِي الأَمْصَارِ قَالَ الْعُلَمَاءُ: هَذَا غَلَطٌ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ لأَنَّ الاثْنَيْنِ يُسَمَّيَانِ بِالْجَمْعِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْكَلامِ

    حكى سِيبوَيْه: أن العرب تَقُولُ: قَدْ وضعا رحالهما، يريدون: رحلي راحلتيهما.

    وقَالَ ابْن الأنباري: التثنية عِنْد العرب أول الجمع، ومشهور فِي كلامهم إيقاع الجمع عَلَى التثنية، ومن ذَلِكَ قوله تَعَالَى: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء: 78]، يعني حكم دَاوُد وسليمان عليهما السَّلَام.

    قوله: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] أَي: هَذِهِ الأنصبة إِنَّمَا تقسم بعد قضاء الدّين وإنفاذ وصية الميت فِي ثلثه.

    وقرئ: يوصي بفتح الصاد وكسرها، فَمنْ كسر فلأن المعنى من بعد وصية يوصيها الميت، ومن فتح الصاد: فَإنَّهُ يئول فِي المعنى إلى يوصى، ألا ترى أن الموصي هُوَ الميت.

    وقوله: {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} [النساء: 11] أَيّ: إنكم لَا تدرون أَيّ هَؤُلَاءِ أنفع لَكُمْ فِي الدُّنْيَا فتعطونه من الميراث ما يستحق، وَلَكِن اللَّه تَعَالَى قَدْ فرض الفرائض عَلَى ما هو عِنْده حكمه منه، ولو وكل ذَلِكَ إليكم لَمْ تعلموا أيهم أنفع لَكُمْ فأفسدتم وضيعتم، وهَذَا معنى قوله: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 11] .

    قال عطاء: كان عليما بخلقه قبل أن يخلقهم، حكيما حيث فرض للصغار مع الكبار.

    201 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْمَنْصُورِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حُمْرَانَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ جَابِرٍ الْهَجَرِيِّ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَعَلِّمُوهَ النَّاسَ، وَتَعَلَّمُوا الْعِلْمَ وَعَلِّمُوهَ النَّاسَ، وَتَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ فَإِنِّي امْرِؤٌ مَقْبُوضٌ، وَإِنَّ الْعِلْمَ سَيُقْبَضُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، حَتَّى يَخْتَلِفَ اثْنَانِ فِي الْفَرِيضَةِ، وَلَا يَجِدَانِ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا»

    202 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ النَّصْرَأَبَاذِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الإِسْمَاعِيلِيُّ بِجُرْجَانَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ أَبِي الْعَطَّافِ، حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعَلَّمُوا الْفَرْضَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ، فَإنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ وَهُوَ يُنَسَّى، وَهُوَ أَوَّلُ شَيْءٍ يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتِي»

    ثُمّ بين اللَّه تَعَالَى ميراث الأزواج فَقَالَ: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: 12] كُلّ امرأة ماتت وَلَا وُلِد لها كان لزوجها نصف ميراثها، فَإِن كان لها وُلِد كان للزوج الربع وَهُوَ قوله: {فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] يعين: أن الميراث إِنَّمَا يستحق بعد إنفاذ الوصية وقضاء الدّين.

    وقوله: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ} [النساء: 12] يعني: للمرأة ربع المال إذا لَمْ يَكُنْ للزوج وُلِد، فَإِن كان للزوج وُلِد كان للمرأة الثمن، وَهُوَ قوله: {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] إلى ههنا بيان ميراث الأزواج والزوجات.

    ثُمّ بين ميراث وُلِد الأم فَقَالَ: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَو امْرَأَةٌ} [النساء: 12] كُلّ من مات وَلَا وُلِد لَهُ وَلَا والد فهو كلالة ورثته، وكل وارث لَيْسَ بوالد للميت فهو كلالة مورثة.

    فالكلالة: اسم يقع عَلَى الوارث والموروث، إذا كانا بالصفة التي ذكرنا.

    يُقَالُ: رَجُل كلالة، وامرأة كلالة، وقوم كلالة، لَا تثنى وَلَا تجمع لأنه مصدر كالدلالة والوكالة.

    يُقَالُ: كلّ الرَّجُل يكل كلالة، أَيّ: صار كلًّا، وَهُوَ الَّذِي لَا وُلِد لَهُ وَلَا والد، والمراد بالكلالة فِي هَذِهِ الآية: الأخ للأم إذا مات.

    قوله: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [النساء: 12] يعني: من الأم بإجماع المفسرين، وكذلك فِي قراءة سعد بن أَبِي وَقَّاص وَلَهُ أخ أَوْ أخت من أُمّه.

    {فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12] قَالَ ابْن عَبَّاس فِي رواية عَطَاء: وَلَهُ أخ أَوْ أخت من أُمّه فلكل واحد منهما السدس، وفرض الواحد من وُلِد الأم السدس، فَإِن كانوا أكثر من واحد اشتركوا فِي الثلث، الذكر والأنثى فِيه سواء، وَهُوَ قوله: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ} [النساء: 12] أَيّ: غَيْر مدخل الضرر عَلَى الورثة، وَهُوَ أن يوصي بدين لَيْسَ عَلَيْه، يريد بِذَلِك ضرر الورثة، فمنع اللَّه منه.

    وقوله: {وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ} [النساء: 12] قَالَ ابْن عَبَّاس: فريضة من اللَّه، واللَّه عليم بما دبر من هَذِهِ الفرائض حليم عمن عصاه بأن أخر عقوبته وقبل توبته.

    قوله جلَّ جلاله: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} [النساء: 13] قَالَ ابْن عَبَّاس: يريد ما حد اللَّه من فرائضه فِي الميراث، {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [النساء: 13] فِي شأن المواريث، يدخله جنات وقرأ نَافِع بالنون والمعنى فِيهِ كالمعنى بالياء.

    {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [النساء: 14] قَالَ مُجَاهِد: فيما افترض من المواريث، وقَالَ عِكْرمَة عَنْ ابْن عَبَّاس: من لَمْ يرض بقسم اللَّه، ويتعد ما قَالَ اللَّه يدخله نارا خالدا فيها، {وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء: 14] .

    {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا {15} وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا {16} إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا {17} وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا {18}} [النساء: 15-18] قوله جلَّ جلاله: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: 15] أَيّ: يفعلن الزنا، {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] أَيّ: من الْمُسْلِمِين، فَإِن شهدوا عَلَيْهَا، بالزنا {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} [النساء: 15] احبسوهن فِي السجون {حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ} [النساء: 15]، وكان هَذَا فِي ابتداء الْإِسْلَام: المرأة إذا زنت حبست فِي البيت حَتَّى تموت، والرجل إذا زنى أوذي بالتعيير والضرب بالنعال، فنزلت: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2] الآية، هَذَا حُكم البِكر.

    فَإِن كانا محصنين رجما بسنة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ سبيلهما الَّذِي جعله اللَّه لهما فِي قوله {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النساء: 15] .

    203 - أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّاهِدُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ الْحَسَنِ، عَنْ حَطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا وَالْبِكْرُ يُجْلَدُ وَيُنْفَى، وَالثَّيِّبُ يُجْلَدُ وَيُرْجَمُ».

    رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ بُنْدَارٍ، عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ

    204 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ الْحَسَنِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ»

    قوله: واللذان: قرأ ابْن كثير بالتشديد، وكذلك: هذان، وهاتين، جعل التشديد عوضا من الحذف الَّذِي لحق الكلمة ألا ترى أن قولهم ذا قَدْ حذف لامُها، وقد حذفت الياء من اللذان وهذان، وكان حقهما فِي التثنية: اللذيان، وهذيان فجعل التشديد فيه عوضا من الحرف المحذوف عَنْهُ فِي التثنية.

    وقوله: يأتيانها منكم يعني: الفاحشة، والمعنى: يفعلان الزنا، فآذوهما يعني التعيير باللسان والتوبيخ كَمَا ذكرنا.

    قوله: فَإِن تابا: من الفاحشة، وأصلحا: العمل فيما بعد، فأعرضوا عَنْهُمَا: فاتركوا أذاهما، وَقَدْ ذكرنا حكم هَذِهِ الآية فِي التي قبلها.

    وقوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 16] معنى التواب فِي صفة اللَّه تَعَالَى: أَنَّهُ يتوب عَلَى عبده بفضله ومغفرته إذا تاب إِلَيْهِ من ذنبه.

    قوله تَعَالَى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: 17] أَيّ: التوبة التي أوجب اللَّه بفضله عَلَى نفسه {لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} [النساء: 17] قَالَ ابْن عَبَّاس: يريد أن ذنب الْمُؤْمِن جهل منه.

    وقَالَ السُّدِّيّ: كُلّ من عصى اللَّه تَعَالَى فهو جهالة عمدا كان أو غير ذَلِكَ.

    قَالَ الزجاج: معنى الجهالة ههنا: أنهم فِي اختيارهم اللذة الفانية عَلَى اللذة الباقية جهال.

    وقوله: {ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} [النساء: 17] قَالَ ابْن عَبَّاس فِي رواية الوالبي: القريب: ما بينه وبَيْنَ أن ينظر إلى ملك الموت.

    وقَالَ فِي رواية عَطَاء: ولو قبل الموت بفواق ناقة.

    205 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الرَّازيُّ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدةُ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ مُصْعَبٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِيَوْمٍ قَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ» فَحَدَّثْتُ بِهَا رَجُلًا آخَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِنِصْفِ يَوْمٍ قَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ» فَحَدَّثْتُ بِهَا رَجُلًا آخَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِضَحْوَةٍ قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ تَوْبَتَهُ» فَحَدَّثْتُ بِهَا رَجُلًا آخَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ يُغَرْغِرَ بِنَفْسِهِ قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ تَوْبَتَهُ»

    قوله عَزَّ وَجَلّ: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} [النساء: 18] قَالَ عَطَاء عَنْ ابْن عَبَّاس: يريد الشرك.

    وقَالَ عكرمه عَنْهُ فِي هَذِهِ الآية: هُمْ أَهْل الشرك.

    وقَالَ سَعِيد بن جُبَيْر: نزلت الأولى فِي الْمُؤْمِنِين.

    يعني قوله: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: 17] الآية، والوسطى فِي المنافقين.

    يعني قوله: وليست التوبة والأخرى فِي الكافرين.

    يعني: {وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} [النساء: 18] .

    ومعنى الآية: لَا توب لمشرك، وَلَا لمنافق إذا تاب عِنْد حضور الموت، وَهُوَ النظر إلى ملك الموت، وَلَا لمن مات كافرا، لأن التوبة لَا تقبل فِي الآخرة.

    {أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 18] أَيّ: هيَّانا وأعددنا، يُقَالُ: أعتدت الشرع فهو معتد وعتيد.

    {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {19} وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا {20} وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا {21}} [النساء: 19-21] قوله عَزَّ وَجَلّ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1