Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار
السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار
السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار
Ebook704 pages6 hours

السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

كتاب السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار تأليف محمد بن علي بن محمد الشوكاني، وهو من أروح وأثرى مؤلفات الشوكاني والتي سنقف فيها على مباحث تشد إليها الرحال وتحقيقات تنشرح لها صدور فحول الرجال لما اشتمل عليه من إعطاء المسائل حقها من التحقيق والسلوك فيما لها وعليها في أوضح طريق مع كل فريق.
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJun 3, 1903
ISBN9786325284370
السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

Read more from الشوكاني

Related to السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

Related ebooks

Related categories

Reviews for السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار - الشوكاني

    الغلاف

    السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

    الجزء 2

    الشوكاني

    1250

    كتاب السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار تأليف محمد بن علي بن محمد الشوكاني، وهو من أروح وأثرى مؤلفات الشوكاني والتي سنقف فيها على مباحث تشد إليها الرحال وتحقيقات تنشرح لها صدور فحول الرجال لما اشتمل عليه من إعطاء المسائل حقها من التحقيق والسلوك فيما لها وعليها في أوضح طريق مع كل فريق.

    كتاب الخمس

    [فصل

    يجب على كل غانم في ثلاثة الأول صيد البر والبحر وما استخرج منهما أو اخذ من ظاهرهما كمعدن وكنز ليس لقطة ودرة وعنبر ومسك ونحل وحطب وحشيش لم يغرسا ولو من ملكه أو ملك الغير وعسل مباح.

    الثاني: ما يغنم في الحرب ولو غير منقول ان قسم الا مأكولا له ولدابته لم يقبض منه ولا تعدى كفايتهما أيام الحرب.

    الثالث: الخراج والمعاملة وما يؤخذ من أهل الذمة] .

    قوله: كتاب الخمس يجب على كل غانم في ثلاثة الأول صيد البر والبحر.

    أقول: اعلم ان هذه الشريعة المطهرة وردت بعصمة اموال العباد وانه لايحل شيء منها الا بطيبة من انفسهم وان خلاف ذلك من أكل اموال الناس بالباطل وقد ثبت في الكتاب والسنة ان الله سبحانه احل لعباده صيد البر والبحر فما صادوه منهما فهو حلال لهم داخل في املاكهم كسائر ما احل الله لهم فمن زعم ان عليهم في هذا الصيد الحلال خمسة أو اقل أو اكثر لم يقبل منه ذلك الا بدليل يصلح لتخصيص الادلة القاضية بعصمة اموال الناس وينقل عن الاصل المعلوم بالضرورة الشرعية ولم يكن ها هنا دليل قط بل ايجاب ذلك سببه توهم دخول الصيد تحت عموم قوله تعالي: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41]، وهو توهم فاسد وتخيل مختل.

    قوله: وما استخرج منهما أو اخذ من ظاهرهما كمعدن.

    أقول: قد ثبت حديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: العجماء جرحها جبار والبئر جبار وفي الركاز الخمس وهو يدل على وجوب الخمس في الركاز ولكنه اختلف في تفسير الركاز فقال مالك والشافعي انه دفن الجأهلية وقال أبو حنيفة والثوري وغيرهما ان المعدن ركاز وخصص الشافعي الركاز بالذهب والفضة وقال الجمهور لا يختص الركاز بهما واختاره ابن المنذر وهذا مبحث لغوي يرجع فيه إلي تفسيره عند أهل اللغة لانه لم تثبت فيه حقيقة شرعية فقال في الصحاح والركاز دفن الجأهلية كأنه ركز في الارض ركزا انتهى فهذا يقتضي انه خاص بدفن الجأهلية وأما صاحب القاموس فقال في الركاز ما ركزه الله تعالي في المعادن أي احدثه ودفين أهل الجأهلية وقطع الفضة والذهب من المعدن انتهى.

    وظاهر هذا ان ما خلقه الله في المعادن فهو ركاز وان كان من غير الذهب والفضة وان ما يوجد في معادن الذهب والفضة من قطع الذهب والفضة ركاز.

    وقال صاحب النهاية ان الركاز عند أهل الحجاز كنوز الجأهلية المدفونة في الارض وعند أهل العراق المعادن والقولان تحتملهما اللغة لان كلا منهما مركوز في الارض أي ثابت ثم قال والحديث إنما جاء في التفسير الأول وهو الكنز الجأهلي انتهى.

    فهذا تصريح منه بأن الحديث إنما ورد في الكنز الجأهلي وقد اتفق عليه أهل اللغة ويقصر عليه لانه مدلول الحديث ببقين وما عداه فهو محتمل فلا يحمل الحديث عليه وان كان له مدخل في الاشتقاق فلا يجب الخمس الا في دفين الجأهلية ويؤيد ذلك ما أخرجه أبو دأود والنسائي والحاكم والبيهقي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل في كنز وجده في خربة: إن وجدته في خربة جأهلية أو قرية غير مسكونة ففيه وفي الركاز الخمس وان وجدته في قرية مسكونة أو طريق ميتاء فعرفه.

    وإذا تقرر لك هذا الحديث عرفت انه لا وجه لايجاب الخمس فيما استخرج من البحر من الجواهر ونحوها ولا فيما استخرج من الارض من المعادن ونحوها بل في الكنز الذي هو من كنز الجأهلية فقط وعلى تقدير ان الركاز يتنأول زيادة على دفين الجأهلية وسلمنا الاحتجاج بالمحتمل فلا يشمل زيادة على معدن الذهب والفضة.

    وبهذا يتضح لك انه لا خمس فيما ذكره المصنف من الدرة والعنبر والمسك والنحل والحطب والحشيش والعسل.

    قوله: والثاني ما يغنم في الحرب.

    أقول: هذا أمر متفق عليه كما حكاه القرطبي قال اتفقوا على ان المراد بقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41]. مال الكفار إذا ظفر بهم المسلمون وقد حكى هذا الاجماع غيره من أهل العلم والادلة من الكتاب والسنة فيه أوضح من كل واضح واجلى من كل جلي وأما حرب بغاة السملمين فقد وردت الادلة الصحيحة بعصمة اموالهم بكلمة الإسلام والقيام بأركانه فلا يحل من اموالهم الا ما دل الدليل الناقل عن تلك العصمة عليه فمن جاء به صافيا عن شوب الكدر فبها ونعمت ومن عجز عن ذلك وقف حيث أوقفه الله وكف يده ولسانه وقلمه عن الكلام فيما ليس من شأنه ولا اذن الله له به.

    ولا فرق في المغنوم من الكفار بين الاراضي وغيرها وأما استثناء المأكول فلا بد فيه من دليل يصلح لاخراجه من عموم الغنائم ولا يصلح لذلك ما روى انهم كانوا يأكلون ما يكفيهم من طعام ونحوه لاحتمال ان يكون ذلك بعدالقسمة أو انه محسوب عليهم من نصيبهم من الغنيمة وفي حديث الجراب الشحم المغنوم في خيبر ما يرشد إلي ما ذكرناه وهو ثابت في الصحيح [البخاري 7/481، مسلم 72/1772] .

    قوله: الثالث الخراج والمعاملة وما يؤخذ من أهل الذمة.

    أقول: أما الخراج والمعاملة فأرضهما هي من الارض المغنومة من الكفار وفيها الخمس لانها المغنومة وأما ما يؤخذ منها من خراج أو معاملة فأمر وراء الغنيمة لان تلك الارض بعد تخميسها أما ان تقسم على السملمين ولكل واحد منهم ان يدعها في يد أهلها على خراج يؤدونه أو معاملة وذلك هو فائدة ارضه التي دخلت في ملكه كما يدخل في ملكه بالشراء والميراث وله ان يدعها في يد أهلها ويتصرف بها بما شاء من بيع أو غيره.

    وأما إذا لم تقسم تلك الارض ورضى الغانمون بأن يشتركوا فيما حصل من غلتها فليس عليهم في ذلك خمس لان الخمس قد وجب في أصل الارض.

    وأما الجزية وسائر ما يؤخذ من أهل الذمة فعدم الخمس فيها معلوم لانها موضوعة على أهل الذمة إلي مقابل تأمينهم وعصمة اموالهم ودمائهم وليست من الغنيمة التي تغنم في الحرب.

    والحاصل ان ايجاب الخمس في هذه الثلاثة الأنواع لم يكن لدليل ولا لرأي مستقيم.

    وإذا تقرر لك هذا عرفت انه لا يجب الخمس الا في الغنيمة من الكفار وفي الركاز وما عدا ذلك فليس الا مجرد دعأوى لا برهان عليها من معقول ولا منقول.

    [فصل

    ومصرفه من في الآية فسهم الله للمصالح وسهم الرسول للامام ان كان والا فمع سهم الله وأولو القربى هم الهاشميون المحقون وهم فيه بالسوية ذكرا وانثى غنيا وفقيرا ويخصص ان انحصروا والا ففي الجنس وبقية الاصناف منهم ثم من المهاجرين ثم من الانصار ثم من سائر المسلمين وتجب النية ومن العين الا لمانع وفي غير المنفق] .

    قوله: فصل ومصرفه من في الآية فسهم الله للمصالح وسهم الرسول للامام.

    أقول: قد ذكرت في تفسيري الذي سميته فتح القدير في هذا ستة مذاهب للسلف واحسن الاقوال واقربها إلي الصواب ان سهم الله سبحانه موكول إلي نظر الامام فيصرفه في الامور التي هي شعائر الدين ومصالح المسلمين.

    وأما سهم الرسول فلا شك انه للإمام لورود الادلة الدالة على ان ما جعله الله لرسوله فهو لمن يلي امور المسلمين بعده وعليه ان يضع ذلك في مواضعه ولهذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لي مما أفاء الله عليكم الا الخمس والخمس مردود عليكم، وإذا لم يوجد الامام كان لمن صلح من الملمين ان يضعه في مواضعه.

    قوله: أولو القربى هم الهاشميون المحقون.

    أقول: قداختلف السلف في ذلك فقيل هم قريش كلها وقيل هم بنو هاشم وبنو المطلب وقيل هم بنو هاشم خاصة والحق ان بني المطلب لهم نصيب من الخمس فقد ثبت في الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم اعطاهم منه معللا ذلك بقوله: إنما نحن وبنو المطلب شيء واحد وشبك بين أصابعه فدل ذلك على ان لهم في سهم ذوى القربى كما لبني هاشم في ذلك.

    وأما كونه يستوى في ذلك الذكر والأنثى والغني والفقير فينبغي تفويض ذلك إلي نظر الامام العادل الذي يقسم بالسوية ويعمل بما ثبت في الشرع ويؤثره على غيره.

    قوله: وبقية الاصناف منهم.

    أقول: هذه دعوى مجردة وتقييدالقرآن الكريم بمجرد الرأي الذي لا دليل عليه والحق ان لليتامى على العموم سهم من الخمس وكذلك للمساكين وابناء السبيل فالقول بأن هذه الثلاثة الاسهم تصرف في سهم ذوي القربى بعيد من الحق بعدا شديدا ومخالف للنصوص القرآنية مخالفة بينة.

    وأما قوله: ثم من المهاجرين ثم من الانصار ثم من سائر المسلمين فليس لهذا الترتيب وجه بل يستحق يتامى المهاجرين والانصار وابناء سبيلهم من هذه الثلاثة السهوم نصيبهم ولا تكون مرتبتهم مسقطة لمن كان من أهل هذه الثلاثة السهوم من غيرهم فهذا شيء قد تولى الله سبحانه قسمته في كتابه فليس لنا ان نقول بالرأي وتقييد كلامه سبحانه بمجرد الخيال ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا شيء حتى يقال انه مقيد للكتاب أو مخصص له.

    قوله: وتجب النية.

    أقول: قد قدمنا غير مرة ان الاحاديث المصرحة بأن الاعمال بالنيات وبأنه لا عمل إلا بنية تدل على وجوب النية في كل عمل وقول ولا سيما الاقوال والافعال التي هي قرب فلا يحتاج إلي الاستدلال على ذلك في كل باب من الابواب والامر أوضح من ان يحتاج إلي تطويل الاستدلال.

    وأما كون الخمس يجب من العين فذلك ظاهر لقوله سبحانه: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41]، فأوجب الخمس في المغنوم وذلك ينصرف إلي عينه فلا يجزئ غيرها الا بدليل.

    وأما كون الصرف يكون في غير المنفق فقد تقدم في الزكاة ما يفيد في مصرف الخمس فارجع اليه.

    [فصل

    والخراج ما ضرب على ارض افتتحها الامام وتركها في يد أهلها على تأديته والمعاملة على نصيب من غلتها ولهم في الارض كل تصرف ولا يزد الامام على ما وضعه السلف وله النقص فإن التبس فالأقل مما على مثلها في ناحيتها فإن لم يكن فما شاء وهو بالخيار فيما لا يحول بين الوجوه الاربعة] .

    قوله: فصل: والخراج الخ.

    أقول: هذا البيان لماهية الخراج والمعاملة صحيح.

    وأما قوله: ولهم في الأرض كل تصرف فلا يدرى ما سببه ولا ما هو الامر الذي يقتضيه فإنها قد خرجت عن ملكيتهم باغتنام المسلمين لها فلا يقتضي ابقاؤهم عليها خراجا أو معاملة عودها إلي ملكهم اصلا فكيف يصح لهم فيها كل تصرف ومن اين جاز لهم ذلك فإن هذا لا تقتضيه القواعدالفقهية مع كون الادلة ترده فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل خيبر بعد أن صالحهم على أن لهم الشطر من ثمارها: نقركم على ذلك ما شئنا، وهو في الصحيحين [البخاري 5/21، مسلم 6/1551]، وغيرهما [أبو دأود 3008].

    قوله: ولا يزد الامام على ما وضعه السلف.

    أقول: الامام العادل الناظر في مصالح المسلمين له ان يفعل ما فيه مصلحة لهم على وجه لا يضر بالعاملين في الارض ولا يكون وضع من قبله ما نعاله من الزيادة التي تقتضيها المصلحة كما انه لا يكون ما نعاله له من النقصان الذي تقتضيه المصلحة فله رأيه ونظره المطابق لمراد الله سبحانه وإذا اقتضى نظره نزع الارض من ايديهم نزعها وإذا اقتضى نظره وضعها في يد قوم آخرين فعل فقول المصنف ولا يزد الامام على ما وضعه السلف لا وجه له ولا دليل عليه الا مجرد ايجاب تقليدالاخر للأول وإهمال النظر في المصالح والمفاسد التي تختلف باختلاف الزمان والمكان والاشخاص.

    وهذا هو في الاراضي المنتزعة من ايدي الكفار بالجهاد الذي أوجبه الله على المسلمين وأما ما صار يتمسك به بعض المقصرين المروجين للشبه المرخصين في الاموال المعصومة من ان حكم الارض المنتزعة من ايدي البغاة مثل حكم الارض المغنومة من الكفار فهذا كلام ليس من الشرع في شيء بل من التشهي والحكم بالهوى والتلاعب بالدين.

    وأما ما صارت الطوائف الإسلامية تترامى به من تكفير التأويل فتلك فاقرة من فواقر الدين لا ترجع إلي أصل ولا تنبنى على عقل ولا نقل لا يغتر بمثلها الا جأهل ومتعصب وكلاهما لا يستحق الكلام معه وسيأتي لهذا مزيد تحقيق عند الكلام على قوله وكل ارض اسلم أهلها.

    قوله: وهو بالخيار فيما لا يحول بين الوجوه الاربعة.

    أقول: قد قدمنا ان له ان يعمل بما فيه مصلحة عائدة على المسلمين جارية على منهج لدين فإذا رأى المصلحة في وجه غير الوجوه الاربعة وذلك كأن يقتضي نظره ان يبيعها من أهللها أو من غيرهم عندالظفر بها ويقسم الغنيمة على الغانمين فعل ذلك وهكذا إذا اقتضى نظره تخريب الدور وتغيير رسوم الاموال وقطع الاشجار وتغوير الانهار فعل ذلك لانه ربما يغلب على الظن ان أهلها يغلبون عليها وينتزعونها من ايدي المسلمين كما يقع مثل ذلك كثيرا بين المسلمين والكفار تارة يغلب هؤلاء وتارة يغلب هؤلاء وهكذا إذا اقتضى نظره ان يخص بها بعض الغانمين دون بعض فعل إذا كان في ذلك مصلحة وقد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في ارض بني النضير فإنه خص بها المهاجرين لما لم تكن لهم اموال يعيشون بها.

    [فصل

    ولا يؤخذ خراج ارض حتى تدرك غلتها ويسلم الغالب ولا يسقطه الموت والفوت وبيعها إلي مسلم واسلام من هي في يده وان عشرا ولا يترك الزرع تفريطا] .

    قوله: فصل: ولا يؤخذ خراج ارض حتى يدرك غلتها.

    أقول: وجه هذه انه لو اخذ الخراج قبل ذلك وذهبت غلة الارض بجائحة كان في الاخذ ظلم على العاملين في الارض الا ان يكون بينهم وبين من إليه الخراج مواطأة على ان ذلك الخراج يسلم في كل عام أو في وقت حصول الغلة سواء زرعت الارض ام لا ادركت غلتها ام لا فإن ذلك يصير كالاجارة لنفس الارض وقدا ختاروا لأنفسهم ذلك ورضوا به والا فقد ثبت الامر بوضع الخراج وهو عام.

    وأما قوله: ولا يسقط بالموت والفوت فالأمر كذلك لأن الارض باقية والوضع عليها لا على الاشخاص.

    وهكذا بيعها إلي مسلم واسلام من هي في يده.

    وأما قوله: ويترك الزرع تفريطا فمبنى على ما قدمنا من التراضي وأما مع عدم ذلك فاخذ الخراج من ارض لم تزرع ظلم لا يحل للإمام والمسلمين فعله.

    وحكم المعاملة حكم الخراج وإنما ترك المصنف ذكر ذلك لكون المعاملة هي على نصيب من الغلة كما سبق فإذا لم تدرك الغلة وذهبت بجائحة لم يجز للامام ولا لغيره من المسلمين ان يأخذوا منهم الا بقدر ما سلم فقط.

    [فصل

    والثالث أنواع:

    الأول الجزية وهي ما يؤخذ من رءوس أهل الذمة وهو من الفقير اثنا عشرة قفلة ومن الغني وهو من يملك الف دينار وثلاثة آلاف دينار عروضا ويركب الخيل ويتختم الذهب ثمان واربعون ومن المتوسط اربع وعشرين وإنما تؤخذ ممن يجوز قتله وقبل تمام الحول.

    الثاني: نصف عشر ما يتجرون به نصابا منتقلين بأماننا بريدا.

    الثالث: الصلح ومنه ما يؤخذ من بني تغلب وهو ضعف ما على المسلمين من النصاب.

    الرابع: ما يؤخذ من تاجر حربي آمناه وإنما يأخذ إن اخذوا من تجارنا وحسب ما يأخذون فإن التبس أولا تبلغهم تجارنا فالعشر ويسقط الأول بالموت والفوت وكلها بالإسلام] .

    قوله: فصل: والثالث أنواع الأول الجزية الخ.

    أقول: قد قدمنا انه لا خمس في خراج ولا معاملة ولا ما يؤخذ من أهل الذمة وأما الفرق بين الغني والفقير والمتوسط وتفسير كل واحد منهم بهذه التفاسير فليس لذلك أصل يرجع اليه ولاله دليل يعتمد عليه وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم للناس ما نزل اليهم من قوله عز وجل: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29]، فامر معاذ بن جبل ان يأخذ من كل حالم دينارا.

    أخرجه أحمد [5/230] وابو دأود [1576, 1577, 1578] والترمذي [623] والنسائي [5/26] وابن حبان والحاكم وصححاه وإذا نظر الامام لمصلحة راجعة إلي الدين وأهله ان يزيد شيئا من غير ظلم أو ينقص شيئا فعل.

    وأخرج البخاري [6/257] عن ابن أبي نجيح قال قلت لمجاهد ما شان أهل الشام عليهم اربعة دنانير وأهل اليمن عليهم دينار قال جعل ذلك من قبيل اليسار.

    وأما كونها لا تؤخذ الا ممن يجوز قتله فلأمره صلى الله عليه وسلم لمعاذ ان يأخذها من كل حالم.

    قوله: الثاني نصف عشر ما يتجرون به الخ.

    أقول: لم يات في الكتاب العزيز الا الجزية ولا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه ضرب على اموال أهل الذمة شيئا ولا وجه للاستدلال بما وقع من بعض الصحابة فإن ذلك لا تقوم به الحجة لا سيما في مثل اموال المعاهدين الذين وردت السنة المطهرة بأن ظالمهم لا يرح رائحة الجنة [أحمد 5/46، 5/50، أبو دأود 2760، النسائي 8/24] .

    فالحاصل انه لا يجب عليهم شيء سوى الجزية وهي مأخوذة لحقن الدماء وليس في أموالهم شيء فإن الله سبحانه إنما فرض الزكاة والفطرة في أموال المسلمين تطهرة لهم كما قال سبحانه: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103]، ولا تطهرة للكفار فهذه المسألة مبنية على غير أساس لم يدل عليها كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس.

    قوله: الثالث الصلح ومنه ما يؤخذ من بني تغلب.

    أقول: ما وقع منه صلى الله عليه وسلم من مصالحة أهل البحرين وكانوا مجوسا كما ثبت في الصحيحين [البخاري 6/257-258, مسلم 6/2961] وكذلك مصالحته لأكيدر دومة [أبو داود 3037] وكذلك مصالحته لأهل نجران وكل ذلك جزية صالحهم على مقدارها بما روى عنه في ذلك وليس ذلك مالا آخر غير الجزية وفي ذلك دليل على ان للإمام ان يصالح عن الجزية بما فيه مصلحة.

    قوله: الرابع ما يؤخذ من تاجر حربي امناه.

    أقول: هذا الذي يؤخذ من تجار أهل الحرب هو أيضا جزية لانه مأخوذ في مقابلة تأمينهم في بلاد السملمين وحقن دمائهم وليس ذلك شيئا آخر غير الجزية وللإمام ان يأذن لتجار أهل الحرب ان يدخلوا بتجارتهم إلي ارض المسلمين إذا كان في ذلك مصلحة.

    وأما كونه يؤخذ منهم بقدر ما ياخذون من تجارنا إن اخذوا وإلا فلا فهذا أيضا مما لنظر الائمة فيه مدخلا لأن الاخذ منهم مع كون أهل الحرب لا يأخذون من تجار المسلمين يؤدى إلي إنزال الضرر بتجار المسلمين.

    والحاصل ان الامام المتبصر العارف بموارد هذه الشريعة ومصادرها لا يخفى عليه ما فيه المصلحة أو المفسدة فله نظره المطابق للصواب العائد على المسلمين بجلب المصالح ودفع المفاسد.

    قوله: ويسقط الأول بالموت والفوت.

    أقول: لا وجه لهذا السقوط لانه دين قد ثبت للمسلمين بذمة الذمي الذي مات أو فات فلا يسقطه الا مسقط شرعي وقد وفى المسلمون له بالامان فاستحقوا ما جعلوه عليه في مقابلته لا شك في ذلك.

    وأما سقوط الجميع بالإسلام فذلك أمر ظاهر لا يحتاج إلي ذكره لان ذلك المأخوذ إنما كان لكونهم كفارا وقد صاروا مسلمين فلم يبق الموجب للأخذ والإسلام يجب ما قبله.

    [فصل

    وولاية جميع ذلك إلي الامام وتؤخذ هذه مع عدمه ومصرف الثلاثة المصالح ولو غنيا وعلويا وبلديا وكل ارض اسلم أهلها طوعا أو احياها مسلم فعشرية ويسقط بأن يملكها ذمي أو يستأجرها ويكرهان وينعقدان في الاصح وما اجلى عنها أهلها بلا إيجاف فملك للإمام وتورث عنه] .

    قوله: فصل: وولاية جميع ذلك إلي الامام.

    أقول: قد كان أمر هذه الامور إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صار إلي الخلفاء الراشدين من بعده فأفاد ذلك ان امرها إلي الائمة ولا يحتاج إلي الاستدلال بزيادة على هذا.

    وأما كونها تؤخذ مع عدمه فذلك أمر واضح لانها واجبات شرعية يجب على المسلمين صرفها في مصارفها فإن لم يوجد الامام كان امرها إلي من له نهضة بالقيام بأمور المسلمين كائنا من كان.

    وأما قوله: ومصرف الثلاثة المصالح الخ فلا يخفى انها كانت معروفة في زمن النبوة وفي أيام الخلفاء الراشدين إلي مصارف معروفة فينبغي للإمام ان يتحرى ذلك ويضعها في مثل تلك المصارف بحسب ما يبلغ اليه إجتهادة ويدخل تحت قدرته وطالب الحق لا يخفي عليه وجهه وقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الواضحة ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا جاحد هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه ثم قال عقيبه: فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين الهادين عضوا عليها بالنواجذ، [أحمد 4/126/127، الترمذي 2676، ابن ماجة 43، 44] .

    قوله: وكل ارض اسلم أهلها أو احياها مسلم فعشرية.

    أقول: هذا هو من الوضوح بمكان يستغنى عن تدوينه فإن اراضي أهل الإسلام معصومة بعصمة الإسلام لا يجب فيها الا ما أوجبه الله من الزكاة ومن زعم في ارض منها انها قد صارت إلي صفة غير هذه الصفة فقد خالف ما هو معلوم من الضرورة الدينية ولا يكون الا أحد رجلين أما جأهل لا يدري ما يقول أو متلاعب بالدين لأغراض نفسانية ومقاصد دنيوية كما قدمنا قريبا.

    واحق ارض الله سبحانه بإجراء الأحكام الإسلامية عليها ارض اليمن لما صح عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: الايمان يمان وقد صح انهم اسلموا طوعا بغير قتال عند بلوغ البعثة النبوية اليهم فهم احق العالم بما ذكرناه وارضهم احق الارض بذلك.

    وأما ما تجدد من الدعأوي الفاسدة والشبه الداحضة من تكفير بعض طوائف الإسلام لبعض فذلك لا يرجع إلي دليل من عقل ولا نقل بل مجرد شهوة شيطانية اثارتها العصبية الجأهلية فإياك ان تغتر بشيء منها فإنها حديث خرافة وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الخراج جزية كما في حديث أبي الدرداء عند أبي دأود مرفوعا: من اخذ أرضا بجزيتها فقد استقال هجرته فهذا الوعيد ورد فيمن استأجر ارض الخراج وهو مسلم فكيف يحل لملسلم ان يحكم على السملمين بأن أرضهم خراجية وانهم يسلمون الخراج الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم جزية وهل يجترئ على ما دون هذا من يؤمن بالله واليوم الاخر.

    وأخرج أبو دأود من حديث حرب بن عبيد الله: إنما الخراج على اليهود والنصارى وليس على المسلم خراج.

    وأخرج أبو دأود والترمذي من حديث ابن عباس مرفوعا: ليس على مسلم جزية أي خراج.

    قوله: ويسقط بأن يملكها ذمي أو يستاجرها

    أقول: هذا أيضا أوضح من شمس النهار ولا يحتاج إلي تدوينه في كتب الفقه فإن الزكاة إنما فرضها الله سبحانه على المسلمين لا على الكافرين ومن عجائب الزمن انه قد وقع في زمننا هذا المطالبة لليهود بزكاة ما يملكونه من الارض من كثير من المغفلين الذين لا يعرفون الشرائع فما كان المصنف رحمه الله الا كشف له عما يأتي به الزمان من الغرائب فنص على هذا الامر الواضح الجلي في كتابه هذا.

    وأما القول بالكراهة لتملك الذمي للأرض العشرية واستئجاره لها فراجع إلي الخلاف في ان أهل الذمة هل يجوز لهم ان يتملكوا شيئا من الاراضي الإسلامية ام لا فمن منع من ذلك لم يجعله مكروها فقط بل يجزم بمنعه وعدم تقرير أهل الذمة عليه ومن جوزه فلا وجه لجعله مكروها.

    قوله: وما اجلى عنها أهلها بلا إيجاف فملك للإمام وتورث عنه.

    أقول: هذا مخالف لما في كتاب الله عز وجل قال الله سبحانه: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أهل الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} [الحشر: 7]، إلي قوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: 8]، ثم عطف عليه {وَالَّذِينَ تَبَوَّأوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ} [الحشر: 9]، ثم قال {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} الحشر: 10]، فهذه مصارف ما افاء الله على رسوله من أهل القرى فما معنى قوله: فملك للإمام وتورث عنه مع ان المصنف وغيره استدلوا على هذا الذي ذكروه بقوله سبحانه: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر: 7]، فكيف قصروا الآية على مصرف من المصارف التي ذكرها الله عز وجل؟

    كتاب الصيام

    مدخل

    ...

    كتاب الصيام

    هو أنواع منها سيأتي ومنها رمضان.

    [فصل

    ويجب على كل مكلف مسلم الصوم 4 والافطار لرؤية الهلال وتواترها ومضى الثلاثين وبقول مفت عرف مذهبه صح عندي قيل جوازا ويكفي خبر عدلين قيل أو عدلتين عن ايها ولو مفترقين وليتكتم من انفرد بالرؤية ويستحب صوم يوم الشك بالشرط فإن انكشف منه امسك وان قد افطر.

    ويجب تجديد النية لكل يوم ووقتها من الغروب إلي بقية من النهار الا في القضاء والنذر المطلق والكفارات فتبيت. ووقت الصوم الفجر إلي الغروب ويسقط الأداء عمن التبس شهره أو ليله بنهاره فإن ميز صام بالتحري.

    وندب التبييت والشرط وإنما يعتد بما انكشف منه أو بعده مما له صومه أو التبس والا فلا ويجب التحري في الغروب.

    وندب في الفجر وتوقي مظان الافطار والشاك بحكم الاصل وتكره الحجامة والوصل ويحرم تبييته]

    قوله: يجب على كل مكلف الصوم والافطار لرؤية الهلال وتواترها ومضى الثلاثين.

    أقول: وجوب الصيام عند حصول أحد هذه الثلاثة الاسباب معلوم بالضرورة الدينية وإجماع المسلمين والاحاديث الواردة في ذلك مصرحة بهذا مثل حديث [البخاري 4/119، مسلم 19/108، أحمد 2/415، النسائي 4/733، صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما. ومثل حديث [البخاري 4/113، مسلم 8/108، أحمد 2/145، النشائي 4/134، ابن ماجة 1654، إذا رأيتم الهلال فصوموا فإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوما.

    والاحاديث في هذا الباب كثيرة صحيحة.

    قوله: وبقول مفت عرف مذهبه صح عندي

    أقول: وجه هذا ان صدور مثل هذا القول من المفتي الذي يعقل حجج الله ويعرف ما تقوم به الحجة على العباد في الصوم والافطار يدل على انه قد صح عنده مستند شرعي من المستندات المعتبرة فكأنه اخبر بوجود ذلك المستند وصحته فكلامه دليل على نفس السبب الشرعي وان لم يكن سببا شرعيا.

    هذا إذا كان بالمنزلة التي ذكرناها ولا يكون الا مجتهدا لأن المقلد لا يعقل الحجة ولا يدري ما هو الذي يصلح للاستناد اليه والعمل به وأما إذا لم يكتف المفتي بهذه العبارة وهي قوله: صح عندي بل ذكر السبب الذي قامت به لديه الحجة من شهادة شهود عدول أو كمال عدة انه قد صح عنده وجود ذلك السبب وقيام الحجة فالعمل بهذا اقرب من العمل بمجرد إطلاق الصحة بدون ذكر المستند.

    قوله: ويكفى خبر عدلين قيل أو عدلتين

    أقول: يدل على اعتبار العدلين ما أخرجه أحمد والنسائي بإسناد لا بأس به عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب انه خطب في اليوم الذي شك فيه فقال الا اني جالست اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائلتهم وانهم حدثوني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وانسكوا لها فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين يوما فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا.

    وأخرج أبو دأود [2338] والدارقطني وصححه عن امير مكة الحارث بن حاطب قال عهد الينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ننسك للرؤية فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما ورجاله رجال الصحيح الا الحسين بن الحارث الجدلي وهو صدوق.

    وأخرج أحمد [9/256، وابو دأود 2339]، عن ربعي بن حراش عن رجل من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال اختلف الناس في آخر يوم من رمضان فقدم اعرأبيان فشهدا عند النبي صلى الله عليه وسلم بالله لأهل الهلال امس عشية فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ان يفطروا ورجاله رجال الصحيح.

    وأخرج أحمد وابو دأود والنسائي وابن ماجه وصححه ابن المنذر وابن السكن وابن حزم عن عبيد الله بن عمير بن أنس ان ركبا جاءوا إلي النبي صلى الله عليه وسلم وسلم فشهدوا انهم رأوا الهلال بالامس فأمرهم ان يفطروا وإذا اصبحوا ان يغدوا إلي مصلاهم.

    وورد ما يدل على الاكتفاء بشهادة الواحد فأخرج أبو دأود والدرامي والدارقطني وابن حبان والحاكم وصححاه والبيهقي وصححه أيضا عن ابن عمر قال تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول صلى الله عليه وسلم اني رأيه فصام وأمر الناس بصيامه.

    وأخرج أهل السنن [أبو دأود2340، النسائي 2113، الترمذي 691، ابن ماجة 1652]، وابن حبان والدارقطني والبيهقي والحاكم عن ابن عباس قال جاء اعرأبي إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني رأيت الهلال يعني رمضان فقال: أتشهد ان لاإله الا الله؟ قال: نعم, قال: أتشهد ان محمدا رسول الله؟ قال: نعم, قال: يا بلال أذن في الناس فليصوموا غدا.

    ولا يخفاك ان مادل على اعتبار الشاهدين يدل على عدم العمل بالشاهد الواحد بمفهوم العدد وما دل على صحة شهادة الواحد والعمل بها يدل بمنطوقه على العمل بشهادة الواحد ودلالة المنطقوق أرجح من دلالة المفهوم.

    وأما قوله: عن أيها فقد قدمنا الكلام على قول المفتي صح عندي.

    وأما قوله: ولو مفترقين فذلك صحيح فلا خلاف انه لا يعتبر ان يراه الشاهدان مجتمعين.

    قوله: وليتكتم من انفرد بالرؤية.

    أقول: قد قدمنا وجوب العمل بخبر الواحد وأن ذلك يلزم جميع المسلمين إذا كان عدلا مقبول الشهادة فهذا الذي انفرد بالرؤية قد حصل له العلم اليقين المستند إلي حاسة البصر فلا وجه لتكتمه بالصوم ولا بالافطار بل عليه التظهر بذلك وإعلام الناس بأنه رآه فمن عمل بذلك عمل ومن ترك ترك وأما الاستدلال على هذا التكتم بحديث: صومكم يوم يصوم الناس وفطركم يوم يفطر الناس فمن الاستدلال بما لا مدخل له في المقام فإن ذلك إنما هو ارشاد إلي ان يكون الاقل من الناس مع السواد الاعظم ولا يخالفونهم إذا وقع الخلاف لشبهة من الشبه وأما بعد رؤية العدل فقد اسفر الصبح لذي عينين ولم يبق ما يوجب على الرائي ان يقلد غيره أو يعمل بغير ما عنده من اليقين.

    قوله: ويستحب صوم يوم الشك بالشرط

    أقول: الوارد في هذه الشريعة المطهرة ان الصوم يكون للرؤية أو لكمال العدة ثم زاد الشارع هذا بيانا وأيضاحا فقال: فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما فهذا بمجردة يدل على المنع من صوم يوم الشك فكيف وقدا انضم إلي ذلك ما هو ثابت في الصحيحين وغيرهما من نهية صلى الله عليه وسلم لامته عن ان يتقدموا رمضان بيوم أو يومين فإذا لم يكن هذا نهيا عن صوم يوم الشك فلسنا ممن يفهم كلام العرب ولا ممن يدري بواضحه فضلا عن غامضه ثم انضم إلي ذلك حديث عمار بلفظ: من صام يوم الشك فقد عصى ابا القاسم.

    أخرجه أهل السنن [أبو دأود 2334، الترمذي 686، النسائي 4/153، ابن ماجة 1645]، وصححه الترمذي 3/70، وهو للبخاري 4/119 تعليقا وصححه ابن خزيمة وابن حبان قال ابن عبد البر هذا مسند عندهم لا يختلفون فيه.

    قوله: وان انكشف منه امسك وان قد افطر.

    أقول: يدل على هذا ما ثبت في الصحيحين [البخاري 4/245، مسلم 135/135]، وغيرهما [النسائي 4/192، أحمد 4/47]، من حديث سلمة بن الاكوع والربيع بنت معوذ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا من اسلم ان يؤذن في يوم عاشوراء ان كل من أكل فليمسك ومن لم يأكل فليصم وكان إذ ذاك صيام عاشوراء واجبا فدل هذا على انه إذا انكشف ان اليوم من رمضان امسك من كان قد أكل.

    قوله: ويجب تجديد النية لكل يوم وهو من الغروب إلي بقية من النهار.

    أقول: استدل على هذا بما قدمناه من امره صلى الله عليه وسلم لمن أكل في يوم عاشوراء فليمسك ومن لم يأكل فليصم وكان ذلك النداء والامر بالصوم في النهار فدل على ان النية تصح في نهار الصوم واستدل الموجبون للتبييت بحديث ابن عمر عند أحمد وأهل السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: من لم يجمع الصوم قبل الفجر فلا صيام له وأخرجه أيضا ابن خزيمة وابن حبان وصححاه وصححه أيضا الحاكم وليس فيه علة قادحة الا ما قيل من الاختلاف في الرفع والوقف والرفع زيادة وقد صحح المرفوع هؤلاء الاشمة الثلاثة ولا يخفاك ان هذا الحديث عام وانه يدل قوله: فلا صيام له على أنه لا يصح صوم من لم يبيت النية فيكون حديث يوم عاشوراء معمولا به فيمن لم ينكشف له ان اليوم من رمضان الا في النهار فلا معارضة بين الحديثين.

    وبهذا يتضح لك انه لا وجه لتخصيص القضاء والنذر المطلق والكفارات بوجوب التبييت بل هو واجب في كل صوم الا في تلك الصورة التي ذكرناها وفي صوم التطوع لما ورد انه كان صلى الله عليه وسلم يدخل على أهله فيسألهم عن الغداء فإن لم يجده قال: إني صائم مع أنه يحتمل أنه كان قد بيت النية وإنما سأل عن الغداء لأنه متطوع والمتطوع امير نفسه.

    قوله: ووقت الصوم من الفجر إلي الغروب.

    أقول: ما ذهب اليه القائلون بأن ابتداء الصوم من شروق الشمس ليس عليه دليل قط والاستدلال لهم بمثل حديث: كلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم لا يطابق المدعى ولا يدل عليه فإن النبي صلى الله عليه وسلم عرف الناس بأن بلالا يؤذن بليل ثم علل ذلك بقوله: ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم، [البخاري 2/103، مسلم 1093]، فإذانه كان في بقية من الليل لهذه العلة وكان الفجر الحقيقي هو عند إذان ابن ام مكتوم وكما ورد انه كان لا ينادي حتى يقال له اصبحت اصبحت أي دخلت في وقت الصباح والدخول في وقت الصباح يكون بطلوع الفجر وليس المراد انه كا يؤخر الإذان عن وقت طلوع الفجر بل كان ينتظر من يخبره بطلوع الفجر وكيف يصح الاستدلال لهم بمثل هذه الامور وقد صح انه صلى الله عليه وسلم كان يتسحر ثم يخرج إلي صلاة الفجر وكان بين سحوره وصلاته مقدار خمسين آية كما ثبت التقدير بهذا وقد ثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يصلى صلاة الفجر بغلس وكان آخر الامرين التغليس.

    والحاصل ان هذا المذهب هو من جملة المذاهب الساقطة المخالفة لما هو المعلوم من الشريعة.

    قوله: ويسقط الأداء عمن التبس شهره أو ليله بنهاره.

    أقول: هذا اللبس يرفع الوجوب عنه لأن تكليفه بالصوم لرمضان مع عدم علمه بأن الشهر شهر رمضان تكليف بما لا يطيقه ولا يدخل تحت وسعه وهكذا تكليفه بصوم وقت لا يدري اهو ليل أو نهار تكليف بصيام وقت لم يتبين انه من نهار رمضان.

    ولا شك ان الوجوب مع هذا اللبس منتف وأما وجوب القضاء فذكر المصنف لسقوط الأداء يفيد انه يجب القضاء بعد ذهاب اللبس العارض ولا وجه لايجاب القضاء عليه الا إذا كان سبب اللبس لنوع من أنواع المرض كالأعمى فإنه يدخل تحت قوله: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أو عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] .

    وأما قوله: فإن ميز صام بالتحري فظاهر لأن الخطاب قد توجه اليه بما حصل له من التمييز.

    وأما قوله: وندب التبييت فقد قدمنا انه واجب ولا وجه لندبيته مع التمييز ولكنه إذا انكشف أنه صام غير رمضان فلا يسقط عنه الوجوب.

    وأما إيجاب التحري في الغروب فلكون الاصل بقاء النهار ولكن هذا إذا كان ثم سبب يقتضى التحري كالغيم ونحوه وإلا فوقت المغرب واضح لا يحتاج إلي تحر الا عند من حرمه الله العمل بمشروعية تعجيل الافطار الثابت بالسنة الصحيحة.

    وأما كون التحري في الفجر مندوبا فذلك مع عروض ما يقتضي التحري وإلا فهو وسوسة ليست من الشرع في شيء.

    وأما قوله: وندب توقي مظان الافطار فالظاهر أن اجتناب ما هو مظنة للإفطار واجب لأن البقاء على الصوم واجب والخروج منه حرام والذريعة إلي الحرام حرام.

    وأما كون الشاك يحكم بالاصل فذلك صواب فلا ينتقل عنه الا بدليل يصلح للنقل.

    قوله: وتكره الحجامة.

    أقول: بمجرد كراهة التنزيه يجمع بين الاحاديث الواردة في ان الحجامة يفطر بها الصائم وبما ورد

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1