Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

فريضة الزكاة بين الاستخلاص و الخلاص
فريضة الزكاة بين الاستخلاص و الخلاص
فريضة الزكاة بين الاستخلاص و الخلاص
Ebook414 pages3 hours

فريضة الزكاة بين الاستخلاص و الخلاص

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

كتاب يدور حول تحليل مفهوم االزكاة وعلاقتها باستثمار حصيلتها المالية في مجالات التنمية الشاملة والنهوض بالإنسان، لذلك انبنى هذا البحث على بيان الأبعاد الحضارية للزكاة من حيث الدوافع إلهيا والنتائح المترتبة عليها في علاقتها بالقرار السياسي والنشاط الاقتصادي والتوازن الاجتماعي، فكانت العناصر المكونة لأطروحة هذا البحث اامثل في: - قدرة تنمية أموال الزكاة على التغيير وتحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي. - تحقيق الأمن الغذائي وكيفية التحول من الاستهلاك إلى الإنتاج. - توزيع الدخل والثروة ومحاربة الفقر والبطالة للحد من الطبقية.

Languageالعربية
Publishertevoi
Release dateSep 4, 2022
ISBN9789938230291
فريضة الزكاة بين الاستخلاص و الخلاص

Related to فريضة الزكاة بين الاستخلاص و الخلاص

Related ebooks

Reviews for فريضة الزكاة بين الاستخلاص و الخلاص

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    فريضة الزكاة بين الاستخلاص و الخلاص - محمد عبد الجليل

    فريضة الزكاة

    بين الاستخلاص والخلاص

    دراسة تحليلية استشرافية

    لأثر الزكاة في التنمية

    د. محمد بن عبد الجليل

    فريضة الزكاة

    بين الاستخلاص والخلاص

    دراسة تحليلية استشرافية

    لأثر الزكاة في التنمية

    تأليف

    د. محمد بن عبد الجليل

    مدير النشر عماد العزّالي

    التصميم ناصر بن ناصر

    الترقيم الدولي للكتاب 978-9938-23-029-1

    جميع الحقوق محفوظة

    الطبعة الأولى

    1442هـ/ 2020م

    العنوان: 5 شارع شطرانة 2073 برج الوزير أريانة - الجمهورية التونسية

    الهاتف: 58563568 +216

    الموقع الإلكتروني: www.mediterraneanpub.com

    البـريد الإلكتروني: medi.publishers@gnet.tn

    الملخص

    تدور هذه الدراسة حول تحليل مفهوم الزكاة وعلاقتها باستثمار حصيلتها المالية في مجالات التنمية الشاملة والنهوض بالإنسان. لذلك انبنى هذا البحث على بيان الأبعاد الحضارية للزكاة من حيث الدوافع إليها والنتائج المترتبة عليها في علاقتها بالقرار السياسي والنشاط الاقتصادي والتوازن الاجتماعي. فكانت العناصر المكونة لأطروحة هذا البحث تتمثل، في:

    - قدرة تنمية أموال الزكاة على التغيير وتحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي.

    - تحقيق الأمن الغذائي وكيفية التحول من الاستهلاك إلى الإنتاج.

    - توزيع الدخل والثروة ومحاربة الفقر والبطالة للحدّ من الطبقية.

    وقد استدعى تناول هذه العناصر أن نتسلح بتعميق الفهم للنصوص التأسيسية: القرآن الكريم والسنّة الشريفة، وأن نقلّب النظر في الرؤى الاقتصادية والاجتماعية لكلا المنظومتين الوضعية والإسىلامية بحثا عما به يمكن الارتقاء بالفكر الإنساني في بناء الحضارة في هذا الزمن الصعب. فكان لهذا البحث أن يتطلع في اهتمام بالغ إلى جمع شتات الأمّة ووضعها في المسار المناسب لاستعادة دورها الريادي في الحضارة الإنسانية نظرا إلى ما تملكه من طاقات مادية وفكرية لا تزال مهدورة، تمثل فعاليات الزكاة أحد عناصرها.

    Abstract

    This study is about analyzing the concept of Zakat and its relationship with investing its financial revenues in the fields of comprehensive development and human advancement. Therefore, this research is based on the statement of the civilizational dimensions of Zakat in terms of its motives and the consequences of its relation to political decision, economic activity and social balance. The components of this thesis were:

    - The ability of developing Zakat funds to change and achieve economic and social balance.

    - Food security and how to shift from consumption to production.

    - The distribution of income and wealth and the fight against poverty and unemployment to reduce classes.

    Addressing these elements necessitated a deeper understanding of the founding texts: the Holy Qur’an and the Sunnah, and stir on the economic and social visions of both the positive and Islamic systems in search of what could advance human thought in building civilization in this difficult time. This research was looking forward with great interest to collect the diaspora of the nation and put it on the right path to restore its leading role in human civilization, given the material and intellectual potential still wasted, Zakat activities are one of its elements.

    تصدير

    */ قال تعالى: ﴿يا أيّـها الّذين آمنوا اتّـقوا اللّه ولتنظر نـفس مّا قدّمت لغد واتّـقوا اللّه إنّ اللّه خبير بـما تعملون/ ولا تـكونوا كالّذين نـسوا اللّه فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون﴾

    (الحشر/18 - 19)

    ***

    */ عن أهمّية العمل قال الرسول ﷺ مخاطبا عشيرته: «يا بني هاشم لا يأتينّ الناس بالأعمال وتأتوني بنسبكم إلى رسول الله يوم القيامة».

    (رواه البخاري ومسلم)

    ***

    */ «والزكاة المفروضة ليست ضريبة تؤخذ من الجيوب بل هي أولا غرس لمشاعر الحنان والرأفة وتوطيد لعلاقات التعارف والألفة بين شتى الطبقات».

    الشيخ محمد الغزالي

    ***

    */ «لو كان محمد ﷺ موجودا لحلّ مشاكل العالم المعقدة وهو يرتشف فنجان قهوة الصباح»

    الكاتب الأمريكي مايكل هارت

    مؤلف كتاب (الخالدون: المائة الأوائل)

    تجري هذه الدراسة على تحليل مفهوم الزكاة في علاقتها بالتنمية الشاملة وبيان ما يتعلق بها من المقاصد الشرعية في تصور الإسلام للمجتمع ونشاطه الاقتصادي. فهي تستبطن معضلات التخلف المعيش الناجمة عن تعشيش ثقافة التكديس في أذهان المترفين وهم قلة مقابل خصاصة الكثرة من الكادحين المحرومين. واللافت هنا أنّ العرب، وقد مزّقتهم قوانين النظام الدولي البغيض شذر مذر، لا ينقصهم من أسباب الرقيّ بالقوّة شيء إلا أن يمرّوا إلى الفعل الإيجابي عنوان الكرامة البشرية.

    وعليه فهذه الدراسة تنطلق من الإشكالية التالية: إنّ الزكاة باعتبارها اقتطاعا ماليا يتمّ توجيه موارده عن طريق مبدأ التخصيص نحو الأصناف الثمانية المنصوص عليها في القرآن الكريم¹، بحيث إنّ المصارف المعنية أساسا بالزكاة تهمّ الأشخاص ذوي الدخول المحدودة، ولا تتعلق أبدا بنفقات الدولة من مصاريف التسيير ومصاريف الاستثمار أو النفقات العامّة، وهو ما يستدعي فصل الميزانية العامّة للدولة عن ميزانية الزكاة. فكيف يمكن، والحال تلك، للزكاة أن تسهم في التنمية الشاملة وتكون سندا لعملية التطور الاجتماعي المتوازن والإيجابي؟

    لحلّ هذه الإشكالية رأيت أن أعتمد استقراء الواقع المعيش والعمل على استنباط الرؤى المناسبة لمعالجة معضلاته مستأنسا بالمضامين المعرفية في شتى المجالات ذات الصلة بالموضوع. لذلك كانت النتائج المرجوّة من هذه الدراسة تتمحور حول كيفية تفعيل الزكاة للعبور بذوي الحاجة من الكفاف إلى الكفاية، بحيث يصبح المجتمع قائما على التكامل المريح، لا على التفاوت المرير. وهو ما يقتضي النهوض بآليات العمل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي انطلاقا من العناية بنشر ثقافة العمل وسنّ قوانين الاستثمار وحفز الهمم على تحقيق مقاصد الشرع في حمل أمانة الاستخلاف من أجل الرقيّ والتنمية.

    على أنّ الصعوبات التي لقيتها تكمن في تداخل السجلات المعرفية من الفقه وأصوله، والقرآن وتفسيره، والفلسفة ومرجعياتها، وعلم الاجتماع ومبادئه، إلى جانب النظريات الاقتصادية ورؤاها، وحبك كل ذلك في نسيج محكم، سداه اللغة المتيقظة والبصيرة النافذة. أليس الأمر متصلا بالإنسان محور كل عمل يحقق له الامتلاء الأنطولوجي من خلال الإشباع المادي والروحي معا؟ بلى.

    وقد رأيت تقسيم هذا العمل إلى ثلاثة أبواب:

    1 - الأسس النظرية للمالية الإسلامية.

    2 - الموجود من علاقات الزكاة بالتنمية.

    3 - المنشود من علاقات الزكاة بالتنمية.

    فأمّا الأول فهيأت فيه الأرضية النظرية من خلال تفكيك المكوّنات الدلالية لمفردات العنوان لهذه الدراسة. وأما الثاني فتتبعت فيه بالوصف والتحليل عناصر التخلف الاقتصادي والاجتماعي في عموم المشهد العربي، وأما الثالث فرسمت فيه تطلعات المجتمع العربي إلى تحقيق إقلاعه الحضاري من خلال الربط بين تفعيل الزكاة وآليات السياسة والنشاط الاقتصادي والتكافل الاجتماعي وفق رؤية ثقافية عميقة ومتينة لقضايا الواقع المعيش.

    وحرصت على إيجاد التوازن بين هذه الأبواب بأن جعلت كلاّ منها يشتمل عل فصلين إثنين، وكل فصل يحتوي على مبحثين أيضا في تسلسل منطقي للأفكار المسيّرة للبحث، بحيث يفضي بعضها إلى بعض من المجمل إلى المفصّل ومن العامّ إلى الخاصّ، مع دعم كل ذلك بالشواهد والحجج الواقعية والمنطقية والتاريخية والدينية، حتى تتجلى قوّة الفكرة مع عمق المعنى.

    مقدمة الباب الأول

    النظام المالي أيّا كان هو انعكاس للنظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يقوم فيه. وبالتالي فإنّ ذلك النظام المالي سيعمل على تحقيق الأهداف والغايات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يقوم عليها النظام العام. و أدواته في أداء هذه المهمّة، هي النفقات العامّة والإيرادات العامّة. فعن طريق اختيار نوع النفقات العامّة والإيرادات العامّة وحجمها وأولوياتها يحقق النظام المالي أسلوب مساندة النظام العام ودعمه.

    والنظام المالي الإسلامي، إذ يقوم داخل منظومة الإسلام بنواحيها الدينية والاجتماعية والاقتصادية، إنما يعمل على دعم رسالة الإسلام في تلك النواحي بالذات. فالزكاة هي أحد الأركان الخمسة للإسلام بحيث لا يمكن تبرير التقاعس عنها من قبل القادرين عليها بأيّ شكل من الأشكال. ولذلك كان الخليفة الراشد الأول أبو بكر الصديق (ت: 13هـ) يقول: «والله لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة. فإنّ الزكاة حق المال. والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدّونه إلى رسول الله لقاتلتهم على منعه». فمانع الزكاة بعد إرشاده واستتابته يعتبر خارجا على الإسلام. وهو ما يستدعي تطهير المجتمع المسلم من كل أشكال الردة والنكوص.

    فالزكاة تعتبر من أهمّ أدوات الاقتصاد الإسلامي نجاعة. وهو ما يؤهلها لأن تكون داعمة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية. فهاتان سياستان متكاملتان من حيث الأهداف التي ترمي إلى النهوض بالشرائح الاجتماعية محدودة الدخل. ذلك أنه بإمكان موارد الزكاة أن تسهم في دعم الجهود الوطنية للتنمية البشرية من أجل القضاء على الفقر والهشاشة وخلق مناصب شغل قارة ومدرّة للدخل. ولما كان المجتمع العربي اليوم في حالة غليان نتيجة الاحتقان الاجتماعي والسياسي فهو أحوج ما يكون إلى عوامل الاستقرار القائم على أسس الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية من أجل الرقيّ والتنمية، لعل الزكاة أبرز الأدوات في تحقيق هذا الهدف.

    المبحث الأول: الزكاة والتنمية، ما العلاقة بينهما؟

    1 - الزكاة

    الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام. غير أنّنا أصبحنا نرى امتناع البعض في الدول الإسلامية عن دفع الزكاة. فقد يعود ذلك إلى غياب الإرادة السياسية لتكوين منظومة إدارية خاصة بهذا الركن. ذلك أن الدول الإسلامية تخلت عن واجبها في إلزام الأغنياء بدفع الزكاة. فعلى سبيل المثال تجد من الأثرياء من يملكون الأبراج الشاهقة وهم لا يدفعون الزكاة، بينما يدفعها من يملك بعض الرؤوس من الأنعام. من هنا فالدولة يمكنها أن تجعل الزكاة فريضة مالية تكون إلزامية بالقانون الشرعي، ولها أن تكتفي بالزكاة في مصارفها، وأن تسدّ العجز في حال وجوده بالضرائب. فالمقصد الشرعي هو تحقيق التنمية الشاملة للمجتمع الإسلامي. إن الهدف من الزكاة هو إغناء الفقير. لذلك فلا بد من توفير منظومة لجمع الزكاة وصرفها، كأن تكون حكومية أو مؤسسات تطوعية خاصة، على أن تدار بشفافية وأن تحفظ الأموال في البنوك الإسلامية، وتستثمر في مشروعات تملك للفقراء. إن المشروع الحضاري يستهدف مستوى حضاريا لا يتحقق إلا بالتفاعل بين الجهود الدينية والسلوكية والتربوية والعلمية والفكرية والثقافية والسياسية وكل الأنشطة الحركية. ولا غرو في ذلك إذ هو يخاطب الأمّة الإسلامية قصد إعادة صياغتها لتعديل جنوحها، وتحريك سواكنها، حتى تتمكن من المضي على الطريق السويّ الذي أراده لها الشرع.

    فهذا الطريق المستقيم يقتضي أن تحقق الأمّة مقاصد الشريعة، والشهادة على عامّة الناس والتاريخ بشكل أكثر ما يمكن أن يكون قربا مما يريده الله ورسوله ﷺ. ذلك أنّ المشروع الإسلامي بشموليته قديما وحديثا هو مشروع حضاري يستهدف الخروج بالناس من الظلمات إلى النور وأن يضع بين أيديهم مبادئ الاستخلاف ويحفز هممهم على العمل عقلا وحسا وروحا رغبة في الإبداع وتحقيق الفاعلية الحضارية. وعليه فإنّ المشروع الحضاري في فضاء الأمّة الإسلامية على امتدادها في الزمان والمكان هو نشاط موصول لتحقيق الإصلاح المنشود قد يستغرق أجيالا بكاملها بسبب التعقيد الشديد في أحوال الفساد الراهنة.

    فالأمّة اليوم تقف على ركام من الضعف موغل في التاريخ، وتعايش في الآن نفسه فراغا مفاجئا ناتجا عن ما شهدته جل المذاهب والمحاولات الوضعية أو الدينية المحرّفة من الانكسارات الدرامية، سواء في الداخل أو الخارج. وهو ما يجعل تحويل المشروع الحضاري من التنظير إلى الواقع في ضوء المقاصد الشرعية أمرا ضروريا ولكن ليس بالعمل الهيّن أمام التمزق الفكري والسياسي وضغوط العزلة والقطيعة، بل والعداء والخصومة التي تحكم علاقات المسلمين في العالم. ولعلّ سموّ الهدف وحيويته يكوّنان أكبر حافز على اقتحام المصاعب لاستعادة الأمّة هويّتها الحضارية الضائعة. وهو اقتحام يقتضي جهدا مزدوجا يقوم على الهدم والنفي من جهة والبناء والإعمار من جهة أخرى. إن قدر قياداتنا الإسلامية وهي تنسج الخيوط الأولى لمشروعها الحضاري، هو أن تكون خيارات مجتهدة قديرة على تحكيم «الفقه» في مواجهة المعطيات المتجددة والمتغيرات المزدحمة في الزمن والمكان.

    إنّ الإنسان في العقيدة الإسلامية هو محور البناء الحضاري نظرا إلى حقيقته ووظيفته الوجودية والغاية من وجوده. وعليه فإنّ الحديث عن الزكاة - الركن الثالث - في الإسلام لابدّ أن يأخذ بعين الاعتبار المقاصد الشرعية في التنمية الاجتماعية التي شرع من أجلها هذا الركن مبرزا الدور الحضاري للزكاة وعلاقته بنهضة الإنسان المسلم. ولعل التصوّر الغربي لحقيقة الإنسان الذي تأسست عليه العلوم الإنسانية، يمثل أهمّ التحدّيات التي يجب أن ينهض الفكر الإسلامي لمواجهتها، من خلال تأصيل تصوّر للإنسان يستمدّ تحديداته من نصوص الوحي، ويكون مرجعا للحركات الفكرية الساعية إلى أسلمة المعرفة لبلوغ المقصد المنشود. وبذلك نحمي هذا المشروع من أن يقع في التناقض مع الحقيقة الدينية.

    إنّ تشريع الزكاة، نظرا إلى المهمّة المنوطة بها في عملية توزيع الثروة، بل وفي تكوين رأس المال نفسه، هو أداة أساسية لتنشيط الاقتصاد. لذلك لا يمكن أن يكون أمرا خارج إطار الزمن - intemporel، كما لا يمكن أن يكون منبتّا ومنفصلا عن الواقع المعيش. وعليه فتجديد الفقه وتطوير تجارب تطبيقية للشريعة الإسلامية من شأنه أن يسهم في تحقيق التنمية وإعمار الأرض وربط الواقع بالمثال. فما هي الأسس الشرعية للزكاة في مواجهة التحدي التنموي؟

    إن الزكاة تنهض بوظيفة أساسية في نظرية الاقتصاد الكلي باعتبارها داخل الإطار الإسلامي، العبادة المالية التي تمثل مع الصلاة كعبادة بدنية، برهان الإيمان وصدقه. فهي حق الله في مال كل مسلم لا يسقط حتى بالموت. ويفترض في أموال الزكاة شروط هي: الملك التام، والسلامة من الدّين، والنماء، وبلوغ النصاب، والفضل عن الحاجات الأساسية، وحولان الحول.

    من هنا فإنّ فريضة الزكاة في كل مال نام، تقديرا أو فعلا، وتفصيل المصارف المستحقة لها، لدليل على اهتمام الإسلام بتوفير الكفاية للمسلم وحفظ كرامته إذا ما تعرض لظروف طارئة من فقر، أو دين، أو كارثة، أو انقطاع عن المال والأهل. وهو ما من شأنه أن يعمل على تدعيم أواصر المجتمع الإسلامي وتقوية أركانه.

    نخلص من ذلك إلى أنّ الزكاة على هذا النحو تتدخل تدخلا أساسيا في تحديد معالم الاقتصاد الإسلامي الذي يحمل خصائص النظام العامّ الصادر عنه. وهي عموما خصائص عقدية وواقعية وأخلاقية قائمة على الوسطية والاعتدال والتكامل والترابط. وبالتالي تمثل الزكاة أساسا مهمّا في التصور الإسلامي لتحقيق إعمار الأرض. ذلك أنّها تنهض بدور مزدوج يقوم على التأثير في عملية الإنتاج وعلاقات التوزيع معا. فهي تسهم في تمويل النشاط التنموي عن طريق استثمار الأموال النامية التي إن لم يتمّ استخدامها في مختلف المشاريع التنموية ستؤول إلى التناقص بإخراج الحقوق الشرعية الثابتة المستحقّة عليها سنويا.

    1/-1 إشكالية الزكاة والتنمية

    لا يختلف اثنان في عالم اليوم، على أنّ تحقيق التنمية الاقتصادية في العالم الإسلامي، أمر حيوي إلى أبعد مدى. ولعلنا لا نبالغ إذا استخدمنا التعبير الذي تهرأ من كثرة الاستخدام، وقلنا إنّ تحقيق التنمية الاقتصادية في العالم الإسلامي مسألة حياة أو موت. فإن نجح العالم الإسلامي في اكتشاف طريق ينتهي بالتقدم الاقتصادي فقد كتبت له الحياة، وإن ضلّ هذا الطريق فقد تردى.

    على أنّ للتنمية الاقتصادية التي نعطيها هذه الأهمية، مفهوما إسلاميا يختلف عن المفهوم الذي ينتشر في الكتابات الغربية أو الشرقية في موضوع التنمية الاقتصادية. إن تحقيق التنمية الاقتصادية بمفهومها الإسلامي وليس بأيّ مفهوم آخر هو الذي يكتب الحياة للعالم الإسلامي.

    2 - مفهوم التنمية في المذاهب الاقتصادية المعاصرة

    إن الكتابات الرأسمالية في هذه النقطة، تدور في جوهرها حول فكرة زيادة متوسط الدخل الفردي. فبعض الكتاب يقتصرون على هذا، وبعضهم يضيف شرط إحداث تغييرات تكنولوجية وتنظيمية في المؤسسات القائمة والتي ستقوم. وعليه فحتى الذين يربطون بين فكرة التنمية وفكرة القضاء على الفقر في الكتابات الرأسمالية يقيسون درجة الفقر والغنى بالدخل الفردي المتوسط.

    أما الكتاب الماركسيون فإنهم يفهمون التنمية الاقتصادية على أنها القضاء على الرأسمالية، والتحول إلى الاشتراكية، بما تعنيه من قضاء على الطبقات. ثم يشاركون الرأسماليين في الحديث عن الدخل الفردي المتوسط كمقياس لتحقيق التنمية الاقتصادية. من هنا ففكرة الزيادة في الدخل الفردي هي القاسم المشترك بين مفاهيم التنمية التي يتبناها الفكر الحديث بجناحيه.

    2/-1 فكرة مضللة

    عند تحقيق النظر في مفهوم الدخل الفردي المتوسط يستبين لنا مدى التضليل الذي تحدثه هذه الفكرة في ميدان التنمية الاقتصادية. فمتوسط الدخل الفردي ربما يرتفع ولا تكون هناك تنمية بأن يسوء التوزيع، أو تتمثل الزيادة في سلع ترفيه أو سلع ضارة بالصحة والعقل. بل قد ينخفض متوسط الدخل الفــردي، ومــع ذلــك تتحقــق تنميــة، كــأن يحــدث ترشيــد للإنتــاج والاستهـــلاك أو تحدث عدالة في التوزيع. لذلك ضرب البعض مثلا لما تمثله فكرة المتوسط المضللة بأنّ من يضع قدما على سطح ملتهب ويضع الأخرى على سطح متجمد فهو في وضع مثالي في المتوسط.

    فالتنمية الاقتصادية بهذا المفهوم ليست هي التي يقصدها الفكر الإسلامي، ويعمل على تحقيقها. وذلك لأنه بما يتسم به من صدق وموضوعية لا يستند إلى التضليل بل يحرص على إيجاد مؤشر صادق وموضوعي على تحقيق التنمية. فالإنسان المعدم لا يستفيد شيئا من الحياة في مجتمع يصل دخله الفردي المتوسط إلى آلاف الدنانير إذا كان لا يصل إليه شيء من هذه الآلاف. فما يهمّه أساسا هو ما يصل إليه فعلا من الدخل القومي، وليس نصيبه في قسمة حسابية يسمع عنها ولا يرى منها شيئا. فإذا توفر لكل فرد في المجتمع قدر مناسب من لوازم العيش والخدمات الحقيقية، كان المجتمع غنيا. على أنّ الغنى في الإسلام ليس هدفا نهائيا، وإنما هو مطلوب لتحقيق الهدف الأساسي من التنمية في الإسلام، ألا وهو إقامة مجتمع المتقين. فلا إسراف ولا تبذير ولا شح ولا تقتير.

    2/-2 مفهوم التنمية في الإسلام

    إن مفهوم التنمية الاقتصادية في الفكر الإسلامي ينصب أساسا على محاولة القضاء على الأسباب التي تؤدي إلى حدوث المشكلة الاقتصادية، التي تحدث عادة من أمرين:

    *- القصور في استخدام الموارد الممنوحة من الله تعالى.

    *- سوء توزيع الناتج بين المواطنين.

    أما سبب المشكلة الاقتصادية كما يراه الفكر الوضعي، وهو ندرة الموارد ولا نهائية الرغبات، فإنّ الفكر الإسلامي لا يقرّ بذلك، إذ هو يرى الموارد في الأرض قادرة على أن تكفي البشر، والرغبات، وعلى المسلم أن لا يخضع لها، وذلك بالاعتدال في الاستهلاك مهما كانت الإمكانيات تسمح به. وعليه فإنّ الإسلام نجده في

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1