Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

Kafaraka. رحلة في ثلاث قارات مدتها 150عام
Kafaraka. رحلة في ثلاث قارات مدتها 150عام
Kafaraka. رحلة في ثلاث قارات مدتها 150عام
Ebook749 pages6 hours

Kafaraka. رحلة في ثلاث قارات مدتها 150عام

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

كفرعكا هي قصة حياة المؤلف. أرجنتيني من أصول لبنانية يعيش في إيطاليا. تتحدث الرواية عن المراحل المختلفة التي مرت بها حياة المؤلف، بدءاً من الطفولة في عائلة ثرية لكنها مقتصدة في المقاطعة الأرجنتينية، إلى التعليم كطالب، إلى الرغبة في تخطي مراحل عديدة بشكل سريع والعيش بشكل مكثف من خلال تحقيق أهداف تدريجية أعلى فأعلى.
غالباً ما تتغير الحياة عن طريقة الصدفة. فمن خلال القراءة عن منحة دراسية في إيطاليا أسرع للحصول عليها ووصل إلى بلدنا وهو يشعر كأنه رائد فضاء على كوكب آخر مقتنعاً أنه بصفته مهاجرًا لديه دائمًا ما يقوم به ويثبته أكثر من غيره، وهذا ما جعله يتمكن من فتح طريقه بفضل هذا الدافع القوي لديه. ويتخلل صفحات هذا الكتاب أيضًا مقطع عرضي لتاريخ الأرجنتين والمجتمع الأرجنتيني خلال العقود الأخيرة.
تنتهي الرواية بالعودة إلى الأصول، رحلة إلى لبنان لاكتشاف الأماكن التي بدأ فيها كل شيء. يرى بداية مشروع عائلته، الذي أوصله إلى إيطاليا، في رحيل جده إلى الأرجنتين حاملاً معه فكرة إعطاء التعليم لإبنه، والد المؤلف، الذي أصبح نائباً فتمكن من بناء مدرسة في بلدة فرنانديز الصغيرة Fernandez.

ترجمة الدكتور شوكت ناصر
Languageالعربية
PublisherYoucanprint
Release dateMay 21, 2021
ISBN9791220339728
Kafaraka. رحلة في ثلاث قارات مدتها 150عام

Related to Kafaraka. رحلة في ثلاث قارات مدتها 150عام

Related ebooks

Related categories

Reviews for Kafaraka. رحلة في ثلاث قارات مدتها 150عام

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    Kafaraka. رحلة في ثلاث قارات مدتها 150عام - JOSE ARIEL CHEEIN

    1 – أيام مختلفة

    من 0 إلى 5 سنوات تتعلم ، ثم تكرر فقط: مثل أرجنتيني يتضمن حقيقة كبيرة تعود الى سلسلة من العادات, أحيانا يومية وتلقائية, نمارسها بشكل عفوي واعتيادي دون ادراكها. واحدة من الأشياء التي علمني هي والدي والمدروجة في حقيبة طفولتي وما زلت أكررها حتى الآن هي طقس القيام بأول فعل في الصباح: وهو أخذ الجريدة التي ألقاها الكانيليتا canillitaفي الحديقة وأقرأ أخبار اليوم أو بالأحرى أخبار اليوم السابق. وان كنا اليوم لا نهتم بذلك, فان القيام بمثل هذا العمل اليومي يعني الاطلاع على أخبار العالم بعد 24 ساعة. وعلمني أيضا أن لا ابدأ بقراءة الجريدة بدءا من صفحاتها الأخيرة التي هي مخصصة للأخبار الرياضية بل من الصفحة الأولى التي هي مخصصة للسياسة الوطنية. وفي الصفحة التي تليها كانت هناك الأخبار الوطنية الأخرى وفي الصفحة الخامسة الأخبار الأجنبية وهكذا تدريجيا الافتتاح ثم التقارير الإخبارية ‏الوطنية والمحلية وإشارات الجنازات والمبيعات وأخيرا الرياضة.

    كان والدي يقرؤ كل شي كتبا من جميع الأنواع ومجلات أسبوعية عندما كان يجدها و جريدة اليوم التي اعتاد على قراءتها على وجه التحديد. وفي بعض الأحيان كانت رفاهية نستمتع بها عندما نحصل على صحيفته من بونس ايرس تصدر من العاصمة الإقليمية سانتياغو ديل استيرو مثل La Nacion أو il Clarin, أو من مناطق أخرى مثل La Voz del interior من قرطبا, المدينة التي درس فيها والدي, أو La Gaceta di Tucumán وهي مدينة هامة تقع على بعد 200 كم منا.

    ‏ عندما ولدت لم يكن هناك من تلفاز حيث دخل بلدتنا حوالي عام 1968 ولم نكن أول من حصل عليه كنت اذهب إلى بيت صديقي لمشاهدة الرسوم المتحركة كانت تبدأ في 6:00 مساءا وكان البث التلفزيوني يبدأ ايضا من الساعة 6:00 مساء إلى منتصف الليل يتخللها في الساعة 8:00 مساء نشرة الأخبار وفي العاشرة الفلم ثم الخاتمه.

    وكانت الرسوم الإلكترونية التي أحببتها هي Tom e Jerry, Porky il maialino, ومن الأرجنتينية هي Hijitus y Anteojitos, او المسلسلات الأمريكية مثل Los tres chiflados, والتي أعتقد أنها لم تصل أبدا إلى إيطاليا او أنه على الأقل لا احد يعرفها: الترجمة الحرفية لها هي i tre marmittoni, مع Joe, Larry e Curtis شخصيات لها.

    كما يحدث كثيرا يتشاجر الأطفال مع بعضهم البعض ولكن في تلك المرة انتقام صديقي كان فظيعا. لم اعد استطيع مشاهدة التلفاز عنده. ولكن أحيانا في حالات الغضب الشديد أو خيبة الأمل قد تبرز أفضل ما لديك والأفضل هنا معيار نسبي اذ انه يعتمد على الرؤية الخاصة لصاحبه.

    كانت عيادة والدي ضمن منزله بجوار المبنى الرئيسي في منطقة خاصة وهو منزل الطفولة الشهير مقابل ساحة ميتري plaza Mitre ومقابل الإله او بالأحرى كنيسة مادونا دل روزاريو Madonna del Rosario. . كانا يعمل طوال النهار صباحا ومساءا وعند العصر كان يأخذ قيلولة دينية.

    وفي اليوم الذي أبعدني فيه صديقي عن منزله عند العصر دون أن يسمح لي برؤية أفلام الكرتون عنده ذهبت إلى عمي ناليب Nallip حيث كان يملك متجرا ضخما لبيع الأجهزة والمعدات في فرنانديز إذ أن المصطلح ferramentaكان مختصرا يعبر عن القليل لما كان في متجره من بضائع متنوعة وعديدة بدءا من مواد ‏البناء كاملة إلى كافة الحاجات المنزلية بما فيها الاجهزة الكهربائية في ذلك الوقت.

    ‏وصلت الى عنده هادئا سكينا وقلت له ياعمي والدي يتحدث عن جلب تلفزيون إلى البيت وتركيبها لانه غير كافي شراء التلفزيون انه ما يحتاج إلى تركيب هوائي ايضا لاستقبال الإشارة.

    عمي قبل الصفقة وهو يدرك أن الطفل البالغ من العمر خمس سنوات ليس لديه القدرة على أن يملك تفويض لإجراء عملية شرائية صعبة في تلك الأيام فوافق على طلبي وبدأ موظفوه Donato Luna وزوجها باتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق طلبي.

    لقد روى لي والدي بعد عدة سنين انه عندما كان يقوم بفحص مرضاه كان يسمع ضوضاء على سطح عيادته لكنه لا يمكنه الذهاب للكشف عنها: لقد كانت عيادته مليئة بالمرضى دائما وزيارته للمريض كانت تستغرق لا يقل عن الساعة الواحدة على الاقل. كان طبيب عام ومعالج نفساني بنفس الوقت والبعض كانوا يزورونه من أجل الحصول على بعض النصائح بشكل عام وخاصة ‏حول ما يتعلق بمستقبل أطفالهم واختيارهم للفروع الدراسية لهم في المدارس وأشياء من هذا القبيل وأخيرا عندما خرج والدي من العيادة وجدني جالسا على الأرض في الغرفة اتناول قطعة من الجبس (وان االجبس لطيب جدا في فرنانديز Fernández) وبنفس الوقت كنت أشاهد tre marmittoni وانا اضحك بحماس ‏وقلت له مرحبا أبي لقد ركب لنا عمي التلفاز والرؤيه جيدة للغاية أعرف والدي جيدا أنه ضحك في داخله وأيضا كون لديه مثل هذا الطفل المغامر الذي يمسك بيده زمام المبادرة. لا أعرف ماذا حدث والدتي مدخرة (محافظة) البيت عني كونها لم تؤنبني وأقصد بالتأنيب هنا كناية فقط كونها في السابق ولفترة طويلة كانت تتطاير في المنزل الشباشب ومناشف المطبخ الرطبة وكانت تستخدم طرق تأديبية أخرى أكثر فعالية لتأديبي. ولا شك في أن أبي بطريقة ما سيدفع ثمن‬ هذا الاستثمار الممتاز.

    كما قلت سابقا كانت الجريدة لفترة طويلة الوسيلة الوحيدة للإطلاع خلال مرحلة طفولتي ولكنها بقيت عادة مستمرة حتى الآن بالنسبة لي متبعا المقولة من الصفر إلى خمس سنوات تتعلم وبعدها تكرر.

    كان عام 1985 عمري 22 عاما وأنا ما زلت استمر بقراءة الجريدة في كل صباح كأمر الله في الأرض (كما الله شاء) ولكنني لم أعد اسكن في فرنانديز Fernández بل كنا قد انتقلنا منذ سنوات عديدة إلى العاصمة الإقليمية Santiago del Estero لانهائي المرحلة الثانوية فيها وفقا لما خططته والدتي لنا حيث يمكننا القول أن هذه الخطة كان خيار استراتيجي في ضوء الدراسات الجامعية لاحقا التي لم تكن اختيارية في نطاق ترتيب العائلة.

    ذات يوم في شهر أيار من ذلك العام وأنا اقرأ جريده المدينة El Liberal و‏من بين جميع الصفحات ومقالاتها وفي وسط ألف من الإعلان المختلفة الأنواع قرأت إعلانا صغيرا وزارة الخارجية الإيطالية تعلن عن دعوة لتقديم الطلبات لمنح 25 منحة دراسية لرؤساء أقسام وفنيين لصيانة آلات الخشب. موقع القنصل الايطالي في سانتياغو ديل ايستيرو .

    هذا كل ما في الأمر, خطين في جريدة محلية صغيرة.

    هذان السطران شدا لي انتباهي ولكن ليس إلى حد اتخاذ قرارات معينة من خلالهما وكانت تسيطر علي دائما افكار عديدة عندما بدات افكر في مضمون ذلك الاعلان مثل دع ذلك فهو ليس من أجلي, من يعلم إلى من يكون موجه هذا الاعلان بالفعل, إني لم اكن في هذه الدرجة من المستوى, ‏لدي الكثير من الأشياء للقيام بها في الوقت الحاضر, عائلتي بحاجة إلي" اضافة الى هذا (لقد مرض والدي في هذه الأثناء) فان الوضع في الوقت الحاضر لا يسمح لي بذلك.

    لقد الهمني القدر ان افعل شيئا غير مألوف: قطعت ذلك الإعلان ووضعه في درج من مكتبي وبدا يتراودني احساس غريب تجاهه ناظرا اليه وكانه ملك لي.

    لقد مضى عامين على ادارتي للنجارة في شركة العائلة ولأسباب ليست دائما مستقيمة وجدت نفسي في العشرين من عمري في شركة البناء شين هيرمانوس ( ‏ Cheein Hermanos), حيث كان والدي شريكاً ومساهما أقلية فيها.

    اتذكر العرض الذي قدمه أبناء عمي لأكثر من مائة عامل وعامل : بدأ من هذا اليوم جوسي Jose هو رئيسا لكم, أتمنى لكم يوما سعيدا فقط لا غير, لم يضيف شيءا آخر على ذلك ولا شك أنني لا أملك الخبرة في ادارة الموظفين أو الخشب أو في الآلات الخشبية أو الخدمات اللوجستية الصناعية وكنت قد شمرت عن ساعدي لأبذل قصارى جهدي كي أحقق الأفضل.

    لقد تحدث الاعلان القصير عن آلات النجارة فكان صدفة لم تتركني غير مبال. تلك القطعة من الجريدة بقيت هناك في المكان الذي وضعتها فيه لبضعة أسابيع وكدت أنساها والحياة تسير على روتينها, كنت اعمل في الصباح والعصر والتحق بالجامعة في المساء لقد كنت مهموكا جدا بما يدور حولي من مسؤليات يترتب علي القيام بها فلم يسمح لي انشغالي أن أقيم جيدا ما كنت افعله ويصدف غالبا أن الروتين يقتل التفكير الاستراتيجي للانسان.

    ‏ذات يوم وكما كان يحدث غالبا في ذلك الوقت وجدت نفسي أتجادل مع أحد أبناء عمى الذين يديرون الشركة وكنت اسمح لنفسي بعدم الموافقة على كيفية إدارتها كونه مضي عامين من وجودي فيها فكنت قد تعلمت أشياء كثيرة داخلها وكان عمري أثناء ذلك 22 عاما كنت في الثانية والعشرين من العمر فقط وكان عمره 42 عاما. كان والدي أصغر الأخوة وقد تزوج في سن الخمسين تقريبا لذلك كان من الطبيعي أن يكون ‏لديه أبناء عمومة اكبر سنا.

    وفي أثناء النقاشات الحادة ولحظات الصراع الديالكتيكي والمرارة وجرح الأنا وإهانة النفس كنت أتوقف والتزم الصمت. الروتين لا يهم, كنت أتوقف. وفي تلك اللحظة وربما أيضا بدافع الرغبة في الانتقام وإعادة الاعتبار تذكرت تلك القطعة من الورق فالتقطها مرة أخرى ونظرت إلى التوقيع عليها وبدأت ابحث عن عنوان القنصل الفخري الإيطالي في سانتياغو ديل استيرو وحددت موعدا معه ثم ذهبت إليه.

    وعند لقائي معه (السيد ديماركو Demarco) نظر الي قائلا: انظر ان كل ما اعرفه عن هذا الأمر هو أنه لدي هذا النموذج لملئه فقط ولكن يجب عليك تقديمه إلى السفارة في بوينس ايرس, حظا سعيدا, حتى ولو.... وتوقف دون أن يقول أي شيء آخر, كان ينظر إلى الأعلى ويفرد ذراعيه وكنت اسال نفسي ماذا يعني ذلك وماذا يريد ان يقول؟ لكني اليوم اتضح لي ما كان يعنيه في ذلك انما في تلك اللحظة لم افهم ماذا كان يعني بذلك.

    ملأت النموذج الذي هو عبارة عن سيرة ذاتية لصاحبه فقط وبدات اعد نفسي للسفر الى بوينس ايرس وفي تلك الأيام كان الذهاب إلى العاصمة يحتاج إلى بعض الترتيبات الخاصة قبل بداية الرحلة. الطائرة كانت مخصصة للأثرياء فقط وبالنسبة للآخرين كانو يضطرون إلى السفر بواسطة الحافلة التي تستغرق 20 ساعة لاجتياز المسافة الفاصلة بين سانتياغو ديل استيرو عن بوينس آيرس والتي قدرها 1300 كيلو متر.

    الله في كل مكان, ولكن مكتبه في بوينس آيرس هكذا نقول نحن الأرجنتينيون من الأقاليم. كان عمري 22 عاما وكنت متأكدا أن تلك الرحلة لم تخيفني. وبالأحرى منذ أن ذهبت الى مقابلة نائب القنصل فما كان علي إلا بانهاء العمل الذي كنت قد بدأته.

    ‏بدأت أعد نفسي للسفر وقمت ببعض الترتيبات بحيث أن أصل إلى بوينس آيرس Buenos Aires في الصباح الباكر ومنها اذهب إلى السفارة الايطالية ثم أغادر في مساء اليوم نفسه وهكذا أكون قد قضيت ليلتين في الحافلة ذهابا وايابا كي لا أنفق مالا في الفندق.

    أثناء الرحلة كانت تتوقف الحافلة بين الحين والآخر في محطات الحمامات وأماكن تناول الطعام خلافا لما هو عليه الحال في أيامنا هذه التي ا تستغرق فيها الرحلة اثنى عشر ساعة دون الحاجة إلى النزول من الحافلة حيث تحتوي ‏ على متنها وجبات الطعام وحمامين وتلفزيون ومضيفات وتخوت للنوم; وهي حوافل مؤلفة من طابقين ضخمين ومريحة للغاية وهذا ما يعتبر خيال في عام 1985 ولو من احد وصف لي في ذلك العام كيف يمكن أن تكون حافلة اليوم لضحكت في وجهه. علما أننا في أيامنا هذه نستطيع انجاز معاملاتنا بواسطة الإيميل او عن طريق تطبيق ما دون الحاجة إلى القيام بالسفر كان عالم آخر يختلف كثيرا عن عالمنا اليوم.

    بعد تلك السفرة المتعبة وصلت السفارة الإيطالية والغريب أثناء ذلك أنهم أعلموني فيها بأن تقديم الوثائق والطلبات لم يكن في القنصلية إنما كان يجب علي الذهاب الى المكتب الثقافي ‏للسفارة والذي يقع في بناء تحفة في أفضل المناطق من بوينس آيرس. وبالرغم من أنه كان ذو جمال خيالي لكنني لم أعطي أهمية لأي شيء آخر في تلك الأثناء. كان يجيب علي تقديم الطلب والعودة إلى البيت بسرعة.

    اقتربت ساعة اللقاء مع الملحق الثقافي, وهو سيد ملتحي كان يبدو كأنه خرج من كتاب Cuore di De Amicis, سلمته طلبي يدا باليد ونظر إلي بابتسامة رافعا يديه كما حصل في السابق مع نائب القنصل في سانتياغو قائلا: لو كنت أنا في مكانك لما قمت بهذه السفرة التي لا فائدة منها ولا جدوى

    ماذا تقول؟

    نحن ملزمون بنشر هذا الاعلان لكننا نعلم جيدا من سيشارك في هذه الدورة هم أبناء السفراء الأجانب في إيطاليا و أقارب القناصل والأشخاص المحسوبين على بعض الشركات الأجنبية التي انفقت ملايين الدولارات على آلات النجارة وانت ليس لديك واحدة من هذه الخصائص أو الميزات فليس لديك أي فرصة أنا آسف جدا. وهذه ما كانت صدمة بالنسبة لي فبقيت جامدا كالصخر أو بالأحرى كالجليد.

    فأجبته بطريقة عملية جدا قائلا: لقد قطعت هذه الرحلة الطويلة بأكملها فأنت خذ طلبي هذا وإذا أردت يمكنك رميه بعد ذهابي من هنا دون أن أرى ذلك. أومأ برأسه وسلمنا على بعضنا البعض وذهبت بعيدا.

    وعند خروجي من عنده بدأت أنظر الى السفارة وأتأمل بهدوء في عظمتها, حقا انها لجميلة ومثيرة للإعجاب. أثناء ذلك كنت أفكر أن كل هذا كان جميلا بالنسبة لي وإنني رأيت بناءا رائعا وان الدردشة مع القنصل كانت ممتعة على الاقل و إنني أعودة إلى المنزل لمتابعة حياتي التي لم تكن في المحصلة مثيرة للاشمئزاز بل على العكس بدأ في الواقع يعجبني ‏ما كنت أقوم به وإن كان مليئ بالصعوبات.

    هذا ما حدث لي في نهاية حزيران من عام 1985.

    لقد نقلت لاهلي كل ما حدث لي في تلك الرحلة ولكني لم أعد أتذكر ما قالوه لي في نهاية الأمر. وعلى كل حال كان هناك جو غريب من حولي كنت اشعر بشيء غريب وإحساس جديد وسحر خاص إني اتذكر هذا وكانني كنت على سحابة ما و‏ربما هي التي جلبت لي القطعة الصغيرة من ذلك الإعلان في الجريدة التي في نهاية الأمر أوحت لي انه هناك طريقا أخرى ممكنة وان العالم لم ينته في تلك البلدة الصغيرة الحارة في شمال الأرجنتين.

    بدأت فترة البرد في مدينتي حيث أن مدتها تقارب الشهرين فقط وذلك بدأ من منتصف حزيران إلى منتصف آب وواصلت عملي في النجارة في مجمع كانديلاريا Candelaria الصناعي (الذي يحمل اسم جدتي لأمي) وكنت اتعلم العمل فيه من عمي خوان معلمي مرشد لي في العمل.

    وكنت قد قضيت في السابق وأنا في سن الرابعة عشر من عمري فترة تدريبية في La Candelaria مع عمي خوان Juan على اعتبار أن والدتي كانت تخشى من أننا سنكبر في ثراء دون إعطاء أي أهمية للعمل ولا شك في أن هذا مفهوم صحيح وحكمة مصيبة إلا أنها كانت تبالغ في الأمر الى حد ما. لقد قضيت صيفا كاملا في العمل مع عمي خوان Juan حيث كان يأتي في السادسة صباحا مع معاونه المقرب له السيد بتاليا Battaglia وهو اسم على مسمى ويصطحبني إلى مكان العمل حيث أمرني ولمدة شهرين بأن أعد البراغي والمسامير الموجودة داخل الصناديق الصناعية وأن اقوم بعملية الجرد المستمرة وبعد أسبوع أدركت بأن هذا النوع من العمل لافائدة منه لأن النتيجة كانت دائما واحدة وهي الرقم 500 وبما أن تلك الصناديق كانت تأتي من المصانع فإن الدقة في العدد كانت متوقعة للغاية.

    وهنا ملكت الجرأة وقلت إلى عمي خوان Juan : عمي خوان بما ان البراغي والمسامير تأتي من المصانع فمن الواضح أن يكون عددها 500 لذلك لا فائدة من عدها والتأكد من صحة عددها.

    فنظر إلي ضاحكا وربت على كتفي بلطف وقال ياجوسي الصغير Josesito هنا نفعل ما أقوله أنا. اليوم لا تفهم قيمة ما تفعله ولكن يوما ما ستتفهمه. للأسف لم يعد بإمكاني أن أقول له ما أريد قوله اليوم لكنني أخطه هنا عمي Juan, كنت على حق, الآن فهمت ما قلته لي وأنا أشكرك على ذلك.

    ولوعدت قليلا الى كانديلاريا La Candelaria لقلت بأن عمي جوان Juan وقف دائما الى جانبي وأنا في سن العشرين من عمري وانه ساعدني كثيرا في بداياتي وأنا كنت سعيدا جدا للعمل معه الى درجة كان فيها أب ثان بالنسبة لي

    لقد كان لدينا نحن المدراء المستعارين أجهزة راديو محمولة وكان أبناء عمومتي هواة للراديو ولقد ركبوا شبكة اتصالات راديو فعالة جدا.

    ذات يوم في أوائل أيلول- بينما كنت في Avenida Roca, وأنا ابحث عن مكان لوقوف السيارة بالقرب من احد مكاتب الشركة واذ من مركز التواصل يقولون لي: جوسيتو (جوسي الصغير) لدي والدتك على الهاتف وسأضعها على الراديو وعندما سمعتها وهي مضطربة قالت لي هذه الكلمات بالضبط: جوزي اتصلت السفارة, يجب أن تكون في إيطاليا في تشرين الأول

    لم أستطيع أن أصدق ذلك, بقيت صامتا لفترة طويلة, وودعت والدتي وبدأت أفكر دون أن افهم ما الذي كان يحدث أثناء ذلك.

    وفي وقت لاحق فقط اكتشفت أصل تلك المعجزة. بعد وصولي إلى إيطاليا اكتشف أن الملحق الثقافي كان على حق: كان هناك 25 مكان ومن ضمنهم 24 مكان موصى به وأنا. وفعلا لقد كانوا جميعا أبناء سفراء وقناصل ووزراء من دول أخرى ومشترين لآلات الخشب. بينما أنا كنت الوحيد الذي لا ينسب الى هذه الفئات, لقد كان محقا ولكن هناك شئ ما حصل لم يكن على نحو ما قاله.

    لماذا كنت بين هؤلاء؟ لماذا اختاروني أنا ولم يختاروا بدلا عني شخص آخر موصى به؟.

    وفي نهاية الدورة كانت قد ولدت الثقة بيني وبين مدير الدورة ,التي خصصت لها المنحة, آلدو Aldo وهو صديق عزيز علي الآن فسألته عن السبب.

    آلدو كيف اخترتني بدلا عن آخر موصى به?

    فقال لي: لا الموصى بهم عددهم 24 أنت لم تأخذ مكان شخص آخر موصى به.

    حسنا, لماذا اخترت طلبي من بين كافة الطلبات ‏الأخرى؟

    قال لي وهو يبتسم ويومئ كما كنت قد اعتدت على مثل هذه الرؤية عند الإيطاليين: جوسي Jose, كان هناك 20,000 طلب وهل تعتقد إنني سأقوم بقراءة كافة تلك السيرالذاتية علما أنه ما يذكرون فيها لا ‬ يتجاوز نصف الحقيقة.

    فأجبته ‏بالطبع لا, وأنا مثلك أيضا لا استطيع قراءتها كلها ولكن أتساءل باستمرار لماذا اخترتني أنا? .

    أجاب آلدو ضاحكا مرة أخرى لأنك كنت الأخير في القائمة.

    2ــ كان زمن آخر... كانت أوقات أخرى

    كانت هناك دعاية للبيرة الأرجنتينية الأكثر شهرة, Quilmes, تقول Eran otros tiempos, , كان زمن آخر. تتحدث عن أحداث وقعت في الثمانينات وخاصة في كرة القدم الأرجنتينية باعتبار أن تصميمها كان بخصوص إحدى بطولات كأس العالم وكانت تقول بما معناه كان زمن آخر, كان تاريخ آخر, لم تكن هناك من جوائز بل كان هناك تعطش للمجد كنا نلعب من أجل حبنا للبلوزة فقط, كما يحدث في ملاعب الكرة الصغيرة كنا نلعب بالكعب والدريبلينك dribbling. فزنا بكأس العالم الأولى مع ماتادور Matador (كيمبس Kempes) وهو يرتدي العلم والناس تهتف, وكانت هناك النثار تملأ أرض الملعب لكل قلب ينبض. وأتى دييغو Diego (وماذا أقول بعد? ) فرأينا الجنة جلب لنا كأس العالم محققا بذلك حلم طفولته (له مقابلة وهو طفل يوضح فيها عن ذلك), ومن‬ كل حلق كان يخرج احساس : Vamos Argentina. الى الأمام ياأرجنتين. لنستمر في الصراخ ولنبقى على يقيننا أننا في النهاية سنحقق النصر أيضا, أننا ندافع عن علمنا ونظهر للعالم بأننا معا نحن قادرون.

    نحن الأرجنتينيون لنا ميزة خاصة, نعيش مباراة كأس القدم ‏كالحرب ‏وخضنا حربا كمباراة كرة القدم. في الثمانينات حدث كثير من الأشياء في الأرجنتين وحدث لي أنا أيضا. كانت سنوات صعبة ولكنها مليئة بالأمل أيضا.

    في عام 1983 انتهت الديكتاتورية التي كانت قد بدأت في عام 1976 بانتخاب راؤول ألفونسين Raúl Alfonsín رئيسا للأرجنتين. كنت في ذلك العام قد بلغت العشرين من عمري وشدني الحماس أثناء ذلك رغبة بقدوم الديمقراطية التي لم أختبرها بعد والتي بدأت في 30 تشرين الأول بانتخاب رئيسا ديمقراطيا حيث كنت أثناء ذلك طالبا في جامعة سانتياغو ديل استيرو الوطنية وأتيحت لي الفرصة لمصافحة الرئيس المستقبلي خلال اجتماعه معنا نحن الطلاب وكان هناك الكثير من الاهتمام والالتزام والمشاركة لقد كان زمن آخر حقا.

    وقبل ذلك في عام 1982 كانت قد أثرت فينا حرب مالفيناس Malvinas بعمق ‏كانت طعنة في القلب. اتذكر اليوم الثاني من نيسان اليوم الذي ذهبنا فيه لاستعادة الجزر حيث كنا نحتفل في الشوارع وكان الناس سعداء: وأخيرا لقد فعلنا شي نفخر به. ولكن أي حرب تحترم تبدأ بفرح وتنتهي بمأساة. وأنا أيضا كان يجب علي أن أشارك في الحرب لكن الرقم 037 انقذني من تلك الصدمة ‏أو ربما من الموت. لقد كان التجنيد الإجباري يبدأ بعد سن ال 18 وكان المولودون في عام 1963 آنذاك هم الذين تم تجهيدهم وارسالهم الى الحرب وليس المحترفين كما كان واضحا ولعدم توفر الأموال الكافية لتجنيد جميع الشبان لارسالهم الى الحرب شرعت الدولة في سحب القرعة لتحديد الأشخاص الذين سيذهبون لخوضها. ونحن الأرجنتيني لدينا رقم البطاقة الشخصية ثابت مدى الحياة وكانوا أثناء القرعة يطابقون الأرقام الثلاثة الأخيرة من الهوية مع رقم ما من الصفر إلى 999 وكانت القرعة تتم عبر البث التلفزيوني لتجنب الغش الذي كان قائما أثناء ذلك وإذا دمجت الهوية مع رقم يتراوح بين الصفر ‏إلى 200 فان صاحبها لن يشمله التجنيد وإذا كان الرقم يتراوح بين 200 الى ال 600 فينتهي الأمر بصاحب الهوية في الجيش البري وإذا كان بين ال 600 وال 800 في سلاح الجو وإذا كان نصيبك رقم أعلى من ال 800 فعليك الخدمة لمدة سنتين في القوات البحرية.

    وهذا النوع من القرعة كان ينتظر أكثر من اليانصيب Gordo de Navidad في نهاية كل عام. كان من حسن حظي أن الأرقام الثلاثة من هويتي 805 متطابقا مع الرقم 037 هذا هو الرقم الذي انقذ حياتي او على الاقل أنقذني من صدمة أصابت العديد من الأولاد الشبان وأدت بهم الى الانتحار.

    لقد شارك في حرب 1982 كل الناس وحتى على الصعيد العملي. كان الجميع سعيدا أيضا ‏في التعاون مع بعضهم البعض. ولكن لسوء الحظ كانت خيبة أمل كبيرة ليس من ناحية النتيجة فقط إنما من ناحية الطريقة الكاذبة التي استخدمتها الحكومة من أجل الاحتفاظ بالسلطة.

    ان نهاية الحرب أدت الى نهاية الحكم العسكري ثم الى انتخابات جديدة. ومنذ عام ‏1983 لم تعد الأرجنتين تشهد بعد دكتاتورية مرة أخرى.

    كانت خطابات ألفونسين Alfonsín قصيرة وجذابه حقا, انه رجل دولة حقيقي, والكثير من شعاراته مع الاسف الشديد لم تتحقق حتى الآن. كان يقول بأن الديموقراطية لا تقتصر على التصويت فقط إنما هي تساعد على الأكل والتعليم وتحقيق العدالة والصحة والنمو كشخص. لقد كان محقا لكن الواقع لا يزال مختلفا تماما. لقد تحقق شعارات أخرى, مثل تلك التي كانت تقول انه لن تكن هناك دكتاتورية بعد اليوم وان المنزل الآن بأمان ويمكننا الاحتفال بذلك.

    في نهاية خطاباته الانتخابية كان يكرر عبارات ينص عليها الدستور الأرجنتيني تعد بالرفاهية والحرية والعدالة ‏ليس فقط للأرجنتينيين ولكن أيضا لجميع الأشخاص ذوي النوايا الحسنة الذين يرغبون في العيش على التراب الأرجنتيني. وهذا ما نجد فيه من بعد للنظر لما نراه في وقتنا الحالي من ميول لبناء جدران وإغلاق الموانئ.

    في عام 1985 العام الذي فزت فيه بالمنحه الدراسية في إيطاليا كنت أعمل أثناءها ‏في لا كانديلاريا La Candelaria, بعد أن عملت لمدة أربع سنوات في أحد البنوك بعد المدرسة الثانوية وكنت ادرس الهندسة وبدأت افهم معنى العيش في ظل الديمقراطية.

    ربما أجد صعوبة في شرح سبب أهمية تلك المنحه بالنسبة لي. ان الوضع الذي كنا نجد فيه أنفسنا داخل الأرجنتين كان صعبا للغاية وبشكل خاص من الناحية الاقتصادية التي كانت تسود الأرجنتين ولذلك كان من خلال المنحة فقط يمكنني التعرف على أوروبا وفي ذلك الوقت كان الذهاب الى اوروبا بالنسبة لي كالرحلة ‏إلى القمر أو المريخ. يكفي أن نقول انه براتب عادي كان يحتاج الأمر إلى ثلاث سنوات من العمل, دون انفاق أي شيء آخر منه, لدفع ثمن‬ تذكرة الطائرة فقط الذي يجب أن نضيف اليه التكاليف الأخرى كالطعام والسكن والتنقلات. وهذا ما كان يعتبر امتياز للأثرياء فقط الذين لا شك أنهم كانوا موجودين في الأرجنتين في ذلك الوقت وان كان عددهم محصورا الا أنه بالنسبة لي لم اكن أعرف أي شخص زار أوروبا أوالولايات المتحدة انذاك. كانت منحة دراسية للذهاب إلى كوكب آخر.

    بعد المكالمة‏الهاتفية مع والدتي التي قالت لي تلك الكلمات البسيطة في شهر تشرين الأول يجب أن تكون في إيطاليا بدأت على الفور القيام في بعض التحضيرات اللازمة قبل موعد السفر لذلك كان من الضروري الذهاب إلى القنصلية للحصول على التاشيرة‬ ولكن لم يكن لدي جواز سفر أثناءها الا أنه ومن خلال بعض المعارف تمكنت من الحصول عليه في وقت حطمت به الرقم القياسي ثم أخذت التأشيرة من القنصلية وأعطتني أيضا العنوان الذي يجب علي الحضور إليه في روما.

    بعد أن فزت بقرعة التجنيد وفوزي أيضا هنا بهذا اليانصيب استطيع أن ‏أقول إن الثمانينات لم تكون سيئة.

    كان كل شيء سريع جدا. حاولت أن أعرف ماذا سأفعل عند وصولي إلى روما لم يكن هناك من إنترنيت ولم اكن أعرف أي شخص قادم منها وان والدي الذي درس اللغة الإيطالية في المدرسة الثانوية كان يقول لي بعض الكلمات فقط مثل: Buongiorno es buendía, buona sera es buenas tardes, y cuando te vas a dormir tienes que decir buonanotte. Pronti , via. Vai pure.

    .صباح الخير, مساء الخير, تصبح على خير, جاهزانطلق, فانطلق.

    بينما والدتي الأكثر برغماتية اتصلت بزوجة ابن عمي خوليو Julio التي هي من أصل إيطالي وكانت مدرسة اللغة الإيطالية

    فأعطتني بعض الدروس الخصوصية ولكن في الحقيقة لم اتعلم الكثير منها فوصلت إلى روما بلغتي الإسبانية فقط.

    والى تلك اللحظة كنت قد قمت برحلة طائرة واحدة فقط من سانتياغو ‏ديل ايستيرو إلى بوينس ايرس ولم تكن لدي أي خبرة في الرحلات الجوية الدولية وان الذهاب إلى مطار Ezeiza الدولي في أوائل الثمانينات كان أحد الأمرين" اما أن تكون مطارد من قبل الدكتاتورية ودفع لك شخص ما ‫كلفة رحلة النجاة أو أنك كنت ذاهب إلى كيب كانافيرال Cape Canaveral في رحلة أجازة إلى المريخ ولديك الكثير من المال, وفي السراء والضراء ‏لم يخصني أي من الاحتمالين.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

    والدي المسكين من خلال تجربته حاول أن يكون مفيدا فأعارني حقيبتين كان يستخدمهما أثناء ذهابه إلى قرطبة Cordoba حيث تخرج من كلية الطب فيها. كلاهما لا يعرف انه في المقاعد من الدرجة الثانية في الطائرة يمكنك الاصطحاب بحقيبة واحدة فقط بوزن لا يتجاوز العشرين كيلو غرام بينما أنا كنت قد وصلت إلى ايزيزا Ezeiza بحقيبتين من الجلد والخشب ثقيلتين جدا حتى عندما تكونان فارغتان فما بالك عندما تكونان مملوئتان لقد كان الأمر شبيه بما كان الحال عليه في عصر عربات الفار ويست. و عند تسجيل الوصول شرحوا لي ما كان واضح أمامهم ونظروا الي كأنني قادم من خارج كوكب الأرض فنصحوني بملء حقيبة واحدة فقط ببعض الأشياء الأساسية اللازمة.

    حسنا, لم يكن لدي سوى 100 دولار ‏في جيبي فقط بل كان لدي القليل من الملابس أيضا لذلك فكرت آنذاك وقلت لنفسي ماذا لو لم تخاطر وأنت في سن 22 متى ستخاطر وهذه في الأصل لم تكن مخاطرة انما كان مجرد اتباع مسار بدأ من فقرة صغيرة في صحيفة محلية وأحد ما كان يوجهني بشكل مباشر نحو الهدف وأنا ما كنت أقوم بأي شيء سوى إني تابعت الأحداث.

    من الناحية الاقتصادية كان الوضع سيئ كما هوالحال عليه غالبا في الأرجنتين وكذلك كان سيء بالنسبة لعائلتي أيضا حيث أن الجيش كان قد أوصلنا إلى حالة الانهيار. كان لوالدي معاش تقاعدي كنائب في البرلمان وكان الجيش يعتبره بمثابة امتيازا لوالدي ولا من حق له في ذلك فاستولى عليه وحرمنا منه. صحيح أن الديمقراطية عادت ولكن إصلاح المظالم يستغرق وقتا. وهكذا وجدت نفسي في رحلة إلى المريخ ومعي ‏100 دولار في جيبي. وعمليا كان آخر راتب لي.

    خلال تلك الفترة القصيرة بين المكالمة الهاتفية من السفارة وتاريخ المغادرة ولد عندي في بعض الأحيان تردد كبير حول المغادرة وكانت ملامحي وتصرفاتي تعكس أحيانا شدة هذا التردد. وفي احدى المرات بينما كنت أواصل عملي في ورشة النجارة سالني رئيس المصنع لماذا أنت قليل الكلام فأجبته لدي بعض الشكوك حول سفري كوني لا أدري ما إذا كنت قد احسنت الخيار أم لا وفي الحقيقة لم يكن وضعي هنا سيئ إلى هذه الدرجة: فلماذا أغامر بكل شيء من اجل السفر? وهذا الشخص خبير فني شاطر ومن أصل متواضع بدأ يروي لي قصة صغيرة: جوسي, الفرص التي تقدمها لك الحياة كالسيدة العجوز التي تقترب منك. تراها قادمة وهي كثيفة الشعر, والقرار يعود لك, اما أن تأخذها بعين الاعتبار وتمسكها أو تتركها في حال سبيلها. أما من الخلف فهي أصلع, انتبه; بعد مرورها لن تستطيع أن تأخذها بعد. تلك الدقائق العشرة من الحديث مع شخص لم أتوقع منه نصيحة جعلتني أقرر القيام بالتجربة.

    لقد كانت مرحلة منورة كان يبدو لكل شيء فيها معنى وتفسير كله كان مكتوب ‏في جهة ما كأنها نسخة مخبأة او نص مخفي ظهر في اللحظة المناسبة كان كل شيء غريب وكل شي تدريجي انها سلسلة من الأحداث المنفصله ربطتها تلك القصة مع بعضها البعض بنقاط جعلت الحبكة واضحة.

    في بعض الأحيان لا استطيع فهم الحاضر كله وأسأل نفسي هل هذا كل شيء? هل هذا كل ما في الأمر? ‏وهل انتهى الأمر هكذا? من الضروري أن تكون ثاقبا كي تفهم أن الحاضر ليس له من معنى بدون ماض وبدون رؤية مستقبلية. في الوقت الحاضر أستعيد الماضي المليء بالاكتشافات. ربما يكون اكتشاف الماضي كله شرطا أساسيا للحصول على رؤية واضحة للمستقبل.

    اليوم كل شيء غائم وغير واضح, في ربيع الأرجنتين من عام 1985 كانت الامور تسير بسلاسة وبسرعة نحو وجهة واضحة. لم تكن هناك طريقة لمعارضة هذا القطار الذي كان يسير قويا وسريعا وحازم مجزوب من قوة جبارة. الحياة دائما هي الأقوى وتسعى جاهدة لفرض كلمتها بقوة. الحياة تفوز دائما. الحياة قوية ولا يمكن إيقافها. الحياة تقرر دائما الأفضل, حتى عندما نعتقد أننا غير محظوظين في مواجهة حدث غير مفهوم في تلك اللحظة. الحياة لها منطقها الخاص.

    أنها ليست مسألة استحقاقات أوعيوب وليست مسألة أن تكون قديسا أو شيطان ولا حتى أن تكون ذكيا أو غبيا. حتى ولا هي حظ أو سوء حظ. لا توجد الصدفة, هناك خيارات. الحياة تطرح عليك بعض الأسئلة, ويعتمد عليك كيف تجيب على تلك الأسئلة وكيف تجيب على مفترقات الطرق التي تظهر لك بين الحين والآخر الحياة تفسر الإجابات وتوجهنا الحياة لا تخطئ أبدا.

    كما كان يقول رئيس ورشة النجارة ,انتبه, العجوز المشعرة من الخلف أصلع، يجب أن نتقبل من خلال التفسير الجيد ما تطرحه الحياة علينا. إذا فزت اليانصيب ورفضت الحصول على الجائزة ربما كونها لم تكن هي ما تريده أنت فان الحياة تستعيد كل شيء مع ضريبته. اتباع الأمواج كراكب الأمواج, اتباع خيارات الحياة كما تأتينا على طبيعتها, عدم إضاعة الفرص التي تنفتح أمامنا, اعطاء القدر فرصتة ‏دائما يجب اتخاذ الوضعيات الصحيحة للإبحار في بحر الحياة الذي يكون أحيانا عاصفا وأحيانا أخرى هادئا ولكن كما قلت في السابق الحياة لا تخطئ أبدا.

    وعندما أنهيت تسجيل الوصول وعبرت حقيبتي الوحيدة الفارغة تقريبا كنت جاهزا للانطلاق بالصاروخ الذي سيأخذني إلى المريخ.

    Ezeiza كانت هي كيب كانافيرال Cape Canaveral.

    الصاروخ كان شركة النقل الايطالية Alitalia.

    كنت أشعر أنني نيل آرمسترونغ Neil Armstrong.

    الحياة لا تخطئ أبدا... نأمل ذلك, هكذا كنت أفكر.

    3 ــ داخل سفينة الفضاء

    ‏انتيوخيتو Anteojito كان طفلا يبلغ من العمر 8 سنوات وكان يضع أنتيوخيوس anteojos كبيرة (نظارات أخذ اسمه منها) حيث أنه هادئ جدا وذكي للغاية وكان يعيش مع عمه أنتفاز Antifaz. كان ابن عم هيخيتوس Hijitus وصديق كالكولين Calculin كان شعار انتيوخيتوس Anteojitos هو Intrigulis-Chingulis uh uh uh الذي كان ‏يكرره عندما كان يريد أن يجد حلا لمصيبة ما.

    Hijitus كان يرتدي قبعة على شكل الفطر ويعيش في منزل على شكل الانبوب, وكان فقيرا, لكن قبعته كانت تملك قوى سحرية خارقة. Calculin كان طفل ذكيا جدا ومثابرا وكان عبقريا مبكرا يقوم بإجراء الحسابات بسرعة كبيرة وكان لديه رأس مفتوح على شكل كتاب ونظارة سميكة ‏ومريلة تلميذ أرجنتيني بيضاء. بيشيشوس Pichichus كان الكلب الأمين المخلص ل Hijitus. وكانت بروخيا كاشافاكا La bruja Cachavaca ساحرة تفعل الشر في بلدة ترولالا Trulala وكانت العدو اللدود ل .Hijitus

    Hijitus كان لديه أصدقاء اواكي Oaky ولارغويروشو Larguirucho كان لديه الشعور بالصداقة والعدالة والتضامن وكانت قبعته السحريه تحوله إلى سوبر Hijitus بكلماته السحريه Sombrero, sombrerito, conviérteme en super Hijitus ويصبح غير قابل للتدمير ويمكنه أن يطير. كان يستضدم مع الاشرار مثل البروفسور نيوروس. Neurus.

    Oaky صديق Hijitus وابن عم أغنى وأقوى رجل في بلدة.Trulala كان اسم والد Oaky هو الذهب الفضي. .Gold Silver Oaky كان لا يزال يستخدم الحفاضات ولكن لديه مسدسين كان شعاره Tiro, lio y costa golda (أنا اطلق, أنا أحدثت فوضى, ويصبح الأمر كبيرا) انه طفل فظ ومدلل مما يدفعه أيضا إلى التحالف مع الاشرار. ولكن في الحقيقة Oaky لديه ‏قلب طيب وشجاع للغاية بالنسبة إلى عمره.

    Larguirucho واحد من عصابة Hijitus لكنه في بعض الأحيان يشارك في خطط Neurus الشريرة دون أن يكون على علم بها. أنه صديق جيد ولكن لديه قليل من الذكاء للتمييز بين الخير والشر. العبارة التي يستخدمها عندما ينادونه هي ‏Blà mà fuete, que no te escucho باللغة الإسبانية غير المكتملة وهي تعني تكلم بصوت أعلى كي أسمعك وقد تبنى طفلا يتيما شديد الإشكالية ووقحا اسمه .Raimundo

    البروفيسور Neurus هو الشرير في البلدة. إنه عالم مجنون وهدفه هو الاستيلاء على السلطة في .Trulala يترأس عصابة ومن ضمنها Pucho ولديه دائما سيجارة في فمه, Serrucho الذي لا يتكلم ويصدر ضجة شبيهة بصوت منشار مستخدما يديه على أسنانه ويعتبر الآخرين غير أذكياء ويكرر دائما Cállate, retonto حيث أن شكله يبقى في الذاكرة كموزع للمسروقات Uno para ti, dos para mí, otro para ti, diez para mí, otro mas para ti, todoooo para mí.

    قضيت طفولتي بين هذه الشخصيات التي ابتكرها مانويل جارسيا فيري Manuel Garcia Ferrè كان عنوان هذه القصة مغامرات Hijitus Le avventure di وأعتقد انه انجح رسم كاريكاتوري تم أنشائه في الأرجنتين وفي داخل هذه القصة كانت هناك كل مكونات احلام الطفولة وليس هذا فقط.

    قصة أخرى كان لها أثر كبير في طفولتي هي رحلات أبولو Apollo وبشكل خاص أبولو 11 مع نيل أرمسترونج الذي كان أول رجل ‏يضع قدميه على القمر في عام 1969 هذه هي خطوة صغيرة لرجل, قفزة عملاقة للبشرية. كانت تدهشني قصة رجل عادي مثل نيل كيف استطاع بالدراسة والتضحيه أن يصبح بطلا للإنسانية. كل حلم أصبح ممكن ولم تكن هناك من حدود للخيال.

    ربما ‏كان هيخيتوس Hijitus ونيل أرمسترونج Neil Armstrong بالإضافة إلى قصة الهجرة لجدي خوليو Julio قد دفعوني دائما إلى أن أحلم بفعل أشياء استثنائية ومثيرة وخارجة عن المألوف وعن ما اعتدنا ان نسمعه وعن ما يعتبر ان ما نقوم به هو الصحيح من أجل الحصول على حياة هادئه. أعتقد انه داخل هذه السلسلة من الأفكار يمكننا ادراج الإجابة على قراءة فقرة إعلان صغير ‏من جريدة ما.

    القيام بشيئ استثنائي وغير مألوف

    االقيام بشيء تفتخر به

    القيام بشيء تنال الإعجاب به

    وهل هذا من تفكير طفولي? نعم, أكيد. نرجسي? هكذا يقولون.

    ما هو أكيد هو أنها بالتأكيد قوة دافعة لا تصدق

    في خيالي الطفولي وجدت نفسي وأنا في الثانية والعشرين من عمري داخل مركبة أليتاليا Alitalia الفضائية جاهز للانطلاق من ايزيزا - Ezeiza كيب كانافيرال - Cape Canaveral يا له من أمر بسيط, يا له من أم جنوني, يا له من أمرغريب.

    في كثير من الأحيان هذا الموقف الطفولي تحول الى فخ وليس من الحكمة البقاء متمسكا بالتخيلات الطفلولية التي سيطرت على عقلي وتفكيري لفترة طويلة, لسنين عديدة.

    في ذلك الشهر من تشرين الأول من عام 1985 كنت في اوج المثالية ولكنني خلافا لهيخيتوس Hijitus لم يكن لدي قبعة سحرية وعلى عكس أرمسترونج Armstrong لم أتدرب كرائك فضاء او حتى كراكب (كمسافر) بسيط على متن طائرة عابرة للقارات. لم يكن هناك إنترنيت ولم يكن بالامكان مشاهدة التلفزيونات الدولية إلا من قبل نخبة معينة ولم نكن نعرف شيئا تقريبا عما كان يحدث خارج الأرجنتين. وبالنسبة للشباب الأرجنتينيين كان حلما حقيقيا لهم أن يتعرفون على أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية, وكان ذلك امتياز للقلة وحلم للجميع, في ذلك الوقت كان أولائك الذين يغادرون الحدود الأرجنتينية هم على الأغلبية الساحقة من بوينس آيرس الذين يسمون بالبورتنيوس porteños وهم متعجرفون بطريقة لا مثيل لها على وجه هذا الكوكب ‏وبفضلهم حصلنا (وما زلنا نحصل) على سمعة سيئة في جميع أنحاء امريكا اللاتينية ولذلك في داخل تلك المركبة الفضائية كان هناك إيطاليون وبورتنيوس. والشكر لله كان بجواري رجل

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1