Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

من نسل آدم وحواء
من نسل آدم وحواء
من نسل آدم وحواء
Ebook431 pages2 hours

من نسل آدم وحواء

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

عندما عَشِقتُها كان يفوحُ منها  سحر حواء.. وعندما هوَيتهُ كان يرتدي ثوبًا أبيض منسوجًا  مِن نسلِ آدم. سحرَتني بسواد شعرها.. وجعلَتني أعشقُها إلى حدِّ العَمى... أنسَتني بيتي وعَشيرتي وسُلطتي وعَرشي.. فجعلتُها ملكةً تسكنُ بين أضلُعِ صدري. أخذني بشهامته  إلى عالَمٍ لا تراه سوى عينيَّ.. فتبعتُه بلا شعور حتَّى وجدتُّ نفسي أسكُن في جنَّة صدره وأتنعَّمُ بنعيمِ حُبِّه.. إلى أن أخذَتنا أقدامُنا إلى  تلك الشجرة الملعونة التي قطَفنا من  ثِمارها وحلَّت علينا اللَّعنة.. سقطَت قلوبنا منَ السماء السَّابعة إلى وحلِ الأرض.. أصبح حبُّنا أضعف أمام لعنةِ الثَّمرةِ التي جعلَتنا نفترق.. ونُفارق مَن نُحبُّ.
Languageالعربية
Release dateMar 29, 2024
ISBN9789948762348
من نسل آدم وحواء

Related to من نسل آدم وحواء

Related ebooks

Reviews for من نسل آدم وحواء

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    من نسل آدم وحواء - عمران محمد

    من نسل آدم وحواء

    عمران محمد

    Austin Macauley Publishers

    من نسل آدم وحواء

    الإهداء

    حقوق النشر©

    الفصل الأوَّل

    وللبحرِ ذِكرَى

    رحلةٌ إلى المَاضِي

    في قلبِي آدمُ

    في قلبي حوَّاءُ

    فراق وألم

    الفصل الثَّاني

    قيامُ اتِّحاد دولة الإمارات

    حلمٌ أم حقيقة؟!

    ليلتِي

    يومُ ولادتِي

    الفصل الثَّالِث

    أنتُم في قلبي

    الجارُ المَجهولُ

    ليلةُ الخميسِ

    أنا حَمَد

    خيبة فرح

    لقاءٌ آخر

    بَحلَم بك

    زفافُ خليل

    رسائِل مِن القلبِ إلى..

    عزيز وحمد

    كَلِمةُ القدر

    الفَصلُ الأخير

    عائلةُ فاطمة

    قدري عزيز

    رسالةٌ في ليلة زفاف

    رسالتي الأخيرة

    شهرُ العسلِ في القاهِرة

    أَحداثٌ فِي الشَّارِقة

    الجامعة الأمريكيَّة – القاهِرة

    في ساحةِ المَدرسة

    المُواجَهة

    حبٌّ ونار

    عودَة

    المُلازم أوَّل حمد

    جريدةُ الخليج

    قناعةُ القلب

    حنين بنت خديجة

    سوفَ أرتدي الأبيض

    لن أتنازلَ عَن قلبي

    ابقَ من أجلهِ

    سقطَ قلبي

    عدتُ طفلة

    نهايةُ مروان

    هل مِن فرصةٍ أخيرة؟

    وردةٌ أخيرة

    سوف يظهرُ الحقُّ

    لن أُسامحكَ

    سقوطُ آدم

    غزوُ الكويت

    لندن – حفل فنَّان العرب

    الإهداء

    إلى أُمِّي..

    قلبي النابض في هذهِ الحياة.. ريحانةُ قلبي.. جنَّتي في الأرض!

    وأَسألُ اللهَ أن يجمعَني بها في جَنَّةِ السَّماء..

    أُمِّي العزيزة:

    دامَكِ الله لي ولقلبي..

    حقوق النشر©

    عمران محمَّد2024

    يمتلك عمران محمَّد الحق كمؤلف لهذا العمل، وفقًا للقانون الاتحادي رقم (7) لدولة الإمارات العربية المتحدة، لسنة 2002 م، في شأن حقوق المؤلف والحقوق المجاورة.

    جميع الحقوق محفوظة

    لا يحق إعادة إنتاج أي جزء من هذا الكتاب، أو تخزينه، أو نقله، أو نسخه بأي وسيلة ممكنة؛ سواء كانت إلكترونية، أو ميكانيكية، أو نسخة تصويرية، أو تسجيلية، أو غير ذلك دون الحصول على إذن مسبق من الناشرين.

    أي شخص يرتكب أي فعل غير مصرح به في سياق المذكور أعلاه، قد يكون عرضة للمقاضاة القانونية والمطالبات المدنية بالتعويض عن الأضرار.

    الرقم الدولي الموحد للكتاب 9789948762355 (غلاف ورقي)

    الرقم الدولي الموحد للكتاب 9789948762348 (كتاب إلكتروني)

    رقم الطلب:MC-10-01-8853501

    التصنيف العمري:E

    تم تصنيف وتحديد الفئة العمرية الَّتي تلائم محتوى الكتب وفقًا لنظام التصنيف العمري الصادر عن وزارة الثقافة والشباب.

    الطبعة الأولى: 2024

    أوستن ماكولي للنشر م. م. ح

    مدينة الشارقة للنشر

    صندوق بريد [519201]

    الشارقة، الإمارات العربية المتحدة

    www.austinmacauley.ae

    +971 655 95 202

    جميع المعلومات من فيديو على قناة الأرشيف والمكتبة الوطنية، اسمه (قيام دولة الامارات).

    الفصل الأوَّل

    البداية

    كلٌّ منَّا يمتلكُ في ذاكرته العتيقة ذكرياتٍ رُبَّما تكون سعيدة أو تعيسة، في تلك الأماكن الَّتي دُفِنَت فيها ذكرياتُ الماضي.. وعندما نعودُ إليها يجتمعُ الماضي بالحاضر، وتدبُّ فينا نسائمُ الماضي والحنين إلى تلك الذِّكريات الَّتي جعلَتْنا نبكي ونبتسم، إلى تلك الذِّكريَاتِ الَّتي أصبحت اليوم راسخةً في شريط تلك الذَّاكِرة العتيقة، وتبقى الذِّكرى في الأذهان مُعلَّقةً، وفي القلوب مُحقَّقةً، ونبقَى نحنُ من نسلِ آدمٍ وحوَّاء.

    وللبحرِ ذِكرَى

    (1)

    كانَت والدتي حوَّاء جالسةً على شاطئ البحرِ تتأمَّل أمواجَ البحر الَّتي تمتدُّ بالمدِّ، وتنخفضُ بالجزرِ، ورائحةُ البحر تفوحُ وتتسلَّلُ إلى أنفها، تستنشقُ الهواءَ النقيَّ الَّذي تسلَّل إليها وبدأَ يسري في وريدِها، وهي تغمضُ عينَيها وَتحاولُ أن تحبسَ الهواءَ النقيَّ في جسدها.. إنَّها تشعرُ بالرَّاحة والطمأنينة والسلام، وأخيرًا! قضت حياتها السَّابقة بحرقةٍ وكسرٍ وظُلم، وآنَ الأوانُ أن تتنفَّسَ بحريَّة وراحة؛ انفكت كُلُّ القيود، وأصبحَتِ اليوم حُرَّة نفسها، كُلَّ أحلامها الصعبة تحقَّقَت، كُلُّ جروحها وآلامها طابَت، إنَّها تشعرُ بنشوة الانتصار على تلك الحياة القاسيَة، قضَت سنينًا طويلة وهي في صراع دائمٍ مع تلك الحياة، أمَّا اليوم؛ فالحياةُ ترفعُ الرَّايةَ البيضاءَ أمامَ والدتِي حوَّاء وتُعلنُ الاستسلامَ أمام صمودها الَّذي فاقَ كُلَّ التوقُّعات، انتهَتِ الحربُ بين والدتي والحياة، وانتصرَت حوَّاء، والحياةُ انكسرَت وانهزمَت، وهذا البحرُ الَّذي تجلسُ على شاطئه اليوم وهي ترسمُ على شفتَيها ابتسامةَ الفرحِ والانتصار، هذا البحرُ حملَ معَها همومًا ثقيلةً وجروحًا عميقةً وأحزانًا كثيرةً، أمَّا اليوم؛ البحرُ كذلك يشهدُ على انتصارِ تلك المرأة الَّتي تجلسُ على شاطئهِ، ويعلمُ كم تحملُ لمشهدهِ ذكريات كثيرة!

    رحلةٌ إلى المَاضِي

    (2)

    في ستينيَّاتِ القرنِ الماضي – دُبي..

    كانَت والدتي حوَّاء شابَّةً في سنِّ السَّابعةَ عشرَ عامًا، كانَت عندَما تتملَّلُ من كآبةِ المنزل تأتي إلى البحرِ وتجلس على رمالِ الشَّاطئِ وتتلطَّخُ عباءَتُها السَّوداء برمال الشَّاطئ المُتلطخة بمياهِ البحر المالحة، تتنفَّسُ شهيقًا وزفيرًا، تحاولُ أن تنسى همومَها وكوابيسها وحياتها التعيسة، تحاولُ أن تنسى والدتَها التعيسة مديّة، وتحاولُ نسيان شقيقتها خديجة الَّتي أُصيبَتْ بالجنونِ من طفولتِها، وتحاولُ أن تنسى أنَّهُ بسببِ شقيقتها المجنونة خديجة ماتَ والدُها عُثمان غرقًا في البحر، استرجعَت تلكَ الذِّكرى المُؤلمة بينَما نزلَت على وجنتَيها دمعةٌ حارقة؛ ففي تلك اللَّيلةِ المشؤومةِ، استيقظَت جدَّتِي مديّة من نومِها بسببِ حلقِها الَّذي جفَّ من العطشِ، وخرجَت من غرفتِها قاصدةً المطبخَ، وذهبَت إلى المطبخِ وبلَّلَت حلقَها، وروَت عطشَها بالماءِ، ومن ثمَّ اتَّجهَت إلى غُرفتِها مُجدّدًا لتعودَ إلى النَّوم.. توقَّفَت للحظةٍ عن المشي، تصلَّبَت في مكانِها، اتَّسعَت عيناها مِن الدَّهشةِ وهي تنظرُ إلى باب المنزلِ وهو مُشرعٌ، قالَت بصوتٍ خافتٍ: خديجة.. لكن كانَتِ الصَّرخةُ في قلبها أعلى، اتَّجهَت إلى غرفت والدتِي حوَّاء الَّتي ترقدُ في نفس الغُرفة بجانب خالَتي خديجة، دخلَت الغُرفةَ وهي تدفعُ البابَ بقوَّةٍ، كادَت أن تخلعَ البابَ من مكانِه.. استيقظَت والدتِي حوَّاء مفزوعةً، وعندَ دخول جدَّتِي مديّة اتَّجهَت نظراتُها إلى سرير ابنتِها خديجة، فوجدَت فرشتَها خالية، سقطَت أرضًا وبدأَت تصرخُ بعلو صوتها:

    خديجة، ضاعَت من بين يديَّ خديجة، خرجَت من المنزلِ خديجة..

    ذهبَت والدتِي حوَّاء مُهرولةً لوالدها (عثمان)، بينَما كانَت جدَّتي مديّة تواصلُ نواحَها على ابنتها المجنونة خديجة الَّتي خرجت من المنزلِ ليلًا ولا تعلَمُ أينَ تكون الآن! ذهبَت والدتي حوَّاء إلى سريرِ والدها الَّذي استيقظَ من نومِه مفزوعًا بسببِ نواح زوجتِه مديّة، جلسَت والدتِي حوَّاء على ركبتيها أمامَ والدها وهي تلهثُ، وهو ينظرُ إليها وينتظرُها أن تتفوَّهَ بكلمةٍ واحدةٍ وتخبرهُ عن المصيبة الَّتي حلَّت عليهم في هذهِ الليلة، فقالَت أخيرًا وتفوَّهَت:

    والدي، النَّجدة!

    ما الَّذي حصلَ؟

    خديجة خرجَت من المنزل، وليسَ لها أيُّ أثر!

    خرجَ جدِّي عثمان يبحثُ عن ابنته خديجة، وهو يحملُ في يديه فانوسًا يجولُ في الظَّلامِ بين البيوت والأزقَّة، وهو يُنادي بعلو صوته:

    خديجة، خديجة أينَ أنتِ يا بنتي؟!

    لكن بلا جدوي، خرجَ الجيرانُ من منازلهم لينظروا من هو المنادي الَّذي يُنادي بأعلى صوتِه على خديجة في ذلك الوقت من اللَّيلِ، وقفَ جدّي عثمان في مكانِه، شعرَ للحظةٍ وكأنَّ قلبهُ حدَّثَه ودلَّهُ على مكان ابنته خديجة، فوجدَ خطواتهِ تسير نحو البحر، اقتربَ من البحر أكثَر فأكثَر، وإلى أن وجدَ فتاةً عاريةَ الأرجلِ، وشعرُها مشعثٌ، وثيابُها مليئة برمالِ الشَّاطئ، جالسة على الشَّاطِئ وهي تضمُّ رجلَيها إلى صدرها، وعيناها تراقبان مشهدَ الأمواجِ العالية الَّتي كانَت تصلُ إلى رجلَيها، وتلامسها تلك المياه الباردة.. اقتربَ منها جدِّي عثمان وهو يضعُ الفانوسَ أمامَ وجهِه لكي يراها، اقتربَ منها وناداها:

    خديجة، أنتِ هنا!

    التفتَت لترَى صاحبَ الصَّوت، وإذ بها تقفزُ من مكانِها وتجري قاصدةً الهرب من والدِها، لكنَّها قصدَتِ البحرَ، اتَّجهَت إلى البحر وهي تجري بسُرعة إلى أن وصلَت إلى منتصفِ البحرِ، وجدّي عثمان لا يُجيدُ السباحةَ ويخافُ من البحر، كانَ يقفُ وهو يرى البحرَ وأمواجهُ المتضاربة، ويرى ابنتهُ خديجة تغرقُ في ذلك البحرِ وتسحبُها الأمواج وتأخذُها إلى الأعماق.. في تلك اللَّحظةِ استرجعَ مشهدَهُ مع والده، في طفولتِه كادَ أن يغرقَ ويموتَ وهو يتعلَّمُ الغوصَ مع والده في البحر، ومن ذلك اليوم وهو يكره البحرَ، عندَما رآها جدّي عثمان وقد وصلَت إلى منتصفِ البحرِ والأمواج تسحبها أكثَر وأكثَر، وقعَ الفانوسُ من يديه، وأغمضَ عينيهِ لحظتها وقالَ:

    يا ألله، نجِّي ابنتي!

    رفعَ ثوبَه وذهبَ مهرولًا للبحر، في لحظتها نسي أنَّه لا يُجيد السباحة، تلاشَت مخاوفهُ من البحرِ، مشهد غرق ابنتِه جعلَهُ ينسى حتَّى نفسَهُ، في هذهِ اللَّحظة يجبُ عليه أن يُنجي فلذةَ كبدِه، ابنته خديجة، أو سوف يموتُ في كُلِّ لحظةٍ من حياته الباقية وهو يتذكَّرُ ذلك المشهد، مشهد غرقها.. ذهبَ إلى البحرِ إلى أن وصلَ إليها وأمسكَ بها، وبدأ يشدُّها إلى خارج البحرِ، وهيَ كذلك تحاولُ الهروب منهُ إلى خارج البحرِ، اقتربَت خديجة من حبلِ النجاةِ وكادَت أن تصل إلى الشاطئ، لكنَّ جدّي عثمانَ سحبَتْهُ الأمواجُ إلى مُنتصفِ البحرِ مُجدَّدًا، حاولَ جهدهُ أن يصلَ إلى خديجة الَّتي كانَت تنظرُ إليه وهي تبتسمُ، هي لا تُدركُ أنَّهُ يغرقُ، بل هي تبتسمُ لأنَّهُ أصبحَ بعيدًا عنها ولا يمكنهُ الإمساك بها مُجدَّدًا، أصبحَتِ الأمواجُ تسحبُ جدّي عثمان إلى قاعِ البحر، وهو يُقاومُ في محاولاتٍ مُستميتةٍ بأن يطفو إلى سطحِ البحر، لكنَّهُ ابتلعَ كمية كبيرة من المياه المالحة، وتلاشت أنفاسُه في قاع البحر، إلى أن فارقَ الحياةَ غرقًا.

    تزاحمَ المنزلُ بالمُعزِّين، والنساء اللَّاتي أتيْنَ ليواسينَ جدَّتِي الأرملة مديّة، كانَت والدتي حوَّاء جالسةً بين المُعزِّيات شاردة الذِّهنِ والبال، ومكسورة القلب، مفجوعةً على رحيل والدها المُفجع.. كانَ يمرُّ في ذاكرتِها ذلك المشهد، مشهد آدم وهو يُخرِجُ جثَّةَ والدِها عثمان من البحر، آدم هو الرَّجلُ الوحيد الَّذي دقَّ لهُ قلبُها، وهو الوحيد الَّذي تمكَّنَ من الحصولِ إلى جثَّةِ والدِها، وهو الوحيد الَّذي يشعرُ بكسرِها وضعفِها بعدَ رحيلِ والدها عنها؛ لأنَّهُ يعشقُها، ويُقاسمها قلبَها، ليشعرَ بحزنِها، ويفرح لِفرحها.

    في قلبِي آدمُ

    (3)

    آدم ابنُ أكبَر تاجر ذهبٍ في دبي: محمَّد بن سيف، علاقتُه قويَّة جدًّا بتُجَّار الذَّهب من الهند والبحرين وبقيَّةِ دولِ الخليج، عُرف بتجارتهِ ومالِه الوفير وثروته العظيمة، ترعرعَ ولداهُ آدم وأحمد تحتَ يديهِ، تعلَّمَا التِّجارةَ من والدهما على أصولها، آدم وأحمد تختلفُ شخصيَّتاهما عن بعضٍ؛ أحمدُ يتملَّكهُ الغرور دائمًا، يتباهى بوالده وثروة والده العظيمة، لا يتعاطَى مع أصحابِ الطَّبقات المتوسِّطة؛ إذ يراهم أقلَّ شأنًا منه، فكيف سيختلطُ بهم وهو ابن أكبَرِ تُجَّار الذَّهب في دبي، مُحمَّد بن سيف؟! أمَّا آدمُ فيمتلكُ شخصيَّة اجتماعية، يتحلَّى بصفاتٍ جميلةٍ، كالعطف والحنان والرأفة، يُحبُّ الخيرَ للغيرِ قبلَ نفسه، لكنَّ والدَه وشقيقه أحمد كانَا يقطعان علاقاتِه بأصحابه الَّذين كانَا ينظران إليهم بأنَّهم أقلُّ منه ومنهما شأنًا، كانَ يريد مُحمَّد بن سيف أن يجعلَ آدمَ، ابنهُ الأكبَر نسخةً ثانيةً من أحمدَ، ابنه الأصغر، لكنَّهُ فشلَ؛ فآدم أبى أن يتخلَّى عن شخصيَّتهُ الَّتي أحبَّهُ بها النَّاسُ ويصبح إنسانًا عُنصريًّا يتعاملُ مع النَّاسِ بفوقيَّة، كانَ يُدركُ أنَّ لا فرقَ بينَهُ وبينهم، أحبَّهُ النَّاسُ وتوسَّطَ قلوبهم، ومِن بين كُلّ النَّاسِ حوَّاء؛ وحدها هي الَّتي توسَّطَت قلبَ آدم.

    في تلك اللَّيلة الَّتي وقعَ فيها جدِّي عُثمانُ طريحَ الفِراشِ، بسبب الحُمَّى الشديدة الَّتي أصيبَ بها، كانت جدَّتي مديّة جالسةً فوقَ رأسه، تضعُ فوق رأسهِ قماشة مبلولةً بالماء لكي تنخفضَ حرارتُه، لكن بلا جدوى، كانَت تقرأُ عليه القرآن، وتُكثرُ من الأدعيةِ، وتطلبُ من اللهِ أن يشفيهِ ويُعافيه، كانَت والدتِي حوَّاء في المطبخِ تحضِّرُ العشاءَ، وعندَما انتهَت من تحضيرِ العشاءِ ذهبَت لوالديها: مديّة وعثمان، وهي تحملُ لهما صينيَّة العشاءِ:

    تفضَّلَا، هذا العشاءُ، كيفَ أصبحَ والدي الآن؟

    كما هو، حرارتُه تكادُ أن تحرقَه من شدَّتها، الآن غفت عينُه!

    نامَ وهو إلى الآنِ لَم يتناول شيئًا، تناولي يا أُمِّي لقمةً واحدةً على الأقلّ!

    لا أستطيع يا بنتي، أشعرُ بالشبعِ، اذهبي وأطعمي خديجة!

    ذهبَت والدتي وبيدَيها صينيَّة الطعام مُتَّجهةً إلى غرفتها، وعندَما دخلَت الغرفةَ وجدتها فارغة، أين خديجة؟! ذهبَت إلى المطبخ لكي تبحث عنها ولم تجدْ لها أيَّ أثر، ذهبَت إلى الحمَّام، وإلى باقي غُرفِ المنزل ولم تجدْ لها أيَّ أثر! وجدَتْ بابَ المنزلِ مفتوحًا، إنَّها خرجَت.. ذهبَت مُسرعة لوالدتِها وهي تبكي:

    أُمِّي، خديجة خرجَت من المنزلِ!

    خرجَت والدتِي حوَّاء من المنزلِ وهي تصرخُ بين الأزقَّةِ وتُنادي على شقيقتها المفقودة خديجة، التمَّ أهلُ الحيِّ عليها، وقاموا بدورهم يبحثون معها عن خديجة، استمرَّت في البحثِ عن خديجة حتَّى وصلَت إلى شاطِئ البحرِ، تسمَّرَت في مكانِها، وهي تنظرُ إلى شقيقتها خديجة، وهناك شابٌ وسيمٌ غريبٌ يمسكُ بيدَيها، اقتربَ منها وقالَ:

    هل كُنْتِ تبحثين عنها؟

    نعم، خديجة، لماذا خرجتِ من المنزل، أُمِّي وأبي قلقان عليكِ؟!

    لا تقلقي، هي بخيرٍ، والحمدُ لله أنّي وجدتُها قبلَ أن تدخلَ البحرَ!

    أشكرُكَ يا أخ..

    اسمي آدم!

    أشكرُكَ يا أخ آدم، يجبُ علينا الذَّهاب إلى المنزل، والدتي الآن مُنهارة على خديجة، يجبُ عليَّ أن أذهبَ وأُطمئنَ قلبها.

    أخذَت والدتِي حوَّاء يدَ خالَتي خديجة وذهبَت إلى المنزل، لكنَّها لا تعلمُ أنَّها أخذَت قلبَ آدم كذلك معها إلى المنزل.

    ومن ذلك اليوم، أصبحَ آدمُ يتتبَّعُ خطوات والدتي حوَّاء، ويجمعُ معلوماتٍ عنها وعن عائلتها وبيتها وشقيقتها ووالدها، انقبضَ قلبُ آدم عندَما عَلِمَ بأنَّ جدّي عُثمان بائع خُضار، شعرَ بالخوف؛ فكيفَ سيُقنِعُ والده مُحمَّد بن سيف أكبَر تاجر ذهبٍ في دُبي أن يُصاهِرَ عثمان الفقير بائع الخضار؟! لكنَّهُ أصرَّ أن يغوص في تلك العلاقة أكثَر، لا يهمُّه أباه ولا أيَّ شيء آخَر، فقط حوَّاء هي الوحيدة الَّتي تهمُّه في هذا الوقت، وأصبحَ يُفكِّرُ كيفَ سيقتربُ الآنَ من تلك الفاتنة الَّتي سرقَت قلبَه ببساطتها، ونعومتها، وطيبتها، يجبُ عليه أن يتحدَّث معها ويصارحها بمشاعره.

    في ذلك اليوم ذهبَت والدتِي حوَّاء إلى البحر، وجلسَت على تربةِ الشَّاطِئ كعادتها، وأغمضَت عينَيها وتنفَّسَت ذلك الهواء النقيَّ الَّذي أثلجَ صدرها، وعلى شفتَيها ابتسامةٌ عريضة تُعبِّرُ عن الرِّضا والرَّاحة الَّتي سكنت صدرَها، اقتربَ منها آدم بخطواتٍ مُتردِّدة وهو يتساءلُ هل يقتربُ ويُصارحُها، أم يعودُ ويترك المشاعر تنصهر في قلبهِ؟! وأخيرًا قرَّرَ أن يقترب منها ويتحدَّثَ معها، وقفَ خلفَها وهي سارحةُ البالِ والقلبِ والعين في مشهدِ البحرِ وأمواجهِ المُتضاربة، وقلبها ينبض مع كُلِّ موجة تقتربُ منها، وبالُها سارح بعظمةِ البحر وجمالهِ، وأخيرًا قرَّرَ أن يقطعَ عليها خلوتها المُمتعة مع البحر، فتنحنحَ ثمَّ أردفَ قائِلًا:

    هل تأذنين لي بالجلوس؟

    وقفَت والدتي من مكانها مفزوعةً، من يكونُ هذا؟ لماذا يتحدَّثُ معها؟ ولمَ يستأذنُ للجلوس معها؟ أسئلة كثيرة تدور في ذهنها الآن، قالت وبصوتٍ تملَّكَهُ الخجل والخوف:

    يجبُ عليَّ الذّهاب إلى المنزلِ!

    حاولَت الفرارَ منهُ، لكنَّهُ استوقفها، وقالَ:

    حوَّاء، أتيتُكِ اليوم وأنا أحملُ لكِ مشاعرَ صادقةً في قلبي، يشهدُ اللهُ إنَّني لا أُريدُ العبثَ معكِ أبدًا، يشهدُ الله إنَّ قلبي أحبَّ ملامِحَكِ البريئة، منذُ تلك الليلةِ الَّتي كُنْتِ تبحثين فيها عن شقيقتِكِ خديجة أنا وجدتُ الفتاة الَّتي كنتُ أبحثُ عنها، عندَما انفكَّت قبضتي عن يدِ شقيقتكِ وأمسكتِ أنتِ بيدِها، شعرتُ وكأنَّكِ أمسكتِ بقلبي ونزعتِه من مكانِه، حوَّاء، أنا أعلمُ عن كُلِّ شيءٍ يخصُكِ، عن والدكِ، وشقيقتكِ خديجة، وحياتكِ.. وعن كُلّ شيء، وقد سألتُ قلبي مرارًا وتكرارًا، وأعطانِي قلبي الجوابَ الأكيد، إنَّه يعشقُ تلك الفاتنة الحبيبة حوَّاء، حوَّاء، أنا أُريدُكِ زوجةً لي!

    انصعقَت والدتي من اعتراف آدم، انسحبَ الدَّمُ من وجهها، ماذا تفعل؟ هل تتكلَّم، أم ترفضُ، أم تصرخُ عليه؟! وكانَ الحلُّ الوحيد هو الفرار! فأخذَت تركضُ وتبتعدُ عن ذلك الرَّجلِ الَّذي أفحمَتْهَا صراحتُه، وكُلَّما ابتعدَت عنهُ أحسَّتْ بأنَّ قلبها عادَ يسترجعُ نبضاته، وأخيرًا رسَت على برِّ الأمان عندَما دخلَتِ المنزلَ وأغلقَتِ البابَ خلفَها، نجَتْ وأخيرًا.

    أصبحَت والدتِي حَذِرَةً في أوقاتِ خروجها، تخشى أن تلتقي بذلك الرَّجل مرَّةً أُخرى، لا تريدُ أن تُقابلَه حتَّى لو صدفة، أصبحَ آدمُ يدورُ حول مُحيط حوَّاء يريدُ أن يراها ويتحدَّثَ معها، كلَّما أرادَ أن يقتربَ منها، صدَّت عنهُ وابتعدَت حتَّى أصبحَ اللِّقاءُ بينهما مُستحيلًا ومعدومًا، وأدركَ آدم أنَّهُ أصبحَ يعشق تلك الفتاة، ويجبُ عليهِ أن يتقدَّمَ لها قبل فوات الأوان، فذهبَ في ذلك اليوم إلى دُكَّان جدِّي عثمان..

    السَّلام عليكم!

    وعليكم السَّلام، تفضَّلْ يا بُنيَّ، ماذا تُريد، خضارًا أم بصلًا أم أرزًا؟

    لا يا عمّ عثمان، أتيتُكَ اليوم لكي أُفصِحَ عمَّا بداخلي، وألتمس حاجتي عندك.

    تفضَّل يا بُنيَّ، ما حاجتُكَ؟

    أنا اسمي آدم، ابنُ مُحمَّد بن سيف!

    أنتَ ابن مُحمَّد بن سيف أكبَر تاجِر ذهبٍ في دبي؟! تفضَّلْ يا بُنيَّ، اجلسْ!

    أشكرُكَ يا عمّي، لكِن أنا أتيتُ اليوم وأُريدُ أن أطلبَ يدَ ابنتكَ حوَّاء على سُنَّة الله ورسولهِ!

    ماذا؟ ابنتي حوَّاء!

    نعم يا عمّي، يشهدُ اللهُ علي أنَّ مَقصدي شريف، وكُلُّ أملي أن أرتبطَ بتلك الفتاة الصالحة والنَّادرة!

    لا أعلمُ ما أقولُ لكَ يا بُنيَّ، أنتَ ابن أكبَر تاجر ذهبٍ، وابنتي ابنةُ بائعِ خُضار فقير، هل تعتقد بأنَّنا سوف نكونُ في منزلة واحدة؟ هل تعتقد بأنَّ والدك مُحمَّد بن سيف سوفَ يقبل بمصاهرتي؟!

    لا عليَّ أنا مِن أبي

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1