Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الثروة العامة للمدن
الثروة العامة للمدن
الثروة العامة للمدن
Ebook570 pages3 hours

الثروة العامة للمدن

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

ما الذي يجعل مدينة غنية وأخرى فقيرة؟ وهل يكمن السبب في حجم الموارد المتاحة لكليهما أم في كيفية استغلال الفرص والإدارة الجيدة واكتشاف الثروات المخبوءة؟ وهل تقتصر ثروات المدن على الثروات المادية فقط أم تمتد للبشرية منها؟ تلك الأسئلة وغيرها... يتعرض لها هذا الكتاب الهام - الذي ألفه اثنان من الخبراء المعترف بهم دولياً في مجال المالية العامة وهما "ستيفان فولستر" و "داج ديتر" - ويتناول ملامح المدن الضعيفة التي يصفانها باسم "المدينة الطاحونة" والمدن الغنية التي يلقبانها باسم "المدن التوربينية" فيناقشان سبل إعادة الحيوية الاقتصادية والاستقرار المالي للمدن، عبر اكتشاف ثرواتها المخفية عن العين وإطلاق العنان لقدراتها الإجتماعية والبشرية والاقتصادية لتحويل الاهتمام والموارد من الانفاق قصير الاجل إلى استثمارات أطول أجلاً يمكنها تحقيق طفرات في جودة الحياة... عبر خطوات عديدة في مقدمتها فهم الميزانية العامة للمدن وحصر ثروتها العقارية والاستخدام الأذكى لأصولها التجارية. كتاب لا يتوجه للمتخصصين فقط ولكن لنا جميعاً.
Languageالعربية
PublisherNahdet Misr
Release dateJan 1, 2018
ISBN9789771457169
الثروة العامة للمدن

Related to الثروة العامة للمدن

Related ebooks

Reviews for الثروة العامة للمدن

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الثروة العامة للمدن - ستيفان فولستر

    الغلاف

    الثروة العامة للمدن

    كيفية كشف الأصول المخبوءة

    لتعزيز النمو والازدهار

    داج ديتر

    ستيفان فولستر

    ترجمة: محمد أحمد مقلد

    مراجعة: إدارة النشر والترجمة بدار نهضة مصر للنشر

    إشراف عام: داليا محمد إبراهيم

    Original English title: The Public Wealth of Cities: How to Unlock Hidden Assets to Boost Growth and Prosperity

    Copyright © 2017 by The Brookings Institution

    All rights reserved.

    Copyright © 2019 Published in Arabic by Nahdet Misr Publishing House

    upon agreement with The Brookings Institution.

    1775 Massachusetts Avenue, N.W., Washington, D.C. 20036. www.brookings.edu

    All rights reserved.

    ديتر، داج

    الثروة العامة للمدن/ داج ديتر؛ ترجمة: أحمد مقلد

    الجيزة: دار نهضة مصر للنشر، 2018

    272 ص، 23 سم

    تدمك: 9789771457169

    1- المدن - الجوانب الاقتصادية

    أ - مقلد، أحمد (مترجم)

    ب- العنوان

    تصدرها دار نهضة مصر للنشر

    بترخيص من شركة The Brookings Institution

    يحظر طبع أو تصوير أو تخزين أي جزء من هذا الكتاب سواء النص أو الصور بأية وسيلة من وسائل تسجيل البيانات، إلا بإذن كتابي صريح من الناشر.

    الترقيم الدولي: 9789771457169

    رقم الإيداع: 2018/26967

    الطبعة الأولى: يناير 2019

    Y_1__1-24.xhtml

    12 شارع أحمد عرابي - المهندسين - الجيزة

    تليفون : 334664343 - 33472864 20

    فاكس : 33462576 20

    خدمة العملاء: 16766

    Website: www.nahdetmisr.com

    E-mail: publishing@nahdetmisr.com

    تصدير

    دان دوكتروف

    المؤسس والمدير التنفيذي

    سايد ووك لابز

    لقد ثارت ضجة كبيرة حول التخفيضات الفيدرالية للمدن التي بها أزمة نقد، يأتي هذا في وقت تتعالى فيه الصيحات التي تنادي بالاستثمار في البنية التحتية قبل أن تتهاوى أساسات مراكزنا الحضرية العظيمة. ويقدم كتاب «الثروة العامة للمدن The Public Wealth of Cities» حلًّا لقادة أي مدينة لجمع رأس المال الذي يحتاجونه في موازنة ميزانيات البلديات، وردم كل الحُفر، وتقوية القناطر والأنفاق الضعيفة، حتى تظل مدنًا رائعة للعيش فيها، وكذلك للعمل والمرح أيضًا.

    تمتلك المدن الأصول لتملأ خزائنها، ولتوفير رأس المال المطلوب للتنمية الاجتماعية، وتنمية رأس المال البشري، وتفادي المعدلات الزائدة من الفقر، والبطالة، والجريمة. وينبغي -في القرن الحادي والعشرين- ألا تضطر المدن لمواجهة انكماش أعداد السكان، أو انخفاض متوسط عمر الإنسان.

    باعتباري كنت نائبًا للعمدة مختصًّا بالتنمية الاقتصادية وإعادة بناء مدينة نيويورك في أعقاب أحداث 11/ 9؛ أعرف كيف ينقذ الإبداع والتفكير الذكي المدن، فقد أعدنا التفكير -بشكل شامل- في طريقة استخدام نيويورك لأصولها، خصوصًا الأرض؛ لتقوية الأساس المادي والمالي للمدينة على نحوٍ مثير.

    يدعو هذا الكتاب كافة المدن - وليس مدينة مثل نيويورك فقط- إلى كشف قيمة الأصول العامة كاستراتيجية حضرية مركزية يمكن أن تؤدي إلى كشف الثروة الاجتماعية، والبشرية، والاقتصادية المخبوءة.

    يقدم داج ديتر وستيفان فولستر حججًا قوية على أن المدن يمكن أن تموِّل مستقبلها وتصير أقوى؛ وذلك بوضع الأصول العامة تحت إدارة أكثر احترافًا، فكل مدينة تمتلك مساحات هائلة من العقارات غير المستخدمة بشكلٍ سليم، أو تتحكم في مرافق متدنية الأداء، إلا أن الخيارات المدروسة بعناية من شأنها تعزيز قيمة الاستثمارات.

    إن الاستراتيجية الحضرية التي يُنادَى بها هنا ليست صالحة للمدن الكبيرة فحسب؛ لكنها تلك التي بها قطاع تكنولوجيا قوي، أو تلك التي تظهر بانتظام في مدوَّنات الإبداع الحضري، فالمدن كلها -بطول الولايات المتحدة وعرضها، وعلى مستوى العالم- ترقد على ثروة حقيقية، ولا تحتاج أصولها إلا إلى إدارة أفضل لتحويلها إلى نقود. وكما هو الحال بالنسبة لأيِّ حافظة مالية، على المسئولين معرفة ما الذي يُباع وما الذي يتم الاحتفاظ به، ولقد أدى تحويل الانتباه والموارد من الإنفاق قصير الأجل إلى الاستثمارات التي يمكن أن تحسن جودة الحياة إلى نجاح ملحوظ في بعض المدن.

    وفي سايد ووك لابز -شركة الإبداع الحضري التي أسستُها بالمشاركة مع ألفابت- نعمل عند تقاطع العالمَين المادي والرقمي للمساعدة في زيادة كفاءة المدن، وأنا أرى كل يوم أشياء مثيرة للإعجاب يمكن أن تحققها المدن، وأرى كيف أن الأصول التجارية للقطاع العام لا تحقق -في الغالب- المصلحة المُثلى للمدينة، فالمدن تحتاج إلى أهداف أوضح، وتحتاج إلى تتبع النتائج، والتعجيل بما يفيد.

    هذا كتابٌ أحضُّ الناس على قراءته بعناية وتدبر، وسواء كنتَ رئيس مدينة، أو من سكان الحضر المخلصين الحريصين على مدنهم، أو مجرد شخص يهتم بمستقبل المدن؛ ستجد الأفكار التي ستتبلور عبر هذه الصفحات صدًى لديك.

    الثروة العامة هي بالضبط ما يلي: شيء قيِّم لنا جميعًا.

    تمهيد

    تعد مدن كثيرة في الولايات المتحدة وحول العالم في وضع متهالك، وبلغ التهالك في بعضها درجةً جعلتْ سكانها يفرون بالفعل، وثمة مدن أخرى حالتها على ما يرام على نحو لافت في كل المجالات تقريبًا، فتجذب فرص العمل؛ مما يقلل المشكلات الاجتماعية، ويخلق ظروفًا تبعث على السرور والتفاؤل بدرجة أكبر.

    ما الذي تفعله المدن المزدهرة ولا تفعله المدن التي في مهب الريح؟ على الرغم من البحث لعقود، فإن الأدلة الفعلية المتاحة قليلة جدًّا، ووصفات النجاح إما أن تكون بعيدة عن الواقع، وإما أن تكون ضئيلة الأهمية، وتشير إلى تقلبات خارجة عن سيطرة المدينة، مثل: تراجع نشاط صناعي، أو حدوث تغير اجتماعي.

    نبين في هذا الكتاب أن هناك سببًا بسيطًا يجعل من الصعب على الباحثين تحديد سبب نجاح المدن، فقد لا يكون ما تفعله المدن الناجحة الآن شيئًا ملحوظًا، لكن ربما تكون قد بنَتْ ثروة عامة منذ عقود مضت، وتقودنا هذه الرؤية أيضًا إلى توصيات واضحة بشكل مثير للدهشة حول كيفية إحداث تحول في أقدار مدينة تعبث بها الريح، ويقوم زعمنا على أساس رؤى توصلنا إليها في كتاب سابق عن كيفية إدارة الأمم الناجحة لثروتها.

    ظهر كتابنا «الثروة العامة للأمم: كيف يمكن أن تعزز إدارة الأصول العامة النمو الاقتصادي أو تفسده؟ - The Public Wealth of Nations: How Management of Public Assets Can Boost or Bust Economic Growth.» عام 2015، وأظهر المسح

    الذي أجريناه أن أممًا قليلة هي التي لديها إدراك لحجم ثروتها العامة، ومن المنطقي أن الإدارة الأفضل تتيح لمعظم البلاد مضاعفة استثمارها في البنية التحتية كلها بسهولة.

    تعد الشفافية والمساءلة شرطين في الإدارة الجيدة للأصول العامة، لكن الاحترافية والإبداع ضروريان أيضًا، وبالنسبة للمدن، ليس المهم إدارة الأصول الاقتصادية فقط؛ فيتساوى مع هذا في الأهمية الاستثمار الحكيم في الأصول الاجتماعية والبشرية، وفي هذا الكتاب نركز على آلياتِ أفضلِ ممارسةٍ لتحويل المدن المثقلة بالمشاكل إلى مدن تستثمر أصولها الاجتماعية والبشرية والاقتصادية بذكاء، ويعتبر هذا الكتاب دليلًا عمليًّا لزيادة الثروة العامة للمدن، واستخدامها بشكل أفضل.

    نشكر كل من ساعدونا واقترحوا علينا أثمن الاقتراحات، ومن بينهم: بروس كاتز، بوب ترا، ويليام بويتر، ماركو كانجيانو، إيان بول، فيرجاس ماكورميك، ويليام جلاسجول، جيريمي نوواك، أندريس باك، استافان إنجڤارسون، جينا ديانجيلو، لورديس جيرمان، ديڤيد واكر، جريج لانجلي، كارستين كوك، جاكوب سول، ناتالي بولاس نيلسون، أندرياس هاتزجيورجيو، جيمز كرامير ميكيلسين، جوران تيدستروم.

    الفصل الأول

    شَرَكُ الاستثمار

    Y_1__1-24-3.xhtml

    توشك مدن كثيرة في الولايات المتحدة ودول أخرى أن تتعرض لكارثة فيما يتعلق بالاستثمار، حين تتجاهل الخطط الواعدة لتطوير المدن وبنيتها التحتية؛ لنقص التمويل، وفي الغالب لا يكون متاحًا حتى تمويل عمليات الصيانة المُلحَّة، وتكون الموارد العامة للاستثمار في البنية التحتية والخدمات محدودة للغاية لأسباب منها ما يكون على المستوى القومي، وعلى مستوى الدولة، وعلى المستوى المحلي؛ فالحكومة الوطنية تسير على غير هدى، وثمة دول كثيرة تتخذ موقفًا عدائيًّا أو تكون مثقلة بالدَّيْن، أما أموال البلديات المحلية فهي -في الغالب- تنوء بالالتزامات.

    وتتسع أزمة التمويل لتشمل ما هو أكبر بكثير من مجرد الاستثمار المادي، فهناك مدن كثيرة لا تقوى على الاستثمار في التطوير والتدريب الاجتماعي المرجو لمواطنيها الذين يواجهون خطر التخلف عن مسيرة العولمة أو الميكنة، وتتمثل إحدى الإشارات الصارخة التي تشي بالخطر في انخفاض متوسط أعمار البِيض من ذوي الدخل المنخفض في الكثير من مدن الولايات المتحدة1. وعلى مستوى العالم، في المدن الأفقر بكثير، يعيش الملايين عيشة بائسة، ويكون تمويل الاستثمار العام في المرافق والخدمات الأساسية أقل مما ينبغي بشكل هائل، ولا يمكن تجاهل هذا؛ لأن المليار ونصف المليار شخص الذين يعيشون بالفعل في الأربعة آلاف مدينة على مستوى العالم بكثافة تزيد على 100000 نسمة ستنضم إليهم مليارات أخرى في العقود القادمة2، والدول سيصيبها الركود إذا أخفقت العديد من مدنها في بناء ثروة اقتصادية واجتماعية وبشرية.

    وعلى الرغم من المثالب الكثيرة التي تتأذى منها أعين المتجولين في شوارع المدن، فإن التجمع الحضري غالبًا ما يكون محمودًا باعتباره أحد أهم المرتكزات التي تعتمد عليها البشرية في التطور البشري3، لكن هذا التقدم لا يأتي تلقائيًّا

    مع الزيادة السكانية، وبينما تأتي بعض المدن في مقدمة التطور البشري والاقتصادي؛ فإن هناك مدنًا أخرى كثيرة لا تقوم بهذا الدور في التطور، أو توفر حياة كريمة لمواطنيها وبلادها، وفي الغالب تجد المدن نفسها تتعايش مع نتائج الفقر والبنية التحتية المتهالكة، بينما يمكنها أن تستثمر في حلول ذكية تؤدي إلى تحسين الحياة بتكلفة معقولة؛ بتكلفة أقل مما يعتبر ممكنًا بوجه عام، ويمكنها أن تصبح مدنًا ذكية.

    يمكن أن تصير المدن الذكية محركات للنمو تعزز جودة حياة ساكنيها، وتقوي بلدانها، حتى حين تخذلها الحكومات الوطنية فتبني المدن الذكية لساكنيها معارج عليها يظهرون، بينما تتركهم المدن الأخرى بلا مُعين، بل تلقي العثرات (الشِّراك) في طريقهم، ويعتبر الفرق بين مدن «المعارج» ومدن «العثرات» صارخًا جدًّا، ومُهمًّا جدًّا للأطفال الذين ينشَئون بها، ومن ثم للتطور البشري؛ وبالتالي فإن فهم ما تقوم به المدن الناجحة يعتبر أمرًا فارقًا. وفي الواقع، قد تكون مساعدة المزيد من المدن على بناء ثروة اجتماعية واقتصادية أكثر طريقة واعدة للنجاح على الصعيد القومي. وبشكل إجمالي، فإن كافة الدول الغنية حاليًّا -والتي بها متوسطات دخول ومعايير حياة عالية- قد تلقت العون في البداية من مدن ناجحة رائدة، وكثير منها لا يزال يحظى بهذا العون؛ على سبيل المثال كانت لندن ونيويورك وهمبورج بمثابة القاطرات بالنسبة لدولها، ومازالت كذلك.

    نحن نستهلُّ هذا الكتاب بالنظر مجددًا فيما يميز ما نطلق عليه «بلدات الطواحين» المترنحة عن «المدن التوربينية» المزدهرة. بعد تجاوز ركام الخرافات، والافتراضات، والأعذار، والقناعات التي يُرضي بها المرء ذاته؛ نجد الخط الفاصل الملموس بين التجمعات السكنية العشوائية والراقية. لا تستطيع بلدات الطواحين الخروج من الطاحونة المالية التي تجعلها تعيش بحد الكفاف، حيث يتم تخصيص الميزانية من عوائد الضرائب لتوجيهها مباشرة إلى الاستهلاك العام بشكل لا يختلف عن حياة الصيد للحصول على الطعام. وفي الغالب تمتلك هذه المدن أصولًا لا تُستخدم على نحوٍ فعال أو غير معروفة، فيؤدي عدم وجود توجه طويل الأمد إلى الحيلولة دون تطوير المدن لتلك الأصول والاستفادة منها.

    في المقابل، تعمل المدن التوربينية -مثلها مثل المحركات التوربينية- على توليد المزيد من الطاقة باستخدام الموارد التي تمتلكها، وتستثمر هذه المدن -على الأقل في بعض الفترات- في أصولها الاقتصادية، والاجتماعية، والبشرية، وتستمر في تطويرها، ومثلما يفعل المستثمرون، يمكن أن تزدهر هذه المدن -في الغالب- على حصيلة استثمارات جيدة سابقة. ومع استمرار المدن التوربينية في كشف أصولها

    واستخدامها استخدامًا سليمًا؛ فإنها تصير محركات للنمو وجودة الحياة لمواطنيها.

    إن التركيز على إدارة الأصول له عظيم الأثر في نجاح المدن، وفي الحقيقة فإننا نزعم بأن استخدام أصول المدن بشكل أفضل يمكن أن يؤدي إلى التمويل الذاتي لنهضة ملموسة في استثمار البِنى التحتية؛ بل ربما حتى مضاعفته. علاوة على ذلك يمكن أن تؤدي استراتيجية حكيمة في إدارة الأصول إلى زيادة دخل الأسرة زيادة كبيرة، لِنقُلْ، مما هو متاح من خلال قوانين الحد الأدنى للأجور، وتخفيف الكثير من الأمراض الاجتماعية التي تصيب مدنًا كثيرة جدًّا.

    وستتوافر خلال العقود القادمة للمدن أيضًا قائمة غير عادية من فرص الاستثمار في التكنولوجيا الرقمية، حيث يمكن لبعضها تحقيق قيمة هائلة، ولا يقتصر الأمر فقط على خفض التكاليف الإدارية، فوفقًا لبعض الدراسات، يمكن أن يؤدي الاستخدام الحكيم للتكنولوجيات الرقمية إلى منح الأشخاصِ الذين يحتاجون الرعايةَ رعايةً وخدماتٍ ذاتَ جودة أفضل بكثير بثلثي التكلفة الحالية4. كمثال آخر، يمكن أن يؤدي النقل المحلي بسيارات أجرة ذاتية القيادة إلى خفض عدد السيارات الخاصة وإخلاء 25 بالمائة من الأماكن على الطرق، وهي مساحات لها قيمتها في الغالب، وتكون مملوكة للمدن والبلدات. كذلك يمكن من خلال تمهيد الطريق لمراكز الابتكارات المزدهرة في المدن تعزيز الدخول والعائد الضريبي.

    لكن هذه الفرص تكون بمثابة الذهب الخالص في قائمة تحتوي أيضًا على الكثير من الأشياء عديمة القيمة: تكنولوجيا لا تعمل، أو لا يتم نشرها، أو يتم تطبيقها بشكل رديء. والمدن ذات التوجه الاحترافي في إدارة الأصول هي وحدها القادرة على جني ثمار الأوراق المالية الرائجة بمهارة من بين عروض الاستثمار.

    قد يكون التركيز على فتح آفاق الثروة العامة من طبيعة بعض رؤساء المدن، إلا أن هذا لا يحدث في معظم الحالات، ومع ذلك يمكن تشكيل سياسة المدينة وإدارتها ومؤسساتها بطريقة تؤدي إلى النزوع بشكل خاص نحو إدارة الثروة العامة. ونحن نقدم دليلًا عمليًّا لتطوير الأصول الاجتماعية، والبشرية، والاقتصادية للمدن، وتوجيه المؤسسات نحو رعاية أصول المدن بشكل احترافي، ونرى في الواقع أن تقليص التدخل السياسي في إدارة الثروة العامة يؤدي فعليًّا إلى تعزيز الديمقراطية.

    المدينة الغنية والمدينة الفقيرة

    تقوم المدن بفعل الكثير من الأشياء، ولكل منها مجموعة من البرامج الرئيسية، والمكافآت، والمشروعات اللافتة للأنظار، والشعارات التي تهدف إلى طرح نقاط بيع متفردة، بيد أن معظم المدن تعاني من وفرة من الثقوب السوداء(1) المالية، والبرامج المتوقفة، والمآزق السياسية. هذه التوليفة

    يصعب تفسيرها بشكل يثير الشعور بالإحباط. هل كل المبادرات الجيدة كافية لتعويض هذا التعثر؟ كيف يمكن الفصل في هذا الأمر؟

    بينما يصعب تقييم التأثيرات النهائية للسياسات الحالية لإحدى المدن؛ من السهل ملاحظة أن بعض المدن تنتعش وبعضها ليس كذلك، فبعض المدن تحافظ على صحة وثروة مواطنيها وأموالهم، دون إغلاق الأبواب أمام القادمين الجدد، وفي مدن أخرى تتراكم الديون، وتتدهور بعض المناطق، بينما تصبح مناطق أخرى غير متاحة للغالبية. ونحن نرى في هذا الكتاب أن هناك خطًّا فاصلًا بين المدن الرابحة والمدن المترنحة نادرًا ما تتم بلورته على نحو صريح، ومع ذلك فهذا الخط واضح تمامًا لأولي النُّهى، ويماثل الفرق بين النجاح والركود بالنسبة للأفراد أو المؤسسات.

    بالنسبة لمعظم الناس ممن وُلدوا بلا ملاعق من الذهب في أفواههم تشهد سنوات البلوغ الأولى في الحياة التأكيدَ على الحصول على وظيفة وأجر، وتتم تنحية جزء من الدخل جانبًا بمرور الوقت، ويتراكم ليصبح أصولًا، وفي مرحلة لاحقة من الحياة تزيد أهمية مدخرات الشخص؛ أي ميزانيته العمومية، وتعتمد جودة الإسكان، والقدرة على الاستثمار في تعليم الأطفال، والقدرة على التعامل مع الصدمات -بشكل أكبر- على الأصول والعائدات المتراكمة أكثر من اعتمادها على الدخل الحالي.

    يعتبر بعض الأشخاص أفضل بكثير من غيرهم في بناء الأصول، وهذا لا يرجع فقط إلى أن لهم دخولًا أعلى، وفي أحد الكتب المقروءة على نطاق واسع: «الأب الغني، الأب الفقير Rich Dad, Poor Dad» يناقش روبرت كيوسكاي وشارون ليشتر -على نحو ممتع- كيف يؤثر التركيز على بناء الأصول في مرحلة مبكرة من الحياة وإدارتها جيدًا للحصول على عائد يصنع فارقًا كبيرًا في قدرة الأشخاص على الانتقال من «سباق الجرذان إلى المضمار السريع»، بعبارة أخرى؛ الانتقال من استهلاك الأجور الحالية إلى المزيد من تغطية الاستهلاك بواسطة حصيلة الأصول5. وفي ضوء تربيته على يدي أبوين اثنين، قارن كيوسكاي توجُّهيهما المختلفين في الحياة؛ كان والده المتعلم ينصحه بالعمل للحصول على أجر، بينما كان أبوه الغني ينصحه بتقليل الاستهلاك وزيادة الاستثمار حتى يصبح هو في النهاية من يدفع الأجور للموظفين. كان كلا المسارين في الحياة يحتاج إلى تعليم، لكن كانت موضوعات الدراسة مختلفة تمام الاختلاف؛ والد روبرت المتعلم كان يشجعه على أن يكون واسع الاطلاع، أما والده الثري فكان يشجعه على معرفة كيفية الاستثمار بحكمة، وتوظيف الأذكياء، واستخدام الأدوات الصحيحة.

    ينطبق منطق مماثل على الشركات؛ فقد استطاع الكثير من شركات التجزئة متعددة الجنسيات حاليًّا -مثل وولمارت، وتيسكو، وإيكيا- تحقيق حافظة استثمارية هائلة في الأصول العقارية لخدمة توسعها في منافذ التجزئة.

    ومع اهتزاز مجال التجزئة بفعل العولمة والتجزئة عبر شبكة الإنترنت يمكن أن تلجأ

    هذه الشركات التقليدية إلى غطائها العقاري حين يكون ضروريًّا إصلاح نموذجها التجاري، والازدهار مرة أخرى.

    ويُسفر منطق مماثل أيضًا عن تشكيل مصير المدن، فحتى المدن الفقيرة ترقد -في المعتاد- على منجم ذهب من الأصول التي لا يجري استخدامها جيدًا أو تطويرها، وتضم هذه الأصول: عقارات، شركات تابعة للمحليات؛ مثل المرافق، وشركات الحافلات، والمشاريع التجارية التي تمتلكها المدن في الغالب، حيث يمكن للمدن التي تتمتع بفهم جيد للأصول -التي تمتلكها والتي تديرها جيدًا للمساعدة في تطوير المدينة والحصول على عائد- زيادة الإنفاق والاستثمار بدون فرض ضرائب. يساوي هذا أن يعمل وول ستريت لصالح مين ستريت وليس العكس. وهذه المدن لن تهتز بفعل فترات الكساد أو أزمات المعاشات التي قد تدفع المدن الأقل تنظيمًا إلى حافة الإفلاس.

    قد يبدو هذا أمرًا غير ذي بال، لكن في الواقع نادرًا ما تتمتع المدن بفهم جيد للأصول التي تمتلكها، ونادرًا ما تديرها في ظل الانتباه لتحقيق الفائدة على المدى البعيد، ومع ذلك فإن وجود هذه النظرة يصنع الفارق كله.

    ولا يشتمل إجمالي أصول مدينة فقط على المال الذي في المصارف أو على العقارات، لكن يشتمل أيضًا على الأصول الاجتماعية والبشرية، ويمكن للمدينة التي تنفذ النوع الصحيح من الاستثمارات الاجتماعية طويلة المدى أن تشهد انخفاضًا في التكاليف في غضون عشرين عامًا. على سبيل المثال يمكن أن يؤدي برنامج مكثف لمساعدة الطلبة المبتدئين المعرضين للخطر إلى تقليل التكاليف الاجتماعية المؤدية إلى البطالة، أو الجريمة، أو إدمان المخدرات بعد عقود تالية، ويمكن قبول هذا الفاصل الزمني بين الاستثمار الاجتماعي والعائد الاجتماعي بسهولة في مدينة تركز على تطوير القيمة طويلة المدى لأصولها، لكن هناك احتمالًا برفضه في المدن المشغولة بتلبية الأمور الحياتية أثناء سنة الموازنة التالية.

    إن التركيز على الأصول يغير نظرة المدن للتعليم، فبدلًا من عد سنوات الدراسة أو إحصاء عدد الحاصلين على تعليم جامعي من بين السكان، يصبح السؤال المهم هو: ما قيمة معرفة المواطنين ومهاراتهم؟ يؤدي هذا إلى تحويل التركيز إلى جودة التعليم، تحديدًا: ما مدى توافق التعليم والمعرفة مع احتياجات أصحاب الأعمال؟ وكيف يمكن جذب المزيد من أصحاب الأعمال الذين في حاجة لمهارات السكان؟

    لقد بَنَتْ بعض المدن الناجحة على مستوى العالم -مثل سنغافورة- ثروتها الاقتصادية، والاجتماعية، والبشرية العامة من لا شيء -تقريبًا- دون مساعدة الظروف،

    مثل: الموارد الطبيعية، أو التوجهات الاقتصادية، بينما ظلت العناصر المحيطة بها فقيرة. وعلى الرغم من أن المدن تتأثر -بالتأكيد- بالعناصر المحيطة بها وبظروفها، فإنها لا تخضع لها خضوع العبودية، فحظوظها -إلى حد كبير- تكون من صنع أيديها. حاليًّا، تبدو مقارنة سنغافورة بجامايكا -مثلًا- أو رأس مال جامايكا في كينجستون، غير معقولة تمامًا، حتى على الرغم من استقلال كلا البلدين الصغيرين عن بريطانيا في العام نفسه، وتساويهما في الفقر مبدئيًّا.

    وبينما لم تقم بعض المدن -مثل كينجستون- بتطوير أصولها بشكل جيد قط، كان تعثر مدن أخرى قريب العهد، فمدينة مثل ديترويت لا تعتبر آخر ضحايا تراجع التصنيع فحسب؛ بل كانت ضحية -بشكل كبير أيضًا- للإدارة السيئة لأصولها، وسوف نعرض أمثلة على مدن حول العالم فقدت نسبة من الوظائف الصناعية مماثلة لديترويت، لكنها الآن أفضل حالًا من أي وقت مضى، والفرق هو أن ديترويت أدارت شئونها على مدى فترات طويلة بنمط الحياة على حد الكفاف، وقد ظل الكثير من ثروتها، وديونها، طي الخفاء، ولم يظهر في أي من الحسابات.

    تقبع ديترويت -مثل معظم الحكومات المحلية- على مناجم ذهب غير مستغلة تتجاوز -إلى حد كبير- المباني الرسمية المعروفة جيدًا في مركز المدينة، أو الأصول التشغيلية؛ مثل: المطار المحلي، الميناء، ومحطة السكة الحديد، أو المرافق؛ مثل: الماء، والكهرباء، فتَحْتَ قمة الجبل الجليدي هذه تمتلك المدن في المعتاد أصولًا عقارية أقل وضوحًا، في الغالب تكون عبارة عن حافظات من المباني التي انتفى الغرض منها، مثل مراكز الهاتف، مكاتب البريد، أو الإدارات التي ينبغي الآن تحويلها إلى نمط التشغيل الآلي، وإلى التنفيذ على الإنترنت، ويمكن تحويل الأراضي غير المطوَّرة والمساحات غير المطروقة -إذا تمت إدارتها بشكل محترف- إلى أصول جاذبة وثمينة، مثل الأرض التي تكون حول خطوط ومحطات السكة الحديد وفوقها.

    في الغالب تكون المدن أكثر ثراءً بكثير -فيما يتعلق بالأصول العامة- من الدول الوطنية، لكن ممتلكاتها تظل مبهمة بشكل غريب ومحل تجاهل إلى حد كبير.

    تضم مدن الولايات المتحدة أكثر من 90 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي في البلاد، وتمتلك حافظات هائلة من الأصول التجارية بشكل يزيد بكثير على ديونها (التي يمكن تحديدها بأوراق مالية عبارة عن 3,7 تريليون دولار في صورة سندات بلديات). وحتى المدن الفقيرة تمتلك مساحات ضخمة من العقارات، والمرافق، والأصول التجارية الأخرى التي يُساء استخدامها.

    ومنذ أوائل القرن العشرين ثار جدل تنقسم حوله الآراء إلى فريقين؛ بين مؤيدي الخصخصة ومؤيدي التأميم، ونحن لا نقترح طرقًا ملتوية تفتح الباب لتحويل المتاحف

    والمكتبات إلى مراكز ترفيهية، أو تحويل مبنى البلدية إلى ملعب بولينج. لقد حان الوقت للتوقف عن التركيز على هذه الحرب الزائفة حول الملكية، والتركيز بدلًا من ذلك على جودة إدارة الأصول.

    ويمثل تطوير عقارات المدينة وأصولها الأخرى أيضًا أداة لا غنى عنها لتحقيق الفائدة البشرية والاجتماعية: مراكز الابتكار بدلًا من مراكز المدينة المتهالكة، توليفة صحية من الإسكان عالي التكلفة ومنخفض التكلفة بدلًا من المجتمعات المعزولة، القرب من أماكن الأسواق بدلًا من النقل لمسافات طويلة؛ هذه هي أبعاد تطوير المدن التي يظهر أنها تصنع فارقًا كبيرًا في مقدرات حياة الكثيرين من ساكني المدن.

    وتوحي حساباتنا بأن تحقيق نتيجة معقولة في العقارات والأصول التجارية الأخرى المملوكة ملكية عامة يمكن أن يوفر موارد أكثر من إجمالي الاستثمارات الحالية في البنية التحتية، بما في ذلك: الطرق، السكك الحديدية، الجسور، الماء، الكهرباء، والنطاق العريض(2) معًا. بعبارة أخرى؛ يمكن أن تضاعف معظم المدن استثماراتها في البنية التحتية بالاستخدام الأكثر ذكاءً للأصول التجارية، وينبغي أن يكون فتح آفاق الأصول العامة استراتيجية مركزية في التجديد الحضري.

    المدن هي

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1