Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

Memoirs of a Libyan ambassador's wife مذكرات زوجة سفير ليبي
Memoirs of a Libyan ambassador's wife مذكرات زوجة سفير ليبي
Memoirs of a Libyan ambassador's wife مذكرات زوجة سفير ليبي
Ebook582 pages4 hours

Memoirs of a Libyan ambassador's wife مذكرات زوجة سفير ليبي

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

This is the Arabic version of "Memoirs of a Libyan ambassador's wife".

"I never intended to write my memoirs or chronicle the events of my life, let alone make them public," Latifa explains. I am simply a diplomat's wife, and God has chosen to take me across five continents on the train of life. Then, on these pages, I'll talk about what occurred to me or what I saw. There are amusing, sad, fascinating, informative, and informative facts for the reader to judge.

I travelled to five different continents. I travelled from Tripoli to London, then to the United States, from Geneva and Bern to Italy and Paris, then to the former Soviet Union, and finally to the African rainforests of Zimbabwe, the Kalahari Desert of Botswana, and the Kingdom of Axum in Ethiopia. I flew across the oceans to Australia and the gorgeous cities of Southeast Asia, including Malaysia and Singapore.  I travelled to the majority of Arab and European countries. We had tea in the White House in Washington, D.C., and visited with Presidents Ford and Carter, as well as their wives, Betty Ford and Rosalynn Carter (after Jimmy Carter became President). During the Soviet Union, we also had drinks in the Moscow Kremlin.  President Quett Masire (Botswana's Head of State) and his wife paid us a visit at our residence in Gaberone (my husband was the South African Ambassador to Botswana). We also dined at the Governor-General's (Personal Representative of Queen Elizabeth) table in Canberra, Australia.
 Latifa has served on the boards of directors of various women's charitable and social organisations around the world, and she chaired the International Women's Club in Addis Abeba, Ethiopia (the country's largest charity).

 

تقول لطيفة:
"لم يكن في نيتي قطّ كتابة مذكراتي أو سرد أحداث حياتي؛ فما بالك بنشرها على الملأ؟ أنا فقط زوجة دبلوماسي، و شاءت أقدار اللّه  أن يحملني قطار الحياة عبر القارات الخمس.في هذه الصفحات، سأذكر إذن ما حدث لي أو ما شهدته. هناك وقائع طريفة، و أخرى حزينة، بعضها مسلّ ، و بعضها الآخر مفيد ،  و للقارئ أن يحكم. طوفت عبر القارات الخمس. انطلقت من طرابلس الى  لندن،  ثم الولايات المتحدة الأمريكية .و من  جنيف و برن  إلى إيطاليا و باريس ثمّ الاتحاد السوفياتي السابق،و من ثم إلى أدغال افريقيا في زمبابوي، و صحراء الكلاهاري في بوتسوانا، و حضارة مملكة أكسوم في أثيوبيا. عبرت المحيطات الى أستراليا و المدن الخلاّبة في جنوب شرق آسيا، مثل ماليزيا و سنغافورة.  زرت معظم البلدان العربية و الأوروبية. احتسينا الشاي في البيت الأبيض، بواشنطن دي سي،  ؛ و التقينا بالرئيسين فورد و كارتر و قرينتيهما: بيتي فورد و روزالين كارتر (عندما تقلّد جيمي كارتر الرّئاسة). كما تناولنا المرطّبات في الكرملن بموسكو  زمن  الاتحاد السوفياتي.  زارنا الرئيس كويت مسيري (رئيس دولة بوتسوانا) و قرينته في بيتنا في جبروني (كان زوجي سفيرا في بوتسوانا بجنوب افريقيا) و تناولا معنا العشاء, كما تناولنا  العشاء على مائدة الحاكم العام (الممثل الشخصي للملكة إليزابث) في كانبرا، بأستراليا.  شغلت  عضوية مجالس إدارة  جمعيات نسائية خيرية و اجتماعية في عدّة عواصم عبر العالم؛  كما ترأست النادي الدّولي للمرأة في أديس أبابا بأثيوبيا (أكبر جمعية خيرية في البلاد)".

 

Languageالعربية
Release dateNov 15, 2023
ISBN9781787950849
Memoirs of a Libyan ambassador's wife مذكرات زوجة سفير ليبي

Related to Memoirs of a Libyan ambassador's wife مذكرات زوجة سفير ليبي

Related ebooks

Related categories

Reviews for Memoirs of a Libyan ambassador's wife مذكرات زوجة سفير ليبي

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    Memoirs of a Libyan ambassador's wife مذكرات زوجة سفير ليبي - لطيفة المبروك Latifa Al Mabrouk

    لطيفة المبروك

    مذكرات زوجة سفير ليبي

    شرق غرب العالمية. لندن.

    حقوق التأليف والنشر محفوظة.

    ردمك: 978-1-78795-084-9

    لا يجوز إعادة إنتاج أي جزء من هذا الكتاب بأي شكل من الأشكال دون إذن كتابي من الناشر أو المؤلف ، باستثناء ما يسمح به قانون حقوق النشر.

    تمهيد

    1

    افتتاح القنصليّة الليبيّة و قيام ثورة القذافي

    القدر و النصيب

    مغادرة تونس

    2

    الوصول إلى طرابلس

    موت الرّئيس جمال عبد الناصر

    حان وقت السفر

    ذكريات و أحلام الطفولة في جنّة الأطفال

    3

    الوصول إلى عاصمة الضباب، لندن

    واشنطن دي سي

    لورانس، كانساس

    4

    عالم صغير

    مولد نزار

    الرجوع إلى المستشفى

    5

    رحلة نيو جيرسي و تمثال الحريةّ

    جارتي الأمريكية المغتربة

    شيكاغو

    سانت لويس، ميزوري

    وسكانسن

    معالم شيكاغو ثم المتاهة

    6

    الاستراحة في كولومبيا

    حفلة تابر وير

    وقفة مع الدكاترة أساتذة جامعة كانساس بلورانس

    مغادرة لورانس

    لماذا لا يعود بعض الطلبة إلى بلادهم بعد انتهاء البعثة الدراسية؟

    6

    رحلة سويسرا ، فجنوة،  ثم تونس

    العودة إلى طرابس

    قدّر و لطف

    طبق البايلا

    الجمعية العمومية: نيويورك سيتي

    الأمم المتحدة

    تشريف غازي

    مرض غازي

    محمد صوّة، رجل من الزمن الجميل

    المفاجأة

    7

    بداية التأقلم في واشنطن دي سي

    الذكرى المئوية الثانية للولايات المتحدة

    الإجازة: من باريس، إلى تونس و طرابلس

    الاحتفال باليوم الوطني

    8

    المهنة الدبلوماسية و زوجة الدبلوماسي

    تنصيب الرئيس كارتر، و الدعوة إلى البيت الأبيض

    بوسطن Emerson College, Boston

    الجذور:  ألكس هايلي  (Alex Haley, Roots )

    يوم الأمم المتحدة

    المورمون، سلت ليك سيتي، يوتا

    The Mormons, Salt Lake City, Utah

    عالم ديزني ، أورلاندو، فلوريدا

    (Disney world, Orlando, Florida )

    9

    الفوضى في السفارة بعد إعلان سلطة الشعب

    زيارة الرئيس السادات إسرائيل و تدهور العلاقات الليبية المصرية

    سان فرانسيسكو

    مغادرة واشنطن دي سي

    جامعة هوارد و شهادة التقدير

    أبي ينتقل إلى جوار ربه

    تدهور العلاقات الليبية الأمريكية

    يورك، المملكة المتحدة،  و مولد لميس

    10

    موسكو، الاتحاد السوفياتي

    الفوضى و الزحف على السفارات

    عملية الزائدة

    11

    مشكلة الجارة الصغيرة و السفر إلى بوتسوانا

    الشيخ أحمد ديدات

    زمبابوى و شلاّلات فيكتوريا

    فيينا عاصمة النمسا

    12

    أستراليا بدلا من أفغانستان

    عاصمة الامبراطورية الرومانية

    سنغافورة: البلد المذهل

    كانبرا: عاصمة أستراليا

    إنجازاتي في كانبرا

    يوم أستراليا

    13

    الأيام العجاف

    العلاقات التونسية الليبية. وفاة عمّي

    غارة الأمريكان على ليبيا سنة 1986

    سيدني و ملبورن

    الأيّام العجاف

    14

    من كانبرا إلى كوالالمبور

    قرار الترحيل

    15

    الوصول إلى الأراضي المقدّسة

    16

    منظمة الوحدة الأفريقية

    إلى العاصمة الأثيوبية

    النادي الدولي للمرأة بأديس أبابا

    الانقلاب على منجيستو هيلا مريام و هروبه إلى زيمبابوي في ماي 1991

    17

    الحظر الجوي و الحصار الشامل على ليبيا

    اللقاء الثالث مع زيزي في القاهرة

    الحظر الجوي و الحصار الشامل على ليبيا

    الحياة الاجتماعية في أديس أبابا

    بداية رئاستي للنادي الدولي للمرأة، بأديس أبابا

    18

    البازار الكبير

    رحلة نزار الشاقّة و محاولة اغتيال الرّئيس حسني مبارك بأديس أبابا

    تنافس و تسابق السفارات على الأيّام الثقافية

    الغرض من الأعمال الخيرية التّطوعية

    الوعكة الصحيّة

    19

    الحج

    ثم أديس - مالطا- القاهرة

    زوجة السفير الأمريكي و المفتاح

    لماذا لا تؤلفين كتاب طبخ؟

    رحلة الحج و حسنيّة زوجة سفير أندونيسيا

    رحلة مالطا و امتحان لميس

    20

    أم الدنيا

    حان وقت الرّحيل

    مصر أم الدنيا

    لماذا سميت مصر أم الدنيا؟

    21

    اليوم العالمي للمرأة

    22

    الدّخول إلى عالم الفنون

    رحلة علـى النيل و زيارة حسنيّة و سفير أندونيسيا

    23

    ضيوفنا في القاهرة

    24

    رحلاتنا من مصر

    25

    احتفالات ضخمة بحلول عام 2000 في القاهرة

    رحلة إسطنبول

    بازار آسيا و إفريقيا ونشاط الجمعية الشرعية

    26

    البحث عن عروس

    وعكة شعبان السرّية

    هجمات 11 سبتمبر 2001

    أكتوبر 2001:  تقاعد شعبان من وظيفته في منظمة الوحدة الأفريقية

    العودة إلى طرابلس و زواج نزار

    27

    حدثان مهمان في سنة 2003

    بداية العروض الفنيّة

    لقاء مفاجىء في عيادة العيون

    وفاة نانة حبيبة

    زواج لميس و انتقالها إلى كندا

    28

    زيارة كندا

    أهم أحداث سنة 2010

    الربيع العربي

    29

    رحلة شعبان الأخيرة

    ما بعد الرّحيل

    وفاة نانا

    30

    و تستمر الحياة

    سنة 2019 بأفراحها و مآسيها

    جائحة كورونا

    عودة الحياة إلى طبيعتها

    من يتوكّل على اللّه فهو حسبه

    الجزء الأخير

    شكر

    ألبوم الصور

    إهداء

    *****

    إلى تلك الأرواح الغالية على قلبي التي فارقت هذه الدنيا،

    إلى أبنائي و أحفادي و أهلي و كل أحبائي،

    أهدي هذا الكتاب.

    تمهيد

    لم يكن في نيتي قطّ كتابة مذكراتي أو سرد أحداث حياتي؛ فما بالك بنشرها على الملأ؟ أنا فقط زوجة دبلوماسي، و شاءت أقدار اللّه  أن يحملني قطار الحياة عبر القارات الخمس.  شجّعني على خوض تجربة الكتابة تحفيز أخي الكاتب و الباحث الدكتور هشام القروي. كذلك أقاربي و أصدقائي، فكلّما أذكر طرائف أو أحداث شهدتها في بلد ما، يقولون : لماذا لا تكتبي مذكراتك؟

    في هذه الصفحات، سأذكر إذن ما حدث لي أو ما شهدته. هناك وقائع طريفة، و أخرى حزينة، بعضها مسلّ ، و بعضها الآخر مفيد ،  و للقارئ أن يحكم.

    يقول المثل: في السفر سبع فوائد:  كلّ سفرة تعلمك جديدا. فعلا، فالسفر مدرسة  و متعة، و فوائده لا تحصى و لا تعدّ.  تعلّمت من أسفاري في ربوع الأرض ما لم أتعلمه في  الكتب و المدارس. عايشت ثقافات و حضارات متعدّدة،  خضت تجارب مختلفة، تعرّفت على أناس من مختلف الجنسيات. اكتسبت لغات و ثقافة و خبرات  في الأتيكت، و  العمل الدبلوماسي، و الأعمال التطوعية و الاجتماعية و الخيرية.

    طوفت عبر القارات الخمس. انطلقت من طرابلس الى  لندن،  ثم الولايات المتحدة الأمريكية .و من  جنيف و برن  إلى إيطاليا و باريس ثمّ الاتحاد السوفياتي السابق،و من ثم إلى أدغال افريقيا في زمبابوي، و صحراء الكلاهاري في بوتسوانا، و حضارة مملكة أكسوم في أثيوبيا. عبرت المحيطات الى أستراليا و المدن الخلاّبة في جنوب شرق آسيا، مثل ماليزيا و سنغافورة.  زرت معظم البلدان العربية و الأوروبية. احتسينا الشاي في البيت الأبيض، بواشنطن دي سي،  ؛ و التقينا بالرئيسين فورد و كارتر و قرينتيهما: بيتي فورد و روزالين كارتر (عندما تقلّد جيمي كارتر الرّئاسة). كما تناولنا المرطّبات في الكرملن بموسكو  زمن  الاتحاد السوفياتي.  زارنا الرئيس كويت مسيري (رئيس دولة بوتسوانا) و قرينته في بيتنا في جبروني (كان زوجي سفيرا في بوتسوانا بجنوب افريقيا) و تناولا معنا العشاء, كما تناولنا  العشاء على مائدة الحاكم العام (الممثل الشخصي للملكة إليزابث) في كانبرا، بأستراليا.  شغلت  عضوية مجالس إدارة  جمعيات نسائية خيرية و اجتماعية في عدّة عواصم عبر العالم؛  كما ترأست النادي الدّولي للمرأة في أديس أبابا بأثيوبيا (أكبر جمعية خيرية في البلاد).

    ركبت في أسفاري الطائرة و الباخرة و السيّارة و القطار. تذوّقت شتّى أصناف الأطعمة: الكاري ( دجاج مكعبات بالكاري و توابل أخرى هندية)، و البولنتا (أكلة إيطالية تشبه العصيدة تعدّ بدقيق الذرة و تقدّم مع الخضار أو الدجاج) ، والبوت روست (أكلة أمريكية تتمثل في  لحم مكمور و محمر في الفرن مع الخضار)، و الفلآميش (أكلة فرنسية عبارة عن فطيرة بالعجينة الرقائقية و يتم حشوها بالجبن و الخضار)، و البورشت (حساء مشهورفي روسيا يتكّون من مزيج البصل و الجزر و البنجر و البطاطس مع اللحم و يطبخ لعدّة ساعات)، و المودفك (كيكة العسل الروسية الشّهيرة الّتي تتكون من عدّة طبقات رفيعة و محشوة بكريمة مميّزة)، و النجيرا و الواط ( أكلة أثيوبية، النجيرا تتكّون من دقيق التايف الّذي يعجن و يخمّر ليلة كاملة ثم يطبخ مثل الكريب. أمّا الواط فهي صوص اللّحم أو الدجاج أو الخضار أو العدس الّتي تقدّم مع النجيرا)؛ و الشركسية طبق مصري أرستقراطي (رز مع صلصة الدجاج و الجوز و التوست مع اللبن )، و الباسطيلا المغربية (فطيرة لذيذة من الدجاج و اللوز و البقدونس و البيض و يرش فوقها السكر و القرفة)، و الرندنغ الماليزي (صوص بلحم البقر و البصل و التوابل المميزة في ماليزيا و إندونسيا)، و الساتي، (أكلة آسياوية شهيرة، عبارة عن أي نوع من قطع اللحم تتبل،  توضع في أسياخ و تشوى ثم تقدّم مع صلصة الفول السوداني الشهيّة). و الصخر تورت النمساوية (كيكة الشوكولاطة النمساوية الّتي صنعها أولّ مرّة شاب في السادسة عشر، هو فرانز صخر،  مساعد شيف البلاط  النمساوي، لتصبح أشهر كيكة شوكولاطة في العالم). والتمبورا (طبق ياباني من مأكولات البحر، و خاصّة الجمبري، و الخضار الّتي تغمس في صلصة من الدقيق و النشاء و البيض ثمّ تقلى). والبودنغ الإنجليزي (عبارة عن كريمة بالحليب و النشا و الدقيق والفواكه الجافة و أحيانا دقيق الرز و البيض. و أحيانا بالخبز و البيض و بنكهات مختلفة و توضع في قوالب خاصّة ). و الآيس كريم المقلي، نعم مقلي صدّق أو لا تصدّق؛ اشتهر به مطعم صيني في أستراليا. اشتهرت أستراليا أيضا بتحلية مميزة البافلوفا - عبارة عن قالب ميرانج محشو بكريمة الكسترد و الفواكه الطازجة.  أما البايلا الإسبانية فللحديث عنها بقيةّ! جربت كلّ الأطعمة و تعلّمت تحضير كلّ ما نال إعجابي من هذه الأطباق الشهيّة والمتنوعة.  مع هذا كلّه، يظلّ طبق الكسكسي المغاربي بتنوعه من أفضل الأطباق.

    1

    افتتاح القنصليّة الليبيّة و قيام ثورة القذافي

    حضر الدبلوماسي الليبي، المرحوم شعبان قشوط، إلى صفاقس (في تونس) بعد نقله من لاغوس في نيجيريا ، حيث كان يعمل  سكرتيرا ثالثا  في السفارة الليبية. تمت ترقيته  إلى رتبة سكرتير ثاني سنة 1969، وعين قنصلا في صفاقس ، الّتي قدم إليها  لافتتاح القنصليّة الليبية في شهر يوليو من السنة نفسها.

    في أولّ يوم من شهر سبتمبر  1969، قاد  عقيد ليبي اسمه معمر القذافي  انقلابا عسكريا أطاح بالملك إدريس.  كان انقلابا أبيض ، غير دموي . وكان الملك خارج البلاد آنذاك. فرأت مجموعة الضباط الأحرار ، وفي مقدمتهم العقيد معمر  القذافي، في ذلك فرصتهم لإسقاط النظام الملكي. احتلوا المطارات و مستودعات الشرطة و محطات الإذاعة و المكاتب الحكومية في طرابلس و بنغازي. سيطر القذافي على ثكنة البركة في بنغازي، و سيطر عبد السلام جلّود على البطاريات المضادّة للطائرات في المدينة. تم إرسال الخويلدي الحميدي لاعتقال ولي العهد، السيد الأمير حسن الرّضا المهدي السنوسي, و أجبروه على التخلّي عن العرش. سلّم ولي العهد الحكم بدون مقاومة.

    بعد إلغاء النظام الملكي، أعلن القذافي قيام الجمهورية العربية الليبية، في خطاب إلى الجماهير  بثته الإذاعة الوطنية. بعد فترة, في سنة 1977، ألغى الزعيم الجديد الدستور، و لم يلبث أن استبدله بعقيدة سياسية سماّها النظرية العالمية الثالثة، و نشرت بعد ذلك في الكتاب الأخضر. في ذلك اليوم، أولّ سبتمبر،  بعد سماع الأخبار، اتصلت بشعبان و كان في صفاقس، أسأل ماذا حدث. هل الخبر صحيح ؟ هل هناك انقلاب في ليبيا؟ قال نعم لقد أصبحنا جمهورية مثلكم (في تونس).

    القدر و النصيب

    رغم أنّني كنت في تونس العاصمة و شعبان في صفاقس ، شاء اللّه أن نلتقي. و بعد أحد عشر شهرا من أولّ لقاء لنا، تزوجنا . لم يكن الدبلوماسي الليبي يعلم حينها أنّ مشيئة اللّه أتت به من لاغوس بنيجيريا إلى صفاقس، ثمّ إلى تونس، ليراني, ثم يتقدّم لخطبتي, إنّه النصيب كما يقولون!

    قال العلاّمة ابن عثيمين، رحمه اللّه: كما أنّ الرزق مكتوب مقدّر بأسبابه ، فكذلك الزواج مكتوب مقدّر، و قد كتب لكلّ من الزوجين أن يكون زوج الآخر بعينه. طبعا، صادفتنا بعض الصعوبات. أبي لم يكن موافقا على هذا الزواج، و نانة (أمّي، هكذا كان الكلّ يناديها)، كانت حزينة لفراقي. عندما تقدّم زوجي لخطبتي قال له أبي:

    بنتي لا تنفعك. إنّها لا تعرف حتّى كيف تطبخ البيضة .

    ردّ عليه شعبان قائلا:

    لا يهمّ سوف نعلّمها.

    يوم عقد القران الّذي تمّ في 16 يوليو1970  ، سأل الشيخ (الكاتب العدلي) أبي قائلا :

    هل أنت موافق على تزويج ابنتك الآنسة لطيفة إلى السيد شعبان قشوط القنصل الليبي؟

    أجاب والدي على مضض:

    آهو أعطيناها له!

    لم أعرف هذه التفاصيل إلا من زوجي الّذي أخبرني بها فيما بعد. لحسن الحظّ، كان عمّي، المستشار الطاهر المبروك، رحمه اللّه،  قد تعرّف على شعبان و أعجب بشخصيته. وكان لهما صديق  مشترك، هو الأستاذ المحامي إلياس القرقوري، (أصيل صفاقس و من سكّانها) الّذي زكّى شعبان.  و من غرائب الصدف أنّ لهذا  المحامي أخ تبين أنّ مدرستي في الانجليزية بمعهد مونفلوري هي زوجته.

    كان عمّي حينها قاضيا في محكمة الناحية بسوسة، الّتي لا تبعد كثيرا عن صفاقس. و بطرقه الخاصّة سأل عن شعبان  في السفارة الليبية في تونس، (كان على معرفة شخصيّة بالأستاذ سليمان بادي، الّذي كان دبلوماسيا في السفارة الليبية بتونس)، كما سأل عنه في وزارة الخارجية بطرابلس. و كلّ المعلومات الّتي حصل عليها كانت جيّدة، وتفيد  أنّ أهله ناس طيبون و متعلّمون.  أخوه الأكبر (المرحوم السيد أحمد الشارف قشوط)، هو أيضا دبلوماسي، و كان في تلك الفترة سفيرا في الأردن. واثنان من إخوته يعملان بالتدريس، و أخوه الأصغر، خريج جامعة أيضا. 

    في الأثناء، عاد شعبان إلى طرابلس لإخبار والديه المسنّين برغبته في الزّواج من فتاة تونسية. لم يعترضا. قال له والده إذا كنت تعرف العائلة،  فتوكّل على اللّه و ألف مبروك.

    لم ينس  شعبان أن  يطمئن  نانة (والدتي) قائلا:

    المسافة ليست بعيدة بين  طرابلس وتونس. سوف تكون هناك زيارات مستمرّة  بإذن اللّه. و فعلا، برّ  بوعده  أمّا عمّي، فاستطاع إقناع أبي بأنّ شعبان شخص جيّد و محترم،  و لن نرى منه إلا الخير بإذن اللّه. أبي كان هو أصغر اخوته، الّذين توفّى جميعهم، لم يبقى حينها، الاّ عمي المستشار الطاهر المبروك، وكانت كلمته مسموعة.

    و لا يمكنني أن أنسى في هذا السياق إنسانة عزيزة على قلبي، و هي من أطيب خلق اللّه. إنها زوجة عمّي، السيدة الفاضلة  خديجة العياّري، الموظّفة في وزارة التربية و التعليم آنذاك. كانت تحبّني كثيرا، و لذلك وقفت إلى جانبنا و ساندتنا بكلّ قوّتها حتّى تمّ الزواج. رحمها اللّه وجعل مأواها جنّة الفردوس.

    مغادرة تونس

    وسط البكاء و الزّغاريد غادرنا، أنا و زوجي، قاعة المناسبات بفندق أبي نواس بقمرت، ضاحية  تونس الشمالية، حيث أقمنا حفل استقبال  يوم 19 يوليو 1970، بمناسبة زواجنا. حضر الحفل أفراد العائلة، و لفيف من الأصدقاء، و موظفو السفارة الليبية بتونس. كانت وجهتنا طرابلس. قبل ثلاثة أشهر من زواجنا، صدر قرار نقل شعبان من القنصليّة الليبية في صفاقس الى ديوان الوزارة بطرابلس. 

    وصلنا القنصليّة الليبية في صفاقس ليلا.  كان  موظفو القنصليّة في انتظارنا، و استقبلونا بحفاوة بالغة، و أقاموا مأدبة عشاء في أحد المطاعم، حضرها كل الموظّفين مع زوجاتهم. أصرّ الأستاذ محمد (للأسف لا أذكر لقبه، ولو كان زوجي على قيد الحياة لتذكّر، فهو زميله في الخارجية) و زوجته كريمة على استضافتنا في بيتهما بدلا من الفندق. لن أنسى السيّدة  كريمة أبدا. كانت أولّ امرأة ليبية أتعرّف عليها، و كانت اسما على مسمّى! غمرتني بحسن ضيافتها و كرمها و طيبتها.  في اليوم الموالي، بعد أن تناولنا الإفطار، أصرّت أن تأخذني الى الكوافير لكي أغسل شعري و أفكّ تسريحة العرس، قبل التوجّه إلى طرابلس. أحسست أنّها أخت كبيرة أو خالة أو عمّة رغم أنّني لم أتعرّف عليها إلا لبضع ساعات فقط. هناك أشخاص يتركون بصمتهم في حياة الآخرين، و السيدة كريمة من بينهم. بعد ذلك، ودّعنا الأستاذ محمد و كريمة و توكلّنا على اللّه قاصدين العاصمة الليبية.

    2

    الوصول إلى طرابلس

    ––––––––

    لحسن حظّنا، لم تكن النقطة الحدودية في رأس جدير مزدحمة في ذلك اليوم،  فأتممنا الإجراءات بسرعة ثم انتقلنا الى الجانب الليبي، حيث لم  تعترضنا أيضا أي صعوبة.

    وصلنا  طرابلس بعد العصر بقليل. وقبل  نزولنا من السيّارة في المزرعة الّتي كان فيها بيتنا يجاور  بيتي جمال و علي اخوي زوجي،  وجدنا الجميع ينتظرنا عند البوابة. و استقبلونا بالزغاريد و الحفاوة و الترحاب. وصادف وصولنا وصول أحمد الشارف قشوط (أخ زوجي الأكبر) الّذي سبقناببضعة أيام، قادما و عائلته من الأردن حيث  كان يشغل منصب سفير. وحين تعرّفت على كلّ أفراد العائلة انسجمت كثيرا مع بنات الأستاذ أحمد الشارف. كنّ خمس صبايا، ماشاء اللّه ! فوزية  طالبة في كلية الهندسة، و منى في كلية التربية، و هدى و عائشة في الفصول الثانوية.  و لعلّ لولا (اسم الدلع، اسمها الحقيقي ليلى) كانت في الإعدادي حينها. وأدركت أنّني و فوزية و منى كانت أعمارنا متقاربة، و كنّا من نفس الجيل. أمّا  ابنة الأستاذ جمال، ليلى، وكانت تدرس في معهد المعلّمات، فقد تعرّفت عليها قبل ذلك، و أنا لا زلت في  تونس، أيّام كنت مخطوبة لعمّها. كانت أحيانا تردّ على الهاتف عندما أتّصل و يكون شعبان خارج البيت لظرف طارئ.  أصبحنا صديقات عبر الهاتف، و عندما التقينا توطّدت العلاقة؛ و هي لا تزال صديقتي الحميمة و المقرّبة إلى يومنا هذا. أمّا أختها جميلة - كانت في الصف الأول إعدادي - فقد أصبحت أختي الصغيرة، تستشيرني و تأخذ رأيي في معظم الأمور.  ربنا يديم الودّ بيننا و لا يحرمني من وجودهنّ في حياتي!

    والحقيقة أنّني ألفت المكان بسرعة، لأنّ وجود البنات فيه سهّل عليّ التأقلم، فلم أشعر بالغربة. و من محاسن الصدف أنهنّ كنّ في العطلة الصيفية. فكنّا كثيرا ما نجلس معا و نتجاذب أطراف الحديث و نتسلّى.

    كان شعبان  هو  الابن الخامس في الترتيب بين إخوته الستّة. كانوا خمسة ذكور و بنت اسمها الحاكمة.  كان إخوته الأستاذ أحمد الشارف و الأستاذ جمال و الحاكمة، يكبرونه بعدّة سنوات. الحاكمة هي الأخت الوحيدة، رحمها اللّه. لا أجد الكلمات المعبّرة بما يكفي لوصف تلك المرأة الرائعة: فهي ملاك يمشي على الأرض!  كانت مثالا للطيبة و الحنان  و الكرم. يكفي أنّها تشعر كلّ شخص تلتقي به بأنّه هو الأهم عندها! أصبحت الحاكمة هي أمي في طرابلس.

    كانت الحاكمة تعيش في مزرعة مزدانة بالكثير من أشجار النخيل. و في موسم التمور كانت تعدّ دبس التمر، أو ما يعرف بالرّب ، (الجدير بالذّكر أنّ تحضيره ليس أمرا هينا) و توزعه على الأقارب و الجيران. وذات مرّة، وجدت الحاكمة أن كميّة الرّب الّتي أعدتها لم تكن كافية للجميع. فما كان منها سوى أن اشترت ربّا حتّى تعطي لباقي جيرانها. وهو ما أثار غضب زوجها، الّذي قال  لها: هذه آخر مرة تديري فيها ربّ!  طبعا، كان فقط كلاما في ساعة انفعال، لأنّها استمرت في عادتها، و كانت دائما تقول: اللّه لا يقطع لنا عادة! هذه هي الحاكمة! فعلا امرأة من الزمن الجميل و لا أحد يمكن أن يعوضها!

    أما الحاجة سالمة زوجة جمال، في المزرعة الّتي كنّا نقيم فيها،  فقد كانت هي أم العائلة بأسرها. و كانت لا تبخل بالمساعدة في كلّ المناسابات. و كلّما عدنا من السفر، تقوم لمدّة ثلاثة أيّام بتجهيز  الغداء و العشاء لنا، و تأتي به بنفسها الى بيتنا. ذلك لأنّها تعلم أنّني أكون مشغولة في ترتيب البيت بعد العودة من السفر.

    أمّا السيدة نجمة، زوجة السفير أحمد الشارف، فهي إنسانة مرحة و لبقة و خفيفة الظل. للأسف، لم تسنح لي الفرصة لأتعرّف عليها جيدا. فقد توفيّت بعد بضعة شهور من زواجنا، و لم نحضر جنازتها، حيث كناّ في الولايات المتحدة آنذاك. وعندما جاءنا خبر وفاتها، إثر مضاعافات عملية قيصرية أجريت لها،  تأثّر زوجى و حزن كثيرا. فقد كانت وفاتها صدمة و فاجعة؛ رحمها اللّه و أسكنها فسيح جناته!

    بقيت كميلة زوجة علي،(الّذي يكبر شعبان بثلاث أو أربع سنوات) ، و مبروكة ، زوجة الدكتور صلاح الدين، الأخ الأصغر لشعبان. كانت علاقتي بهما علاقة أخوات و ليس علاقة سلفات. أمّا الأبوان، رحمهما اللّه فكانا مسنين و هما الحضن الدافئ للجميع.

    لمدّة أسبوع  منذ وصولنا  كانت الحاجة سالمة، رحمها اللّه ، زوجة الأستاذ جمال، تعدّ لنا الطعام و تأتي به الى بيتنا ، ثم بعد ذلك بدأت أتعلّم الطبخ. أولّ من علّمني كيف أطبخ الشوربة الليبية، كانت السيدة نجمة، رحمها اللّه، زوجة الأستاذ أحمد الشارف. والواقع أن كلّ أفراد الأسرة كانوا طيبين، رجالا و نساءا.  فقد أغدقوا عليّ الهدايا ، منذ وصولي، ولم أر منهم سوى الخير. أذكر أن الدكتور صلاح الدين، بعد وصولنا ببضعة أيّام، طرق الباب. فتحت، فإذا به يقف على العتبة، حاملا علبة هدية جميلة. ناولني إياها قائلا:  تفضلي يا امراة خوي. حاجة بسيطة!

    فتحت العلبة لأجد فيها قلادة ذهبية غاية في الجمال.

    بعد حوالي عشرة أيّام من وصولنا إلى البيت في طرابلس، جاءت نانة، وأمي خيرة ( جدّتي )، و أخي حمادي (الّذي يصغرني بسنتين، كان صديقي و صندوق أسراري، رحمه اللّه)  لزيارتي. كانت فرحتي كبيرة جدا بهذه الزيارة، و كانت فرصة لتلّقي بعض الدروس في الطبخ من نانة  و أمي خيرة، رحمهما اللّه. حينها كانت نانة في الأربعين من عمرها، و أمي خيرة في نهاية الخمسينات. 

    بعد أن غادرت نانة  و أخي و أمي خيرة بفترة قصيرة، جاء لزيارتي عمّي و زوجته و أبناؤهما، نجوى و نجيب و أبناء عمّتي. وكانت تلك فرصة أخرى لتلقّي بعض الدروس في الطبخ. كان الأمر سهلا و كنت أتعلّم بسرعة. لم أدر حينها أنّني سوف أكتب كتابا في الطبخ يوما ما.

    موت الرّئيس جمال عبد الناصر

    كان الشهر التاسع من سنة 1970 يقترب من نهايته و كنّا نستعد للسفر الى الولايات المتحدة.  كان زوجي  قد حصل على بعثة  إيفاد للدراسات العليا من وزارة الخارجية.

    جلس شعبان كعادته يستمع إلى الأخبار. وإذا به ينتفض فجأة و يصرخ: لا، لا، مش معقول! عبد الناصر مات!

    أوقفت كافة محطاّت الإذاعة و التلفزيون برامجها لتعلن الخبر الصادم و الحزين. توفي عبد الناصر جرّاء أزمة قلبية مفاجئة. كانت تلك الوفاة  صدمة كبرى في مصر و في أرجاء العالم العربي. قال نائب الرئيس المصري، محمد أنور السادات بتأثر بالغ:  فقدت الجمهورية العربية المتحدة و فقدت الأمّة العربية و فقدت الانسانية كلّها رجلا من أغلى الرجال و أشجع الرجال و أخلص الرجال ، هو الرئيس عبد الناصر.  و تابع يقول إنّ عبد الناصر توفي بينما هو واقف في ساحة النضال يكافح من أجل وحدة الأمّة العربية و من أجل يوم انتصارها.  مات و هو يودّع الرؤساء و الملوك بعد انتهاء القمّة العربية.  وقبل يوم واحد فقط، تمكّن عبد الناصر من إقناع العاهل الأردني الملك حسين و رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، بالتوقيع على وقف إطلاق النار و إنهاء المواجهة الدامية بين الطرفين، المعروفة باسم أيلول الأسود . و بدا عبد الناصر مرهقا و هو يودّع الملك حسين في مطار القاهرة، حسب شهود عيان.

    خرج زوجي  يهرول الى الفيرندا، وتهالك  على كرسي و أجهش بالبكاء. كانت أولّ مرة أراه يبكي!  قال  زوجي: مات الرئيس عبد الناصر و هو يحمل  هموم الأمّة العربية سنينا، و قتله همّ (أيلول الاسود) و هو في الثانية و الخمسين من عمره.  مهما قيل عن عبد الناصر، و مهما حاول الأقزام تشويهه و النيل منه، فقد كان و سيظل واحدا من أعظم من أنجبت الأمة العربية من رجال على مدى تاريخها الطويل، و هو في تاريخها الحديث أعظمهم على الإطلاق.

    كان رجلا عظيما حقا. سعى إلى توحيد الأمةّ العربية، لا أحد ينكر ذلك. و لكن كانت له أخطاء.  فالاستيلاء على ممتلكات و أراضي و أموال النّاس،  و التأميم الكامل للقطاع الخاص، و الاشتراكية المرتجلة الّتي طبّقها... هل أراد بكلّ ذلك القضاء على طبقة من رجال الرأسمالية الوطنيّة  الّذين  ربّما كانوا سينافسون  طبقة الحكم الجديدة من صغار الضباط؟ كان منحازا الى الفقراء، و هذا شيء جيد. كان من الممكن إيجاد طريقة أخرى لمساعدتهم، كإعطائهم نسبة من المحاصيل، أو فرض ضرائب  خاصّة على أصحاب الممتلكات و رأس المال، كي توزّع على المحتاجين، مثلا. 

    أعلنت مصر فترة حداد أربعين يوما، و خرجت جموع غفيرة بعد وقت قصير من إعلان وفاة الرّئيس. بكى الرّجال و النساء و الأطفال في الشوارع في حزن. أعرب النّاس عن صدمتهم و عدم تصديقهم لوفاة الزّعيم. انهالت التعازي من جميع أنحاء العالم، و تصدّر الخبر جميع الصحف. توقّفت الحياة تقريبا في مصر، حيث أغلقت كلّ المتاجر و المكاتب. سافر شباب من جميع أنحاء البلاد الى القاهرة و هم يحملون الزهور و صور عبد الناصر. ملايين من النّاس شيّعوا جنازته و هم يهتفون: لا الاه إلا الله و عاش ناصر... رغم أنّه قد مات!

    حان وقت السفر

    في أواسط الشهر العاشر من سنة 1970، يعني حوالي ثلاثة أشهر بعد وصولنا الى طرابلس، حان وقت السفر. حزمنا حقائبنا و ودعنا العائلة و اتجهنا نحو المطار بصحبة  صلاح الدين. وجهتنا كانت تونس، أولا، لتوديع العائلة، ثم لندن لمدّة ثلاثة أيام، و بعدها واشنطن، عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية.

    حطّت بنا الطائرة في مطار تونس قرطاج بعد حوالي ساعة من الطيران. كان في انتظارنا جمع غفير من أفراد العائلة في المطار: نانة، وخالاتي و أزواجهن، وعمّي و زوجته و ابنتهما نجوى. استغرب شعبان  هذا الحشد الكبير، ثم قال: واضح أنّك شخص مهمّ في العائلة!

    نعم، كنت أنا الحفيدة الأولى في عائلتي، و خالاتي كلهنّ صديقاتي و بمثابة أخواتي الكبار، ما عدا الخالة التّي كانت تصغر نانة بسنتين، نانة حبيبة، رحمها اللّه. كانت أمي الثانية، و أغدقت علي الهدايا، منذ أيام الطفولة،  هي و زوجها، سيدي عمر المعتمري، الّذي كان أبا روحيّا، رحمه اللّه. لم يرزقا ببنت، و كانت نانة حبيبة تتمنّى أن تتبنّاني، و لكن نانة لم توافق على ذلك.  لم يكن يخطر على بالي و لا على بال أيّ من أفراد الأسرة أنّني سوف أتزوج من غير تونسي و أغادر البلاد يوما ما! زد على ذلك، هذه أولّ زيارة لي لتونس بعد الزّواج، حتّى و إن لم يطل غيابي. 

    ذكريات و أحلام الطفولة في جنّة الأطفال

    لم أكن لأصدق أنّ حلم طفولتي سيتحقق! عندما كنت في العاشرة  من عمري، و خلال خمسة أعوام، كنت منشّطة في برنامج جنّة الأطفال في الإذاعة التونسية. كانت تعدّه و تقدمه السيدة علياء ببّو، و يساعد في التقديم العم راشد و بابا تركي، و نحن، أطفال البرنامج بطبيعة الحال.  مهمّتي في البرنامج كانت تتمثّل في إلقاء كلمات كل الأناشيد الّتي نقدّمها. و كانوا  أيضا يطلقون عليّ اسم طبّاخة الحصّة، إذ كنت أقدّم وأشرح وصفات أكل للأطفال.

    كنّا نسجّل البرنامج  في استديوهات الإذاعة يوم الجمعة بعد الظهر ، و يذاع يوم الأحد العاشرة صباحا. فترى الأطفال ملتفين حول

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1