معركة ذات الصواري: معارك إسلامية
By رأفت علام
()
About this ebook
ومثلت هذه المعركة نهاية سيطرة الدولة البيزنطية على البحر المتوسط. كان المسلمون يومئذ تحت قيادة عبد الله بن سعد بن أبي السرح رضي الله عنه. وكان البيزنطيون تحت قيادة قسطنطين الثاني ابن أخي هرقل. وثبت المسلمون في هذه المعركة ثباتا عظيما ، وأبلوا بلاء حسنا ، حتى منحهم الله أكتاف أعدائهم ، وكان ذلك في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه. قال المسعودي رحمه الله:
ملك قسطنطين بن قسطنطين أخى هرقل - وقيل إنه ابن هرقل - تسع سنين وستة أشهر في خلافة عثمان بن عفان، وهو الّذي غزا في البحر في نحو ألف مركب حربية وغيرها، فيها الخيل والخزائن والعدد، يريد الإسكندرية من بلاد مصر، وكان عامل مصر والإسكندرية لعثمان: عبد الله بن سعد بن أبى سرح، فالتقوا في البحر، فكانت على قسطنطين، فعطبت مراكبه ، وهلك أكثر رجاله، ونجا في مركب ، فوقع في جزيرة سقلية من بلاد إفريقية ، فقتله جرجيق ملكها ، تشاؤما به ، لإهلاكه النصرانية .
وسميت هذه الغزاة: ذات الصواري لكثرة المراكب وصواريها، وكان ذلك في سنة 34 للهجرة
Read more from رأفت علام
موسوعة الحكم والأمثال: بالفصحى والعامية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsرحمة في السماء: قصة عن الفقد Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsجيناتي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsنصائح منزلية للزوجة العصرية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsملائكة القصر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمعادلات النجاح في مشوار محمد صلاح Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsوسيم وكذاب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمندوب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsلغة الصحراء - ثلاث قصص واقعية: ثلاث قصص واقعية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsتاريخ الميلاد Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsلأغراض سلمية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsفارس عبر الزمن Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsغموض الأمواج Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمشاهدات علمية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsثمن الصداقة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsغرام خلف الخطوط Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsدليلك للحصول على وظيفة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsجزيرة القدر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsنبض الذكريات Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsعدالة ضد القانون - الجزء الرابع: الجزء الرابع Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأبيع دموعي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsلغة الصحراء Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsدوامة العمر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsغرام خلف الخطوط.. عشر قصص قصيرة: عشر قصص قصيرة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsكارثة على أطراف الكون Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsعدالة ضد القانون - الجزء الأول: الجزء الأول Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالخدعة المزدوجة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمقبرة الشمس Rating: 0 out of 5 stars0 ratings
Related to معركة ذات الصواري
Titles in the series (4)
معركة القادسية: معارك إسلامية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمعركة ذات الصواري: معارك إسلامية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمعركة اليرموك: معارك إسلامية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمعركة ذي قار: معارك إسلامية Rating: 0 out of 5 stars0 ratings
Related ebooks
يوم الصواري Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsصراع الأخوين Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمعركة ذي قار: معارك إسلامية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsعجيبة وعجيبة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالأشباه والنظائر للسيوطي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالوزير السجين Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsجحا في بلاد الجن Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأسرة السناجيب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالقصر الهندي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsيوم الملتان Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsجَلِفَر فِي الْجَزِيرَةِ الطَّيَّارَةِ الرحلة الثالثة: كامل كيلاني Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالقَصر الهندي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأصدقاء الربيع Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالأرنب العاصي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsحكاية بهلول Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsشهرزاد بنت الوزير Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsعلاءُ الدِّين Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsجد القرود Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالملك عجيب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsبين بين Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsجدُّ القرود Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالأمير الحادي والخمسون Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsاللحية الزرقاء Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsجحا في ليلة المهرجان Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsهجرة الصحابة – إسلام عمر: الجزء الثالث Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالأسد الطائر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمدينة النحاس Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمختصر خليل Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsعلاء الدين Rating: 0 out of 5 stars0 ratings
Reviews for معركة ذات الصواري
0 ratings0 reviews
Book preview
معركة ذات الصواري - رأفت علام
الفَصْلُ الأوَّلُ
- 1 -
مُنْذُ اعْتَلَى قُنُسْطَانْزُ الثَّانِي عَرْشَ بِلاَدِ الرُّومِ، وَهُوَ مَحْزُونٌ مَهْمُومٌ، لاَيُرَى إِلاَّ عَابِسَ الْوَجْهِ، شَارِدَ النَّظَرَاتِ، شَدِيدَ الْقَلَقِ، يُقَلِّبُ فِي رَأْسِهِ أَفْكَارًا كَثِيرَةً، تَمْلَؤُهُ، ثُمَّ تَترُكُهُ وَتَذْهَبُ عَنْهُ، لِتُخْلِيَ مَكَانَهَا، لِأَفْكَارٍ غَيْرِهَا، بَاحِثًا عَنْ رَأْيٍ يَنْتَهِي إِلَيْهِ وَيُرِيحُ نَفْسَهُ الثَّائِرَةَ. أَيَّامٌ طَوِيلَةٌ وَهُوَ عَلَى هذِهِ الْحَالِ، لاَيَنْطَبِقُ لَه جَفْنٌ وَلاَ يَقَرُّ لَهُ جَنْبٌ، يَذْهَبُ مَرَّةً إِلَى مَكَانٍ بَعِيدٍ مِنَ الْقَصْرِ، لاَيَسْمَعُ فيِهِ غَيْرَ أَصْوَاتِ الْأَمْوَاجِ، الَّتِي تَضْرِبُ السُّورَ الْعَالِيَ المُلْتَفَّ حَوْلَ الْقَلْعَةِ، يَجْلِسُ وَحْدَهُ، يَمُدُّ فِكْرَه بَعِيدًا بَعِيدًا. وَتارَةً يَصْعَدُ فِي بُرْجٍ مِنَ الْأَبْراجِ الْمُقَامَةِ فِي ذلِكَ السُّورِ، يَنْظُرُ مِنْهُ إِلَى الْبَحْرِ الوَاسِعِ، وَالسَّماءِ المُنْبَسِطَةِ، وَالنُّجُومِ وَالْكَواكِبِ، وَيُحَادِثُهَا بِعَيْنَيْهِ الْغَائِرَتَيْنِ مِثْلَ قَلْبِهِ، لَعَلَّها تَقْرَأُ مَا فِي صَدْرِهِ، وَتُلْهِمُهُ الْحَلَّ الَّذِي يُرْضِيهِ. وَتَارَةً أُخْرَى يَأْوِي إِلَى مَخدَعِهِ، وَيَقْضِي لَيْلَهُ يَتَقلَّبُ فِي جَوَانِبِهِ، يُحاوِلُ أَنْ يَجْذِبَ النَّوْمَ إِلَيْهِ، عَلَّهُ يَرَى فِيهِ حُلْمًا شَافِيًا، يُزِيحُ عَنْ صَدْرِهِ الْأَثْقَالَ الضَّخْمَةَ، الَّتِي انْحَطَّتْ عَلَيهِ وَأَوْجَعَتْهُ. وَذَاتَ لَيْلَةٍ دَخَلَتْ عَلَيهِ الْمَلِكَةُ وَهُوَ غَارِقٌ فِي ذلِكَ التَّفْكيرِ، فَحَيَّتْهُ تَحِيَّةً رَقِيقَةً، ثُمَّ قَالَتْ فِي صَوْتٍ مَمْلُوءٍ بِالدَّهْشَةِ وَاللَّوْمِ: مَا هَذا أَيُّهَا الْإمْبِرَاطُورُ الْعَظِيمُ؟! وَإِلَى مَتَى تَظَلُّ فِي هذَا الْمَوْجِ الْمُتَلاَطِمِ، تَسْبَحُ فِي لُجَجِهِ الْعَمِيقَةِ، وَلاَ تَنْتَهِي مِنْهُ إِلَى شَاطِئٍ تَرْسُو عَلَيْهِ؟!
تَرَكْتَ مَلَذَّاتِ الْحَيَاةِ كُلَّهَا، وَلَمْ يَعُدْ يَطِيبُ لَكَ طَعَامٌ وَلاَ شَرَابٌ، وَلاَ يَحْلُو فِي سَمْعِكَ غِنَاءٌ وَلاَ تَغْرِيدٌ، وَلاَ يُحَرِّكُ قَلْبَكَ فُكَاهَاتٌ وَلاَ تَطْرِيبٌ! انْصَرَفْتَ عَنِ الصَّيْدِ وَالْقَنْصِ، وَمَجَالِسِ المُتْعَةِ وَالْأُنْسِ، وَجَعَلْتَ أَيَّامَكَ كُلَّهَا مَجَالِسَ حَرْبٍ، تَتَحَدَّثُ فِيهَا عَنِ الطَّعْنِ وَالضَّرْبِ، وَالرُّءُوسِ الَّتِي تَطِيرُ، وَالصُّدُورِ الَّتِي تَنْشَقُّ، والدِّمَاءِ الَّتِي تَتَفَجَّرُ، فَهَلْ تَرى الْحَيَاةَ الْحُلْوَةَ خُلِقَتْ لَذلِكَ الْغَمِّ وَالْهَمِّ؟! وَمَا آخِرُ هذا التَّعَبِ الَّذِي تُلاَقيهِ، وَالْقَلَقِ الَّذِي تُعَانِيهِ؟!
جَذَبَ الْمَلِكُ نَفَسًا طَوِيلاً مَلَأَ بِهِ صَدْرَهُ الْوَاسِعَ، ثُمَّ زَفَرَهُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَهُوَ يَجْهَدُ فِي إمْسَاكِ دُمُوعِهِ فِي عَيْنَيْهِ، لِكَيْلاَ تَسِيلَ عَلَى خَدَّيْهِ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهَا مِنْ خَلْفِ تِلْكَ الدُّمُوعِ، وَقَالَ فِي صَوْتٍ مَخْنُوقٍ: وَكَيْفَ يَصْفُو لِي وَقْتٌ، أَوْ تَحْلُو لِي مُتْعَةٌ، أَوْ أَرَى جَمَالَ الدُّنْيَا وَبَهَاءَهَا، وَدَوْلَتُنَا العُظْمَى تَنْقُصُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَيَقْطَعُ الْعَرَبُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْهَا قِطْعَةً عَزِيزَةً عَلَيْنَا، أُحِسُّ بِأَنَّهَا ذِرَاعٌ تُبْتَرُ مِنْ جِسْمِي، أَوْ رِجْلٌ تُفْصَلُ مِنْ جَسَدِي، أَوْ فِلْذَةٌ تُقَدُّ مِنْ كَبِدِي؟! وَلَوِ اسْتَمَرَّ الْعَرَبُ فِي زَحْفِهِمْ عَلَيْنَا، لَاَنْتَزَعُوا مِنْ أَيْدِينَا كُلَّ الْبِلاَدِ الَّتِي نَحْكُمُهَا، وَالَّتِي انْتَزَعْنَاهَا بِسُيُوفِنَا وَرِمَاحِنَا، وَغَدَتْ جُزْءًا مِنْ بِلاَدِنَا، وَلاَ يَبْعُدُ أَنْ يَأْتُوا إِلَيْنَا وَيَغْزُونَا فِي دَارِنَا، وَيَطْرُدُونَا مِنْهَا كَمَا طَرَدُونَا مِنَ الشَّامِ وَمِصْرَ! لاَ تَعْجَبِي يَا عَزِيزَتِي، فَذلِكَ مَا يُفَكِّرُونَ فِيهِ، وَيَعْمَلُونَ جَاهِدِينَ لِبُلُوغِهِ، فَهُمْ لَا يَقْنَعُونَ بِمَا أَخَذُوا مِنَّا وَمِنْ غَيْرِنَا، فَدِينُهُمُ الْجَدِيدُ يَدْفَعُهُم بَقُوَّةٍ إِلَى أَنْ يَفْتَحُوا الْبِلاَدَ كُلَّهَا، وَلاَ يَبْقَى مَكَانٌ تَحْتَ الشَّمْسِ إِلاَّ دَخَلُوهُ، وَبَسَطُوا سُلْطَانَهُمْ عَلَيْهِ، وَنَشَرُوا فِيهِ دِينَهُمْ. يَقُولُونَ إِنَّ نَبِيَّهُمْ بُعِثَ بِدِينِ الْحَقِّ إِلَى الْجِنِّ كَمَا بُعِثَ بِهِ إِلَى الْإنْسِ، وَإنَّ عَلَيْهِمْ لِيُرْضُوا رَبَّهُمْ، أَنْ يَسِيرُوا بَذلِكَ الدِّينِ إِلَى كُلِّ بُقْعَةٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَيَنْشُرُوهُ فِيهَا، بَعْدَمَا أَتَمُّوا نَشْرَهُ فِي بِلاَدِهِمْ!
إِنَّهُمْ أَيَّتُهَا الْمَلِكَةُ شَدِيدُو الْإِيمَانِ بِذَلِكَ الدِّينِ، خَلَطُوهُ بِأَنْفُسِهِمْ، فَقُلُوبُهُمْ تَنْبِضُ بِهِ، وَدِماؤُهُمْ تَبُثُّهُ فِي أَجْسَادِهِمْ، وَتَدْفَعُهُمْ إِلَى نَشْرِهِ، لِيَكُونَ إِيمَانُهُم صَادِقًا، وَيُدْخِلَهُمْ رَبُّهُمْ جَنَّاتِهِ الْعَالِيَةَ، الَّتِي أَعَدَّ لَهُمْ فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ كَمَا يَقُولُونَ! فَهَلْ نَقِفُ مَكْتُوفِي الْأَيْدِي أَمَامَ هذَا الْمَدِّ الْمُتَدَافِعِ إِلَيْنَا، تَدَافُعَ السُّيُولِ الْجَارِفَةِ الْمُنْحَطَّةِ مِنْ أَعْلَى الْقِمَمِ، لاَ يَرُدُّهَا سَهْلٌ وَلاَ يَقِفُ أَمَامَهَا جَبَلٌ؟ وَلَسْتُ أَدْرِي لِمَ سَكَتَ هِرَقْلُ عَنْهُمْ وَعَنْ نَبِيِّهِمْ، حِينَ بَعَثَ إِلَيْهِ بِكِتَابِهِ يَدْعُوهُ فِيهِ إِلَى ذلِكَ الدِّينِ. بَلْ حِينَ ظَهَرَ ذلِكَ النَّبِيُّ فِي مَكَّةَ، وَلَم يُرْسِلْ إِلَيْهِ مَنْ يَأْخُذُهُ وَيَقْضِي عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ، وَيَقْتُلُ دِينَهُ فِي مَهْدِهِ، قَبْلَ أَنْ يَدْرُجَ مِنْهُ؟! لَوْ صَنَعَ هِرَقْلُ ذلِكَ فِي حِينِهِ، مَا صِرْنَا إِلَى هذَا الَّذِي أَصْبَحْنَا فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ الشَّدِيدِ، فَقَد كَانَ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ حِينَذَاكَ قِلَّةً، شَرَارَةً ضئِيلَةً يَسْهُلُ إِطْفَاؤُهَا بِأَقَلِّ جُهْدٍ، وَلَوْ مَدَّ إِصْبَعَهُ إِلَيْهَا لَأَخْمَدَهَا. فَتَرَكَهَا حَتَّى كبُرَتْ، وَغَدَتْ نَارًا مُسْتَعِرَةً لَمْ تَثْبُتْ لَهَا جُيُوشُنَا الْعَاتِيَةُ، وَلَا تَزَالُ تُلاَحِقُنَا، تُرِيدُ أنْ تُحْرِقَنَا كُلَّنَا، كَمَا أَحْرَقَتِ الْفُرْسَ الَّذِينَ اسْتَهَانُوا بِهَا كَما اسْتَهَنَّا بِهَا، وَتَرَكُوهَا حَتَّى الْتَهَمَتْهُمْ جَمِيعًا، فَمَا الْعَمَلُ الْيَوْمَ وَعُيُونُهُمْ تَبْرُقُ، وَأَفْوَاهُهُمْ تَزْأَرُ؟!
- 2 -
ازْدَحَمَ الْحُزْنُ فِي صَدْرِ الْمَلِكِ، وَعَقَدَ لِسَانَهُ، وَأَسَالَ الدُّمُوعَ فِي خَدَّيْهِ، فَصَمَتَ لَحَظَاتٍ يَلْتَقِطُ فِيهَا أَنْفَاسَهُ الْحَائِرَةَ، وَلَمْ يَتَنَاوَلْ كُوبَ الشَّرَابِ الَّذِي طَلَبَتْهُ الْمَلِكَةُ لِيَشْرَبَهُ، عَلَّهُ يُخَفِّفُ بَعْضَ مَا بِهِ، وَنَظَرَ إِلَيْهَا فِي عَجَبٍ، ثُمَّ قَالَ وَهُوَ يَعْصِرُ عَيْنَيْهِ:
- لا شَرَابَ وَلاَ مُتْعَةَ، حَتَّى أَقْضِيَ عَلَى الْعَرَبِ!
وَعَادَ يَجْتَرُّ هَمَّهُ، يُعِيدُ مَا يَخْتَزِنُ في صَدْرِهِ مِنَ الْحِقْدِ، وَيُرَجِّعُ فِي صَوْتٍ مُتَقَطِّعٍ قَائِلاً: وَيْلَاهُ، ثُمَّ وَيْلاَهُ، ثُمَّ وَيْلاَهُ! كَانَ أُولِئَكَ الْعَرَبُ قَبْلَ ذلِكَ الدِّينِ فِي جَزِيرتِهِمْ، مُتَخَاصِمِينَ مُتَنَازِعِينَ، مَشْغُولِينَ بِنِزَاعِهِمْ وَتَفَرُّقِهِمْ، يَطْرُقُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَبْوَابَنَا وَأَبْوابَ الْفُرْسِ، مَادِّينَ أَيْدِيَهُمْ يَطْلُبُونَ إِحْسَانَنَا، فَرِحِينَ بِمَا نُلْقِي إِلَيْهِمْ مِنَ الْقَلِيلِ، فَوَحَّدَهُمْ ذلِكَ الدِّينُ السَّاحِرُ، وَبَعَثَهُمْ قُوَّةً شَدِيدَةَ الْبَأْسِ، وَزَادَ حَمَاسَتَهُمُ الْتِهَابًا حِينَ عَاوَنَهُمْ عَلَى مُخَالِفيهِمْ مِنْ قَوْمِهِمْ، ثُمَّ عَلَيْنَا وَعَلَى غَيْرِنَا، مِمَّنْ خَضَعُوا لَهُمْ وَدَخَلُوا فِي دِينِهمْ، وأَصْبَحُوا وَإيَّاهُمْ إِخْوَانًا يُحَارِبُونَ مَعَهُمْ، وَيَبْذُلُونَ أَرْوَاحَهُمْ رَخِيصَةً لِنَشْرِ مَبادِئِهِمْ.
مَاذَا أُبْدِي يَا عَزِيزَتِي، وَمَاذَا أُعِيدُ؟!
حَطَّمُوا قُصُورَ كِسْرَى، وَهَزَمُوا أَفْيَالَهُ، وَأَزَالُوا نَارَهُ، وَانْتَزَعُوا مِنْ أَيْدِينَا أَحْلَى الْبِلاَدِ وَأَغْلاَهَا، وَطَرَدُونَا مِنْ جَنَّاتِها الَّتِي كَانَتْ تُمِدُّنَا بِالْمَالِ الْوَافِرِ وَالْخَيْرِ الْكَثِيرِ، تَمْلَأُ سُفُنَنَا بِالْفَاكِهَةِ وَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالدَّوَابِّ وَالْخَدَمِ والْعَبِيدِ! كَانَ جُنُودُنَا وَأَهْلُنَا وَأَعْوَانُنَا فِي تِلْكَ الْبِلاَدِ، يَرْتَعُونَ وَيَمْرَحُونَ، وَيَنَالُونَ مَا يَشَاءُونَ، وَيَأْخُذُونَ مَا يُحِبُّونَ، لاَ