Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الفسر
الفسر
الفسر
Ebook575 pages4 hours

الفسر

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

انقسم الكتاب إلى قسمان: دراسة وتحقيق. أما الدراسة، فقد حاول أن تأتي شاملة جامعة لما يتعلق بهذا الشرح وصاحبه إبن جني، وقد جاءت في أربعة أبواب: الباب الأول والثاني يتعلقان بابن جني بشكل عام، وقد جعل الباب الأول ثلاثة فصول. تحدث في الفصل الأول عن عصر أبن جني، وهو عصر هام من كل نواحيه، وقد أسهب في الحديث عن الحياة السياسية والإجتماعية والثقافية في هذا العصر الذي كان يتزاحم فيه العلماء لنيل قصب السبق في ميادين العلم والمعرفة فيما كان يتطاحن فيه الحكام ليملكوا رقاب العباد وخيرات البلاد. وتحدث في الفصل الثاني عن حياة إبن جني، فدرسها من كل جوانبها وحاول أن يظهر صورة مفصلة لهذه الشخصية العظيمة التي تعد بحق من الشخصيات النادرة في تاريخنا الأدبي. ووقف في الفصل الثالث للحديث عن آثار إبن جني الكثيرة عددا الغنية قيمة المتنوعة فنونا، وأظهر قيمتها من خلال تأثيرها الذي بدا في اللغة والنحو والفكر والأدب.
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateNov 17, 2000
ISBN9786755340981
الفسر

Read more from ابن جني

Related to الفسر

Related ebooks

Reviews for الفسر

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الفسر - ابن جني

    الغلاف

    الفسر

    ابن جِنِّي

    322

    انقسم الكتاب إلى قسمان: دراسة وتحقيق. أما الدراسة، فقد حاول أن تأتي شاملة جامعة لما يتعلق بهذا الشرح وصاحبه إبن جني، وقد جاءت في أربعة أبواب: الباب الأول والثاني يتعلقان بابن جني بشكل عام، وقد جعل الباب الأول ثلاثة فصول. تحدث في الفصل الأول عن عصر أبن جني، وهو عصر هام من كل نواحيه، وقد أسهب في الحديث عن الحياة السياسية والإجتماعية والثقافية في هذا العصر الذي كان يتزاحم فيه العلماء لنيل قصب السبق في ميادين العلم والمعرفة فيما كان يتطاحن فيه الحكام ليملكوا رقاب العباد وخيرات البلاد. وتحدث في الفصل الثاني عن حياة إبن جني، فدرسها من كل جوانبها وحاول أن يظهر صورة مفصلة لهذه الشخصية العظيمة التي تعد بحق من الشخصيات النادرة في تاريخنا الأدبي. ووقف في الفصل الثالث للحديث عن آثار إبن جني الكثيرة عددا الغنية قيمة المتنوعة فنونا، وأظهر قيمتها من خلال تأثيرها الذي بدا في اللغة والنحو والفكر والأدب.

    حرف الألف

    قال أبو الطيب أحمد بن الحسين المتنبي من أهل الكوفة، ومولده منها بكندة سنة ثلاثة وثلاثمائة، وتوفي في سنة أربع وخمسين، وقد أمر سيف الدولة بإجازة أبيات على قافية الهمزة، فقال من شعره :

    ( عذل العواذل حول قلب التائه ........ وهوى الأحبة منه في سوادئه )

    ( العذل) أحر العتاب وأمضه و ومنه قيل أيام معتذلات وإذا اشتد حرها يقال عذلته عذلا وعذلا، وجمع عاذل عذّل وعذّال، وجمع عاذلة عواذل، ومن كلامهم 'سبق السيف العذل'، وقال الآخر:

    أيا تملك يا تملي ........ وذات الطوق والحجل

    ذريني واتقي عذلي ........ فإن العذل كالقتل

    وقال زهير:

    غدوت عليه غدوة فرأيته ........ قعودا لديه بالصريم عواذله

    و (التائه) الذاهل الساهي، يقال: تاه يتيه ويتوه أيضا تيها وتيهانا، وهو أتوه منك، ووقعوا في التيه والتوه، وقد توهت الرجل وتيهته. .. وقال رؤبة:

    في عاذلات الحائر المتوه

    وقال أيضاً:

    به تمطت غول كل تيه ........ بنا حراجيج المهاري النفه

    معنى 'التيه' البلد الذي يتاه به و (سواد القلب) الحبة السوداء فيه يقال هو في سوداء قلبه، وفي سويداء قلبه وسواد قلبه، واسود قلبه. قال ذو الرمة:

    أصابت إذ تراءت لي سليمى ........ سواد القلب فأقتتل اقتتالا

    وله أيضا:

    تراجع منها أسود القلب خطرة

    وقال الأصمعي: (سوداء القلب) علقة سوداء في جوفه إذا اشتق بدت كأنها قطعة كبد .وجعل (الهاء) في (التائه) وأن كان أصلا وصلا، وذلك جائز مشروح في القوافي. قال الراجز: 'أعطيت فيها طائعاً أو كارها' (فالها) في (كارها) أصل وقد جعلها وصلا، لأن حرف الروي (الراء) ألا تقوله بعد هذا: 'حديقة غلباء في استبحارها'، فحرف الروي في (استبحارها) 'الراء' غير ذي شك، لأنها (هاء) إضمار وقبلها حركة. يقول: هوى الأحبة في داخل قلبه (وعذل العواذل من خارجه يرعوي إليه ولا يعبأ به) وقد أكثر الناس في معنى النصف الأخير من هذا البيت. قال العباس بن الأحنف:

    لو شق عن قلبي ترى وسطه ........ ذكرك والتوحيد في سطر

    وقال الآخر:

    تغلغل حب عثمة في فؤادي ........ فباديه مع الخافي يسير

    وقال:

    ( يشكو الملام إلى اللوائم حرّه ........ ويصد حين يلمن عن برحائه )

    الملام اللوم. قالوا: لمته، ألومه لوما وملاما ولائمة، وأنا لائم وهو ملوم، وألام وهو مليم إذا أتى ما يستحق عليه اللوم. لمته. لم يلمه، ويقال أيضا: المته. اليمه الأمة فهو ملام في معنى ملوم. قال معقل بن خويلد الهذلي:

    حمدت الله إذ أمسى ربيع ........ بدار الذل ملحيا ملاما

    و (اللوائم) جمع لائمة، كما أن (العواذل) جمع عاذلة، وأما 'عاذل' و'لائم' فجمعهما 'عذل' و'لوم' و'لوام' و'وليم' أيضا و (يصد) يرجع و (البرحا) الشدة والمشقة. يقال: لقيت منه برحا بارحا، ولقيت منه بنات برح وبني برح، ولقيت منه البرحين أي المشقة والجهد، وقد برح به الجهد تبريحا إذا عظم عليه. قال الأعشى:

    أقول لها حين جد الرحي _ ل أبرحت ربا وأبرحت جارا

    أي عظمت واتخذت عظيما، والبارح ضد السائح. هو من هذا لأنه يتشاءم به. يقول: فاللوم يشكو إلى اللوائم ما يلاقي من حرارة هذا القلب فهو يرجع عن التعرض إشفاقا على نفسه أن تحرقه حرارته. ضربه مثلا لأن اللوم في الحقيقة لا تنضج منه الشكوى ولا الصد، وأكثر كلام العرب، إذا تفطنت له، كهذا. ألا ترى إلى قول كثير:

    ذهوب بأعناق المئين عطاؤه ........ غلوب على الأمر الذي هو فاعله

    وهذا كقوله أيضا:

    غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا ........ غلقت لضحكته رقاب المال

    وقوله (غمر الرداء) إنما يريد سعة عطائه وأن كان ضيق الملاءة .قال الآخر:

    ولا ارتقيت على أقتاد مهلكة

    فجعل المهلكة أقتادا، وأنما الأقتاد لرجل الناقة والجمل. قال تأبط شرا:

    إذا هزّه في عظم قرن تهللت ........ نواجذ أفواه المنايا الضواحك

    فجعل لها نواجذ وأفواها، وقال الآخر:

    نعي ابن ليلى للسماحة والندى ........ وأيدي شمال باردات الأنامل

    فجعل لها 'أيديا' و'أنامل' استعارة وتصرفا في القول. قال ذو الرمة:

    ألا طرقت مي هيوما بذكرها ........ وأيدي الثريا جنّح في المغارب

    ألا تراهم قالوا في معناه 'بدأت في المغيب' ومثله قول لبيد:

    حتى إذا ألقت يدا في كافر ........ وأجن عورات الثغور ظلامها

    يعني 'الشمس' و'الكافر' يريد به الليل، وقال الآخر:

    قرعت ظنابيب الهوى يوم عالج ........ ويوم النقا حتى قسرت الهوى قسرا

    فجعل للهوى 'ظنابيب' وهذه كلها استعارات وهي أكثر من أن أحصيها لك. وقال:

    ( وبمهجتي يا عاذل الملك الذي ........ أسخطت أعذل منك في إرضائه )

    ( المهجة) خالص النفس، ويقال: المهجة دم القلب، ومنه قيل: لبن أمهجان وأمهج وماهج للخالص. قال عثمان بن قحافة:

    وعرّضوا المجلس محضا ماهجا

    أي خالصا .ووجدت بخط أبي علي الفارسي عن الفرّاء (لبن أمهوج)، وحكي عن أبي زيد (لبن أمهج) وأفعل في الصفات قليل جدا. وقوله: (يا عاذلي) بعد ذكره (العواذل) والعواذل جمع عاذلة والعاذل واحد مذكر فإنما جاز ذلك لأنه أراد: 'يا من يعذلني' أو كأنه خاطب واحدا من العواذل، فقال: 'يا عاذلي' وأراد. 'يا إنسانا عاذلي'، والإنسان يقع على الرجل والمرأة. قالوا في قول الشاعر:

    قامت تبكيه على قبره ........ من لي من بعدك يا عامر

    تركتني في الدار ذا غربة ........ قد ذل من ليس له ناصر

    أي تركتني أنسانا ذا غربة، ولهذا نظائر في كلامهم .وكنّى بالحبيبة عن 'سيف الدولة'، ومعناه: 'أنا أفدي بنفسي من لم أستمع فيه عذل من هو أعذل منك، فكيف أصغي إلى قولك'، أي لم أدع 'سيف الدولة' وأجب من يستدعيني ويجتذبني إليه من ساير الملوك، وما أحسن ما نسج النسيب بالمديح.

    ( إن كان قد ملك القلوب فأنه ........ هلك الزمان بأرضه وسمائه )

    أي ليس هذا الحبيب كسائر الأحبة والمعشوقين، إنما يحب هذا لجلالة قدره، وسمو أمره، فقد ملك القلوب، وبالغ بذكر السماء، كأنه من قول الفرزدق:

    أخذنا بآفاق السماء عليكم ........ لنا قمراها والنجوم الطوالع

    وهذا مثل قوله أيضا بعينه:

    فلو كان ما بي من حبيب مقنع ........ عذرت ولكن من حبيب معمم

    فجعله حبيبا على الوجه الذي ذكرت، وقريب منه قوله أيضا:

    وأهوى من الفتيان كلّ سميذع ........ نجيب كصدر السمهري المقوّم

    خطت تحته العيس الفلاة وخالطت ........ به الخيل كبّات الخميس العرمرم

    يقول: 'أنا أهوى من هذه صفته'. أولا ترى إلى قوله:

    وما سكني سوى قتل الأعادي ........ فهل من زورة تشفي القلوبا ؟

    وإلى قوله:

    محب كنى بالبيض عن مرهفاته ........ وبالحسن في أجسامهنّ عن الصقل

    وبالسّمر عن سمر القنا غير أنني ........ جناه أحبائي وأطرافها رسلي

    وهذه طريقة للشعراء معروفة وسهمه منها مألوف.

    ( الشمس من حسّاده والنصر من ........ قرنائه والسيف من أسمائه )

    صرح في هذا البيت عن مراده، وقوله: 'والسيف من أسمائه، يعني هذه اللفظة التي هي ألف لام سين ياء فاء، وليس يريد المسمى بهذه اللفظة أعني جوهر الحديد، لأن ذلك ليس باسم، وإنما هو المسمى، ومحال أن يكون جوهر الحديد نفسه من أسماء أحد ،وأنشدني أبو علي للكميت:

    إليكم ذوي آل النبي تطلعت ........ نوازع من قلبي ظماء وألبب

    أي يا أصحاب هذا الاسم، وأنشدني أيضا للأعشى:

    فكذبوها بما قالت فصبّحهم ذو ال _ حسان يزجي الموت والشّرعا

    أي العسكر المسمى بهذا الاسم، وحكي أيضا عن أحمد بن إبراهيم أستاذ ثعلب: 'هذا ذو زيد' فأضاف المسمى إلى الاسم، أي هذا الرجل يسمى بالاسم الذي هو زيد، كما أضاف الكميت والأعنى المسمى إلى الاسم، وحكى عن أحمد بن صالح فقال: 'قبّلت حي زيد' أي 'قبلت زيدا'، وأنشد:

    وحي بكر طعنا طعنة فجرى

    قال أحمد يريد 'وبكرا طعنا'. قال أبو علي فإنما يقصد 'بحي' جسمه، ويقصد ببكر الاسم 'فحي' هاهنا هو الجسم المسمى بكرا، ومثله قول كثير: 'بثينة من آل النساء' أي من المسميات بالنساء بهذا الاسم، وقول الآخر:

    ألا قبح الإله بني زياد ........ وجي أبيهمو قبح الحمار

    أي وصاحب هذا الاسم، وصاحبهم هو أبوهم على الحقيقة، وكأنه قال: 'وأباهم' ومثله قول الآخر:

    يا قرّ أنّ أباك حي خويلد ........ قد كنت خائفه على الإحماق

    كأنما قال أن أباك خويلدا من أمره ومن سببه كذا، فجعل 'خويلدا' بدلا من أباك، كما يقال: 'أن أباك زيدا قائم'، ومثله قول عبد الله بن سبره الحرشي: 'وأن بيع ذا ودي' فأضاف 'ذا' وهو المسمى إلى 'الود' وهو الاسم لأنه إنما ينبغي 'الود' نفسه لا اسمه، فهذا كله إضافة المسمى إلى الاسم، وأما إضافة الاسم إلى المسمى فكقول لبيد:

    لي الحول ثم اسم السلام عليكما ........ ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

    فإنما يريد 'ثم اسم المقصود بالسلام عليكما' واسم المقصود بالسلام هو السلام في الحقيقة، فكأنه قال: 'ثم السلام عليكما' وإنما من قال أن 'اسم' هاهنا زائد لخفاء هذا المعنى وغموضه عليه، ومثل ذلك قول ذي الرمة:

    لا ينعش الطرف إلا ما تخوّنه ........ داع يناديه باسم 'الماء' مبغوم

    و'الماء' هاهنا صوت الشاة. قال أبو علي: والمعنى يناديه باسم معنى الماء، واسم معنى الماء هو الماء، وأنشدني أيضا:

    يدعونني بالماء ماء أسودا

    أي أصبت ماء أسودا.. ولهذا أشباه في كلامهم.

    ( أين الثلاثة من ثلاث خصاله ........ من حسنه وإبائه ومضائه ؟ )

    يقول: أين حسن الشمس من حسنه ؟وأين النصر من إبائه ؟وأين السيف من مضائه ؟أي إذا أمر أقصر النصر عن عزيمته وإبائه فكأنه رجع في هذا البيت عما أعطاه في البيت الذي قبله، ولو قال: 'وأين' بالواو لكان أعذب، لأن الواو يخلط الثاني بالأول، فلا يجعل لأحدهما مزية على الآخر في التقدم والتأخر، وإذا لم يأت بالواو صار الكلام كأنه منقطع، ألا ترى إلى قول الآخر:

    يا فقعسا ، وأين مني فقعس ؟

    وقول الآخر:

    إذا ما ظمئت إلى ريقه ........ جعلت المدامة منه بديلا

    وابن المدامة من ريقه ........ ولكن أعلل قلبا عليلا

    ولو قال: 'أين المدامة من ريقه ؟' لم يكن له ماء الواو ولا رونقها

    ( مضت الدّهور وما أتين بمثله ........ ولقد أتى فعجزن عن نظرائه )

    والعجز من بيت المتنبي معنى الصدر مكررا، ثم استزاده سيف الدولة فقال:

    ( القلب أعلم يا عذول بدائه ........ وأحق منك بجفنه وبمائه )

    أي هو يصرف الدمع إلى حيث يريد، لأنه مالكه، 'والهاء' في مائه تعود على 'الجفن' ويجوز أن تعود على القلب، وفيه بعد:

    ( فومن أحبّ لأعصينك في الهوى ........ قسما به وبحسنه وبهائه )

    'الفاء' للعطف، و'الواو' للقسم، والمعصي 'العذول' والمقسم به المحبوب.

    ( أأحبه وأحب فيه ملامة ؟ ........ إن الملامة فيه من أعدائه )

    يعجب من تكليف العذول له استماع ملامة من يحبه، وكأنه في هذا البيت ناقض أبا الشيص في قوله:

    أجد الملامة في هواك لذيدة ........ حبا لذكرك فليمني اللوم

    ( عجب الوشاة من اللحاة وقولهم ........ دع ما نراك ضعفت عن إخفائه )

    'الوشاة' جمع واش، وهو الذي يزخرف الكلام وينمقه و'اللحاة' جمع لاح، وهو الذي يزجر ويغلط القول. قال (المجنون):

    ولو أن واش باليمامة داره ........ وداري بأعلى حضرموت اهتدى ليا

    وقال أيضا:

    وماذا على الواشين أن يتحدثوا ........ سوى أن يقولوا أنني لك وامق

    وقال طرفة:

    ألا أيّهذا ألائمي أحضر الوغى ........ وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي ؟

    فهذا كقوله: 'ألا أيهذا الزاجري' .والمعنى أنه ليس حوله إلا واش ولاح، فعجب الوشاة من تكليف اللحاة له ما لا يستطيعه، لأنه إذا ضعف عن إخفائه فهو عن تركه أضعف.

    ( ما الخلّ إلاّ من أود بقلبه ........ وأرى بطرف لا يرى بسوائه )

    'الخل' والخليل والمخال والخلة واحد. قال الشاعر:

    ألا أبلغا خلتي جابرا ........ بأن خليلك لم يقتل

    والخلة أيضا، والخلالة، والخلال، والمخالة الصداقة. قال (الشاعر):

    وكيف يواصل من أصبحت ........ خلالته كأبي مرحب ؟

    أي كخلالة 'أبي مرحب'، وعلى هذا يجوز قوله: 'خلتي جابرا' أي ذا خلتي، وصاحب خلتي. ويقال مررت برجل سواك وسواك وسوائك وسوايك أي غيرك. قال الشاعر:

    يجانف عن جو اليمامة ناقي ........ وما قصدت من أهلها بسوائكا

    أي لغيرك، وقال:

    ولا ينطق الفحشاء من كان منهم ........ إذا جلسوا منا ولا من سوائنا

    أي من غيرنا، وقال أبو داود:

    وكل من ظن أن الموه مخطئه ........ معلل بسواء الحق مكذوب

    أي بغير الحق، فأدخل الباء على سواء، وهي لا تستعمل في حالة السعة والاختيار إلا ظرفا، فاضطر بجعلها اسما، ويدلل على كونها ظرفا قولهم: مررت بالذي سواك، فكونها صلة تدل على ظرفيتها، وشيء أخر قول لبيد:

    وأبذل سنام القدر ان _ ن سواءها دهما وجونا

    فنصب 'دهما' و'جونا' لأنهما اسم 'أن' وقدم الخبر وهو 'سواءهما' كما يقال: 'أن في الدار زيدا'، ولو لم يكن طرفا ما جاز أن يفصل بها بين 'أن' واسمها. قال أحمد بن يحيى: ومعناه أن لك في غير قدرتك أبلا أيضا فأطعم الناس من هذه. وأنشدنا أبو علي للفرزدق بيتا جعل فيه ما لم يستعمل إلا ظرفا غير ظرف ضرورة:

    رمته بمجلوم كأن جبينه ........ صلاية ورس وسطها قد تفلقا

    رفع 'وسط' ضرورة، وهو مما لا يستعمل إلا ظرفا، ولهذا نظائر، ولذلك قال المتنبي 'بسوائه'، ومعنى البيت ليس لك خل غير نفسك، لا تركن إلى قول أحد قال أنني خليل لك، أي قد فسد الناس، وهذا كقوله أيضا:

    خليلك أنت لا من قلت خلي ........ وأن كثر التجمل والكلام

    ويجوز ما الخل إلا من لا فرق بيني وبينه، فإذا وددت فكأنني بقلبه أود، وإذا رأيت فكأنني بطرفه أرى، أي إنما يستحق أن يسمى خلا من كان منك بهذه المثابة.

    ( إنّ المعين على الصبابة بالأسى ........ أولى برحمة ربها وإخائه )

    الصبابة رقة الشوق. رجل صب وامرأة صبة، وقد صبت صبابة. قال الشاعر:

    أني أسائل كل ذي طب ........ ماذا دواء صبابة الحب ؟

    وقوله: 'على الصابة' أي على ذي الصبابة، فكأنه قال: أن المعين على الصبابة بالأسى أولى بان يرحمه ويكون أخاه أما لأنه هو الذي جنى عليه ما جنى، وأما لأنه أعرف الناس بدوائه وأطبهم بدائه ويجوز أن يكون قوله أيضا على الصبابة أي مع ما أنه فيه من الصبابة كما قال الأعشى:

    تضيفته يوما فقرب مقعدي ........ وأصفدني على الزمانة قائدا

    أي أعطاني، مع ما كنت أقاسيه (من) الزمانة، قائدا، وهذا القول كأنه أكشف، من الاول، ويكون المعين في هذا، أي لا معونة عنده لي إلا إيراده على الأسى والحزن فيجري مجرى قولهم: 'عتابك السيف وحديثك الصمم' أي لا عتاب عندك لكن السيف، ولا حديث عندك لكن الصمم، وكقول عمرو بن معدي كرب:

    وخيل قد دلفت لها بخيل ........ تحيّة بينهم ضرب وجيع

    ( مهلاً فإنّ العذل من أسقامه ........ وترفقاً فالسمع من أعضائه )

    'أسقام جمع سقم وسقم يقال سقم وسقم، وعجم وعجم، وعرب وعرب وشغل وشغل ونحل ونحل. يقول لعاذله: أرفق برب هذه الصبابة، يعني نفسه، فأن العذل أحد أسقامه، لأنه كثير الأسقام، فعذلك إياه أحدهما، وترفق به فأن السمع من أعضائه الذاهبة فأنك أن لم ترفق به ذهب سمعه فلم يسمع لك عذلا.

    ( وهب الملامة في اللذاذة كالكرى ........ مطرودة بسهاده وبكائه )

    'هب' أي أجعل. يقال: وهبني الله فداك أي جعلني الله فداك و'الكرى' النوم و'السهاد' السهر. يقال سهد يسهد سهاد وسهدا. قال الأعشى:

    أرقت وما هذا السهاد المؤرق ؟ ........ وما بي من سقم وما بي معشق

    يقول أجعل ملامتك إياه في التذاذكها كالنوم في لذته، فأطردها عنه بما عنده من السهاد والبكاء، أي لا تجمع عليه اللوم والسهاد وألبكاء، أي فكما أن السهاد والبكاء قد أزالا كراه فاترك ملامك إياه.

    ( لا تعذر المشاق في أشواقه ........ حتى يكون حشاك في أحشائه )

    'الأشواق' جمع شوق، فجمعه وأن كان مصدرا، كما يقال سعل وأسعال، وحزن وأحزان، وفكر وأفكار، وهذا كثير جدا، وإذا جمعت المصدر فإنما توقعه على النوع، فأما الجنس فلا يصح جمعه لاستحالة ذلك في المعنى، أي فلا يعذر المشتاق على ما به حتى يجد مثل الذي يجد، وهذا كقول الآخر: 'وإنما يعرف العشاق من عشقا' وهو كثير.

    ( إن القتيل مضرجا بدموعه ........ مثل القتيل مضرجا بدمائه )

    يقال ضرجت الثوب تضريجا إذا صبغته بالحمرة خاصة، وربما استعمل في الصفرة، وكان الأصمعي يقول في قول النابغة: 'وأكسية الضريح فوق المشاجب' قال هو الخز الأصفر والانضراج الاتساع. وقال عمرو بن أبي ربيعة:

    وما نلت منها محرما غير أننا ........ كلانا من الثوب المضرّج لابس

    ونصب 'مضرجا' في الموضعين على الحال، كأنه قال: 'أن القتيل مضرجا بدموعه مثل القتيل إذا كان مضرجا بدمائه، جعل جريان الدموع كجريان الدماء تعظيما لها (ومعنى كان هنا معنى وقع ولا خبر لها كما تقول ): هذا إذا كان بسرا أطيب منه إذا كان رطبا'.

    ( والعشق كالمعشوق يعذب قربه ........ للمبتلى وينال من حوبائه )

    ( الحوباء) النفس. يقال: هي النفس والحوباء والجرشّي والشراس والقرينة والقرونة والكمال والجروه. قال (مدرك بن حصن):

    بكى جزعا من أن تموت وأجهشت ........ إليه الجرشّي وأز مغلّ خنينها

    كذا أنشده أبو عبيدة، و'وأزمغل' بألغين معجمةّ، وأنشد العامري بالعين. قال رؤبة:

    وقاتل حوباءه من أجلي ........ ليس له مثلي ، وأين مثلي ؟

    وقال العجاج:

    فقلت للحوباء حين هممت ........ بأن تخف جزعا أو خفت

    يقول العشق قاتل، وهو مع ذلك محبوب مطلوب.

    ( لو قلت للدنف الحزين فديته ........ مما به لأغرته بفدائه )

    'الدنف' الشديد المرض، يقال دنف ودنف، فمن قال دنف ثناه وجمعه وأنثه، ومن قال دنف (بفتح النون) جعله للواحد والاثنين مدنف ومدنف ووجه إغارته إياه (الشح على) محبوبه والخوف (من) أن يحل أحد محله منه، فهو على ما هو فيه لا يسمح لأحد أن يفديه مما به من الضر وألجهد، وقوله بفدائه أي بفدائك إياه، فأضاف المصدر إلى المفعول، كقوله تعالى: 'لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه' ومعناه بسؤاله لنعجتك، و'لا يسأم الإنسان من دعاء الخير'، أي من دعائه الخير، وهذا كثير.

    ( وقي الأمير هوى العيون فأنه ........ ما لا يزول ببأسه وسخائه )

    يدعو له بالسلامة من الهوى، وهو قريب من قول جرير:

    أن العيون التي في طرفها مرض ........ قتلتنا ثم لم يحيين قتلانا

    يصرعن ذا اللب حتى لا حراك له ........ وهنّ أضعف خلق الله أركانا

    وقد أوضحه بقوله:

    ( يستأسر البطل الكميّ بنظرة ........ ويحول بين فؤاده وعزائه )

    'يستأسر' أي يأسر، و'البطل' الذي يبطل عنده دماء الأقران لشجاعته، و'الكميّ' الشجاع الذي قد استترت مواضع خلله أما بسلامته أو بشجاعته لتفانيه وحذقه وكمي شهادته يكميها إذا سترها، وسمي كميا لاستتار خلله، كما قيل بهمه لاستبهام أمره على تربه، فلا يدري من أين يأتيه، ومعنى البيتين من قوله عليه السلام: 'حبّك الشيء يعمي ويصم'.

    أني دعوتك للنّوائب دعوة ........ لم يدع سامعها إلى أكفائه

    'الأكفاء' النظراء واحدهم كفو وكفء والكفاء أيضا مثله. قال النابغة:

    لا تقذفني بركن لا كفاء له ........ وأن تأثفك الأعداء بالرفد

    ومعناه: أنى دعوتك للنوائب وأنت وعال عليها.

    ( فأتيت من فوق الزمان وتحته ........ متصلصلا وأمامه وورائه )

    'متصلصلا' له صلصلة وحفيف لشدة السرعة. قال الشنفري، قراءة على أبي علي:

    وتشرب أساري القطا الكدر بعدما ........ سرت قربا أحشاؤها تتصلصل

    و'أحشاؤها' أعضائها ونواحيها، وقوله: 'من فوق الزمان وتحته وأمامه وورائه' استعارة لا حقيقة، ويريد إسراعه وحده في نصرته، وهذا فاش في أشعار العرب.

    ( من للسيوف بأن تكون سميّها ........ في أصله وفرنده ووفائه )

    كلام متراخ - (فرنده) ماؤه وخضرته. يقال: فرنده وبرنده، وألفاء أكثر، و'التاء' في (يكون) للسيوف. أي من للسيوف بأن تكون سيف الدولة لأنه سميّها ؟وقريب منه قوله:

    تظن سيوف الهند أصلك أصلها ........ وأنّك منها ، ساء ما تتوهم

    واستعار (الفرند) هاهنا لمكارمه ومحاسنه، لما وقع عليه سيف الدولة.

    ( طبع الحديد فكان من أجناسه ........ وعليّ المطبوع من آبائه )

    أي الحديد ينزع إلى أجناسه من الحديد أن جيدا وأن رديئا، و'عليّ' ينزع إلى آبائه في شرفهم وكرمهم. وتعلّق عليه في قوله:

    ليت أنا إذا ارتحلت لك الخي _ ل وأنّا إذا نزلت الخيام

    فقيل جعل الخيام فوقه، فقال مجيبا:

    ( لقد نسبوا الخيام إلى علاء ........ أبيت قبوله كلّ الآباء )

    ( وما سلمت فوقك للثريا ........ وما سلّمت فوقك للسماء )

    ( وقد أوحشت ، أرض الشام حتى ........ سلبت ربوعها ثوب البهاء )

    ( تنفّس والعواصم منك عشر ........ فيعرف طيب ذلك في الهواء )

    أي مسافتها مسيرة عشر، ومعناها بينك وبينها أرض تقطع في عشر ليال .^وقال لمحمد بن إسحاق التنوخي، وقد هجي على لسانه، فكتب إليه يعاتبه، فأجابه:

    ( أتنكر يا ابن إسحاق إخائي ........ وتحسب ماء غيري من إنائي ؟ )

    ضرب له مثلا، يقول ما هجيت به من قولي يدفع عن نفسه ما ظنّ به، وأن يختلط عنده كلامه بكلام غيره.

    ( أأنطق فيك هجرا بعد علمي ........ بأنك خير من تحت السماء ؟ )

    ( الهجر ): الفحش من القول. يقال 'هجر' المريض في منطقه إذا هذى، و'أهجر' الرجل إذا جاء بالخنا في منطقه. قال الله تعالى: 'سامرا تهجرون' أي تهذون، ومن قرأ: 'يهجرون' أراد يقولون الهجر، وهو الخنا، ويقال: 'تكلم فلان بالمهاجر' وهو الكلام القبيح. قال بعض فصحاء العرب: 'قول الجهول كالغثاء في السيل، وناطق الهجر كحاطب الليل'.

    ( وأكره من ذباب السيف طعما ........ وأمضى في الأمور من القضاء )

    ( ذباب السيف ): طرفه، واستعار له الطعم.

    ( وما أرمت على العشرين سنّي ........ فكيف مللت من طول البقاء )

    يقال 'أرمي' العشرين و'رمى عليها' و'أربى' إذا زاد، وجاء في الحديث: 'أخاف عليكم الرما' أي للزيادة، يعني الربا. قال الشاعر:

    وأسمر خطيا كأنّ كعوبه ........ نوى القلب قد أرمى ذراعا على العشر

    أي زاد (أو أربى)، ويروى 'أربى وأرمى'

    ( وما استغرقت وصفك في مديحي ........ فأنقص منه شيئا بالهجاء )

    أي: أنا باستتام مدائحك أولى مني بالأخذ في هجائك، فكيف تظنّ بي ما ظننت ؟

    ( وهبني قلت هذا الصبح ليل ........ أيعمى العالمون عن الضياء ؟ )

    ( تطيع الحاسدين وأنت مرء ........ جعلت فداءه وهم فدائي )

    وقوله (جعلت فداءه) محمول على المعنى دون اللفظ، وذلك أنه في موضع وصف مرء، وحق الوصف، إذا كان جملة، وأن يكون خبرا يحتمل الصدق والكذب، نحو قولك: 'مررت برجل أبوه منطلق' يخبر أنه قد جعل فداءه، وإنما يسأل (أن) يجعل فداءه، والدعاء لا يحتمل صدقا ولا كذبا، ولكنه محمول على المعنى، فكأنه قال: وأنت مرء مستحق لأن أسأل الله أن يجعلني فداه، ومثله قول الراجز أنشدنيه أبو علي:

    ما زلت أسعى معهم وأختبط ........ حتى إذا جاء الظلام المختلط

    جاءوا بضيح هل رأيت الذئب قط ؟

    فقوله: 'هل رأيت الذئب قط ؟' في موضع وصف 'ضيح' وهو استفهام، والاستفهام لا يحتمل صدقا ولا كذبا، ولكنه كأنه قال: 'جاءوا بضيح، يقول: من رآه ؟هل رأيت الذئب قط، فأنه يشبهه، ومثله قول الآخر:

    فإنما أنت أخ لا نعد منه

    أي 'لأعدمناه'، يدعو له بالبقاء، والضمة في 'الميم' من 'نعدمه' منقولة إليها من 'الهاء' أراد: 'لا نعدمه' فنقل الحركة كقول الآخر:

    عجبت والدهر كبير عجبه ........ من عنبري سبّنتي لم أضربه

    يريد: 'لم أضربه' وليست 'الضمة' في 'ميم' نعدمه ضمة أعراب، لأن الكلمة مجزومة 'بلا'، ومثله قول الآخر:

    بئس مقام الشيخ أمر س أمرس ........ أما على قعو وأما أقعنسس

    أي مقام يقال له فيه: أمرس أمرس، و'أمرس' أي أعد الحبل إلى 'قب' البكرة، وفيها موضع مجرى الحبل في الفلكة .وقوله: (مرء) والوجه إذا لم يكن فيه 'ألف ولام' أن يقال: 'هذا امرؤ' و'مررت بامرئ' و'رأيت امرأ' فتتبع 'الراء' حركة الإعراب، فإذا أدخلت الألف واللام قيل هذا المرء ورأيت المرء، فيكون بوزن 'قرع' ولغة أخرى: 'هذا مرؤ' و'رأيت مرءا' و'مررت بمرء'، ولغة أخرى: 'هذا أمرؤ' و'رأيت امرأ' و'مررت بامرئ' فتكون 'الراء' مفتوحة على كل حال، ويجري الإعراب على الهمزة، قال الشاعر:

    بأبي امرؤ والشام بيني وبينه ........ أتتني ببشرى برده ورسائله

    فأسكن الميم وفتح الراء وضم الهمزة، وقرأت على محمد بن محمد عن أحمد بن موسى عن محمد بن الجهم عن الفرّاء قال: أنشدني أبو مروان:

    أنت امرؤ من خيار الناس قد علموا ........ يعطي الجزيل ويغلي الحمد بالثمن

    قال: وبعض قيس يقولون: 'الأمراء الصالح والمرأة الصالحة'، وحكى الفرّاء أيضا: 'هذا المرء، ورأيت المرء، ومررت بالمرء' فيتبع حركة الميم حركة الهمزة، وتكون 'الراء': ساكنة على حال، فحكى ابن الإعرابي: هو المرو، هو المرء وهو المرء و (هم) عطف على 'التاء' في (جعلت) وحسن العطف، وأن لم يؤكد لطول الكلام 'بفداء'، ومعنى هذا البيت شبيه بما أخبرني به أبو الفرج الكاتب عن أبي دلف هاشم بن محمد الخزاعي. قال حدثني العباس بم ميمون طائع قال حدثني جناد بن عيناء العنسي لأبي فرعون وهو يرقص ابنته:

    بنيّتي ريحانة أشمّها ........ فديت بنتي وفدتني أمها

    فتقول أمها: 'طعنة في كبدك! '

    ( وهاجني نفسه من لم يميّز ........ كلامي من كلامهم الهراء )

    ( الهراء) الساقط من الكلام الكثير الذي لا خير (فيه ). قال أبو زيد في 'كتاب الهمز' هرأ الرجل في منطقه فهو يهرأ هرأ إذا قال الخنا والقبيح، وهذا منطق هرأ، إذا كان منطقا ذا فحش. قال ذو الرمة:

    لها بشر

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1