Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

زنزانة حي الدقّاقين
زنزانة حي الدقّاقين
زنزانة حي الدقّاقين
Ebook311 pages2 hours

زنزانة حي الدقّاقين

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

تدور أحداث زنزانة حيّ الدّقاقين في أحياء دمشق القديمة، في الفترة الممتدة من سبعينيات القرن العشرين المنصرم وحتى أواخر العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وهي الفترة حالكة السواد، والأشدّ قسوة في تاريخ سوريا الحديث.

في حيّ الأمين الدمشقي العريق،

Languageالعربية
Release dateSep 26, 2023
ISBN9789198830538
زنزانة حي الدقّاقين

Related to زنزانة حي الدقّاقين

Related ebooks

Reviews for زنزانة حي الدقّاقين

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    زنزانة حي الدقّاقين - أسامة شاكر

    أسامة شاكر

    OSAMA SHAKER

    زنزانة حيّ الدَّقَّاقين

    Cellen i kvarteret Al-Daquaqin

    رواية

    Sameh Publishing

    حقوق النشر

    زنزانة حيّ الدَّقاقين © 2023 أسامة شاكر

    © 2023 جميع الحقوق محفوظة للناشر

    Sameh Publishing

    البريد الإلكتروني: info@sameh.se

    الموقع الإلكتروني: www.sameh.se

    يُمنع إعادة إنتاج أي جزء من هذا الكتاب أو تكييفه أو نقله بأي شكل من الأشكال وبأي وسيلة إلكترونية أو ميكانيكية، وكذلك يُمنع نسخه أو تسجيله بأية طريقة من طرائق التسجيل أو غير ذلك، من دون إذن خطي من الناشر.

    تصميم الغلاف: كريم محمد

    التصميم الداخلي: ياسمين

    الطبعة الأولى، 2023

    ردمك:

    978-91-988305-3-8

    •••

    Cellen i kvarteret Al-Daquaqin © 2023 Osama Shaker.

    © 2023 Sameh Publishing.

    info@sameh.se

    www.sameh.se

    Inga delar av texter i den här boken får användas, publiceras, kopieras, reproduceras anpassas eller överföras i någon form på något sätt, elektroniskt, mekaniskt, fotokopiering, inspelning eller annat, över hela världen utan skriftligt tillstånd från upphovsrättsägare och Sameh Publishing förlaget.

    Omslagsbild: Mahmoud Sulaiman, Unsplash

    Omslagsdesign: Karim Mohamad

    Inlageformgivning: Yasmine

    ISBN: 978-91-988305-3-8

    الإهداء

    إلى أمي الأرملة الأبدية... شاهيناز،
    وبناتي... هدايا الكون.

    الفصل الأول

    اختفاء عزيز

    من الصعب التنبؤ بقرب وصول الثيران الهائجة التي تشق طريقها في أرض طينية؛ فلا غبار ينذر بقدومها من بعيد. وحين يُسمع هديرها المرعب تكون قرونها الصلبة قد مزقت أجساد من مرّت بهم.

    قد تنجو وتستيقظ صباحاً على صوت المذيعة نجاة الجم وهي تقول لك من إذاعة دمشق: «مرحباً يا صباح». حينئذٍ، سيُؤكد لك صوتها القادم من موت قديم أنك ما زلت على قيد الحياة. وهي بالطبع لا تؤكد، ولا تنفي، ولا تمزح. بل ترحّب بالصباح بحكم العادة فقط، وعليك الخروج من المنزل لتتأكد.

    هذا هو المزاج المعتاد لسكان المدن القلقة. وهـذا ما فعلته أمّ حسن حين أخذت مرتضى، آخر العنقود، لتشتري له حذاءً من محل باتا في سوق الحريقة.

    استغرب رجال الحيّ حالة أمّ حسن وهي عائدة ممسكة بيد مرتضى، وقد ارتسم على خديها خطان أسودان تشكّلا من مزيج الدموع والكحل؛ ثيابهما متّسخة كأنما الشارع مُسح بها. هكذا بدت أمّ حسن المعروفة بأناقتها، هي وأولادها وزوجها الخياط السابق وصاحب محل للألبسة الجاهزة.

    خرج الكوّى أبو جهاد والبقّال أبو عزيز من دكانيهما، ثم نظرا إلى بعضهما بعضاً مستغربين منظر أمّ حسن وابنها. وقد شعرا بالحرج من اعتراض طريقها في الشارع وسؤالها عما جرى لهما، وهي بدورها لم تبادر بالحديث وطلب المساعدة. تابعاها مع عدد من الزبائن المنتظرين، حتى اختفت في مدخل المبنى المقابل المؤلف من ثلاث طبقات.

    فتحت أمّ حسن باب الشقة على عجل وقد علا صوت بكائها، ثم دفعت مرتضى إلى الداخل بعنف، وصفقت الباب خلفها، وظلّ صوت بكائها مسموعاً من خلف الباب.

    في اليوم التالي، وبعد أن سمع صوت صفير مُشَفّر بلحن خاص، تسلّل مرتضى نحو سطح البناء حيث كان جعفر وسليم بانتظاره. جلس الأصدقاء الثلاثة على الكتل الإسمنتية التي تُثبّت عليها هوائيات التقاط البثّ التلفزيوني، ثم أخرج سليم سيجارة وعلبة كبريت وأشعل السيجارة، وبدؤوا بتداولها في ما بينهم. أنصت جعفر وسليم، وهما صامتان وأعصابهما مشدودة، إلى القصة التي رواها لهما مرتضى الذي لم ينم في الليلة الماضية، بل بقي جسده متصلباً، بارداً في ذلك الصيف الحار. كانت تلك تجربتَه الأولى مع الحياة والموت والدماء. أقسم لهما بكل المقدسات إن الضابط الذي قُتل قربه ابتسم له قبل لحظات من الحادث أثناء خروجه مع أمّه من حيّ باب السريجة باتجاه شارع البدوي. بقيت عينا مرتضى معلقتين بالضابط، وأمّه ممسكة بيده تقوده ورأسه للخلف مبهوراً بالبزّة العسكرية. رأى الضابط العملاق يسحب مسدسين ويطلق الرصاص من دون أن يتحرك من مكانه. لم يفصل بينهم سوى سيارتين متوقفتين بجانب الرصيف بشكل طولي.

    ارتميا بين السيارات، وشدّت أمّ حسن ابنها إلى جسدها حتى كاد أن يختنق، ووضعت كفّها على رأسه كأنها خوذة تحميه، وهي تنتفض من شدّة الخوف. دفع مرتضى نفسه إلى الأعلى سنتيمترات قليلة ليرى ما يحجبه عنه منديل والدته سكريّ اللون الذي انزاح عن رأسها والتفّ حول رقبتها كحبل المشنقة. لم تصرخ أمّ حسن ولم تولول، لكن دموعها انهمرت بغزارة وهي تتلو آيات قرآنية. لعلع صوت الرصاص المخيف، لكن ما أفزع مرتضى أكثر هو رنين الرصاص الفارغ وهو يقرع الأسفلت ويتدحرج نحوهما. راقب مرتضى المشهد من خلال الشاشة المتشكّلة من الفراغ بين أسفل السيارة والأرض. رأى أرجلاً تركض، وأشخاصاً ممدّدين على الأرض، وظلّت قدما الضابط ثابتتين في مكانهما حتى هوى أخيراً، فتوقف صوت إطلاق الرصاص، وبدأ الناس بالنهوض ومغادرة المكان على عجل. لم تتفاعل أمّ حسن بسرعة مع التطورات، بل بقيت منبطحة على الأرض تشدّ مرتضى إلى جسدها وتحمي رأسه بكفها، حتى ناداها أحد الرجال من أصحاب الدكاكين المجاورة والذي كان منبطحاً على الرصيف: «قومي أختي ظبطي إشاربك وامشي من هون بسرعة».

    كان ذلك الاشتباك كميناً نُصب لقيادي في الطليعة المقاتلة، متنكراً بزي ضابط، يرافقه شخصان آخران. تنكّر رجال الأمن أيضاً، واندسوا بين عمال المياومة مقابل باب السريجة، وتخفّى بعضهم كبائعي فواكه، فيما جلس البعض الآخر داخل الدكاكين. وعندما وصل الضابط المتنكّر ومرافقوه إلى بداية الشارع، وأصبحوا في مجال رؤية المراقب المتخفي داخل سيارة فولكسفاكن صالون متوقفة إلى يمين الشارع، تعرّف على الضابط المتنكّر وبدأ الهجوم. سقط في الهجوم عدد كبير من المدنيين بين قتيل وجريح.

    ***

    مات عبد الحليم حافظ في نهاية شهر آذار من ذلك العام، وقد ملأت صوره الشوارع وواجهات المحالّ. تجمّع الشباب في العديد من الأحياء، وأقاموا له جنازات افتراضية؛ فعلوا ذلك غالباً إرضاءً للفتيات اللواتي خرجن إلى الشرفات يبكين من أجّج بأغانيه نيران الغرام في قلوبهن، ومن أنبت لأحلام يقظتهن أجنحة من الوجد والعشق.

    ظلّت أغانيه تصدح عالياً من المحالّ والأكشاك لأشهر:

    وداع يا دنيا الهنا

    وداع يا حبّ، يا أحلام

    ده عمر جرحي أنا... أنا، أطول من الأيام...

    بكته نساء دمشق سرّاً وعلناً. واختلف الناس حول ذلك بعد انتشار قصة أبو عدنان الذي حطّم راديو التوشيبا على رأس زوجته، فشوّهه وشوّه وجهها إلى الأبد، وأصيبت بالعمى بعد أن ضبطها تبكي وهي تعصر الغسيل بغسالة «الهندي» الكهربائية التي طالما منّنها بها هو وأمّه التي وشت له بخيانة زوجته له مع عبد الحليم. تسببت تلك الجريمة باندلاع موجة من النقاش في السهرات العائلية. برّر بعض الناس للمجرم فعلته، وأدانه البعض الآخر ورفض تصرفه. وحصلت مشاكل كبيرة بين الأزواج وبين الأقارب والأصدقاء حول أغاني عبد الحليم، ووصل الأمر أحياناً إلى حدّ التضارب، خصوصاً حول أغنية «قارئة الفنجان»؛ حيث احتجّ البعض على المقطع الذي يقول: «يا ولدي قد مات شهيداً من مات فداءً للمحبوب»، واعتبروا هذا كفراً صريحاً. مع أن عبد الحليم حين غنى في دمشق، صعدت النساء إلى خشبة المسرح وقدّمن له ذهبهن عربون شكر وامتنان لأنه علّم أزواجهن بعض الحنان، والشغف، والهيام بهن.

    ولكي تُخرج السلطة الناس من حزنهم على فقيدهم الغالي، أدخلتهم في أزمة ضمير، كانت بمثابة رسالة رعب من السلطة لكل فرد، ومفادها: «نحن نفعل ما نريد، ويمكن لأي شخص أن يُعلّق بحبل المشنقة. حتى وإن لم يعمل في السياسة». عُلّق «أبو الريش» على المشنقة، وهو الرجل الفقير المشرّد الذي ينام في الحدائق. أصدر الحكم بإعدامه قاضٍ بعثي كان معلماً في مدرسة ابتدائية.

    بعد أن ألقت سيارة مرسيديس سوداء جثة طالبة جامعية بجوار سور المدينة الجامعية! اصطادوا أبو الريش؛ خدعوه وخيروه بين تهمة التجسس لإسرائيل، وبين الاعتراف بقتل الفتاة مع حكم مخفّف ومبلغ مالي. هذا ما قاله بعد أن نطق القاضي بالحكم عليه.

    سأل أبو الريش القاضي بكل سذاجة وبصوت عالٍ عن الاتفاق. فسمعه كل من كان في قاعة المحكمة، وشاع الخبر في المدينة. ازداد الرعب بين الناس، وأحسوا بأنهم معلّقون في الهواء؛ فتهمة التجسّس في ظلّ الأحكام العرفية المفروضة على البلاد عقوبتها الإعدام، ويمكن أن يتلبّس بها أي شخص. انقبضت صدور الدمشقيين من تلك الرسالة الفجّة، والوقحة، والعنيفة. هرع الكثير من أصحاب المحالّ والحرفيين للانتساب إلى حزب البعث، ودفع بعض الأهالي أولادهم إلى الانخراط في جميع أنشطة الحزب، وذهب كثيرون أيضاً إلى تنظيم الإخوان المسلمين وجناحه العسكري، «الطليعة المقاتلة».

    لم يتوقّف عدّاد الضحايا عند أبو الريش الذي شُنق ظلماً بعد مقتل فتاة الجامعة، بل تجاوز العدد خمسين ضحية. فأثناء إجبار أبو الريش على تمثيل الجريمة في المدينة الجامعية أمام عدسات الكاميرات كما تم تلقينه، تجمعت الطالبات على شرفات البناء المطل، فسقطت الشرفات فوق بعضها بعضاً. قيل يومها إنه انتقام السماء لأبو الريش والطالبة الجامعية التي قُتِلت لأنها حملت من ابن مسؤول! تهامس الناس بذلك بحذر ومواربة في أغلب الأحيان.

    ***

    تفوح في الحيّ في شهر آب رائحة هي خليط من رائحة المشمش وهو يتحوّل ببطء إلى مربى داخل الصواني المنتشرة على الأسطح والشرفات، ورائحة البطيخ الأحمر وبذوره السوداء التي تُجفّف أيضاً لأيام، ثمّ تُحمّص مع بعض الملح. وتختلط بتلك الروائح رائحة الفلّ المزروع في علب معدنية صدئة تشتريها ربات البيوت من باعة جوّالين بعرباتهم، ينادون عليه في موسم الفلّ، ويوصلونه إلى أي طابق بسعر زهيد.

    ويزداد الضجيج في أرجاء الحيّ كافة خلال الصيف؛ حين تطرد غرف البيوت الضيقة الأولاد إلى الشارع لينهمكوا في الشغب الذي سيصبح ذكريات سعيدة في المستقبل. إذ يبتكرون أكبر عدد من الألعاب، قبل أن يأتي الخريف ويأخذهم إلى المدارس. لكن بعض الآباء من أصحاب المهن الخاصة يحرمون أبناءهم من تلك المتع، ويصطحبون أولادهم للعمل معهم في العطلة الصيفية. حتى إنّ البعض يتطرّفون ويرسلون أبناءهم للعمل في مهنة شاقة، حتى يشتدّ عوده، بحسب زعم الأب. ولا يشفع للأولاد غالباً توسّل الأمهات لصغارهن؛ فمقدار العناد في رؤوس أولئك الآباء أكبر من كل العمليات الدماغية الأخرى.

    هو تاريخ متراكم من نظريات التربية الاقتصادية التي تعلّم الصبر والتحمّل؛ من دون التدقيق في ظروف العمل، وفي ما يتعلّمه الأولاد من مفاهيم مغلوطة تؤثر في قيمهم الأخلاقية، ومن دون الحذر مما قد يتعرضون له أحياناً من تحرّش جنسي. أمّا الأكثر ثراءً من الآباء فيهتم بتعليم أولاده تقنيات استخدام العقل، حتى يكتسبوا القدرة على التحمّل والصبر.

    في الصيف أيضاً، وكلما ارتفعت حرارة الطقس، اشتدّت حدّة المعارك في لبنان. وقتئذٍ، تزدحم المدينة بالسيارات اللبنانية، وتتلوّن شوارعها بثياب النساء القصيرة وسراويل الفتية والفتيات فاقعة الألوان وقمصانهم الضيّقة. أمّا الرجال بشعرهم المتدلي على أكتافهم، وسوالفهم المرسومة كجزمة راعي البقر الأميركي، فكانوا أشبه برشّة زعفران فوق أرزّ المدينة. كانت حصّة الحيّ عدداً قليلاً من السيارات اللبنانية، بينما يكثر عددها في حيّ القصّاع المسيحي، في حين ينتشر الزوار اللبنانيون السنّة في معظم أحياء المدينة، خاصة في الأحياء الراقية. ومن عادة الكثير من أثرياء بيروت السنّة أن يزوّجوا أولادهم بفتيات دمشقيات من العائلات الكبيرة، لاعتقادهم بصفاء الأنساب الدمشقية، وفي معظم الأحيان لأسباب اقتصادية.

    كانت حصّة الأصدقاء الثلاثة، مرتضى وجعفر وسليم، من تلك العلاقات القومية والعائلية هزيلة، وتقتصر على لقاء نائل وكيس العجائب الذي يحضره معه من بيروت. يلوّح لهم نائل من داخل السيارة وهم يتبعونها، بينما يبحث والده عن مكان يركن فيه سيارة البونتياك بلونها الأزرق الفاتح، كأنها خرجت للتو من شاشة سينما تعرض فيلماً أجنبياً. تنزل والدة نائل من السيارة بطولها الفارع وهي تحمل رضيعها، تزيدها طولاً تنورة الميني جوب وحذاء السابو؛ ومن ينظر إليها كمن ينظر إلى الممثلة الإيطالية كلوديا كاردينالي. حتى جيرانها وأهل زوجها في بيروت ينادونها باسم كلوديا. أمّا في بيت أهلها في دمشق فتستعيد اسمها الحقيقي «هدية»، على اسم جدتها.

    تضطر أمّ نائل إلى أن تمشي مسافة داخل الحيّ لتصل إلى بيت أهلها، وسط نظرات ممتعضة وتلميحات مستنكرة من الواقفين أمام فرن التنّور ومن العاطلين عن العمل الجالسين في محل الحلاقة، ومن بعض المسنّين الجالسين على كراسٍ صغيرة من القش والخشب عند بائع الفول الذي لم يزل يعتمر الطربوش التركي. يلعن هؤلاء هذا الزمن المنحلّ الذي عمّ فيه الفساد، بحسب معيارهم المبني على تزايد أعداد النساء اللواتي كففن عن تغطية وجوههن بالمنديل. حتى «الإيشارب» الذي تضعه معظم النساء على رؤوسهن يُعتبر- في نظر هؤلاء- نوعاً من الفساد والانحلال! ويشيدون بالمقابل بنساء الغوطة اللواتي مازلن يرتدين الملاية الزرقاء ذات المربعات البيضاء الصغيرة حين يأتين بالعشرات إلى الحيّ صباح كل يوم خميس حاملات البقج البيضاء المشدودة بإحكام على ما فيها من ثياب داخلية، قاصدات حمّام السروجي استعداداً لليلة خميس، أو من أجل حمّام عروس.

    يسارع مراهقو الحيّ جميعاً لمساعدة أبو نائل في حمل الحقائب، على الرغم من أنّه لم يكن ودوداً مع أحد. أبو نائل قصير القامة، منتفخ الكرش كالكرة، وهو تاجر إطارات ثري، لكنه بخيل على كلوديا التي لا تحصل منه على طلباتها الشخصية إلا بعد معاناة. وإذا شعر بالغيرة من تصرف ما من جانبها، ينهال عليها بالضرب المبرّح. يريدها للزينة فقط؛ يريد التباهي بجمالها وأناقتها أمام الناس متى أراد ذلك هو وأمه وشقيقتاه اللتان فاتهما قطار الزواج، واللّتان تسكنان وأمّهما في المبنى الكبير نفسه في شارع فردان في بيروت. ورثت العائلة المبنى من الأب الذي ما إن مات حتى خلعت الأم وابنتاها الحجاب، وصفّفن شعرهن عند أشهر الحلاقين، وجلسن على الشرفة بقمصان النوم الشفافة يشربن القهوة ويدخنّ سجائر الكنت.

    نائل ولد مدلّل، طلباته كلها مستجابة؛ له ما يريد من ألعاب وثياب ونزهات. يدرس في أفضل مدارس بيروت الفرنسية الخاصة. وفي كل زيارة له إلى دمشق، يحتاج إلى عدة أيام حتى يخفف قليلاً من استخدام الكلمات الفرنسية. ولكي يفتح كيس العجائب، ينزوي هو والأصدقاء الثلاثة، مرتضى وجعفر وسليم، على السطح ليُخرج من ذلك الكيس سيارات «ماتش بوكس» من كل الألوان والأشكال لتبدو أشبه بمهرجان. أما الوجبة الدسمة فكانت من المجلات: تان تان، سوبرمان، ميكي، البرق. وهي جميعاً باللغة اللغة العربية، باستثناء تان

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1