Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

أعيان العصر وأعوان النصر
أعيان العصر وأعوان النصر
أعيان العصر وأعوان النصر
Ebook496 pages3 hours

أعيان العصر وأعوان النصر

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

موسوعة ادبية تاريخية تحتوي على 2019 ترجمة لاعلام من القرنين السابع والثامن الهجريين من الملوك والحكام والوزراء والامراء والقضاة والفقهاء والادباء والشعراء
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateNov 26, 1901
ISBN9786469516252
أعيان العصر وأعوان النصر

Read more from صلاح الدين الصفدي

Related to أعيان العصر وأعوان النصر

Related ebooks

Reviews for أعيان العصر وأعوان النصر

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    أعيان العصر وأعوان النصر - صلاح الدين الصفدي

    الغلاف

    أعيان العصر وأعوان النصر

    الجزء 8

    صلاح الدين الصفَدي

    696

    موسوعة ادبية تاريخية تحتوي على 2019 ترجمة لاعلام من القرنين السابع والثامن الهجريين من الملوك والحكام والوزراء والامراء والقضاة والفقهاء والادباء والشعراء

    محمود بن رمضان

    شرف الدين بن والي الليل .قال كمال الدين الأدفوي: رأيته والياً بأدفو ثم أسنا. وله نظم، ومدحني بقصيدة .وتوفي بمصر - رحمه الله تعالى - سنة تسع عشرة وسبع مئة .ومن شعره :

    هجرتموني بلا ذنب ولا سبب ........ وحبكم منتهى الآمال والطلب

    ورمت بالقرب منكم راحةً فغدا ........ قلبي يبعدكم في غاية التعب

    ومذ أطعت هواكم ما عصيت لكم ........ أمراً ولا ملت في حبي عن الأدب

    فما لطرفي لا يغشاه طيفكم ........ بُخلاً عليّ وأنتم أكرم العرب

    محمود بن طي

    الشيخ جمال الدين العجلوني المعروف بالحافي .كان إنساناً حسناً فقير الحال ذا عيال، أقام بصفد مدة، وكان يعرف بعض عربية، وينظم شعراً لا بأس به، وصحب عفيف الدين التلمساني زماناً، وأخذ عنه ذلك المذهب. وكان مع فقره وتصوفه حادّ الأخلاق .أنشدني كثيراً من شعره وكثيراً ما رواه لي عن عفيف الدين التلمساني، وكان لعله يحظ أكثر ديوان العفيف. وبحثت معه غير مرة. وكنت أردّ مقالته، وشعّب ذهن جماعة بصفد، وأعان الله على إنقاذهم، وكان يرتزق بشهادة القسم في خاص السلطان .وتوفي - رحمه الله تعالى - بصفد في سنة أربع وعشرين وسبع مئة. وقد قارب السبعين سنة .وكتبت أنا إليه مرة، وقد توجه الى قرية تُسمي عَلْما من قرى صفد، ومعه شخص يعزّ علي :

    ألا هل تُرى نازلين ُبا عَلْما ........ أحطتم بما يلقى مشوقكم عِلما

    فلو شاء حملي الريح نحو خيامكم ........ أتاكم بصبّ قد براه الهوى سقما

    وما ضرّكم رعي العهود التي مضت ........ فكم قد رعى طرفي لبعدكم نجما

    شُغلت بكم عن غيركم لا عدمتكم ........ فطرفٌ يرى إلا محاسنكم أعمى

    وعلّمني دمعي وجوهر ثغركم ........ إذا غبتم عن مقلتي النثر والنظما

    ولا عجب أن جاء صبري مُحاقُه ........ وحسنكم قد أخجل القمر التمّا

    منعتم جفوني لذة الغمض في الدجا ........ فما ذاق طرفي بعدكم للكرى طعما

    فكيف قضيتم بعدكم إن أدمعي ........ لعيني غسل وهي لم تبلغ الحلما

    أظنكم طهّرتم بمدامعي ........ عيوني لما أن رأت غيركم قِدما

    ولما شكت عيني إليكم سُهادها ........ حكمتم عليها أن تدوم وأن تدمى

    ومَن كنتم أحبابه يا سروره ........ ويا سعده إن صح لك أو تمّا

    ويا فوز قلب أصبحت خطراته ........ الى حبكم تسمو ، وصب لكم يسمى

    وإن كان عذّالي عموا عن جمالكم ........ فلي أُذن عن كل ما نقلوا صمّا

    فكتب هو الجواب إليّ عن ذلك، ولكني لم أجده عند تعليقي هذه الترجمة .وأنشدني من لفظه لنفسه تخميس قصيدة جيمية للعفيف التلمساني:

    بالناظر الفاتر الوسنان ذي الدعج

    وما بخدّ الذي تهوى من الضّرج

    قم يا نديمُ فما في الوقت من حرج

    انظر الى حسن زهر الروضة البهج ........ واسمع ترنّم هذا الطائر الهزج

    لي الهنا قد وفت سعدي بما وعدت

    ودارها قربت من بعدما بعدت

    فانظر تشاهد أنوار الجمال بدت

    تُجلى الرياض وقينات الحمام شدت ........ والزهر يحرق عرف المندل الأرج

    نُسَيمة القرب من ذاك الجمال سرت

    فكم فؤاد بها سرّت وكم أسرت

    وخاطر بلبلته عندما خطرت

    فعاطِني يا رشيقَ القد ما اعتصرت ........ يد الملاحة لي من طرفك الغنج

    عزت فعزّ علينا نيل مطلبها

    لما تسامت علوّاً في تمرتبها

    وفي لحاظك معنى عن تطلبها

    فما المدامة في سلب العقول بها ........ بالسُكر أسلبُ من عينيك للمُهج

    صهباء تذهب بالتبريح والترح

    وتُبدِل الهمّ والأوهام بالفرح

    يا طيب في ساحتي حاناتها مرحي

    وإن تُرد مزجها لا تمزجن قدحي ........ دعه برقة وجدي فيك يمتزج

    يا ويح روحي تمادت في مآربها

    واستعذبت ما تلاقي من مُعذّبها

    مسلوبة قد براها عشقُ سالبها

    مرّت ليالي صدود لو جمعت بها ........ دمعي جرت سفنٌ منه على لجج

    أشفقت من فيض آماقي على غرقي

    ولم يخلّ الضنى مني سوى رمقي

    وبُدِّل النومُ بالتسهيد والأرق

    كم قد فتحت لضيف الطيف من حُرَق ........ باب المنى فانثنى عنه ولم يلج

    عليك مُذ كنتَ لي ما زلت معتمدا

    لما أجلّك بالتعظيم معتقدا

    ولم أحل عن عهود بيننا أبدا

    وكم بذلت جميعي مجتهداً ........ وصنت سرّك في قلب عليك شج

    أضحى وجودي منسوباً الى العدم

    وسرُ وجودي بسقمي غير مكتتم

    كم قد تبرّمت من شوقي ومن ألمي

    وشمت برقاً على الجرعاء من إضم ........ قلبي عليك وطرفي غير مختلج

    لي البشارة أحلامي بكم صدقت

    وبالرضا أحسن الأحوال قد نطقت

    وكان ما صار بالحسنى التي سبقت

    وهذه ليلة من لؤلؤ خُلقت ........ حسناً وإن ظهرت في صبغة السبج

    أكرم بها ليلةً عظّمت حرمتها

    ودمت أشكر مهما عشت نعمتها

    ولم أخف من صروف الدهر نقمتها

    جلت ثناياك ذات الظلم ظلمتها ........ ولم يكلها لضوء الشمع والسّرج

    لما تجنّبت عن علمي وعن عملي

    شوقاً لرؤياك يا سولي ويا أملي

    أفنى فِناك فنائي وانقضى أجلي

    فصار ثبتك في محوي يحقق لي ........ إيجاب سلبي من ستر ومن بهج

    ومذ تجلّيت في كل المظاهر لي

    ولاح معناك لي في السهل والجبل

    حققت رؤياك كشفاً بالعيان جُلي

    فلم أقل للصّبا من بعدها احتملي ........ للحيّ شخصي ولا لي في الخيام لُجي

    محمود بن سلمان بن فهد

    الشيخ الإمام العالم العلامة الأديب الكامل البارع الناظم الناثر القاضي الرئيس الجليل شهاب الدين أبو الثناء الحلبي الدمشقي الحنبلي، صاحب ديوان الإنشاء بدمشق .سمع من الرضيّ بن البرهان، ويحيى بن عبد الرحمن بن الحنبلي، والشيخ جمال الدين بن مالك، وابن هامل المحدّث، وغيرهم. وكان يذكر أن له إجازة من يوسف بن خليل، وتفقه على ابن المنجا وغيره. وقرأ العربية على ابن مالك، وتأدّب بالشيخ مجد الدين بن الظهير الإربلي الحنفي، وسلك طريقه في النظم وحذا حذوه وأربى عليه، وإن كان قد تلا تلوه، لأنه كان إذا نظم أخذ الكلمات حروفاً، فإذا ركّبها صارت في الآذان شنوفاً، يرشف السمعُ منه مدامه، ويتعلم التغريدَ منها الحمامة، ويُسطرها فيرى الناس بدرها وقد استفاد تمامه، وزهرَها وقد شق الربيع كمامَه، وروضها وقد جادته الغمامه. وإذا نثر فضح الدر في السلوك، ورصّعه في تيجان الملوك، فكم من تقليد هو في يد صاحبه للسعد إقليد، وكم منشور فيه توليد، وهو بوجنة السيادة توريد، وكم من توقيع هو قنديل يضيء لمن حواه أو هو في كأس مسرّته قنديد. وخطه من أين للوشي رقمه أو للعِقْد نظمه أو للروض زهره أو لطرف الحبيب سِحره، أو للنجوم طرائقه، أو لخطوط إقليدس دقائقه، أو للفكر الصحيح حقائقه، قد نمّق أوضاعه المتأنّقة، ونسخ محاسن من تقدّمه بحروفه المحقّقة:

    ينمنِمُ الخطّ لا يجتاب أحرُفَه ........ والوشي مهما حكاها منه يجتابُ

    لو لم يكن مستقيماً بعدما سجدت ........ فيه المعاني لقلت السطرُ محرابُ

    أملى تصانيف في أكمامها ثمرٌ ........ تجنيه بالفهمِ دون الكف ألبابُ

    وكان - رحمه الله تعالى - ممن أتقن الفنين نظماً ونثرا. وبرع في الحالين بديهة وفكرا. وكان هو يزعم أن نثره أحسنُ من نظمه، وأن بدره فيه أكمل منه في تمّه .والذي أراه أنا، وأبرأ فيه من العناية والعنا، أن نظمه أعذب في الأسماع، وأقرب الى انعقاد الإجماع، لأنه انسجم تركيباً وازدحم تهذيباً، فسحر الألباب، ودخل بالعجب من كل باب، وإن كان نثره قد جوّده، وأجراه على قواعد البلاغة وعوّده، فإن شعره أرفع من ذلك طبقة، وأبعدُ شأواً على من رام أن يلحقَهْ، وهو يحذو فيه حذو سبط التعاويذي. وقصائده مطوّلة فائقة، ليس يرتفع فيها ولا ينحطّ، بل هي أنموذج واحد ليس فيها ما يُرمى. ولم يكن بغوّاص على المعاني ولا يقصد التورية، فإنها جاءت في كلامه قليلة، ومقاطيعه قليلة، ولكن قصائده طويلة طائلة هائلة، لعلها تجيء في ثلاثة مجلدات أو أربعة، ولم يجمعها أحد، وهي كما قال ابن الساعاتي:

    ناطقاتٌ بكل معنىً يضاهي ........ نُكَتَ السّحر في عيون الملاح

    من نسيب يهزّ عاطفة المج _ د ومدح يلين قلب السماح

    وأما نثره فيجيء في ثلاثين مجلدة. وكان أخيراً بالديار المصرية، يُنشئ هو ويكتب ولده القاضي جمال الدين إبراهيم، فيجيء المنشور أو التوقيع فائقاً في خطه ولفظه .وعلى الجملة فلم أر مَن يصدق عليه اسم الكاتب غيره، لأنه كان ناظماً ناثراً، عارفاً بأيام الناس وتراجمهم ومعرفة خطوط الكتّاب، وله الروايات العالية بأمها كتب الأدب وغيره، ورأى الأشياخ وأخذ عنهم. وعُيّن في وقت بالديار المصرية لقضاء الحنابلة .وهو - رحمه الله تعالى - أحد الكلمة الذين عاصرتهم وأخذت عنهم. وكان يكتب الإنشاء أولاً بدمشق، ثم إن الصاحب شمس الدين بن السلعوس نقله الى الديار المصرية لما توفي القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر، وتقدم ببلاغته وكتابته وإنشائه وسكونه وتواضعه .وأقام بالديار المصرية الى أن توفي القاضي شرف الدين بن فضل الله بدمشق، فجُهز مكانه الى دمشق صاحب ديوان الإنشاء، فأقام بها الى أن توفي - رحمه الله تعالى - ليلة السبت ثاني عشري شعبان سنة خمس وعشرين وسبع مئة بدار الفاضل بدمشق داخل باب الناطفانيين، وصُلي عليه ضحى يوم السبت بالجامع الأموي، وصلى عليه نائب الشام الأمير سيف الدين تنكز والأعيان برّا باب النصر، ودفن التي عمّرها لنفسه بالقرب من مسجد ابن يغمور، وصُلي عليه بمكة والمدينة .ومولده في شعبان سنة أربع وأربعين وست مئة .وكان محباً لأهل الخير والصالحين، مواظباً على النوافل والتلاوة والأدعية، يستحضر ذلك، ويذكر الموت دائماً، وعنده خوف من الله - تعالى - وعليه سكينة كبيرة ووقار .ولما مات رحمه الله تعالى كنت بالديار المصرية فقلتُ أرثيه، ولم أكتب بها الى أحد:

    ما حُزن قلبي في البلوى بمحدودِ ........ ولا فؤادي في السّلوى بمعدودِ

    فلا تذمَّ امرأ يبكي الدماء على ........ أبي الثناء شهاب الدين محمود

    يا ساري الليل يبغي الفضلَ مجتهداً ........ ارجع وحُطَّ عن المهريّة القُود

    مات الإمام الذي كنا نؤمّ له ........ فيما نؤمّله من غير تفنيد

    وأقفرت ساحةُ الآداب واندرستْ ........ معالم العلم منه بعد تشييد

    أما ترى كيف كتّاب الأنام غدت ........ أوراقُهم وهي فيه ذات تسويد

    هو الإمام الذي لما سما كرماً ........ ألقت إليه المعاني بالأقاليد

    طوفان علم جرَت فيه السّفينة من ........ آدابه واستوت منه على الجودي

    فليس باغي معاليه بذي ظَفَرٍ ........ وليس راجي أياديه بمردود

    كأن أقلامه في الكفّ بانُ نَقىً ........ حمائم السّجع منها ذات تغريد

    فيرجع الطّرس من نقش عليه بدا ........ كأنّه نقش كفّ الكاعب الرود

    كم قلّد الدهر عقداً من قصائده ........ بدُرّ لفظٍ بديع الرّصفِ منضود

    وكم حبا الملكَ تيجان البلاغة من ........ تلك التواقيع أو تلك التقاليد

    وكم أفاد المعاني من بلاغته ........ ما زانها باختراعاتٍ وتوليد

    فصال إذ صان سرّ الملك منفرداً ........ على الأعادي بكيدٍ غير مكدود

    فلا قوامُ القَنا يهتزّ من مرح ........ ولا خُدود المواضي ذات توريد

    وليس يُسمَع للأبطال همهمةٌ ........ رعودها خار منها كل رِعديد

    تدبير مَن حلبَ الأيام أشطرها ........ مهذّب الرأي في عزم وتسديد

    أراه إن قام ذو فضلٍ بمنصبه ........ قال البيانُ له قُم غير مَطرود

    أمّا ترسُّلُه السهل البديع فقد ........ أقام في شاهقٍ بالنّجم معقود

    أنسى الأنام به عبد الرحيم كما ........ راح العماد بقلبٍ غير معمود

    تراهُ إن أعمل الأيام مُرتَجلاً ........ قال البيانُ لها يا سُحبَنا جودي

    يُملي ويكتبُ من رأس اليراع بلا ........ فِكرٍ فيأتي بسحرٍ غير معهود

    إذا سمعنا قوافيه وقد نجزَت ........ تقول من طرَبٍ ألبابنا عيدي

    شاعَت فضائلُهُ في الناس واشتهرت ........ وبات يُنشدها الرُكبانُ في البيد

    يا مَن رجعتُ به في الناس معرفةً ........ من بعد ما زال تنكيري وتنكيدي

    ساعدت فيكَ حمامُ الأيكِ نائحةً ........ فقصّرت فيك عن تَعداد تَعديدي

    لهفي عليك وهل يُجدي التلهّف أو ........ يفكّ أسرَ فؤادٍ فيك مصفود

    وحُرقَتي فيك لا يُطفي تلهّبها ........ دمعي ولو سال في خدّي بأخدود

    فلا جفَت قبركَ الأنواءُ وانسجمت ........ عليه يا خير ذي صمتٍ وقد نودي

    وكنتُ قد قرأت عليه المقامات الحريرية وانتهيت منها الى آخر المقامة الخامسة والعشرين في سنة ثلاثة وعشرين وسبع مئة، فكتب هو عليها: قرأ عليّ المولى الصدر فلان الدّين، نفعه الله بالعلم ونفع به، من أوّل كتاب المقامات الى آخر الخامسة والعشرين قراءة تُطرب السامع وتأخذ من أهواء القلوب بالمجامع، وسأل منها عن غوامض تدلّ على ذكاء خاطره المتّقد، وصفاء ذهنه العارف منه بما ينتفي وينتقد. ورويتها له عن الشيخ الإمام مجد الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن الظهير الإبلي، وساق سنده الى الحريري ثم إنه كتب لي على آخرها وقد كمّلت قراءتها عليه بدمشق في ثاني عشر شهر الله المحرّم سنة أربع وعشرين وسبع مئة :قرأ عليّ المولى الكبير الرئيس العالم الفاضل المُتقِن المُجيد نظماً ونثراً المحسن في كل ما يأتي به من الأنواع الأدبية بديهة وفكراً. فلانُ الدين نفعه الله بالعلم ونفع به كتاب المقامات الحريرية قراءة دلّت على تمكنه من علم البيان واقتداره على إبراز عقائل المعاني المستكنّة في خدور الخواطر مجلوّة لعيان الأعيان. وإنه استشفّ أشعة مقاصدها بفكره المتّقد، وفرّق بين قيم فرائدها بخاطره المنتقد، فما تجاوز مكاناً إلا وأحسن الكلام في حقيقته ومجازه، ولا تعدّى بياناً إلا وأجمل المقال في تردد البلاغة بين بسط القول فيه وإيجازه، ورويته له عن فلان، وذكر السند على العادة .وكتب هو لي أيضاً على كتاب الحماسة :قرأ عليّ الصدر فلان الدين قراءة مطّلع من البلاغة على كنوزها، مميّز في الصناعة بين لُجين بديعها وإبريزها: باحثٍ عن إبراز مقاصدهم التي لا توجد في كلام مَن بعدهم، عالم بقيم فرائدهم التي إذا ساواها بغيرها نُقّاد الأدباء بسرح الامتحان والسبك نقدهم. ثم ذكر سنده فيها، على العادة .وكتب هو أيضاً على كتابه أهنا المنائح في أسنى المدائح مما نظمه هو في مديح رسول الله صلى الله عليه وسلم :قرأ عليّ المولى فلان الدين أيّده الله تعالى هذا الكتاب والزيادات الملحقة في آخره من نظمي أيضاً قراءةً دلّت على وفور علمه، وثبْت رويّته في استنباط المعاني وقوة إدراكه وسرعة فهمه، وشهدتْ بتمكّنه في هذه الصناعة، وأنبأتُ عما يُجريه فكره من مواد البراعة على لسان اليراعة، وأذنتُ له أن يرويها عني، وغيرها مما قرأه عليّ وما لم يقرأه من نظمي ونثري ومسموعاتي وإجازاتي .وكتبتُ أنا في آخر كتابه حسن التوسل الى صناعة التّرسّل بعدما قرأته عليه في شهر رجب سنة ثلاث وعشرين وسبع مئة: قرأت هذا الكتاب على مصنّفه الشيخ الإمام:

    العالمُ العلامة الحبر الذي ........ بهرت عجائبه بني الآداب

    ودنت لديه المشكلاتُ وطالما ........ جمحت أوابدُها على الطُلاب

    من كل قافيةٍ تهزّ معاطف ال _ أيّام من سُكر بغير شراب

    ورسالةٍ غلبت عُقول أولي النُهى ........ وتلعّبت بالسحر للألباب

    الألمعي أخي الفواضل والنّدى ........ الكامل الأدوات والأسباب

    المفوّه، المدبّر، المشير، السفير، يمين المُلك، يمين الملوك والسلاطين، شهاب الدين أبي الثناء محمود صاحب ديوان الإنشاء الشريف بالشام المحروس:

    لا برِحَت أبكارُ أفكاره ........ تُجلى لنا في حبر الحِبر

    وروضة الآداب مفترّة ........ من لفظه عن يانع الزهّر

    ابن المولى الوليّ الصالح السعيد زين الدين سلمان بن فهد رحمهما الله تعالى في مجالس آخرُها التاريخ المذكور، وقد رأى أن ينظمني في سلك خدَمه ويُفيض عليّ كما أفاض عليهم ملابس نعمه، ويحشُرني في زمرة الآخذين عنه ويُقبسني أنوارَ كماله في التهذيب الذي لم تطمح النفسُ الأبية أن تقبسها إلا منه .وكتبتُ أنا على أول هذا الكتاب:

    إذا كُنتَ بالإنشاء حلْف صبابةٍ ........ فقُم واتخذ حُسن التوسل واسطَهْ

    به ختم الآدابَ مُنشيه للورى ........ ولكن غدا في ذلك العقد واسطه

    إمامٌ له في العِلم والجسم بسطةٌ ........ وكفٌ غدت في ساحة الفضل باسطَهْ

    فطوبى لمن أضحى نزيلَ مقرّه ........ وقابلَه يوماً وقبّل باسطَهْ

    فلما وقف هو عليها كتب إليّ رحمه الله تعالى:

    أذا الدّرّ أم ذا الزّهر لو كان حاضراً ........ محاسنه حسّانُ أصبح لاقطَهْ

    وذا البدر حيثُ البدر في كبدِ السّما ........ على حبّه أطيار عقلي ساقطَه

    تفضّلت غرسَ الدّين لما تقبّلت ........ علومُك أعمالاً من النقص حابطَه

    وشيّدت إذ قيّدتَ فينا ضوابطاً ........ قواعدُها لولا وجودُك هابطَه

    وقرأت عليه بعض ديوان أبي الطّيب. وقرأت عليه ألفية ابن مالك ورواها لي عن المصنّف .ولما قرأت عليه قوله في كتاب حُسن التّوسل:

    فلم أرَ مثلَ نشرِ الروض لما ........ تلاقينا وبنت العامريّ

    جرى دمعي وأومضَ برق فيها ........ فقال الروضُ في ذا العام ريّي

    أخذتُ في الزهزهة لما في هذين البيتين من الجناس المركب، وبالغتُ في الثناء عليهما فقال لي: خُذ نفسك بنظم شيء في هذه المادة، فامتنعتُ فقال: لابد من ذلك، فغبت عنه يومي، وجئته في اليوم الثاني وأنشدته لنفسي في هذه المادة:

    بقول الشافعيّ اعْمَل تُحقّقْ ........ مُناك فما ترى كالشّافعيّ

    فكم في صحبه من بحر علمٍ ........ ومن حَبْرٍ ومن كشّاف عِيّ

    فقال: حسن، وعجّب بهما الحاضرين. ثم قال: إلا أن قافيتي أنا رائيّة، فغبتُ عنه يومي وأتيته في غد، وأنشدته لنفسي:

    أرى في الجَودريّة ظَبي أُنس ........ فيا شَغفي به من جو دريّ

    لبارق فيه سحّتْ سُحبُ دمعي ........ فقال الروضُ إنّ الجودَ ريّ

    وأنشدته لنفسي أيضاً:

    أقول لمُقلتي لما رَمَت في ........ فؤادي حسرةً من عنبريّ

    سلمتِ وبات قلبي في عذابٍ ........ ألم يخشى فؤادك عن بريّ

    فقال: حسنٌ لسنٌ، وزاد في الإعجاب بذلك، ثم قال: إلا أن قافيتي أنا مؤسّسة، يعني أن فيها الألف، فأتيته في اليوم الثاني وأنشدته لنفسي أيضاً:

    مليكٌ كم سحاب سحّ لي من ........ نداهُ الهامعيّ الهامريّ

    وقال السّيف في يُمناهُ لما ........ رأى الأعداء : من ذا الهام ريّي

    فقال: أجدتَ، ولكن أنا بيتاي في غزل، وهذان في مديح، فغبت عنه يومي، وجئته في اليوم الثاني وأنشدته لنفسي:

    مليحٌ جاء بعد الحجّ يُذكي ........ غَرامي بالنّسيم الحاجريّ

    تلظّت منهُ أشواقي بقلبي ........ وقالت : عند هذا الحاج رييّ

    فزاد في تقريظهما والثناء عليهما، فقلت: يا سيدي، والله ما يلحقك أحد في بيتك، ولو كان المطوّعي أو البُستي. قال: ولمَ ذاك ؟قلت: لأنك شاعرٌ مجيدٌ فحلٌ وقعتَ على المعنى بكراً فلم تدع فضلة لغيرك ليأتي به في تراكيبك العذبة الفصيحة ومعناه الحسن البليغ، فبالغ في الجبر والصدقة .وأنشدني من لفظه لنفسه:

    قُل لي عن الحمّام كيف دخلتها ........ يا مالكي لتسُرَّ خِلاً مُشفقا

    أدخلتَها وأولئك الأقوام قد ........ شدّوا المآزِر فوق كثبانِ النّقا

    فاستحسنتُهما، وأنشدته لنفسي مضمّناً في اليوم الثاني:

    مليحٌ أتى الحمّام كالبدر في الدُجا ........ ومبسمُه يُزري بزهرِ الكواكب

    وأردافُهُ من تحت مئزره حكَت ........ بياض العطايا في سَواد المطالبِ

    فأعجبه هذا التضمين كثيراً، وأنشدني يوماً له:

    إذا كان من أهواهُ روحي وراحتي ........ ولُقياهُ أرجى من حياتي وأرجحُ

    وأظمأني منهُ الزّمانُ بفقدِه ........ فلا شكّ أن الموت أروى وأروحُ

    فاستحسنتُهما، وأنشدته لنفسي في اليوم الثاني:

    لئن كان ما بي عنك في الحبّ خافياً ........ فلا شكّ أن الله أعلى وأعلم

    وإن كنتَ في إنسانِ عيني ممثَّلاً ........ ففي خاطري ذكراكَ أغرى وأغرم

    وإن كنتَ أذكيتَ الجوى بمدامعي ........ فنارُ الهوى في القلب أضرى وأضرَم

    وإن كنت تختارُ المنى في منيّتي ........ فوالله إنّ الموت أسلى وأسلَم

    فقال: نفَسٌ جيد دالّ على التمكّن والقدرة، ولكن اجتهدْ إذا عارضت أحداً أن يكون قولك في وزنه ورويّه، فأنشدته في اليوم الثاني:

    لئن طلبتُ نفسي السّلوَّ عن الذي ........ تلفْتُ به فالصّبرُ أنجى وأنجَحُ

    فقُل للحَيا الهتانِ أمسِك ولا تَرُم ........ مُساجلَتي فالدّمع أسمى وأسمحُ

    فقال رحمه الله تعالى: أجدتَ

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1