Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر
خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر
خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر
Ebook754 pages6 hours

خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

سفر جليل حوى ما تفرق في غيره من التراجم النادرة التي قد يصعب العثور عليها في مكان آخر . والمصنف لم يقتصر على فئة معينة بل شمل كل من عثر على ترجمة له ، سواء كان عالما جليلا أو سلطانا مطاعا أو أميرا من امراء الامصار أو متصوفا ذاع صيته أو اديب شهير ،
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJan 15, 1903
ISBN9786389484389
خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر

Read more from المحبي

Related to خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر

Related ebooks

Reviews for خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر - المحبي

    الغلاف

    خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر

    الجزء 3

    المحبي

    1111

    سفر جليل حوى ما تفرق في غيره من التراجم النادرة التي قد يصعب العثور عليها في مكان آخر . والمصنف لم يقتصر على فئة معينة بل شمل كل من عثر على ترجمة له ، سواء كان عالما جليلا أو سلطانا مطاعا أو أميرا من امراء الامصار أو متصوفا ذاع صيته أو اديب شهير ،

    حرف الذال المعجمة

    ذهل بن علي بن أحمد بن عبد الله بن الذهل بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن عمر حشيبر العارف المشهور بالغيثي نسبة لسيدي أبي الغيث بن جميل لأنه كان تلميذه وقال له في بعض وقائعه أنه حشى بر فلذلك اشتهر بحشيبر الحشيبري العدناني وبنو حشيبر هؤلاء قوم يسكنون الزيدية علماء أخيار قل من يدانيهم في العلم والعمل والصلاح وذهل هذا رئيسهم وكان إمام أهل العرفان المشار إليه بالبنان ولد في سنة ست وثلاثين وألف بمدينة الزيدية وأخذ الفقه والحديث وغيرهما من فنون العلوم عن العلامة محمد بن أحمد صاحب الخال ولازم العلامة المحقق الملا محمد شريف الكوراني الصديقي حين قدم الزيدية في رحلته لليمن وبرع في جملة من العلوم وأجازه جل شيوخه وأمروه بالتدريس ونفع الناس فتصدر وفاق أقرانه وألف مؤلفات عديدة منها حاشية على المنهاج سماها إفادة المحتاج على المنهاج ومنظمة في العقائد سماها جواهر العلوم وأرجوزة في علم التصوف سماها هداية السالك إلى رضى المالك وشرحها إيضاح المسالك وله شعر كثير منه قوله يمدح النبي صلى الله تعالى عليه وسلم

    حن قلبي شوقا إلى لقياكا ........ وتذكرت طيبة وحماكا

    وقباها ومنبرا وضريحا ........ جمع النور والبها إذ حواكا

    وخلعت العذار عن كل واش ........ وتهتكت رغبة في هواكا

    لست أصغي للائم وعذول ........ فمناى وبغيتي رؤياكا

    فعسى أن تجود بالوصل يوما ........ ويزول البعاد منك عساكا

    ومتى ألثم الضريح وأسعى ........ بين تلك الرياض والشباكا

    وأقول السلام يا سيد الرس _ ل جهارا بالصوت منى علاكا

    يا رسول الإله أنت المرجى ........ زادك الله رفعة وحباكا

    يا رسول الإله هب لي نورا ........ وسنا أستضيئه من سناكا

    يا نبي الهدى أغثني سريعا ........ وأقلني من عثرتي بدعاكا

    كن نصيري على الخطوب جميعا ........ وأجزني من جور دهر تشاكا

    أنت سر الوجود لولاك ما ........ كون الكون سيدي لولاكا

    خصك الله بالبراق وبالأسر _ ا ورؤياه جهرة قد حباكا

    بت ترقى في ليلة بفخار ........ طاب فيها إلى العلى مسراكا

    كان جبريل خادما وسفيرا ........ ولسبع الطباق قد رقاكا

    جزت حجبا وكم علوت بساطا ........ ما علاه من الأنام سواكا

    وصرير الأقلام من مستوى قد ........ سمعته حقا كذا أذناكا

    وأتاك الندا من مالك المل _ ك أذن مني وسل تقز بمتاكا

    وتجلى الجبار جل علاه ........ وتدلى إليك بل واصطفاكا

    وتلذذت بالخطاب عيانا ........ ولقاب للقوس قد أدناكا

    وتلاشيت في الغيوب بلا أب _ ن فمن ثم لم تزل قدماكا

    وتولاك إذ هداك ووال _ اك عطاء وبالجمال كساكا

    جمع الله فيك كل فخار ........ بل وأعطاك كل ما أرضاكا

    خاتم الرسل سيد الخلق طرا ........ كلهم في المعاد تحت لواكا

    فعليك الصلاة تترى دواما ........ وعلى الآل والتابعين هداكا

    وعلى الصحب من حموك وآووا ........ بل وفي الله جاهدوا أعداكا

    وعلى كل تابع وموال ........ مقتف أثرهم يريد رضاكا

    عد خلق الإله مني لترضى ........ وليرضى الإله عني بذاكا

    وقوله متغزلا

    يا هند جودي بوصال ولو ........ مقدار رد الطرف إذ يطرف

    وروحي روحي برؤياك يا س _ ؤلي فما غيرك بي يلطف

    فقد فنى صبري وطال المدى ........ وحبذا وصل به تعطف

    راقت ورقت ورقت في العلى ........ ونورها كالبرق قد يخطف

    وله غير ذلك وكانت وفاته في

    حرف الراء

    ربيع النباطي نزيل مكة كان من عظماء العلماء السالكين منهج الرشاد وهو من المشاهير في ذلك القطر بعلو القدر في العلم والعبادة ومدحه كبار الفضلاء وأثنوا عليه وأخذ عنه جماعة كثيرون وكان موصوفا بالسخاء والمكارم وكانت وفاته في سنة اثنتين بعد الألف ورثاه جماعة منهم الشهاب أحمد الخفاجي فإنه رثاه مؤرخا وفاته بقوله :

    صاح هل نافع وهل عاصم من ........ نشر وجد أمسى بطى الضلوع

    غير صبر قد مر إذ مر من كا _ ن ربيعا لكل غيث مريع

    كامل وافر رمانا زمان ........ فيه بالبعد بعد فقد سريع

    هو بر وفي المكارم بحر ........ من أصول تزهو بخلق بديع

    قد فقدنا فيه اصطبار فأرخ ........ كل صبر محرم في ربيع

    ورثاه الشيخ حسن الشامي مؤرخا

    صبري تناقص لازدياد دموعي ........ مما حوته من الفراق ضلوعي

    ذهب الذي كنا جمعا به ........ وفراق جمعي قد أضر جميعي

    يا قلب إن لم تستطع صبرا فنى ........ رفقا بنا حل جسمي الموجوع

    وإذا ذكرت ربيع أيام مضت ........ أرخ بشوال فراق ربيع

    رجب بن حجازي الحمصي الأصل الدمشقي المولد المعروف بالحريري الشاعر الزجال كان صحيح التخيل في الأشياء إلا أنه يغلب عليه جانب الهجو في تخيله والازراء حتى بنفسه جيد النقد في الشعر مع أنه لا يعرف العربية وزانا بالطبع وإن عرف شيئا من العروض وأميل ما كان في أقسام الشعر إلى الهجاء وله فيه نوادر عجيبة وله كثير من الأزجال والرباعيات والمواليا والموشحات والتواريخ والأحاجي وكل ذلك كان يقع له من غير تكلف روية بحيث أنه في ساعة واحدة ينظم مائة بيت ومثلها قطعة أو قطعتين من الزجل والموشح وقس على ذلك البواقي وكان قليل الحظ كثير السياحة لم يسعه مكان ولم يقر له قرار وكانت سياحته مقصورة على حلب ومصر ودائرة الشام وحج وجاور بالحرمين سنتين ولم يزل شاكيا من دهره باكيا على سوء بخته ورأيت له أشعارا كثيرة غالبها شكاية وهجو وأما غزله فقليل من أعذبه قوله من قصيدة مطلعها

    فيض المدامع نار وجدي ما طفا ........ بل زدت منه تلهبا وتلهقا

    وجوى أذاب جوارحي وجوانحي ........ وهوى على السلوان صال وألفا

    ومن النوى بي لوعة لو بعضها ........ في يذبل أمسى رغاما أو عسفا

    زق الصبا لصبابتي وبكى على ........ حالي الحمام ولان لي قلب الصفا

    والسقم واصل مهجتي لفراق من ........ أحببته لو عاد لي عاد الشفا

    من راحمي من مسعفي من مسعدي ........ أفديك مالك مهجتي زر مدنفا

    يا من بطلعته وسحر جفونه ........ بهر الغزالة والغزال الا وطفا

    بشمايل فوق الشمول لطافة ........ منها ثملت وما شربت القرقفا

    وبورد خد فوق بانة قامة ........ يحميه نرجس ناظر أن يقطفا

    وبراحة بين العقيق ولؤلؤ ........ اسمح ودعني كأسها أن أرشفا

    أرفق بصب قد أذبت فؤاده ........ ودع التجنب والتجني والجفا

    ونباكر لروض الأريض فقد حكى ........ طيب الجنان نضارة وتزخرفا

    والمزن أضحكه ونضر وجهه ........ وكساه بردا بالزهور مفوفا

    وقوله من قصيدة أخرى مستهلها

    أبى القلب إلا غراما ووجدا ........ وطرفي الإبكاء وسهدا

    فلم يبرح الصب تبريحه ........ ولا الدمع راق ولم يطف وقدا

    فلولا النوى ما ألفت البكا ........ ولا كان بالسقم جسمي تردى

    ولا بت أرعى نجوم الدجى ........ ولا كان عني منامي تعدى

    فأواه صبري مضى لم يعد ........ وأما اشتياقي فلم يحص عدا

    وما لي مسعين سوى أدمعي ........ وقلب لصد الهوى ما تصدا

    فلو بالكواكب ما بي هوت ........ وإلا على يذبل كان هدا

    يذكرني ساجعات الرياض ........ حبيبا وربعا ربيعا وودا

    وما كنت أنسى ولكن تزيد ........ ولوعى قربا وصبري بعدا

    رعى الله ربعا نعمنا به ........ وعهدا ألفناه حياه عهدا

    فما راقني بعده منزل ول _ ا طاب عيشا ولا راق وردا

    وله غير ذلك وكانت وفاته بحلب في صفر سنة إحدى وتسعين وألفرجب بن حسين بن علوان الحموي الأصل الدمشقي الميداني الشافعي الفرضي الفلكي أعجوبة الزمان في العلوم الغريبة وكان لديه منها فنون عديدة وأمهر ما كان في العلوم الرياضية كالهيئة والحساب والفلك والموسيقى ويعرف الفرائض حق المعرفة وأما في الموسيقى على اختلاف أنواعه فهو فيه أعرف من إدراكناه وسمعنا به وله فيه أغان صنعها على طريقة أساتذة هذا الفن لكنه كان ردي الصوت جريا على العادة في الغالب من أنه لا يجتمع حسن الصوت مع المهارة الكلية في فن الموسيقى كما امتحناه كثيرا في أرباب هذا الفن وكان رحل في أول أمره إلى القاهرة واستفاد هذه المعارف من أربابها المشهود لهم فيها بالتفوق وقدم دمشق وانتفع به خلق كثير من فضلاء دمشق في هذه الفنون من أجلهم الشيخ عبد الحي ابن العماد العكاري الصالحي الآتي ذكره وكان له ثروة ويتجر وله بعض إيثارات وكان حسن الذات خلوقا كامل الصفات ملازم العبادة منعزلا عن الناس ودودا متواضعا وبالجملة فإنه من الكملاء المعروفين والفضلاء الموصوفين وكانت وفاته في سنة سبع وثمانين وألفرجب بن عماد الدين المنلا العجمي الكاتب ذكره النجم في الذيل وقال في ترجمته دخل دمشق في حدود الألف وانتفع به خلق كثير في الكتابة عليه وكان حسن الخط جدا وله مشاركة في بعض العلوم وكان يدعى معرفة الموسيقى مه أنه لا صوت له ويزعم أنه أحسن الناس صوتا وكان يغلب على طبعه التغفل مع دعوى الفطانة وكانت وفاته في ليلة الأحد حادي عشر ذي القعدة سنة اثنتى عشرة بعد الألفرحمة الله بن عثمان قاضي القضاء الينكيشهرى المولد أحد فضلاء الزمان المتمكنين من المعارف والعلوم قدم من بلده إلى قسطنطينية واشتغل بها إلى أن برع ولازم من المولى عبد العزيز بن المولى سعد الدين ثم وصل إلى خدمة المولى حسين ابن أخي المقدم ذكره فصير نائبه وهو قاضي العسكر بروم ايلي ولما ولى الإفتاء وجه إليه أمانة الفتوى ودرس بمدارس الروم إلى أن وصل إلى المدرسة السليمانية وولى منها قضاء حلب ثم قضاء مصر ولم تطل مدته بها ونقل إلى قضاء الشام في غرة جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وألف ودخلها في ثالث عشر الشهر المذكور وكان في غاية من الاعتدال في حكومته متشرعا مراعيا لقانون السلف فقيها متضلعا حسن العبارة وكان يكتب إمضاء الصكوك بإنشاء عجيب مستحسن ولقد وقفت له من ذلك على إمضاآت كثيرة فمن ذلك قوله بذلت الوسع في إيضاح ما تكنه صدور سطور الرق ولم آل جهدا في تحقيق الحق وفحصا عن كل ما جل منه ودق حتى أسفر فجر الحقيقة على ما سطر فيه من النسق فحكمت بكون الحمام والمزرعة وقفا على المدرسة وقضيت بذلك حكما جزما وقضاء حتما لما ظهر الحق ظهور الشمس بالحجج القاطعة على ما نطق به الكتاب من الأحاديث الصحاح القاطعة ومن ذلك مطالبة هؤلاء بما رسم ظلم عظيم يجب على الحكام منعه ومنكر يجب على الولاة نهيه ورفعه يلزم على كل من كان نافذ الأمر جائز الحكم قصر الأيدي المتطاولة الجاذبه وقطع الأطماع الفاسدة الكاذبه فمنعته عن هذا ابتغاء لمرضاة الله وطلبا لثوابه وهربا من عقابه وأليم عذابه ومن ذلك ما كتبه على صك اعتاق جارية له ما نسب إلي في هذا الرق من اعتاق جاريتي فلانة حق وصدق أعتقتها ابتغاء لمرضاة الله تعالى وثوابه وهربا من عظيم عقابه وأليم عذابه عسى الله أن يبدلنا خيرا منها وجزانا ربنا خيرا لجزاء عنها انتهى قلت وهذا أسلوب لطيف جرى عليه كثير من قضاة الروم وتكلفه بعضهم ممن لا يعرف أساليب الإنشاء العربي فجاء سمجا مضحكا والعجب المعجب منه إمضاآت المولى محمد بن حسن الذي كان ولى قضاء حلب ودمشق وقد رأيت جدي القاضي رحمه الله تعالى جمع منها حصة وافرة في مجموع له وتعقبها بكلمات أظهرت زيفها فأردت إيراد نبذة منها ليعلم الفرق بين ما أوردته أولا وبينها فمن ذلك ما كتبه على صداق استقر الصداق بوكالة من أئمة الآفاق فقررت الصداق كتبه عبد الخلاق قال الجد سبحان الخلاق ومنه ما كتبه على صداق أيضا لامس هذا الأطلس كف العبد الأنجس ومنه ما كتبه على نظارة وقف قررت النظر وسألت الأبيض والأحمر فشهدوا بالمحضر رجال عدول منهم المفتي الأكبر قال الله أكبر ومنه ما كتبه على كتاب وقف الجامع الأموي هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ويوم نبعث من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ما عرج حول الكتاب مما يقوم في ذيل ذلك الباب من الإنشاد والاشهاد صادف محله وحاد مخه ثم أمله وأجله متشبثا بذيل ذوي الإحسان أولئك كتب في قلوبهم الإيمان محمد بن حسن القاضي بدمشق خير الأماكن في اللسان عفا عنهما رب الإحسان والله أعلم عودا على بدء ووقع لصاحب الترجمة وهو قاضي دمشق أن بعض أرباب فن الزايرجا استخرج له العود إلى قضاء مصر بهذا البيت وهو

    ولا بد من عود إلى مصر ثانيا ........ تنفذ أحكاما بأمر مبجلا

    فاتفق له أنه وليها بعد ذلك في تاسع عشر شعبان سنة ثمان وخمسين وبعدها ولى قضاء قسطنطينية وتوفى بعد ذلك وكانت وفاته في حدود سنة ثلاث وستين وألف والينكيشري بفتح المثناة من تحت وسكون النون وكسر الكاف الفارسية وياء أخرى وفتح الشين وسكون الهاء والراء نسبة إلى بلدة في بلاد الروم بالقرب من سلانيك وهي بلدة كبيرة من مشاهير البلاد ومعنى ينكى شهر البلد الجديد والله أعلممولاي رشيد بن علي الملك المؤيد الشريف الحسني ملك المغرب السلطان العظيم القدر السعيد الحركات المظفر الكامل كان من أمره أنه تسلطن أولا في بلاد تاقيلات ثم وثب على مولاي محمد الحاج ابن محمد بن أبي بكر سلطان فاس ومكناس والقصر وما والاهما من أرض الدلاوسلا وغيرها من أرض المغرب وكان له في الملك أربعون سنة فانتزعه منه وحبسه إلى أن مات مسجونا وخرب مدينتهم المعروفة بالزاوية سميت بذلك لأن والد الحاج وهو محمد بن أبي بكر بنى زاوية عظيمة وكانت مأوى لمن يفد يطعم بها الطعام للفقراء والمساكين ورحل شيعة الحاج خوفا منه إلى تلمسان وهي كما تقدم من بلاد العثامنة سلاطين بلادنا أعز الله تعالى نصرهم ثم قويت شوكة مولاي رشيد ورغب الناس في خدمته وكثر جمعه وعظمت دولته وساس الرعية سياسة لم يروها في عهد سلطان من سلاطينهم وما زال يتملك بلدا بعد بلد حتى دخل بلاد السودان وتملك منها جانبا عظيما ولم يبق بجميع أقطار المغرب من البحر المحيط إلى أطراف تلمسان إلا ما هو في طاعته وداخل ولايته إلى غير ذلك وتقدم في ترجمة مولاي أحمد المنصور أنه كان قسم الولايات بين بنيه وكان بقي الأمر على ذلك حتى ظهر مولاي رشيد فجعلها ملكا واحدا وكان ملكا معتدلا هاشميا محسنا محبا للعلماء واستقام في السلطنة سبع سنوات وتوفى في سنة ثمان وثمانين وألف وأخبرني بعض المغاربة في سبب موته أنه أصابه في ما يلي أذنه عود من شجرة في بستان له كان يركض جواده فيه قنفذ العود ووقع مولاي رشيد ميتا رحمه الله تعالىالأمير رضوان بن عبد الله الغفاري أمير الحاج المصري الكرجي الأصل كان في ابتداء أمره من مماليك ذي الفقار أحد أمراء مصر المشهورين بالشأن العظيم والدولة الباهرة اشتراه صغيرا واعتنى بتربيته ولما مات مولاه المذكور رق حاله ثم استغنى ونبه قدره وكان وقورا مهيبا وله سكون وديانة ورياسة واشتهر صيته وعظمت دائرته حتى صار أربعة من مماليكه مثله أصحاب لواء وعلم مع ما يتبعهم من الجند والكشاف والملتزمين وله الآثار الحسنة في طريق الحاج المصري والحرمين وكان حسن السيرة خصوصا في بر الحجاز فكان معتنيا بأهله يرسل صرهم من حين وصوله إلى ينبع إلى مكة ويقسمه عليهم قبل وصول الحاج وكل من له حاجة منهم بمصر قضاها له بأيسر حال ومكث نيفا وعشرين سنة أميرا على الحاج وفي أثناء ذلك وقع له محنة في زمن محمد باشا سبط رستم باشا الآتي ذكره وكان إذ ذاك محافظ مصر بسبب أمر افترى عليه فعرض فيه الوزير المذكور إلى باب السلطان فجاء الأمر الشريف بعزله عن إمارة الحاج فلما بلغه توجه للأعتاب العالية هاربا واجتمع بالسلطان مراد فحبسه وأمر ببيع جميع أملاكه وعقاراته فبقي محبوسا مدة وتكرر اجتماعه بالسلطان مراد فلم يأذن الله تعالى بانطلاقه إلا بعد موت السلطان المذكور وتولية أخيه السلطان إبراهيم السلطنة ثم أطلق فعاد إلى مصر وأخذ جميع ما ذهب له بعضه هبة وبعضه شراء وانعقدت عليه رياسة مصر ووقع له محنة أخرى في زمن أحمد باشا فإن الأمير رضوان سعى في نقض أمر الوزير المذكور وتغييره من محافظة مصر وفاوض جماعة من الأعيان في ذلك فلم يوافقه الجند على ذلك وتوجه الأمير رضوان إلى الحج والمنافرة واقعة فراسل الوزير الأمير علي حاكم جرجا وألقى بينه وبين الأمير رضوان العداوة ونصبه أمير الحاج مكانه ووجه جرجا لأحد مماليك الأمير علي وقدم الأمير علي من جرجا إلى مصر ولما قرب قدوم الحاج استشار الأمير على بعض أصحابه في استقبال الأمير رضوان فأشاروا عليه بأن يفعل إلا قليلا من الأخصاء فإنهم أنكروه فتبع رأي الأول وصمم على الاستقبال وخرج بجمعية عظيمة ولما اجتمع هو والأمير رضوان تسالما ولم يبد من أحدهما ما يغير خاطر الآخر وكان كل منهما يجل الآخر ويعرف حقه وأقاما يومهما والأمير رضوان مفكر في أمر الاجتماع بالوزير وفيما ينجر إليه حاله فقام من المجلس وبقي جميع الأمراء والأعيان وطلع إلى جانب ووضع مجنا تحت رأسه وأخذ يفكر فاتفق أنه جاء في ذلك الوقت خبر عزل الوزير عن مصر وأنه صار مكانه عبد الرحمن باشا الخصى ومر متسلمه على العادلية وسار إلى مصر فجاء رجلان إلى البركة محل نزول الحاج وهما في قصد الأمير رضوان ليبشراه فلما أخبرا بمكانه أسرعا إليه وأيقظاه وأخبراه بذلك فكان ذلك له من باب الفرج بعد الشدة فأتى المخيم والقوم كلهم جلوس ولما استقر به الجلوس التفت إلى الأمير مصطفى الدفتري بمصر وأخبره جهارا بالخبر فتعجب الجميع من ذلك وظنوا أنه رأى مناما ثم أخبرهم بحقيقة الأمر فصدقوا ودخل مصر فلم يتفق له اجتماع بالوزير واصطلح هو والأمير على صلحا لإفساد بعده وبالجملة فإن هذين الأميرين كانا من الأفراد وهما زينة ملك آل عثمان وكانت وفاة الأمير رضوان سنة ست وستين وألفرضي الدين بن عبد الرحمن بن الشهاب أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي بالمثناة الفوقية نسبة لمحلة أبي الهيتم من أقاليم مصر السعدي نسبة لبني سعد الموجودين بمصر وسبب شهرة جده بحجر أنه كان ملازما للصمت في جميع أحواله لا ينطق إلا لضرورة فسمي حجرا أحد أفاضل المكيين ووجوه الشافعية وكان فاضلا بارعا متقنا شديدا في الدين مشتغلا بما يعنيه أخذ عن والده وعن السيد عمر بن عبد الرحيم البصري وأحمد بن أبي الفتح الحكمي وعبد الملك العصامي وعبد العزيز الزمزمي وأجازه إجازة حافلة سماها له شيخه أحمد الحكمي فتح الرضا في نشر العلم والاهتدا قال فيها لازمني زاد الله في توفيقه وسلك به أقوم طريقه من عام ثمانية عشر وألف وحضر دروسي بالمسجد الحرام الذي هو أجل المساجد وأشرف وسمع علي كتاب الصوم والحج من تحفة المحتاج لشرح المنهاج لجدي وجده وغالب الربع الأول من مؤلفه فتح الجواد مع مطالعته للتحفة والإمداد والربع الأول من شرح الروض وغالب شرح المنهج لشيخ الإسلام زكريا وقطعة من شرح القطر لابن هشام وقرأ علي قراءة خاصة من أول كتاب البيع إلى كتاب الوقف من شرح المنهج مع مطالعة التحفة ولم يزل ملازما للقراءة والحضور ويبدى من الفوائد العجيبه والدقائق الغريبه والأبحاث الدقيقة في حقائق المنطوق والمفهوم والاشكالات الوثيقه المستنبط لها من مدارك العلوم ما يدل على غزارة فضله وإحكام علمه ونقله ولا غرو إذ هو فرع ذلك الأصل الزكي والعنصر الطيب الرضي ويحق أن ينشد لسان حاله ويبدى 'فإن الماء ماء أبي وجدي' إلى آخر ما ذكره وأخذ عن سيدنا أحمد القشاقشي التفسير والحديث والفقه والتصوف وأجازه بمروياته ولقنه الذكر ولما قدم إلى مكة يوم السبت تاسع عشر ذي القعدة سنة أربعين وألف السيد الجليل العارف الراسخ محمد بن علوي بن عقيل قرأ عليه طرفا من الشفاء ثم طلب منه السيد عبد الرحيم السمهودي وأحمد ابن عراق أن يحضرا معه فأجابهما السيد لذلك ثم أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم حاضر حال قراءته وهذه منحة عظمى وألبسه الخرقة وأرخى له العذبة ولقنه الذكر وألبسه عمامته وألف صاحب الترجمة مؤلفات منها حاشية على التحفة لجده رد بها اعتراضات العلامة ابن قاسم العبادي واختصر أسنى المطالب في صلة الأقارب اختصارا عجيبا والفتح المبين في شرح الأربعين والقول المختصر في علامات المهدى المنتظر لجده أيضا وله رسالة في الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي سماها شذرة من ذهب من ترجمة سيد طي العرب وكانت وفاته بمكة سنة إحدى وأربعين وألف ودفن بالمعلاة بقرب تربة جده شيخ الإسلام ابن حجر رحمه الله تعالىرمضان بن عبد الحق المعروف بالعكاري الدمشقي الفقيه الحنفي كان عالما بالفقه والعربية متبحرا فيهما مقدما في معرفتهما وإتقانهما وكان الناس يجتمعون إليه ويقتبسون منه وكان غاية في جودة التعليم وحسن التفهيم وله إطلاع زائد على فروع المذهب مع إتقان أصوله وهو وإن اشتهر بهذين العلمين فشهرته فيهما شهرة تفرد وهو فيما عداهما من العلوم كامل الأدوات عديم القرين أخذ الحديث بدمشق عن المحدث الكبير محمد بن محمد بن داود المقدسي نزيل دمشق وعن الإمام الفقيه محمد بن علي المقدسي ثم الدمشقي المعروف بالعلمي شيخ الحنفية في وقته وقرأ المعقولات والعربية على المنلا أبي بكر السندي نزيل دمشق وعلى غيره وبرع وولى خطابة جامع سنان باشا خارج باب الجابية ودرس بالمدرسة الظاهرية الكبرى ورأس آخر أمره بدمشق فكان يفتي في حياة العمادي المفتي ولما مات العلامة محمد ابن قباد المعروف بالسكوتي وكان مفتي الشام أراد نائب الشام أن يعرض له بالفتوى فما قبل قاضي القضاة المولى داود بن بايزيد وعرض بها للشيخ عماد الدين ابن العمادي ووجهت له من طرف السلطنة أيضا وأقام صاحب الترجمة على وجاهته وتقيده بنشر المعارف والعلوم وكان يكتب الخط المنسوب الحسن ويعرف اللغة التركية معرفة تامة ولقد سمعت كثيرا ممن أدركه ترجيحه في الفضل على أهل عصره لما اجتمع فيه ما لم يجتمع في غيره وحدثني بعض العلماء ناقلا عنه أنه أخبره في مرضه الذي مات فيه أنه لما حج اجتمع برجل في الحرم المكي فقال له أنت إمام العصر قال ثم غاب عني في محله فتبين لي أنه الخضر وبالجملة فهو بين الفضل مشهور المعرفة وكان له همة عالية وإقدام في الأمور وله إنشاء بالعربية وشعر قليل لا يحضرني منه إلا ما قرأته بخط الإمام المتبحر محمد بن علي الحرفوشي الحريري شارح الفاكهي في مجموع له قال كتبت إلى الأخ العلامة رمضان العكاري محاجيا في اسمه ونحن بقصر القرماني بالجسر الأبيض من صالحية دمشق قولي

    يا زاكيا نجاره ........ ومن تسامي قدما

    ماذا يساوي قول من ........ حاجيته اقصد غنما

    فأجاب بقوله:

    يا فاضلا ما مثله ........ من ماجد تكرما

    أحجية تضمنت ........ شهر الصيام واسلما

    وحج مرتين ثانيهما في سنة خمس وخمسين ورجع متوعك المزاج ومكث في داره يزار إلى ليلة الثلاثا خامس عشر شهر ربيع الثاني سنة ست وخمسين وألف فانتقل إلى رحمة الله تعالى ودفن بتربة باب الصغير وكانت ولادته في سنة أربع وثمانين وتسعمائة وذكر والدي المرحوم في ترجمته أنه أخبره الشيخ الفاضل تلميذه وسميه رمضان بن موسى بن عطيف الآتي ذكره بعده في منزله بدمشق أنه رأى صاحي الترجمة في المنام بعد وفاته جالسا بمحراب جامع السنانية فنظر إليه وأنشد بلفظ عريض

    مضى عصر الصبا لا في انشراح ........ ولا وصل يلذ مع الصباح

    ولا في خدمة المولى تعالى ........ ففيها كل أنواع الفلاح

    وكنت أظن يصلحني مشيبي ........ فشبت فأين آثار الصلاح

    قلت وسألت شيخنا العطيفي عن هذه الأبيات هل يعرف أنها من نظمه أو من نظم غيره فتوقف ثم بعد ذلك لا زلت أفحص عنها حتى وجدتها منسوبة لبعض بني السبكي وأظنه الشيخ الإمامرمضان بن موسى بن محمد بن أحمد المعروف بابن عطيف الدمشقي الحنفي شيخنا الأجل صاحب الفنون والآداب الفقيه النحوي الفائق البارع أحد أجلاء المشايخ بدمشق في عصره كان لطيف الطبع حسن المعاشرة منطرحا وله منادمة تأخذ بمجامع القلوب يتصرف فيها تصرفا عجيبا وله رواية في الشعر وأيام العرب وأخبار الملوك والشعراء قل أن توجد في أحد من أبناء العصر قرأ بدمشق على الجلة من المشايخ منهم العكاري المذكور قبله والعمادي المفتي والشيخ مصطفى بن محب الدين وغيرهم وأخذ الحديث عن النجم الغزي والشيخ غرس الدين الخليلي المدني وله مشايخ كثيرون غيرهم وتصدر للإقراء مدة حياته في جامع السنانية والدرويشية وانتفع به خلق كثير وكتب الكثير بخطه وجمع نفائس الكتب من كل فن ورأيت له تعليقات ورسائل كثيرة وذكره شيخنا الخياري المدني في رحلته وقال في ترجمته كان بيني وبينه قبل اللقاء مكاتبات فائقة ومراسلات شائقه تدل على غزارة علمه وفضله وتقضى للظمآن بورود نهله فكنت أتعشقه على السماع ورؤيا الآثار وأرجو من الله حصول الاجتماع وتملى الأبصار حتى كان بالشام وكنت أتمناه بمدينة النبي عليه السلام فأنشدني من لفظه أول ما لقيني للسلام وأخبر أنه بديهة قاله في ذلك المقام

    أود زمانا أن أراكم بمقلتي ........ وأقضى فروضا قد تعلقن ذمتي

    إلى أن قضى الله اجتماعا بوصلكم ........ وقد كان هذا الوصل في يوم جمعة

    قال فأجبته بعد أيام بقولي

    أيا سيدا سر الفؤاد بأنه ........ يلاحظ عبدا في حضور وغيبة

    وقد علم المولى تأكد شوقنا ........ فيسره بالشام أنزه بقعة

    على أنها فاقت بما انفردت به ........ من الحسن ماء معين وربوة

    قال وكان كتب إلي المشار إليه من الشام وأنا بالمدينة يطلب مني ترجمة السيد محمد جمال الدين المشهور بكبريت المدني

    يا خطيبا بأرض طيبة أضحى ........ أفصح العرب عنده سكيتا

    جد على العبد سيدي بمناه ........ وهو ما ترجموا به كبريتا

    فأجبته وقد رقمت له من ترجمته ما سمح به الخاطر

    عين أهل الشآم يا واحد الع _ صر ومن حاز في المعالي صيتا

    دمت فينا زناد فضلك وار ........ لست تحتاج للذكا كبريتا

    قال وكتب إلي

    أشيخ الوقت إبراهيم يا من ........ علوت على الورى هام الدراري

    لأنت بطيبة من خير قوم ........ خيار من خيار من خيار

    ولما رأيت العطيفي تلاعب وتداعب باللقب أجبته بذلك مراعيا في القافية لقبه أيضا غائصا بحره فقلت

    أيا مولى سماه شهر صوم ........ يجل الوصف عن كم وكيف

    عطفت بوصل أسباب التداني ........ وذلك ليس بدعا من عطيف

    انتهى ومما رأيته من آثار قلمه هذه القطعة من الإنشاء والأبيات كتب بها إلى بعض الفضلاء جوابا عن لغز إليه في قرنفل يا من زين سماء الدنيا بزهر النجوم وزين الأرض بزهرها المنثور والمنظوم نحمدك على ما أبدعت حكمتك في هذه الأعصار من زاهي الأزهار ونصلي ونسلم على نبيك المختار وآله الأخيار وما اختلف الليل والنهار عدد تنوع البهار أما بعد فإن رقيق الكلام ورشيق النظام مما يسحر الألباب وينسج ما بين الأحباب ولا بدع فقد قال سيد الأنام عليه أفضل الصلاة وأتم السلام إن من البيان سحرا وإن من الشعر حكمة هذا وقد أخذ رائق كلامكم وفائق نظامكم بهذا الصب أخذ الأحباب الأرواح ولعب به ولا كتلعاب الراح كيف لا وقد كسى حلل البها والجمال وانتظم ولا كانتظام اللآل رق فاسترق الأحرار وحلى فتحلى به أهل الشعار وراق معناه فأشرق مغناه وحسن اتساقه فحلا مذاقه وفاح أرج القرنفل من رياضه وهبت نسمات الجنان من غياضه فلله درك ودر ما ألغزت وما أحسن ما أبعدت وقربت فقد أبدعت فاعبدت وأغربت فأرغبت لغز كالغزل في نشر طيه حلل من طول في مدحه فقد قصر وما عسى أن يمدح البحر والجوهر ولكن نعتذر إليكم من هذه الشقشقات التي أوردناها على سبيل البديه وكل ينفق مما عنده ويبديه وحين ملت طربا من ميل تلك اللامات قلت هذه الأبيات

    أتاني نظام منك يزرى بحسنه ........ قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

    وأشممني منه أريجا كأنه ........ نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل

    فيا واحد الدنيا وليس مدافع ........ ويا من غدا مدحي له مع تغزل

    بعثت لنا عقدا ثمينا فلو رأى ........ جواهره النظام ولى بمعزل

    ولو أن رآه امرؤ القيس لم يقل ........ ألا أيها الليل الطويل ألا انجلى

    فمن يك نظاما فمثلك فليكن ........ فصاحة ألفاظ بمعنى مكمل

    رقيق لطيف رائق متحبب ........ إلى كل نفس وهو في العين كالحلى

    يفوح عبير المسك من طي نشره ........ فكيف وقد ألغزته في القرنفل

    فلا زلت تحبونا بكل فضيلة ........ ولا زلت تحيينا بعلم مفضل

    ولا زلت للدنيا إماما وسيدا ........ وعلمك يروى كالحديث المسلسل

    فيا من غدا جبرا لكل كسيرة ........ ويا من غدا بحرا لكل مؤمل

    بقيت بخير سالما وممتعا ........ وقدرك في الدنيا يزيد ويعتلي

    وله غير ذلك وكانت ولادته في شهر رمضان سنة تسع عشرة وألف كذا سمعته من لفظه وكتبته عنه وتوفي نهار الخميس عاشر جمادى الآخرة سنة خمس وتسعين وألف ودفن بمقبرة باب الصغير في مسجد النارنج رحمه اللهروح الله بن محمد أمين بن صدر الدين الشرواني الأصل قاضي القضاة الفاضل البارع الأديب كان أحد أجلاء الموالي له جاه عريض وحشمة وافرة وتثبت في الأمور ودأب في الاشتغال حتى تنبل ولازم من شيخ الإسلام المولى أسعد ودرس بمدارس قسطنطينية إلى أن وصل إلى إحدى المدارس السليمانية وولى منها قضاء القدس ثم ولب وحلي ومصر وأدرنة وقسطنطينية وكان ينظم الشعر بالتركية ومخلصه على طريقتهم روحى وله التاريخ المشهور قاله لما تسلطن السلطان وهو قوله 'خلد الله ملك إبراهيم' وكان بينه وبين المرحوم مودة ومراسلات كثيرة ويعجبني منها ما كتبه والدي إليه في صدر كتاب متمثلا وهو بالقدس

    يا نسمة البان بل يا نسمة الريح ........ إن رحت يوما إلى من عندهم روحي

    خذي لهم من ثنائي عنبرا عبقا ........ وأوقديه بنار من تباريحي

    أقام الله دعائم الفضل وشرح صدر الدين بصدر الشريعة والعدل ببقاء روح القدس وموطن الأمن والأنس وحيد دهره وروح عصره ومن آخر كتبه إليه وهو قاض بحلب وعندي من الأشواق ما لا تحمله متون الأوراق ومن الغرام ما لا تشره ألسنة الأقلام فنسأله سبحانه أن يمن علينا منه بمنة الاقتراب ويحسن لشامنا بشريف ذلك الجناب لنرتع في روض دولته الوريفة ونتمتع بمشاهدة حضرته الشريفه وتكون أيامنا بجنابه أعياد الدهر وليالينا به كلها ليلة القدر ونعد ذلك منه تعالى نعمة وأي نعمه لنؤدي بعض ما يجب من أداء لوازم الخدمه وطالما طمعت الآمال بذلك مرارا ولو مرورا وربما خطرت ذلك في القلب فملأه ذلك الخاطر سرورا على أننا لم نيأس من روح الله أن يمن بلقائه وأن يكحل العين بإثمد بهائه انتهى وكان في آخر أمره ولع بعلم النجوم واستخراج بعض المغيبات المتعلقة بأمور السلطنة هو وبعض أخدان له كان يأنس بهم من جملتهم عبد الباقي بن مصطفى المتخلص بوجدي الشاعر المشهور في الروم فوصل خبرهم إلى الوزير الكوبري فسعى في قتلهم فقتلوا في رابع شهر رمضان سنة إحدى وسبعين وألف والشرواني بكسر الشين وسكون الراء وفتح الواو ثم ألف ونون نسبة إلى بلدة بالعجم خرج منها علماء وفضلاء من أجلهم والد صاحب الترجمة وستأتي ترجمته إن شاء الله تعالىروحى الشاعر البغدادي المشهور كان من أعاجيب الدنيا في صنعة الشعر التركي له التخيلات اللطيفه والألفاظ الرشيقة وديوانه مشهور يوجد كثيرا بأيدي الناس وكان على أسلوب السياح وله في سياحته ماجريات ووقائع كثيرة واستقر آخر أمره بدمشق وكنت سمعت خبره قديما من المرحوم الدرويش عيسى العينتابي نزيل دمشق وكان كثيرا ما يلهج بإخباره ويورد ماجرياته وينشد أشعاره وأظنه لم يدركه الاسنا لا اجتماعا فروايته لإخباره عن سماع وذكر أن وفاته كانت سنة أربع عشرة بعد الألف بدمشقريحان بن عبد الله الحبشي الأحمدي الشافعي العارف بالله تعالى كان مجاورا بالحجرة شمالي مسجد قباء ذكره النجم في ذيله وقال كان واضح الكشف مجلو المرآة ناقد البصيرة وكان للناس فيه اعتقاد عظيم وكان القاضي عبد الرحمن قاضي المدينة عمر له مسجدا قديما خارج باب المصري وعمر له في جانبه بيتا لطيفا فسكن به وتزوج قال زرته أنا وولدي بدر الدين واستأجزت له فأجازه وألبسه الخرقة الأحمدية بحضوري وصار بيننا مواخاة وكانت وفاته في سنة خمس عشرة بعد الألف رحمه الله^

    حرف الزاي

    زكريا بن إبراهيم بن عبد العظيم بن أحمد أبو يحيى المعري المقدسي الحنفي الإمام القدوة المعتبر رحل إلى مصر وأخذ بها التفسير والحديث عن الشيخ منصور سبط الطبلاوي الشافعي وكان فقيها مفسرا له باع طويل في كثير من الفنون وولى إفتاء الحنفية بالقدس ودرس وأفادوا وانتفع به خلق كثير في الفقه وغيره وكانت وفاته في سنة خمس وثلاثين وألفزكريا بن بيرام مفتي الممالك الإسلامية علم العلماء المتبحرين في جميع العلوم وكان إليه النهاية في التحقيق وهو أمير أهل عصره في الفقه والأصول أصله من أنقرة وبها ولد ونشأ ثم وصل إلى خدمة معلول أمير فصحبه معه إلى القاهرة في سنة خمسين وألف وشارك العلامة على بن غانم المقدسي في القراءة عليه ولما وصل إلى قضاء أناطولى صيره حافظ التذاكر ولازم منه وأحاط بكثير من العلوم إحاطة تامة وألف تآليف شاهدة بدقة نظره وتمكنه منها حواشيه على أكمل الدين وعلى صدر الشريعة وغير ذلك وله نظم ونثر بالعربية مسبوكان في قالب الجودة فمن ذلك ما قرظ به طبقات القاضي تقي الدين التميمي المقدم ذكره

    هذا كتاب فاق في أقرانه ........ يسبى العقول بكشفه وبيانه

    سفر جليل عبقري ماجد ........ سحر حلال جاء من سحبانه

    أوراقه أشجار روض زاهر ........ قد تجتنى الثمرات من أفنانه

    لله در مؤلف فاق الورى ........ بفرائد فغدا فريد زمانه

    فجزاه رب العالمين بلطفه ........ طبقات عز في فسيح جنانه

    لما تعمقت في لجج هذا البحر الزاخر صادفت أصداف الدرر الكامنة النوادر وألفيته روضة غناء زاهرة أزهارها وزهرة زهراء ناضرة أنوارها وجنات شقائقها محمره وجنات حدائقها مخضره تذكرة لعارف تقي وتبصرة لمتبصر عن الرذائل نقي جاوز الشعرى بشعره الفائق وفاق النثر بنثره الرائق قد استضاء بجواهره المضيئة تاج تراجم الأعيان فصار كأنه مرآة انعكس فيها صور سير الأسلاف وأشراف أفاضل الزمان اللهم اجمع بيننا وبينهم في غرف عدن وطبقات الجنان ومن شعره قوله:

    أخف علي من منن الرجال ........ من الدنيا الدنية ارتحالي

    لئن ساءت بسوء الجار حالي ........ أحول بلدة أخرى رحالي

    وقوله أيضا

    إذا ما كنت مرضى السجايا ........ وعاش الناس منك على أمان

    فعش في الدهر ذا أمن ويمن ........ ويوصلك الإله إلى الأماني

    ومن غزلياته قوله:

    قد قتل العشاق من لحظه ........ دماؤهم سالت على الأوديه

    يا عجبا من قاتل انه ........ ليس عليه قود أوديه

    وله غير ذلك وكان درس بمدارس قسطنطينية حتى وصل إلى السليمانية ولى منها قضاء حلب في سنة ثمانين وتسعمائة قال الشيخ عمر العرضي ولما قدمها ذهبنا إليه مسلمين عليه فإذا هو رجل فاضل له استحضار حسن في فقه أبي حنيفة وكم جرى بيننا وبينه من الأبحاث التي تدل على حسن استحضاره وسألني ذات يوم عن قول بعض كتب الحنيفة لو ادعى رجلان على امرأة أنها زوجة كل منهما أحدهما زيد والآخر عمرو فقالت في الجواب تزوجت زيدا بعد عمرو وحكم بأنها زوجة لزيد لكن لو قال لها القاضي زوجة من أنت فقالت تزوجت زيدا بعد عمرو وحكم بأنها زوجة عمرو فقال لي ما الفرق بينهما فبحثنا معه على قدر الإمكان ثم إنه أظهر جوابا حسنا من الخلاصة فأخذت الجواب وكتبت عليه رسالة لطيفة وقعت عنده في حيز القبول ثم إني كتبت له رسالة تشتمل على ثلاثين سؤالا من اثنين وعشرين علما أراد أن يلتزم الجواب عنها فأجاب عن بعض أسئلتها ثم اعتذر بكثرة اشتغاله بالحكومات وغيرها ثم ترقى في المناصب إلى أن صار قاضي العساكر بأناطولى ثم عزل ودخل دمشق بعد عزله في سنة أربع وتسعين وتسعمائة متوجها منها إلى الحج وصحبته ولداه المولى يحيى الذي صار آخرا مفتي الدولة والمولى لطف الله الآتي ذكرهما وبعدما أدوا فريضة الحج عادوا إلى الروم فولى صاحب الترجمة قضاء العسكر بروم ايلي ووقع بينه وبين سنان باشا الوزير الأعظم في شعبان سنة ثمان وتسعين وتسعمائة فعزل ثم ولى الإفتاء في رحب سنة إحدى بعد الألف وأنشد في توليته ابن نوعى صاحب ذيل الشقائق التركي بيتا بالتركية استحسنه جدا فعربته في هذين البيتين ومنهما يعلم معناه وهما قوله:

    في رأس كل مائة يجئ من ........ يجدد الدين بحسن الوصف

    ومثل ذا مجددا للدين لا ........ يجئ إلا واحد في الألف

    ولم تطل مدته فتوفى في شوال من هذه السنة وكانت وفاته فجأة دخل إلى حضرة السلطان مراد الثالث واجتمع به وألبسه خلعة سنية فحال خروجه سقط ميتا وروى عنه أنه قبل وفاته بليلة واحدة رأى في منامه كأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول له في غد تجتمع بالسلطان وتلبس خلعة وتكون عندنا فانتبه وهو متعجب وكان من أمره ما كان ودفن في أحد مدرستيه اللتين بناهما بقسطنطينية بقرب جامع السلطان سليم وحمامه رحمه الله تعالىزكرياء بن حسين بن مسبح البوسنوي الأصل الدمشقي المولد تقدم أبوه حسين وأخوه درويش محمد ونشأ هو في كنف أبيه على صون ونزاهة واشتغل بطلب العلم وكان في عنوان عمره جميلا غاية ولم يكن في عصره من يقاربه في الحسن وكان تولع فيه قوم من الأدباء والشعراء منهم الأمير منجك المنجكي وهو الذي يقول فيه

    كلما رحت ذاكرا زكريا ........ عاد قلبي من الغرام مليا

    رشأ كالمهاة جيدا ولحظا ........ وقضيب يقل بدرا سنيا

    أترى هل أراه والليل داج ........ طالعا بين بردني مضيا

    أجتنى ما استطعت من ورد خد _ يه بأيدي اللحاظ وردا جنيا

    وأبل الأوام من ريقه العذ _ ب وأسقى من فيه راحا شهيا

    ثكلتني أم الصبابة إن كن _ ت أرى ساليا له أو ناسيا

    وقال فيه وقد رآه

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1