Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطيب
العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطيب
العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطيب
Ebook658 pages5 hours

العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطيب

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

وكأنه يسجل سفر حياته من خلال قصائده وأبياته… هذا هو أبو الطيب المتنبي الذي اعتبرت قصائده كشفٌ لبيئته وسجلاً تاريخياً للحياة السياسية والاجتماعية في حينه، والتي عبر المتنبي، من خلالها ومن خلال أغراضها؛ المدح، الذم، الوصف، الرثاء… عن عن الذات الإنسانية بأبعادها النفسية. على ضوء شرح اليازجي يبرز كل ما في شعر المتنبي من مقومات ومعانى… كيف لا ولشرح اليازجي مذاقه الخاص من حيث أتى الشرح ممتزجاً بحنايا الشارح فكان أقرب إلى الصدق وأبعد عن التكلف.
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJul 11, 1903
ISBN9786404263913
العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطيب

Related to العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطيب

Related ebooks

Related categories

Reviews for العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطيب

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطيب - ناصيف اليازجي

    الغلاف

    العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطيب

    الجزء 1

    ناصيف اليازجي

    1288

    وكأنه يسجل سفر حياته من خلال قصائده وأبياته… هذا هو أبو الطيب المتنبي الذي اعتبرت قصائده كشفٌ لبيئته وسجلاً تاريخياً للحياة السياسية والاجتماعية في حينه، والتي عبر المتنبي، من خلالها ومن خلال أغراضها؛ المدح، الذم، الوصف، الرثاء… عن عن الذات الإنسانية بأبعادها النفسية. على ضوء شرح اليازجي يبرز كل ما في شعر المتنبي من مقومات ومعانى… كيف لا ولشرح اليازجي مذاقه الخاص من حيث أتى الشرح ممتزجاً بحنايا الشارح فكان أقرب إلى الصدق وأبعد عن التكلف.

    مقدمة الشارح

    يقول راوي هذا الشرح ومتمّمه الفقير إليه، عز وجل، إبراهيم بن ناصيف اليازجي اللبناني: هذا آخر ما اثبت الرواة من شعر أبي الطيب المتنبي، رحمه الله تعالى. وقد اخترت له أشهر الروايات وأمثلها بعد أن وقفت فيه على غير نسخة من النسخ الموثوق بها وبالغت في ضبطه وتحريره ما أعان عليه الإمكان، والله ملهم السداد .وكان أبي، رحمه الله، قد شرع في تعليق هذا الشرح على هامش نسخة من الديوان بخطّه كان يثبت فيها ما يعن له من تفسير أو إعراب أو شرح بيت تذكرة لنفسه مع ذكر كثير من وقائع النظم وتراجم بعض الممدوحين وغيرهم مما يسنح له في أثناء مطالعاته، إلا أنه لم ينقص في شيء من ذلك، ولا تتبع أبيات الديوان على التوالي، وخصوصا المواضع المستغلقة التي تدعو إلى إطالة الروية والاستنباط مما لم يرضه كلام الشراح فيه، فإنه كان يتجاوزها في الأغلب ويترك موضع الكلام فيها محرجا على الهامش، كأنه كان ينوي معاودة هذا الشرح والتوفر على إتمامه، ثم لم يسفح له في الأجل، فبقي الشرح على علاته .ومعلومٌ ما لهذا الديوان من الشهرة الطائرة بين خاصة الناس وعامتهم لكثرة ما فيه من موارد الحكمة ومضارب الأمثال الشائعة على الأقلام والألسنة، مع ما هو مشهور في شعر المتنبي من عوص التراكيب، وبعد متناول المعاني، ومع قلة ما في أيدي الناس من شروحه على كثرتها، وعزة الظفر بالمحكم منها، كشرح الواحدي ومن في طبقته، ولذلك اشتدت حاجة المتأدبين والدارسين في هذا العصر إلى شرح يعتمد عليه في استخراج مكنونه، والكشف عن غامضه، وكثر تقاضي الناس لهذا الشرح الذي ذكرته عندي، وأنا أدافع في الإجابة، لعلمي بأن نشره على الحد المشار إليه غير جدير بأن يتلقى هذه الحاجة بقضائها، لوقوفه في كثير من المواضع من دون مبلغ الطلب، وتفاوت الحال فيه بين موضع وآخر، بحيث لا يحمل ظهوره على صورته تلك، على أن لج الداعي ولم يبق في قوس الاعتذار منزع، فاستخرت الله سبحانه في تولي إتمامه وسد ما بقي من خلله على نحو ما تسعه الطاقة ويبلغ إليه العلم القاصر، وتابعت الكلام على بيت بيت بما تقتضيه الحال من تفسير غريبه وإعراب المشكل من تراكيبه، وقد تتبعت الغريب في الأبيات كلها من غير استثناء، وربما تكررت اللفظة الواحدة مرارا في الديوان ففسرتها في كل موضع وردت فيه ليكون كل بيت مستقلا في تفسيره لا يحتاج معه إلى مراجعة أو كد ذاكرة، واسقصيت في الإعراب بحيث لم أدع مشكلا يتوقف عنده البصير إلا تلقيته ببيانه، خصوصا إعراب الظروف، فإنها من أصعب العقبات التي تعترض في وجوه المعربين لخفاء وجه الإعراب فيها، وثكرة ما يتعاورها من التقديم والتأخير، على ما هو معلوم، من توسعهم في الظروف، وذكرت معنى كل بيت على عقب الفراغ من مفرداته، ملتزما في الأكثر أن اشرحه بحل ألفاظه عينها بحيث أصور للطالب المعنى الشعري في ضمن المعنى التركيبي، وفي جميع ذلك من النصب وإعمال الروية ما لا يخفى على الخبير .وإنما أبقيت عنوان الشرح باسمه، رحمه الله تعالى، رعاية لكونه هو الواضح الأصيل، فلم أوثر أن أتطفل عليه في نسبة الكتاب، وإن تطفلت عليه في التأليف .وإني لأرجو الله أن يكون قد وهبني السلامة في ذلك كله وأنزلني من هذا الشرح منزلة توجب استدرار الرحمة على واضعه، ولا تكون مدرجة لنقض بري به بأن أجر عليه تبعة تلزمني دونه، أو ينسب إلي فضل هو أحق به مني، ومعاذ الله أن أدعي لنفسي في جنبه فضلا أو علما، فإني إنما اهتديت بمناره، واقتديت بآثاره، وإنه لا علم لي إلا ما علمتني .

    ذكر السائغ من القصيدتين المهملتين من الديوان

    ثم إنه لما كان لكل مقام مقال، وكان الشعر من أوسع الكلام مذهبا، وأجوله مركبا، يطأ بصاحبه من المسالك الشعاب والفجاج، وبردُ به من المناهل العذب والأجاج، لم يكد شعر شاعر يخلو عما لا يحلو مذاقه، ولا يحسن في كل حال مساقه .ولا جرم أن أبا الطيب، رحمه الله، لمي كن يتوقع أن قصائده ستصير كتاب علم يفسح له موضع في مجالس الطلب، ويتخرج عليؤه في النحو واللغة وسائر فنون الأدب، فأطلق عنان قريحته وراء كل غرض بما يوصله إليه، ويقع به عليه، ولذلك فقد ورد في بعض أبيات هذا الديوان من اللفظ البارز عن ظل النزاهة ما لا يبيحه أدب المجالس، ولا يجمل إقراؤه في حلقات المدارس، فلم يكن لي بد من اطراح ما جاء كذلك فيه، ليكون مورده سائغا لكل مريد، ولا يكون قليله مما لا فائدة فيه عقبة في سبيل ما فيه من الكثير المفيد .وكان في جملة ما اطرحته قصيدتان: إحداهما القصيدة الميمية المشهورة في هجاء ابن كيغلغ، وقد أشرت إليها في موضعها، والثانية القصيدة التي هجا بها ضبة بن يزيد العتبي، وسيأتي ذكرها. وإنما أهملت هاتين القصيدتين من أصلهما لأني التزمت عند حذف بعض الأبيات مراعاة اللحمة بين طرفي الباقي بحيث لا أقطع بين الأبيات ولا أترك موضعا يشعر منه بأن هناك حذفاً، حرصا على القصائد المحذوف بمنها أن تتشوه، ولذا كنت إذا اضطررت إلى غسقاط بيت، ووجدت الذي بعده أو الذي قبله لا يلتئم مع الباقي أسقطت معه بيتا آخر، ولم يقع لي ذلك لا في ندور. فلما أفضيت إلى القصيدتين المشار إليهما وجدت ان ما يلزمني حذفه كثير ولا يتفق عند كل محذوف بقاء اللحمة وإلا تعين عليّ أن أترك كثيراً من جيد الأبيات ومشهورها، فأغفلتها من متن الديوان على أن أذكر السائغ منهما في هذا الموضع متحامياً التقطيع بين الأبيات ما أمكن ولو بإحالة بعضها عن مواضعها تفاديا بايسر الخطبين.

    والقصيدة الأولى منهما هي قوله :

    لهوى النفّوس سريرةٌ لا تعلم ........ عرضاً نظرت ، وخلت أنّي أسلم

    يا أخت معتنق الفوارس في الوغى ........ لأخوك ، ثمّ ، أرقّ منك وأرحم

    1 - ويروى لهوى القلوب. والسريرة السر. وعرضاً أي فجاءة واعتراضاً من غير قصد وهو منصوب على الحال. وخلت حسبت. يقول: سر الهوى مجهول لا يدرى كيف يدخل قلب العاشق، ثم قال: إني نظرت عن غير قصد يعني إلى المحبوبة فعشقتها من حيث لم يجر حبها بخاطري وكنت أظن أني أسلم من هواها .2 - الوغى الحرب. واللام من قوله لأخوك للابتداء. وثم هنالك. وللشراح في هذا البيت أقوال أقربها ما ذكره ابن فوز حبة ومحصله أنه يمدح أخا المحبوبة بالشجاعة وأنها من قوم أشداء أهل حرب وجلاد. يقول: أنت قاسية القلب وأخوك على بسالته إذا لقي عدواً في الحرب كان أرق على عدوه وأرحم منك على العاشق.

    راعتك رائعة البياض بمفرقي ........ ولو أنّها الأولى لراع الأسحم

    لو كان يمكنني سفرت عن الصّبي ........ فالشّيب من قبل الأوان تلثّم

    ولقد رأيت الحادثات ، فلا أرى ........ يققاً يميت ، ولا سواداً يعصم

    والهمّ يخترم الجسيم نحافةً ........ ويشيب ناصية الصّبيّ ويهرم

    ذو العقل يشقى في النّعيم بعقله ........ وأخو الجهالة ، في الشّقاوة ، ينعم

    والنّاس قد نبذوا الحفاظ ، فمطلقٌ ........ ينسى الذي يولى ، وعافٍ يندم

    1 - راعتك خوفتك. ورائعة البياض الشعرة البيضاء تروع الناظر. وروى ابن جني راعية البياض وهي أول ما يشيب من الشعر. والمفرق وسط الرأس حيث يفترق الشعر. ويروى بعارضي وهو صفحة الوجه. والأسحم الأسود. يقول: راعتك الشعرة البيضاء التي ظهرت في رأسي لأن بياض الشعر يدل على الكبر ولو كانت هذه الشعرة هي الأولى أي لو أن الشعر يكون أولاً أبيض ثم يسود عند الكبر لراعك الشعر الأسود. يريد أن الشيب لا يكون دائماً دليل الكبر فبياض الشعر وسواده سواء .2 - اسم كان محذوف دل عليه ما بعده أي لو كان السفور عن الصبي يمكنني وهذا الحذف يكثر بعد أفعال القدرة والإرادة وما إليهما وهو في مقام الشرط أكثر. وسفرت من سفور المرأة إذا كشفت عن وجهها. يريد أنه مع شيبه حدث السن ولكن الشيب ألقى عليه منظر الكبر فكأنه قد ستر شبابه. يقول: لو أمكنني لكشفت عن شبابي بإزالة الشيب الذي يستره لأن الشيب قبل أوانه كاللثام الذي يتنظر به منظر المتلثم .3 - اليقق الأبيض. ويعصم يقي. يعني أن حوادث الدهر تنال الكبير والصغير فلا يكون بياض الشعر سبباً للموت ولا سواده واقياً منه لأن الأمر كثيراً ما يقع على الخلاف .4 - يخترم يهلك. ونحافة مفعول له. والناصية شعر مقدم الرأس. يشير إلى علة مشيبه يقول: إنما غيرني الهم فإنه إذا استولى على الجسيم هزله حتى يهلك من النحافة وقد يشيب به الصبي ويصير كالهرم من الضعف والعجز .5 - في النعيم وفي الشقاوة حالان من الضمير في الفعلين. وبعقله صلة يشقى. يقول: العاقل يشقى بعقله وإن كان في نعيم من الدنيا لتفكره في العواقب وعلمه بتحول الأحوال والجاهل ينعم وهو في الشقاوة لضعف حسه وقلة تفريقه بين حال وحال .6 - النبذ الطرح. والحفاظ أي المحافظة على الحقوق. ومطلق مبتدأ محذوف الخبر أي فمنهم مطلق.

    لا يخدعنّك من عدوٍّ دمعه ........ وارحم شبابك من عدوٍ ترحم

    لا يسلم الشّرف الرّفيع من الأذى ........ حتى يراق على جوانبه الدّم

    يؤذي القليل من اللّئام بطبعه ........ من لا يقلّ كما يقلّ ويلؤم

    والظّلم من شيم النّفوس فإن تجد ........ ذا عفّةٍ فلعلّةٍ لا يظلم

    ومن البليّة عذل من لا يرعوي ........ عن جهله وخطاب من لا يفهم

    ومنها في ذكر المهجو:

    يقلى مفارقة الأكفّ قذاله ، ........ حتى يكاد على يدٍ يتعمّم

    وجفونه ما تستقرّ كأنّها ........ مطروفةٌ أو فتّ فيها حصرم

    وأولاه كذا أنعم به عليه. والعافي من العفو عن الذنوب. يقول: الناس قد تركوا رعاية الحقوق وعرفان النعم فينسى المطلق من الأسر إحسان مطلقه ويندم الذي يعفو عن المسيء لما يرى من كفر إن صنيعته .1 - يقول: لا يخدعك بكاء العدو في الاستعطاف أي لا ترحمه ولكن ارحم نفسك منه لأنك إن رحمته وأبقيت عليه لم تأمن غدره .2 - يراق يسفك. أي لا يسلم للشريف شرفه من أذى الأعداء والحساد حتى يسفك دماءهم فيأمن بقتلهم ويتحاماه غيرهم .3 - القليل هنا بمعنى الخسيس. وبطبعه صلة يؤذي. وضمير الفعلين الآخرين للقليل. يقول: الخسيس مطبوع على أذى الكريم الذي لا يشاكله في الخسة واللؤم للتنافي بينهما .4 - الشيم الطباع. ويروى في خلق النفوس. يقول: نفوس الناس مطبوعة على الظلم لاستيلاء الهوى عليها فإن وجدت فيهم من يعف عن الظلم فلسبب كالعجز والخوف ونحوهما .5 - العذل اللوم. ويرعوي يكف ويقلع. ويروى عن غيه وهو خلاف الرشد .6 - يقلى، بفتح اللام وكسرها، يبغض. والقذال مؤخر الرأس وهو فاعل يقلى ويجوز أن يكون مفعول المفارقة وفاعل يقلى ضمير المهجو. أي أن قفاه يكره مفارقة الأكف لأنه قد ألف صحبتها في الصفح فيكاد يتعمم على إحدى يديه لئلا يخلو قفاه من كف .7 - طرف عينه إذا أصابها بشيء فدمعت. يقول: أجفانه أبداً تتحرك فلا تستقر. قيل كان ذلك عادة.

    وإذا أشار محدّثاً ، فكأنّه ........ قردٌ يقهقه ، أو عجوزٌ تلطم

    وتراه ، أصغر ما تراه ، ناطقاً ........ ويكون ، أكذب ما يكون ، ويقسم

    والذّلّ يظهر في الذّليل مودّةً ، ........ وأودّ منه ، لمن يودّ ، الأرقم

    ومن العداوة ما ينالك نفعه ، ........ ومن الصّداقة ما يضرّ ويؤلم

    غلبت عليه فيعيره بها وقيل كان داء به عينيه كانتا تدمعان أبداً فلا يفتر من تحريك أجفانه وعلى هذا حمل بعضهم قوله فيه: وإسحق مأمون على من أهانه ولكن تسلى بالبكاء قليلا .1 - يريد أنه ألكن اللسان فإذا حدث شنج وجهه وأشار بيده لأنه لا يقدر على البيان فشبه حديثه بضحك القرد وجعل إشارته في حديثه كلطم العجوز إذا ولولت .2 - ما الداخلة على الفعلين مصدرية. وناطقاً ويقسم حالان وأراد وهو يقسم فحذف كما في قولهم قمت وأصك عينه أي وأنا أصك. وأصغر وأكذب يرويان بالنصب على أنهما معمولان للفعلين قبلهما وزعم بعضهم أنهما هنا في موضع المفعول المطلق على أن ترى من رؤية العين فهي متعدية إلى واحد ويكون تامة فلا خبر لها والتقدير تراه ناطقاً رؤية أحقر رؤيتك إياه ويوجد وهو مقسم وجوداً أكذب وجوده. انتهى محصلا وفيه من التعسف ما لا يخفى وأقل ما يقال فيه أنه لو سقط العامل اللفظي بأن قيل هو أصغر ما تراه ناطقاً لتقوض هذا البناء من أصله. والأظهر أن أفعل في الموضعين مرفوع على الابتداء وسدت الحال بعدده مسد الخبر والجملة في محل نصب بالناسخ لأنها في الأصل خبر ابتداء كما في قولك هند أحسن ما تراها أو أحسن ما تكون سافرة فلما دخل الناسخ عمل في المبتدإ الأول لفظاً وفي جملة الخبر محلا كما تقول رأيت هند أو كانت هند أحسن ما تكون سافرة. فتأمل. والمعنى تراه أحقر ما يكون إذا نطق لأنه ألكن أو لأنه ينطق بغير معقول وهو أكذب ما يكون إذا حلف أي حين يكون الصدق عليه أوجب .3 - أود خبر مقدم عن الأرقم وهو ضرب من الحيات فيه سواد وبياض. وفاعل يود ضمير الذليل والعائد محذوف أي يوده. أي أن الذل يحمل صاحبه على إظهار المودة لمن يبغضه لأنه يعجز عن مجاهرته بالعداوة على أن الحية مع ما هو معروف فيها من الخبث والتعرض لعداوة ما لا يؤذيها أدنى إلى مودة من يظهر الذليل مودته .4 - أراد بالنفع هنا ما هو أعم منه يعني انتفاء الضرر والبيت مبني على الذي قبله أي أن عداوة الذليل الذي يطوي كشحه على البغض تظهر ما أضمر من الخبث فتنفع من يعاديه بأن يطلع على دفينته ويحذر جانبه وبعكسها صداقته فإنها قد تكون سبباً يتوصل به إلى أذاه لأنه يساتره العداوة ويتربص به نهزة للغدر .ومنها يتخلص إلى مدح أبي العشائر:

    فلشدّ ما جاوزت قدرك صاعداً ........ ولشدّ ما قربت عليك الأنجم

    وأرغت ما لأبي العشائر خالصاً ........ إنّ الثّناء لمن يزار فينعم

    ولمن أقمت على الهوان ببابه ........ تدنو فيوجأ أخدعاك وتنهم

    ولمن يهين المال وهو مكرّم ........ ولمن يجرّ الجيش وهو عرمرم

    ولمن إذا التقت الكماة بمأزقٍ ........ فنصيبه منها الكميّ المعلم

    ولربّما أطر القناة بفارسٍ ........ وثنى فقوّمها بآخر منهم

    والوجه أزهر والفؤاد مشيّع ........ والرّمح أسمر والحسام مصمّم

    1 - شد بمعنى ما أشد واللام قبلها للتوكيد وما مصدرية. يقول: ما أشد ما تجاوزت قدرك في طلبك المديح مني وما أشد ما قربت الأنجم عندك في نيلها وأراد بالأنجم أبيات شعره .2 - أراغ الشيء طلبه. وأبو العشائر الحسن بن حمدان وقد مر ذكره في الديوان وكان أبو الطيب مسافراً في قصده فعرض له هذا الرجل في طريقه إليه وقد ذكرنا خبره في محله. يقول: طلبت المدح الذي هو حق أبي العشائر خالصاً له أي من غير منازع فيه لأن الثناء يحق لمن يزار فينعم على زوراه .3 - تدنو تقرب. ويوجأ يلطم. والأخدعان عرقان في العنق. والنهم الزجر الشديد. أي وإن الثناء لمن تزلفت إليه فأقمت ببابه ذليلا يضرب أخدعاك أي تصفع هزؤاً واستخفافاً ثم تزجر مطروداً من الحضرة .4 - العرمرم الكثير. أي ولمن يهين المال على القصاد حالة كون المال مكرماً أي نفيساً وهو ملك يجر الجيش الكثير .5 - الكماة جمع كمي وهو البطل عليه السلاح. والمأزق المضيق. والمعلم الذي جعل لنفسه علامة في الحرب .6 - أطر لوى. والقناة عود الرمح. وثنى أي عطف على استعمال الفعل لازماً كما مر من قوله ثنت فاستدبرته بطيب. أي ربما طعن فارساً فاعوج الرمح فيه ثم طعن آخر فقومه. يشير إلى شدة طعنه وتواتره .7 - إلى هنا نائبة على ضمير الممدوح أي ووجهه وفؤاده وهلم جراً والواو في أول البيت للحال. والأزهر الأبيض المشرق. والمشيع الجريء. والحسام القاطع. والمصمم الذي يطبق المفاصل.

    أفعال من تلد الكرام كريمةٌ ........ وفعال من تلد الأعاجم أعجم

    ومطلع الثانية قوله:

    ما أنصف القوم ضبّه ........ وأمّه الطّرطبّه

    ومنها:

    وإنّما قلت ما قل _ ت رحمةً لا محبّه

    وحيلةً لك حتّى ........ عذرت لو كنت تأبه

    وما عليك من القت _ ل إنّما هي ضرب

    وما عليك من الغد _ ر إنّما هي سبّه

    1 - الفعال هنا مصدر. والأعاجم كل من ليس عربياً من أي جبل كان. يقول: فعل المرء يشبه أصله فمن كرمت أنسابه كرمت أفعاله ومن كان لئيم النسب ففعله أيضاً لئيم. والعرب تصف الأعاجم باللؤم ولذلك جعل الأعاجم في مقابلة الكرام وإنما قال ذلك لأن هذا الرجل كان رومياً .2 - ضبة هو ابن يزيد العتبي ويروى العيني بالياء المثناة بعدها نون وكان فيمن كان مع الخارجي الذي نجم في بني كلاب وهو المشار إليه في القصيدة التي مدح بها دلير بن لشكروز بالكوفة. وكان من قصة هذا الرجل أن قوماً من أهل العراق قتلوا أباه يزيد وسبوا امرأته أم ضبة وكان ضبة غداراً بكل من نزل به واجتاز به أبو الطيب في جماعة من أشراف الكوفة فامتنع منهم وأقبل يجاهر يشتمهم فأرادوا أن يجيبوه بمثل ألفاظه القبيحة وسألوا ذلك أبا الطيب فتكلفه لهم على كراهة وقال هذه القصيدة وهو على ظهر فرسه. يشير في هذا البيت إلى قصته المذكورة، والطرطبة المسترخية الثديين .3 - أي إنما قلت ما أنصفوك رحمة بك لما أصابك من الذل والعار لا محبة لك وغيرة عليك، يريد شدة ما وصل إليه حتى صار بالرحمة أحق منه بالشماتة .4 - لو هنا حرف ثمن. وتأبه تفطن. ويروى تيبه، بكسر التاء، مضارع وبه بمعنى أبه على لغة من يكسر حرف المضارعة. وروى الخوارزمي تنبه وهو بمعناه أيضاً. أي وقلت ذلك حيلة لك حتى يعذرك الناس فيما أصابك إذا سمعوا مقالي وعلموا أنك مظلوم .5 - ما في البيتين استفهام إنكار. وهي ضمير الشأن أخبر عنه بمفرد وقد مرت له نظائر. والسبة العار

    يا قاتلاً كلّ ضيفٍ ........ غناه ضيحٌ وعلبه

    وخوف كلّ رفيقٍ ........ أباتك اللّيل جنبه

    كذا خلقت ومن ذا الّ _ ذي يغالب ربّه

    ومن يبالي بذمٍ ........ إذا تعوّد كسبه

    فسل فؤادك يا ض _ بّ أين خلّف عجبه

    وإن يخنك فعمري ........ لطالما خان صحبه

    وكيف ترغب فيه ........ وقد تبينت رعبه

    يسب به. يقول: ماذا عليك من قتلهم لأبيك وغدرهم به فإنما القتل ضربة تقع بالمقتول فيموت منها والغدر سبة يتناقلها الناس وما على المسبوب شيء. أي أنت تقتل وليس في القتل والغدر عندك إلا ما ذكر فلا يشتد موقعهما عليك .1 - غناه، بالفتح، أي كفايته، وأصله المد فقصره. والضيح اللبن الممزوج بالماء. والعلبة قدح من جلد يشرب فيه اللبن. يريد أنه لبخله إذا نزل به ضيف يقتله ليتخلص من القرى ولو كان ضيفه فقيراً يكتفي بقليل من هذا اللبن في علبة. كذا قال ابن فوزجة. ويجوز أن يكون المعنى أنه لما طبع عليه من الغدر يقتل كل من نزل به ولو كان صعلوكاً لا مال معه يطمع فيه .2 - خوف معطوف على قاتلا والبيت في معنى الذي سبقه أي إذا بايته رفيق في السفر لا يأمن أن يغدر به إذا نام .3 - كذا حال. ومن ذا استفهام إنكار وذا هنا ملغاة مركبة مع من تركيب ماذا. يريد أن الله خلقه كذلك أي مطبوعاً على الغدر والدناءة فهو لا يزال على ما خلقه الله لا يقدر الناس على تغييره لأن الله لا يغالب .4 - ضب ترخيم ضبة. وخلف الشيء تركه خلفه. والعجب الكبر. يقول له: سل فؤادك أين ترك ما كان فيه من الكبر والتيه أي حين اختبأ منهم وامتنع بالحصن وهو يسمع الشم فلا يخرج إليهم .5 - عمري قسم وهو مبتدأ محذوف الخبر سد مسده جواب القسم. والصحب جماعة الأصحاب. يقول: إنه خانك فؤادك أي خذلك ولم يطاوعك على الإقدام علينا خوفاً ورهباً فلست بأول صاحب خانه لأنه تعود خيانة الأصحاب .6 - يقول: كيف ترغب في فؤادك بعد هذا وقد تبينت ما هو من الخوف عند الشدة أي هو لا ينفعك فلا خير لك في صحبته.

    ما كنت إلاّ ذباباً ........ نفتك عنّا مذبّه

    وإن بعدنا قليلاً ........ حملت رمحاً وحربه

    وقلت ليت بكفّي ........ عنان جرداء شطبه

    إن أوحشتك المعالي ........ فإنّها دار غربه

    أو آنستك المخازي ........ فإنّها لك نسبه

    وإن عرفت مرادي ........ تكشّفت عنك كربه

    وإن جهلت مرادي ........ فإنّه بك أشبه

    ومما حذفته أيضاً قطعة هجا بها وردان الطائي، أولها: لحي الله ورداناً وأماً أتت به. وهي همسة أبيات لا غير لم يسلم منها ما هو جدير بالإثبات. فكان مجمل ما أسقطته من الديوان كله لا يكاد يبلغ سبعين بيتاً، منها نحو النصف من القصيدتين المتقدمتين، وليس هذا القدر اليسير بالقدر الذي يعبأ به في جنب الديوان، ولا سيما أنه بذلك قد سلمت محاسنه مما يشان1 - المذبة ما يطرد به الذباب. ويروى عنه والضمير للقلب أو للعجب ولعل الرواية الصحيحة ما ذكرناه. يريد أنه انهزم منهم بمجرد الخوف فشبهه لجبنه بالذباب وشبه ما غشيه من خوفهم بالمذبة التي يهول بها على الذباب فيهرب .2 - أي إذا بعدنا عنك فأمنت عدت إلى عجبك فحملت السلاح وهذا مثل قوله:

    وإذا ما خلا الجبان بأرض ........ طلب الحرب وحده والنزالا

    3 - العنان سير اللجام. والجرداء من الخيل القصيرة الشعر. والشطبة الطويلة .4 - المخازي جمع مخزية وهي الفعلة القبيحة يذبل صاحبها. أي إذا استوحشت من المعالي فلا عجب لأنك غريب عنها وكذلك شأن الغريب وعلى عكسها المخازي فإنك تستأنس بها لما بينك وبينها من النسب. وأراد ذات نسبة فحذف كما يقال هو قرابتي وكلاهما من استعمال المولدين .5 - الضمير من إنه يعود على المصدر المفهوم من الفعل المتقدم يعني الجهل. ويروى لك أشبه. يقول: إن عرفت مرادي زال عنك ما تجده من الكرب بجهلك ما أقول وإن جهلت مرادي فالجهل أشبه بك وأليق بحالك لأنك لست ممن يفهمونوأتلفت جملته على الإحسان. والحمد لله أني قد وفقت في كل ما اطرحته من الأبيات إلى بقاء الكلام متتابعاً بعد الحذف، ولم اضطر إلى تبديل شيء من الألفاظ إلا في أربعة أبيات لم يقع لي حذفها لتوقف المعنى على بعضها، وضني بالبعض الآخر لحسنه ؛أحدها قوله:

    أوطأت صمّ حصاها خفّ يعملةٍ ........ تغشمرت بي إليك السهل والجبلا

    والثاني قوله يذكر ناقته:

    وتعذّر الأحرار صيّر ظهرها ........ إلاّ إليك عليّ ظهر حرام

    والثالث قوله:

    ولا عفّةٌ في سيفه وسنانه ........ ولكنّها في الكفّ والطّرف والفم

    والرابع قوله:

    وكان أطيب من سيفي معانقةً ........ أشباه رونقه الغيد الأماليد

    وقد أتيت فيما عدا البيت الثالث بما هو من مرادف اللفظ المبدل منه، ولا يخرج عن ذلك ما في البيت الثاني، فإن الترادف يأتي من طريق الكناية، وهو اصطلاح قديم معروف .على أني، ويشهد الله، لم آت شيئاً من ذلك إلا متكرهاً، إذ ليس للراوي أو الشارح أن يتولى مقام الناظم في الاختيار والتبديل، وإنما نحن المؤتمنون على ما استخلفنا عليه المتقدمون نؤديه كما بلغ إلينا، وننصفهم من أنفسنا كما نود أن ينصفنا من يجيء بعدنا، ولكن كذا اقتضت المصلة، ومن اعتبر طرفي صنيعي وغايته اغتفر ما أقدمت عليه من هذا التصرف اليسير فيما توخيته بعده من النفع الكبير .وبعد فلست أنا أول من تحرج من ذكر ما تأباه النفوس النزيهة، بل قد نقل عن المتنبي نفسه أنه كان إذا قرئت عليه قصيدة في هجاء ضبة يتكره إنشادها، وقد ذكر الواحدي ذلك عنه عندما انتهى في شرحه إلى هذه القصيدة، ثم قال: وأنا أيضاً والله أكره كتابتها وتفسيرها، ولست أرويها إنما أحكيها على ما هي عليه، وأستغفر الله تعالى من خط ما لا يزلف لديه. ا ه .قلت: وإذا لم يكن من الاستغفار بد فهو من ترك ما لا يزلف أولى، والعجب من الواحدي، رحمه الله، أنه مع ما رأيت من تحرجه هنا وانقباضه عن رواية هذه القصيدة وشرحها، لم يجد من نفسه مثل ذلك عند شرحه للقصيدة التي هجا بها ابن كيغلغ، فإنه رواها هناك بغير نكير، وأطلق عنان القلم في الشرح بما لم يبلغ إليه المتنبي في هجاء ضبة، فسبحان الواحد الكامل الذي لا تأخذه غفلة ولا يشغله شان عن شان.

    ذكر قصائد ومقطعات تروى للمتنبي :

    وقد بقي للمتنبي غير ما ذكر قصائد ومقطعات تروى له عثرت على بعضها في بعض نسخ الديوان وعلى البعض الآخر في تضاعيف كتب الأدب، وقد مر ذكر بعض منها في الشرح، وأنا أذكرها هنا برمتها تيسيراً لمطلبها، وأذيلها بشرح يكشف عن غامضها وإن لم يتولها شارح قبلي، والله ولي التوفيق .فمن ذلك ما قاله عندما اعتقله ابن علي الهاشمي أمير حمص، وكان قد قبض عليه في قرية يقال لها كوتكين، وجعل في رجله وعنقه خشبتين من خشب الصفصاف:

    زعم المقيم بكوتكين بأنّه ........ من آل هاشمٍ ابن عبد مناف

    فأجبته مذ صرت من أبنائهم ........ صارت قيودهم من الصّفصّاف

    ومنها ما كتب به إلى الوالي، وقد طال اعتقاله:

    يبدي أيّها الأمير الأريب ........ لا لشيءٍ إلاّ لأنّي غريب

    1 - زعم كذا أي قاله وأكثر ما يستعمل فيما لا يعتقد صدقه. والباء من قوله بأنه زائدة للضرورة مثلها في قول عنترة:

    ولقد خشيت بأن أموت ولم تكن ........ في الحرب دائرة على ابني ضمضم

    وهاشم بن عبد مناف لقب عبد المطلب واسمه عمرو بذلك لأنه أول من هشم الثريد لأهل الحرم ونون هاشم ضرورة .2 - الضمير من أبنائهم لآل هاشم. يريد تكذيب دعواه أنه هاشمي وأخرج الكلام مخرج التكهم يعني أنه لا يصدق كونه هاشمياً حتى يصدق أن يكون خشب الصفصاف من القيود .3 - بيدي أي خذ بيدي فحذف المتعلق. والأريب ذو الدهاء. وقوله لا لشيء من صلة المتعلق المحذوف.

    أو لأمٍ لها إذا ذكرتني ........ دم قلبٍ في دمع عينٍ يذوب

    إن أكن قبل أن رأيتك أخطأ _ ت فإنّي على يديك أتوب

    عائبٌ عابني لديك ومنه ........ خلقت في ذوي العيوب عيوب

    وقوله يخاطب سيف الدولة حين رضي عنه بعد إنشاده: واحر قلباه، وأمر له بألف دينار ثم أردفها بألف أخرى:

    جاءت دنانيرك مختومةً ........ عاجلةً ألفاً على ألف

    أشبهها فعلك في فيلقٍ ........ قلبته صفّاً على صف

    وروى له الواحدي هذا البيت في صباه:

    إذا لم تجد ما يبتر الفقر قاعداً ........ فقم واطلب الشيء الذي يبتر العمر

    وشفعه العكبري ببيت آخر وهو قوله:

    هما خلّتان ثروةٌ أو منيةٌ ........ لعلّك أن تبقي بواحدةٍ ذكرا

    1 - ويروى دمع قلب بدمع عين سكوب2 - عائب مبتدأ خبره ما بعده وأجاز الابتداء به لأنه خلف من موصوف. وقوله ومنه إلى آخره حال. يقول: لا عيب في أحبس لأجله ولكن العائب الذي عابني عندك هو خلق في ما ذكره لك من العيوب افتراء. ويمكن أن يكون المعنى أنه مصدر كل عيب حتى إن عيوب أصحاب العيوب مستمدة منه .3 - الفيلق الجيش. وصفاً حال كما في قولك بايعته يداً بيد. وقوله. أشبهها من عكس التشبيه لأنه أراد تشبيه الدنانير بالجيش فقلب الكلام .4 - يبتر يقطع. وقاعداً حال من المخاطب. أراد بما يبتر الفقر الثروة والغنى. يخاطب نفسه يقول: إذا لم تجد الغنى وأنت قاعد عن السعي فقم واطلب ما يقطع العمر أي الحرب يعني محاربة الملوك لاحتياز ما في أيديهم عنوة .5 - هما ضمير الخلتين فسره بهما. والخلة الخصلة. والثروة المال الكثير وهي بدل تفصيل من خلتان. والمنية الموت. وأن هنا زائدة بعد لعل لتأكيد الاستقبال كما تزاد في خبر عسى. يقول: إذا فعلت ذلك فأنت بين أمرين إما الغنى والملك أو القتل بعد البلاء فلعل أحدد هذين ينفعك في إحياء الذكر .ويروى له في بعض نسخ الديوان، وقد كثر المطر بآمد:

    أآمد هل ألمّ بك النّهار ........ قديماً أو أثير بك الغبار

    إذا ما الأرض كانت فيك ماءً ........ فأين بها لغرقاك القرار

    تغضّبت الشّموس بها علينا ........ وماجت فوق أرؤسنا البحار

    حنين البخت ودّعها حجيجٌ ........ كأنّ خيامنا لهم جمار

    فلا حيّا الإله ديار بكرٍ ........ ولا روت مزارعها القطار

    بلادٌ لا سمين من رعاها ........ ولا حسنٌ بأهليها اليسار

    1 - آمد اسم بلد بالثغور من ديار بكر والهمزة قبلها للنداء، والإلمام الزيارة القليلة. يريد أنه طال بها مكث الغيوم واحتجاب الشمس حتى تنوسي النهار، والاستفهام تجاهل. يقول: هل كان بك نهار قبل أيامنا وهل جفت أرضك مرة فأثارت الريح بها غباراً فإنا لا نعهد سماءك إلا ظلاماً ولا أرضك إلا سيولا ووحولا .2 - يريد أنه لكثرة مياه السيول وغمرها الأرض صارت الأرض كأنها بأسرها ماء. يقول: إذا كانت أرضك كلها ماء فمن غرق في هذا الماء أين يكون قراره ولا حضيض يليه .3 - يريد بتغضب الشموس طول احتجابها بالغيم حتى لا تظهر لهم فكأنها تفعل ذلك غضباً وإعراضاً وجمعها إشارة إلى توالي الأيام على ذلك فكأن لكل يوم شمساً .4 - الحنين صوت الناقة إذا نزعت إلى ولدها ونصبه مفعولا مطلقاً لقوله ماجت على المعنى. والبخت النياق الخراسانية وقد مر. والحجيج جماعة الحجاج والجملة حالة من البخت. والجمار الحجارة التي ترميها الحجاج بمنى واحدتها جمرة. يشبه صوت السيول في تحدرها وزخرها بحنين النياق إذا فارقها الحاج فنزع بعضها إلى بعض وجعل الخيام التي قوضها السيل كالجمار التي يرميها الحجيج .5 - جمع القطرة من المطر .6 - بلاد خبر عن محذوف ضمير ديار بكر. وسمين وحسن خبران مقدمان عن المرفوع بعدهما ولا لا عمل لها. وبأهليها صلة حسن. واليسار الغنى وحسن الحال. يقول: هذه البلاد لا يسمن من رعى ماشيته نبتها لأن مرعاها وبيل لا يدر اللبن عليه واليسار لا يجمل بأهلها لأنهم همج لا يعرفون كيف يقضون الغنى حقه.

    إذا لبس الدّروع ليوم بوسٍ ........ فأحسن ما لبست لها الفرار

    وروى له الثعالبي في يتيمة الدهر لما افتتح سيف الدولة الشأم وهزم عساكر الإخشيد محمد ابن طفج عن صفين:

    يا سيف دولة ذي الجلال ومن له ........ خير الخلائف والأنام سميّ

    أو ما ترى صفّين كيف أتيتها ........ فانجاب عنها العسكر الغربي

    فكأنّه جيش ابن حربٍ رعته ........ حتى كأنّك يا عليّ عليّ

    ويروى له في سيف الدولة، وقد أمر بخيمة فصنعت له، وكان على أهبة الرحيل إلى العدو، ولما نصبها لينظر إليها هبت ريح شديدة فسقطت، فتشاءم بذلك ودخل الدار واحتجب عن الناس، فدخل عليه المتنبي بعد ثلاثة أيام وأنشده:

    يا سيف دولة دين الله دم أبدا ........ وعش برغم الأعادي عيشةً رغدا

    1 - البؤس الشدة. والفرار الهرب وهو خبر أحسن. يقول: نازل هذه البلاد كنازل الحرب لأنه يكون عرضة للهلكة إلا أن الحرب تتقي بالدروع وأما هذه البلاد فلا يتقى شرها إلا بمفارقتها والهرب عنها .2 - من عطف على سيف. وله حال عن سمي في آخر البيت مقدمة من وصف. والخلائف جمع خليفة. وخير الخلائف مبتدأ خبره سمي والجملة صلة من. والأنام ما على وجه الأرض ويراد به الناس بخصوصهم. أراد بخير الخلائف علي بن أبي طالب لأن سيف الدولة اسمه علي .3 - صفين موضع قرب الرقة بشاطىء الفرات كانت به الوقعة الكبرى بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان. وكيف حال من فاعل أتيتها والجملة في موضع المفعول الثاني لترى. وانجاب انكشف. ويروى انظر إلى صفين حين دخلها فانحاز عنك العسكر الغربي. يريد بالعسكر الغربي عسكر الاخشيد لأنه كان من جهة الغرب .4 - ابن حرب معاوية بن أبي سفيان واسمه صخر ومعاوية لقب غلب عليه. يشير إلى وقعة صفين المذكورة وكانت وقعة هائلة استطال فيها علي بن أبي طالب على معاوية وضايقه أشد المضايقة بعد أن دامت الحرب بينهما ما يزيد على مئة يوم وقتل من الفريقين خلق كثير في خبر ليس هنا موضعه .5 - الرغم، بالفتح والضم، الكره والذل. وقوله عيشة رغداً من الوصف بالمصدر ولذلك لم يؤنثه.

    هل أذهل النّاس إلاّ خيمةٌ سقطت ........ من المهابة حتى ألقت العمدا

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1