Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

العلاقات الفلسطينيّة الأردنيّة : في عهد الشقيري
العلاقات الفلسطينيّة الأردنيّة : في عهد الشقيري
العلاقات الفلسطينيّة الأردنيّة : في عهد الشقيري
Ebook372 pages2 hours

العلاقات الفلسطينيّة الأردنيّة : في عهد الشقيري

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

في مقدمة هذا الكتاب يُقرّ مؤلفه بتقصيره في الكتابة عن العلاقات الفلسطينية الأردنية في عهد مؤسس م. ت. ف. المرحوم أحمد الشقيري، ويورد المؤلف ثلاث ظواهر لهذا التقصير. ثم يبين المؤلف كيف تدارك في هذا الكتاب ما قصر فيه. كما يبين المؤلف كيف اتبع نهجاً أكاديمياً غير منحاز لأي من طرفيّ العلاقة في متن الكتاب، أما وجهة نظره الخاصة فبسطها في تمهيدٍ سبق فصول الكتاب وفي خاتمةٍ تبعتها.
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJan 1, 2019
ISBN9786617985244
العلاقات الفلسطينيّة الأردنيّة : في عهد الشقيري
Author

فيصل حوراني

محمود عباس

Read more from فيصل حوراني

Related to العلاقات الفلسطينيّة الأردنيّة

Related ebooks

Reviews for العلاقات الفلسطينيّة الأردنيّة

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    العلاقات الفلسطينيّة الأردنيّة - فيصل حوراني

    المقدمة

    منذ احترفتُ الكتابة قبل انقضاء النصف الأوّل في ستّينات القرن العشرين، كتبتُ تعليقات سياسية ومقالاتٍ ودراسات، وألّفت كتباً ورواياتٍ كثيرة. وفي كلّ ما كتبتُ، تطرّقتُ لهذه أو تلك من مسائل العلاقات بين منظّمة التّحرير الفلسطينيّة م. ت. ف وبين النظام الأردنيّ. لكنّ معظم ما كتبتُه تناول هذه المسائل في أوقات تأزّم العلاقات، فتركّز على أسباب التأزّم أكثر ممّا تركّز على الأسباب الأخرى. وإلى هذا الذي أعدّه قصوراً منّي، لم أكتب قبل هذه المرّة دراسةً وافيةً متخصصة في عرض مجرى هذه العلاقة وحده وتحليلها. وفي حدود ما اطّلعتُ عليه مما كتبه غيري، لم أقع على كتاب مُخَصصٍ لدراسة هذه العلاقة ومُبرّأٍ في الوقت ذاته من الانحياز لواحد من طرفيها دون سواه.

    قصورٌ ثان أقرّ به، هو أني بدأتُ في كتابة الدراسات السياسية بعد حرب حزيران / يونيو 1967 الإسرائيلية العربية، أي بعد استقالة مؤسس م. ت. ف، وأول رئيس للجنتها التنفيذية والمجلس الوطني الفلسطيني معاً، القائد المخضرم أحمد الشقيري، ولذا فإن دراساتي المتفرقة وشهاداتي تناولت كثيراً من مسائل العلاقة الفلسطينية الأردنية في عهد ياسر عرفات أكثر بكثير مما تناولت عهد الشقيري، مع أن رئيس المنظمة الأوّل كان هو واضع الميثاق القومي الفلسطيني، والنظام الأساسي الذي حدد بناء م. ت. ف. كله، كما كان هو المشرف على وضع الأنظمة الداخلية التي حددت هياكل هيئات م. ت. ف. وأعمالها الكثيرة. وقد كان هذا مني قصوراً ثالثاً أقر به هنا. وسيجد القارئ ما استخلصته الدراسة التي حاولتُ بها تدارك قصوري، وهو أن أسباب النزاع مع النظام الأردني، مثلها مثل أسباب التهدئة، برزت في عهد رئيس المنظمة المؤسس، وأن خلفاءه الثلاثة، يحيى حمودة، وياسر عرفات، ومحمود عباس، ورثوها من عهده.

    أوجزتُ أعلاه ما قصّرت في أدائه، لأبين للقارئ كيف جاءت فكرة تأليف هذا الكتاب، فبعد أن عزمتُ على التوقف عن كتابة الدراسات والتركيز على كتابة روايات أخرى، انصرفتُ إلى مراجعة كلّ ما بقي في حوزتي مما نشرته، بهدف تأمين أسهل وسيلة وأقلها كلفة لانتظام وصول كتبي إلى طالبيها، إذا وقع لي ما لا ينجو أحد منه. وفي هذه المراجعة، وقعتُ على أوجه قصوري الذي أحتاج إلى تداركه.

    ومنذ شرعت في تأليف هذا الكتاب إلى أن فرغت منه، جرت العملية بيسر، ذلك أني استفدتُ إلى حد كبير من مصدرين سهّلا إتمام الكتاب في وقت قصير: 1. خزين المعلومات التي توفرت لي خلال ممارستي في مؤسسات العمل الوطني الفلسطيني المتجدد بعد النكبة، وخلال عملي في الصحافة اليومية، والأسبوعية، والشهرية، والفصلية، المكتوبة، والمسموعة، والمرئية. 2. وخزين كتاباتي السابقة وما اقتبستُه من المصادر الوفيرة التي رجعت إليها حين كتبتُ ما كتبتُه من قبل.

    ولي أن أدّعي أن صلتي بالمرحوم أحمد الشقيري، الصلة التي امتدّت، منذُ كلِّف القائد المخضرم في العام 1964 إعادة تنظيم الشعب الفلسطيني، حتى وفاته في العام 1980، كانت وثيقة. وقد أتاحت لي هذه الصلة أن أختزن بين ما تختزنه ذاكرتي الشيء الكثير، وأنْ أستفيد في إنجاز هذا الكتاب من هذا الذي اختزنتُه.

    وللقارئ أن يثق بأني اجتهدت أن أنجز الدراسة التي يضمها الكتاب بأعلى قدر من الموضوعية يتيح انتمائي إلى م. ت. ف. أن أحتاز عليه. ولكي أخفف تأثير انتمائي إلى واحد من طرفي علاقة كثيراً ما كانت شائكة، حرصتُ حرصاً شديداً على التزام قواعد الدراسة الأكاديمية النزيهة. ومن ذلك أني أتحتُ لممثلي الطرف الآخر المساحة الكافية لعرض وجهة نظرهم في كل مسألة، بلغتهم هم. وفي هذا المجال، تشددت في أن أقتبس من أقوال هؤلاء ما يساوي ما أقتبسه من أقوال ممثلي الطرف الذي أنتمي إليه، تماماً كما حرصتُ على أن أقتبس، في الحالتين كلتيهما، لُبابَ ما قيل. وإلى هذا وذاك، حرصت أيضاً وأيضاً، على أن أقتبس ما قاله صنّاع القرار في كل طرف، أو الناطقون الرسميون بأسمائهم. وفي استحضاري الوقائع بهدف إضاءة مسألة من مسائل العلاقة، تشددتُ، أيضاً، في إيراد ما أنا متيقن من صوابه، وتركتُ للوقائع التي أوردها أن تُقنع القارئ برأي أو سواه، حسب موقف هذا القارئ من المسألة ذات الصلة، يضاف إلى هذا أني قلصتُ إلى أدنى الحدود عرض رأيي. وفي إطار هذا التقليص، تعمدتُ أن أعرض رأيي الخاص حين يتعلق الأمر بموقف لي أختلف فيه عن موقف ناسي، أكثر مما قد أعرض رأيي الخاص وأنا مختلف مع ناس الطرف الآخر. أما التبسّط في عرض آرائي الخاصة، فقد أفردتُ له خارج فصول الكتاب الثلاثة تمهيداً وخاتمة خصصتُهما لهذا الغرض، وهأنذا أنبه قارئ الكتاب إلى هذا الذي فعلتُه؛ التمهيد خصصته لأقول رأيي في العلاقات الفلسطينية الأردنية قبل عهد الشقيري وفي عهده، والخاتمة لأقول رأيي في تطور العلاقات بعده.

    شيء واحد أجتذب إليه انتباه القارئ حتى لا يُحمّلني، أنا الحريص على سلامة اللغة وإحكام السرد وسلاسته، وزر أخطاء لم أكن مِنَ ارتكبها. ففي الحرص على دقة الاقتباس، ومنعاً للالتباس الذي قد يحدثه طول المقتبس الموضوع بين أهِلَّه.. اتّبعتُ قاعدة الاقتباس الأكاديمية الحديثة، فأوجزت، بلغتي أنا، جلّ ما قاله من أقتبس منه لعرض رأيه، أما الجمل أو العبارات الأهم من بين أقواله، مما يعرض لباب فكرته، فوضعتُه، وحده، بين أهلّه. وفي كل ما وضعته بين أهلّه، أوردتُ المقتبس بلغة صاحبه كما كتبه أو كما فاه به، حتى لو كان فيه خطأ لغوي، أو ركاكة في السرد، أو مصطلح غير دقيق.

    فإذا وجد القارئ في هذا الكتاب ما يفي الموضوع حقه، فمما لا شك فيه أن هذا سيسعدني. أما إذا وقع قارئ الكتاب على نواقص فيه، فآمل أن يُبقي في باله أنه الكتاب الأوّل المتخصص في هذا الموضوع، وأنّ من الممكن أن يفتح الكتاب شهية غيري من الدارسين لتدارك ما فيه من نواقص.

    رام الله، 16/10/2017، فيصل حوراني

    التمهيد

    في العام 1946، ارتقت إمارة شرق الأردن إلى مرتبة مملكة. هذا يعني أن المملكة الأردنية الهاشمية تأسست قبل سنة واحدة وبضعة أشهر فقط من صدور قرار تقسيم فلسطين الشهير عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. ولئن أنشئت الإمارة في ظرف جعلها في وضع محمية بريطانية، فإن ارتقاءها إلى مملكة اقترن بجعلها دولة مستقلة، لكن استقلالها جاء منقوصاً، لأن بريطانيا فرضت على النظام الأردني معاهدة قيّدت هذا الاستقلال. انعقدت إمارة شرق الأردن عند تأسيسها في العام 1921 للأمير عبد الله، وهو ابن شريف مكة، الحسين بن علي، الذي تزعّم الثورة العربية الكبرى، ثورة الاستقلال العربي عن الإمبراطورية العثمانية في العام 1917، والذي حمل لقب ملك على دولة عربية مأمولة تضم الأقطار العربية التي صارت أسماؤها الآن هي: المملكة العربية السعودية، والمملكة الأردنية الهاشمية، وفلسطين، وبضمنها المناطق التي قامت عليها إسرائيل، وسورية، ولبنان، والعراق. ثم لم تقم هذه الدولة، ولم يتمتع شريف مكة بالملك، بل تقاسم المستعمرون البريطانيون والفرنسيون بلدان المملكة المأمولة، وحال نفوذهم بين من حمل لقب ملك وبين ممارسته الحكم حتى في الحجاز التي كان والياً عليها أيام الحكم العثماني.

    الأمير عبد الله، ابن شريف مكة، الذي صار أمير شرق الأردن، صار هو نفسه ملك المملكة الأردنية الهاشمية. والنظام الذي أدار الإمارة صار هو ذاته النظام الذي أدار المملكة. وحين أعلنت بريطانيا اعتزامها إنهاء انتدابها على فلسطين، متيحة للييشوف اليهودي في فلسطين أن يتحرك لإحلال سلطته على البلاد محل السلطة البريطانية بدعوى تطبيق القرار الدولي، عقد ملوك سبع دول عربية مستقلة وشبه مستقلة ورؤساء جمهورياتها مؤتمر قمّة تقرر فيها أن ترسل هذه الدول وحدات من جيوشها إلى فلسطين يوم خلوّها من آخر جندي بريطاني، بدعوى منع تقسيم وطن الفلسطينيين. وقبيل تنفيذ هذا القرار، تقررت تسمية الملك عبد الله الذي سنسميه، هنا، بلقبه الذي أطلقه خلفاؤه عليه، الملك المؤسّس، قائداً أعلى للجيوش العربية التي ستزحف إلى فلسطين لمنع التقسيم. وقتها، صار قائد جيش المملكة الأردنية الهاشمية هو الجنرال البريطاني جون غلوب، وكان معاونوه في القيادة ضبّاطاً بريطانيين.

    وفي ليلة الرابع عشر والخامس عشر من أيار/ مايو 1948، قبل ساعات فقط من اجتياز الجيوش العربية حدود بلدانها مع فلسطين تطبيقاً للقرار المعلن سابقاً، استبق أركان الييشوف اليهودي، الذين كان مقاتلوهم مشتبكين على نطاق واسع مع المقاتلين الفلسطينيين، وصول الجيوش العربية، وبادروا إلى إعلان تأسيس دولة إسرائيل، دون أن يتضمن الإعلان أي إشارة إلى حدودها. وبعد ساعات فقط من هذا الإعلان، تلقى معلنوه أول اعتراف بدولتهم، هو اعتراف الولايات المتحدة الأميركية. وقائع الحرب الإسرائيلية العربية الأولى التي بدأت في منتصف أيار/ مايو 1948، والتي توقفت، بعد جولات متقطعة، قبل يومين من حلول العام التالي، صارت معروفة بتمامها على نطاق واسع، وصارت نتائجها الكارثية على الفلسطينيين متداولة على نطاق أوسع، فلن ندخل في تفاصيلها، بل سنكتفي بالإشارة إلى عناوين النتائج التي لها صلة بموضوع الكتاب.

    فبعد أن كان قرار التقسيم الدولي قد خصص للجانب اليهودي 52 بالمئة من إجمالي أرض فلسطين وكان مقاتلو الييشوف اليهودي مشتبكين مع المدافعين عن وطنهم في أماكن محدودة من هذه المساحة، سيطرت إسرائيل حين توقفت الحرب على 78 بالمئة من وطن الشعب الفلسطيني، وبضمنه الجزء الغربي من القدس الذي كان، وفق قرار التقسيم، جزءاً من منطقة تتوسطها مدينة القدس، مساحتها تشكل خمسة بالمئة من أرض فلسطين، وكان القرار ذاته خصصها لكيان تديره الأمم المتحدة.

    في ذلك الوقت، كانت الهيئة العربية العليا لفلسطين هي القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني، وكان رئيس الهيئة هو الحاج أمين الحسيني الذي لم يتمتع زعيم فلسطيني قبله أو بعده بالصلاحيات التي تمتع بها أو بالشعبية التي كانت له. وفي ذلك الوقت، أيضاً، كانت العلاقة بين هذه القيادة الفلسطينية وزعيمها وبين النظام الأردني وزعيمه الملك المؤسس مأزومة. ولئن كان للملك من يؤيدونه بين نشطاء العمل الوطني الفلسطيني، فقد كان فيه من يعارضونه. وإذا توجب أن نستحضر حجم مؤيدي الملك المؤسس وحجم معارضيه، فإن الحجمين تفاوتا أثناء فترة الانتداب البريطاني، إلا أن حجم مؤيدي النظام الأردني بين الفلسطينيين لم يتفوّق في أي وقت على حجم معارضيه، وإن تراوح حجم المؤيدين بين أقلية وأقلية كبيرة.

    فإذا قصرنا المقارنة على العام 1948، فمن الممكن القول بأن نسبة مؤيدي سياسة النظام الأردني بين الفلسطينيين انحدرت مع نهاية هذا العام إلى ما هو أدنى من أي حد انحدرت إليه من قبل. فالأداء الأردني أثناء الحرب، خصوصاً الأداء السياسي، الأداء المتصل بتقرير مصير الضفة الغربية التي نجت آنذاك من سيطرة الجيش الإسرائيلي عليها، أسخط الأغلبية الكاسحة من أبناء الشعب الفلسطيني، فانضاف السخط المستجد هذا إلى كل ما بقي وتراكم من أسباب السخط التي سبقته منذ تأسيس إمارة شرق الأردن، والملابسات الغامضة أو السافرة التي اقترنت بهذا التأسيس، إلى بداية الحرب في العام 1948.

    في الهيئة العربية العليا ووسط الجمهور الفلسطيني، وُجد كثيرون تفاءلوا بقرار الأنظمة العربية دخول فلسطين لمنع تطبيق قرار التقسيم الذي أعلنت أنظمة الحكم العربية رفضها إياه. غير أن تفاؤل هؤلاء راح يتآكل أولاً بأول، إلى أن رأى الجميع بأمهات عيونهم وقائع الكارثة التي حلّت بالبلاد وشعبها، فتحوّل التفاؤل إلى هواجس، ثم لم يلبث أن اتضح أنها النكبة.

    وقتها، بادرت الهيئة العربية العليا إلى خطوة استهدفت بها إنقاذ ما قد يمكن إنقاذه. وبدافع خيبة أملها بأداء الجيوش العربية، وبضمنها جيش الأردن الذي كان يقوده، رسمياً وواقعياً، الجنرال البريطاني جون غلوب، كما بدافع الإحساس بالمسؤولية الوطنية إزاء مصير الوطن، دعت الهيئة، بما هي القيادة الشرعية، إلى عقد مؤتمر وطني ليناقش الوضع ويتدبر أمر تخفيف الكوارث الحالة بالوطن. هذا المؤتمر انعقد في 1/10/1948 في مدينة غزة الناجية حتى ذلك الوقت من السيطرة الإسرائيلية، بحضور أغلبية المندوبين لحضوره. وقد اتخذ المؤتمر حزمة قرارات، أهمها، مما له صلة بموضوع هذا التمهيد، اثنان: إعلان استقلال دولة فلسطين في الحدود التي رسمتها لهذه الدولة خارطة الانتداب البريطاني؛ وتشكيل حكومة لهذه الدولة، منحها المؤتمر الوطني هذا صفة ذات دلالة ساطعة، حين سماها حكومة عموم فلسطين. وقد سمى المؤتمر عضو الهيئة العربية العليا أحمد حلمي عبد الباقي رئيساً للحكومة.

    في موازاة هذا السياق الذي اتبعته القيادة الشرعية الفلسطينية، وبصرف النظر عن المآل الختامي لقرارات مؤتمر غزة، احتضنت سلطات النظام الأردني حركة انشقاق عن الشرعية الفلسطينية جرت في الجزء من فلسطين الذي ظلت السيطرة عليه في يد جيش الأردن. ودفعت هذه السلطات نشطاء هذه الحركة الانشقاقية في اتجاه التمرد على قرارات مؤتمر غزة الشرعي.

    وبدفع من سلطات النظام الأردني، تم عقد لقاء في أريحا سماه منظموه مؤتمر أريحا. وكان هذا هو المؤتمر الذي نشرت وسائل الإعلام باسمه قرارات شكلت البداية لسلسلة من الإجراءات التي انتهت بتوحيد ضفتي الأردن الشرقية والغربية في إطار المملكة الأردنية الهاشمية، التوحيد الذي اعتبر من قبل المعترضين عليه إلحاقاً للضفة الفلسطينية بالمملكة الأردنية، ومساهمة من مصدر عربي في تغييب اسم فلسطين عن التداول وعن الخارطة السياسية لدول المنطقة.

    انعقد مؤتمر أريحا في 1/12/1948، أي أن الجهود التي بذلت لعقد اللقاء الانشقاقي احتاجت إلى شهرين بعد انعقاد مؤتمر غزة الشرعي لإقناع عدد مناسب، من مواطني الضفة الغربية وممن لجؤوا إلى واحدة من الضفتين، بحضور اللقاء. والواقع أن إقناع هؤلاء جرى في عدد من الحالات بالتي هي أحسن، إلا أنه جرى في حالات أخرى بالتي هي أسوأ. وفي المحصلة، تشكل الحاضرون من نوعين رئيسين من الناس؛ فكان بين هؤلاء ناس من نشطاء الحركة الوطنية الفلسطينية الذين صدمتهم نتائج حرب 1948، فاعتقدوا أن إيلاء مسؤولية الاحتفاظ بالضفة إلى الملك الهاشمي يندرج في عداد إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فحضروا مؤتمر أريحا على هذا الأساس. وكان بين الحاضرين ناس سيقوا إلى المؤتمر نتيجة الإغواء بمنافع شخصية أو الرضوخ إلى ضغوط لا قبل لهم باحتمالها. كما كان هناك، بالطبع، انتهازيون ممن يتبعون قاعدة من يتزوّج أمي فهو عمي.

    بعد توحيد الضفتين، كان من المتوقع أن تُمنح الجنسية الأردنية لمواطني الضفة الغربية، فضلاً عمن حملوا هذه الجنسية من الفلسطينيين الذين نقلوا مركز حياتهم من فلسطين إلى الضفة الشرقية منذ ما قبل تأسيس الإمارة، حين كان أهل فلسطين وأهل شرق الأردن مواطنين في إمبراطورية بني عثمان. أما ما أثار الدهشة، فهو منح الجنسية الأردنية للمواطنين الفلسطينيين الذين أخرجتهم الاعتداءات الإسرائيلية من ديارهم في مناطق فلسطين التي سيطرت إسرائيل عليها فلجؤوا إلى واحدة من الضفتين. فالدول العربية التي استضافت لاجئين فلسطينيين اتفقت على تجنب منح جنسيتها لمن لجؤوا إليها، وذلك صيانة لحقوق اللاجئين الخاصة التي كفلتها القرارات والقوانين الدولية. ولعل ما فعله النظام الأردني بهذا الخصوص كان هو الدافع إلى موقف دول الجامعة العربية الذي حظر منح جنسياتها لأي لاجئين إليها من فلسطين، حفاظاً على حقوقهم الخاصة، وحفاظاً أيضاً على الجنسية الفلسطينية. وأيّاً ما كان عليه الأمر، ومع تغييب الإحصاءات قاطعة الدلالة، فإن منح الجنسية الأردنية في النحو الذي ذكر أعلاه يجيز لأي مراقب أن يُصدّق ما يتردَّد على الألسنة من أن ثلثي مواطني المملكة هم من الفلسطينيين. فإذا أضفنا إلى هؤلاء مَن أخرجتهم حرب 1967 من قطاع غزة، فإن ساكني كل من ضفتي الأردن من الفلسطينيين شكلوا فيما بعد هذه الحرب ما يزيد على ثلثي السكان.

    وعلى هذا، فإن تواتر الاعتداءات الإسرائيلية على شعب فلسطين أنشأ وضعاً شائكاً في الأردن، المعتدون الإسرائيليون هم أوائل المسؤولين عن تعقيداته، مثلما أنهم أوائل المستفيدين منها.

    ولكي نبقى في سياق التمهيد للدراسة التي تشكل الموضوع الحصري في هذا الكتاب، نحتاج إلى أن نتذكر أن توحيد الضفتين عنى، واقعياً، ضمّ الضفة الغربية إلى مملكة قائمة، دون أن يتبع هذا تبديلٌ في طبيعة النظام أو تغييرٌ لاسْم المملكة. وبهذا المعنى كما بغيره، لم يمرّ توحيد الضفتين بغير اعتراض.

    الاعتراض الأشد، والأثبت، والأدوم، جسّده موقف الهيئة العربية العليا لفلسطين. صحيح أن النكبة كانت قد أضعفت هذه القيادة، لكنها ظلت هي القيادة الشرعية لشعبها، وظلت هي ممثلته الرسمية المعترف بها. هذه القيادة لم تعترف بما سماه النظام الأردني توحيد الضفتين وما سمته الهيئة إلحاق الضفة الغربية بمملكته وما عدّته خطوة غير شرعية. وقد تسببت خطوة النظام الأردني هذه في إحداث قطيعة باتة بين القيادة الفلسطينية الشرعية وبين النظام الأردني.

    هذه القطيعة استمرت منذ بدأ العمل في العام 1948 في سياق توحيد الضفتين إلى أن تأسست منظّمة التّحرير الفلسطينية في العام 1964. أما رئيس الهيئة، التي دخلت بعد ضعفها في قيد التلاشي، فإنه واصل القطيعة مع النظام حتى وفاته في تموز/ يوليو 1974. والواقع أن اعتراض القيادة الشرعية الفلسطينية ورئيسها، انطلق من سخط تراكم على مدى عقود، وتفاقم أثناء حرب 1948، ثم تركز ضد الخطوة الأردنية الأخيرة، بما هي إجراء فيه تحد للشرعية الفلسطينية ولسياستها فضلاً عما فيه من عيوب ومظان أخرى. أما الجمهور الفلسطيني العادي، الذي تعرّض للتشتت وتفرّق في جماعات متفاوتة الحجوم ومتباعدة، فمن العسير على أي دارس لعام النكبة أن يرصد ردود فعله إزاء هذه الخطوة بالذات. وما ذلك إلا لأن هؤلاء الفلسطينيين كانوا آنذاك مذهولين من وقع الأحداث، وكانت أغلبيتهم مشغولة في تأمين المأوى واللقمة ومدرسة الأولاد. أما التعرّف على المشاعر الفلسطينية فله

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1