Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس
تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس
تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس
Ebook663 pages6 hours

تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

كتاب في السير والتاريخ وهو كتاب مشهور تضمن الحوادث التي كانت قبل ابتداء ولادة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، والحوادث التي كانت من ابتداء مولده الى زمان هجرته، وتضمن ايضا الحوادث من الهجرة الى الوفاة والخلفاء الاربعة وبني أمية وبني .العباس حتى جلوس السلطان مراد الثالث
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateAug 23, 1902
ISBN9786863441679
تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس

Related to تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس

Related ebooks

Reviews for تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس - الديار بكري

    الغلاف

    تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس

    الجزء 3

    الديار بكري

    966

    كتاب في السير والتاريخ وهو كتاب مشهور تضمن الحوادث التي كانت قبل ابتداء ولادة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، والحوادث التي كانت من ابتداء مولده الى زمان هجرته، وتضمن ايضا الحوادث من الهجرة الى الوفاة والخلفاء الاربعة وبني أمية وبني .العباس حتى جلوس السلطان مراد الثالث

    في انتقاله من قباء إلى باطن المدينة

    وأول جمعة صليت في الإسلام قبل قدومه المدينة ونزوله على أيوب وسكناه بداره وبناء المسجد وموت كلثوم بن الهدم وإسلام عبد الله بن سلام وموت أسعد بن زرارة وابتداء خدمة أنس والزياد في صلاة الحضر ووعك أبي بكر والأصحاب وإسلام سلمان والنواخاة بين المهاجرين والأنصار وموادعته اليهود وموت العاص بن وائل من مشركي مكة وبعث زيدين بن حارثة إلى مكة للإتيان بعياله وولادة النعمان بن بشير وولادة عبد الله بن الزبير وذكر فاطمة بنت النعمان وتكلم الذئب وابتداء الغزوات وبعث حمزة بن عبد المطلب إلى سيف البحر وسرية عبيدة بن الحارث إلي بطن رابغ وبناء عائشة وبعث سعد بن أبي وقاص إلى الخرار وابتداء الأذان والإقامةفي الصحيح عن أنس بعد ما ذكر من إقامته ببني عمرو بن عوف ثم أرسل إلى بني النجار فجاؤوا متقلدين السيوف وكانوا أخواله جده عبد المطلب وفي رواية فجاؤوا فسلموا على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر وقالوا اركبا آمنين مطاعين فركب يوم الجمعة حتى نزل جانب دار أبي أيوب وسيجيء أنه صلى الله عليه وسلم لما شخص أي خرج من قباء اجتمعت بنو عمرو بن عوف فقالوا أخرجت ملالاً منا أم تريد داراً خيراً من دارنا قال أني أمرت بقرية تأكل القرى فخلوها أي ناقته فإنها مأمورة حتى أدركته الجمعة في بني سالم فصلاها في بطن الوادي وادي ذي صلت وفي سيرة ابن هشام عن ابن إسحاق وادي رانوناو في غيرها كانوا أربعين وقيل مائة وكانت هذه أول جمعة جمعها في الإسلام حين قدم المدينة وخطب يومئذ خطبة بليغة وهي أول خطبة في الإسلام وقيل أنه كان يصلي الجمعة في مسجد قباء في إقامته هناك والله أعلم

    ذكر تلك الخطبة

    روي عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي أنه بلغه عن خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوّل جمعة صلاها في المدينة في بني سالم بن عوف. (الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره وأستهديه وأومن به ولا أكفره وأعادي من يكفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وإن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى والنور والموعظة على فترة من الرسل وقلة من العلم وضلالة من الناس وانقطاع من الزمان ودنوّ من الساعة وقرب من الأجل من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى وفرط وضلّ ضلالاً بعيداً أوصيكم بتقوى الله فإن خيراً ما أوصي به المسلم المسلم أن يحضه على الآخرة وأن يأمره بتقوى الله فاحذروا ما حذركم الله من نفسه ولا أفضل من ذكر وإن تقوى الله لمن عمل به على وجل ومخافة من ربه عون وصدق على ما تبغون من أمر الآخرة ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمره في السرّ والعلانية لا ينوي بذلك إلا وجه الله يكن له ذكراً في عاجل أمره وذخراً فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى ما قدّم وما كان سوى ذلك يودّ لو أنّ بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد والذي صدق قوله وأنجز وعده لا خلف لذلك فإنه يقول {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} فاتقوا الله في عاجل أمركم وأجله في السرّ والعلانية فإنه من يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً ومن يتق الله فقد فاز فوزاً عظيماً وإن تقوى الله توقي مقته وعقوبته وسخطه وتبيض الوجوه وترضي الرب وترفع الدرجة خذوا بحظكم ولا تفرّطوا في جنب الله فقد علمكم الله كتابه ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا وليعلم الكاذبين فأحسنوا كما أحسن الله إليك وعادوا أعداءه وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وسماكم المسلمين {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ} ولا قوّة إلا بالله وأكثروا ذكر الله واعلموا أنه خير من الدنيا وما فيها واعملوا لما بعد الموت فإنه من يصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما بينه وبين الناس ذلك بأن الله يقضي الحق على الناس ولا يقضون عليه ويملك من الناس ولا يملكون عليه ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم ). كذا أوردها في المنتقى وفي خلاصة الوفاء وليحيى عن عمارة بن خزيمة أنه صلى الله عليه وسلم دعا براحلته يوم الجمعة وحشد المسلمون ولبسوا السلاح وركب صلى الله عليه وسلم ناقته القصوى والناس عن يمينه وشماله وخلفه منهم الماشي والراكب فاعترضت الأنصار فما يمرّ بدار إلا قالوا هلم إلى العز والمنعة والثروة فيقول لهم خيراً ويدعو ويقول إنها مأمورة خلوا سبيلها فمر ببني سالم فقام إليه عتبان بن مالك ونوفل بن عبد الله بن مالك العجلاني وهو آخذ بزمام راحلته يقول يا رسول الله أنزل فينا العدد والعدّة والحلقة ونحن أصحاب الفضاء والحدائق والدرك يا رسول الله كان الرجل من العرب يدخل هذه البحرة خائفاً فيلجأ إلينا فنقول له قوقل حيث شئت فجعل يتبسم ويقول خلوا سبيلها فإنها مأمورة وقام إليه عبادة ابن الصامت وعباس بن الصامت بن نضلة بن العجلان فجعلا يقولان يا رسول الله أنزل فينا فيقول أنها مأمورة ثم أخذ عن يمين الطريق حتى جاء بني الحبلى وأراد أن ينزل على عبد الله بن أبيّ بن سلول فلما رآه وهو عند مزاحم أي الألطم محتبياً قال اذهب إلى الذين دعوك فأنزل عليهم فقال سعد بن عبادة لا تجد يا رسول الله في نفسك من قوله فقد قدمت علينا والخزرج تريد أن تملكه عليها ولكن هذه داري فمرّ ببني ساعدة فقال له سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو وأبو دجانة هلم يا رسول الله إلى العز والثروة والقوّة والجلد سعيد يقول يا رسول الله ليس في قومي أكثر عذقاً ولا فم بئر مني مع الثروة والجلد والعدد والحلقة فيقول صلى الله عليه وسلم بارك الله عليكم ويقول يا أبا ثابت خل سبيلها فإنها مأمورة فمضى واعترضه سعد بن الربيع وعبد الله بن رواحة وبشير بن سعد أي من بني الحارث بن الخزرج فقالوا يا رسول الله لا تجاوزنا فإنا أهل عدد وثروة وحلقة فقال بارك الله فيكم خلوا سبيلها فإنها مأمورة واعترضه زياد بن لبيد وفروة بن عمرو أي من بني بياضة يقولان يا رسول الله هلم إلى المواساة والعز والثروة والعدد والقوّة نحن أهل الدرك فقال خلوا سبيلها فإنها مأمورة ثم مرّ ببني عدي بن النجار وهم أخواله فقام إليه أبو سليط وصرمة بن أبي أنيس في قومهما فقالا يا رسول الله نحن أخوالك هلم إلى العدد والمنعة والقوّة مع القرابة لا تجاوزنا إلى غيرنا ليس أحد من قومنا أولى بك منا لقرابتنا لك فقال خلوا سبيلها فإنها مأمورة أو يقال أوّل الأنصار اعترضه بنو بياضة ثم بنو سالم ثم مال إلى ابن أبيّ ثم مرّ على بني عدي بن النجار حتى انتهى إلى بني مالك بن النجار ولابن إسحاق اعترض بني سالم أوّلاً ثم وازت راحلته بني بياضة واعترضوه ثم وازت دار الحارث كذلك ثم مرّت بدار بني عدي وهم أخواله لأنّ سلمى بنت عمرو إحدى بني عدي بن النجار كانت أمّ جدّة عبد المطلب وبنو مالك بن النجار إخوتهم ومنزله صلى الله عليه وسلم بدار بني غنم منهم وجاء في رواية أن القوم لما تنازعوا أنه صلى الله عليه وسلم على أيهم ينزل وكل منهم على أن يكون داره له المنزل قال إني أنزل على أخوال عبد المطلب وأكرمهم بذلك قيل يشبه أن يكون هذا في أوّل قدومه من مكة قبل نزوله قباء لا في قدومه باطن المدينة. وعن أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال (دعوا الناقة فإنها مأمورة فبركت على باب أبي أيوب ). وفي سيرة مغلطاي نزل برحله على أبي أيوب لكونه من أخوال عبد المطلب وعند البعض أن الناقة استناخت به أوّلاً فجاءه ناس فقالوا المنزل يا رسول الله فقال دعوها فانبعثت حتى استناخت عند موضع المنبر من المسجد ثم تحلحلت فنزل عنها فأتاه أبو أيوب فقال منزلي أقرب المنازل فائذن لي أن أنقل رحلك قال نعم فنقل رحله وأناخ الناقة في منزله. وقال الواقدي أخذ أسعد بن زرارة بزمامها فكانت عنده. وعن مالك بن أنس أن الناقة لما أتت موضع المسجد بركت وهو عليها وأخذه صلى الله عليه وسلم الذي كان يأخذه عند الوحي ثم ثأرت من غير أن تزجر وسارت غير بعيد ثم التفتت فعادت إلى المكان الذي بركت فيه أوّل مرّة فبركت فيه فسرى عنه فأمر أن يحط رحله. وفي رواية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وأبو بكر ردفه وملأ من بني النجار حوله حتى ألقي بفناء أبي أيوب وهو موضع مسجده اليوم وهو يومئذ مربد للتمر لغلامين يتيمين من بني النجار كانا في حجر معاذ بن عفراء أو أبي أيوب أو أسعد بن زرارة والأخير هو الأصح اسمهما سهل وسهيل ابنا عمرو ابن عمارة. في رواية رافع بن عمرو فبركت عند باب المسجد فلم ينزل عنها النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم انبعثت وسارت غير بعيد ورسول الله صلى الله عليه وسلم مرخ لها زمامها ثم التفتت خلفها ثم رجعت إلى مبركها الأوّل وبركت فيه ووضعت جرانها على الأرض ونزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال هذا إن شاء الله المنزل فاحتمل أبو أيوب رحله ووضعه في بيته بعد ما استأذنه صلى الله عليه وسلم فدعته الأنصار إلى النزول عليهم فقال صلى الله عليه وسلم (المرء مع رحله ). وفي الوفاء فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أي الدور أقرب فقال أبو أيوب داري هذا بابي وقد حططنا رحلك فيها فقال (المرء مع رحله) فمضت مثلاً فنزل على أبي أيوب خالد بن زيد وسأل عن المربد فقال معاذ هو ليتيمين لي وسأرضيهما فاشتراه النبيّ صلى الله عليه وسلم. وفي شرف المصطفى لما بركت الناقة على باب أبي أيوب خرج جوار من بني النجار يضربن بالدف ويقلن. نحن جوار من بني النجار. يا حبذا محمد من جار. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم (أتحببني قلن نعم يا رسول الله فقال والله وأنا أحبكن قالها ثلاثاً) وفي رواية (يعلم الله إني أحبكن ). وفي رواية الطبري في الصغير فقال عليه السلام (الله يعلم أن قلبي يحبكن ). وفي المواهب اللدنية فرح أهل المدينة بقدومه عليه الصلاة والسلام وأشرقت المدينة بحلوله فيها وسرى السرور إلى القلوب. قال أنس بن مالك لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام المدينة أضاء منها كل شيء ولما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء رواه ابن ماجة قال رزين صعدت ذوات الخدور على الأجاجير يعني السطوح عند قومه صلى الله عليه وسلم يقلن. وفي الرياض النضرة لما قدم النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة جعل البيان والنساء والولائد يقولون:

    طلع البدر علينا ........ من ثنيات الوداع ........ وجب الشكر علينا ........ ما دعا الله داعي

    وفي رواية

    أيها لمبعوث فينا ........ جئت بالأمر المطاع

    قال الطبري تفرّق الغلمان والخدم في الطرق ينادون جاء محمد جاء رسول الله. وفي الرياض النضرة خرج أهل المدينة حتى أن العواتق لفوق البيوت يقلن أيهم هم أيهم هو. وفي خلاصة الوفاء ثنية الوداع بفتح الواو ومعروف شامي المدينة خلف سوقها القديمة بين مسجد الراية ومشهد النفس الزكية قرب سلع. وقال عياض هي موضع بالمدينة بطريق مكة وقيل واد بمكة والأوّل أصح. وفي المواهب اللدنية أنشئ هذا الشعر عند قدومه رواه البيهقي في الدلائل وأبو الحسن بن مقري في كتاب الشمائل له عن ابن عائشة وذكره الطبري في الرياض النضرة عن الفضل بن الجمحي قال سمعت ابن عائشة يقول أراه عن أبيه فذكر وقال خرجه الحلواني على شرط الشيخين وسميت ثنية الوداع لأن المسافر من المدينة كان يشيع إليها ويودّع عندها قديماً. وصحح القاضي عياض هذا واستدل عليه بقول نساء الأنصار حين قدم عليه الصلاة والسلام.

    طلع البدر علينا ........ من ثنيات الوداع

    فدل على أنه اسم قديم وقال شيخ الإسلام الولي ابن العراقي ففي صحيح البخاري وسنن أبي داود والترمذي عن السائب بن يزيد قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك خرج الناس يتلقونه من ثنية الوداع قال وهذا صريح بأنها من جهة الشام. وقال ابن القيم في الهدي النبوي هذا وهم من بعض الرواة فإن ثنية الوداع إنما هي من جهة الشام لا يراها القادم من مكة ولا يمرّ بها إلا إذا توجه إلى الشام وإنما وقع ذلك عند قدومه من تبوك انتهى لكن قال زين الدين العراقي يحتمل أن تكون الثنية التي من كل جهة يصل إليها المشيعون يسمونها ثنية الوداع انتهى. قال مؤلف الكتاب يشبه أن يكون هذا هو الحق ويؤيده جمع الثنيات إذ لو كان المراد بها الموضع الذي هو من جهة الشام لم يجمع ولا مانع من تعدّد وقوع هذا الشعر مرّة عند قدومه عليه الصلاة والسلام من مكة ومرّة عند قدومه من تبوك فلا ينافي ما في صحيح البخاري وغيره ولا ما قاله ابن القيم عن جابر أنه كان لا يدخل أحد المدينة إلا من ثنية الوداع فإن لم يعشر بها مات قبل أن يخرج فإذا وقف على الثنية قيل قد ودّع فسميت ثنية الوداع حتى قدم عروة بن الورد فلم يعشر ثم دخل فقال يا معشر يهود ما لكم وللتعشير قالوا لا يدخلها أحد من غير أهلها فلم يعشر بها إلا مات ولا يدخلها أحد من ثنية الوداع إلا قتله الهزال فلما ترك عروة التعشير تركه الناس ودخلوا من كل ناحية كذا في الوفاء. وعن أنس لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبت الحبشة بحرابهم فرحاً بقدومه صلى الله عليه وسلم ولابن إسحاق عن أبي أيوب الأنصاري لما نزل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي نزل في السفل وأنا وأمّ أيوب في العلو فقلت يا نبيّ الله بأبي أنت وأمي إني أكره وأعظم أن أكون فوقك وتكون تحتي فأظهر أنت فكن في العلو وننزل نحن ونكون في السفل فقال (يا أبا أيوب إن الأرفق بنا وبمن يغشانا أن نكون في سفل البيت) قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفله وكنا فوقه في السكن فلقد انكسر حب لنا فيه ماء فقمت أنا وأمّ أيوب بقطيفة لنا ما لنا لحاف غيرها ننشف بها الماء تخوّفاً أن يقطر على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيء فيؤذيه وذكر غيره أن أبا أيوب لم يزل يتضرع للنبيّ عليه الصلاة والسلام حتى تحول إلى العلو وأبو أيوب في السفل. وفي الصفوة عن الأفلح مولى أبي أيوب أن رسول الله عليه الصلاة والسلام لما نزل عليه نزل أسفل وأبو أيوب في العلو فانتبه أبو أيوب ذات ليلة فقال نمشي فوق رأس رسول الله عليه الصلاة والسلام فتحوّل فباتوا في جانب فلما أصبح ذكر ذلك للنبيّ عليه الصلاة والسلام فقال النبيّ عليه الصلاة والسلام (الأسفل أرفق بي) فقال أبو أيوب لا أعلو سقيفة أنت تحتها فتحوّل أبو أيوب في السفل والنبيّ عليه الصلاة السلام في العلو وسيجيء وفاته في الخاتمة في خلافة معاوية وأفاد ابن سعد أن إقامته عليه الصلاة والسلام بهذه الدار سبعة أشهر بتقديم السين وقيل إلى صفر من السنة الثانية. وقال الدولابي شهراً كذا في سيرة مغلطاي وقد ابتاع داره هذه وبيته المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث من ابن أبي أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري بألف دينار فتصدّق بها وهو في شرقي المسجد المقدّس ثم بيعت فاشتراها الملك المظفر شهاب الدين غازي ابن الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب بن شادي أي عرضة دار أبي أيوب هذه وبناها مدرسة للمذاهب الأربعة تعرف اليوم بالمدرسة الشهابية وفي إيوان قاعتها الصغرى الغربي خزانة صغيرة جداً مما يلي القبلة فيها محراب يقال أنها مبرك ناقته عليه الصلاة والسلام. قال ابن إسحاق إن هذا البيت بناه تبع الأوّل لما مرّ بالمدينة للنبيّ عليه الصلاة والسلام ينزله إذا قدم المدينة وترك فيها أربعمائة عالم كتب كتاباً للنبيّ عليه الصلاة والسلام ودفعه إلى كبيرهم وسأله أن يدفعه للنبيّ عليه الصلاة والسلام فتداول البيت الملاك إلى أن صار إلى أبي أيوب وأن أبي أيوب من ذرية الحبر الذي أسلمه تبع كتابه. وفي رواية أرسل رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى ملأ بني النجار فقال يا بني النجار ثامنوني بحائطكم قالوا والله لا نطلب ثمنه إلا من الله عز وجل. وفي خلاصة الوفاء قال الغلامان بل نهبه لك يا رسول الله فأبى رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يقبله هبة حتى ابتاعه منهما بعشرة دنانير ذهباً ودفعها أبو بكر الصدّيق. وفي رواية أدّاها من مال أبي بكر وكان قد خرج من مكة بماله كله كذا في المواهب اللدنية. وعن النوار بنت مالك أمّ زيد بن ثابت أنها رأت أسعد بن زرارة قبل أن يقدم رسول الله عليه الصلاة والسلام يصلي بالناس الصلوات الخمس ويجمع بهم في مسجد بناه في مربد سهل وسهيل ابني رافع بن عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار قالت فأنظر إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام لما قدم صلى بهم في ذلك المسجد وبناه فهو مسجده اليوم ونقل ابن سيد الناس عن ابن إسحاق أن الناقة بركت على باب مسجده عليه الصلاة والسلام وهو يومئذ ليتيمين من بني مالك بن النجار في حجر معاذ بن عفراء سهل وسهيل ابني عمرو. وقال أحمد بن يحيى البلادري فنزل رسول الله عليه الصلاة والسلام عند أبي أيوب ووهبت له الأنصار كل فضل كان في خططها وقالوا يا نبيّ الله إن شئت فخذ منازلنا فقال لهم خيراً وكان أبو أمامة أسعد بن زرارة يجمع بمن يليه في مسجد له فكان رسول عليه الصلاة والسلام يصلي بهم ثم أنه سأل أسعد أن يبيع أرضاً متصلة بذلك المسجد كانت في يده ليتيمين في حجره يقال لهما سهل وسهيل ابنا رافع.

    ذكر بناء المسجد

    قال المجد ذكر البيهقي المسجد فقال كان جداراً مجدّراً ليس عليه سقف وقبلته إلى بيت المقدس وكان أسعد بن زرارة بناه وكان يصلي بأصحابه فيه ويجمع بهم فيه الجمعة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنخل التي في الحديقة وبالغرقد أن يقطع وكان قبور جاهلية فأمر بها فنبشت وأمر بالعظام أن تغيب وكان في المربد ماء مستنجل فسيروه حتى ذهب والمستنجل ممشى ماء المطر. وفي الصحيحين أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما أخذه كان موضع نخل وقبور للمشركين وخرب فأمر بالنخل فقطعت وبالقبور فنبشت وبالخرب فسويت وصفوا النخل قبلة المسجد أي جعلوها سواري في جهة القبلة ليسقف عليها وجعلوا عضادتيه حجارة وأسند أبي زبالة عن حسن بن محمد الثقفي قال بينا رسول الله عليه الصلاة والسلام يبني أساس مسجد المدينة ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ فمرّ بهم رجل فقال يا رسول الله ما معك إلا هؤلاء الرهط فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام (هؤلاء ولاة الأمر من بعدي) وروى أبو يعلى برجال الصحيح عن عائشة قالت لما أسس رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد المدينة جاء بحجر فوضعه وجاء أبو بكر بحجر فوضعه وجاء عمر بحجر فوضعه وجاء عثمان بحجر فوضعه قالت فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك (فقال أمر الخلافة من بعدي) وتقدّم في تأسيس مسجد قباء نحوه من غير ذكر أمر الخلافة. وقال الأقشهري في روضته أن جبريل أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم وقال يا محمد إنّ الله يأمرك أن تبني له بيتاً وأن ترفع بنيانه بالرهص والحجارة والرهص الطين الذي يتخذ منه الجدار وفي القاموس الرهص بكسر الراء العرق الأسفل من الحائط والطين الذي يبنى به بعض على بعض فقال كم أرفعه يا جبريل قال سبعة أذرع وقيل خمسة أذرع ولما ابتدأ في بنائه أمر بالحجارة فأخذ حجراً فوضعه بيده أوّلاً ثم أمر أبا بكر فجاء فحجر فوضعه إلى جنب حجر النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم عمر كذلك ثم عثمان كذلك ثم علياً روى البيهقي في دلائل النبوّة عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما بنى النبي صلى الله عليه وسلم المسجد وضع حجراً ثم قال ليضع أبو بكر حجره إلى جنب حجري ثم ليضع عمر حجره إلى جنب حجر أبي بكر ثم ليضع عثمان حجره إلى جنب حجر عمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الخلفاء من بعدي وفي الشفاء رفعت له الكعبة حين بني مسجده وعن مكحول قال لما كثر أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام قالوا اجعل لنا مسجداً فقال وثمامات عريش كعريش أخي موسى صلوات الله عليه والأمر أعجل من ذلك وفي الصحيح كان المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنياً باللبن وسقفه جريد وعمده خشب النخل فضرب اللبن وعجن الطين نقل المجد عن رواية محمد بن أسعد قال جاء رجل يحسن عمل الطين وكان من حضرموت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (رحم الله امرأ أحسن صنعته) وقال له ألزم أنت هذا الشغل فإني أراك تحسنه وفي كتاب يحيى من طريق ابن زبالة عن الزهري كان رجل من أهل اليمامة يقال له طلق من بني حنيفة يقول قدمت على النبيّ عليه الصلاة والسلام وهو يبني مسجده والمسلمون يعملون فيه معه وكنت صاحب علاج وخلط الطين فأخذت المسحاة أخلط الطين والنبيّ عليه الصلاة والسلام ينظر إليّ ويقول (إنّ هذا الحنفي لصاحب طين) وروى أحمد عن طلق بن علي قال بنيت المسجد مع رسول الله عليه الصلاة والسلام فكان يقول (قربوا اليمامي من الطين فإنه أحسنكم له مسكاً وأشدّكم منكباً) وعنه أيضاً قال جئت إلى النبيّ عليه الصلاة والسلام وأصحابه يبنون المسجد قال فكأنه لم يعجبه عملهم قال فأخذت المسحاة فخلطت بها الطين فكأنه أعجبه أخذى المسحاة وعملي فقال (دعوا الحنفي فإنه من أصنعكم للطين ). وأسند ابن زبالة في خبر ابن شهاب في أخذ المربد قال فبناه مسجداً وضرب لبنه من بقيع الخبجبة بخاء معجمة وجيم وباءين تحت كل منهما نقطة واحدة موضع يسار بقيع الغرقد ناحية بئر أبي أيوب بالمناصع وهي مبرز النساء في المدينة ليلاً قبل اتخاذ الكنف والخبجبة شجرة تنبت هناك وبقيع الغرقد هو بقيع المقبرة قال الأصمعي قطعت غرقدات في هذا الموضع حين دفن فيه عثمان بن مظعون فسمي بقيع الغرقد لهذا والغرقد شجرة وفي الوفاء بقيع الخبجبة ما كان الخارج من المدينة إلى البقيع إذا مشى في البقيع فجهة مشهد أمير المؤمنين عثمان وجعل مشهد إبراهيم ابن النبيّ عليه الصلاة والسلام على يمينه يكون على يساره طريق تمر بطرف الكومة تنتهي بعد رأس العطفة التي على يمينه إلى حديقة تعرف قديماً بأولاد الصيفي بها بئر ينزل إليها بدرج تعرف ببئر أيوب قديماً وحديثاً وقيل بقيع الخبجبة غير ما ذكر وعن أمّ سلمة قالت بنى رسول الله عليه الصلاة والسلام مسجده فقرب اللبن وما يحتاجون إليه فقام رسول الله عليه الصلاة والسلام فوضع رداءه فلما رأى ذلك المهاجرون الأوّلون والأنصار ألقوا أرديتهم وأكسيتهم وجعلوا يرتجزون ويعملون ويقولون:

    لئن قعدنا والنبيّ يعمل ........ ذاك إذاً للعمل المضلل

    وينقلون الصخرة ويحملون اللبنة والنبيّ عليه الصلاة والسلام معهم ينقل اللبن ويقول:

    هذا الجمال لا جمال خبير ........ هذا أبرّ ربنا وأطهر ........ ويقول اللهم إن الأجر أجر الآخرة ........ فأرحم الأنصار والمهاجرة

    وفي رواية الصحيح فجعلوا ينقلون الصخرة وهم يرتجزون والنبيّ عليه الصلاة والسلام معهم يقول:

    اللهمّ لا خير إلا خير الآخرة ........ فأنصر الأنصار والمهاجرة

    ويذكر أن هذا البيت لعبد الله بن رواحة وعن الأزهري بلغني أنّ الصحابة كانوا يرتجزون به وكان النبيّ عليه الصلاة والسلام ينقل معهم ويقول:

    اللهم لا خير إلا خير الآخرة ........ فأرحم المهاجرين والأنصار

    وكان لا يقيم الشعر قال الله تعالى {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ} وفعل لك احتساباً وترغيباً في الخير ليعمل الناس كلهم ولا يرغب أحد بنفسه عن نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عثمان بن عفان رجلاً نظيفاً متنظفاً وكان يحمل اللبنة فيجافي بها عن ثوبه فإذا وضعها نفض كمّه ونظر إلى ثوبه فإن أصابه شيء من التراب نفضه فنظر إليه علي بن أبي طالب فأنشأ يقول:

    لا يستوي من يعمر المساجدا ........ يدأب فيها قائماً وقاعداً ........ ومن يرى عن التراب حائدا

    فسمعها عمار بن ياسر فجعل يرتجز بها وهو لا يدري من يعني بها فمرّ بعثمان فقال يا ابن سمية بمن تعرّض ومعه جريدة فقال لتكفنّ أو لأعترضنّ بها وجهك فسمعه النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل بيت أمّ سلمة. وفي كتاب يحيى في ظل بيته فغضب صلى الله عليه وسلم ثم قال إن عمار بن ياسر جلدة ما بين عيني وأنفي فإذا بلغ ذلك من المرء فقد بلغ ووضع يده بين عينيه فكف الناس عن ذلك ثم قالوا لعمار إن النبيّ صلى الله عليه وسلم قد غضب فيك ونخاف أن ينزل فينا القرآن فقال أنا أرضيه كما غضب فقال يا رسول الله ما لي ولأصحابك قال ما لك ولهم قال يريدون قتلي يحملون لبنة لبنة ويحملون عليّ اللبنتين والثلاث فأخذ بيده فطاف في المسجد وجعل يمسح وقرته بيده من التراب ويقول يا ابن سمية (لا يقتلك أصحابي ولكن تقتلك الفئة الباغية) وقد ذكر ابن إسحاق بنحوه كما في تهذيب ابن هشام قال وسألت غير واحد من أهل العلم بالشعر عن هذا الرجز فقالوا بلغنا أنّ عليّ بن أبي طالب ارتجز به فلا ندري أهو قائله أم غيره وإنما قال ذلك على مطايبة ومباسطة كما هو عادة الجماعة إذا اجتمعوا على عمل وليس ذلك طعناً وأخرج ابن أبي شيبة من مرسل أبي جعفر الخطمي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبني في المسجد وعبد الله بن رواحة يقول:

    أفلح من يعمر المساجدا

    فيقولها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول ابن رواحة:

    يتلو القرآن قائماً وقاعداً

    فيقولها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي الصحيح في ذكر بناء المسجد كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين فرآه النبيّ صلى الله عليه وسلم فجعل ينفض التراب عنه ويقول (ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار) ويقول عمار أعوذ بالله من الفتن فقتل عمار في حرب معاوية بصفين تحت راية عليّ كذا في شرح المقاصد وسيجيء في الخاتمة في خلافة عليّ. وفي خلاصة الوفاء روى يحيى في خبر عن أسامة بن زيد عن أبيه قال كان الذين أسسوا المسجد جعلوا طوله مما يلي القبلة إلى مؤخره مائة ذراع وفي الجانبين الآخرين أي العرض مثل ذلك فكان مربعاً ويقال أنه كان أقل من مائة ذراع. وفي كتاب رزين ما لفظه عن جعفر بن محمد عن أبيه قال كان بناء مسجد النبيّ صلى الله عليه وسلم بالسميط لبنة لبنة ثم بالسعيدة لبنة ونصف أخرى ثم كثروا فقالوا يا رسول الله لو زيد فيه ففعل فبني بالذكر والأنثى وهما لبنتان مختلفتان وكانوا رفعوا أساسه قريباً من ثلاثة أذرع بالحجارة وجعلوا طوله مما يلي القبلة إلى مؤخره مائة ذراع وكذا في العرض وكان مربعاً. وفي رواية جعفر ولم يسطح فشكوا الحرّ وجعلوا خشبه وسواريه جذوعاً وظللوا بالجريد ثم بالخصف فلما وكف عليهم طينوه بالطين وجعلوا وسطه رحبة وكان جداره قبل أن يظلل قامة وشيئاً وذكر ابن زبالة ويحيى أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يبني مسجده بالسميط لبنة لبنة ثم أن المسلمين كثروا فبناه بالسعيدة فقالوا يا رسول الله لو أمرت من يزيد فيه قال نعم فأمر به فزيد فيه وبني جداره بالأنثى والذكر ثم اشتدّ عليهم الحرّ فقالوا يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فظلل قال نعم فأمر به فأقيمت فيه سواري من جذوع النخل ثم طرحت عليها العوارض والخصف والأذخر فعاشوا فيه وأصابتهم الأمطار فجعل المسجد يكف عليهم قالوا يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فطين فقال (لا عريش كعريش موسى) وروى البيهقي عن الحسن في بيان عريش موسى قال إذا رفع يده بلغ العريش يعني السقف وأورد رزين قال (ابنوا لي عريشاًَ كعريش موسى ثمامات وخشبات وظلة كظلة موسى) والأمر أعجل من ذلك قيل وما ظلة موسى قال إذا أقام فيه أصاب رأسه السقف فلم يزل المسجد كذلك حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان جداره قبل أن يظلل قامة فكان إذا فاء ألفيء ذراعاً وهو قدمان يصلي الظهر فإذا كان ضعف ذلك صلى العصر. وفي الأحياء لما أراد صلى الله عليه وسلم أن يبني مسجد المدينة أتاه جبريل فقال أبنه سبعة أذرع طولاً في السماء ولا تزخرفه ولا تنقشه وقد نقل الأقشهري في ارتفاعه سبعة أذرع وقيل خمسة وجعل قبلته إلى بيت المقدس وجعل له ثلاثة أبواب باب في مؤخره أي جهة القبلة اليوم ويدخل منه عامة أصحابه وباب يدعى باب عاتكة ويقال له باب الرحمة وباب يدخل منه النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو باب آل عثمان اليوم أي المعروف اليوم بباب جبريل وهذان البابان لم يغيرا بعد صرف القبلة وما صرفت سدّ الباب الذي كان خلفه وفتح هذا الباب حذاءه أي محاذاة المسدود خلف المسجد أي تجاهه فأقام عند أبي أيوب سبعة أشهر حتى أتمّ مسجده ومسكنه ثم انتقل إليه. وفي خلاصة الوفاء روى يحيى عن خارجة بن زيد بن ثابت وهو أحد سبعة فقهاء المدينة وقد نظمهم البعض في بيت واحد:

    ألا كل من لا يقتدي بأئمة ........ فقسمته ضيزى عن الحق خارجه

    فخذهم عبيد الله عروة قاسم ........ سعيد أبو بكر سليمان خارجه

    أنه قال بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين ذراعاً في ستين ذراعاً ولبن لبنه من بقيع الخبجبة وجعل له جداراً وجعل سواريه شقة شقة وجعل وسطه رحبة وبنى بيتين لزوجتيه عائشة وسودة على نعت بناء المسجد من لبن وجريد النخل وكان باب عائشة مواجه الشام وكان بمصراع واحد من عرعر أو ساج كذا ذكره ابن زبالة عن محمد بن هلال ولما تزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه بنى لهنّ حجراً وهي تسعة أبيات قال أهل السير ضرب النبيّ صلى الله عليه وسلم الحجرات ما بين بيت عائشة وبين القبلة والشرق إلى الشام ولم يضربها في غربيه وكانت خارجة من المسجد مديرة به إلا من الغرب وكانت أبوابها شارعة في المسجد. وعن محمد بن هلال قال أدركت بيوت أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم كانت من جريج مستورة بمسوح الشعر مستطيرة إلى القبلة وإلى الشرق والشام ليس في غربي المسجد شيء منها وفي دلائل النبوّة قال عطاء الخراساني أدركت حجر أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم من جريد النخل على أبوابها المسوح من شعر أسود. وفي شرف المصطفى لابن الجوزي أن منازل أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم كانت كلها في الشق الأيسر إلى وجه الإمام في وجه المنبر أي إلى جهة الشام وفي دلائل النبوّة قال محمد بن عمر كانت لحارثة بن النعمان منازل قرب المسجد حوله وكلما أحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلاً تحول له حارثة عن منزله حتى صارت منازله كلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن سعد أوصت سودة بيتها لعائشة وباع أولياء صفية بنت حي بيتها من معاوية بمائة ألف وثمانين ألف درهم واشترى معاوية من عائشة منزلها بمائة ألف وثمانين ألفاً وقيل ثمانية آلاف وشرطت سكناها حياتها وحمل إليها المال فما قامت من مجلسها حتى فرقته وقيل اشتراه ابن الزبير من عائشة وبعث إليها خمسة أجمال تحمل المال وشرط لها سكناها في حياتها ففرقت المال فقيل لها لو خبأت منه درهما فقالت لو ذكرتموني فعلت وتركت حفصة بيتها فورثه ابن عمر فلم يأخذ ثمناً فأدخل في المسجد وأسند يحيى بن عيسى بن عبد الله عن أبيه أن بيت فاطمة رضي الله عنها في الزور الذي في المقبرة بينه وبين بيت النبيّ صلى الله عليه وسلم خوخة وذكر يحيى قال كان بيت فاطمة في موضع مخرج النبيّ صلى الله عليه وسلم وكانت فيه كوّة إلى بيت عائشة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى المخرج اطلع من الكوّة إلى فاطمة فعلم خبرهم وأن فاطمة قالت لعليّ أنّ ابنيّ أمسيا عليلين فلو نظرت لنا إذ ما نستصبح به فخرج عليّ إلى السوق فاشترى لهم أدماً وجاء به إلى فاطمة فاستصبحت به فدخلت عائشة المخرج في جوف الليل فأبصرت المصباح عندهم فذكر الراوي كلاماً وقع بينهما فلما أصبحوا سألت فاطمة النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يسدّ الكوّة فسدّها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسند يحيى عقب ذلك قالت عائشة يا رسول الله تدخل الكنيف فلا نرى شيئاً من الأذى فقال (الأرض تبلع ما يخرج من الأنبياء من الأذى فلا يرى منه شيء) أفاد يحيى أن المراد من المخرج موضع الكنيف وأفهم ذلك أن المخرج المذكور كان خلف حجرة عائشة بينها وبين بيت فاطمة وذلك يقتضي أن يكون محله في الزوراء أعني الموضع المزوّر شبيه المثلث في بناء عمر بن عبد العزيز في جهة الشام وكان بابه في المربعة التي في القبر وعن سليمان قال مسلم لا تنس حظك من الصلاة إليها فإنه باب فاطمة الذي كان عليّ يدخل إليها منه قال ابن النجار وبيت فاطمة اليوم حوله مقصورة وفيه محراب وهو خلف حجرة النبيّ صلى الله عليه وسلم قال السيد السمهودي المقصورة اليوم دائرة على بيت فاطمة وعلى حجرة عائشة والمحراب الذي ذكره خلف حجرة عائشة من جهة الزوراء بينه وبين موضع يحترمه الناس ولا يدوسونه بأرجلهم يذكر أنه موضع قبر فاطمة رضي الله عنها على أحد الأقوال. وأما الصفة بضم الصاد وتشديد الفاء فظلة في مؤخر مسجد النبيّ صلى الله عليه وسلم يأوي إليها المساكين على أشهر الأقوال كذا قاله القاضي عياض وقال الحافظ الذهبي أن القبلة قبل أن تحوّل كانت في شمالي المسجد فلما حولت القبلة بقي حائط المسجد الأوّل مكان أهل الصفة وقال الحافظ ابن حجر الصفة مكان في مؤخر المسجد النبويّ مظلل أعدّ لنزول الغرباء فيه ممن لا مأوى له ولا أهل وكانوا يكثرون فيه ويقلون بحسب من يتزوّج منهم أو يموت أو يسافر وقد سرد أسماءهم أبو نعيم في الحلية فزادوا على المائة. وروى البيهقي عن عثمان بن اليمان قال لما كثر المهاجرون بالمدينة ولم يكن لهم دار ولا مأوى أنزلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وسماهم أصحاب الصفة وكان يجالسهم ويؤانسهم وكان المسجد على هذه الهيئة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يزد فيه أبو بكر شيئاً ولما

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1