Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الأسماء الجغرافية – ذاكرة أجيال –: دراسة تاريخية وتوثيقية لدولة الإمارات العربية المتحدة
الأسماء الجغرافية – ذاكرة أجيال –: دراسة تاريخية وتوثيقية لدولة الإمارات العربية المتحدة
الأسماء الجغرافية – ذاكرة أجيال –: دراسة تاريخية وتوثيقية لدولة الإمارات العربية المتحدة
Ebook1,360 pages8 hours

الأسماء الجغرافية – ذاكرة أجيال –: دراسة تاريخية وتوثيقية لدولة الإمارات العربية المتحدة

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

المكان يمثل موجودًا اعتباريًا يعبّر عن موضع مادي، يكتسب هويته من طبيعة الأحداث أو الموجودات التي قامت حوله، ودراسة الأسماء الجغرافية ومدلولها تكشف عن معلومات تاريخية مهمة عن المكان عبر حقبة زمنية تشمل لغة وعادات اندثرت. تُشكِّل أسماء المواقع القديمة في الإمارات العربية المتحدة جزءًا من تراثها التاريخي والجغرافي، ومن الهوية الحضارية، وقد قضى على كثير منها الزحف العمراني وغابت عن الذاكرة المعاصرة. وفي هذا الكتاب تمكّن المؤلف من جَمع وتحقيق كثير من الأسماء الجغرافية، وتناول تاريخها وطبيعتها وعلاقتها بالبيئة المحيطة والتغيرات التي جرت على لفظها نتيجة وجود جنسيات أخرى من الذين يصعب عليهم نطق بعض الأسماء العربية، فحُوِّر الاسم أو لُحن النُّطق؛ لذا تحقق المؤلف من وجود الاسم الصحيح أولًا من عدمه، ثم من صحة نطقه وطريقة كتابته. وقد أجاب عن تساؤلات المرء: كيف ومتى سُمِّيَتِ الأماكن؟ ومَن الذي سمَّاها بهذه الأسماء؟ كما تناول بعض الأسس والضوابط المتبعة في تسمية الأماكن وطرق كتابة الأسماء بالعربية لغير الناطقين بها، كما استعرض بشيء من التفصيل أماكن تواجد السكان وأماكن الاستقرار القديمة في إمارة أبوظبي، والجزر الهامة المأهولة قديمًا، وبعض التجمعات السُّكَّانية البريَّة وطرق مواصلاتها. وأفرد فصلًا لزيادة التفصيل عن محاضر إليوا ونخيلها واستخرج إحصائيات مفصلَّة عن سكانها وعدد نخيلها، وختم الكتاب بوصف 1195 اسمًا وذكر أكثر من 3500 اسم جغرافي في شكل معجم مصغّر للأسماء الجغرافية بدولة الإمارات العربية المتحدة ووضَّح ذلك على خرائط. وفي هذه الدراسة استطاع أن يفرِّق بين أسماء الأمكنة المعروفة والمفقودة والصحيح والضعيف منها، واختار أقربها إلى الصحَّة وأبعدها عن الشك.
Languageالعربية
Release dateNov 30, 2022
ISBN9789948809692
الأسماء الجغرافية – ذاكرة أجيال –: دراسة تاريخية وتوثيقية لدولة الإمارات العربية المتحدة
Author

د. خليفة الرميثي

يُعرَف الدكتور خليفة الرميثي بأنَّه رائد في علوم البنية التحتية للبيانات المكانية الوطنيةNSDI في بلاده، وقد مُنِحَ جائزة Lifetime Achievement في منتدى Geospatial World Forum   في أبريل 2019 بأمستردام باعتباره "رائدًا في المجتمع الجغرافي المكاني الإماراتي". ولد الدكتور خليفة الرميثي في أبوظبي وتقلّد مناصب حكومية رفيعة أسفرَت عن خبرات في التخطيط الإستراتيجي والسياسات الجغرافية، وهو أحد المخضرمين الذين عاصروا مؤسِّسي الدولة، وقد حَظِيَ بقدر جيد مِن التعليم في مجال علم المساحة والبيانات المكانية مكَّنَته مِن ضبط مواقع الأسماءالجغرافية بطريقة علمية، كما أتاحت له مدة خدمته الطويلة فرصة الالتقاء بكبار المسؤولين العارفين بمواضع وأسماء الأمكنة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وقد تجمَّعَ لدَيه حصيلة كبيرة مِن هذه الأسماء التي سجَّلها على مدى أربعة عقود.  حاصل على درجات علمية في علوم المسح الجوي بالإضافة إلى الماجستير في نُظُم المعلومات الجغرافية مِن جامعة "Twente -ITC " في هولندا، ونال دكتوراه في الجيومكانية مِن جامعة UTM.

Related to الأسماء الجغرافية – ذاكرة أجيال –

Related ebooks

Reviews for الأسماء الجغرافية – ذاكرة أجيال –

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الأسماء الجغرافية – ذاكرة أجيال – - د. خليفة الرميثي

    الأسماء الجغرافية – ذاكرة أجيال –

    دراسة تاريخية وتوثيقية لدولة الإمارات العربية المتحدة

    د. خليفة الرميثي

    Austin Macauley Publishers

    الأسماء الجغرافية – ذاكرة أجيال –

    حقوق النشر©

    الإهداء

    تقديم الكتاب

    شكر وعرفان

    مقدمة الكتاب

    الفصل الأول:أهمية أسماء الأمكنة

    تمهيد:

    اسم المكان في اللغة:

    المكان في علم الجغرافيا:

    علم الأسماء الجغرافية:

    نشأة الأسماء الجغرافية ودلالاتها:

    دور الأسماء في حفظ التاريخ:

    الأسماء والهوية:

    توثيق أسماء الأمكنة:

    تسمية الأمكنة في الحواضر:

    تشابه الأسماء واختلاف المعالم:

    ‏تشكيل الأسماء الجغرافية:

    أسماء الأمكنة في لهجة أهل الإمارات العربية:

    اللهجة المحلية القديمة والحديثة وأسماء المواضع:

    تغيير وإعادة تسمية الأماكن:

    الجغرافيا عند العرب والمسلمين:

    الأسماء في الخرائط الحديثة:

    المسوحات البريطانية الحديثة والأسماء:

    التطورات التاريخية للخرائط وجَمع الأسماء الجغرافية في دولة الإمارات:

    الخرائط البحرية للإمارات العربية:

    الأسماء الجغرافية بعد قيام دولة الاتحاد

    أهم مصادر جمع الأسماء الجغرافية في الدولة:

    بعض التجارب الوطنية لجمع وتبويب الأسماء الجغرافية:

    ما يُدرَك اليوم لن يُدرَك غدًا!

    الفصل الثانيضوابط تسمية الأماكن

    أهمية الأسماء الجغرافية للدولة الناشئة:

    مبادئ تسمية الأماكن:

    منظَّمات الأسماء الجغرافية:

    آلية إنشاء سلطة وطنية للأسماء الجغرافية:

    التعريف الأممي للاسم الجغرافي:

    مسائل الالتباس في الأسماء الجغرافية:

    الأبحاث المتعلِّقة بالأسماء الجغرافية:

    توحيد الأسماء على الصعيد الوطني والعالمي:

    رَوْمَنة الأسماء العربية:

    تعريف النقحرة:

    ضوابط تسمية المواضع الجديدة:

    تسمية المواضع عند العرب:

    تقدير عدد الأسماء الجغرافية في دولة الإمارات العربية المتحدة (قبل 1960م):

    الفصل الثالثطُرق المواصلات القديمة

    القوافل في الصحاري:

    الطرق البرية القديمة بين حواضر الإمارات:

    طريق القوافل مِن أبوظبي إلى العين:

    طريق القوافل مِن العين إلى إليوا:

    طريق القوافل مِن أبوظبي إلى دبي:

    الطريق مِن المرفأ إلى محاضر إليوا:

    الرحلة مِن جزيرة أبوظبي إلى إليوا عن طريق الرديم:

    الطريق مِن العين إلى بينونة:

    الطريق مِن أبوظبي إلى الذيد:

    الطريق مِن أبوظبي إلى مزيرعة في محاضر إليوا:

    الطريق مِن بينونة إلى إليوا:

    الطريق مِن العين إلى دبي والشارقة:

    الطريق مِن الشارقة إلى الذيد والفجيرة:

    الطريق مِن دبا إلى رأس الخيمة:

    الفصل الرابعجزيرة أبوظبي في خمسينيات القرن العشرين

    إمارة أبوظبي قبل عام 1950:

    حصون أبوظبي:

    طبوغرافية أبوظبي:

    معالم أبوظبي القديمة:

    حارات أبوظبي (الفرجان حتى عام 1955م):

    نخيل أبوظبي:

    أهم مباني أبوظبي:

    مصادر المياه قديمًا في جزيرة أبوظبي (قبل 1950م)

    مصادر رزق سكان أبوظبي

    ظروف أبوظبي بعد انهيار صناعة اللؤلؤ:

    حصار ومجاعة:

    تفشِّي الأمراض وزيادة الوفيات:

    واجب التنمية والحكومة البريطانية:

    الحاكم والسكان:

    مشروعات الشيخ شخبوط التنموية:

    مشروعات المياه والكهرباء:

    أنبوب مياه الساد:

    محطات توليد الكهرباء:

    مشروع المرسى:

    الخدمات الطبية:

    البريد في أبوظبي:

    بداية التعليم في أبوظبي:

    التعليم النظامي والخطة الخمسية:

    العملات وأوائل البنوك:

    أول سَنة ازدهار مِن حكم زايد:

    الفصل الخامسالجُزُر وأماكن الاستقرار في إمارة أبوظبي

    جُزُر إمارة أبوظبي وسكانها:

    جزيرة أبو الأبيض (قبل 1950م):

    جزيرة صير بني ياس:

    وصف الجزيرة وسكانها قبل سنة 1940م:

    اتفاقية التسهيلات الجوية:

    الحوادث الجوية وصير بني ياس:

    جزيرة صير بني ياس اليوم:

    جزيرة دلما:

    دلما جزيرة الغوص:

    إدارة شؤون الجزيرة:

    هجرة سكان دلما:

    جزيرة غاغة:

    وصف جزيرة غاغة وموقعها (1981م):

    جزيرة السعديَّات (1970م):

    جزيرة الفطيسي:

    جزيرة بو كشيشة:

    جزر البزوم (مروح والفيي والبزم الغربي):

    غناظة:

    مِن غناظة إلى الصدر:

    الجَزِيرَة الطَّوِيلَة:

    جزيرة الحيل:

    جزيرة رأس غراب:

    جَزِيرَة بالشُعوم:

    الزبَارَة:

    جزيرة صلاحة:

    قرية طِرِيف وشركاتها:

    مطار طريف:

    مركز التدريب المهني في طريف:

    فريج طريف:

    إضرابات العمال المواطنين في شركات النفط:

    مناطق الاستقرار الأخرى في أبوظبي:

    غيوط الختم وشرق الظفرة:

    الفصل السادسمحاضر إليوا

    أمراء وولاة إليوا:

    شعراء إليوا:

    حصون إليوا وقلاعها:

    السكان في محاضر إليوا:

    تقديرات أعداد السكان:

    مصادر وطرق حساب أعداد سكان محاضر إليوا:

    نخيل محاضر إليوا:

    طريقة حساب أعداد نخيل إليوا:

    بعض محاضر إليوا الهامة:

    الفصل السابع

    الجزء الأولمعاني التضاريس والتكوينات الطبيعية

    الفصل السابع

    الجزء الثاني

    قائمة بعض الأسماء الجغرافية ومواقعها:

    الفصل السابع

    الجزء الثالث

    منهجيَّة إنشاء الخرائط التي توضِّح مواقع الأسماء الجغرافية:

    الخاتمة والاستنتاج

    قائمة الملاحق

    المراجع والمصادر

    المؤلف في سطور

    حقوق النشر©

    د. خليفة الرميثي2022

    يمتلك د. خليفة الرميثي الحق كمؤلف لهذا العمل، وفقًا للقانون الاتحادي رقم (7) لدولة الإمارات العربية المتحدة، لسنة 2002 م، في شأن حقوق المؤلف والحقوق المجاورة.

    جميع الحقوق محفوظة

    لا يحق إعادة إنتاج أي جزء من هذا الكتاب، أو تخزينه، أو نقله، أو نسخه بأي وسيلة ممكنة؛ سواء كانت إلكترونية، أو ميكانيكية، أو نسخة تصويرية، أو تسجيلية، أو غير ذلك دون الحصول على إذن مسبق من الناشرين.

    أي شخص يرتكب أي فعل غير مصرح به في سياق المذكور أعلاه، قد يكون عرضة للمقاضاة القانونية والمطالبات المدنية بالتعويض عن الأضرار.

    الرقم الدولي الموحد للكتاب 9789948809685 (غلاف ورقي)

    الرقم الدولي الموحد للكتاب 9789948809692 (كتاب إلكتروني)

    رقم الطلب: MC-10-01-2190665

    التصنيف العمري: E

    تم تصنيف وتحديد الفئة العمرية التي تلائم محتوى الكتب وفقًا لنظام التصنيف العمري الصادر عن وزارة الثقافة والشباب.

    الطبعة الأولى 2022

    أوستن ماكولي للنشر م. م. ح

    مدينة الشارقة للنشر

    صندوق بريد [519201]

    الشارقة، الإمارات العربية المتحدة

    www.austinmacauley.ae

    202 95 655 971+

    الإهداء

    إِلَى اَلْقَائِدِ اَلَّذِي نَجَحَ بِكُلِّ جَدَارَةٍ فِي تَكْمِلَةِ مَسِيرَةِ اَلْبِنَاءِ اَلْوَطَنِيِّ، إِلَى سَيِّدِي صَاحِبَ السُّمُوِّ الشَّيخُ مُحَمَّد بْنِ زَايِد بْنِ سُلْطَان آَلْ نهَيّان، رَئِيسُ دَوْلَةِ اَلْإِمَارَاتِ اَلْعَرَبِيَّةِ اَلْمُتَّحِدَةِ (حَفِظَهُ اَللَّهُ)، الَّذِي يَحْرِصُ دَائِمًا عَلَى دَعْمِ اَلْبَحْثِ اَلْعِلْمِيِّ وَتَشْجِيعِ اَلْبَاحِثِينَ.

    تقديم الكتاب

    يسرُّني كثيرًا أن أقدِّم للقارئ هذا الكتاب المهمَّ، الذي يعرض أمامنا دراسة تاريخية موثَّقة للأسماء الجغرافية في دولة الإمارات العربية المتحدة، كما يسعدني أن أحيِّي هذا الجهد الفائق للمؤلف الدكتور خليفة محمد ثاني الرميثي، الذي استخدم بحكمة وذكاء ما يحظَى به مِن تأهيل أكاديمي جيِّد وخبرة عملية واسعة في علوم المساحة والخرائط والبيانات المكانية، أحيِّي بالذات حرصه الكبير على الدقَّة وتحرِّي الحقيقة، وسَعيه الواضح للأخذ بأساليب البحث الرصين، واتِّباع المنهج العلمي السليم، بالإضافة إلى اعتماده على المصادر الشفهية والمكتوبة، والتواصل الناجح مع العارفين بمواضع وأسماء الأمكنة في كافَّة ربوع الدولة.

    إنَّ هذا الكتاب القيِّم، إنَّما يجيء متراسلًا تمامًا مع حرص دولتنا الفتيَّة على الحفاظ على التراث وتأصيله، نعتزُّ في ذلك بتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة – حفِظَه الله – وهو الذي يؤكِّد في كلِّ مناسبة أنَّ الوعي بالتاريخ والتراث هو طريقنا الأكيد إلى المستقبل، فبه يكتمل التكوين الحضاري لأبناء الوطن، ومِن خلاله تتأكَّد الهويَّة الوطنية، وعن طريقه يتعمَّق الشعور بالانتماء، ويقوي الإيمان بالقدرة على مواجهة كلِّ التحدِّيات.

    إنَّ القراءة الواعية لهذا الكتاب إنَّما تُظهِر أنَّ الأسماء الجغرافية في دولة الإمارات قد تحدَّدَت نتيجة عوامل متعدِّدة، أهمُّها قدم الاستيطان في المنطقة، وتوفُّر ظروف سمحَت بالعيش والتطوُّر فيها مِن جيل إلى جيل، إلى جانب ما قام به سكَّان هذه المنطقة مِن دور هامٍّ في التبادل الثقافي والتجاري مع مراكز الحضارات الأخرى، بالإضافة إلى حملهم رسالة الدين، وتقديمهم العديد مِن الإنجازات والمفاهيم في شتَّى مجالات الحياة.

    إنَّ هذا الكتاب كذلك إنَّما يؤكِّد على أنَّ حاضر الدولة موصول بماضيها، وأنَّ الماضي والحاضر يمثِّلان معًا القاعدة والأساس للانطلاق إلى آفاق مستقبل مشرق بإذن الله ينمو فيه التجدُّد إلى جانب الأصالة، ويحيَا فيه المعاصر إلى جانب التراث، وكل هذا إنَّما يعمِّق لدَينا الإحساس بحضارتنا، والاعتزاز بكلِّ ما نملكه مِن تراث، بل ويدفعنا في الوقت ذاته إلى تجميع هذا التراث، والإبداع في أساليب عرضه وتحليله وتفسيره بما يحقِّق التكامل والشمولية في معالجته، والربط بين حلقاته وفصوله.

    إنَّني في إطار ذلك كله أسجِّل استمتاعي الشخصي بقراءة هذا الكتاب، كما أعبِّر عن شكري وتقديري للدكتور/ خليفة محمد ثاني الرميثي على مبادرته الطيِّبة بتأليفه وإصداره، وكُلِّي ثقة بإذن الله أنَّ الكتاب سوف يكون إضافة مهمَّة للمكتبة العربية، ومرجعًا أساسيًّا للمختصِّين في هذا المجال.

    هذا الكتاب سوف يحظى بعون الله بإقبال القُرَّاء وتقديرهم لِمَا يقدِّمه مِن قراءات جديدة، وتأصيل جيِّد لجانب مهمٍّ مِن تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة.

    والله وليُّ التوفيق.

    نهيان بن مبارك آل نهيان

    وزير الثقافة والشباب والتنمية الاجتماعية

    شكر وعرفان

    أودُّ أن أشكر جميع زملائي الذين لهم الفضل الكبير في خروج هذا الكتاب للوجود، فقد كان لتشجيعهم الدائم كبير الأثر في نفسي للاستمرار في جمع المعلومات والكتابة.

    كما أشكر زملائي الذين ساعدوني في تجهيز البيانات والخرائط لهذا الكتاب، وأخصُّ بالذِّكر جميع مَن ساعدني وعمل معي مِن المساحة العسكرية مِن عام 1979 إلى 1985 مِن جميع التخصصات، وأخصُّ بالذِّكر الأخ والزميل صالح بن سعد الحبيل الذين لولا جهودهم في توثيق بعض الأسماء على الخرائط لَمَا وصلنا شيءٌ منها.

    وأسأل الله أن يرحم المتوَفَّين منهم الذين دلُّوني وأرشدوني إلى مواضع كثيرة، وأكَّدوا مواقعها الصحيحة، وأطلب مِن الخالق البارئ أن يرحمهم، ويحسن مثواهم، وأن يبارك في الباقين منهم.

    كما أجزل الشكر والعرفان للأخ المهندس عبد الرحمن ملوك الذي ساعدني في تبويب الأسماء، والأخ محمد عمارة، والأخت مريم المنصوري لِمَا بذلاه مِن مساعدة كان لها الفضل في إخراج الكتاب بهذه الصورة الجميلة.

    ولا أنسى في هذا المقام صبر عائلتي، وتحمُّلهم المصاعب في توفير البيئة المناسبة لعملي هذا، خاصةً أولادي وبناتي الذين أثقلتُ عليهم بالطلبات، وقدَّموا أجوَد الأعمال، وأتمنَّى أن يكون هذا العمل في المستوى الذي ينفع الله به الناس، ويحفظ شيئًا مِن تاريخ هذا البلد العربي العريق، والحمد لله رب العالمين.

    مقدمة الكتاب

    بسم الله الرحمن الرحيم

    وبه نستعين

    الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    لا شكَّ أنَ اسمَ المكانِ يعتبرُ جزءًا أصيلًا منهُ وأثرًا مِن آثارهِ، فكما تعنى الدولُ بالحفاظِ على آثارها فهيَ تعنى بأسماءِ مواقعها وتحافظُ عليها، فالمكانُ دليلٌ وهويةٌ وانتماءٌ وبرهانٌ لحضارةٍ عريقةٍ ولتراثٍ موروثٍ وغدٍ مشرقٍ.

    تحرصُ الدولُ النابهةُ مِن خلالِ فلسفةِ التوفيقِ بينَ الأصالةِ والمعاصرةِ على صياغةِ مشروعها التنمويِ الذي تنهجُ فيهِ منطلقًا أصيلًا للخروجِ بالتراثِ مِن مأزقِ الظلاميةِ والهزيمةِ، والنأي بهِ عن دائرةِ التهميشِ والازدراءِ إلى صياغةِ مشروعٍ تراثيٍ معاصرٍ يجعلُ بناءَ الإنسانِ والمجتمعِ مِن أهمِّ مقوِّماتهِ، ليكونَ خطابًا ذا هويَّةٍ حضاريةٍ واضحةِ المعالمِ والأصولِ، ومجددة الأبعادِ والاتجاهاتِ، تتميَّزُ بقدراتها الخلَّاقةِ المبدعةِ وبحضورها البارزِ في عالَمٍ تتنوَّعُ فيهِ الرُّؤَى، وتتناقضُ فيهِ الأفكارُ، وتساورهُ تحدِّياتُ المتغيراتِ العصريةِ والعولمةِ الفوضويَّةِ.

    أسباب الدراسة:

    لعلَّ الأمر الذي أوَّل ما دفَعَني إلى هذا النوع مِن البحث هو إيجاد قاعدة معرفية تكون مرجعًا للباحثين في موضوع الأسماء الجغرافية في دولة الإمارات العربية، بحيث يتبَنَّون خدمة هذا العلم حبًّا فيه، ورغبة نابعة مِن حبهم لأوطانهم التي تتطلَّب منهم العمل مِن أجلها.

    ومِن هنا أتت الفكرة إلى ذهني بوضع مرجع جغرافي ولو مصغَّر يُعرِّف بالموضع جغرافيًّا ومكانيًّا، ويضع ضوابط تحديد مكانه، ويساعد الباحث في حصر ما يتوفَّر مِن أسماء الأمكنة المعروفة، وتقدير عدد المفقود منها.

    وممَّا شجَّعني كذلك هو أن أُطلِع المهتمِّين على ما توفَّرَ لديَّ مِن معلومات كثيرة كما ذكرتُ، وملاحظات تحوي معلومات مهمَّة عن الأماكن وأسمائها في دفاتر ملاحظاتي وفي تقارير أو أوراق مبعثَرة جمعتُها وكتبتُها أثناء تنقُّلي لتفقُّد الكثير مِن المواضع على مستوى الدولة، وأثناء لقائي مع كبار السنِّ في المجالس أو رحلات البر والصيد، أو أثناء تحديد أسماء المواضع التي على الحدود بين الإمارات فيما بينها أو بين الدولة والدول الشقيقة المجاورة.

    إلا إنَّ الأهمَّ مِن هذا وذاك هو زوال ونسيان كثير مِن أسماء المواقع القديمة التي قَضَى عليها الزحف العمراني والحضاري، وغيَّبَ عن الذاكرة المعاصِرة أسماء مواقع مهمَّة نعتبرها جزءًا مِن تراثنا التاريخي والجغرافي وهويتنا الحضارية التي يجب أن تظلَّ حيَّة في ذاكرة أبنائنا، واستُبدِلَت بأسماء جديدة لزوم الحداثة والتجديد اعتقادًا منَّا أنَّ ما نراه مِن أسماء اليوم هو كلُّ ما ورثناه، وأنَّ الإرث الثقافي مِن المسلَّمات محفوظ بالضرورة.

    بعَون مِن الله وتوفيقه تمكَّنتُ في خمس وأربعين سَنة مِن جَمع وتحقيق عدد كبير مِن الأسماء الجغرافية بالمسمَّى الحديث لكامل أرض دولة الإمارات العربية المتحدة ومياهها، والمعلومات التي تتناول تاريخ أسماء المواقع وطبيعتها وعلاقتها بالبيئة المحيطة، وقد حرصتُ على أن يقدِّم هذا الكتاب تفرُّدًا في النَّهج الذي ينبغي أن يسير عليه الباحثون في جمع وتوثيق الأسماء الجغرافية، وأهميَّة هذه الأعمال للحفاظ على تاريخ الموقع وتاريخ سكَّانه، وتأصيل ما استطعتُ مِن البقاع التي عاش عليها الآباء والأجداد، وتركوا آثارهم بها، وما ينبغي للأجيال المعاصرة أن تتعرَّف عليه عن ماضيها.

    الدراسات السابقة:

    لقد أدركتُ مدى الصعوبة التي تعرَّضَ لها الباحثون الذين سبقونا في هذا المجال، وخاصةً تحديد مواقع الأسماء الجغرافية أو أسماء الأمكنة؛ لأنَّ ذلك لا يتطلَّب معرفة جيدة بثقافة المجتمع المحلي فقط، بل يحتاج إلى تخصص علمي في مجال علم المساحة والخرائط والبيانات المكانية لتحديد مواقع الأسماء الجغرافية وضبط إحداثياتها، ومعرفة جيدة بمناحي الحياة الاجتماعية والنسيج القبلي.

    ومِن حيث الإمكانيات فإنَّ هذا النوع مِن الدراسات في حقيقته عمل جماعي يتطلَّب مسوحات ميدانية، ومصادر تمويل لفترة طويلة مِن الزمن، وتعاوُن عدَّة جهات ذات اختصاصات متنوِّعة.

    قام عدد مِن الباحثين بجهود فردية مقدَّرة وحسب قدراتهم العلمية والمعرفية، وتمكَّنوا مِن حصر عدد لا بأس به مِن الأسماء والمعلومات الجغرافية في دولة الإمارات العربية المتحدة مِن عدَّة مصادر، ونشرَت كتبٌ ومعاجم في هذه الموضوعات، وإن كان في ذلك الجهد إضافة علمية لا تُنكَر إلا إنَّ ما ينقصه هو التحقُّق مِن وجود الاسم على الأرض مِن عدمه، والتحديد الدقيق لأسماء بعض المواقع، خاصَّةً وأنَّنا نعيش عصر الدقة المكانية بالأمتار وليس بالكيلومترات، هذا مِن حيث الموقع.

    أمَّا مِن حيث اللفظ، فقد جرَت تغيُّرات كثيرة على لفظ الأسماء القديمة في الإمارات العربية نتيجةَ اختلاط المجتمع المحلِّي بجنسيات أخرى مِن الأعاجم الذين يصعب عليم نُطق بعض الأسماء العربية، فيُحَوَّر الاسم أو يُلحن النُّطق، كما في سيح الشِّعيب (تعني تصغير الشِّعبِ)، وهو مجرًى للماء وليس شُعَيْب (اسم شخص)؛ لذا يلزمُ الباحث التحقُّق مِن وجود الاسم الصحيح أصلًا، ثمَّ مِن صحة نُطقه وطريقة كتابته، الأمر الذي يتطلَّب إثباتًا علميًّا لصحة وجود شعاب للمياه في المنطقة الموصوفة، فبدون إثبات ذلك يستمرُّ الخطأ، وبتعاقُب الأجيال يصبح هو الراسخ، كما هو الحال في أسماء بعض الأماكن التي لا أصلَ لها واستُقِيَت مِن مصادر أجنبية، واستمرَّ تداوُلها خطًا أكثر مِن 190 سَنة، ولا زالت في طيات بعض المعاجم المنشورة.¹

    لَم يكُن للمعاجم والكتب التي نَشرَت أسماء الأمكنة والمواضع نصيبٌ وافرٌ في هذه الدراسة إلا في نطاق ضيِّق كمعاني الأسماء واشتقاقها، حتى وإن تكرَّرَتِ الأسماء في أكثر مِن كتاب فلَم يُؤخَذ بها ما لَم تكُن جُمِعَت قَبل عام 1975م.

    المادة العلمية ومنهج البحث:

    جمعتُ في هذه الدراسة بين منهجين للبحث، حسب الموضوع قيد المناقشة، ففي المقدمات والإطار التاريخي كان المنهج التاريخي هو الغالب، فحالما يرد في السياق التاريخي بيانات وأرقام انتهجتُ المنهج العلمي التطبيقي لإثبات صحَّة تلك البيانات، ثمَّ أختبرها ميدانيًّا لزيادة الدقة والثقة، وفي سبيل ذلك استخدمتُ برامج حاسوبية متطوِّرة ومتخصِّصة في جمع وتحليل طبوغرافية سطح الأرض للوصول إلى صحة موقع الأسماء، كما استخدمتُ برامج التحليل المكاني وبرامج تحليل المرئيات الفضائية والصور الجويَّة في إثبات نوع المعلم وانتمائه إلى البيئة المحيطة به.

    أمَّا في إحصائيات عدد السكان وعدد النخيل فقد استعنتُ بالنماذج الإحصائية المعيارية في احتساب أقرب الأعداد للحقيقة، وما يهمُّنا أكثر مِن منهجيات هذه الدراسة هو تسليط المزيد مِن الضوء على موضوع نرى أنَّ له أهميَّة في توثيق الصلة بين المكان والإنسان، والتنبُّه إلى الكيفية التي بُحِثَ بها هذا الموضوع بصورة فريدة، ولا يعني ذلك بالطبع الخلط بين مناهج البحث، وإنما استخدام الأداة المناسبة في المكان المناسب، وفي ذلك نرى تحقيقًا للمنهجية العلمية الصحيحة.

    استقَت هذه الدراسة مادتها العلمية مِن عدة مصادر، أهمُّها ما يلي:

    1- أسماء الأماكن التي جمعتُها بصفتي الشخصية منذ عام 1975م حتَّى صدور هذا الكتاب، وقد أُخذتُ هذه الأسماء مِن كبار السن مِن المواطنين، وقد بلغ عددهم أكثر مِن 124 شخصًا على مدى 45 سنة أغلبهم توفَّاهم الله، وقد ألحقتُ بهذا الكتاب قائمة بأسمائهم ممَّن أتذكَّره، وجميع الأسماء الجغرافية التي جُمِعَت موثَّقة بإحداثيات دقيقة قِيسَت مِن الميدان بعد التأكُّد مِن موقعها الصحيح.

    2- أسماء الأمكنة القديمة التي وردَت في الخرائط المدنية التي أنتجَتها المساحة العسكرية بالقوات المسلحة 1992م، وسُلِّمَت نُسخٌ منها لبلديات إمارة أبوظبي وبعض الدوائر الحكومية الأخرى لاستخدامها بعد أن تمَّ إعادة مراجعة طريقة كتابتها.

    3- أسماء الأمكنة التي وردَت في الخرائط الإنجليزية القديمة للساحل المتصالح دولة الإمارات العربية حاليًّا الصادرة قبل عام 1970م بعد أن تمَّ تنقيحها وإعادة كتابتها باللغة العربية باللفظ الصحيح للتعرُّف على موقعها.

    4- جميع قوائم أسماء الأماكن لدولة الإمارات العربية المتحدة قبل الاتحاد التي صدرَت عن المساحة البريطانية والأمريكية بعد تنقيحها وتوثيقها ميدانيًّا.

    5- أسماء الأمكنة التي وردَت في خرائط الحدود التي استخدمها جوليان Walker ‏للإمارات الشمالية ومنطقة العين التي أعدَّها سنة 1958م، وما ورد مِن أسماء في الوثائق البريطانية والتقارير العسكرية القديمة بعد التعرُّف على موقعها الصحيح بمساعدة الأدلَّاء المواطنين وأهل المنطقة.

    6- ما ورد مِن أسماء الأمكنة في القصائد الشعرية للشعراء المحليِّين التي قِيلَت قبل 1960م بعد التعرُّف على موقعها ميدانيًّا.

    7- ما وردَ مِن أسماء المواقع البحرية مِن مغاصات وجزر وهيرات وحوَل في الكتب الأجنبية القديمة، وخاصةً ملاحظات البحَّارة التي صدرَت في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، والخرائط البحرية، وخريطة الشيخ مانع بن الشيخ راشد المكتوم لسنة 1940ميلادي، ووثائق تقسيم مناطق صيد الأسماك على ساحل إمارة أبوظبي وجيرانها.

    8- ما وردَ في كتب وخرائط الرحالة والمستكشفين والسياسيين الأجانب مِن أسماء للأماكن والمناطق التي مرُّوا بها أو كتبوها في خرائطهم، أمثال: لوريمر، كوكس، كيلي، بكماستر، وجوليان ووكر.

    يبحث هذا الكتاب "الأسماء الجغرافية ذاكرة أجيال" في المسائل المتعلِّقة بجمع وتوثيق الأسماء الجغرافية، وتحقيق مواقعها بشكل عام وخاصةً في دولة الإمارات العربية المتحدة، ويتناول تاريخ الأسماء وطبيعتها وعلاقتها بالبيئة المحيطة، والتحديات التي تواجه الباحث في هذا المجال وأساليب حلِّها.

    وقد حرصتُ على أن يقدَّم هذا الكتاب طرحاً متميِّزًا في النهج الذي ينبغي أن يسير عليه الباحثون في جمع وتوثيق الأسماء الجغرافية، وقد استعنتُ بالصور والخرائط والجداول الإحصائية لتوصيل المحتوى للقارئ المختصِّ والعام.

    يقع هذا الكتاب في مقدمة وسبعة فصول وخاتمة وملاحق للتفصيل.

    في إيجاز لمحتويات تلك الفصول أشير إلى أنَّ الفصل الأول يبدأ بتعريف وبأهمية الأسماء والأماكن والتسمية، وكتابة وتشكيل الأسماء، ثم الأسماء في لهجة أهل الإمارات، كما يعرض الفصل تاريخ جمع الأسماء وتدوينها على الخرائط، وتطوُّر تاريخ جمع الأسماء منذ القرن السابع عشر الميلادي إلى منتصف القرن العشرين.

    ‏أمَّا الفصل الثاني فيتناول بعض الأسس والضوابط المتَّبَعة في تسمية الأماكن وطرق كتابة الأسماء بالعربية للأمم غير الناطقين بها، ويستعرض منظَّمات الأسماء الجغرافية العالمية والإقليمية ذات الصلة بالأسماء الجغرافية وتنظيم الهيئات المختصة بالأسماء الجغرافية.

    أمَّا الفصل الثالث فأردنا أن نعرض فيه طُرُق المواصلات القديمة ومسارات القوافل، لِمَا فيها مِن وصف دقيق للآبار القديمة وأسمائها وصفاتها والمعالم الجغرافية التي تمرُّ بها قوافل المسافرين قديمًا.

    ‏خصَّصتُ الفصل الرابع لاستعراض بعض صفحات تاريخ إمارة أبوظبي في الفترة بين انهيار صناعة اللؤلؤ وظهور البترول بكميات تجارية، حيث لاحظنا نقصًا فيما عُرِضَ مِن تاريخ عن هذه الفترة، وعرض بعض الإحصائيات عن السكان، وبداية مشروعات النهضة قبل عام 1966م.

    ‏‏أمَّا الفصل الخامس فيستعرض بشيء مِن التفصيل أماكن تواجد السكان وأماكن الاستقرار القديمة في إمارة أبوظبي، ابتداء مِن الجزيرة العاصمة إلى الجزر الهامة المأهولة قديمًا على الساحل وبعض التجمعات السكانية البريَّة.

    وقد أفردنا الفصل السادس لزيادة التفصيل في محاضر إليوا ونخيلها، واستخراج إحصائيات مفصَّلة عن سكانها وعدد نخيلها.

    ‏أمَّا في الفصل السابع والأخير فأردنا أن يكون على شكل معجم للأسماء الجغرافية لدولة الإمارات العربية المتحدة مصغَّر مِن حيث العدد ومفصَّل مِن حيث المحتوى، ففي بدايته يعرف أسماء التضاريس والهيئات الطبيعية، وفي آخِره يسرد 1195 اسمًا شرحًا وتحديدًا لمواقعها، وأكثر مِن 4000 اسم وردَ ذكرها وذلك مِن أصل 9800 اسم موجود مِن الأسماء الأصيلة الموثَّقة لدى المؤلف، وسوف يكون هذا العدد بداية لنشر المسرد الوطني للأسماء الجغرافية لدولة الإمارات العربية المتحدة.

    قد يلاحظ القارئ الكريم أنِّي قد أغفلتُ مناطق أخرى مهمَّة، مثل مدن الإمارات الشمالية ومدينة العين، والسبب يكمن في أنَّ هذه الدراسة انتقائية تركِّز على المناطق التي لَم تنَل حظًّا وفيرًا مِن الكُتَّاب، أمَّا تلك التي تناولها الكتَّاب ونُشِرَ عنها فلم نتطرق لها.

    فيما يخصُّ تسمية الكتاب بــــ «الأسماء الجغرافية – ذاكرة أجيال» وتجنُّب أن يكون «الأسماء الجغرافية لدولة الإمارات العربية» فأحسب أنَّ هذا العنوان يفيد الشمولية للتعريف بكافَّة أسماء المعالم الجغرافية للدولة بمختلف أنواعها وطبيعتها، الكتاب يجانب الشمولية فيما يخصُّ الحصر النهائي للأسماء الجغرافية؛ إذ نعتقد أنَّ بمزيد مِن الجد والعمل الدؤوب يمكن أن يُعثَر على مواقع أسماء أخرى لَم نستطِع بقدراتنا الفردية العثور عليها، وقد اتَّخذنا من دراسة الأسماء المتوفّرة المعروفة مقياسًا نسبر به غور حقائق الأسماء المفقودة، ونفرِّق به الجيد مِن الرديء والصحيح مِن الضعيف، وقد اخترنا أقربها إلى الصحة وأبعدها عن الشكِّ، فجاء ولله الحمد على قدر الطاقة سليمًا مِن عِلَل التحريف وشوائب الضعف والمبالغة.

    ومع ذلك فإنَّنا لا ندَّعي المعرفة ولا العصمة مِن الزَّلل والخطأ، ونأمل أن تكون النتائج موافقة للصواب، فليعذرنا مَن يرى فيه ما لا يوافق رأيه، ونترك للكُتَّاب والمختصين الاستدراك علينا، وأن يرشدونا إلى مواطن الضعف والخلل لتصحيح ما وردَ عن بعض أسماء المعالم والأماكن وشروحها.

    إنَّني أرجو بنشر هذا الكتاب وإخراجه على هذا النحو أن أكون قد أسهمتُ بإضافة الجديد إلى علوم الأسماء والمكتبة العربية.

    والحمد لله رب العالمين.

    خليفه الرميثي. غرَّة المحرَّم 1444 هجري، الموافق 30 يوليو 2022 ميلادي.


    سيأتي ذكرها لاحقًا في هذا الكتاب.↩︎

    الفصل الأول

    أهمية أسماء الأمكنة

    تمهيد:

    لعلَّ أرقى ما ينشده الإنسان في هذا العصر هو حِفظ ذاكرته مِن محنة النسيان، في ظِلِّ إيقاع الحياة السريع، ونمط العيش اليومي المزدحم، فتراه يبذل جهدًا في استدراك ماضي الأوطان التي تجتاحها ثورة الحداثة والعمران، فتنتعش فيه ذاكرته تمازج الأمكنة والبيئة والطبيعة.

    والمكان بوصفه رقعة جغرافية إنَّما يعني الاتساع والامتداد للفضاء الذي يحيط به، بما يحمله مِن علامات جغرافية مرتبطة بتشكيل هويته وهوية الإنسان الذي يعيش عليه، وإنَّ أيَّ تغييرات تحدث في المكان مِن شأنها أن تُحدِث صدعًا في العلاقة بين الإنسان والمكان.

    قال مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة المرحوم بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله: مَن لا يعرف ماضيه لا يستطيع أن يعيش حاضره ومستقبله. فمِن الماضي نتعلَّم ونكتسب الخبرة، ونستفيد مِن الدروس والنتائج.

    كَما ذَكَرَ المؤرخ حمد الجاسر – رحمه الله – في مقدِّمة المعجم المختصر: «فالأمة العربية أحوَج ما تكون إلى ربط حاضرها بماضيها، وكثير مِن النصوص القديمة في الأدب أو الشعر أو التاريخ لا يمكن فهمها فهمًا تامًّا بدون معرفة ما تتَّصِل به مِن بيئة"¹. وقد بيَّن الجاسر في كتبه أهمية أسماء الأمكنة للشعوب اللاحقة.

    ولا ريبَ بأن أسماء الأمكنة تسهم بدور كبير في التعريف بأحوال البيئات السالفة، وفي ذلك توثيق لوجودها وامتدادها، وأيضًا تصوير حالتها، وعلاقة ذلك بالنشاط البشري مِن حولها، وتمكَّنَ النَّاس مِن معرفة المناخ في ذلك الزمان، وأنواع النباتات والحيوانات. ومصادر المياه مِن خلال دراسة وتحليل مدلولات أسماء الأمكنة.

    وبالرجوع إلى الخرائط والوثائق القديمة والأسماء التي كُتِبَت عليها، نرى بأنَّ الإنسان قد أطلق بعناية أسماء وصفية ذات دلالات دقيقة على الأمكنة سواء كانت معالم طبيعية، أو مِن صُنعِه، أو حوادث وقعَت عندها.

    إنَّ عجلة البناء والتنمية الجامحة تكاد تُبيد ما خلفَته سابق الأمم، وقد اجتاحت دولة الإمارات العربية المتحدة موجة عنيفة مِن التعمير والتغيير، وإن كانت تلك مدعاة للفخر فقد محَت أغلب المواقع الجغرافية القديمة، وطمسَت معالمها، ولَم ينجُ إلا النزر اليسير، ولَم يكن هناك ما يقابل ذلك مِن توثيق منظَّم لتلك الأماكن والمواقع وربطها بأسمائها، وأسباب تسميتها، حفظًا للتاريخ، وما أحوَج الأجيال الناشئة إلى معرفة الأنماط والسياقات لِلُغة أجدادهم العرب!

    تساعد الدراسات المتَّصلة بعلم لغة الأسماء الجغرافية على كشف الفكر اللغوي العربي، وتصوُّر البيئة التي نشأ فيها، وإدراك ما وراءَها مِن مستوى لغوي رفيع شاركَ فيه الآباء والأجداد على مرِّ العصور لتقديم صورة دقيقة وواضحة عمَّا جرَى على هذه الأماكن مِن تسميات استندوا فيها إلى الواقع المشهود الحسي والمعنوي، فجاءت هذه التسميات دقيقة وبسيطة في آنٍ واحد.

    إنَّ التوثيق العلمي الممنهَج للأسماء الجغرافية مطلب وطني، بل عالمي لرصد التحولات الثقافية والديمغرافية في حياة شعوب الأرض، لتجذير هويتها، ورفع مستوى ثقافتها، وإبراز تاريخ حضارتها وماضيها، ولصدِّ خطر المتغيرات العصرية وسلبيات العولمة، بذلك تضمن الأمم جميع مقومات الانتماء والمواطنة لتأكيد بقاء حضارتها والكشف عن أي شكٍّ أو غموض يحيط بها، والاطمئنان على تنشئة جيلٍ قادر على الاستفادة وتسخير الموروث لمواكبة الحياة المعاصرة.

    اسم المكان في اللغة:

    تُعرِّفُ أكثر المعاجم اللغويةِ المكان بالموجود الاعتباري الذي يُعَبِّر عن موضع مادي، يكتسب هويته مِن طبيعة الأحداث التي تقام فيه أو الموجودات الحاضرة فيه، ومرادفاته: مكان وموضع وموقع.

    وفي قاموس اللغة: اسم مَكان: صيغة مشتقَّة تدلُّ على مَكان وقوع الفعل، وجمعها أمكنة وأماكن (معجم المعاني).²

    فالعلاقة بين اللغة والمكان هي علاقة تلازمية تكاملية دلالية وصفية، وأيضًا تعني الاستقرار والوجود والثبات في مكانٍ ما.

    وأمَّا علاقة أسماء الأمكنة باللغة العربية فتتَّضِح مِن أنَّ علماء اللغة والنحو عاملوا هذه الأسماء معاملة الأسماء الأعلام مِن حيث صرفها ونحوها ونطقها ودلالاتها، وحرصوا على ذلك مِن حيث الصرف والاشتقاق، والإشارة إلى المفرد والمثنى والجمع، فعلَى سبيل المثال قال ياقوت الحموي³: البقاع (اسم مكان): جمع بقعة: موضع يقال له بقاع كلب، قريب مِن دمشق، وهو أرض واسعة بين بعلبك وحمص ودمشق.

    وبموجب هذا البيان يفترض أن يكون لكل كائنٍ اسمٌ، أو رمزٌ، أو لقبٌ، أو ربَّما رقمٌ يُعرَف به، بمعنى أنَّ الاسم يُطلَق على إنسان، أو حيوان، أو معلمٍ ما، أو مكانٍ تمييزًا له كأسماء الناس: محمد، علي، زايد، فاطمة، عائشة، وأسماء الحيوانات: ربدان، هملول⁴، أو اسم عنصر مِن عناصر الطبيعة، كأسماء الوديان والجبال والأنهار، كجبل حفيت، نهر الفرات، وادي الدواسر، وأسماء المدن والقرى مثل أبوظبي، الرياض.

    المكان في علم الجغرافيا:

    المكان ماديًّا: هو سطح الأرض أو جزء منه بما يحتويه مِن أشياء متمكِّنة منه أو مستقرَّة عليه، وله مميَّزات خاصة أو عامة تميِّزه عن غيره مِن الأماكن.

    والمكان جغرافيًّا: هو الحيِّز الذي يتم فيه حدوث التبادل أو التفاعل في شتَّى مجالات الحياة؛ حيث تركِّز الجغرافيا على إظهار أهمية العنصر المكاني في توجيه جميع الظواهر التي تحدِّد العلاقة بينها.

    ويُعتبَر التباين أو الاختلاف المكاني بكلِّ مكوِّناته الركن الأساسي في علم الجغرافيا مِن الناحية العلمية، وكذلك في بناء العلاقات المعقَّدة بين الأمكنة التي تقوم الظواهر فيها بدور بارز يحرِّكها الإنسان بقدراته وإمكاناته، فكلَّما علَت هذه الإمكانات وتطوَّرَت هذه القدرات عند الإنسان، زادت قدرته على الحركة، وتشعَّبَت علاقاته المكانية، فالدور الجغرافي الرائد هو في قدرة الإنسان، متسلِّحًا بأدبيَّات علمه، مِن تحليل وتفسير كلِّ هذه العلاقات التي هي صُلب المعرفة، وحجر الزاوية في علم الجغرافيا⁵. (de la Blache, 1888-1889)

    موقع الاسم:

    منذ قديم الزمان والإنسان يحاول معرفة العالم الذي مِن حوله، فقد كان المصريُّون القدماء يَعلمون كيفيَّة تحديد عدد أيَّام السنة، وعلى عِلم بكيفيَّة قياس المساحات، أمَّا الفينيقيُّون فقد طوَّروا مهارات الملاحة، إلَّا إنَّ أوَّل مَن قدَّم للعالَم معلومات جغرافيَّة بشكل مُفصَّل هم الإغريق الذين يُعتبَرون مُؤسِّسي عِلم الجغرافيا.

    الموقع الجغرافيُّ الفلكيُّ مِن أهمِّ العوامل الطبيعيَّة التي لها تأثير في تحديد أيِّ مكان في العالم يُسمَّى في بعض الأحيان بالموقع الثابت، أو الفلكيِّ أو المُطلَق، ويعني موقع المكان بالنسبة لخطوط الطول ودوائر العرض على سطح الكرة الأرضية بوحدة قياس الطول الجغرافي والعرض، وهو ما يُعرَف بالإحداثيات، فمِن خلال إحداثيات مكان ما يمكن أن يحدَّد مكانه على الخريطة أو بنظام التموضع العالمي (Global Positioning System) الذي يرمز له (GPS)لتحديد الأماكن بدقة عالية.

    علم الأسماء الجغرافية:

    علم الأسماء الجغرافية هو دراسة تصنيفية (taxonomic study) لأسماء الأمكنة، ويقوم على معلومات اشتقاقية وتاريخية وجغرافية. ويقسَّم هذا العلم أسماء الأمكنة إلى جزأين رئيسين:

    الجزء الأول: أسماء المراكز العمرانية (Habitation names)، ويُقصَد بها المدن والقرى والمناطق والشوارع، وترجع مسميَّات الأمكنة المأهولة إلى بداية نشأتها وحتَّى إلى ما آلَت إليه.

    أمَّا الجزء الثاني: فهي أسماء المعالم (feature names)، ويُقصَد بها أسماء المعالم الطبيعية، أي تضاريس سطح الأرض مثل (الجبال والأنهار والصحاري).

    اتَّفَق الجغرافيون على أنَّ علم المكان فلسفة تنطلق مِن أنواع مكوِّنات سطح الأرض وأشكالها كافة التي تختلف مِن مكان إلى آخَر، فنشأ عن ذلك اختلاف حول هيئة الأمكنة ناتج عن اختلاف في المكونات وأشكالها الموجودة على سطح الأرض، وبما أنَّ الاسم لفظ يُطلَق على شيء لتمييزه عن غيره، لذا يكون لكل شيء اسم أو رمز يُعرف به، ولذلك فللأماكن أسماء تُعرَف بها.

    وقد أَولى الدارسون اهتمامًا بتسميات الأمكنة، وأصبح ذلك علمًا يختصُّ بها عُرِفَ بِاسْم (التبونيميا) toponymy، وهو فرع مِن اللسانيات أو علم أصول الكلمات وأشكالها.

    والمصطلح تبونيميا معرَّب عن اليونانية ومنحوت مِن كلمتَين: توبوس topos ومعناها المكان، وأونيما Onyema ومعناها الاسم أو اللقب.

    تهتمُّ التبونيميا بدراسة أسماء الأماكن، وتشتمل في مفهومها العام على دراسة التسميات الجغرافية والفلكية كافة، ومعانيها وتاريخها، والسبب الذي سُمِّيَت لأجله سواء مِن حيث الجوانب التاريخية أو الجغرافية، كأسماء الأماكن المأهولة والدول والبلدان، والمعالم الجغرافية الطبيعية كالجبال والأنهار أو المنشآت التي يقيمها الإنسان كالطُّرق والمباني.

    يُعنَى علم الأسماء الجغرافية بالتطور اللغوي مِن حيث الاشتقاق etymology لأسماء الأمكنة، أي البحث في أصل الكلمة وتاريخها، والسبب الذي سُمِّيَت لأجله سواء مِن حيث الجوانب التاريخية أو الجغرافية، ويلاحَظ أنَّ معظم دراسات الأسماء الجغرافية تركَّزَت على الدراسة الاشتقاقية للأسماء، وغالبًا ما تهمل دراسة الدوافع وراء تسمياتها.

    ويستعرض الفصل الثاني مِن هذا الكتاب بعضًا مِن التفاصيل في علم الأسماء الجغرافية Geographic names.

    نشأة الأسماء الجغرافية ودلالاتها:

    مِن المسلَّم به أنَّ الآباء هم الذين يُسَمُّون أبناءَهم، ومِن ثَمَّ يدلُّ هذا الاسم على صاحبه، ويُعرَف به في محيطه الاجتماعي، فالإنسان لا يبتدع اسمه، وإنَّما يستقبله، بينما يُطلق على الأشياء الجامدة أسماء تُستمَدُّ مِن وظيفتها التي تؤدِّيها، فعلى سبيل المثال، المطرقة مِن الطرق، والطائرة مِن الطيران، في حين أنَّ الأمكنة تكتسب وينشأ اسمها مِن بيئتها الاجتماعية والثقافية ومحيطها الجغرافي والتاريخي، أو أحيانًا مِن واقع ظروفها السياسية، فتصبح مرآةً لِمَا حولها وسجِلًّا لتاريخ ذلك المحيط.

    يمكن أن تصنَّف أسماء الأمكنة والمواضع اعتمادًا على معانيها والدوافع التي اختيرت على أساسها، فالمعروف أنَّ الأسماء نوعان: أسماء عامة مثل جبل ووادي، وأسماء خاصة مثل وادي العين أو جبل حفيت ⁶، والفرق بين النوعين واضح، كذلك مِن هذا التقسيم يتبيَّن وجود نوعين رئيسَين مِن الأسماء الخاصة هما: أسماء وصفية، وأسماء تذكارية، فالأسماء الوصفية تشير إلى طبيعة المَعْلَم وشكله أو هيئته، كالجبل الأحمر (لونه أحمر) في الفجيرة، أو سيح السَّلَمْ (نسبة إلى كثرة أشجار السَّلَم)، أو الجزيرة الطويلة، أو الجزيرة الخضراء، أو العين والبدع، وغيرها مِن الأسماء الوصفية.

    وقد تأتي التسمية مِن هذا النوع عشوائية أو مضلِّلة أو مِن قبيل المصادفة، كما هي الحال عندما سُمِّيَت منطقة صَدَّة (اسم مكان مرتفع في جزيرة أبوظبي) بهذا الاسم، فقد كانت صَدَّة قديمًا منطقة عالية تصدُّ الرياح، وقد فقدَت تلك الصفة الآن، وموضع الممزر⁷ (مكان في دبي) لَم يعد ذاك المكان الذي تأتي إليه السفن للتزوُّد بالمياه كما كان قديمًا.

    وقد تَتَغَيَّر هذه التسمية ذات المعنى تبعًا لاختلاف الظروف مِن زمن إلى آخر ومِن بيئةٍ إلى أخرى. أمَّا الأسماء التذكارية فهي أسماء عامة ارتبطَت بحدثٍ اقترنَت به، كما هو الحال في سيح الدم، أو جبل الردة، أو عرقوب الطيَّارة.

    دور الأسماء في حفظ التاريخ:

    مِن المعلوم أنَّ وراء كلِّ تسمية حدثٌ ما أو تاريخ معيَّن له دلالات تبعث على التأمل والتفكير، ودراسة الأسماء الجغرافية ومدلولها تكشف عن معلومات تاريخية مهمَّة لمكان بِعَينه عبر حقبة زمنية تشمل لغة وعادات اندثرَت، فَاسمُ موضعٍ ما دليل هوية وانتماء لا بُدَّ مِن معرفته جيدًا، والتأكيد عليه وتعزيزه مدى الدهر لكلِّ الأجيال المتعاقبة.

    ويُستنبَط مِن أسماء المواضع معالم المنطقة، كالنباتات والحيوانات والتضاريس، لتكتمل صورة تاريخ المكان وحضارته وبيئته في ذاكرة الشعوب اللاحقة، ويظهر فيه التأثير المتبادَل بين اللغات واللهجات المختلفة، والتعريف به أو ما يدلُّ عليه مثل الدولة، والمدينة، والجبل، والسيح، والوادي.

    لا شكَّ بأنَّ أسماء الأمكنة تُسهِم بدور كبير في التعريف بأحوال البيئات القديمة، وذلك بتوثيق وجودها وامتدادها وخاصَّةً تلك التي تحمل صفات تاريخية تشير إلى الحضارات القديمة التي تنتمي إليها حضارة الأمة الحالية.

    ولأسماء الأماكن آثار تاريخية تنقل صورًا متعدِّدة الأوجه وتجارب الأجيال البائدة عن طرائقها في التفاعل بين الإنسان والطبيعة والعلاقات التي قامت بين أقوام مختلفة استوطنَت إقليمًا مِن الأرض، فالأسماء تحكي قصة ذلك المكان، وتوفِّر إحساسًا بتاريخ السكَّان الأوائل، وعلاقاتِهم ببيئتهم وأنشطتهم الاقتصادية، أو الوفرة النسبية لأنواع معيَّنة مِن النباتات أو الحيوانات في ذلك المكان والزمان.

    وعليه وجب الحفاظ على تلك الأسماء كجزء مِن التاريخ والتراث الثقافي لِمَا تُشَكِّله مِن مصدر وثائقي يساعد في معرفة وتوثيق بعض الأحداث التاريخية التي حدثَت في تاريخ الأمم، وذلك مِن خلال تتبُّع أصول الأسماء الجغرافية ومصادرها اللغوية.

    الأسماء والهوية:

    مَن لا يعرف ماضيه لا يستطيع أن يعيش حاضره ومستقبله، فالاسم التاريخي الذي يستخدمه الناس في مكانٍ ما هو دليل وهوية وانتماء لذلك المكان لا بُدَّ مِن معرفته جيدًا والتأكيد عليه، فالشعوب تفقد هويتها عندما لا توثِّق شيئًا عن أسمائها، ولا تُثَبِّت اسم المكان وحضارته وبيئته، ولا تُعَرِّف بدلالته في ذاكرة وضمائر أبنائها، فاسم المكان عندما يُعرف به وبدلالته يكون لصيقًا بهوية الناس، ويبقى ثابتًا لا تفنيه الدهور ولا الحروب الناعمة.

    إنَّ الحضارات القديمة التي اختفت عن الوجود هي تلك التي لَم تترك شيئًا للتاريخ، فقد ذهبَت جميع دلالاتها إلى المجهول، وضاع تاريخها، وأُزيل تراثها، واختفت آثارها، وهناك مِن الحضارات والأمم مَن تركت مخزونًا مِن الدلالات والحقائق التي رسخَت تاريخها وسطرَت عناوينها في تاريخ البشرية، وتُنسَب إليها معالمها وأسماء رموزها، مُحصَّنة وثابتة بأسمائها حتَّى اليوم، وما السبب إلا التأكيد والمحافظة على موروثها الثقافي الدالِّ على النشأة والوجود والاستمرارية.

    إنَّ الحضارات المنسية التي لَم تسعفها المعرفة في توثيق هويتها بقيَت بين الحقيقة والأسطورة، فالتاريخ كتَبَ عن أسباب سقوط حضارات بعَينها، بينما لَم يَكتب الأسباب الحقيقية وراء انهيار واندثار حضارات أخري، فالحضارات القديمة مثل حضارة السند وحضارة المايا على الرغم مِن أنَّها كانت مثقَّفة بعلوم ولغة، إلا إنَّ سكانها لم تعرف لهم هوية حتَّى الآن.

    وما أشبه بطاقة الهويَّة الشخصية لشخص ما تحمل بياناته لتُمَيِّزه عن الآخَرين بهويَّة اسم المكان! فاسم المَعْلَم مهما كان بسيطًا له تاريخه، فإذا أُهمِل اسمه فقد ضاع وَصفُه؛ لذا فإنَّ مِن أهمِّ عوامل بناء المجتمع وسلوكيات أجياله هو الانتماء والارتباط بالمكان واسمه.

    توثيق أسماء الأمكنة:

    يتجلَّى التوثيق العلمي الممنهج لأسماء الأمكنة في تطبيق المعايير والأسس العلمية العالمية في إدارة وإدامة معجم للأسماء الجغرافية الحالية والمقترَحة والبديلة، وتوفير سجل (بنك) لمعلومات أسماء الأمكنة التي يطرأ عليها أي تغيير أو تبديل أو تعديل، وصولًا إلى دليل موحَّد للأسماء الجغرافية، ووضع الإجراءات اللازمة بالتسمية والاستبدال أو الإضافة على أُسس مدروسة وبمشاركة الجهات ذات العلاقة.

    كذلك يتطلَّب الإسراع بإنشاء مؤسسة وطنية دائمة متخصصة بتوحيد الأسماء الجغرافية، وتنظيم قواعد معلومات للأسماء الجغرافية، وإيداع ذلك في معاجم متخصصة واستغلالها في الإحصاء، والعنوَنة، والمسمَّيات التجارية، والإعلان، بذلك يُضمَن حفظها ويكون سبب بقائها.

    وما أحوج البلاد الناشئة كدولة الإمارات العربية المتحدة هذا البلد العريق لتجذير هويَّته، وتأصيل ثقافته العربية، وانتمائه للمكان، ولصدِّ أي خطر على الهوية بفعل المتغيِّرات العصرية والتحدِّيات والمطامع.

    تسمية الأمكنة في البيئة الصحراوية عند العرب:

    في الإمارات العربية كما في باقي البلدان العربية الأخرى التي تحتلُّ الصحراء فيها حيِّزًا كبيرًا، كان البدو يتواجدون في تلك الصحاري الواسعة يرتحلون عبر قفارها، فقد وُلِدوا في اتساعها، وسَعَوا على ظَهرها، وتنسَّموا هواءها، وأمضوا حياتهم يتنقَّلون في جنباتها وبين آبارها، وقد أكسبهم ذلك شدة الملاحظة والدقة في التعبير، فإذا أراد البدوي أن يصف أو يسمِّي شيئًا فإنه يصفه بأدق التعابير وبأقرب الصفات إليه، معتمِدًا في ذلك على خصائص اللهجة العربية المحلية ذات المصدر الفصيح، وعلى مخزون مخيِّلته الفكري والعاطفي المتراكم، وتناغمه مع البيئة المحيطة، واتِّساق الألفاظ والصور المنبثِقة عنها، حيث يَستخدم في التسمية كلَّ ما يحيط به مِن البروق، والرعود، والريح، والعشب، والشجر، وعيون الماء، وسماء البادية بنجومها وغيومها، وبما فيها مِن آبار، وخيامٍ، ورمالٍ، وطير، وظباءٍ، وشجرٍ ونخيلٍ، والصيد وأدواته، والإبل والخيل وصفاتها، وما إلى ذلك مِن الأشياء والظواهر التي يراها يوميًّا ويعرفها حقَّ المعرفة في الوصف والتعبير، بالإضافة إلى صفات البدوي مِن شجاعة، وكرم، وأنفة، وشدة وغلظة، مستخدِمًا في ذلك بساطة اللغة وجزل الألفاظ دون تكلُّف أو تعقيد.

    لذلك عندما نستعرض كثيرًا مِن أسماء الأمكنة والمواقع الجغرافية نجد أنَّ البدوي العربي يسمِّي هذه المواقع بأسماء تجسِّد شكلها على سطح الأرض، ويمنحها أسماء مستوحاة مِن بيئة تناسب هيئتها وطبيعتها وتضاريسها، أو ينسبها لحدث طبيعي أو تاريخي وقع عندها أو بالقرب منها، وغالبًا ما نجد أنَّ المسمَّيات الجغرافية لها مدلولها الوصفي، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمسمَّى والدلالة عليه بالمعنى، وهذا ما يبرِّر تكرار وتشابه كثير مِن المسمَّيات الجغرافية عند العرب، بل إنَّ الاسم يصف العلاقة بين المَعْلَم والإنسان، وقد يتعدَّى ذلك إلى أنَّ اسم الموضع يحدِّد هويَّة مرتادي المكان أو أصحابه.

    دقة التعبير في دلالة التسمية:

    لقد ورث الجيل الحاضر مِن الآباء والأجداد درسًا لغويًّا رفيعًا على مرِّ العصور يقدِّم لنا صورة دقيقة وواضحة عمَّا جرى على الأماكن وأسمائها مِن أسباب يتداخل فيها العامل السياسي أو الديني أو العاطفي والتاريخي، دعَت إلى تسميتها بأسماء محدَّدة رُوعِيَ فيها الواقع المشهود الحسي والمعنوي، حتَّى جاءت هذه التسميات دقيقة وبسيطة في آنٍ واحد، فمثلًا تعبِّر أسماؤها عن الهيئة والشكل واللون والحجم للمسمَّى، فيقال العرقوب الأبيض أي إنَّ العرقوب المعنِي هو الوحيد ذو اللون الأبيض الذي يميِّزه عمَّا حوله، ويقال طوي سيح الزهر أي إنَّ المقصود هي تلك البئر المطوية بالحجارة التي تقع في سيح الزهر، ولا توجد طوي أخرى في ذات السيح، وإن وُجِدَت مُيِّزَت بصفة أخرى كالاتِّجاه، كأن يقال طوي سيح الزهر الغربي.

    وكذلك في اختيار مفردات التسمية، فكلمة بدع محمد وطوي وماء محمد تتَّفِق في محمد (المسمَّى عليه)، وتختلف في وصف (المسمَّى) وهو البئر، فبدع محمد تعني أنَّ محمدًا ابتدَع أي أوجدَ بئرًا مِن العدم، وليس بالضرورة أن يقيم عليه، أمَّا في قولهم طوي محمد فإنَّ محمدًا لَم يحفر البئر وإنَّما أقام عليها مدة طويلة مِن الزمن، أو أحياها وحافظَ عليها مِن الاندثار، فالتَصَقَ اسم محمد بالبئر.

    أمَّا قولهم ماء محمد فإنَّها بئر غير مطوية وليست مطروقة⁸، وقد تحتاج إلى جهد للاستفادة منها، ويُطلَق الاسم ماءً أو موردًا على عموم الآبار.

    تسمية الأمكنة في الحواضر:

    تعود المسمَّيات القديمة للأمكنة في أصلها للذين قاموا بتسميتها في بادئ الأمر، فقد أدركوا سبب التسمية، والظروف التي دعَتهم لاختيار الاسم، فكما استخدم البدوي معارفه ومهارته المكتسَبة مِن بيئته الخاصة، فإنَّ ساكن الحواضر (البيئة الساحلية والزراعية) يسلك النهج نفسه، فتراه يسمِّي الأماكن بأسماء وصفية تغلب عليها صفة الاستقرار، وطريقة العيش، واتِّساق الألفاظ والصور المسقطة عنها بكلِّ ما تحيط به، كأدوات الزراعة وأنواعها وطرقها ومحصولها، أو الصَّيد وطُرُقه، والتجارة وأعمالها.

    وينطبق الحال كذلك على سكان المدن والجزر، فترى الاسم مشتقًّا مِن مهنته، أو صَنعته، أو أداة أو طريقة صيد، أو هيئات طبيعية بحرية أو برية.

    ويسمَّى المكان تبعًا للوصف ولخواصه الطبوغرافية والهيئة التي يقع عليها أو أحيانًا يشبهها كالاسم المشتقِّ مِن الوظيفة (المهنة) كأن يقال سوق الحدادة ورملة الراعي (أي ممتهن الرعي)، أو يكون بسبب طبيعة المكان، كما هو في المرفأ أي مكان رسو السفن، أو مسمَّيات العمران كما في محضر أم حصن في إليوا لوجود حصن في المحضر ومنطقة الفلج في الشارقة.

    ولا تقتصر أنماط التسمية على هذا المجال، بل تتعدَّى ذلك كله لتعطي المواقع الجامدة مِن حولها بتسميات تبعث فيها الحياة، حيث نجد كثيرًا مِن أسماء المواقع لها علاقة بجسم وأعضاء الإنسان أو الحيوان؛ فقد استخدَم الإنسان العربي خياله لتصوير الموقع الجغرافي كأنَّه كائن حيٌّ يُسقِط عليه مِن الأسماء ما ينسجم مع شكل عضو الإنسان أو حركته الجسدية، فنجده يقول مثلًا: رأس القرن، أو خشم الجبل، أو بطن الوادي، وغيرها مِن التشبيهات العضوية أو الحركية أو حتَّى الحسية لجسم الكائن الحي.

    ومِن التسميات الجغرافية التي تحاكي بعض أجزاء جسم الإنسان أو الحيوان مسمَّى الصدر، والركبة، والنهد والنهدين، البطن والبطين، الكراع، الكوع وغيرها، بل تعدَّى ذلك بعيدًا، فنجد أنَّ العربي يسمِّي الكواكب والنجوم والأنواء ما يناسب شكلها أو تكوينها مِن مسمَّيات على الأرض، حيث يُسقِط تلك الأسماء عليها في الفضاء الخارجي، فنجد مثلًا مسمَّى الميزان، والدلو، والعقرب، والثور، وغيرها، ومِن أسماء الرياح: السهيلي، والغربي.

    الحاجة لتسمية المكان:

    تُوصَف الأماكن في الوقت الحاضر بعناوينها، مثل أرقام المباني وأسماء الشوارع وبعض الهيئات أو الأماكن الدائمة، مثل الأودية والمجمَّعات السكنية التي تسمَّى بمسمَّياتها، وحديثًا استُخدِمَت أجهزة ملاحة متطورة بإحداثيات الأقمار الصناعية والخرائط الرقمية التي تدلُّ على الموقع بدقة عالية، فكلَّما كان الوصف دقيقًا كان الوصول إلى المكان أسهل وأسرع.

    ‏أمَّا في العصور السابقة فكانت دقَّة الوصول إلى الموقع تعتمد على مدى كثافة الأسماء حوله، ودقة التعبير لوصف الموقع المنشود، فكلَّما كثرَت المعالم المسمَّاة زادَتِ الحاجة لاسم يميِّز المَعلم عن الأماكن الأخرى مِن حوله، وبهذا يكون اسم المكان يحمل دلالة الوصف ودلالة التمييز (الهزع الكبير)، والاتجاه (البزم الغربي)، ودلالة التخصيص والانتماء (صير بني ياس)، أي إنَّ هذا المكان مخصَّص ‏لفئة معيَّنة مِن الناس أو لاستخدام معيَّن.

    تشابه الأسماء واختلاف المعالم:

    كما أورَدنا سابقًا فإنَّ اسم الموضع يعبِّر عن الهيئة والشكل واللون والحجم للمسمَّى، وتمنح الأماكن أسماء مستوحاة مِن بيئة تناسب هيئتها وطبيعتها وتضاريسها، بغضِّ النَّظَر عن موقعها الجغرافي، أي إنَّ الاسم يتكرَّر بنفس المعني ولكن ليصف بيئات مختلفة، فمثلًا: الغَلِيل مجرى مياه أمطار فرعي بين الجبال يصبُّ في شعبة أو وادٍ، وتُطلَق أيضًا على المناطق التي تجري فيها المياه على سطح الأرض وتكون على أطراف الوادي عند تدفُّقه وامتلائه، أو تلك التي تجري وسط الوادي عند خفَّة جريان المياه، كما في غليل الوعل في وادي البيح في رأس الخيمة.

    والغليل في البيئة البحرية هي قنوات مجرى مياه البحر بالقرب مِن السواحل تتجمَّع فيها مياه البحر وتجري إلى البحر العميق حسب حركة المدِّ والجَزر (انظر الصورة 1/1)، كما في غليل مراكبي شرقي جزيرة مروَح، ويلاحَظ هنا مدى تطابق الاسم لبيئتين مختلفتين.

    وقد تتشابه أسماء الأماكن وتتكرَّر في البلاد العربية وخاصَّةً في الجزيرة، وهو أمر معروف منذ القِدَم؛ لذا نجد أنَّ كثيرًا مِن أسماء الأماكن تتكرَّر في أكثر مِن مكان سواء في البلد الواحد أو في بلدان عدَّة كما هو الاسم (الرقيبة) الذي يتكرر في الإمارات أكثر مِن ثمانية أماكن، وفي المملكة العربية السعودية أكثر مِن عشرة أماكن مختلفة، وكذلك يوجد في الكويت والأردن والجزائر.

    ولمَّا كان عدد كبير مِن الأماكن إنَّما اشتقَّ اسمه مِن طبيعة سطح الأرض التي هي فيه فإنَّ سبب هذا التشابه مفهوم، ولكن بعضها لا علاقة له بتضاريس الأرض؛ إذ ربَّما كان ذلك بسبب السكان الذين إذا انتقلوا مِن مكان معروف الاسم نقلوا معهم اسم المكان الذي كانوا يقيمون فيه، وهذا أيضًا معروف مِن طبيعة حياة السكان القدماء لهذه الأرض التي كان سكانها يتنقَّلون بحسب تغيير الأجواء، وبخاصة عند بحثهم عن مساقط الأمطار والمراعي، حيث يزدهر الربيع، وتنمو الأعشاب التي ترعاها مواشيهم.

    وقد تنبَّه علماء الأمة إلى ذلك فقاموا بتأليف كتب حول الأسماء المتشابهة، مثل كتاب الأماكن أو ما اتَّفَق لفظه وافترق مسمَّاه مِن الأمكنة للإمام الحافظ محمد بن موسى الحازمي المتوفَّى في سنة 1188م، الذي أعدَّه للنشر الأستاذ حمد الجاسر، وصدرَ في سنة 1994م.

    ‏تشكيل الأسماء الجغرافية:

    ‏ تتشابه الأسماء بالأحرُف في اللغة العربية، ولكن ليس بالضرورة في النطق والأصوات، فكلمة (بَر) بمعنى الصحراء ‏و(بُر) بمعنى حبة القمح، و(بِر) تعني الإحسان، متطابقة بالأحرُف وعددها، ولا يمكن التمييز بينها إلا بصياغة الجملة والحركات، وهذا يصعب على غير العارف والمتبحِّر ‏في اللغة العربية؛ لذلك كان لا بدَّ مِن استخدام التشكيل لتميّز صوت الحرف.

    صورة رقم: 1/1، الغليل كما يظهر في البيئة البحرية والجبلية.

    وعليه فإنَّ الأصوات في اللغة العربية ‏عمومًا تنقسم إلى قسمين: الصوامت (الحروف)، والصوائت (الحركات).

    الصوائت هي الحركات مِن فتحة وضمة وكسرة، وكذلك ألف المد وواو المد وياء المد، والصفة التي تجمع بين قصيرها وطويلها هي الوضوح في السمع، ولهذه الأصوات حيِّز معلوم في الجهاز الصوتي أو مواضع نطقية محدَّدة تبدأ مِن الشفتين وتنتهي بالحنجرة والحلق، فيُحدِث ذلك نوعًا مِن علوِّ الصوت، فتكون الصوائت جميعًا مجهورة.

    أمَّا الصوامت فهي الحروف مثل: ب، ث، ج، وبقية أحرف اللغة العربية، وسُمِّيَت بذلك لأنَّها أقلُّ وضوحًا في السمع مِن الصوائت وهي ما سمَّاه نُحاة العربية بالحركات، وذلك لأنَّ الحروف عند النُّطق بها يعترض لها في الفم والحلق والشفتين معترِض، فيضيق معه مجرَى الهواء، ويقلِّل مِن علوِّها فيصبح الصوت صامتًا، فمنها ما هو مجهور ومنها ما هو مهموس.

    ومِن أجل لفظ الأسماء الجغرافية لفظًا صحيحًا والحفاظ على معنى الاسم، وضبط نطقه، وتمييزه عن أمثاله كان لا بدَّ مِن تشكيل الأسماء الجغرافية، ‏حيث إنَّ الحركات القصيرة جزءٌ لا يتجزَّأ مِن الكلمة في اللغة، وهناك أمور عديدة تُوجِب تشكيل الأسماء، منها أسماء مواقع لها نفس الأحرف والكتابة، ولكنها تختلف في اللفظ، فالاسم (طريف) موضع في الظفرة بدولة الإمارات، و(طريف) مدينة في شمال السعودية، الأول يُلفَظ (طْرِيف)، أمَّا الثاني فيُلفَظ طْرَيْف.

    أسماء الأمكنة في لهجة أهل الإمارات العربية:

    لغة أهل الإمارات العربية هي مِن لغة عامة القبائل العربية في جزيرة العرب، وهي لغة عامية ذات أصل عربي قديم في مفرداتها كلهجات قبائل عبد القيس، والأزد، وتميم، وغيرها، غير أنهم لا يلتزمون كثيرًا بقواعد اللغة العربية الفصيحة وتصاريفها.

    أما مِن حيث اللهجات فإنَّ بين كلِّ قبيلة وأخرى، وبين كل بلدة وأخرى اختلافًا يسيرًا في لهجتهم، يمكِّن السامع مِن معرفة القبيلة أو البلدة التي ينتمي إليها أحدهم إذا تحدَّثَ، غير أنَّ هذا الاختلاف لا يؤثر بأي حال على معرفة مقاصد الكلام ومعانيه فيما بينهم، لقرب لهجاتهم مِن بعضها، وضعف الفوارق بينها، ولرجوعها في معانيها إلى أصل لغوي عربي واحد.

    إنَّ التعابير اللغوية الخاصة بالأماكن ووصفها في لهجة أهل الإمارات تتَّسِم بالثراء والتنوع والدقة، وهي امتداد لحصيلة لغوية قديمة كانت مستخدَمة في اللهجات التي سادَت هذه المنطقة، وقد استمرَّ هذا الثراء اللغوي حتَّى وقتنا الحاضر بسبب مداومة استعمال هذه الألفاظ واستخدامها حسب العلاقة المتبادلة بين الإنسان والمكان.

    أمَّا أسماء التكوينات الجغرافية والتضاريس المختلفة، فقد تعارَف عامَّة الناس على تسميتها العربية، وقد أطلق الأقدمون معنى واسم المكان تبعًا للوصف الطبوغرافي الخاص به، وطِبقًا لطبيعته المائية، أو الرملية، أو الصخرية، أو البحرية، أو النباتية، كما هو الحال في الطبيعة الصخرية والرملية حيث تكون صفات العلو والانخفاض بيِّنة، وهي التي تحدِّد طبيعة المكان، كما في قولهم: "نوايف للعلو والشموخ، وقولهم الهور¹⁰" كناية عن الانخفاض.

    اللهجة المحلية القديمة والحديثة وأسماء المواضع:

    لقد كان لاختلاف الجهات التي هاجرَت منها القبائل العربية القديمة إلى شرق الجزيرة العربية (الإمارات وعمان) أثر واضح على تنوع وتطور مفردات لهجات شعوب هذه المنطقة، فقبائل الإمارات الحالية أتى بعضها مِن جهة الغرب، مِن نجد والحجاز والأحساء، وقبائل أخرى أتت مِن جهة جنوب الجزيرة العربية عن طريق عمان، فالقبائل التي جاءت مِن الغرب أتَت بثلاث لهجات بينها كثير مِن الاختلافات، أمَّا تلك التي جاءت مِن جهة الشرق فهُم العمانيُّون، ولهجتهم بها الكثير مِن المفردات والتراكيب مِن اللهجة الحِميَرية.

    فلا شكَّ في أنَّ هذا التمازج في أصول السكان العرب انعكس على مفردات اللغة، وأضاف لها وغيَّر عليها، كما أنَّ اللهجات الحالية هي في معظمها مجموعة مِن اللهجات التي انتقلَت كلماتها مِن قبيلة إلى أخرى لسبب أو لآخَر، إمَّا لأنَّ قبيلة ما قد تكون واسعة النفوذ، أو لأنَّ نُطْق كلمةٍ ما لدى قبيلةٍ ما أسهل مِن نُطق قبيلة أخرى، فعادةً يطغَى النُّطق السهل على حساب الألفاظ الأخرى المشابِهة.

    لقد كانت لهجات أهل الإمارات عمومًا محصورة في لهجتين أساسيتين حتَّى بداية الخمسينيات مِن القرن الماضي: لهجة أهل الصحراء (البدو)، ولهجة الحضر (أهل الحواضر والزرع وأهل الجبال).

    فالأولى كانت الأكثر انتشارًا جغرافيًّا، فكانت تُحكَى مِن العُدَيْد غربًا إلى الذيد والعين شرقًا، وإلى أطراف الربع الخالي جنوبًا، وهي أقرب ما تكون إلى الفصحى.

    أمَّا لهجة الحضر فمنها لهجة أهل القرى والسهول الزراعية المتأثِّرة بلهجة أهل عمان العربية.

    أمَّا لهجة أهل رؤوس الجبال (شحوح، حبوس، ظهوريين) فهي فصيحة الأصل على الرغم مِن بعض الفروق في اللحن، مثل تفخيم بعض الأحرف كما في تفخيم الألف في كلمة أُدَم بدل آدم، وإبدال بعض الحروف كقولهم دَهَب بدل ذهب، أي إبدال الدال مكان الذال، وكذلك قلب بعض الحروف كما في قلب العين إلى همزة في قولهم إلى بدل علي.

    هذا وقد ظهر اختلاف نُطق بعض الحروف بين المناطق المختلفة جليًّا في أسماء الأمكنة، فمثلًا تُقلَب القاف إلى جيم في لهجة الحضر، فيقال جرن بدلًا مِن قرن ومجرن بدل مقرن عند أهل الصحراء.

    حديثًا، تسرَّبَت إلى لهجات أهل المدن والقرى الساحلية بعض المفردات الأجنبية خاصةً مِن لغات الشعوب التي كانوا على اتصال بها مِن خلال السفر والتجارة، أو مِن الوافدين إلى هذه المدن، إذ اكتسبَت لهجة السكان الأصليين كلمات عديدة مِن السكان الوافدين، واستعملوها في حياتهم اليومية مع تغيير بسيط في طريقة نُطق الكلمة عن لغتها الأصلية.

    أما في ثمانينيات القرن الماضي فقد شهدَت البلاد عمليات تغيُّر عنيفة عصفَت باللهجة المحلية العربية، ممَّا كان له الأثر الأكبر في تغيير بعض ثوابتها، وانحراف مدلولاتها الأصيلة.

    ومِن أسباب تغلغل المفردات الغريبة في اللهجة المحلية، ابتعاد الأجيال الجديدة عن الأوَّلين مِن حملة اللهجة الأصيلة، والزواج بأجنبيات لا يُجِدن العربية، وكذلك المستعربون وجهلهم بكثير مِن قواعد اللغة ممَّا أدى إلى خلق

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1