Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

درياداليس
درياداليس
درياداليس
Ebook786 pages5 hours

درياداليس

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يفصل جدار كارونطي لوزاريا عن إمبراطورية الليل، ولكن عندما يُعلن حظر التجول، تُفتح أبواب الجدار ويحتل النوكتيس مدينة لوزاريا حتى الفجر في مشهد عالم مليء بالدسائس والأسرار والغموض.

يتعايش البشر والجنيات والعفاريت والأقزام في مدينة لوزاريا الصاخبة. ولكن عندما يُعلن حظر التجول، تظل الشوارع وتُفتح الأبواب في حي نوكتيا ذي الأسوار المظلمة: يستطيع مستحضرو الأرواح والسحرة ومصاصي الدماء والليكانثروب والشياطين التجول بحرية عبر مدينة لوزاريا تحت حماية القانون العام الذي يبرر أي عمل يتم القيام به بين منتصف الليل والفجر. وهذا لأن اللوزاروس والنوكتيس أمضيا سنوات في الترويج لأفعال من أجل تقوية الروابط بين العالمين الذين لا يفصل بينهما سوى الجدار الهائل الذي تحيط به نوكتيا: إمبراطورية الليل. يشمل القانون العام أيضًا ما يسمى التبادل.
ستقضي الشابة خوني العام المقبل من حياتها في نوكتيا، بينما تاير، الساحر الغامض، سيفعل ذلك في المنزل، وتحت سقفه وبجانب شقيقه أدريان، الذي سيزداد فضوله تجاهه في نفس الوقت مع جاذبية لا يمكن كبتها، ولكن، من هو حقًا تاير؟
Languageالعربية
PublisherTektime
Release dateJan 13, 2021
ISBN9788835417071
درياداليس

Related to درياداليس

Related ebooks

Reviews for درياداليس

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    درياداليس - Jessica Galera Andreu

    1 مسألة تحمّل

    توقف وهو يلهث من الاندفاع الذي ساقه إلى هناك، محاولا التقاط الأنفاس وسط سحابة الضباب المحيطة به والمدفوعة بأنفاسه. نظر إلى الأعلى وكافح القرص الفضي للقمر لشق طريق عبر سماء سوداء خالية من النجوم، محجوبة فقط من الأبراج البعيدة في لوزاريا، الظلال ذات الأشكال الحادة المعاكسة للضوء. عدّل أدريان قميصه الثقيل ومسح المناطق المحيطة باهتمام بالغ دون العثور على ما كان يبحث عنه. أخرج الهاتف المحمول من جيبه وأدخل أصابعه المخدرة بسرعة إلى جهة الاتصال المطلوبة. زادت نغمات الرنين من توتره وتضاعفت حين لم يتلقى ردًّا مرة أخرى.

    -قتله...- غمغم بأسنانه المشدودة. وتنفس بامتعاض. وبعد إلقاء نظرة سريعة على ساعته، راح صاعدًا إلى السياج الذي يفصل هذا الحي عن بقية المدينة. قفز إلى الجانب الآخر، ورغم أن الحاجز كان مجرد قطعة معدنية، إلا أنه شعر أنه قد تجاوز خطًّا خطيرا، حدودًا طائشة. لماذا واعده كريس في ذلك المكان وفي ذلك الوقت؟ حينها، كان يدرك تمام الإدراك أن لقاءاتهم يجب أن تتم بعيدا عن أعين الناس، وفي أقصى درجات السرية؛ لقد قبل الأمر بنفسه وكان ذلك مبالغًا فيه. لم تمضي سوى عشر دقائق على إطلاق صوت حظر التجول حتى كانت أبواب حي نوكتيا المظلم مفتوحة، لتطلق العنان لأبناء الظلماء، أسياد المدينة المطلقين بين منتصف الليل والفجر. كان هذا ما يمليه القانون العام، وهو القانون نفسه الذي جعل أي شخص طائش يصادفهم فريسة.

    وهناك كان هو، مستلقيا على الحائط المعروف عند العامة باسم جدار كارونطي. لم يقترب قط من هذا الهامش الضيق للهروب. لم يكن لديه وقت للعودة للمنزل، مع أن ذلك لم يكن في الوقت الحالي مهمًّا بالنسبة له. كانت الفكرة الوحيدة المسيطرة عليه هي أن كريستيان قد تواعد معه هناك، لكنه لم يكن موجودا. ربما حدث له مكروه؟ ربما لم تنتظر الكائنات التي سكنت في نوكيتا حتى وقت حظر التجول؟

    لا، لم يكن ذلك ممكنا. كان القانون العام محترما على الدوام. لم يكن ذلك ممكنا، مع أن التفكير في الأمر جعل قلبه ينبض ويهدد بتفجير صدره.

    رفع يده المرتجفة وأنزلها فوق الصخرة الباردة التي بُني منها الجدار. مستحضري أرواح وشياطين ومصاصو دماء وساحرات ومستذئبون. لم يكن يعرف شيئا عنهم، بل ولم يكن مهتمًّا جدًّا بما حدث في الجانب الآخر من تلك الكتلة الحجرية. في تلك اللحظة، لم يستطع إغفال صوت والده في رأسه، ولومه له تجاهله للإرشادات المتعلقة بنوكيتا. كان ملزمًا بحكم وضعه بالإلمام بكل شيء، لكن أدريان كان الأخ الأصغر وكان يفضل دائما أن تصبح خوني الشخص الذي كان سيغدو خبيرًا في الكائنات الخارقة. ففي نهاية المطاف، في يوم من الأيام ستصبح هي الشخص الذي سيحل محل والدها في مجلس النور. أو كانت هذه على الأقل الطريقة التي برّر بها دائما عدم اهتمامه بالتعلم.

    تراجع بضع خطوات إلى الوراء وقام بقياس المسافة المطلوبة للتسلق عبر الحائط. ربما سيكون من الغريب الاختباء والانتظار حتى تفتح البوابات قبل الدخول إلى هناك والبحث عن كريس. قطّب حاجبه متسائلا عمّا إذا كانت أي فكرة قادته لعبور الجدار يمكن أن تعتبر حقًّا بعيدة المنال من غيرها.

    أخرجه حظر التجوال من غياهب فكره وتراجع أدريان في محاولة لإبقاء رجليه مثبتة. بدت صفارة الإنذار في الوهلة الأولى طويلة ورتيبة، واستبد به اليأس، وراحت عيناه البنيتان تتجولان فوق تلك البقعة السوداء من الظلال الواضحة والضوء الخافت مرة أخرى. برزت البنايات على حين غرة عملاقة مرعبة ساخرة منه، تهدده وتحذره. أغلق عينيه وفتحهما من جديد، مقتنعا أن كل كتلة كانت ستسقط فوقه وتحبسه. لكن الحجر لم يتحرك ولم ينبس ببنت شفة، مما جعل الأوهام الناتجة عن قلقه تتبدد وبدأ في البحث عن ردة فعل. دق الجرس من مكان ما على الجانب الآخر من الجدار بقوة لدرجة أن أدريان خال أنه لا يمكن أن يكون بعيدًا.

    ربما كان عليه الانصراف. ربما لم يفكر كريس جيدًا ولظرف مجهول، لم يكن أمامه وقت لتحذيره. ربما منعه طارئ من القدوم في الوقت المحدد و... قام بنزع فتيل آلاف الفرضيات التي كانت تحاول شق طريقها إلى رأسه بينما أطلقت البوابة صريرًا وأخذت أوراق الحائط تتساقط ببطء. عوت المفصلات واحتضنه نسيم بارد أدخل روحه في لحظة توجُّس.

    دقت الساعة الثانية عشر عند دق الجرس مدويّة صدى معدنيا بعيدًا أفرغ أدريان من كل إرادة، لم يستطع التحرك، لم يستطع التنفس. لبث هناك وكانت المرة الأولى في سنواته السبعة عشر التي يرى فيها ما في الجهة الأخرى. حزر غابة مظلمة من جذوع ملتوية تميل إلى الأمام، كما لو كانت تقديسًا للطريق الضيق بينهما. كان يجب أن يكون الطريق الأسود. سمع عن ذلك المسار، المنطلق من نوكتيا في عدة أجزاء من الأرض المظلمة والذي وصل إلى كل المناطق الموجودة هناك أو الأراضي، كما يطلق عليها، حتى لا يضطر أي عرق لعبور أرض أجنبية للوصول إلى لوزاريا. كان هناك أزيز، حركة غريبة، ولم يكن لدى أدريان وقت للركض حين انسل ذئب ضخم من وراء سور الجدار ليباغته. تعثر الصبي، لكنه تمكن من تثبيت نفسه والوصول راكضًا إلى البوابة التي صعدها بلا مبالاة، ممزقًا جانبه على حافة السلك. انزلق وصرخ عندما شعر بأنياب الحيوان تُغرس في ساقه. كانت مؤلمة لكنه لم يبالي. ركل بقدمه بقوة واستمر في التسلق، حيث حاول الذئب اللحاق به مرة أخرى. وصل بعد مُكابدة إلى القمة وسقط من هناك إلى الجانب الآخر بآلام في الكوع والرأس. أُصيب بالدوار لبضع ثوان بينما كان يكافح من أجل الوقوف على قدميه، دائخا، ورؤيته مشوشة.

    كان الذئب لا يزال ينطح في الخيط المعدني، ويمزقه بين فكيه المرعبين، ولم يكن بإمكان أدريان سوى التفكير في الابتعاد عن المكان. لم ينتبه حتى للظلال الطويلة التي تقترب من الخلف. مستحضرو أرواح، ربما، أو ربما شياطين. لم يكن يعلم، لكنه استمر في الركض ولم يكن ليتوقف إلا حينما سمع صوتًا صارخًا يناديه باسمه.

    عاد، متألما من قوة السقطة، ولمح دراجة نارية تقترب بسرعة.

    أدريان !

    كريس... - همهم، متنفسا الصعداء.

    توقفت الدراجة النارية أمامه.

    هيا بنا، اصعد !

    صعد بسرعة متشبثًا بخصره وتاهت الدراجة في الظلال، وتداخل أزيز محركها مع عواء الكائنات الطائرة التي هجرت ملجأ الجدار وغطت السماء والتهمت القمر.

    *****

    جلس أدريان على حافة حوض الاستحمام، وساقه تحت تيار الماء البارد ورأسه ممددٌّ للخلف، متكئًا على مقصورة الحمام. كان الدم المتدفق من صدغه قد جف، بينما لا يزال الدم المتدفق من الجرح في ساقه يتناثر في حوض الاستحمام.

    أمسك كريس هاتف الحمام، محاولًا مسحه بالكامل.

    كان يجب أن يقوم بذلك الطبيب، أدري- أغفى وهو غير قادر على إخفاء تعابير الحذر من وجهه-. أعلم أنه سيتعين علينا تقديم الكثير من التفسيرات، لكني أفضل ذلك على أن تخسر ساقًا. أذكرك أنه ليس كلبًا من...

    لماذا واعدتني هناك؟- قاطعه أدريان.

    نظر إليه كريس و، بقدر الجرح نفسه، تأثر بالصفاء في صوت الصبي، في تعابيره. كان يتصبًب عرقًا حتى ولو لم تبدو عليه أمارة الجزع أو الألم.

    أغلق الصنبور وجلس على حافة الحوض أيضًا، محدقًا بعيدًا.

    إنهم الأولاد.

    ماذا؟- متسائلا في استراب-. كيف حصلوا على الهاتف؟

    وقف كريس وصفّف شعره الداكن في وجهه بينما كان يسير مشدودًا حول الحمام.

    اتسخ قميصه وصرف كريس انتباهه إلى البقعة وتوقّف أخيرًا.

    لقد عثروا عليه في غرفة خلع الملابس بعد ظهر اليوم. لم يعرفوا من كان، لكنهم قرؤوا بعض المحادثات واستنتجوا أنه كان...لعشيقك. دائما ما أحذف المحادثات اللعينة، بيد أنه لم يكن لدي وقت قبل...بُّول هو من أرسل لك الرسالة للتحقق مع من أنت و...كان يجب أن تكون عند الجدار.

    نفى أدريان برأسه وهو يكافح الألم، إلا أن كريس أمسك بقميصه ودفعه ببطء على الحائط.

    آسف يا أدري. اعذرني من فضلك. لم أستطع فعل أي شيء. كنت معهم طوال فترة ما ببعد الظهر ولم أستطع إخبارك.

    عبثوا معي لكي أذهب إلى الجدار في منتصف الليل، وأنت لم تستطع فعل شيء، بل وأمضيت أيضًا فتر ة الظهيرة معهم في الضحك.

    أبعد كري يده عنه دون أن يتحرك.

    أدريان...

    كان بوسعك البدء لأنك لا تهتم بالهراء الذي يفكرون به أو ما يقولون ولا...

    لا تكرر ذلك مرة أخرى. كان الأمر سهلًا بالنسبة لك، والجميع يؤيدونك: والدك وأمك وأختك؛ حتى أجدادك فهموا الأمر. لكن في منزلي سيكون ذلك هرجًا.

    خرج أدريان وهو يعرج من الحمام الذي يؤدي مباشرة إلى غرفته، هوى على السرير ليبدأ في تضميد ساقه.

    نظر كريس إليه، وكتفه متكئة على إطار الباب. تنفس طويلا وانحنى بجانبه.

    هل ستضمدها بنفسك؟

    كان الصمت هو الجواب الوحيد، وعلى الرغم من ذلك، فقد ارتد في رأس كريس كموجة غامرة من اللوم، لأنه كان على بيّنة من كل فكرة تشغل بال أدريان. استمروا في تلك المحادثة طويلًا وكانت الاستنتاجات هي نفسها، بؤرة الخلاف الرئيسية للاثنين.

    خمسة أشهر أخرى- همهم كريس لافتًا انتباه أدريان، الذي توقف مؤقتًا عن أداء مهمته-. عندما ننتهي من المعهد، لن أهتم بالصراخ من فوق أسطح المنازل. سأعيش بعيدًا عن أبي، في الجامعة. سترافقني أنت ولن نكون مجبرين على تحمّل حماقات بُّول وجماعته. أنت من يهمّني على المدى البعيد، أدريان. تحمّل.

    ابتسم أدريان وهو يهز رأسه ويواصل تضميد ساقه.

    وماذا لو لم أعيش لأشهد تلك اللحظة الرائعة حيث يمكنك إخبار الجميع أنك تحب الرجال وأنك معي؟

    ماذا تقول؟

    - كريس، اليوم قادتني الأقدار إلى الجدار في منتصف الليل وأنت لم تفعل أي شيء.

    - ذهبت للبحث عنك. أنا أيضًا عرضت نفسي للخطر، لكن لم أكن لأتركك هناك بأي شكل من الأشكال.

    - فقط عندما طلبوا ذلك، لم أستطع فعل أي شيء آخر. كانوا سيعتقدون أن ...

    - وماذا يحدث عندما يطلبون منك قتلي لتظهر أنني غير مهم لك؟ - صرخ غاضبًا-. ستفعل ما يشاءون وبعد ذلك تحملني للمستشفى؟

    وقف كريس ونظر إليه كما لو كان أمامه شخص غريب تمامًا، كما لو أن أدريان نفسه قد استخدم هذا السلاح الافتراضي.

    بحق السماء، أنت تعلم أنني لن أكون قادرًا على فعل شيء من هذا القبيل.

    انتهى أدريان من تعديل الضمادة وجفل.

    أنا أعلم؟ قبل ساعتين، ربما كنت سأعلم- أشار، مشددًا على الكلمة،- أنك لن تنصب لي فخًا أبدًا لأخذي إلى الجدار في منتصف الليل. لكنك فعلت ذلك. كان من الممكن أن تنتهي الأمور اليوم بشكل أسوأ بكثير. أُقسم أنني لا أستطيع تصديق ذلك.

    اقترب كريستيان من أدريان وأمسك وجهه بين يديه. استطاع بالكاد احتواء الدموع في عينيه الدامعتين.

    أنت على حق. أنا جبان بكل ما تحمله الكلمة من معنى وأنا أعترف بذلك. لكني أحبك يا أدري. أريد فقط أن تكون الأمور بسيطة قدر الإمكان لكلينا.

    يجب أن نقف عند هذا الحد، كريس. ستنتهي مشاكلك، مشاكلي أيضا معها و...

    قبّله كريس على شفتيه، وأسكته. فعل ذلك بيأس، مضطربًا، بترحيل واضح للرغبة الشديدة المكبوتة التي تتشبث بالحاجة المرضية.

    لا تقل ذلك، أرجوك - طلب ذلك، دون إبعاد فه عن فم أدريان، الذي بالكاد كان يحاول رفضه - أرجوك، لا تتركني، لن أستطيع تحمّل ذلك. خمسة أشهر أخرى، من فضلك، أرجوك، تحمّل. افعل ذلك من أجلي، من أجلنا.

    من لن يستطيع تحمل ذلك هو أنا، كريس. منذ شهور وأنا أعاني من الضرب والإهانات وجميع أنواع القرف، بينما تكتفي أنت بالنظر، والتملق عندما تكون في المقدمة. أنا لا استحق ذلك.

    وهل تريد مني أن أتحمله أيضًا؟ - صرخ كريس بشراسة-. هل ستشعر بتحسن إذا تعرضت للضرب؟ حسنا. سأعلن الأمر غدا وربما بعد ذلك ستتمكن من منحي هدنة حقيرة.

    اللعنة، كريس! لا أريدك أن تتعرض للضرب أيضًا. ما أريده هو ألا تكون جزءًا من لعبة الاستخفاف بي.

    لم يكن لدي خيار، أدريان. أفعل ما أستطيع. لقد رأيت بالفعل أنني ذهبت للبحث عنك. بقدر ما يطلبون مني، لن أسمح أبدًا بحدوث مكروه لك.

    عاد أدريان إلى سريره ودفن وجهه بين يديه. انحنى كريس بجانبه وأمسك معصميه وجذبهما بعيدًا.

    ما عدت ... لم تعد تحبني؟ سأله.

    لا أقصد ذلك، أنت تعلم.

    اصبر إذن، أدريان. إذا كنت تحبني، اصبر، أرجوك. هذا ما يفعله الأحباء، أليس كذلك؟ التحمّل من أجل الحبيب. بجانب ذلك، أليس كذلك...

    فُتح الباب في تلك اللحظة وظهر وجه خوني القلق.

    أغلقت الباب خلفها وعبرت الغرفة بخطوتين، وهي تحدق في أخيها الصغير.

    يا إلهي...

    أمسكت قميصه من جانبه ورفعته لأعلى، كان الدم ناتجا عن الخدش الذي سببه تسلق البوابة وبلّل ملابسه. كما نظرت إلى الكنزة التي بدت خرقة مرمية على السرير، ممزّقة وملطخة بالدماء، على غرار السروال الذي كان يرتديه، الممزق بالكامل من الأسفل.

    ابتعد كريس وأبقى بصره ثابتًا على أرديان، كما لو كان ينتظر منه إيجاد حل للموقف الحرج الذي يلوح في الأفق، وهو الوحيد القادر على فعل ذلك.

    خوني، الأبواب مغلقة حتى يقرع من يريد الدخول- مندفعا صوب أخته بقليل من الإلحاح.

    ماذا حدث؟ -طالبت-. لماذا هو هنا؟ لماذا لديك دم في كل مكان؟ لماذا لم تكن هنا في الثانية عشر؟

    نهض أدريان وأمسك أخته برفق من ذراعها، بينما حدّقت خوني في كريس.

    كنا نتجول وأخذنا الحماس. تأخر الوقت علينا وركضنا.. وسقطت أرضًا.

    نظرت خوني إليه بصمت، وعيناها تلمعان بمزيج من الحزن والغضب.

    هل يمكننا التحدث؟ سألت الفتى.

    استدار أدريان ونظر إلى كريس.

    الوقت متأخر. ابق هنا في السرير.

    أومأ كريس برأسه وخبط على السرير، وهو يحدق في الأرض.

    غادروا الغرفة وعند الخروج، اتكأ أدريان على جدار الممر الذي كان مظلما تمامًا. فقط الضوء الخافت من النوافذ سمح لضوء القمر البعيد بالدخول. تنيّح أدريان لمعرفة أن والديه قد ناما بالفعل.

    أخبرت أمي وأبي أنك كنت نائمًا عندما وصلوا - أوضحت خوني- أن رأسك يؤلمك.

    شكرا لسترك. أنا مدين لك.

    اقتربت خوني من أخيها. انزلقت أصابعها على الدم الجاف وشعرت الفتاة بغصة في حلقها.

    اتركه يا أدريان. لا تمضي معه من فضلك.

    أنت تنبشين في الموضوع نفسه؟

    انظر إلى نفسك. يا إلهي. تقول إنك خضت ملحمة الليلة، لكنه يبدو بخير.

    فجّر أدريان كل الهواء من رئتيه.

    -أجاب- الأمور ليست بهذه السهولة، خوني. لم يكن والده ليقبل هذا. وفي المعهد...

    - أنت لا تستحق رجلاً يخجل مما يشعر به أو يخفيك بينما تعاني الأمرين مع العالم من أجله.

    - لماذا تلومينه؟ إنه مغرم بي وهو خائف مثلي تمامًا. أبناء العاهرات هؤلاء هم الذين ينغصون علي حياتي.

    - وماذا يفعل عندما يحدث ذلك

    - إنه عشيقي، وليس حارسي الشخصي، خوني.

    - أدري، هل تنصت إلى نفسك؟ أنت تبرر كل شيء فيه؛ أنت تدافع عن شخصه مهما فعل. أنت تتغاضى عن كل شيء، وتبسط الأمور. إنه جنون. أنت تهدي.

    - خمسة أشهر فقط، يا أختي. عندما ننتهي من المعهد، سيكون كل شيء مختلفا. طلب مني أن أتحمله لمدة خمسة أشهر وهو محق في أن هذا ما يفعله الأشخاص الذين يحبون بعضهم البعض، أليس كذلك؟ تحمّل كل شيء من أجل الآخر.

    لا يا أدريان. الناس الذين يحبون بعضهم البعض يتشبثون يبعضهم البعض. ويضحي الواحد منهما للآخر بشكل متبادل.

    إنهم يتحملون البُعد والوقت والظروف. لكنهم يواجهون الأشياء معًا وقد تركك وحيدًا في هذا.

    خوني...

    سأرحل في غضون أيام قليلة، أدريان. ستتم عملية التبادل في غضون أسبوع وأنا مرعوب لمعرفة أنني سأتركك وحدك.

    لن أكون وحدي و... لا أريدك أن تشغل بالك، سأكون بخير، لا تقلق.

    أخبر أبي. إذا أخبرته أن هؤلاء الحمقى اعتدوا عليك، سيخلصك منهم.

    وسأعطيه سببا كافيا لينظر إلى كطفل مدلل، أليس كذلك؟

    خوني، أمي وأبي لديهما انشغالات كثيرة. الآن هناك موضوع التبادل. أمي ليست على ما يرام و... لا أريدهم أن يعرفوا، لقد أخبرتك بذلك ألف مرة. وسوف يزيد الأمور إلا سوءا.

    استاءت خوني من رفض شقيقها إبلاغ والديهما بهذا الوضع المأساوي. لقد اكتشفت ذلك بنفسها بالصدفة، ورغم أنها حذرت عديد المرات من أنها ستخبر والديها، إلا أنها لم تفعل ذلك أبدًا. لم تكن تريد خلافًا مع أدريان، لكنها ارتابت في الوقت نفسه فيما إذا كان صمتها سيساعده حقًا.

    نغير الموضوع- عقّب هو-، كيف تسير أمور عملية التبادل؟

    تغيير الموضوع ، مهلا!

    نعم، أرجوك.

    هزت خوني رأسها وأفلتت إحدى الضفائر السوداء التي جمعتها في ربطة العنق. على الرغم من أنها كانت أكبر من أدريان بعامين، إلا أنها كانت أقصر إلى حد ما وبشرتها شاحبة، على الرغم من أنهما كانا يتشابهان في لون العين، وهو بني فاتح مع انعكاسات أرجوانية، مثل والدتها.

    أنا هادئة. ستكون بضعة أشهر فقط. كافية لفهم أشياء عديدة حول طريقة عيش النوكتيس. إلى جانب ذلك، تستمر أمي في الإصرار على أنه يمكنني تكريس نفسي لشيء آخر وأن مستقبلي لا يجب أن يكون مرتبطًا بمجلس النور، لذلك تمكنت من بعثرة أوراقي. سيكون ابتعادي لهذا الوقت مفيدا لي.

    ربما تقعين في حب زامبي.

    ضحكت خوني ودفعت أدريان برفق.

    مغفّل. أتمنى فقط ألا يكون لديهم عادات مُقرفة مثل أكل الديدان أو أشياء من هذا القبيل.

    كان معنا العديد من النوكتيس في المعهد خلال عمليات التبادل ولم يكونوا غرباء في تعاملهم. هناك قانون صارم للغاية يحكم كل شيء، كما تعلمين.

    أعلم ذلك، لكن رؤيتهم في المعهد شيء، والعيش محاطة بالموتى الأحياء في أراضيهم شيء آخر. ومعرفة أن أحدهم سوف يعيش هنا؛ جني، على حد تعبير أبي.

    لا تدخله إلى غرفتي أو أي شيء من هذا القبيل. أنت المسؤول.

    قطّب أدريان حاجبيه وهو ينظر إليها.

    أذكرك أنه سيعيش في المنزل يا أدري. سأذهب إلى منزله وسيأتي إلى منزلي. هل تتذكر كيف تكون الأمور هنا؟

    اللعنة، هذا صحيح. في العام الماضي، سخرت من لامبيا لأن المستذئب الذي جاء في إطار عملية التبادل استقر في منزل ابن خالته. ستكون هذه السنة أقل تسلية.

    لامبيا؟ العفريتة؟

    نعم هي نفسها. سترى عندما تنتبه.

    حسنًا، لا تشكو، سيكون لديك واحد فقط هنا. أما أنا فسأعيش محاطة بهم.

    إذا حدثت مشكلة...

    لن يحدث مكروه. شهدنا آلاف عمليات التبادل وسار كل شيء على ما يرام دائمًا. سوف تكتشف عندما تلمسك.

    لا تذكرني بذلك.

    بصفتك ابنًا لعضو في مجلس النور، سيتعين عليك عاجلاً أم آجلاً إجراء عملية التبادل، أدري. من الأفضل أن تغير اللفة وتعيرها القليل من الاهتمام.

    أعرف. لا تلعبي دور الأب الآن.

    ابتسمت خوني وداعبت وجه أخيها.

    أوعدني بأنك ستعتني بنفسك – طلبت منه.

    أعدك. كوني مطمئنة.

    سنتحدث بانتظام، مفهوم؟

    يستحسن ذلك.

    أحبك يا صغيري.

    أنا أحبك أيضًا، يا ليمونتي.

    متى ستغير هذا اللقب السخيف الذي تناديني به؟

    عندما تتوقفين عن إلقاء الأوامر.

    إنها فاكهة.

    لذلك أجعلها أحلى لك. لكنك متسلطة.

    2 غيض من فيض

    ظل أدريان ينتظر في تلك القاعة الضخمة لأكثر من ثلاثة أرباع الساعة. لقد أكدوا له أن الاجتماع الذي كان والده يوجد فيه على وشك الانتهاء، لكن الدقائق مرت ببطء ومؤلمة وكان لا يزال هناك. ألقى نظرة سريعة – للمرة الألف - على الساعة وبحث عن عدم السقوط في اليأس. انحنى إلى الأمام، تأفف ودفن وجهه في يديه قبل أن يتمدد مرة أخرى في الكرسي واضعًا رأسه على الحائط خلفه. لم يكن الصبر أبدًا أفضل فضائله؛ ولا حتى واحدة منها.

    كان غروب الشمس يلون السماء بنبرة بنفسجية أسرته ومن الطابق العشرين من ناطحة السحاب الضخمة المعروفة باسم المقر، كان بإمكانه الإعجاب بها كما هو الحال في أماكن أخرى قليلة. نظر بعيدًا إلى اللوحة حيث كانت تعمل السكرتايرة والتقى بعينيها الداكنتين فوق نظارتها الصغيرة.

    أدرك عندها فقط الضوضاء المزعجة التي كان يصدرها بحذائه في حركة نفاذ صبر. توقف وابتسم ببراءة مصطنعة.

    أنا آسف – همس.

    عادت المرأة إلى مهامها الرتيبة بينما ألقى أدريان نظرة على هاتفه المحمول، رغم أنه كان يعلم بالفعل أن كريس لم يرد عليه بعد. لم يصدر الجهاز أي صوت وكانت قد مرت أكثر من ساعتين على آخر رسالة أرسلها إلى خليله. اعتقد أنه ربما سيكون مشغولا. أو ربما نسي هاتفه الخلوي في السيارة؛ كان شيئًا يحدث له بانتظام. كان كريس في حالة من الفوضى.

    أغمض عينيه وبحث عن بعض الإلهاء في ذهنه، وهو أمر سهل في تلك الأيام التي لم يكن فيها منشغلا، ولكن في تلك اللحظة فقط، بدأت الأصوات تتصاعد في نهاية الممر وعرف أدريان أن انتظاره قد انتهى.

    وقف وعلق حقيبته على كتفه وهو يسير بخجل نحو غرفة الاجتماعات. وعند وصوله إلى الممر الواسع، مر ببعض أعضاء مجلس النور، الذين كانوا يغادرون المكان بين محادثات هادئة وإيماءات أكثر جدية من حين لآخر، يرتدون كلهم ثوب المجلس الأبيض الطاهر. كان أدريان يعرفهم جميعًا، ولكن لم يكن هناك سوى زوجين: العجوز سيمون والسيد أوكسون، اللذان ألقيا عليه التحية؛ الأول يلف شعره كما لو كان طفلا، الأمر الذي كان أدريان يمقته. وبدا الآخرون مشغولين جدًا أو متحمسين للخروج من هناك. ولم يستطع لومهم. توقف في منتصف الممر وهو يشاهدهم يبتعدون. لم تتركه أجنحة إدران أوكسون أبدًا غير مبال. لقد كان غريبًا، فبينما كان أدريان يصادفهم طوال الوقت، كان متأكدًا من أنه لا يوجد شخص آخر من طينته يمتلك أجنحة مثل أجنحته؛ ولا حتى هيلماجينتا بريكير، التي حسب ما يروون، كانت أقدم جنية في العالم، وهي أيضًا عضو في المجلس وكانت قد غادرت الغرفة أولاً. كانت أجنحة أوكسون طويلة وشفافة. تجعلها ملامستها للضوء تنبعث منها توهجات ملونة تحاكي قوس قزح من الألوان الزاهية. اختفى عن أنظاره عندما دار حول ركن الممر وعاد إلى غرفة الاجتماعات. وفي غضون بضع دقائق، كانت فارغة تقريبًا. بينما تركت جيليان نوفاك لها ابتسامة آسرة. كان أدريان يراها بشرية في الأربعينيات من عمرها وببنية بدنية تحسد عليها. خرج الجميع وظل هناك والده فقط، يراجع بعض الوثائق. نظر إليه الشاب ورأى أنه منهك؛ لدرجة أنه لم يدرك وجودهم.

    كل شيء على ما يرام؟ - تجرأ أدريان على السؤال.

    رفع أندير رأسه لفترة وجيزة وابتسم لابنه.

    - منذ متى وأنت تنتظر يا طفلي العزيز؟

    - منذ ساعة تقريبًا- أجاب، وكتفه مستلقية على إطار الباب-. هل هناك مشكلة؟

    - لا - أجاب أندير، مضطرا لإخراج ابتسامة-. يعني ليس أكثر من العادة. أنا آسف لأنني جعلتك تنتظر طويلاً. لو كنت أعرف لما طلبت منك أن تأتي. لدينا القليل من الوقت لتناول العشاء الذي وعدتك به. يمكننا تركه ليوم آخر، إذا أردت.

    - لا، لا مشكلة. عشاء سريع.

    تنهد الرجل بعمق ووضع الوثائق على الطاولة؛ وضع ذراعيه على وركيه ونظر إلى ابنه طويلاً.

    كيف حالك؟ - أراد أن يعرف.

    بخير.

    لا تبدو في حال جيدة.

    لم يغمض لي جفن الليلة.

    هل لهذا الفتى علاقة بذلك؟

    نظر إليه أدريان، متفاجئًا من هذا السؤال واتخذ بضع خطوات للأمام، وتأكد من عدم ترك أي شخص في الردهة أيضًا. مشى إلى المائدة المستديرة الضخمة ووضع خصره عليها.

    لماذا تسألني ذلك؟

    حسنًا... - عاد أندير لالتقاط المستندات التي أسقطها ورتبها بعناية-، والدتك وخوني قلقتين.

    بسبب كريس؟

    لا، بسببك.

    حكت لك أختي بقصة ما، أليس كذلك

    أكثر من قصة، شيء بيعت على القلق. قالت خوني إنك وصلت الليلة الماضية بعد حظر التجول وكنتما تتجادلان. مرة أخرى. ظننت أني أخبرتكم... توقف عندما شعر بأنه كان على وشك الاعتراف. كانت أخته قد أكدت له أنها كذبت على والديه، متسترة على الأمر، لكن ذلك لم يكن صحيحًا.

    أدري، يتطلب الأمر شيئًا أكثر لأصدق أنا وأمك أكاذيب أختك. أذكرك أنني متزوج من ساحرة. لكن خوني اعترفت تحت التعذيب إن كان هذا يرضيك. إن قضاء الأسبوع الماضي في لوزاريا بدون هاتف محمول سينتزع أكثر الأسرار الخفية من أي شخص. أو على الأقل منها.

    أبي، أخبرني أنك لم تجعلني آتي إلى هنا من أجل هذا.

    سأكون أكذب عليك حينها. أردت أن آخذك لتناول العشاء...للحديث حوله.

    مشى أندير إلى خزانة الكتب وأخرج ملفًا أدخل فيه المستندات التي كان يحملها في يده. ثم عاد إلى ابنه.

    لا أستطيع تصديق ذلك. خوني تبالغ.

    أختك قلقة عليك مثل والدتك. وسأكون كاذبا إذا أخبرتك أنني لست قلقا مثلهما.

    أعلم أنكم جميعًا تكرهون كريس، لكن اتضح أن الشخص الذي معه هو أنا.

    نحن لا نكره ذلك الفتى، أدري؛ نأمل فقط أن يعاملك بشكل لائق وأن لا يعطي انطباعًا بأنه كذلك.

    اللعنة. لقد أجريت هذا الحديث مع خوني الليلة الماضية ولا أرغب في تكراره معك، لذلك من الأفضل تأجيل العشاء إلى... يوم آخر.

    رفع أندير ذراعيه.

    لن نتحدث عن ذلك إذا لم ترغب في ذلك. لكني أريدك أن تعرف أنه إذا كان هناك شيء ليس على ما يرام، يمكنك الاعتماد علينا، يا عزيزي. عليّ، على والدتك وأختك، رغم أنها الآن لن تكون بجانبك.

    أشكرك- أجاب أدريان، وكتفاه تتدليان وكأنه ينهار.

    حسنًا. هل نذهب إذن؟ - ارتدى الرجل سترته وابتسم لابنه-. هل لديك أي فكرة إلى أين يمكننا الذهاب؟ لست على دراية بمطاعم الوجبات السريعة.

    أفكر في مجموعة من الأمكنة، لكنني أريدك أن تعدني بأننا لن نتحدث عن هذا الموضوع.

    تنهد أندير بعمق.

    أعدك.

    *****

    فحص أندير ساعته بعصبية بينما كانت تفصل بضع دقائق عن الثامنة مساءًا. كان المكان مزدحمًا، على الرغم من أنه لم يتبق سوى أربع ساعات على إعلان حظر التجول، بينما جلب الشتاء معه ليلة مبكرة، مما زاد من قلقه. احتلت العفاريت والجنيات الطاولات والكراسي في موقف مريح بينما كانوا يتجاذبون أطراف الحديث ويشربون شيئًا ما. لن يتوقف أبدًا عن الشعور بالذهول من ولع العفاريت بالترفيه، وكسلهم في مواجهة المشاكل والطريقة المريحة التي كانوا يعيشون بها. لم يكونوا يشبهون الجن، على الرغم من أن هذا الأخير كان يتمتع أحيانًا بلحظات من الهدوء والسرور. كان الاحتدام في أماكن مثل هذه أمرًا نادرًا، الكائنات البشرية التي سكنت في أعماق البحار والأنهار والتي كانت بالكاد تتحرك، خارج هذا النطاق، في السواحل والضفاف المجاورة، في منطقة ألتوم، حيث كان لدى العديد منهم شقق صغيرة لحياتهم الأرضية.

    جلس أدريان على المقعد المتواجد أمام والده وتبّث ورقة الطلب التي وضعها على الطاولة.

    آمل ألا يستغرقوا وقتًا طويلاً لخدمتنا- عبّر أندير بقلق-. هذا المكان ممتلئ عن آخره.

    هذا ما تجد في المطاعم يا أبي. أناس يريدون الأكل.

    ابتسم أندير وهز رأسه بينما كان ابنه يتنهد ويدقق فيه بعناية.

    ماذا يحدث؟ سأله.

    أخبرتني من قبل عن القلق الذي تسببه لكم حياتي العاطفية.

    حسنًا، تبدو مضطربا بعض الشيء، أدريان ولا...

    ماذا عن حياتك أنت؟ قاطعه الفتى.

    رمش أندير بعينه عدة مرات وغرق قليلاً في المقعد المبطن الذي كان يجلس عليه.

    لماذا تسألني ذلك؟ - أراد أن يعرف.

    لأنني وخوني لسنا أغبياء ونعلم أن الأمور ليست على ما يرام بينك وبين أمي. آمل ألا يكون من الضروري أن نضطر إلى تعذيبكما أيضًا لتتحدثا.

    نظر الرجل إلى أسفل وعبث بالقصاصة الورقية التي جلبها أدريان. شعر بثقل عيون ابنه عليه بينما لا يزال رأسه منخفضًا.

    هناك أشياء معينة لا تفهمها والدتك... أو لا أعرف كيف أجعلها تفهمها.

    إنه بسبب التبديل، أليس كذلك؟ أمي لا تنظر إلى سفر خوني بتفاؤل.

    وأنا أفهم ذلك، لكنني لست مختلفًا عن أي عضو آخر في المجلس، أدريان. ومثلما شارك أطفالهم، يجب أن تشاركوا أنتم أيضًا.

    أعلم ذلك. لكن الأمور أكثر توتراً مع النوكتيس، أليس كذلك؟ أو هكذا يقال في كل مكان. مع مسألة حروبهم...

    تجاهل وسائل الإعلام الشعبية هذه، يا بني. لطالما كان التوازن بين اللوزاروس ونوكتيس معقدًا إلى حد ما. نحن مختلفون تمامًا ونشغل مساحة مشتركة، لكن هناك قوانين تحترمها جميع الأجناس ونعمل جنبًا إلى جنب للحفاظ على التعايش. لا يوجد سبب للبلبلة. حروبهم الداخلية هي شيء من الماضي البعيد والإشاعات التي تؤكد أنهم عادوا إليها ليست أكثر من خدع وأكاذيب.

    انحنى أدريان إلى الوراء في مقعده وظل صامتًا بينما أحضرت النادلة الصينية بكل ما طلب. ابتسمت المرأة بلطف وانسحبت بسرعة، بينما استمر أندير جامدا في مكانه. لم يسبق أن رآه أدريان على هذا الهوى: بدا في حالة ذهول وحيرة، بعيد كل البعد عن طباع الرجل الواثق الذي لا يرحم.

    أضاف بصوت لبق- عليك أن تتحدث معها وتجعلها تفهم-.

    كانت عينا والده الرماديتان تنظران إليه محاولتين استعادة بعض الشرارة التي كانت معتادة فيهما.

    لا تقلق. أنت تعرف كيف هي الجنيات، فهي تميل إلى المبالغة في كل شيء ولا تختلف والدتك. إذا اتخذت هالتي لونًا مريبًا، فقد حان الوقت للاستعداد لهطول الأمطار.

    يبدو الأمر كما لو أنهم قرءوا أفكارك. رهيب.

    أومأ أدريان برأسه قليلاً، رغم أنه لم يكن مقتنعًا بدرجة مقبولة. لقد سمع حتى الآن الكثير من المحادثات بين والديه، وعلى الرغم من أنه كان يعلم أن عملية التبادل قد أضيفت إلى العبء الذي يتحمله كلاهما، إلا أنه كان يعلم أيضًا أن هذا ليس سوى غيض من فيض. والحقيقة أنه استطاع أن يفهم كلاهما: فعلى عكس خوني، تمكن أدريان من فهم هالة الناس بشكل غامض؛

    ليس تمامًا بالوضوح الذي كانت أمه تُلمّ به، ولكنه كان واضحًا بما يكفي لفهم سخط المرأة عندما نفى أندير مرارًا وتكرارًا أنه كان قلقًا بينما كانت تحيط به هالة مظلمة ومبهمة. وبنفس الطريقة، كان على الطرف الآخر من هذا النطاق الغريب وقد جعلته عدم قدرته على إخفاء مخاوف والدته يشعر بأنه مكشوف ومخترق.

    *****

    عندما عبروا عتبة الباب الأمامي، خرجت شخصية لورنا المذهلة لمقابلة ابنها. على الرغم من تأخر الساعة، إلا أنها كانت ترتدي ملابسها وتمسك مفاتيح السيارة في يدها، لذلك بدا أن كل شيء يشير إلى أنها كانت مستعدة للخروج.

    أدريان! تساءلت. بحق السماء، لقد اتصلت بك ألف مرة، أين كنت؟

    أمسكته من وجهه وفحصته بيأس، وكأنها تخشى أن تجد شيئًا يؤكد ما كان يخيفها، مهما كان سخيفًا.

    صحيح؟ سأل عابسًا. أخرج هاتفه الخلوي من حقيبته وتأكد أن والدته كانت على حق-. أعتذر، لقد خفضت مستوى الصوت بينما كنت أنتظر أبي ولم أفكر في... أنك ستذهبين للبحث عنا؟

    بطبيعة الحال.

    ظهرت خوني من خلف والدتها، مرتدية بيجاما وربطة عنق غير رسمية فوق رأسها. طوت ذراعيها، متكئًة على إطار الباب المؤدي إلى غرفة المعيشة، وأعطت والدها وأخيها بادرة استقالة سرية.

    لم تصل الساعة العاشرة بعد، لورنا. اهدئي- ألمح أندير.

    خلع الرجل سترته وعلقها على رف المعاطف بجانب المدخل، لكنه لم يكن غريباً على الريكتوس الغاضب الذي كانت توجهه زوجته.

    لم يكن لدى لورنا أجنحة، مثل العديد من بني جلدتها، جنيات الأرض، ولكنها عندما تغضب، كان لدى أدريان شعور دائمًا بأنها تكبر، كما لو أن بعض النتوءات قد تظهر فجأة على ظهرها وتنتشر في محاولة لتخويف والده. ما كان يميزها هو ذلك الوهج المحمر الخافت الذي يلفها، مثل التوهج الذي كان يكافح من أجل الاشتعال.

    هدئني- صرخت، منزعجة-. لمن كانت فكرة تناول العشاء بالخارج؟

    كانت فكرتي.

    تبادل أندير وأدريان نظرة سريعة بعد الرد متحدين، وهذا ما جعل معنويات لورنا أكثر توتراً.

    طلبت من أدريان القدوم إلى المقر عندما تخرج من المعهد.

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1