Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

واحترقت أوراق القضية
واحترقت أوراق القضية
واحترقت أوراق القضية
Ebook218 pages1 hour

واحترقت أوراق القضية

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

ننظر عن قُربٍ شديد لنرى مصر في الخمسينات من القرن الماضي، نرى تفاصيل الساعات الأولى من يوم السبت الأسود الذي تغيرت من بعده الأمور وتبدّلت عنده موازين القوى، نختبر مزيجًا من التشويق والدراما الاجتماعية في حياة شابٍ حالم يعشق وطنه إلى درجة لا تسمح له بالفرار.. حتى لو طالته نير ان المعارك الخفيّة.. نكتشف أسرار ما حدث في قضيةٍ شهيرة هزّت الرأي العام قبل أن تحتـ ـرق أوراقها في غياهب الماضي.
يخطو "واصل" بطل هذه الحكاية أولى خطواته داخل قاهرة المُعز في فترةٍ خاصة جدًا من التاريخ بأسراره الدفينة الغامضة، أملًا في استعادة حُلمه الضائع، لكن الحياة تقف أمامه ندًا لنِد، وتجعله يتلبس روحًا ليست روحه، لعله يصل إلى حقيقة صارت خفيّة عن الجميع.
Languageالعربية
Release dateMar 28, 2024
ISBN9789778063677
واحترقت أوراق القضية

Related to واحترقت أوراق القضية

Related ebooks

Reviews for واحترقت أوراق القضية

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    واحترقت أوراق القضية - محمد عبد العال

    واحترقت أوراق القضية

    محمد عبد العال الخطيب: واحترقت أوراق القضية، رواية

    الطبعة العربية الأولى: يناير ٢٠٢٣

    رقم الإيداع: ٤٢٠٠ /٢٠٢٣ - الترقيم الدولي: 7 - 367 - 806 - 977 - 978

    جَميــعُ حُـقـــوقِ الطَبْــعِ والنَّشرِ محـْــــفُوظةٌ للناشِرْ

    لا يجوز استخدام أو إعادة طباعة أي جزء من هذا الكتاب بأي طريقة

    بدون الحصول على الموافقة الخطية من الناشر.

    إن الآراء الــــواردة فــــي هـــذا الكتــــاب

    لا تُعبـــر عــن رؤيـــة الناشـــر بالضـــرورة

    وإنمــا تعبــر عــن رؤيــة الكــــاتب.

    © دار دَوِّنْ

    عضو اتحاد الناشرين المصريين.

    عضو اتحاد الناشرين العرب.

    القاهرة - مصر

    Mob +2 - 01020220053

    info@dardawen.com

    www.Dardawen.com

    محمد عبد العال الخطيب

    واحترقت أوراق القضية

    روايــــــــة

    (١)

    القاهرة ١٩٥١م

    هناك بداية لكل شيء، والبداية هنا هي لحظة وصول هذا الفتى القروي للمدينة الكُبرى، فتى يحمل اسم «صالح أحمد علي»، ولسبب ما يدعوه الجميع باسم «واصل» حتى التصق به وصار أكثر ما يُعبر عنه، فتى من صعيد مصر، لا يتجاوز السابعة عشرة من العمر، شعره قصير، وعيناه واسعة، بنية اللون، قوي البنية لدرجة تجعلك تظنه في منتصف العشرينيات؛ فعضلاته المفتولة، وقامته الفارعة تمنحك الانطباع بأنه رجل حقيقي مرتاح البال، لكن ثقوب ثوبه المهلهل تقول عكس ذلك، استقل «واصل» القطار؛ فرارًا من ضيق العيش في بلدته سوهاج، إلا أنه لم يستقله كباقي المسافرين وإنما استلقى على سطح إحدى العربات؛ هربًا من دفع المال الذي لا يملكه في تذكرة السفر، لا يعلم ماذا سيحدث، أو ما تحمله له الأيام؟ لا يملك قريبًا، أو صاحبًا يتجه له، ولكن كل ما يعلمه، أن هذا القطار يتجه إلى الجنة، إلى مصر! استلقى على ظهره بينما يلفحه لهيب الشمس، ويتصبب عرقًا، لكن هذا أقل قسوة بكثير من صعوبة العيش، وضيق الرزق في قريته..

    «واصل» هو الابن الثاني في ترتيب إخوته، لكنه من يعولهم في حقيقة الأمر؛ إذ إن أباه صار عجوزًا غير قادرٍ، وربما خطؤه الأكبر هو إنجاب هؤلاء الأولاد دون مصدر رزق حقيقي يضمن بقاءهم على قيد الحياة الكريمة..

    أما أخوه الأكبر فقد أصيب بالعمى الذي خطف بريق عينيه، وانقطع إنجاب والدته ثماني سنوات من بعده، كأنه جاء وأغلق باب الرزق خلفه كما يفكر والداه البسيطان، تلك هي الحياة الريفية التقليدية التي وجد واصل نفسه يحياها كأنه في رواية قديمة عن فتى متمرد يحيا في سجن الريف..

    اختبر «واصل» ثماني سنوات فقط في كنف العلم حين نال قسطًا من التعليم في كُتّاب القرية، حتى حدثت المعجزة وجاء الابن الثالث لكن المولود كان بنتًا فلم يعتبرها والده عزوة، وأسقطها من العدد، وكأنه لا زال يملك ولدين فقط، فاستعاد الرغبة في الإنجاب مرة وثانية وثالثة؛ أملًا في إنجاب الذكر الذي يعوضه عمن سبقته. والذي جاء هو الآخر ليدور في ساقية الرز مثله مثل أبيه وأخواته، لكنه صار يحرث إحدى الأراضي، ووالده يحرث أرضًا أخرى؛ حتى لا يحتسب ناظر الأرض أجرتهما كأجرة شخص واحد، إلى أن صار الوقت الذي يجمع الأب بأولاده هو عندما يفترشون الأرض؛ لتناول الطعام، ثم يفترقون ولا يلتقون مجددًا إلا عند غروب الشمس؛ كي يتناولوا فتات الطعام، ويغيب «واصل» عنهم كي يستغرق في نومه حتى لليوم التالي، لم يكن هناك ما يجمعه بأبيه فلم يكرهه، لكنه لم يشعر بحبه يومًا، وإنما كانت أعينهما تتلاقى أحيانًا دون أي ردة فعل، فلا يعلم إن كان والده راضيًا عنه أم ساخطًا عليه.. ولكن لماذا يسخط عليه.. وقد لفحت الشمس جبهته وأتلفت الفأس قبضة يده؟!

    كان واصل يحيا أسيرًا، لا يشعر بحريته إلا عندما يلتقي جسده بأمواج الرياح، فيُلقي كتلة الهموم بها، الهموم التي استحوذت على روحه وطموحه وخاب معها أي أمل ورجاء، كان يضرب بيده الماء في الأرض وكأنه يتحدى الجميع بقبضاته القوية، كأنه يتحدى ناظر الأرض الذي يقهر والده في أجرته، ويسيطر على مصدر معيشته، بل ويتعدى عليه بالصفع والضرب إن تأخر في جني المحصول وتسليمه أو تسبب دون قصد، في إتلاف بعض المزروعات، حتى مع أمارات الشيخوخة والوهن التي تظهر على جسده، الغريب أن واصل لم يشكُ وإنما كان يعلم أن هذا الرجل القاسي يستمد قوته من الباشا، صاحب الأرض، الذي يولِّي عليهم قساة القلوب، وسارقي العرق، إضافة إلى الخفراء الذين يدّعون حمايتهم، رغم أنهم في الحقيقة يحمون مصالحهم، يلوحون بفقرهم أحيانًا، ولكن ما تتاح لهم الفرصة حتى ينقضّوا على هؤلاء المساكين ويعكسوا زيف نفوسهم، وأخلاقهم، ولهذا كان قلب واصل يتمزق، فحتى الفتاة التي أحبها اختطفها أحدهم للزواج جبرًا وكرهًا عن الفتاة، رغم أنها لم تتجاوز الثانية عشرة.

    تعلو أنفاسه وتهبط وتتسارع دقات قلبه شاعرًا بلذة الانتصار كلما ضرب الأرض ضربًا في غضب أثناء الحرث، قبل أن يستلقي بجسده عليها ناظرًا إلى السماء في كل مرة والإرهاق يملأه جراء المعركة، بينما يتمتم قائلًا: «الآن وقد أنهيت على أعدائي يتبقى حلمي، سأحلق في السماء، يا ليتني كنت طيرًا مثل هذه الطيور، بعيدًا عن عزق الأرض وحرثها، بعيدًا عن الروث، بعيدًا عن الذل!!، ليس هناك ظلم في السماء، لم نسمع عن قاتل أو مقتول، حارق أو محروق، لا ظالم أو مظلوم، فليرحمني الله ويطلق عنان جسدي للسماء!». ثم يرتدي جلبابه المهترئ، عائدًا للمنزل متحاشيًا عين والده التي تكاد تخترق صدره بنظرة عميقة، تكشف رغباته وأحلامه، فقد كان يشعر بعدم رضاه عن حاله وما هو عليه، كان يشعر بهذا النفور، ويتوقع منه الهجر والنكران للمكان وأصحابه.

    * * *

    لم يهتز «واصل» عندما أطلقت أبواق القطار صافرتها وأخذ يحادث نفسه مؤكدًا: «يومًا ما سأعود يا والدي».

    لم يشعر طوال رحلة القطار بالجوع؛ فقد اعتاد عليه، وإنما كان كل ما يخشاه أن ينتبه له أحد عندما يقف القطار بإحدى المحطات، ولهذا كان يستلقي بشكل كامل على سطح القطار، يُمعن النظر في السماء- متحاشيًا النظر لأشعة الشمس- عسى أن يتحقق حلمه ويصير إحدى هذه الغيوم أو طيرًا حرًّا، يدعو الله ألا يراه مفتشو المحطات التي يصل إليها القطار رغم أنه لا يعلم إن كان قد اقترب من محطة الوصول أم لا.. فهذه هي المرة الأولى التي يخرج فيها من بلدته، وقد ظل غارقًا في تساؤلاته حتى أخذ القطار يطلق صفارته عدة مرات متواصلة، وحين اعتقد أنها واحدة من المحطات التي يقف عندها القطار، فرفع رأسه بضعة سنتيمترات حتى رأى ما أدهشه، إنها أبواب الجنة بلا شك!!.

    كان يعلم أن هناك سكة حديد، ولكن لم يعلم أن هناك محطة في اتساع محطة مصر ثم أدرك أن هذه هي نهاية الرحلة؛ فلا طريق ولا سكة أمام القطار، أخذ يتلفت يمينًا ويسارًا، ثم قفز في سرعة وسط حشود المسافرين، وخطا عدة خطوات مشدوهًا بالحشود، فلاحين، وأفندية، مشردين، وبائعين، حوائط تدعمها أعمدة حديدية، سقف شاهق من الحديد الخفيف، أخذ يواصل السير مشدوهًا حتى ارتطم بإحدى السيدات التي زادت دهشته بلون شعرها البني المموج وثوبها الرمادي القصير الذي لم يرَ مثله أبدًا في بلدته..

    لم تمضِ ثوانٍ حتى أيقظه من هذا الحلم العارض، صراخ أحد الحمالين «حاسب يا بلدينا» فقد كان يعترض طريقه، حتى انتبه له وحاول أن يعتذر فارتطم بآخر فتح لجام غضبه وسبه: «ما تفتح يا أعمى» وقبل أن يتمكن من الرد ظل المسافرون يصطدمون به؛ فهرول نحو الاتجاه الوحيد الذي يراه ويدفعونه إليه دفعًا، كأن أبواب الجنة تدعوه لهذا الاتجاه الإجباري..

    بلغ الأبواب ونظر إلى السماء، وكأنه يراها لأول مرة، نعم فهذه سماء الجنة، لكن عقله لم يستوعب هذه الأمواج من البشر، ما هذا الكم، وهذه الأشكال، والألوان؟! الجميع جاء يطرق الأبواب، فأخذ يتساءل هل يَعبر أم يعود؟ وإن عَبر فأين يذهب؟ فقد كان يدرك أنه إن اجتاز تلك الأبواب لن يعود إلى بلدته إلا بعد سنين، ولكن لم يمهله أحد وقتًا للتفكير، وإنما ارتطم به آخر وصاح به، فتذكر عندما كان الأفندي ناظر الأرض يصيح بوالده الذي يصبح كمن أصابه مس شيطاني للتو، فيتقلص طوله، وينحني برقبته لأسفل بحثًا عن مخبأ، ثم يجلس في هدوء.

    وعلى نفس الشاكلة كانت هذه هي ردة فعل «واصل» الذي جلس إلى أحد أركان أبواب المحطة؛ انتظارًا لعبور تلك الموجة البشرية التي لا ترحمه من السباب والإهانات، ولم تمر دقيقتان حتى ظهر من يخشاه، رجل يرتدي بدلة ميري سوداء ويعتلي رأسَه طربوشٌ، ويحمل على كتفه بندقية كالتي يحملها غفير الأرض التي كان يحرثها، ولكن هذا الرجل كان أكثر أناقة بالتأكيد، انكمش «واصل» أكثر وأكثر حتى تمنى الاختفاء تمامًا، ثم حاول أن يتظاهر بالغباء فأشاح بنظره عن الرجل، حتى اتضح أن الرجل يتجه إليه قاصدًا إياه، إلى أن وقف العسكري على بُعد قدمين منه وهو يأمره بالذهاب لأن الجلوس هنا ممنوع.. فلم يجادله واصل، وإنما انطلق إلى خارج الباب الحديدي للمحطة، كما كان يفعل عندما كان صبيًّا يُنهي عمله في الأرض، فينطلق هو ونظراؤه ليحتضنوا أمواج ترعة قريته بكل شغف، صار الآن خارج الأسوار، خارج محطة الباب الحديد(١)، وداخل المحروسة، حيث العديد من الأشخاص، أفندية، وفلاحين وصعاليك، من بينهم سيارات تمر في مشهد سريع لا يلتفت إليه أحد لاعتيادهم عليه، بينما وقع نظره على المبنى الإداري للسكة الحديد المواجه للمحطة، وقد ارتسم عليه الشعار الخديوي- وقت إنشائه- حتى انتبه في لحظة أنه يقف أمام ما افتقده منذ فترة! إنه الطعام!!

    فإلى جانب المبنى الإداري الزاهي بألوانه المتناسقة، والمكتوب أعلاه بخط عريض جملة «سكك حديد الحكومة المصرية»، يقف رجل بجلباب أبيض ملطخًا بالطعام، والذي يرتدي فوقه من الأمام ما يشبه القميص الأبيض بأكمام، بعقدة مربوطة من الخلف، وجيب أمامي كبير يضع فيه الرجل القروش التي يدفعها له الزبائن، وأمامه ما يشبه الطاولة، وعليها أسبتة متجاورة مستطيلة، مصنوعة من الخوص والتي يفترش عليها بعض أطباق الفول، والطعمية، والمخللات، وأرغفة العيش، وإلى جانبه زير من

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1