التصوف

By يوسف زيدان

للناس فى فهم التصوف مسالك ودروبٌ تصل بتنوعها إلى درجة التناقض. فمن الناس من يرى في التصوف منتهى التدين وغاية الطريق العارج من الإنسان إلى الله، وفي المقابل يراه آخرون باباً من أبواب الهرطقة والإلحاد .. وبين أولئك وهؤلاء مواقف عديدة من هذا الاتجاه الروحي الذي اصطُلح على تسميته بالتصوف..لذا جاء هذا الكتاب كما لو كان ظاهر غايته بسيط، وهو التعريف بالتصوف والصوفية. في حين أنها فى حقيقة الأمر غايةٌ صعبة المنال، إذ يصعب أن تحيط اللغة بجوهر هذا الطريق الروحي المتفرد، المحلِّق بالتجربة الدينية في سماوات الحضرة الإلهية التي تعلو على أحكام الحس والمنطق.

• Language: العربية
• Publisher: Nahdet Misr
• Release date: Jan 1, 2013
• ISBN: 9788339715635

Book preview

الغلاف

يوسف زيدان

التصوف

نشر الكتاب الإلكتروني 2017

نشر بواسطة دار نهضة مصر للنشر

حقوق التأليف والنشر محفوظة © لدار نهضة مصر للنشر

حق النشر

التصــــوف

تأليــــف: د/ يـوســف زيـدان

إشـــراف عــام: داليـــا محمــد إبراهيــم

جميــع الحقــوق محفـوظــة © لدار نهضة مصر للنشر

يحظـــــر طـبــــــع أو نـشـــــر أو تصــويــــر أو تخـزيــــن

أي جــزء مــن هــذا الكتــاب بأيــة وسيلــة إلكترونية أو ميكانيكية

أو بالتصويـــر أو خــلاف ذلك إلا بإذن كتابي صريــح من الناشـــر.

الترقيم الدولي: 7-4676-14-977-978

رقـــم الإيــــداع: 2013/22799

الطبعة الثالثة: ينايــــر 2014

Arabic%20DNM%20Logo_Colour%20Established%20Black1.eps

21 شارع أحمد عرابي - المهندسين - الجيزة

تليفـــون: 33466434 - 33472864 02

فاكـــــس: 33462576 02

خدمة العملاء: 16766

Website: www.nahdetmisr.com

E-mail: [e-mail]

فــي محــل الإهـداء

ها هي خطوة أخرى على دربِ الترقِّي من نطاق الثقَلِ،

الذي قد يُحتمل، إلى أفقِ التجاوزِ وخِفَّةِ الكائن..

تلك الخِفَّة التي لا تحتمل!

يوسف زيدان

تَــوطئـــــــةٌ

لهذا الكتاب غايةٌ تبدو من ظاهرها بسيطة، هي التعريف بالتصوف والصوفية. غير أنها في حقيقة الأمر غايةٌ صعبة المنال، إذ كيف يمكن نوال منال بعيد في جوهره عن مقدرة اللغة على الإحاطة بهذا الطريق الروحي المتفرد، المتجاوز، المحلِّق بالتجربة الدينية في سماوات الحضرة الإلهية المفارقة لأحكام الحس والمنطق.

وللناس في فهم التصوف مسالكُ ودروبٌ تصل بتنوعها إلى درجة التناقض، فمن الناس من يرى في التصوف منتهى التدين وغاية الطريق العارج من الإنسان إلى الله، وفي المقابل يراه آخرون بابًا من أبواب الهرطقة والإلحاد وهتك أستار الشريعة. وبين أولئك وهؤلاء مواقف عديدة من هذا الاتجاه الروحي الذي اصطلح على تسميته بالتصوف.

وللطريق الصوفي ذاته مسالكُ ودروبٌ، هي من الكثرة والتنوع بحيث تصدق عليها العبارة القائلة «الطرائق إلى الله على عدد أنفاس الخلائق» فلكل صوفيٍّ، شيخٍ أو مريد، علاقةٌ خاصة بالله وسبيلٌ شديدُ الخصوصية. وأهل الطريق الصوفي يبررون هذا الأمر بأن القلوب كالمرايا التي تنعكس عليها التجليات الإلهية في الكون. والله، الذي هو كل يوم في شأن، لا يتجلى على عبدين بصفة واحدة، ولا يتجلى بصفة واحدة على عبدٍ مرتين. فانظر إلى هذا البث الإلهي الذي يغمر الكون، لتعرف كيف تتنوَّع السبل إلى ربِّ الأكوان.

وللصوفية تراثٌ هائل، منه ما هو مطبوعٌ متداول، هو الأقل، والأكثر لا يزال مخطوطًا يصعب الوصول إليه خلف خزانات الكتب العتيقة. وهو في مجمله تراثٌ متنوِّعٌ بين النثر والشعر والعبارات الرمزية ذات الطابع الشعري، منه ما كُتب للمريدين والمبتدئين في سلوك الطريق، ومنه ما كتبه كبار الصوفية لكبار الصوفية رمزًا، ومنه ما كتب بغَير قصد الكتابة مثل ما دوَّنه الأتباع من كلام شيوخهم، ومنه مافيه شرحُ الشرَّاح لدقائق المسائل الصوفية.. ومنه ما فيه ما فيه!

وفي هذا الكتاب فصلان، الأول محاولةٌ لتعريف كلمة التصوف بكل ما تحتوي عليه من دلالات ثرية ورؤى متنوعة. والفصل الآخر استعراضٌ لبعض ملامح الطريق الصوفي وتبيانٌ موجز لأشهر الطرق الصوفية وأوسعها انتشارًا.. وقد أعددتُ هذا الكتاب أولَ مرة، على عجل، لتنشره هيئة قصور الثقافة بمصر، في طبعة رخيصة السعر للشباب، ضمن سلسلة (كتب الشباب) التي لا أعرف إن كانت لا تزال تصدر أم توقَّفت مع جملة ما توقف بعد ثورة يناير! وقد نفدت طبعتها في أيام، ومضت بعد ذلك سنوات حتى أرادت نهضة مصر إعادة نشر الكتاب مجدَّدًا.

والله المـوفــق،

د.يوسف زيدان     

الفصــل الأول: طبيعــــة التصــــوف

اهتم القدماء والمحدثون بتعريف التصوف وتحديد مفهومه بدقة، فجاءت تعريفاتهم كاشفةً عن نواحٍ جزئية وتفاصيلَ بعينها، دون أن ينجحَ تعريفٌ واحد في الإحاطة بمفهوم التصوف.. وليس ذلك بالمستغرب، فللتصوف مفهومٌ من الاتساع بحيث لا تكاد اللغة تحيط به، فآونة يرادف العلو، وحينًا يدل على الغوص، وقد يُقصد به الارتقاء بالخبرة الدينية لمستوى أعلى من ظاهر العبادات، وقد يراد به التعبير عن التعمُّق في التجربة الإنسانية بما يتجاوز حدود المحسوسات، وهو يرتبط بالدين.. وربما ارتبط بالدنيا ! قال نزار قباني في قصيدة له:

حبك يا عميقة العينين

تطرُّفٌ

تصوُّفٌ

عبادة

حبك مثل الموت والولادة

صعبٌ أن يُعانى مرتين

ولو أخذنا في تأمل التصـوف باعتباره إبداعًا إنسانيًّا متميزًا ظهـر في الحضارات الإنسانية كافة، لكان من المستحيل تعريفه، فقـد ظهر عند الهنود القدماء مرادفًا لحالة الترقي الروحي المعروفة باسم النرفانا، وتجلى في التراث المصري القديم باسم الكهانة، وعرفه قدامى اليهود باسم القبَّالى، وهو في الفلسفة اليونانية معروف باسم الغنوص وفي المسيحية باسم الرهبنة.. والمسلمون عرَّفوه باسم التصوف.. وكلها تسميات دالة على جوهر واحد، هو محاولة الإنسان الوصول من الأرض إلى السماء.. من الفاني إلى الباقي.. من الوهم إلى الحقيقة.. من المحدود إلى اللانهائي.. من الخلق إلى الخالق.

ومن هنا -وخشية التوغُّل في تلك المفاوز والتيه في هذه الدروب- سوف نقتصر فيما يلي على تناول مفهوم التصوف ودلالاته عند المسلمين.

أَصْلُ التسمية:

أفرد مؤرخو التصوف ودارسوه فصولًا عديدة للبحث في أصل كلمة التصوف من خلال مجموعة تعريفاتٍ ومفاهيمَ، تسعى في جملتها للكشف عن طبيعة هذه التسمية واشتقاقاتها ومصادرها[1]. ودون الإسهاب في عرض (التعليلات) المتعدِّدة لكلمة التصوف، سوف نجملها فيما يلي:

القول بكون التصوُّف مشتقًّا من الصوف الذي كان رداء الأنبياء