Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

مقهى ريش: عين على مصر
مقهى ريش: عين على مصر
مقهى ريش: عين على مصر
Ebook1,636 pages11 hours

مقهى ريش: عين على مصر

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يتناول الكتاب مصر وتاريخها القديم منذ حصن بابليون وفتح مصر والقاهرة الخديوية والطراز المعماري لها من رحابة الميادين، وما فيها من تماثيل، إلى الكباري والعمارات وتصميمها مثل عمارات ميدان طلعت حرب.. ومرورًا بمقاهي القاهرة وتاريخها منذ بداية ظهورها، ومرورًا بملاكها وأثر تلك المقاهي وروادها على الحركة الأدبية والسياسية لمصر، وخاصة مقهى ريش الذى هو جزء من ذاكرة مصر وحكاية مكان.
Languageالعربية
PublisherNahdet Misr
Release dateJan 1, 2021
ISBN9789771460404
مقهى ريش: عين على مصر

Related to مقهى ريش

Related ebooks

Reviews for مقهى ريش

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    مقهى ريش - ميسون صقر

    الغلافRish-0001.xhtml

    ريش

    العنـــوان: مقهــى ريــش

    عيــن علــى مصــر

    تأليــــف: ميســون صقــر

    إشـــراف عـــــام: داليـــا محمـــد إبراهيـــــم

    جميع الحقوق محفـوظـة © لـدار نهضـة مصـر للنشـر

    يحـظــر طـــبـــع أو نـشـــر أو تصــويـــر أو تخــزيــــن أي جـزء مـن هـذا الكتـاب بأيـة وسيلـة إلكترونية أو ميكانيكية أو بالتصويــر أو خـلاف ذلك إلا بإذن كتابي صـريـح من الناشـر.

    الترقيم الدولـي: 978-977-14-6040-4

    رقـــم الإيــــــداع: 2021 / 21777

    طبعة: أكتوبر 2021

    Rish-0002.xhtml

    21 شارع أحمد عرابي - المهندسين - الجيزة

    تليفــون: 33466434 - 33472864 02

    فاكـــس: 33462576 02

    خدمة العملاء: 16766

    Website: www.nahdetmisr.com

    E-mail: publishing@nahdetmisr.com

    مقدمة

    مقهـى ريش

    عين على مصر

    والعين عليها حارس، وعين الحسود فيها عود، وقولوا لعين الشمس ما تحماشي، وعيني يا عيني على الولد، وعين شمس، وعين الصيرة، والعين السخنة، وعين السلسبيل، وعينيه بتدمع وقلبي بيبكي، وعين حورس، وعين الحقيقة، وعين الحياة، وأنف وثلاث عيون، وعيون موسى، ومجرى العيون، وعيون القلب، وعيون بهية.

    الفهرس

    تمهيد

    القاهرة، في العصور القديمة، مدينة الشمس، الفترة الرومانية (حصن بابليون) موقعه، قصة حصن بابليون، فتح مصر: مدينة الفسطاط، مدينة العسكر، مدينة القطائع، المنصورية هي القاهرة، أسوار وأبواب القاهرة، القاهرة الخديوية، خطبة إسماعيل عند تولي العرش (برنامج عمله)، شارع عبد العزيز، أو طريق السلطان العثماني عبد العزيز.

    الفصل الأول

    القاهرة الخديوية

    ملامح التيار الحداثي: التنوع والطرُز المعمارية، حدود القاهرة الخديوية، المناطق المتاخمة للقاهرة الخديوية من الحدائق(حديقة الأورمان، حديقة الحيوان)، من الشوارع: (شارع مصر العتيقة، قصر الدوبارة، قصر البستان). رحابة الميادين، ميدان التحرير أهم معالم ميدان التحرير، ميدان الأوبرا، أهم معالم ميدان الأوبرا، ميدان طلعت حرب، تاريخ ميدان طلعت حرب، ملامح الجمال في الميدان، امتدادات الميدان والشارع. أجمل كباري العالم: كوبري قصر النيل، تماثيل قصر النيل، هنري جاكمار، كوبري الجلاء، كوبري إمبابة، كوبري أبو العلا، كوبري عباس. التماثيل.. حُرَّاس الميادين، تمثال إبراهيم باشا، لوحتا قاعدة الميدان، تمثال إبراهيم باشا وفتوى الشيخ المهدي، نقْل تمثال إبراهيم باشا قائد الجيش، تماثيل ميدان طلعت حرب، تمثال سعد زغلول، تمثال لاظ أوغلو، تمثال مصطفى كامل، تمثال محمد فريد، تمثال ميدان التحرير، النافورة والكعكة الحجرية. عن عمارات وسط البلد، بدايات وتاريخ: بعض مصمِّمي عمارات وسط البلد أنطونيو لاشياك، كاستامان، جوزيه جوسيبي ماتزا، فروتشي بك، ماتاسك، ماريو روسي جاستون روسي: مصمِّم الإيموبيليا، عمارة الإيموبيليا، مارسيل دورنون، جارو باليان، عمارة يعقوبيان، ليو نافيليان، ف. إيرلانجر، ألكسندر مارسيل، جورج بارك، ماركو أوليفيتي، جوزيبي تافاريللي، دومينيكو ليمونجيلي، بياترو أفوسكاني، فرانسسكو باتيجلي.

    * بعض أوائل المصمِّمين المصريين: علي لبيب جبر، حسن فتحي، محمد كمال إسماعيل، رمسيس ويصا واصف، نعوم شبيب، أبو بكر خيرت. بناية عمر أفندي نموذجًا، وأرقام بنايات تاريخية أخرى.

    عمارات ميدان طلعت حرب (نموذجًا): العمارات الرأسية في الميدان: عمارة صيدناوي والأخوين صيدناوي، عمارة «جروبِّي» وجياكومو جروبي، عمارة بهلر وبهلر، وفندق سافوي سابقًا (1900م)، وعمارة مقهى ريش، البنايات حاضنة الميدان: العمارتان 1 و 3 نصف القوس الأول، حاضن الميدان، عمارة رقم 1 ميدان طلعت حرب، عمارة رقم 3 في ميدان طلعت حرب، العمارتان 6 و 8 نصف القوس الثاني حاضن الميدان، عمارة رقم 6، عمارة رقم 8 ميدان طلعت حرب، فن الآرت ديكو، خاتمة القاهرة الخديوية

    الفصل الثاني

    المقاهي في حاضرة القاهرة

    (1) تاريخ المقاهي وبدايات ظهورها، مقاهي القاهرة، أنواع المقاهي: المقهى الشعبي، المقهى الإفرنجي، مقاهي الخرس في «ليلة عرس»، بعض المقاهي الشعبية، من فنون بعض المقاهي الشعبية، المقاهي الإفرنجية، إغلاق المقاهي، في رثاء المقاهي.

    (2) بين مقهيين: محل «جروبِّي»، رواد «جروبِّي»، ملتقى النخبة الثقافية والسياسية، فرع «جروبِّي» بشارع عدلي ذكريات رواد وعاملين، الأسرى الألمان، مقهى «ريش»، تاريخ المقهى: منطقة مقهى «ريش»، كل الطرق تؤدي إليه، تاريخ مقهى «ريش» (غناء وطرب وثقافة)، وصف مقهى «ريش»: في فضاء مقهى «ريش» (نظرة إلى الداخل)، (نظرة من الخارج) (واجهتان) واجهة إعلانية، واجهة وجدار، وصف المقهى حاليًّا، قاعتا مقهى «ريش»: القاعة الخارجية، القاعة الداخلية، القبو (الدور الأسفل)، جدران مقهى، نادلو مقهى «ريش»، مقهى «ريش».. وتميز موقعه، مقهى «ريش»..صورة الزمن القديم: اسم مقهى «ريش».. ودلالة كلمة «كافيه»، ترميم مقهى «ريش»، طبيعة المقهى قبل الترميم، بناء رصيف، الافتتاح والمئوية.. مقهى «ريش» يتألَّق من جديد، خاتمة وصف مقهى «ريش» .

    الفصل الثالث

    دفتر أحوال مقهى «ريش»

    أوراق مقهى «ريش» (قصص وروايات)، صفحات من تاريخ المقهى، وثائق مقهى «ريش» (البدايات والأوراق الأولى)

    1- عقود البيع والشراء (الأرض والبناية):

    وصف قصر الأمير: (حكاية قصر الأمير، جزء من حدود أرض الأمير)، الملكية الثانية لقصر الأمير، الملكية الثالثة لتقسيم قصر الأمير، بيان الأملاك، الحصة الأولى، حرف «أ»، الحصة الثانية، حرف «ب»، الحصة الثالثة، حرف «ج»، «د»، باغوص باشا نوبار، وقضية الأرمن، الملكية الرابعة، ملكية الأرض (قطعة ب) من قصر الأمير، ملكية الأرض (قطعة ج) من أرض قصر الأمير، الملكية الخامسة لقطعتي الأرض «ب» و «ج» من قصر الأمير، ملاحظات بشأن البيع.

    2- (البناية وملَّاكها): نشأة عمارة مقهى «ريش»:

    البناية، نشأة عمارة مقهى «ريش»، ملاك العمارة التي يقع بها المقهى: أحمد بك توكُّل، ومحمد علي أفندي، وسالم أفندي، محمد أفندي الجوهري، حسين أفندي البارودي، مسألة هدم العمارة، الملكية قبل الأخيرة السيد سعد عبد المجيد عطية، الملكية الأخيرة شركة الإسماعيلية للاستثمار العقاري، بعض الاستنتاجات والملاحظات.

    3- مقهى «ريش»، (المقهى وأصحابه):

    إنشاء المقهى، تسمية المقهى بمقهى «ريش»، أصحاب مقهى «ريش»، تسلسل أصحاب مقهى «ريش»: المستأجر الأول - صاحب مقهى «ريش» الأول، المستأجر الثاني: هنري بيير ريسينييه من عام 1914 – 1916، المستأجر الثالث: بوليتس عام 1916 - 1932، تنازل هنري والتعريف ببوليتس، طلبات الترخيص في فترة بوليتس، طلب تصريح بإدارة محل عمومي، التحرِّي حول المكان إلى فتوتلو أفندي، المعاينة، عدم وجود ممانعة في التصريح بإدارة المحل (القهوة) وانتقال الرخصة باسم بوليتس، طلب إضافة قطعة أرض فضاء للمقهى، فتح ملف لبوليتس، الدوسيه، الدوسيه رقم 8، المستأجر الرابع: مانولاكيس من عام 1933 -1942، تنازل بوليتس عن رخصة مقهى «ريش»، طلب مانولاكيس الحصول على تصريح إدارة المقهى، تجديد طلب تصاريح للمحل في فترة مانولاكيس، المستأجر الخامس: جورج أفيانوس واسيلي من عام 1942 إلى 1960: طلب رخصة من فاسيلي أفيانوس، وثيقة إخطار فتح محل عمومي لجورج فاسيلى أفيانوس، شهادة تحقيق الشخصية، شهادة تحقيق شخصية أخرى، إخطارات محل عمومي، قضية الأبواب والممر، المستأجر السادس: عبد الملاك ميخائيل وورثته من عام 1960 وإلى الآن، مقهى «ريش» مصريًّا، عبد الملاك ميخائيل، ميشيل عبد الملاك، مجدي عبد الملاك، فترة ميشيل عبد الملاك ومجدي عبد الملاك، أصحاب المقهى الحاليين.

    4- مقهى «ريش»، (من قاموا بإدارة مقهى «ريش»):

    المُدراء بالإنابة في فترة بوليتس:

    - إخطارات ووثائق لإدارة مقهى «ريش» أثناء سفر صاحبه ميشيل بوليتس: المخاطبات والمراسلات: الإخطار الأول في 20 يوليو 1920 إلى نيقولا ألكستولس، الإخطار الثاني في 13 سبتمبر 1923 إلى أسبيرو جورجي أسبيرو، الإخطار الثالث في 1 أبريل 1925 إلى أسبيرو جورجي أسبيرو، الإخطار الرابع في 19 مايو 1926 إلى أسبيرو جورجي أسبيرو، الإخطار الخامس في 9 فبراير 1927 إلى أسبيرو جورجي أسبيرو، الإخطار السادس 2 يونيو 1927 إلى جورجي بافلاكس، الإخطار السابع في 7 مارس 1929 إلى ميشيل ميخائيلسي أو ميخائيل، الإخطار الثامن في 17 مارس 1930 إلى ميشيل خريستو بسارديس، الإخطار التاسع في 6 مايو 1931 إلى ميشيل خريستو بسارديس، الإخطار العاشر تنازل (ميشيل بوليتس) عن رخصة مقهى وبار «ريش».

    -مراسلات بوليتس مع البوليس:

    بوليدس والموسيقى: الخطابات المتبادلة، الأهالي يمنحون الترخيص، فترة السعي لاستصدار التصريح، صراع بوليتس من أجل ترخيص عزف الموسيقى، تجاوز بوليتس رفض السلطات، استعانة بوليتس بمحام، تسلسل المخاطبات التي تقدَّم بها ميشيل بوليتس،(الطلب الأول، الطلب الثاني، الطلب الثالث، بوليتس متهمًا، الطلب الرابع، الطلب الخامس، الطلب السادس)، خاتمة مراسلات بوليتس، خاتمة عن ميشيل بوليتس وفترته، وثائق مقهى «ريش» والنظام الإداري، عن المحاكم المختلطة (المحاكم الأهلية، المحاكم المختلطة)، إلغاء المحاكم المختلطة بعد معاهدة 1936، خاتمة فصل أوراق مقهى «ريش».

    الفصل الرابع

    مقهى «ريش»

    1-مقهى «ريش» والسياسة:

    «الموقع»: (المقهى بوصفه موقعًا على ناصية المدينة وشاهدًا على أحداثها)، حول مقهى «ريش» (الحديقة والجوار حول الميدان)، نوافذ المقهى المفتوحة (اجتماعات ومناقشات ومظاهرات)، مقهى «ريش».. وثورة 19، التنظيم السري والاغتيالات، خطة الثورة، المكان السري في مقهى «ريش» ملاذ آمن للثوار، منشورات ثورة 1919، قضية عريان يوسف، من تاريخ مقهى «ريش»: شهادة كامل زهيري، الملك في النادي وحاشيته في مقهى «ريش»، لمحة عابرة عن المقهى وثورة 52، مقهى «ريش» وزمن الناصرية، مقهى «ريش».. مصريًّا!، سياسة المثقفين وهوياتهم، مقهى «ريش» مقرًّا لتجمع العرب والسياسيين واللاجئين، وزير خارجية.. من مقهى «ريش»! مراسل صوت اليونان الذي عرف نفسه، مواقف وطنية، هوامش على دفتر النكسة: أمل دنقل وقصيدة نزار قباني، مراجعات الكتَّاب والفنانين، عين بوليسية على مقهى «ريش»، وفاة ناصر، بيانات ومسيرات ومظاهرات، توفيق الحكيم وبيان المثقفين في فيلم مقهى «ريش» التسجيلي، بيان المثقفين اللاسلم واللاحرب، مشاركة الكاتبة صافيناز كاظم، لافتة إبراهيم منصور، احتجاج ثقافي، مظاهرة احتجاج ضد اغتيال غسان كنفاني، مقهى «ريش» والانفتاح الاقتصادي، مقهى «ريش» في زمن «السداح مداح»، تحولات الرؤساء/ تحولات مقهى «ريش»، الثمانينيات، بين اغتيال السادات وحكم مبارك، أزمة مقهى «ريش»/ زلزال ومؤامرات وإغراءات للبيع، الأزمة وإغلاق المقهى، على الشاطئ المواجه، افتتاح المقهى، مقهى «ريش» وثورات مصر الحديثة، مقهى «ريش» شاهد على الثورات والانتفاضات الشعبية في مصر، ثورتان على باب مقهى «ريش»، مقهى «ريش».. وثورة 25 يناير 2011، ميدان طلعت حرب ضد أخونة الدولة، بيان «من أجل الحفاظ على العقل الثقافي المصري»، وقفة أمام مجلس الشورى والبيان الثاني، البيان الثالث، مقهى «ريش» وثورة 30 يونيو 2013، مقهى «ريش».. يستعيد ألقه.

    2- ليالي الفن في مقهى «ريش»:

    أول الحكاية، مركز الحركة الفنية، الفرق الشعبية والغناء، سجل حافل لمقهى «ريش»، على مسرح مقهى «ريش»، حكاية سليمان نجيب، حسين رياض في مقهى «ريش»، الريحاني ومسرحية «خلي بالك من إيملي»، إعلانات مقهى «ريش»، إعلانات عام 1918، جوق عزيز عيد في مسرح مقهى «ريش»، فرقة عزيز عيد، إعلانات عام 1921، إعلانات أم كلثوم عام 1923، إعلانات عام 1924، أم كلثوم.. في مقهى «ريش»، أول نقابة للموسيقيين، كلود أدريانيسنس في مقهى «ريش»، ليالي الحلمية، عم سفينة، فيلم عن مقهى «ريش»، جدران مقهى «ريش»، زمن الصورة، حوار مع الشاعر أحمد فؤاد نجم عن شخصيات صور مقهى «ريش»، بهجوري.. موسيقي الخطوط المنسابة، رسوم كاريكاتورية، حوار مع المهندس عباس محمود.

    3- مقهى «ريش» الثقافي:

    مقهى «ريش» علامة على الواقع: الحراك الثقافي ومقهى «ريش»، الهامش رغم المركز، أجيال على مقهى «ريش» أثرت وتأثرت، مقهى «ريش» عاصمة ثقافية، مقهى «ريش» ملتقى جيل الستينيات، جيل السبعينيات خارج إطار مقهى «ريش»، مثقفو الثمانينيات: العبور الخاطف، أحداث ثقافية في مقهى «ريش» : نجيب محفوظ في مقهى «ريش»: ندوة نجيب محفوظ الأسبوعية: (تحياتي لمقهى «ريش» وأهله): 1 - في صحبة نجيب وندوته، مقر الإقامة الدائم، خط سير نجيب إلى المقهى، نجيب ودقة مواعيده، حكاية إدريس وأولاد حارتنا، محفوظ ونوبل، تهديد بالقتل، ومحاولة قتل، لقاء محفوظ مع «مزوِّر كتبه» في مقهى «ريش»، محفوظ وفترة مقهى «ريش» إبداعيًّا، السادات يستدعي نجيب محفوظ من مقهى «ريش»، الكرنك هو مقهى «ريش»، مقاهي نجيب: الكرنك وصلاح جاهين، نجيب وعهدا ناصر والسادات، 2 - في صحبة محفوظ وندوته: صداقات ومجايلون، يحيى حقي مديرًا لمحفوظ توفيق الحكيم، و«الحماس العاطفي»، دفتر اللقاءات الخاصة، نبوءة المبدع، الجمعة بعد رحيل محفوظ عن مقهى «ريش»، شهادة يوسف القعيد، شهادة محمد البساطي، شهادة بهاء طاهر، إغلاق مقهى «ريش» انحراف البوصلة، مقهى «ريش» والإبداع: المجلات الثقافية مجلات أدبية من مقهى «ريش»: مجلة «الكاتب المصري»، دور ومهام مجلة «الكاتب المصري»، افتتاحية طه حسين، مجلة «الكاتب المصري» المفترَى عليها، بيان التوقف، دار «الكاتب المصري»، مجلة «المجلة»، يحيى حقي ومجلة «المجلة»، جمعية لمحبي يحيى حقي، مجلة «جاليري 68» (ثمرة جيل الستينيات): اليسار ومجلة «جاليري 68»، البيان الأول والعدد الأول، ولادة «جاليري 68»، تمويل مجلة «جاليري 68»، ملف إبراهيم أصلان، شهادة الكاتب يوسف أبو رية حول مجلات الماستر، نظرة عامة على المجلات الخاصة قبل «جاليري 68»، السريالية وجورج حنين ومجلات ما قبل «جاليري 68»، صالون «ريش»، تأبين محولجي الثقافة، صالون مقهى «ريش» الثقافي (ندوة تأبين الكاتب: إبراهيم منصور الثلاثاء: 20 / 4/ 2004)، إبداعات خرجت من مقهى «ريش»، كتب عن مقهى «ريش»، شعراء وقصائد ونبوءات، «برتوكولات حكماء ريش»، مثقف مقهى «ريش» في قصيدة، جيلان من الشعراء أقاموا في مقهى «ريش»: حجازي وأمل دنقل، خاتمة.

    (4) المقهى.. حاضن اجتماعي:

    في ضيافة مقهى «ريش»، إفطار الجمعة، مناسبات مقهى «ريش»، أيام مقهى «ريش»، الأنشطة وتوقيعات الكتب، قصص الحب في مقهى «ريش»، فلفل في مقهى «ريش»: فلفل «القدوة».. في سجل الشرف، ذكريات فلفل، بين الحكيم ومحفوظ، عناوينهم.. في مقهى «ريش»، مشاكسات في المقهى، مطعم مقهى «ريش».

    حوار مع المهندس عازر فرج.

    حوار بين محمد الفيتوري والكاتب عبد الله أحمد عبد الله.

    آراء حول الكتاب

    الكاتب والمفكر نبيل عبد الفتاح : سردية المقهى وسيوسيولوجية ثقافة المكان

    الكاتب والمترجم طه زيادة : قصة مكان، بين التاريخ الواعي والسرد الشفهي الحكواتي

    الشاعر والروائي صبحي موسى : سيرة كتاب

    الشاعر جمال القصاص : حكايات ريش .. عين على الحالة المصرية

    سيرة مختصرة عن الكتاب

    «اسمعوا منِّي بتأمُّل يا أحبَّائي، فإنِّي مضيفكم اليوم في وليمةٍ ملوكيَّة، سأطعمكم فيها غذاءً جبليًّا لم يعهده سكانُ المدن. أحرِّك أرغن لساني الضعيف وأحكي لكم سيرة ذلك المأساويّ (نيكولا) في ذلك الزمان البعيد، في بلدة لم يعد يستطيع أن يتذكَّرها الآن.. ذلك الذي كانت فاجعته في كثرة اندهاشه، وكان كلُّ شيءٍ يحدث أمام عينيه، جديدًا يلقاه بحبِّ الطفل، لدرجة أنَّه لم يتعلَّم أبدًا من التجارب!»

    (النشيد الملحميّ الاستهلاليّ)

    من رواية «فساد الأمكنة» لـ«صبري موسى».

    كانت فاجعتي -أنا أيضًا- في كثرة اندهاشي، وكان كلُّ شيءٍ يحدث أمام عيني، جديدًا ألقاه بحبِّ الطفل، لدرجة أنَّني لم أتعلَّم أبدًا من التجارب.

    للأماكن روحٌ تتنفَّس وحضورٌ يتجسَّد وحنينٌ يطاردُنا

    مفتتح

    في حياةٍ يومية لا يمكن أن تكتب منها عن كل شيء، لكنك تمرُّ مرورًا على بعض أحداثها تاركًا بعضها الآخر، وفي المقهى، الحياة اليومية هي حيوات لمجموعات من البشر تمرُّ وتستقرُّ وتعود في اللحظة الواحدة. كل منها له حكايات تُنسج من حكايات، والحكايات كثيرة عن أهمية المكان، والأفراد، واللحظة. لو أفردت لها مجلدات ما انتهت.. فكيف لك حصر كل ذلك؟!! هو جهد محدود لواقع في لحظته المدهشة فقط. فقط عينٌ ترى من زاوية.

    عينٌ ترى من زاوية

    تثيرُ الأماكن فكرة الانتماء، ويرتبط هذا الانتماء بفكرة الصورة/ التكوين، التي كانت عليها، والتي نحلم بها أيضًا، وإلى أي مدى أصبحت قريبة أو بعيدة عنَّا، أو عن الذكريات التي نشكِّلها في مخيلتنا، فالصور لها قدرة حميمة وفاعلة في التأثير على تصوُّرنا عن المكان في الماضي، تلتصق بالوجدان والروح.

    تحت هذه المظلة يبرز مقهى «ريش» كحالة متناغمة، خلقت تميُّزها من سرِّ موقعها وتفرُّده، وبقيمة روادها. هذه التجليات تمهِّد لنا الغوص بحبٍّ في روح المكان، واكتشاف تقاطعاته وتشكيلاته الحية في حركة المجتمع والزمن والأفراد.

    ربما يكون المثقف هو القادر على التقاط هذه الحساسية المرهَفة لروح المكان، التي امتزج فيها الثقافي بالسياسي والفني بالاجتماعي، مشكلًا حراكًا حرًّا للإبداع، قادرًا على إثارة الحوار بين أجيال مختلفة وأطياف شتى من المثقَّفين والمبدعين.

    كُتلٌ وتَجمُّعات ومجموعات تلتقي وتفترق، لكنَّ صوتَهم يظل يرنُّ في أرجاء القاعة، وأنفاسهم تظل عالقة بالكراسي والطاولات، وكأن كل نَفَس جديدٍ يستعيد صورة من كانوا هنا ورحلوا؛ في مزيج يتصاعد بين الماضي والحاضر، فمن جلس إلى هذه الطاولة أو تلك، لم يكن في حاجة إلى شهادة مَحَبَّة للمكان، حسبه أنه يأتي، يَعْبر ويمرُّ مع الضوء من خلال الزجاج والطريق المؤدِّي إليه.

    • مسارب الذاكرة الشفهية

    بدأت الأفكارُ لِتنتعشَ، وخُلقت الإبداعات لِتُفرزَ إبداعات أخرى، وظَلَّ الشجار في مقهى «ريش» مظهرًا إيجابيًّا أحيانًا، لما يفور في البدن والذاكرة والواقع. فالاختلاف من أجل قيمة يظل أكبر من فكرة الثبات والجمود. هكذا، يبقى بجمالياته آسرًا لنا، أكثر مِن فكرة مَن مَرُّوا، ومَن مكثوا، وما حدث فيه من نقاش وحكايات وشخصيات، فأن يتحوَّل المقهى إلى كيان يمتزج فيه الحقيقيُّ بما يضيفه الخيال، والفكرة بما تضيفه الكتابة إليها، فهذا يعني أننا إزاء مكانٍ له ذائقةٌ خاصة، تنتصب جدارًا صَلدًا ضدَّ النسيان والإهدار والغياب. فما علاقة ذلك بريش؟ وما انحيازه؟ وهل هو مجرد مَطعمٍ أو مَقهًى عادي؟ ثم هل هو محايد بطبعه؟

    لكونه مقهًى لا بدَّ أن يكون محايدًا غير منحاز، وما دام الأمر كذلك، فلماذا اهتم المقهى بفكرة صالوناته الثقافية، وقبلها الفنية؟ ولماذا هذا الحضورُ الكثيف من المثقفين حوله؟ ولماذا كانت جلسة نجيب محفوظ الشهيرة تُعقد فيه؟ لماذا هذه الصّور التي تقول واحدة منها على جدرانه: هذه أنا، فتتحرَّك صورةٌ أخرى مجاورة لتقول: وهذه أنا أيضًا؟ إنها أسئلة الهوية والخصوصية. ولقد أوجد مقهى «ريش» بذلك لنفسه بصمةً عميقة لن تُنسى مطلقًا في ذاكرة المقاهي.

    • اللمعة الأولى

    في المشهد العام نجد ذلك الثبات الواثق باستمراره، وكأنَّه جزءٌ حصين من فسيفساء عريضة لبنايات لن تتغيَّر (هذه حال كل المعالم الأثرية والمعمارية القديمة)، ورغم ما بُذل من أجل الحفاظ عليها، فإنها لم تستطع أن تحافظ على ذلك المزاج العام والمزيج المتجانس بل أصبحت رهينةَ القديم، تصارعُ من أجل انتزاع أحقية الاستمرار، بجانب أشكال متباينة من الخليط المعماري والحياتي، لا يتناسب مع عمقها التاريخي وجمالياتها الخاصة، فتبدو غريبة، متأسِّية بصمتٍ على حالها ووضعها، تحاول الحفاظ على ما تبقَّى منها؛ على اختلافها، وتميُّزها حتى مع هذا الخارج، الذي لم يعد يعيرها الاهتمام اللائق. لذلك يأتي الفصل الأول (من هذا الكتاب) التفاتًا لتاريخ هذه الأماكن بما كان حولها، وبداية توهُّجها وبريقها .

    إنَّ فكرة الجاذبية هنا ليست في المهمَّش والمهمل والمحدَّث، ولا في تناقض حاد بين المكتوب المخفي عن العين في صورة أشبه باليوتوبيا المسرودة شفهيًّا، تحت وطأة الإعجاب والمحبة، وبين واقع لا يمكن الجزم بأنه يتداعى، لكنه يفقد لمعته الحقيقية، بين واقع آخر يحيط به ويبتلع جمالياته في قُبح طاغٍ، ولا يراعي أن ثمة ماضيًا ثريًّا أنتج كلَّ هذا الجمال، وأنه ليس من الحكمة، بل ليس من الوعي بأبسط مقومات الحضارة أن نتركه يتآكل حتى يختفي ومن ثمّ يُنْسى، فيصبح هو والعدم سواء.

    في انحياز أخير لهذا الوضع مع قلة الحيلة والقلق الذي ينشأ من هذا الاختلاف المهول، بين ما هو حقيقي وقيِّم، وبين ما هو واقع لا محالة؛ أصبح «ريش» كأنه غريبٌ عن هذه الأماكن، غريبٌ عن مكانه، لا عن مكانته. فهذا المكان الذي أمامنا «ريش»، هو قطعة حية من الماضي ومن الحنين إليه، قطعة لا تزال تومض في مسارب الذاكرة الشفهية، عنه وعن زمنه الذي تآكلت معظم صوره الواقعية؛ مذكرًا بأن واقعًا آخر كان هنا، ومع ذلك لا يزال صامدًا بذكرياته وأجوائه، راغبًا في لحظة صفاء ليستعيد صوته ورائحته، كهيكل تغيرت حالته؛ في مكان تغيرت خريطته وجغرافيته وهويته، لكنه بكل هذه الذكريات التي أثقلت كاهِلَه، أصبح كخيال ظِلّ.

    • واقع كالخيال، وخيال كالواقع

    «الواقع أنَّ وضوح الصورة نفسه هو المشكلة، إذْ كلما تأكّدتُ أني أراها، قلّ إدراكي لها»(1).

    كوَّنت الصورة أولَ علاقة مباشرة مع هذا الزمن، وهذه الذكريات التي كان لها هدوءُ الصوت وجمال المحتوى ورقيُّ الحال. علاقة مباشرة مع فكرة المجاورة والالتحام والانفصال، في الوقت ذاته، بين ما هو موجود وصورته المعلَّقة في اللحظة نفسها، وبين صورٍ أخرى لأشخاص رحلوا، ولم تعد لهم غير ذكريات في بورتريهات بالأبيض والأسود، كحنينٍ للماضي دون خدش اللون للفكرة، إن هذه الصور قد لا تكون ذات علاقة بالمكان، لكنها ذات علاقة بالشخص الذي جلس فيه وخفق له قلبه. هذا ما نلمحه في صُور معلقةٍ على الجدران لفنانين ومثقفين وكتَّاب وشعراء ونقاد، اختلطت ملامحهم بالمكان، وتشرَّبت أنفاسهم عبقَه وروحه، فكانوا حينما يحضرون إليه يحسُّون بأنهم يُطلُّون على أنفسهم في كل ما يجري حولهم.

    هنا تتبدَّى تجليات الكتابة عن «ريش» التي في الذهن، التي في الخيال، بكل أطيافها. فمثلًا نجد مَن يكتب: «جلس محفوظ يرتشف وجوهًا عديدة من القهوة». إنها كتابة أدبية عمَّا يتصوَّره لا عن الواقع، أو أن: «البيانات والمنشورات التي طبعت في قبو المقهى» لمجرد وجود مطبعة فيه. إن هذا لا يدل إلَّا على تنامي الفكرة وتداعيها في الوقت نفسه حتى وإن كانت صحيحة، حتى لو عن حكايات ملموسة، وأخرى محسوسة بين ثنايا المكان.

    هذه الضفيرة من الشوق الإنساني الحر، وفي قالب جمالي يضفي «سحرية» خاصة بها، تجعلنا حين نتحدَّث عن «ريش» نتنقل عفويًّا بين واقعٍ كأنه الخيال، وخيالٍ كأنه الواقع.

    فهناك إذًا فاصل تاريخي، وهناك تاريخ للكتابة بين ما كُتب عن «ريش» وتاريخ «ريش» ذاته، قد نلمح منها أن للمكان قيمةً أكبرَ من الموجود، قيمة ترتبط بالذي حدث، وانتهى، وكُتب، وتكرَّرت كتابته؛ من أجل أن يظل ثابتًا لا ينمحي كما انمحى الزمن الماضي وذاكرته والحدث.

    «فحكايات ريش في الواقع، موازيةٌ لها في الماضي»، كما لو أنها الواقع الحاضر الذي يصبح الحضورُ الشفهيُّ لحكايته فيه، والكتابة حوله، بمثابة لغةٍ حية، قادرة بفضائها المحدَّد على أن تستعيد الذاكرة والحلم معًا، وتفتح لهما نافذة جديدة في جسد الحياة.

    • صور الحنين

    ما حدث من انزواءٍ لحالة المقاهي، عَكَس انزواءً لتاريخ كامل، وظهور حالات منفصلة عنه، تقوم على فكرة التفكيك والمحو لصالح ترسيخ فكرة أخرى، وإلغاء ذلك التاريخ، والثبات في حالة مؤقَّتة، لتأتي حالة أخرى تمحوها، بالرغم من أن ذلك حادث في كل شيء، بدْءًا من التكنولوجيا المتطورة التي تلغي السابق منها، والحروب التي تدمر الماضي، لينشأ الحاضر بلا ذكريات (على النقيض مما يحدث في المجتمعات التي تحافظ على تاريخها وذاكرتها).

    هنا تتحوَّل الكتابة إلى كاميرا تلتقط الصور التي تسقط من الذاكرة لتظل عالقة في مجموعات أو مشاهد، تثبِّت لحظاتها فيها، وكأنها الملاذ الوحيد لاستجلاب الذكرى، وإعادة تدوين التاريخ. التاريخ الذي يُدخلها حجراته المتعددة (لتصبح بهذا التفسير منغلقة وقديمة، ومنفصلة عن الواقع وتغيراته).

    هذا التوصيف يجعلني أنظر لتجميع الحالة ثم تفكيكها؛ لأرى الوضع بتحولاته في مكان واحد، وذلك يمثل طموحًا قائمًا على حكايات نلوكها مرات كثيرة، دون أن نرى استهلاكنا الدائم للمكرَّر الذي لا يبحث عن جديد لكنه يتكرَّر ويتكرَّر.

    ما يهمُّني هنا هو توصيف مرحلة ما، بما لها من علاقة بالجغرافيا، فما اشتغلتُ عليه بادٍ في حكايات الغير، لذلك ركزت على تتبُّع دروب الوثائق ومساربها التي تختلف من ورقة إلى أخرى، فتقع في غرام الاكتشاف والتلصُّص على ما هو بالغ الدقة، والذي لا يمكن أن يقوم به بحث أو كتابة مستقصية لكل تلك التفاصيل، من تغيير اسم المكان، ومن اختلافات ونماذج متعدِّدة لشكل واحد، له أشكاله الإطارية المأخوذة من بنية أخرى، وكأننا نلوي عنق الحكاية الواحدة ثم نعصرها، ثم نولِّد منها الكثير من الحكايات المحكية من قبل، والتي تتكرَّر مراتٍ ومرات.

    حين تنتهي أية حكاية عامية تتكرَّر عبارة:

    وتوتة توتة خلصت الحدوتة حلوة ولَّا ملتوتة؟

    وذلك لكثرة تكرار كل الحكايات والأساطير والذكريات بحلوها ومرِّها وأخطائها أيضًا.

    • استدعاء الماضي

    هذه الحكايات الصغيرة تبعد عن زمن حدوثها أكثر من نصف قرن أو أكثر، هي استدعاءات منقوصة لا نستطيع بثَّ الحياة فيها مرةً أخرى؛ لذا ننظر لها بعين الشك حينًا، وبعين الاختلافات الجذرية عما كانت عليه حينًا آخر، لكنها تمثل صورًا سردية حية لواقع تحلَّل بحكم الزمن ولا يمكن إعادته ولا تذوق جمال حالاته، لكن ما أحاوله من خلال هذا الرصد دون الإخلال في تكوين العبارة، هو أن أحوِّل الواقع الماضي إلى كتابة وصور تضمن تثبيت اللحظة بجمالها لفترة أطول ما أمكن لها. ونحكيها بوصفها كما لو كانت أساطير تأخذ حقيقتها من أوراقها، وتأخذ أسطوريتها من تعدُّد طرق سردها الذي يتوالى، خصوصًا أنَّ أغلب المعلومات غير مكتملة، لكنها ليست فاقدة الأهمية أو مقتطعة من سياق الكتابة التي تهتم بما هو مكتمل، إنه نهش الزمن لمقاطع وكتل مجزوءة من كل حكاية، ومحو لكتلة من كل معلومة، وإضافة حكايات الحاضرين عن مجايلين سبقوهم للرحيل، فتغيَّرت الحكايات بمن يحكيها وما يضيفه وما يمحوه منها، فما يهتم به الكتاب ليس نقل خبر أو معلومة لكنه بناء ما هو منهدم من السرود بسبب التكرار. وليس لدي نية التأكد من حدث ولا التأكيد عليه في مقابل نفي حدث آخر أو تضعيفه، لكن ما يهمني فكرة تتبُّع المسارات سواء بحقيقتها أو بما حكيت به مما يجعلها حكاية متعدِّدة الرؤى. والملاحظة الأخيرة تنطوي على خطورة هائلة، وكأننا نراهن على الواقع أو نستنطقه بما ليس فيه أحيانًا، لكن ما يثبت بعض الحقيقة هو تلك الأوراق التي أضعها هنا من مراسلات ومكاتبات وعقود، وأكتب بمتعة كتابة رواية تفاصيل وشخوص وأحداث. وأكتفي بأن أقف عند هذا الحد من التفاصيل الكثيرة ولو ربطنا كلًّا منها مع الواقع والتاريخ السياسي والاجتماعي أو الثقافي لكانت مجموعة ضخمة من الحكايات الصغيرة تنسج خيطًا في نسيج تاريخ المكان.

    • الكتل المجزوءة

    يمكننا أن نسمي هذه الكتل المجزوءة أيضًا بالهامشية، وتسليط الضوء عليها يجعلها متاحة للتخيل والتفسير وغالبًا ما نجد أنفسنا، نحن المتلقين، في عمل إبداعي ما، نقول: «إن هذه التفاصيل نعرفها». ونستعير فكرة (أن نجاح أية رواية في لعبة المتخيّل، غالبا ما تفضي إلى هذه اللحظة) في رسم شخصيات مثل شخصية صاحب المقهى (بوليدس) أو حدث (مثل محاولة قتل رئيس الوزراء أمام المقهى) وغيرها من الأمثلة التي تقرِّب الأحداث الواقعية للرواية لا العكس. وقد نستنطق من الرسائل والوثائق بعض نقاط نجملها في حالة قصوى لحدث آخر. فيمكن القول أيضًا: إن الهامشي في تفاصيل حياتنا هو متن الصفحات الأولى فيها والذي يؤسس لما سيأتي.

    أغلب هذه التفاصيل الملغاة، وأغلب هذا التاريخ المهجور من السرد العام، يقف كحجر عثرة في سبيل تقصِّي كل حدث وتبريره، والحكايات حوله ومدى حقيقتها. كما أن تعقيداتٍ أخرى مثل التغيرات السياسة من اغتيالات، إلى إقصاء، إلى تنحٍّ وتغيُّر نمط الحكم من ملكية إلى جمهورية، ومن احتلال، لمظاهرات، لثورة أحدثت هزة كبرى في مفهوم الفكرة حول الشرعية وتغير نمط المجتمع. كل ذلك كان واضحًا وجليًّا بشكل عام. ولحق معه أثره بشكل تطبيقي في أماكن بعينها مثل المقهى. وتغير نشاطه ونوعية المرتادين من فترة من هذه الفترات لأخرى (لم تكن بذلك الوضوح بل كانت من بعض هذا التاريخ المهجور لأن أكثره حكايات لا نستطيع تتبُّعها وتحليلها بالكامل لكننا نلمسها ونتتبعها ونحللها من خلال وسائل أخرى مثل المراسلات أو الوثائق مثلًا، ونرى أثر ذلك على وظيفة ونشاط كل مقهى بما فيها مقهى ريش.. فحين نجد وثيقة تضع في نهايتها هامش (طبعت في مطبعة بولاق) فله دلالة ما، وعندما نجد طابع بريد عليه صورة الأهرامات أو ورقة رسمية تضع جملة (خلوه من المخدرات) أو (عدم وجود امرأة مشبوهة) فله دلالة، وعند ملاحظة وجود لعبة أوتوماتيك يتم التنبه لها وشرح عملها حتى لا تحسب على أنها لعبة قمار فله دلالة، وكل هذه الدلالات قد توضع في موضع أخلاقي، أو تفسَّر بسيطرة الجهاز الإداري والرقابي في الدولة على تلك الأماكن وملاحظتها، أو هي ملاحظات تاريخية لبدء استخدام آلة أو وسيلة جديدة مثل مطبعة بولاق مثلًا.. لذا كانت هذه المحاولة، ذات بعد سردي بالأساس، من أجل الابتعاد عن التفاسير إلى حدٍّ ما. وتجدر الإشارة إلى أن الاتجاه نحو تأطير النظم الإدارية والقانونية ومتابعتها ليس وليد الصدفة، لكن كان ضمن منظومة إدارية وقانونية بدأت تتبلور ضمن الحاجة لتنظيمها وتحديدها، فمع وجود هذا النوع من المقاهي بمفهومها الغربي تم تحديد نظم تخصُّها مختلفة عما كانت عليه نظم المقاهي العادية، ومع ذلك ظلت فكرة النص على عدم وجود موانع تخص تلك المقاهي أو تخص الملاهي منصوصًا عليها في أوراق المقهى الإفرنجي في تلك الأوراق.

    • لحظة أفول الماضي المزدهر

    هذه الرحلة في الحديث عن المقاهي (الفصل الثاني من الجزء الأول) تدحض أحيانًا بعض الافتراضات حول إمكانية أن يكون المقهى للهو والمتعة فحسب، بل هو مصدرٌ مهمٌّ من مصادر البحث يعمل على كشف حقائق غائبة، وعلى فهم أعمق لمراحل التاريخ السياسي والفني للمثقف داخل دوائره وأزماته.

    وما بين المقهى ومفارقته للصورة التي تنحاز لكونه مكانًا للمتعة والالتقاء فحسب، وبين دوره الحقيقي الذي اختلف مع اختلاف الزمان من مجرد ملتقى إلى كونه مشاركًا في الفن والثقافة وعارضًا لها، ولكونه مشاركًا في السياسة، بل وفاعلًا فيها بحكم نوعية المرتادين الذين تغيَّروا من فترة إلى فترة ومع كل ذلك يصبح عينًا ننظر بها ومن خلالها لتطوُّر مفهوم المقهى والتغيرات الحادثة بما ارتبط به من أوراق الوثائق التي تستند أساسًا على وضع سياسي وإداري يتغير من فترة لأخرى، فسعيت لإعادة قراءة الأشياء من خلال التفاصيل الصغيرة والنظر إليها كليًّا في بلورة كبيرة كي تتضح الرؤية (في محاولة لتدوين تاريخ آخر، يكمن تحت التاريخ الرسمي المؤسسي من خلال الروتين والتغيير).

    أردت أن أعرف عن هذه الفترة من الزمن وأفهمها ما دمت سأكتب عنها، وفي «ريش» تساءلت لِمَ أخوض في تاريخ مقهى -ولست محبَّةً للجلوس في المقاهي ولا أعَدُّ من روُّادها الدائمين، ولا في دائرة اهتمامي الشخصي- وبخاصة في لحظة أفول للماضي المزدهر الذي كان له بأكمله بعد أن تعرَّض لهزَّات عميقة وأنهكته متناقضات المجتمع الثقافي؟

    ومع ذلك أطلعني هذا المقهى على حكايات رواده وقصصهم الممتعة وصورهم فيه؛ فخرجتُ من اكتشاف إلى اكتشاف آخر يكتب مرثية لهذا الجيل بلسان حالهم، ولا يداني ذلك سوى وجودهم الفعلي ليظهر في ثنايا حكاياتهم عن بعضهم بعضًا، والتي تؤلِّف كتبًا سردية كبيرة. ليس بفرديَّتهم ووعيهم المختلف، بل بالميل إلى تغليب منطق فكرة الجماعة المتفقة لا المختلفة الساعية في تجمُّعها إلى المنطق النفعي، الذي يعني هنا الجماعة التي تحتمي ببعضها، والتي تكونت في لا وعي المثقف، فغالبًا ما كانت تطغى على مثل هذه العلاقات الحدَّة والشجار بدرجات متفاوتة وغير معهودة، بقدر أنه لم يعد هناك ما يجمعهم به. أضف إلى ذلك كون بعض القيم بمثابة حلم لمجتمع مثالي لهم، لكنه عرف تقهقرًا ملموسًا في ممارساتهم وسلوكهم اليومي(*).

    وعلى الرغم من أن المسرح وكشك الموسيقى، في «ريش» قد صارا من التاريخ، ورغم أن الحديقة قد صارت بناية ضخمة تشرف على الميدان، لكن التاريخ كان قد مس المكان، ومنحه خصوصيته التي ستنضح عبر مراحل تالية بالمزيد، لينفتح المقهى عبر أنشطته ورواده على صفحات جديدة من تاريخ الحركة الثقافية والفنية والحراك الاجتماعي، وحتى السياسي في مصر.

    • الطبقات المتعددة من الحكي

    نطالع في الفصول القادمة (بداية من الجزء الثالث إلى نهاية الكتاب) زاوية من تاريخه المتمثِّل فيما حدث من حراك وفاعليات فنية وسياسية وفكرية في الحياة المصرية، الذي تمثل داخل وبين جدران المقاهي، وتم تأكيده بدأب لتخرج من بين طاولاته حكايات أصيلة حول الكتابة والفن والعلاقات الثقافية. وإن كان الزمن قد ساعد على تشييد عُرى وأوصال فروع مترابطة منها ووثَّقَتْهُ تلك الأجيال بوجودها وحضورها فيه، وهو حضور تاريخي لا يقل أهمية عن تاريخه، ووثائقه وأوراقه، (الجزء الثاني)، فكلاهما متن في هذا البحث وبؤرة حكايات وأحداث مروية عدة مرات من قبل، وكأنها العنقاء التي تستولد نفسها كل مرة من الرماد.

    فنحن إزاء قراءة المستجدات والمتغيرات حول المكان والإدارة والنظم والقوانين في ظل لحظة تموج فيها أوضاع عديدة من توافد الأجانب بأعداد كثيفة إلى مدينة تفتح بوابة الأمل والحركة والبناء والمال، وفي ظل توترات العالم ما بين حربين عالميتين نزحت فيهما أعداد من البشر لمناطق تعِد بالكثير من الاستقرار والتجارة والعمل. وبين توتُّرات داخلية وأزمات سياسية وثورات.

    كما أننا أمام موضوع يولد حكايات من حكايات سنتعرف على بعضها في ثنايا القراءة بحيث لا نستطيع أن نغلق بابًا حتى ينفتح ألف باب حول تلك الكتابة التي تتوالد من بعضها، وتفتح أبوابًا حول أحوال القاهرة بين مدينتين: إحداهما تاريخية قديمة مكتظة ومستقرة، والأخرى جديدة وحديثة لا تحاكي الماضي أو الواقع لكنها تذهب بسرعة نحو الحديث والمستحدث والآخر المخالف فنيًّا وحياتيًّا، في البناء والحياة اليومية بما فيها من شوارع واسعة وبنايات متعددة الطوابق ذات جماليات أخرى وتفاصيل مختلفة ومقاهٍ ومحلات حديثة تتوجَّه لزبائن مختلفين، وأثر ذلك على نمط الحياة والعلاقات. وبالتالي لا يمكن الحديث عن مقهى ريش منفصلًا عن تاريخ نشأته ومكان وجوده والأحداث التي جرت بقربه أو داخله. فهو يعتبر مثلًا مكانًا لتجمُّع المراسلين الحربيين في أثناء الحرب العالمية الأولى، وقريب من محل جروبي الذي يعدُّ مماثلًا له في تقديم الخدمة، ومختلفًا في كيفية تقديمها وللفئة التي تقدم لها وإن تداخلت بعض الشيء. ولذا لا بدَّ من مقدمة أولى أتحدث فيها عن ذلك الواقع وذلك المكان قبل الحديث عن المقهى. فكان لا بدَّ من مفتتح طويل لماهية تكوُّن هذه المدينة في نشأتها الأولى التي انطلق فيها المقهى متزامنًا إلى حدٍّ ما مع بدايات تحولها، ومتشاركًا في الوقت والنوعية مع عدة مقاهٍ أخرى قريبة منه، نظرًا لاحتياجات طبقات مختلفة من الرواد لهذا النوع من المقاهي، وهي المتشابهة مع مقاهٍ أخرى في الدول الأوروبية، قادرة على أن تقدم بل وتطبِّق ذات الوصفة، ولذا كان أصحابها من دول أوروبية قدَّموا ما يعرفونه من مفاهيم أوروبية لمعنى المقهى في ذلك الوقت (جروبي، متاتيا، ريش، وإيزافيتش ولوك والأمريكيين وسيسيل وركس وغيرها). وهي المعروفة بالمقاهي الأجنبية.

    هناك أيضا أفكار هامشية، قد لا تعني شيئًا، ولا فائدة لها، لو نظرنا إليها وحدها، منفصلةً عن باقي ما يختزنه العقل، لا يمكن أن نكمل الحكاية بدونها. فبعض ما تستدعيه ذاكرة الحاضرين كشاهد عيان على ما حدث وما نتج عنه ليست حكايات متسرِّبة من وعاء الذاكرة بقدر حفرها لذاكرة التاريخ الثقافية في لحظة ما قاربت على الزوال بمفاهيمها وتحيزها لكنها تظل تاريخ الحركة والجماعة والأفراد في الوسط الثقافي في لحظة غير رسمية. هذا التلاحم بين الفعل الصارم (مجلة، مظاهرة، نقاش) والاختلافات الحادة كمتن ثقافي، والمقهى كمتن آخر هامشي بسيط وقابل للفساحة والتسامح.

    وأن الصورة العامة في كثير من الأحيان تفهم من خلال فهم المستأجر للمقهى في تصوراته الأولى، بمفاهيم يتم تأويلها ضد تطلعات المجتمع، والوصول إلى مرحلة متقدِّمة من خلال البحث عن المقاصد، أو البحث الدلالي للنص القانوني (كخطاب موجَّه من البوليس ولغته في فترة ما، أو رفض تصريح الغناء داخل المقهى في فترة أخرى، وإن ذلك ليس وليد الصدفة، بل وليد التأمل المطول في المجال المحيط بالقانون والوضع العام. وفي أثناء الاستغراق في المتون المتعدِّدة. ثمة تفاصيل جانبية، نادرًا ما ننتبه لها، ولكن أثرها الكبير والواضح يظهر بعد ذلك، مثل محاولة الاغتيال التي حدثت على مقربة من المقهى مثلًا. وكأن هذا الأثر جرسٌ يرنُّ في دواخلنا، لتنبيهنا إلى هذه التفاصيل الجانبية والهوامش، كي لا ننساها.

    إذًا ما يمكن التأكيد عليه، بادئ ذي بدء، واضح في هذا الاشتغال على التفاصيل من جهة والاهتمام بالكل من جهة أخرى حيث لا نغفل التاريخ ونحن نتحدَّث عن تغير الوثائق من الوثائق المكتوبة باليد أو التي بدأت تكتب بالآلة الكاتبة، لمطبوعة في المطبعة الأولى في مصر، أو نتحدث عن ترك صاحب المقهى القاهرة لاستدعائه في بلده كي يشارك في الحرب، (خلال الحرب العالمية الأولى وتقسيم البلدان العربية بعدها بين بريطانيا وفرنسا، كان صاحب المقهى هنري ريسينييه فرنسيًّا وكانت القاهرة تابعة للاحتلال البريطاني آنذاك)، أو بيع المقهى لآخر في فترة الثورات، أو ترك بعضهم مع خروج الإنجليز وإعلان الملكية، أو ترك البعض الآخر مع التأميم، أو وجود صاحب مقهى من جنسية ويعتبر رعية دولة أخرى (إنجليزية لليونانيين في فترة خروج العثمانيين من المشهد المصري)، أو اشتراك رواد المقهى في تظاهرات أو بيانات سياسية، وغيرها من الأحداث وهكذا... إلخ

    ينطبق ذلك أيضًا على تحوُّل المقهى مع تحول الشأن العام والقوانين والأوضاع، فتوقف النشاط الفني في أثناء الحرب أو وجود الحلفاء قرب المقهى، أو تحول أنشطة المقهى الفنية إلى ثقافية بحتة مع بيع المسرح وترك صاحبه المغرم بالفن، أو تغير الميل مع ثورة 52 للثقافة والسياسة. أو إغلاق الأماكن المفتوحة من المقهى وتحوله من مقهى من المقاهي الأجنبية، إلى مقهى ومطعم مع تغير شروط المقاهي وإلغاء المقهى الأجنبي.

    هكذا تختلف الأماكن ودورها مع الكثير من المتغيرات الأخرى. فالمكان ليس مجرد جماد لا يتزحزح، بل يشارك بروَّاده في أحداث الوطن وقد تمثَّل ذلك في الموقف من كامب ديفيد مثلًا، أو في رفض رئيس الوزراء المعين ومحاولة قتله أمام المقهى أو في ثورة 11 و13 يونيو. كما أصبح له نصيب كبير من الشهرة كونه أحد مراكز تجمع التيارات الثقافية والسياسية، وكان أحد الأماكن التي كان يرتادها صاحب نوبل الروائي نجيب محفوظ فأصبحت محط أنظار الكثيرين واستمد شهرة على شهرته السابقة (وقد يعاقب المقهى أو لا يعاقب من قبل فئاتٍ ما، لكون تاريخه مختلفًا مثل حريق القاهرة بين محل جروبي الذي اشتعل فيه الحريق وبين مقهى ريش).

    كما سأحاول أن أدعم كل هذا بتحليل وقراءة الوثائق والأوراق التي هي أساس داعم لقراءة مبنية على أهمية تلك الأوراق في كشف عصر تدوولت فيه الأرض والمقهى، وفي فترة بدأت تتغير خريطة وسط البلد من منطقة تضم قصورًا متناثرة هنا وهناك إلى معنى المدينة المفتوحة التي تتوسط كل شيء، وتجذب كل شيء، بحيث تحدِّد لنا هذه الأوراق طبيعة التعامل والسلوك العام مع الإدارة، والبوليس، والقوانين، جنبًا إلى جنب مع علاقة المقهى وتطوره كمقهى للجلوس فيه، وكمسرح (غنائي ومسرحي) داعم لمفاهيم فنية حديثة، جنبًا إلى جنب مع حداثة المدينة التي كانت عليه وسط البلد في ذلك الوقت، وطبيعة عصريتها وحداثتها (ويختلف ذلك في تناوله عن مفهوم المسرح الملهى مثلًا الذي كان قريبًا منها والمعروف في ذلك الوقت). ولا بدَّ من التنويه إلى أن حفلات ريش الغنائية وعروضها المسرحية كانت أشبه بانحياز مصري للفنون حيث قدم أشهر المغنين والمسرحيين المصريين في ذلك الوقت، في حين اصطبغت الحفلات في جروبي مثلًا بطابعها الغربي، وهي السمة التي ميزت «كافيه ريش» عن غيره من المقاهي التي نشأ في وسطها في حيز ميدان طلعت حرب.

    كل هذا قد يعني أن مقهى ريش، مقهى ينتمي إلى الوجود البشري المصري في فترة تعدَّدت فيها الهويات والأفراد، يمثله باختياراته الفنية والسياسية والثقافية في أغلب الفترات التي مرت عليه فكان من المؤسسات غير الرسمية التي يتشكَّل فيها الرأي، والرأي الآخر، مثله مثل الكثير من المقاهي في لحظات التغيير أو الأزمات.. وكما كتب البعض فهو يعدُّ إحدى المؤسسات الاجتماعية غير الرسمية التي تسهم في تتبع ملامح التغير الاجتماعي والتعرُّف على حقيقة وواقع هذه التحولات ومنها المعترك السياسي الذي شهد بامتداد تاريخ «كافيه ريش» خطًّا بيانيًّا متصاعدًا للأحداث السياسية في مصر بدءًا من ثوة 1919.

    هكذا ينطلق المقهى من فكرة مفادها؛ أنّ ثمة حراكًا في المدينة تتحاور فيه المقاهي مع البشر، وأنه يعمل وفق ما تمليه عليه اللحظة والحدث والجوار، وإن المقاهي تختار زبائنها كما يختارونها. فهي شبكة معقدة من العلاقات أو كأنها الأواني المستطرقة التي تنهض أو تنحسر مع بعضها بعضًا في سياق معقد من التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفنية لا فاصل حادًّا بينها..

    أعود أنا أيضًا لأستنطق المروي من قبل وأعيد الحكايات بشغفِ مُحبٍّ يبحث لا عن الجديد، ولكن عن الاختلافات في كل حكاية، وعن الغريب من كل حكاية، وعن تلك الطبقات المتعدِّدة من الحكي والإضافات. أكشف حكاية لتظهر أخرى، وهكذا إلى ما لا نهاية، بما كان يستولده هذا المقهى من دلالات ومن لحظات سابقة وإن كان في لحظة خفوته أو تحوُّله. ويبقى جوهر «ريش» في حكاياته التي لا تنتهي ولا تنقطع، فكيف لمقهى مستمر تنتهي فيه حكايات رواده وكيف لمدينة حية بالبشر أن ينقطع فيها الحراك ويصمت الحديث؟!

    وأعلم أن كل فكرة لن تسلمني الحكاية كاملة وما الكمال لو لم يكن ناقصًا في حد ذاته لكنها -أقصد الفكرة- تفتح لنا بعض تأويلات وبعض اجتهادات حول الوضع وكأننا ندخل من الخاص والصغير والضئيل إلى العام والكبير والأوسع.

    (*) من الاعتقادات المتداولة في الكتابات التاريخية الحديثة أن تبنى على كتب ومراجع، لكن هنا كتابة بين التاريخي واليومي المحكي.

    تمهيد

    «القاهرة مدينة معتَّقة أكثر مما هي عتيقة»

    جمال حمدان

    القاهرة

    هي عاصمة جمهورية مصر العربية وأكبر وأهم مدنها، نمت وازدهرت بالتجاور العمراني على مدار تاريخها، أكبر مدن إفريقيا والشرق الأوسط في عدد السكان، ومن أكثر المدن من حيث تنوعها الثقافي والحضاري. شهدت العديد من الحقب التاريخية المختلفة على مرِّ العصور، وتجاورت فيها العديد من المعالم الأثرية، فأصبحت متحفًا مفتوحًا يضم آثارًا فرعونية ويونانية ورومانية وقبطية وإسلامية.

    يُطلق على القاهرة تاريخيًّا «مدينة الألف مئذنة» لكثرة مساجدها، وعرفت باسم «مصر المحروسة» تيمُّنًا بحراسة الله لها، كما سميت «قاهرة المعز» نسبة إلى الخليفة الفاطمي المعز لدين الله، الذي أسَّسها لتكون العاصمة، بعد أن أسس الدولة الفاطمية وانتقاله من عاصمته الأولى المهدية في تونس إلى مصر. وتحتوي القاهرة الكبرى الحالية على العديد من المدن والمواقع الجغرافية المهمة التي تكونت وتغيرت وتبدَّلت على مر العصور كما أنها توسَّعت عن المدينة التي أنشأها في البدء القائد جوهر الصقلي.

    • في العصور القديمة– مدينة الشمس

    عُرف المكان الذي على بعد نحو 20 كيلو مترًا جنوب القاهرة، في العصر الفرعوني باسم «من نفر» أي الميناء الجميل، وضاحيتها مدينة الشمس التي سميت بالهيروغليفية «أون» وبالإغريقية «هليوبوليس» وكانت مدينة «أون» الفرعونية أو هليوبوليس «عين شمس» عاصمة مصر فى أيام الأسرة الثالثة عشر، ويعود تاريخها إلى أكثر من خمسة آلاف عام، وتعد واحدة من أقدم مدن العالم القديم، ولم ينتقل منها الحكم، إلى مدينة طيبة (الأقصر) فى الجنوب أو مدينة الإسكندرية في الشمال إلا لفترات قصيرة. وكان أطول هذه الفترات في العصرين اليوناني والروماني، حيث كانت مدينةُ الإسكندرية - التي أنشأها الإسكندر الأكبر، واتَّخذها البطالمة من بعده عاصمة لدولتهم - مركزَ القيادةِ والعاصمة الثقافية والروحية للبلاد، لكن ذلك لم يلغِ مكانة وأهمية الموقع الفريد لمنف(**)، التي تعدُّ من أهم المدن المصرية لموقعها بين الفسطاط وعين شمس، وبسبب موقعها من رأس الدلتا الذي يعطيها قدرة على مراقبة الوجهين القبلي والبحري، والإشراف على النيل (مصدر المياه) الذي يسمح لها بالاتصال ببقية مصر، والذي انتبه لأهميته الرومان، فبنوا عليه حصن بابليون ليكون أشبه بالعاصمة الثانية.

    • الفترة الرومانية (حصن بابليون)

    يعود مسمَّى الحصن إلى البابليين الذين دخلوا مصر في القرن السادس قبل الميلاد، حيث أقاموا معسكرًا حربيًّا، وشيَّدوا حصنهم على المرتفعات الصخرية التي عُرفت في العصور الوسطى باسم «الرصد» (المقطم)، ومن هذا الحصن المعسكر انتشر اسم بابليون حتى شمل كل المنطقة التي بجواره وأصبح اسمًا لمدينة كبيرة تمتد من شمال الرصد إلى أطراف مدينة هليوبوليس (عين شمس).

    وهناك رأي يعود بتاريخ بناء حصن بابليون إلى النصف الثاني من القرن السادس قبل الميلاد؛ عندما احتلَّ الملك البابلي نبوخذ نصَّر مصر وحَكَمها، فبعد احتلال الإمبراطورية الرومانيَّة لمصر في القرن الأول قبل الميلاد، خلال عهد القيصر أغسطس، استُخدِمَت بابل وحصنها لحماية الطُّرُق الجنوبية لدلتا النيل ومدينة الإسكندرية الكبرى.

    وقد ذكر إسترابو المؤرخُ الحصنَ القديم، وكان موقعه إلى الجنوب من قصر الشمع بالقرب من دير بابليون الحالي، وفي بداية القرن الثاني بعد الميلاد، قرَّر الإمبراطور الروماني تراجان بناء حصن جديد وضَخم في المنطقة، وهو المعروف بحصن بابليون، ثم أجرى الإمبراطور الروماني أركاديوس في القرن الرابع الميلادي ترميماتٍ وتوسيعات كبرى لهذا الحصن، حسب ما ذكره العلامة مرقس سميكة باشا مؤسس المتحف القبطي(2).

    استُعملت في بناء حصن بابليون أحجار أخذت من معابد فرعونية وأكملت بالطوب الأحمر، ولم يبق الآن من مباني الحصن سوى الباب القبلي يكتنفه برجان كبيران، بُني فوق أحدهما في الجزء القبلي منه الكنيسة المعلَّقة.

    كانت مساحة الحصن نحو نصف كيلو متر مُستغلًّا بذلك الأهميَّة الاستراتيجية والعسكرية للمنطقة؛ حيث استُخدِمَ الحصن في السنوات اللاحقة من الحُكم الروماني كقاعدة رئيسيَّة لانتشار الإمبراطورية، ومدِّ نفوذها في المنطقة التي تقع أسفل نهر النيل، ويقع داخله -الآن- المتحف القبطي أو على أجزاء منه، أما باقي مباني الحصن فمشيد عليها الكنائس السبع والمعبد اليهودي .

    Rish-0005.xhtml

    • موقعه

    تعد منطقة الحصن جزءًا من مصر القديمة، التي تعرف بالقاهرة القبطية (حي مصر القديمة)، (بجانبها الآن محطة مار جرجس لمترو الأنفاق)، وهي أقدم جزء من المدينة، وبقايا الحصن أقدم المباني الأصلية في القاهرة.

    وتُعدُّ المنطقة من أبرز المناطق التاريخية والحضارية في مصر، ولأهمّيتها أُدرِجَت في قائمة اليونسكو للتراث العالمي في عام 1979، ويُحيط بحصن بابليون العديد من الآثار المهمَّة، ومن أبرزها:

    • أطلال مدينة الفسطاط:

    بنى عمرو بن العاص مدينة الفسطاط عام 21هـ، وتُعدُّ أقدم المدن الإسلامية في مصر، وكانت عاصمة مصر حتى عام 1169، وتقع هذه الأطلال إلى الشمال من حصن بابليون، وخلف جامع عمرو.

    • قباب السبع بنات:

    هي أقدم الأضرحة الفاطمية في مصر، وتقع في جنوب الفسطاط، وترجع إلى عام 1010. سُمّيت بقباب السبع بنات؛ لأنها تعود لبنات أبي سعيد المغربي أحد وزراء الخليفة الحاكم بأمر الله الذي انتقم منه من خلال قتله لعائلته في مذبحة حدثت في ذلك العام.

    • جامع عمرو بن العاص:

    هو أوَّل جامع بُنِيَ في مصر وإفريقيا، بناه عمرو بن العاص عام 21هـ، وتُحيط به خطط الفسطاط من ثلاث جهات، ويُطلّ على نهر النيل، ويُشبِه في بنائه مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام؛ حيثُ يتكوَّن من مستطيل مكشوف وتُحيط به أروقة من أربع جهات.

    Rish-0005.xhtml

    • مسجد محمد الصغير:

    يرجِع هذا المسجد إلى محمد بن أبى بكر الصدِّيق، وهو من المساجد المُعلَّقة التي يُصعَد إليها بِدَرَج، ويقع مدخله الرئيسي في الجهة الجنوبية الغربية.

    • الكنيسة المعلقة:

    وتُسمَّى بالكنيسة المُعلَّقة، وهي من أهمِّ كنائس مصر وأقدمها، ويرجع بناؤها إلى أواخر القرن الرابع الميلادي، وسُمِّيت بهذا الاسم لبنائها على بُرجين من أبراج حصن بابليون الروماني، على ارتفاع 13 مترًا من سطح الأرض.

    • كنيسة أبي سيفين:

    تقع شمال حصن بابليون، وتمَّ هدم الكنيسة في القرن الثامن الميلادي، وتبقّى كنيسة صغيرة باسم القديسين يوحنا المعمدان ويعقوب، وفي زمن الخليفة المعز لدين الله الفاطمي تم تجديد الكنيسة، ثم أُحرِقَت في عام 1868.

    • كنيسة القديسة بربارة:

    يرجِع تاريخ هذه الكنسية إلى نهاية القرن الرابع وبداية الخامس الميلاديين، بنيت واجهاتها من الحجر والآجر معًا. وهي ذات بناء مرتفع مستطيل الشكل.

    يقول جمال الدين الشيال نقلًا عن المقريزى: «إن المنطقة في عصره كان بها هياكل وكنائس وأديرة» مما يؤكد أنها كانت مأهولة بالبيوت ويقطنها كثيرون، لأن بطبيعة الحال المباني الدينية تُبنى في الأماكن المأهولة وليس في الأماكن المهجورة. وكما كان بها أقارب للسيدة مريم العذراء ويوسف النجار، وأنها جاءت في أثناء رحلة العائلة المقدسة لأرض مصر، وأن الحصن القديم على المقطم، كان يمثِّل منطقة استطلاع متقدِّمة لرصد الأعداء، من وقت الدولة المصرية القديمة(3).

    Rish-0005.xhtml

    • قصة حصن بابليون

    حين أراد الإمبراطور الروماني تراجان تعزيز قوته عند رأس الدلتا ترك قلعة «الفرس» على الرصد وبنى قلعة على شط النيل، كي يضمن وصول المياه العذبة للحامية في الحصن، وحتى تستطيع حاميته أن تتصل بنواحي مصر عن طريق النيل. وعرفت فيما بعد بحصن مدينة بابليون (قلعة خيمي أي قلعة مصر). ويرتبط بابليون بالاسم القديم «بر- حابي- ن- يونو» (بيت النيل في هليوبوليس) الذي كان مركز عبادة حابي إله النيل في هليوبوليس، لذا فسَّر البعض اسم القاهرة على أنه أتى من اللغة المصرية المقدسة وأصله «كاهي- رع» وتعني (أرض الإله رع أو أرض الشمس).

    وفى العصر الفرعوني سميت (خري- عحا) بمعنى ساحة القتال، وكانت على الطريق الواصل من (ممفيس إلى هليوبوليس). في العصر الروماني، كان موقعها على الشاطئ الشرقي لنهر النيل (عند حي مصر القديمة حاليًّا)، وفي أثناء الحروب الصليبية كان الصليبيون يسمون القاهرة بابليون، وسلطان مصر سلطان بابليون.

    وهناك أكثر من رأي تاريخي بالنسبة لبابليون، فالبعض يعتبر بابليون مجرد اسم للحصن الروماني المعروف بهذا الاسم، وهناك من المؤرخين من يقول بأنه كانت هناك مدينة حول الحصن واسمها بابليون، ويتزعَّم هذا الرأي المؤرخ ألفريد بتلر Alfred J. Butler الذي يقول بأنه كانت فى عهد الفراعنة فى مكان مصر القديمة الحالية مدينة مزدهرة يدل على وجودها وجود تماثيل مصرية فى المنطقة، ومنها تمثال لأبو الهول.

    في العصر البيزنطي كان فى مصر مدينتان مهمتان، هما: مدينة الإسكندرية وكانت وقتئذ العاصمة الأولى بسبب موقعها على البحر المتوسط ولأنها قريبة من الدولة البيزنطية صاحبة السيادة آنذاك، والمدينة الثانية كانت بابليون التي تعد عاصمة مصر الثانية بسبب موقعها من رأس الدلتا مما يعطيها قدرة على مراقبة الوجهين القبلي والبحري والإشراف على النيل الذي يسمح لها بالاتصال ببقية مصر.

    وفي العهد القبطي لعِبَ الحصن دورًا مركزيًّا مهمًّا قبل دخول الإسلام، كما كان ذا أهمّية بالغة في العهد الإسلامي في أثناء فتح عمرو بن العاص؛ لموقعه الاستراتيجي المهم، ويُعدُّ المركز الذي بُنِيَت عليه مدينة الفسطاط، ولاحقًا مدينة القاهرة، وكان سقوطه في يد جنود عمرو بن العاص في 18 ربيع الآخر 20هـ الموافق عام 641 ، بعد حصار دام نحو سبعة أشهر، إيذانًا بدخول الإسلام مصر.

    • فتح مصر

    عند فتح فلسطين وتخليصها من يد الروم، امتدَّ الفتح الإسلامي إلى مصر باقتراح من الصحابيِّ عمرو بن العاص على الخليفة عمر بن الخطاب؛ لحماية الفتوحات الإسلامية من الروم وهجماتهم بعد انسحابهم من بلاد الشام وتمركُزِهم في مصر، فتوجَّه عمرو بن العاص إلى مصر مع جيشه، واستمر تقدُّمه حتى حصن بابليون الذي طال حصاره، حيثُ استمرَّت فترة الحصار لمدة سبعة أشهر، ثم طلب الإمداد من الخليفة؛ فأرسل جيشًا بقيادة الزُّبير بن العوَّام الذي استولى على الحصن بالحيلة وفتح بابه ودخلهُ المسلمون.

    رأى عمرو بن العاص أن لهذا المكان عبقريته التي تؤهِّله لأن يحافظ على وحدة البلاد المصرية في قبضته، ومن ثم أنشأ مدينته التي سميت «مدينة الفسطاط»، على مقربة من حصن بابليون وأقيمت أولى المدن الإسلامية التي سرعان ما تداخلت في هذا المكان وهي:

    • مدينة الفسطاط:

    بناها عمرو بن العاص عام 20هـ حين نزل بجنده على مقربة من حصن بابليون وحاصره، وكان النيل عندها ينقسم إلى قسمين. وموضعها كان فضاءً ومزارعَ بين النيل والجبل الشرقي ليس فيه من البناء والعمارة سوى حصن بابليون الذي يطلُّ على النيل من بابه الغربي. واستفادت الفسطاط من موقعها على النيل بنتيجتين: فقد يسَّر النيلُ للأهالي سبل الحصول على الماء من جهة، وخدم توسُّعها العمراني من جهة ثانية، فتحكمت بطرق المواصلات التجارية الداخلية والخارجية بين مصر والشام، وبين مصر والحجاز. وكان المصريون يختارون هذه المنطقة مقرًّا للحكم كممفيس وهليوبوليس لموقعها ما بين النيل (مصدر المياه)، وجبل المقطم من الشرق ومن ورائه الصحراء (الخط والحد الدفاعي)، وكان قد بُني حصن بابليون بينهما.

    • مدينة العسكر:

    أسسها صالح بن علي العباسي أول والٍ للعباسيين في مصر عام (133هـ/750 م) شمال الفسطاط وانتهى من بنائها عام 135هـ. وكانت في البداية مقصورة على الجنود العباسيين، ولعل هذا السبب الذي جعل الناس يطلقون عليها العسكر، واستمر ذلك الحال حتى جاء السري بن الحكم واليًا على مصر عام (201هـ/ 816م) فأذِن للناس بالبناء، فتهافت الناس على البناء بالقرب من مقرِّ الحكم ونمت المدينة حتى اتصلت بالفسطاط.

    • مدينة القطائع:

    بناها أحمد بن طولون، مؤسِّس الدولة الطولونية في مصر، على غرار مدينة سامرَّاء التي بناها الخليفة العباسي المعتصم بالله وسكن فيها هو وعساكره الترك، فكانت عاصمة ملك الطولونيين، ومركزًا ثقافيًّا وعمرانيًّا غاية في التقدم، بناها له مهندس قبطي يدعى سعيد بن كاتب الفرغاني، فوضع قصر الأمير ومسجده الكبير في المنتصف ثم أخذ ابن طولون في اقتطاع مساحات من المدينة لجنده ورجاله بحسب رتبهم وقربهم منه، حتى امتدت بمبانيها لمدينة الفسطاط، واشتملت على أكثر من ألف بيت محاطة بالجنائن والبساتين، وسمِّيت القطائع لأن كل قطعة فيها سميت على اسم ساكنيها، فكانت بها «قطيعة النوبة» و«قطيعة السودان» و«قطيعة الروم» وغيرها. وكان بها سكك وزقاقات وحمامات وأفران وطواحين وأسواق متخصِّصة كسوق العيارين والعطَّارين والبذَّارين، وسوق الفحَّامين والجزَّارين والبقَّالين والشوايين، وسوق الطباخين والخبازين، وقد أُحرقت القطائع وسويت بالأرض على يد محمد بن سليمان قائد جيش الخليفة العباسي المكتفي بالله الذي جاء لاستردادها من الطولونيين عام 292هـ/ 904م.

    • المنصورية هي القاهرة

    تعود القاهرة إذًا في مسمَّاها الحالي إلى العصر الفاطمي، فقد أنشأها جوهر الصقلي قائد جيوش المسلمين بأمر من الخليفة المعز لدين الله، عام (358هـ/ 969م) لفتح مصر، عندما نزل بعساكره شمالي مدينة الفسطاط وشمال شرق القطائع، فى منطقة تسمى المناخة. وكانت شمال الفسطاط والمقصود بها المدينة الصغيرة مثل الفسطاط والعسكر والقطائع، وكانت مساحتها نحو 340 فدانًا.

    في البدء أطلق جوهر الصقلي على تلك المنطقة اسم «المنصورية» تيمنًا بالنصر، ثم أنشأ العاصمة وبنى بها قصرًا للخليفة الفاطمي حتى ينزل بها بعد ذلك. وفي 7 رمضان 362هـ/ 11 يونيو 972م أتاها المعز لدين الله الفاطمي ليجعلها عاصمة خلافته، مطلقًا عليها اسم «القاهرة»، نسبة إلى كوكب «القاهر» المعروف الآن باسم المريخ، وقيل كي تكون قاهرة لأعدائه، ومنذ ذلك الحين ظلت القاهرة بهذا الاسم، واتسعت وتمدَّدت حتى اشتملت على ثلاث مدن سابقة عليها هي الفسطاط والعسكر والقطائع. أصبحت القاهرة هي العاصمة ومقر الخلافة الفاطمية، لذا سميت «قاهرة المعز» وشهدت خلال العصر الإسلامي أرقى فنون العمارة التي تمثَّلت في بناء القلاع والحصون والأسوار والمدارس والمساجد، ما منحها لمحةً جماليةً لا تزال تزدهي بها أحياؤها القديمة حتى الآن.

    • أسوار القاهرة

    بنى جوهر الصقلي سورًا كبيرًا حول مدينته التي اشتملت على القصر الشرقي الكبير، الذي كان مقرًّا لحكم الخليفة المعز، وبجانبه عدد من الشوارع والحارات المحيطة بالقصر لسُكنى رجال الدولة وكبار التجار. وكان لها سور بأبواب في الجهات المختلفة أشهرها باب الفتوح وباب النصر وباب زويلة، ثم أصبح بعد ذلك يطلق اسم القاهرة على كل المدن القديمة بما فيها الفسطاط والعسكر والقطائع من باب التغليب، بالإضافة إلى الأحياء التي طرأت عليها بعد عهد صلاح الدين وحتى الآن. ثم بعد انقضاء 120 عامًا من تأسيس القاهرة رأى أمير الجيوش بدر الجمالي وكان وزيرًا للخليفة المستنصر بالله (صاحب الشدة المستنصرية)، أن الناس شيَّدوا منازل خارج سور القاهرة بسبب امتداد العمران، فأحاطها بسور وهو المعروف باسم سور مجرى العيون، وأوصله بسور جوهر الصقلي عام 480هـ/ 1087.

    هذا الجزء الأقدم للمدينة يقع شرق النهر ويحوي تاريخ المدينة على مر العصور لما يوجد به من مساجد وكنائس عتيقة ومبان أثرية ومعالم قديمة، وقد اختلف مع توسُّعها على مدى القرون وامتلأ بالطرق الصغيرة والمباني المزدحمة. وعرفت هذه المنطقة بالقاهرة الفاطمية، وظلت مركز حكم الخلافة الفاطمية التي ضمت الشام والحجاز ومكة وأجزاء من العراق والسودان وليبيا وتونس والمغرب، والتي انتهت بمجيء صلاح الدين الذي صعد بجنده إلى المقطم وبنى عليه قلعته الشهيرة لتكون مركز الحكم طوال العصر الأيوبي والمملوكي والعثماني وحتى محمد علي الذي توسَّع في القلعة وجدَّد أسوارها وبنى مسجده فيها.

    • القاهرة في عهد محمد علي

    شهد عصر محمد علي (1805 - 1848) العديد من الإنجازات والإصلاحات في مختلف المجالات، فكان عصر بناء الدولة الحديثة ونهضتها من حيث تكوين الجيش والوزارات والتعليم، والاهتمام بالزراعة والري والتصنيع وغيرها من المشروعات.

    وقد أعد محمد علي جيشًا قويًا فأعاد تجنيد المصريين بعد فترة طويلة من حرمانهم من الخدمة في جيش بلادهم، وأنشأ المدرسة الحربية، ووضع النواة الأولى للبحرية المصرية الحديثة، وأنشأ الأسطول المصري، هذا الأسطول الذي خاض عددًا من الحروب المهمة وانتصر فيها، من أهمها حرب المورة. كما كان الجيش المصري أقوى من جيش الدولة العثمانية نفسها وكان على أبواب الأستانة وهو الأمر الذي أغضب أوروبا وأقلقها؛ فاتفقت على تحجيمه بمعاهدة لندن التي حدَّت من نفوذ مصر خارج حدودها. كما أنشأ دار الصناعة البحرية في الإسكندرية التي يطلق عليها حاليًّا (الترسانة البحرية)، لتلبية احتياجات الأسطول المصري من السفن فتوقف بعد فترة عن استيراد السفن من أوروبا، ولأول مرة أصبح التعليم منهجيًّا، فأنشأ المدارس التقنية ليلتحق خريجوها بالجيش، وربط القاهرة بالأقاليم وسمح للأقباط بحمل السلاح للمرة الأولى في تاريخ مصر الحديث. واستعان بالآلات الحديثة، وأقام المصانع والمعامل لكي يستغني عن الدول الأجنبية في سد احتياجات الجيش والأسطول، وعني بالموانئ وأنشأ الطرق لتسهيل انتقال التجارة، كما اهتم بالصعيد وقسَّم القطر المصري إلى مديريات وربط القاهرة بالأقاليم.

    كما أجرى عدة إصلاحات إدارية، فأنشأ مجلس الدواوين، والديوان العالي وكان مقره القلعة ويرأسه الوالي، وله فروع في الحكومة، مثل ديوان المدارس، وديوان الحربية. كما أسس مجالس بلديات وأقام المحاكم المدنية. وأرسل البعثات إلى عددٍ من دول أوروبا منها إيطاليا وإنجلترا وفرنسا، واستعان بخبراتها التي اكتسبتها من حروب نابليون.

    • الاهتمام بالنيل والأراضي الزراعية

    أعاد محمد علي الاهتمام بالنيل ورمَّم مقياسه، وعمل على إصلاح نظام الري وحفر القنوات مثل الإبراهيمية وبحر يوسف، وأدخل التعديلات في طرق الزراعة، وشيَّد القناطر الخيرية على النيل عند فمي فرعي دمياط ورشيد، واهتم بشق الترع وتطهيرها وإقامة الجسور على شاطئ النيل ليضمن توفير مياه الري في معظم السنة، وصارت الترع تروي الأراضي في غير أوقات الفيضان جهد المستطاع، ولاسيما بعد إقامة القناطر عليها؛ فزادت الرقعة الزراعية زيادة كبيرة بفضل سياسته الإصلاحية وإنشاء القناطر الخيرية التي أحيت الدلتا.

    أعاد توزيع الأرض. وقسَّمها إلى قطع خصص كلًّا منها لزراعة محصول معين ووزعها على الفلاحين لزراعتها ورعايتها والاستفادة بغلَّتها نظير دفع الأموال الأميرية، وحدد نوع زراعة المحاصيل والأقاليم التي تزرعها كما أدخل عددًا من الزراعات الجديدة مثل قصب السكر والسمسم، واهتم بزراعة القطن وقام باستيراد أنواع غير مألوفة منه وزرعه بمصر والسودان، وقد أصبح عماد الاقتصاد المصري الذي يعرف باسم القطن المصري. وكان يحدِّد أسعار شراء المحاصيل التي كان ملتزمًا بها الفلاحون، وكان التجار ملتزمين أيضًا بأسعار بيعها. وصدَّر الغلال لأوروبا لتحقيق دخل أعلى. وكانت الدولة تختم الأقمشة حتى لا يقوم آخرون بنسجها سرًّا.

    • إنشاء «القناطر الخيرية»

    وقد فكر فيها بعد ما شاهد بنفسه فوائد القناطر التي أنشأها على الترع المصرية العديدة، ورأى أن كميات عظيمة من مياه الفيضان تضيع هدرًا في البحر. عهِد محمد علي بدراسة هذا المشروع إلى جماعة من كبار المهندسين، منهم المسيو لينان دي بلفون (لينان باشا) كبير مهندسيه، فوضع له تصميمًا وشرع في العمل وفقًا لهذا التصميم سنة 1834 ثم ترك لوقت آخر، وعندما اعتزم محمد علي استئناف العمل استرشد بمهندس فرنسى آخر هو المسيو موجيل بك Mougel إذ أعجبته منه مقدرته الهندسية في إنشاء حوض السفن بميناء الإسكندرية، فعهد إليه بوضع تصميم إقامة القناطر الخيرية، فقدم مشروعًا يختلف عن تصميم المسيو لينان (يقوم على إقامة القناطر مباشرة فى حوض النهر. ويتألف المشروع من قنطرتين كبيرتين على فرعى النيل يوصل بينهما برصف كبير، وشق ثلاث ترع كبرى تتفرع عن النيل فيما وراء القناطر لتغذية الدلتا، وهى الرياحات الثلاثة المعروفة برياح المنوفية ورياح البحيرة ورياح الشرقية الذي عرف بالتوفيقي لأنه أنشئ في عهد الخديو توفيق). وشرع فى العمل على قاعدة تصميم موجيل بك وبمعاونة مصطفى بهجت (باشا) ومظهر (باشا) المهندسين الكبيرين المتخرجين من البعثات العلمية. وكان قد وضع محمد علي حجر الأساس للقناطر الخيرية وتوقف العمل بعد وفاته في أثناء ولاية عباس حلمي الأول بحُجة أن حالة الخزانة لا تسمح ببذل النفقات الطائلة التي يتكلفها إنفاذ المشروع، وقد تم بناء القناطر وأنشئ رياح المنوفية في عهد سعيد باشا.

    • نظام احتكار الدولة

    وضع محمد علي سياسة تصنيعية وزراعية، وطبق سياسة الاحتكار فأنشأ مصانع للغزل والنسيج والطرابيش والسكر والبنادق والمفرقعات والصابون والزيت والزجاج ومعاصر الزيوت ومصانع الحصير، ثم احتكرها وقضى على الصناعات الصغيرة ضمن سياسة الاحتكار.

    نظم المعاملات المالية والتجارية والإدارية فكانت المنسوجات تباع في وكالات (كالقطاع العام حاليًّا) وكان على الفلاحين تقديم محاصيلهم ومصنوعاتهم بالكامل لشِوَن الحكومة بكل ناحية وبالأسعار التي تحدِّدها الحكومة، وكل شونة كان لها ناظر وصراف وقبَّاني ليزن القطن وكيَّال ليكيل القمح، وكانت هذه المحاصيل تنقل لميناءي الإسكندرية وبولاق بالقاهرة، وكانت الجمال تحملها من الشون للموردات بالنيل لتحملها المراكب لبولاق حيث كانت تنقل لمخازن الجهادية. وكانت نظارة الجهادية تحدِّد حصتها من العدس والفريك والوقود والسمن والزيوت لزوم العساكر في مصر والشام وإفريقيا والباقي يذهب للإسكندرية لتصديره للخارج، وكان جزء منه يُترك للتجار والبائعين بقدر حاجاتهم، ولم يكن لهم حق ممارسة التجارة إلا بإذن من الحكومة للحصول على حق هذا الامتياز لمدة عام واحد، يسدد عنه الأموال التي تقدرها السلطات وتدفع مقدمًا.

    • المدارس والتعليم

    أنشأ محمد علي العديد من المدارس واهتم بتعليم أبناء البلد من المصريين، ومنها المدارس العليا التى تساوي الجامعات كمدرسة المهندسخانة ومدرسة الطب، «دار العلوم» عام 1872 لتخريج مدرسين مختصين في اللغة العربية، ثم بدأ بعد ذلك ظهور الجامعات المصرية منذ بداية عام 1908. كما أرسل الكثير من البعثات لتلقِّي العلم في أوروبا، وأحضر المطبعة وأنشأ أول جريدة باللغة العربية «الوقائع المصرية» و«الأهرام». واستعان بعدد غير قليل من الفرنسيين لتنظيم مرافق الدولة في جميع النواحي التعليمية والهندسية والطبية والاجتماعية.

    • المدينة القديمة (القاهرة في عهد محمد علي)

    كانت حدود القاهرة (قاهرة المعز) منذ العهد الفاطمي وحتى ذلك الوقت، تبدأ من سور المدينة بين بابي الفتوح والنصر شمالًا، إلى الفسطاط جنوبًا (حيث يوجد جامع عمرو بن العاص حاليًّا)، ومن الخليج المصري غربًا (السيدة زينب، قلعة الكبش، ومسجد أحمد بن طولون وما حوله من شوارع وأزقة ودروب وأسواق)، إلى القلعة وجبل المقطم و«قرافة» المماليك شرقًا. وكانت محصورة بين أحياء وأزقة هذه المعالم، التي تضم ما تركته الفترة العثمانية والمملوكية من معمار، ومن قصور مثل «قصر بشتاك»، ومنازل مثل منزل «زينب خاتون»، ودروب مثل «الدرب الأحمر» و«الدرب الأصفر»، ومساجد مثل «مسجد الغوري» و«مسجد السلطان حسن» و«مسجد كتخدا»، ووكالات مثل «وكالة الغوري»، وخانات مثل «المسافر خانة».. وقد اهتم محمد علي بالمناطق التاريخية، ففي عام 1831 أصدر قرارًا أمر فيه بإزالة المباني المتهدمة وبناء وتعمير الخرائب والمناطق الخالية، وتحديد مساحتها.

    كما أنشأ في عام 1843 مجلسًا أوكل إليه مهمة تجميل القاهرة وتنظيفها، وكان أول من أصدر الفرمانات الخاصة بذلك. وفي عام 1846 بدأ تنظيم شوارع القاهرة القديمة فتمت توسعة شارع الموسكي، وترقيم الشوارع وإطلاق الأسماء عليها.

    • قصر شبرا، بداية الحداثة ودخول الإنارة

    كانت الظروف مهيَّأة في عهد محمد علي لنمو المدينة وتوسُّعها وإعادة تنظيمها، وكان سكان القاهرة أنفسهم احتكوا بالحضارة الغربية لا سيما الفرنسية من خلال سنوات الحملة الفرنسية (1798 - 1801)، ومن خلال رجال البعثات التي أرسلها إلى أوروبا للتعليم، والذين كانوا أداة غير مباشرة للربط بين قاهرة العصور الوسطى بتخطيطها المميز والقاهرة الحديثة. وقد عرفت القاهرة التنظيم والتطوير من خلال تركيز الصناعات والحرف في منطقة السبتية، بشمال شرق بولاق، وإزالة الأنقاض من حولها، ودفن القمامة والبناء عليها (كما فعلوا بمدينة نيويورك)، وردم البرك والمستنقعات المنتشرة فيها، وتحويل مساحات شاسعة منها إلى حدائق ومتنزهات. وكان أول من مهَّد المنطقة من بولاق أبوالعلا حتى ما يعرف بجاردن سيتى حاليًّا.

    كانت شبرا من أولى تلك المناطق، عندما بنى محمد علي قصره فيها، وكان على نمط قصور الحدائق، ويبدو أنه كان يتطلع إلى تشييد قصر يكون مقرًّا للحكم. وبعد أن شق طريقًا غُرست به الأشجار على الجانبين، اتخذ الناس من شبرا منطقة للسكن. كان القصر والحديقة المحيطة به من المواقع المبكرة التي تم إدخال نظام للإنارة بها، بغاز الاستصباح، فكان وبفضل ذلك القصر بداية الدخول لعصر الحداثة. فهو يُعد أحدث ما تم التوصل إليه في ذلك العصر. تم افتتاحه في عام 1829؛ لتشهد مصر بذلك نقلة حضارية نوعية. فوصفه چيرار دي نرڤال، مأخوذًا بشدة إضاءته الغازية، بقوله إنه «أشبه بلؤلؤة مضيئة تبدِّد ظلام الليل».

    كما سمح محمد علي، الذي كان قد سبق وأن فتح الباب لإرسال البعثات العلمية إلى أوروبا، لأعضاء تلك البعثات من طلاب الزراعة بعد عودتهم بتطبيق ما تعلموه هناك من تقنيات حديثة، وباختبار محاصيل جديدة قد تكون ملائمة للزراعة في التربة المصرية. وأصبحت شبرا أول جهة في القطر المصري تحظى بعمارة المتنزهات. قبل «المنتزه» الذي أقامه الخديو إسماعيل بالإسكندرية.

    • ظهور المناطق الجديدة

    ظهرت بعد ذلك مناطق سكنية جديدة، شيد فيها محمد علي القصور الملكية الفخمة الموقعة بأسماء مصمِّمين معماريين من إيطاليا وفرنسا وبلجيكا، مشترطًا عليهم أن يعلِّم كل خبير هندسى منهم أربعة من المصريين فنون العمارة والتشييد، وكان فى مقدمة تلك القصور قصر محمد علي بحي شبرا (تم تجديده من قبل وزارة الثقافة منذ عدة سنوات)، كما بنى قصر الجوهرة في قلعة صلاح الدين الأيوبي، وبنى قصر النيل، وقصر القبة. وهو نفس النهج الذي انتهجه أبناؤه وأحفاده من بعده، فزحف العمران ببناء هذه القصور، وظهرت أحياء لم تكن موجودة من قبل، وعمرت أحياء لم تكن مأهولة بالسكان لبُعد المسافة بينها ومركز المدينة القديمة؛ فامتدت القاهرة وزادت رقعتها وخرجت من طور العصور الوسطى لتضم إليها المدينة الحديثة التي اهتم بها أبناء أسرة محمد علي، وكان

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1