Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الاحكام الموضوعيه لمكافحه جرائم الفساد ج2
الاحكام الموضوعيه لمكافحه جرائم الفساد ج2
الاحكام الموضوعيه لمكافحه جرائم الفساد ج2
Ebook919 pages7 hours

الاحكام الموضوعيه لمكافحه جرائم الفساد ج2

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يقدم المؤلف دراسة شاملة للأحكام الموضوعية لمكافحة الفساد في اتفاقية الأمم المتحدة، بداية من الإطار العام الذي تضمنته الاتفاقية، ومرورًا بشرح الركائز الرئيسية لهذه المكافحة والمتمثلة في أحوال التجريم وإنفاذ القانون على أشكالها المتعددة. كما عرض المؤلف- من وجهة نظره العلمية والعملية- أسس فهم النص القانوني في الاتفاقية وآثاره في التطبيق التشريعي الداخلي ودراسة نقدية تحليلية لأحكام التجريم وقواعد إنفاذ القانون التي اشتملت عليها الاتفاقية.
Languageالعربية
PublisherNahdet Misr
Release dateJan 1, 2014
ISBN9789771447207
الاحكام الموضوعيه لمكافحه جرائم الفساد ج2

Related to الاحكام الموضوعيه لمكافحه جرائم الفساد ج2

Titles in the series (3)

View More

Related ebooks

Reviews for الاحكام الموضوعيه لمكافحه جرائم الفساد ج2

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الاحكام الموضوعيه لمكافحه جرائم الفساد ج2 - عبد المجيد محمود عبد المجيد

    الغلاف

    الأحكام الموضوعية لمكافحة جرائم الفساد

    في ضوء اتفاقية الأمم المتحدة والتشريع الجنائي المصري

    « الجزء الثـاني »

    المستشار الدكتــور

    عبد المجيد محمود عبد المجيد

    إشـــراف عـــــام: داليـــــــــا محمــــــــد إبراهيـــــــم

    جميع الحقوق محفوظة © لدار نهضة مصر للنشر

    يحظـــــر طـبــــــع أو نـشـــــر أو تصــويــــر أو تخـزيــــن

    أي جــزء مــن هــذا الكتــاب بأيــة وسيلــة إلكترونية أو ميكانيكية

    أو بالتصويـــر أو خــلاف ذلك إلا بإذن كتابي صريــح من الناشـــر.

    الترقيم الدولي: 7-4720-14-977-978

    رقـــم الإيـــــداع: 23837 / 2013

    الطبعـــة الأولــــى: يناير 2014

    Arabic%20DNM%20Logo_Colour%20Established.eps

    21 شارع أحمد عرابي - المهندسين - الجيزة

    تليفـــــــون: 33466434 - 33472864 02

    فاكـــــــــس: 33462576 02

    خدمة العملاء: 16766

    Website: www.nahdetmisr.com

    E-mail: publishing@nahdetmisr.com

    مقدمة

    يتكون التشريع الجنائي من مجموعة من القواعد الجنائية الموضوعية والإجرائية، والقاعـدة الموضوعية للجريمة، بصفة عامة، هي التي تبين أركان الجريمة وعناصر كل ركن، وتحدد عقوبة الجريمة وما يعرض لها من أسباب التشديد أو التخفيف، وتبين كذلك أسباب الإباحة وموانع المسئولية الجنائية وموانع العقاب إزاء تلك الجريمة. والقاعدة الموضوعية هي «قاعدة سلوك» ؛ لأنها تحدد للأفراد ما يجوز لهم وما يحظر عليهم، وهـي بناء على ذلك إلزامية لهم، وهـي كذلك «قاعدة تقييم»، أي تحدد التكييف القانوني للسلوك وما إذا كان مشروعًا أو غير مشروع، وجزاء مخالفتها هو توقيع العقوبة.

    ويتوقف وصف القاعدة القانونية بالموضوعية على تحديد المبادئ والأحكام القانونية التي تخضع لها، وعلى سبيل المثال فامتناع القياس يسري على القواعد الموضوعية ولا يسري على القواعد الإجرائية، وكذلك المبادئ الخاصة بعدم رجعية النصوص وسريان القانون الأصلح للمتهم على الماضي تطبق على نصوص التجريم والعقاب دون نصوص الإجراءات الجنائية، وقاعدة افتراض العلم بالقانون تطبق على القواعد الموضوعية دون القواعد الإجرائية (1).

    والجريمة ذات طبيعة مختلطة، ولها على الأقل جانبان: جانب مادي يتمثل فيما يصدر عن مرتكبها من أفعال وما يترتب عليها من آثار، وجانب نفسي يتمثل فيما يدور في نفس مرتكبها، أي مـا يتوافـر لديه من علم وما يصـدر عنه من إرادة، ويعنى ذلك أن الجريمـة لا يمكن أن تقوم على ركن واحد، ويرجع هذا التعدد إلى أن للإنسان، وهو صانع الجريمة، كيانًا ماديًّا وكيانًا نفسيًّا، والجريمة تدور فيهما معًا(2). وفي تناولنا للأحكام الموضوعية لمواجهة الفساد، والتي تتكون من خلالها أركان الجرائم المكونة للفساد، فإننا نقسم هذا الكتاب إلى فصلين، نتناول في الفصل الأول الأحكام الموضوعية لمواجهة الفساد من خلال اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ونخصص الفصل الثاني لدراسة هذه الأحكام في التشريع المصري.

    (1) د. محمود نجيب حسني، شرح قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، الطبعة السادسة، 1998، ص 10 وما بعدها.

    (2) د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات، القسم العام، دار النهضة العربية، الطبعة السادسة 1989، ص 46 وما بعدها.

    الفصل الأول

    الأحكام الموضوعية لمواجهة الفساد

    في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد

    لقد أضحى سبيلًا حتميًّا وإلزاميًّا مع ما بلغته العلاقات والمصالح الدولية من انصهار تبني كافة دول العالم لمفهوم وحدة الغايات والعمل على تفعيله ؛ إذ لم يعد مقبولًا انفراد دولة برسم وتعميم استراتيجياتها دون اعتبار لمصالـح الأسـرة الدوليـة، بل لم يعد ذلك متصورًا من مجموعة أو طائفة من دول العالم، حتى ولو كانت تربطها وشائج أيديولوجية واحدة. حقًّا إن قرار الدولة المبني على مبدأ السيادة أمر من أشد خصوصياتها، وهو النموذج المثالي الأول المعبر عن استقلالها وسلطانها إزاء غيرها من الدول، إلا أننا الآن نقطع - دون ثمة جدل - أن قرار الدولة هذا - على خصوصيته وسياديته - قد يرتهن في بعض نواحيه برؤى غيرها من الدول على قاعدة التآخي والمصالح المتبادلة ؛ حيث صار قرار الدولة معنيًّا بمصالح المجتمع الإنساني ككل، تشارك شعوب العالم بأسره في بنائه وتحديد أبعاده وأهدافه، لتجني مجتمعةً من آثاره ما كان منها مناسبًا أو مثاليًّا.

    من هنا كان مسعى دول العالم المدركة لهذه الحقيقة في أن توحد خطاها لضمان التواصل البناء، وأن توجد لشعوبها بواعث الأمن والرخاء في ظل قاعدة ثابتة مؤداها أنه لا سبيل للذاتية والانفرادية في تقرير مصير الإنسانية(3).

    وأمام هذا الواقع الدولي والإقليمي والمحلي الذي يشهد تنامي ظاهرة الفساد، تحركت الأمم المتحدة بناء على قرار الجمعية العامة رقم 55/61 المؤرخ في 4 ديسمبر 2000، الذي أنشأ لجنة مخصصة للتفاوض بشأن صك قانوني دولي فعَّال لمكافحة الفساد، وبعد تحضيرات استمرت على مدار عام 2001 بدأت المفاوضات مع بداية عام 2002، واستمرت حتى شهر أكتوبر 2003، وعلى مدار سبع جولات تفاوضية، كـان للدول العربية إسهام فـاعل ومـؤثر في الأغلـب الأعـم في صياغة أحكام مشروع الاتفاقية، وقدمت اللجنة المخصصة تقريرها المتضمن مشروع الاتفاقية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكي تنظر فيه وتتخذ إجراءً بشأنه. وبتاريخ 31 أكتوبر 2003 صدر قرار الجمعية العامة رقم 58/4 الذي يقضي باعتماد اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وفتح باب التوقيع عليها في مؤتمر التوقيع السياسي الرفيع المستوى الذي عقد في ميريدا - المكسيك - في الفترة من 9 إلى 14 ديسمبر 2003. وتعد اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد- التي نراها بحق إفاقة باكرة على الآثار المنظورة لأوجه الفساد بمختلف بواعثه ومجالاته- تطورًا هامًّا في تاريخ الإنسانية. ذلك أنه، وللمرة الأولى، يتم التوصل إلى اتفاق المجتمع الدولي حول عدد من المفاهيم التي تحكم العمل القانوني في مجـال الممارسـات التي اصطلح على اعتبارها فسادًا ؛ وقد أوضحت هذه الاتفاقية خطورة ما يطرحه الفساد من مشاكل ومخاطر على استقرار المجتمعات وأمنها، وخطورة الصلات القائمة بين الفساد وسائر أشكال الجريمة، وخصوصًا الجريمة المنظمة والجريمة الاقتصادية بما فيها غسل الأموال، مما يقوض مؤسسـات الديمقراطية وقيمها الأخلاقية والعدالة ويعرِّض التنمية المستدامة وسيادة القانون للخطر. كما عبرت الاتفاقية عن الاقتناع بأن اكتساب الثروة الشخصية بصورة غير مشروعة يمكن أن يلحق ضررًا بالغًا بالمؤسسات الديمقراطية والاقتصاديات الوطنية وسيادة القانون، وبأن منع الفساد والقضاء عليه مسئولية تقع على عاتق جميع الدول بالتعاون مع المجتمع والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المحلي.

    واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، على ما نلمس من نصوصها، لم تقف عند حد المناشدة أو حث الدول على سن تشريعاتها أو تعديلها على نحو يضمن مواجهة الفساد في عبارات عامة فضفاضة، بل عمدت الاتفاقية إلى تقرير أحكام واضحة نتجت عنها كافة العناصر التي تتألف منها وسائل المكافحة المتنوعة، ومن ذلك بيان الجرائم المتصور أن يرتكبها الجناة لبلوغ مآربهم، والوسائل الضامنة لحسن تطبيق أحكام الاتفاقية.

    وفي هذا الموضع من الدراسة نتناول بالشرح والتفصيل الأحكام الموضوعية لمكافحة الفساد في هذه الاتفاقية، وذلك في مباحث أربعة: نخصص الأول منها لإطلالة سريعة على الإطار العام الذي تضمنته الاتفاقية لمكافحة الفساد، وذلك قبل الغوص في شرح الركيزة الرئيسية للاتفاقية المتمثلة في أحوال التجريم وإنفاذ القانون على أشكالها المتعددة من خلال تقفي المنهج التشريعي الذي تم التزامه في هذه الاتفاقية، ثم نعرض في المبحث الثاني لنطاق التجريم، وأحكام ووسائل إنفاذ القانون، والتدابير الوقائية التي تضمنتها الاتفاقية لمكافحة الفساد، كما نعرض ـ من وجهة نظرنا ـ لأسس فهم النص القانوني في الاتفاقية وأثره في التطبيق التشريعي الداخلي. وفي المبحث الثالث نتناول السياسة العقابية لجرائم الفساد التي تبنتها الاتفاقية، فنعرض للأحكام القانونية الخاصة بالمسئولية الجنائية للشخص المعنوي، وفي المبحث الرابع نقدم دراسة نقدية تحليلية لأحكام التجريم وقواعد إنفاذ القانون التي اشتملت عليها الاتفاقية.

    (3) راجع في ذلك: وثائق مؤتمر الأمم المتحدة التاسع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين، وثيقة رقم A/CONF, 169/L.23، المؤرخة 4 مايو 1995.

    المبحث الأول

    الإطار العام لمكافحة الفساد في الاتفاقية

    في إطار سعيها لإنشاء أطر قانونية توفر المناخ الملائم لإرساء دولة الحق والقانون على المستويين الوطني والعالمي، قامت الأمم المتحدة بوضع اتفاقية شاملة لمكافحة الفساد، تمثل صكًّا دوليًّا بالغ الأهمية لأسباب ثلاثة: أولها أنها اتفاقية عالمية النطاق اشترك في أعمالها التمهيدية وفي المفاوضات التي سبقت إقرارها أكثر من مائة وعشرين دولة، بالإضافة إلى العديد من ممثلي المنظمات الدولية الحكومية والأهلية. وهـي بذلك تعتبر استكمالًا وتتويجًا لسلسلة من الاتفاقيات والصكوك الإقليمية في مجال مكافحة الفساد. وثانيها أن هذه الاتفاقية تشكل استراتيجية شاملة لمكافحة الفساد تعتمد على اتخاذ مجموعة من التدابير التشريعية وغير التشريعية، وتنشئ لنفسها آلية لمراقبة التنفيذ من خلال مؤتمر الدول الأطراف، وتستهدف تحقيق التعاون القضائي بين الدول الأطراف على كافة أصعدة مكافحة ظاهرة الفساد. وثالثها أنها أعلنت وبجلاء عن إرادة دولية صادقة لمناهضة شاملة للفساد ومنظومة جنائية دولية ترتكز أهم دعائمها على مكافحة غسل العائدات المالية الناجمة عن كافة جرائم الفساد، والتزامًا بتعديل التشريعات الوطنية وفاءً بالالتزامات الدولية التي تفرضها هذه الاتفاقية بتجريم أنشطة الفساد كافة وملاحقة مرتكبيها وتوقيع الجزاءات الرادعة عليهم، فضلًا عن اتخاذ تدابير المنع والوقاية التي عنيـت الاتفاقية ببيانها، والالتزام بالأحكام المتعلقة بآلية المتابعة، على نحو ما قررته الدول أطراف الاتفاقية(4).

    وتضمنت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد أحكامًا شتى ومستحدثة في مجال مكافحة ظاهرة الفساد، وتمثل هذه الأحكام في مجملها تطورًا نوعيًّا هامًّا سواء على صعيد وسائل وأدوات مكافحة هذه الظاهرة على أرض الواقع أو من خلال استحداث بعض المفاهيم والآليات القانونية التي تفرضها ظاهرة تتجاوز بطبيعتها حدود الدول، لاسيما في الشق الخاص بنقل أو تهريب الأموال المتحصلة عن جرائم الفساد.

    ويمكن القول إن أهم الأحكام التي اشتملت عليها الاتفاقية، قد تكون أحكامًا عامة تتعلق بسياسات مكافحة الفساد والأطر المؤسسية اللازمة لذلك (المطلب الأول)، أو أحكامًا متعلقة بالإطار التشريعي لتجريم أفعال الفساد (المطلب الثاني)، أو أحكامًا مخصصة للنظام الإجرائي لملاحقة جرائم الفساد والمتهمين بارتكابه (المطلب الثالث). وفيما يلي تفصيل كل منها:

    المطلب الأول

    الأحكام العامة التي تضمنتها الاتفاقية في مجال مكافحة الفساد

    وتتمثل في الهدف من الاتفاقية، وشمولية نطاق تطبيقها، وترسيخ القيم السياسية والاجتماعية المعززة لثقافة الشفافية والنزاهة والمساءلة، والاهتمام بالسياسات الوقائية المصاحبة لمكافحة الفساد.

    أولًا: الهدف من الاتفاقية: تهدف الاتفاقيــة ـ حسبمــا تنص عليه مادتها الأولى ـ إلى تحقيق الأغراض الآتية:

    1. ترويج وتدعيم التدابير الرامية إلى منع ومكافحة الفساد بصورة أكفأ وأنجح.

    2. ترويـج وتيسير ودعم التعاون الدولي والمساعدة التقنية في مجال منع ومكافحة الفساد بما في ذلك مجال استرداد الموجودات.

    3. تعزيز النزاهة والمساءلة والإدارة السليمة للشئون العمومية والممتلكات العمومية.

    وقد أوضحت ديباجة الاتفاقية بدورها عددًا من الأهداف الأخرى المتمثلة في:

    - توفير المساعدة التقنية التي يمكن أن تؤدي دورًا هامًّا بما في ذلك طرق تدعيم الطاقات وبناء المؤسسات في تعزيز قدرة الدول على منع الفساد ومكافحته بصورة فعالة.

    - العمل على منع وكشف وردع التحويلات الدولية للأموال والأصول المكتسبة بصـورة غير مشروعة، وتعزيز التعاون الدولي في مجال استردادها.

    ثانيًا: شمولية نطاق تطبيقها:

    يتسم نطاق تطبيق اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بالشمولية على نحو يكفل تطبيق الأحكام الواردة بها على كافة مراحل ومستويات مكافحة جرائم الفساد، سواء كان ذلك قبل وقوعهــا (التدابير الوقائية )، أو بعد وقوعها (من خلال التحري والملاحقة)، أو تتبع العائدات المتحصلة عنها (عن طريق استرداد الأموال المتحصلة من جرائم الفساد)(5). كما يتضح شمول نطاق تطبيق هذه الاتفاقية من أن تنفيذ أحكامها لا يتوقف بالضرورة على كون جرائم الفساد المشمولة بالاتفاقية قد ترتب عليها ضرر بأملاك الدولة(6)من عدمه.

    ثالثًا: ترسيخ القيم السياسية والاجتماعية المعززة لمكافحة الفساد:

    من الصعب تصور مكافحة فعالة لظاهرة الفساد بدون الاهتمام بترسيخ ما تفرضه القيم السياسية والاجتماعية التي تؤثر وجودًا أو عدمًا في مكافحة الفساد أو تغلغله وانتشاره، ولعل أهم هذه القيم التي انشغلت الاتفاقية بالتأكيد عليها والعمل على تعزيزها هي:

    1. تأكيد النزاهة والمساءلة وسيادة القانون (7).

    2. دعم استقلال القضاء والتأكيد على نزاهته (8).

    3. نشر التوعية داخل المجتمع، وضرورة مشاركة المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية النشطة في منع الفساد ومحاربته، وإذكاء وعي الناس فيما يتعلق بوجود الفساد وأسبابه وجسامته وما يمثله من خطر(9).

    4 - ترسيخ واعتماد مبادئ الكفاءة والشفافية والمعايير الموضوعية مثل الجدارة والإنصاف والأهلية في مجال التوظيف في القطاع العام في الدولة (10).

    5 - تعزيز الشفافية السياسية المرتبطة بقضية تمويل الأحزاب السياسية (11).

    رابعًا: الاهتمام بالسياسات الوقائية لمكافحة الفساد:

    وهي مجموعة من السياسات التي تسبق وتعزز دور الترسانة التشريعية العقابية في ملاحقة مرتكبي جرائم الفساد. ولعل أهم هذه السياسات التي اشتملت عليها الاتفاقية هي:

    1. وجود هيئات تضطلع بمكافحة الفساد وقائيًّا من خلال عدة وسائل من أهمها التقييم الدوري للصكوك والتشريعات القانونية والتدابير الإدارية ذات الصلة، بهدف تقرير مدى كفايتها لمنع الفساد ومكافحته، وتعاون الدول الأطراف فيما بينها ومع المنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة على تعزيز وتطوير التدابير الوقائية لمكافحة الفساد، بما يشمله ذلك التعاون من المشاركة في البرامج والمشاريع الرامية إلى منع الفساد(12).

    2. نشر وتعميم المعرفة المتعلقة بمنع ومكافحة الفساد.

    3. منح الهيئات التي تضطلع بدور في مكافحة الفساد، وفقًا للمبادئ الأساسيـة للنظـام القانوني في كل دولة ما يلزمها من الاستقلالية حتـى تتمكـن من القيام بوظائفها بصورة فعالة وبمنأى عن أي تأثير أو تدخل في شئونها لا مسوغ له، وتوفير ما يلزمها من موارد مالية، وموظفين متخصصين، و إمداد هؤلاء الموظفين بما قد يحتاجونه من دورات تدريبية تؤهلهم لما قد يضطلعون به من مهام في شأن هذه المكافحة، ولمزيد من تفعيل هذه السياسة الوقائية فإن الاتفاقية أوجبت على كل دولة طرف القيام بإبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة باسم وعنوان السلطة أو السلطات التي يمكن أن تساعد الدول الأطراف على وضع وتنفيذ تدابير محددة لمنع ومكافحة الفساد(13).

    4. اتخاذ الإجراءات المناسبة في مجال القطاع العام لاختيار وتدريب الأفراد لتولي المناصب العمومية التي تعتبر بصفة خاصة عرضة للفساد وضمان تناوبهم على المناصب عند الاقتضاء. ووضع جداول أجور منصفة مع مراعاة مستوى النمو الاقتصادي للدولة الطرف المعنية (14).

    5. وضع مدونات سلوك للموظفين العموميين، بهدف تعزيز النزاهة والأمانة والمسئولية وضمان الأداء الصحيح والمشرف للوظائف العمومية، وفي هذا الإطار فقد دعت الاتفاقية الدول الأطراف إلى أن تأخذ في الاعتبار المبادرات ذات الصلة التي اتخذتها المنظمات الإقليمية والأقاليمية والمتعددة الأطراف، ومنها المدونة الدولية لقواعد سلوك الموظفين العموميين المرفقة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 51/59 المؤرخ 12 ديسمبر6991(15).

    6. وضع النظم واتخاذ التدابير التي تلزم الموظفين العموميين بالإفصاح للسلطات المعنية عما لهم من أنشطة خارجية وعمل وظيفي واستثمارات وموجودات وهبات، أو منافـع أخـرى قد تؤدي إلى تضارب في المصالح مع مهامهم كموظفين عموميين (16).

    7. تنظيم المشتريات العمومية وإدارة الأموال العامة على نحو يقوم على الشفافية والتنافس والمعايير الموضوعية في اتخاذ القرارات، وذلك في مجال إجراء المناقصات وعقود الشراء وإقامة نظام فعال لمراجعة النظم الداخلية بما في ذلك إنشاء نظام فعال للطعن في القرارات الإدارية ضمانًا لوجود سبل قانونية للتظلم تؤدي إلى الإنصاف في حالة عدم اتباع القواعد أو الإجراءات المقررة في هذا الشأن(17).

    8. الاهتمام بالمكافحة الوقائية لجرائم الفساد في القطاع الخاص، وذلك من خلال تعزيز التعاون بين أجهزة إنفاذ القانون، وكيانات القطاع الخاص ذات الصلة، والعمل على وضع معايير وإجراءات وضوابط سلوكية تستهدف صون نزاهة هذا القطاع بما يضمن قيام المنشآت التجارية وجميع المهن ذات الصلة بأنشطتها على وجه صحيح ومشرف(18).

    9. إنشاء نظام داخلي للرقابة والإشراف على البنوك والمؤسسات المالية غير المصرفية، بما في ذلك الأشخاص الطبيعية أو الاعتبارية التي تقدم خدماتها في مجال نقل وتحويل الأموال أو كل ما له قيمة، ويدخل ذلك ضمن إطار تدابير منع ومكافحة غسل الأموال (19).

    01. من أهم ما تضمنته الاتفاقية في مجال السياسات الوقائية لمكافحة الفساد حظر اقتطاع النفقات المخصصة للرشاوى من الوعاء الضريبي، لأن الرشوة هي أحد الأفعال المجرمة وفقًا للمادتين 15 و 16 من الاتفاقية، وكذلك حظر خصم سائر النفقات المتكبدة في تعزيز السلوك الفاسد من الوعاء الضريبي، ويعتبر ذلك الحكم الهامُّ من جانب الاتفاقية تصحيحًا لممارسات سابقة، إذ كانت تسمح تشريعات ونظم بعض الدول باقتطاع مثل هذه الرشاوى مـن الوعـاء الضريبي للشركة تحت مسمى العمولات أو المكافآت أو النفقات، وكان ذلـك يبـدو على وجه الخصوص في إطار نشاط الشركات والكيانات العابرة للحدود الإقليمية.

    المطلب الثاني

    الإطار التشريعي لمواجهة جرائم الفساد

    لا تكـاد تخلـو الاتفاقيـة بصفة عامة من تجريم أي فعل من أفعال الفساد. ولعل هذا ما يؤكد أهميتها كصك دولي عالمي وشامل لمكافحة ظاهرة الفساد. وعلى الرغم من أن الاتفاقيـة لا يمكنها أن تنشئ بذاتها تجريمًا مباشرًا يطبق تلقائيًّا على الدول الأطراف فيها، فإن ما تضمنته من الدعوة إلى تجريم مختلف أفعال وصور الفساد ينطوي على درجة من الإلزام للدول الأطراف فيها، والتي يعترف نظامها القانوني بأن الاتفاقيات الدولية التي تصدق عليها الدولة تصبح جزءًا من قانونها الداخلي، وستصبح هذه الدول عاجلًا أو آجلًا مدعوة لإجراء المواءمة التشريعية بين الاتفاقية وتشريعاتها الداخلية عن طريـق إجـراء تعديلات على هذه التشريعات بما يتفق مع أحكام هذه الاتفاقية. وأهم الملامـح التي يتسم بها الإطار التشريعي للتجريم والعقاب الذي اشتملت عليه الاتفاقية تتمثل فيما يلي:

    1- تجريم شتى أفعال وصور الفساد التقليدي منها وغير التقليدي، وتشمل: الرشـوة، واختلاس الأموال العمومية، والاتجار بالنفـوذ، وإسـاءة استغـلال الوظائف (التربح)، والإثراء غير المشروع، وغسل عائدات الفساد، وعرقلـة سير العدالة.

    2- شمولية تجريم الفساد ليضم، ليس فقط أفعال الفساد التي تقع من الموظفين العموميين في إطار القطاع الحكومي أو العام، بل أيضًا أفعال الفساد التي ترتكب في إطار القطاع الخاص مثل تجريم الرشوة في الشركات الخاصة ( المادة 21 من الاتفاقية )، وتجريم اختـلاس الممتلكـات في القطاع الخاص ( المادة 22 من الاتفاقية )، وهو الأمر الذي يفرضه تعاظم دور القطاع الخاص في ظل سيادة الليبرالية الاقتصادية في كل دول العالم تقريبًا.

    3 - التوسع في تعريف الموظف العام الذي يمكن إسناد جرائم الرشوة إليه، بحيث لا يقتصر على الموظف العام داخل الدولة، بل يشمل أيضًا الموظف العام الأجنبي، وموظفي المؤسسات والمنظمات الدولية(20).

    4 - التوسع في تجريم أفعال الفساد، إذ استغرقت الاتفاقية في نصوصها كافة الأدوار التي يتصور أن يُسَاهَم بها في ارتكاب الجرائم، أيًّا كانت صورة هذه المساهمة سواء بالتحريض أو الاتفاق أو المساعدة، وكذلك تجريم الشروع في ارتكاب أي من هذه الجرائم، أو الإعداد لارتكاب فعل مجرم وفقًا لها، ويقصد من ذلك الأعمال المسهلة أو المجهزة لارتكاب الجريمة (21).

    5 - استحـداث تجريـم بعـض الأفعال والتوسع في نطاق التجريم، مثل تجريم غسل عائدات الفساد، وتجريم عرقلة سير العدالة من خلال إضفاء الحماية القانونيـة على الشهود والخبراء والموظفين القضائيين إلى أبعد مدى ممكن(22).

    6 - تقرير المسئولية الجنائية للأشخاص الاعتبارية بحيث يمكن مساءلتها عن جرائـم الفسـاد المشمولة بالاتفاقية وإخضاعها لما يناسبها من جزاءات لا سيما العقوبات المالية، وذلك دون المساس بإمكانية مساءلة الأشخاص الطبيعيين الذين ارتكبوا هذه الجرائم (23).

    7 - تقرير نظام جزائي لجرائم الفساد يتسم بالفاعلية من ناحية، والتنوع من ناحية أخرى، فمن حيث الفاعلية حاولت الاتفاقية الحد من الحصانات التي يتمتع بها الموظفون العموميون والتي قد تمثل قيدًا يرد على سلطة النيابة العامة في الادعاء ضدهم، كما أجازت اتخاذ تدابير مؤقتة في مواجهة الموظفين المتهمين بارتكاب جرائم الفساد دون الإخلال بما ينبغي أن يتوافر لهم من حقوق الدفاع وافتراض البراءة (24)؛ ومن حيث التنوع، فإن النظام الجزائي الذي اشتملت عليه الاتفاقية يضم صورًا شتى من الجزاءات المالية مثل المصادرة وما تفرضه من التجميد والحجز كتدابير تسبقها، والتعويض عن الضرر، وكذلك فسخ العقود وإلغاء حقوق الامتياز، وذلك بالإضافة للعقوبات التقليدية الأخرى السالبة للحرية والتي تنص عليها أصلًا التشريعات العقابية الوطنية.

    المطلب الثالث

    النظام الإجرائي للملاحقة القضائية لجرائم الفساد

    يُعد النظام الإجرائي للملاحقة القضائية لجرائم الفساد المنصوص عليه في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد أحد العوامل الهامة التي تفسر تميز هذه الاتفاقية بأهميتها وجدتها؛ وذلك لأن هذا النظام جاء فعالًا في وسائله ومطبقًا للمفاهيم القانونية المستحدثة في مجال مكافحة ظاهرة الفساد. وذلك على الصعيدين الوطني وعبر الوطني، ويمكن إجمال ملامح هذا النظام فيما يلي، مرجئين التفصيلات إلى موضوعها في الباب الثاني من هذه الدراسة:

    1- تفعيل نظام استرداد الأموال والعائدات المتحصلة من جرائم الفساد، وهو ما يمثل أهم جوانب مكافحة ظاهرة الفساد على الإطلاق، لاسيما على الصعيد عبر الوطني، ذلك أن حرمان مرتكبي جرائم الفساد من ثمار مشروعهم الإجرامي مهما استخدموا من حيل الإخفاء والتمويه المصرفي ووسائل غسل وتدوير هذه الأموال هو ما يقلق مضاجع هؤلاء ويسهم في تحجيم الظاهرة والحد منها. ونظرًا لأهمية موضوع استرداد أموال وعائدات الفساد، فقد نص عليه في أكثر من موضع في الاتفاقية ابتداء مـن ديباجتهـا ( الفقرة 8 من الديباجة )، إلى الفصل المخصص للأحكام العامة (المادة 3 الخاصة بنطاق الانطباق)، وحتى الفصل السـادس الذي كرسته الاتفاقية بأكمله لتنظيم استرداد هذه الأموال والعائدات (المادة 51 حتى المادة 59 من الاتفاقية)، وذلك على النحو الذي سوف نتناوله تفصيلًا فيما بعد .

    2- تعزيز التعاون القضائي الدولي بكافة صوره وآلياته في مجال مكافحة الفساد .

    3- التوسع في الأخذ بمعايير الولاية القضائية وتحقيق التكامل بينها على نحو يسد ثغرات الملاحقة القضائية عبر الوطنية في مجال الكشف عن جرائم الفساد وتعقب مرتكبيـه.

    4- الاهتمام بتفعيل نظام تسليم الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم الفساد أو المحكوم عليهم بالإدانة عن إحدى هذه الجرائم، وهو أمر على جانب كبير من الأهمية، إذ أصبح ملاحظًا شيوع ظاهرة ارتكاب الفساد في دولة معينة ثم قيام الجاني بالفرار مع تحويل أو تهريب الأموال التي تحصل عليها من جريمته إلى دولة أخرى، ثم قيامه بتدوير واستثمار هذه الأموال في الدولة التي هرب إليها أو في دولة ثالثة وهكذا...

    وتجدر الإشارة إلى أن أهم ما استحدثته الاتفاقية بشأن تسليم الأشخاص المتهمين أو المحكوم عليهم في إحدى جرائم الفساد يتمثل في حكمين:

    أولهما: تقرير مبدأ إما التسليم أو المحاكمة، وذلك بالنسبة للأشخاص المتهمين بإحدى جرائـم الفساد لكونهم يتمتعـون بجنسيـة هذه الدولة، مع ما هو معروف من أنه لا يجوز إجبار دولة على تسليم رعاياها، أو أي سبب آخر يتعذر معه التسليم.

    ثانيهما: عدم جواز رفض تسليم المتهم بإحدى جرائم الفساد استنادًا للدفع بالطابع السياسي للجريمة المنسوبة إليه، ويُعد هذا الحكم تطورًا هامًّا على صعيد آلية تسليم المجرمين، إذ كان الشائع أن يلجأ مرتكبو جرائم الفساد، لاسيما كبار الموظفين منهم أو السياسيين، إلى الزعم بأن الجرائم المنسوبة إليهم هي جرائم سياسية في محاولة منهم لعرقلة إجراءات تسليمهم إلى الدولة التي تطالب بمحاكمتهم أو بتنفيذ الحكم بالإدانة الصادر ضدهم.

    5- تعزيز سبل الكشف عن جرائم الفساد وتشجيع الإبلاغ عنها، وتقرير معاملة عقابية مخففة للمتهمين المتعاونين في الكشف عن الفساد.

    6- إنشاء هيئات تحقيق مشتركة، ويعني ذلك أن تقوم هيئات تحقيق مشتركة بمباشرة التحقيقات أو الملاحقات أو الإجراءات القضائية في دولة واحدة أو أكثر. وقد نصت على ذلك المادة 49 من الاتفاقية.

    (4) المستشار د. سري محمود صيام، دور أجهزة القضاء والتنفيذ في مكافحة الفساد، ندوة وزارة الداخلية، كلية الشرطة، معهد تدريب الضباط، دور الشرطة في مكافحة الفساد الإداري23ـ 24فبراير سنة 2004، ص 15 إلى ص 17.

    (5) وهو ما يستفاد من الفقرة 1 من المادة 3 من الاتفاقية التي تنص على أنه «1 - تنطبق هذه الاتفاقية، وفقًا لأحكامها، على منع الفساد والتحري عنه وملاحقة مرتكبيه، وعلى تجميد وحجز وإرجاع العائدات المتأتية من الأفعال المجرمة وفقًا لهذه الاتفاقية».

    (6) وهو ما يستخلص من الفقرة 2 من المادة 3 من الاتفاقية التي تنص على أنه «2 - لأغراض تنفيذ هذه الاتفاقية، ليس ضروريًّا أن تكون الجرائم المبينة فيها قد ألحقت ضررًا أو أذى بأملاك الدولة، باستثناء ما تنص عليه خلافًا لذلك» .

    (7) حيث تنص الفقرة 1 من المادة 5 من الاتفاقية على أن «1 - تقوم كل دولة طرف وفقًا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني، بوضع وتنفيذ أو ترسيخ سياسات فعالة منسقة لمكافحة الفساد، تعزز مشاركة المجتمع وتجسد مبادئ سيادة القانون وحسن إدارة الشئون والممتلكات العمومية والنزاهة والشفافية والمساءلة»؛ كما تكرر الإشارة لقيمة الشفافية في المادة 11 من الاتفاقية .

    (8) وهو المعنى الذي تؤكد عليه المادة (11) من الاتفاقية بقولها «1 - نظرًا لأهمية استقلالية القضاء وما له من دور حاسم في مكافحة الفساد، تتخذ كل دولة طرف، وفقًا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني وبدون مساس باستقلالية القضاء، تدابير لتدعيم النزاهة ودرء فرص الفساد بين أعضاء الجهاز القضائي، ويجوز أن تشمل تلك التدابير قواعد بشأن سلوك أعضاء الجهاز القضائي. 2 - يجوز استحداث وتطبيق تدابير ذات مفعول مماثل للتدابير المتخذة عملًا بالفقرة 1 من هذه المادة داخل جهاز النيابة العامة في الدول الأطراف التي لا يشكل فيها ذلك الجهاز جزءًا من الجهاز القضائي ولكن يتمتع باستقلالية مماثلة لاستقلاليته».

    (9) ويتم ذلك من خلال مجموعة من التدابير التي تنص عليها المادة 13 من الاتفاقية وهي:

    ( ا ) تعزيز الشفافية في عمليات اتخاذ القرار وتشجيع الناس فيها.

    (ب) ضمان تيسير حصول الناس فعليًّا على المعلومات .

    (جـ) في عدم التسامح مع الفساد، وكذلك برامج نوعية عامة تشمل المناهج المدرسية والجامعية.

    ( د ) احترام وتعزيز وحماية حرية التماس المعلومات المتعلقة بالفساد وتلقيها ونشرها وتعميمها. ويجوز إخضاع تلك الحرية لقيود معينة شريطة أن تقتصر هذه القيود على ما ينص عليه القانون وما هو ضروري:

    (1) لمراعاة حقوق الآخرين أو سمعتهم.

    (2) لحماية الأمن الوطني أو النظام العام أو لصون صحة الناس أو أخلاقهم.

    (3) على كل دولة طرف أن تتخذ التدابير المناسبة لضمان تعريف الناس بهيئات مكافحة الفساد ذات الصلة المشار إليها في هذه الاتفاقية، وأن توفر لهم ـ حسب الاقتضاء ـ سبل الاتصال بها لكي يبلغوهـا، دون بيان هويتهم، عن أي حوادث قد يرى أنها تشكل فعلًا مجرمًا وفقًا لهذه الاتفاقية».

    (10) وهو ما تشير إليه الفقرة الفرعية (أ) من المادة 7 من الاتفاقية.

    (11) وفي هذا المعنى تنص الفقرة 3 من المادة 7 من الاتفاقية على أن «2 - تنظر كل دولة طرف أيضًا في اتخاذ التدابير التشريعية والإدارية المناسبة، بما يتسق مع أهداف هذه الاتفاقية ووفقًا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي، لتعزيز الشفافية في تمويل الترشيحات لانتخاب شاغلي المناصب العمومية وفي تمويل الأحزاب السياسية، حيثما انطبق الحال».

    (12) وهو ما يستخلص من المادة (5) من الاتفاقية .

    (13) وهو ما تنص عليه المادة (6) من الاتفاقية.

    (14) وهو ما تنص عليه الفقرتان الفرعيتان (ب) و (ج) من الفقرة 1 من المادة 6 من الاتفاقية.

    (15) وقد أفصحت عن هذه المدونة وما اشتملت عليه المادة 8 من الاتفاقية.

    (16) وهو ما تنص عليه الفقرة 5 من المادة 8 من الاتفاقية.

    (17) وقد وردت هذه التدابير وغيرها في إطار تنظيم المشتريات وإدارة الأموال العمومية ضمن المادة 9 من الاتفاقية.

    (18) وقد وردت هذه التدابير وغيرها في المادة 13 من الاتفاقية .

    (19) وقد أفصحت عن هذه التدابير على نحو تفصيلي ودقيق المادة 14 من الاتفاقية .

    (20) وهو ما يستفاد من نص الفقرة (أ) من المادة 3، وكذلك نص المادة 16 من الاتفاقية .

    (21) وهو ما تتيحه المادة 27 من الاتفاقية .

    (22) وهو ما تنص عليه المادة 25 من الاتفاقية وتنظمه بالتفصيل المادة 32 من الاتفاقية الخاصة بحماية الشهود والخبراء والضحايا.

    (23) وهو ما تتيحه المادة 26 من الاتفاقية .

    (24) ومثال ذلك ما ورد في بعض فقرات المادة 3 من الاتفاقية .

    المبحث الثاني

    المنهج التشريعي لمكافحة الفساد في الاتفاقية

    اتبعت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد منهجًا موسعًا في التشريع، ففي ضوء أغـراض وأهـداف الاتفاقية، حدد المشرع الجرائم المتصور أن يبرز الفساد من خلالها، إلا أنه لم يكتف بمجرد تعيين هذه الجرائم ولكن عمد إلى تفصيل المبادئ والأحكام الخاصة بكل جريمة من حيث التعريفات المتطلبة والأركان المشترطة لقيامها ولتحقيق المسئولية الجنائية فيها على نحو يكفل الإحاطة بتلك الجرائم، كما تطرق إلى صور المساهمة الجنائية وأحوال الاشتراك في الجريمة. وفضلًا عن ذلك وضع التدابير الوقائية من هذه الجرائم من قبيل المواجهة السابقة على الجريمة، ووسائل الملاحقة القضائية كأثر لاحق عليها. وهو في هذا الخضم من التحديد والتعيين والتفصيل لم يفته الحث على مراعاة حقوق حَسَني النية، وضرورة تقدير وتقييم موقف المتهم في شأن أحوال استحقاقه تخفيف العقوبة أو إعفاءه منها لما يقدمه من عون للجهات المعنية بإنفاذ القانون قد يسهم في كشف الحقيقة؛ ومن ثم إدراك الجناة. والظاهر أن القصد من وراء هذا التوسع والتفصيل الملم ـ كميزة من مميزات السياسة التشريعية في هذه الاتفاقية ـ هو ضمان إحاطة التشريعات الداخلية في الدول بالجرائم التي يركن إليها الفساد ؛ إحاطة تامة بما يضمن تقويض الجريمة؛ ومن ثم تحقيق هدف الاتفاقية. ويتسم الإطار التشريعي لجرائم الفساد حسبما يستخلص من الفصل الثالث من الاتفاقية بثلاثة ملامح:

    الأول: تعدد جرائم الفساد وشمول بنائها القانوني، بحيث لا تكاد تترك فعلًا من أفعال الفساد دون تجريمه إلى حد يمكن معه القول إن الأمر لم يعد يتعلق بجريمة، بل «بفكرة إجرامية» تستوعب الكثير من الصور، مثل الرشوة، والاختلاس، وإساءة استغلال الوظائف، والإثراء غير المشروع، وغسل العائدات الإجرامية المتحصلة من جرائم الفساد، وإعاقة سير العدالة.

    الثاني: اتباع نظام للمسئولية الجنائية عن جرائم الفساد يقوم على الأخذ بالمسئولية الجنائية للأشخاص الاعتبارية، وهو أمر على جانب كبير من الأهمية بالنظر لظاهرة الفساد في القطاع الخاص وفي الكيانات الاقتصادية والإدارية الأخرى التي يتصور أن ترتكب جرائم الفساد بحسبانها أشخاصًا اعتبارية، كما يتسم نظام المسئولية الجنائية عن جرائم الفساد بعدم الاعتداد بالحصانات التي تمنحها بعض النظم التشريعية لموظفيها والتي تعد بمثابة عائق يحول بالضرورة دون تحقق المسئولية الجنائية لهؤلاء الموظفين عما يرتكبونه من جرائم الفساد وإمكانية ملاحقتهم جنائيًّا.

    الثالث: ما أوردته الاتفاقية من أحكام تهدف إلى تدعيم التدابير الهادفة إلى منع ومكافحة جرائم الفساد، وما تبنته من نظام عقابي يقوم على تقرير صور شتى للجزاءات الجنائية والمدنيـة، وعلى سبيل المثال نجد أن المصادرة وغيرها من التدابير والعقوبات التبعية المعززة للعقوبات التقليدية السالبة للحرية تؤدي دورًا بالغ الأهمية في فاعلية النظام العقابى لجرائم الفساد. والجدير بالذكر أن هذا النظام الجزائي لجرائم الفساد يقوم على فكرة التفريد الجزائي.

    وفي دراسة المنهج التشريعي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، نقسم هذا المبحث إلى مطلبين: نعرض في الأول نطاق التجريم في اتفاقية مكافحة الفساد، ثم نتناول في المطلب الثاني أحكام ووسائل إنفاذ القانون والتدابير الوقائية في اتفاقية مكافحة الفساد.

    المطلب الأول

    نطاق التجريم في اتفاقية مكافحة الفساد

    إن استيعاب الوسائل التي تتبعها الظاهرة، أمر بديهي ولازم حين مواجهتها تشريعيًّا، فالفعل المادي دائمًا هو الدافع الأساسي إلى وجود القانون، وحينما يوجد القانون في ظهوره الأول يأتـي معالجًا الجريمـة بتأثيم أفعالها المادية الملحوظة، وعند العمل به يُحدَّث تباعـًا بتضمين نصوصه مـا يكتشفـه العاملـون بـه من ماديات مستحدثة للجريمة. و هذا الترقي القانوني حالة غالبة تمر بها التشريعات دائمًا.

    غير أن الاتفاقية قد خالفت منذ بدء نشأتها هذا الاتجاه، إذ أثبت واضعوها إدراكهم لنواحـي الفساد المتعددة، وللركائز التي يعتمد عليها، والمظاهر المادية الحاضرة التي يستغلها، بل أثبتوا إدراكهم التحولات المستقبلية المتوقعة التي قد يلجأ إليها للاختفاء عن الأنظار، ولا أدل على ذلك من أنه إذا ما ذُكر الفساد واستشراؤه، وطُلِبَ العلاج التشريعي، بدر للأذهان للوهلة الأولى الفساد الإداري في القطاع الحكومي أو الرسمي، وخُيلت صور بعينها للأشكال التي يتمثل فيها لا تخرج عن جرائم الرشوة، واختلاس المال العام، وما يدخل في حكمها ؛ ونجد في ذلك أن الاتفاقية ـ على ما يبين جليًّا من نصوصها ـ قد ألمت أولًا بغاية تطورات القانون الجنائي في دول العالم، ثم أنها ثانيًا خَبُرَت نتائج الممارسات التشريعية في هذا الصدد نجاحًا وفشلًا، واستشرفت ثالثًا مستقبل المشروع الإجرامي الذي يتوسل به الفساد لتحقيق مآربه، ليس فقط من جهة تطوره التقني أو التخطيطي، بل ومن جهة ما قد يعمد إليه في سبيل تحاشيه الرصد والمساءلة من قبل نصوص الاتفاقية ذاتها.

    ومن خلال هذه الخصائص التي تميزت بها الاتفاقية أدرجت أصنافًا متعددة للجرائم، واشتملت نصوصها على معالجات فائقة الدقة في مجال مطاردة الموجودات والثروات الناشئة عن الفسـاد في حالتـه الساكنة (الكسب غير المشروع) ، وفي حالته المتحركة بغية إضفاء الشرعية ( غسل الأموال )، ثم عرضت لأشكال المساهمة والاشتراك في الجريمة، وحددت أوجه المسئولية عن الجريمة سواء من الناحية الجنائية أو المدنية أو الإدارية. وأعقبت ذلك جميعه بالنص على وسائل ضامنة لحسن تنفيذ أحكامها.

    وبناءً على ما انتهجته الاتفاقية فقد تعددت بها أصناف الجرائم، والحقوق موضوع الحماية القانونية، فيتضمن الفصل الثالث منها في المادة 15 وما بعدها تحت عنوان «التجريم وإنفاذ القانون» الجرائم الآتية: الرشوة في القطاعين العام والخاص، واختلاس الأموال العامة، واختلاس الممتلكات في القطاع الخاص، والمتاجرة بالنفوذ، وإساءة استغلال الوظائف، والإثراء غير المشروع، وغسل العائدات الإجرامية، والإخفاء، وإعاقة سير العدالة. وتستوعب الجرائم السابقة صور المساهمة والشروع، وفيما يلي نعرض بالتفصيل لهذه الصور الإجرامية:

    أولًا: الرشوة(25):

    مـن شـأن الرشـوة في القطاع الحكومي أو الرسمي، ومـا يتصـل بها من جرائم، الانتقاص من مقومات الدولة الاقتصادية، وإفقـاد ثقـة الناس في مؤسساتها ومرافقها وموظفيها؛ لذلك فقد نصت المـادة الخامسة عشرة من الاتفاقية على تجريم الرشوة في القطاع الحكومي، والتي تُرتكـب مـن قِبـل الموظف العمومي الداخلي ( أي العامل بمؤسسـات الدولـة أو مرافقهـا )، كمـا لـم تغفـل الاتفاقيـة أن جريمـة الرشوة ـ في ظل انصهار العلاقات الدولية والاقتصادية والمالية والتجارية وتداخلها - تكون محتملة إزاء أو من قبل موظف أجنبي أو موظف دولي يساهم أو تساهم الدولة أو الجهة التي يتبعها في الإدارة أو الإشراف على المصالح المدفوعة أو المعروضة لأجلها الرشوة؛ ولهذا لم يفت الاتفاقية أيضًا النص في مادتها السادسة عشرة على تجريم رشوة الموظفين العموميين الأجانب وموظفي المؤسسات الدولية العامة. وفيما يلي نعرض بمزيد من التفصيل لتجريم الرشوة في هاتين المادتين:

    1 ــ رشوة الموظف العام الوطني: تتضمن المادة 15 من اتفاقية مكافحة الفساد صورتين للرشوة: الأولى هي الرشوة التي يجرم فيها فعل كل من وعد موظفًا عموميًّا، أو عرض عليه، أو منحه مزية غير مستحقة، سواء تم ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر، وسواء كان ذلك لصالح الموظف نفسه أو لصالح شخص أو كيان آخر، لكي يقوم ذلك الموظف بفعل ما أو يمتنع عن القيام بفعل ما لدى أداء واجباته الرسمية. أما الصورة الثانية فهي الرشوة التي يجرم فيها سلوك الموظف نفسه حين يطلب أو يقبل - بشكل مباشر أو غير مباشر - مزية غير مستحقة سواء كان ذلك لصالحه أم لصالح شخص أو كيان آخر، لكي يقوم بفعل ما أو يمتنع عن القيام بفعل ما لدى أداء واجباته الرسمية(26).

    ولا يكاد يختلف النموذج القانوني لرشوة الموظف العام الوطني مثلما هو منصوص عليه في المادة 15 من الاتفاقية عن النموذج القانوني للرشوة في التشريعات الوطنية، فالجريمة تتألف من ركنين: مادي ومعنوي، يسبقهما ما يمكن تسميته بالركن أو الشرط المفترض وهو صفة الموظف العام.

    فأما بالنسبة للركن أو الشرط المفترض الخاص بصفة الموظف العام، فيعني أن الرشوة في صورتها الإيجابية لا تقع إلا من شخص توافرت فيه صفة الموظف العام المختص. وقد تصدت المادة الثانية من الاتفاقية تحت عنوان: المصطلحات المستخدمة في الفقرة (أ) لتعريف الموظف العام فنصت على أنه يقصد به:

    ( ا ) أي شخص يشغل منصبًا تشريعيًّا أو تنفيذيًّا أو إداريًّا أو قضائيًّا لدى دولة طرف، سواء أكان معينًا أم منتخبًا، دائمًا أم مؤقتًا، مدفوع الأجر أم غير مدفوع الأجر بصرف النظر عن أقدمية ذلك الشخص.

    (ب) أي شخص آخر يؤدي وظيفة عمومية، بما في ذلك لصالح جهاز عمومي، أو منشأة عمومية، أو يقدم خدمة عمومية حسب التعريف الوارد في القانون الداخلي للدولة الطرف، وحسب ما هو مطبق في المجال القانوني ذي الصلة لدى تلك الدولة الطرف.

    (جـ) أي شخص آخر معرف بأنه «موظف عمومي» في القانون الداخلي للدولة الطرف؛ بيد أنه ولأغراض بعض التدابير المعينة الواردة في الفصل الثاني من هذه الاتفاقية، يجوز أن يقصد بتعبير «موظف عمومي» أي شخص يؤدي وظيفة عمومية أو يقدم خدمة عمومية حسب التعريف الوارد في القانون الداخلي للدولة الطرف، وحسب ما هو مطبق في المجال المعني من قانون تلك الدولة الطرف.

    ونستخلص من التعريف الوارد في النص السابق، أنه يكفي لقيام إحدى جرائم الفساد المشمولة بالاتفاقية، كالرشوة أو اختلاس المال العام، أن يكون الفاعل موظفًا عموميًّا وفقًا لقانون الدولة الطرف. فكل من هو موظف عمومي طبقًا لقانون الدولة يصح اعتباره - بهذه الصفة - مرتكبًا لإحدى جرائم الفساد المنصوص عليها في الاتفاقية، ولم تقنع الاتفاقية بتوافر صفة الموظف العمومي بموجب القانون الداخلي فقط، بل اعتبرت أيضًا من قبيل الموظفين العموميين كل من شغلوا منصبًا تشريعيًّا أو تنفيذيًّا أو إداريًّا أو قضائيًّا، سواء كان ذلك بالتعيين أو الانتخاب، على وجه الدوام أو التأقيت، بأجر أو بدون أجر.

    فالأصل أن الموظف العام هو ذلك الذي تربطه علاقة تعاقدية مع الدولـة، بمقتضاها يمثل الأخيرة قبل الأفراد في أداء مهامها المرفقية والخدمية ؛ إلا أن النص القانوني في الاتفاقية أفاق إلى أن المعيار الواجب الأخذ به في تحديد المخاطب بأحكامه ـ وهو الموظف العام ـ ينبغي عدم التقيد به في هذه العلاقة التعاقدية. ذلك أنه- ونظرًا لجسامة مسئولية الدولة واتساع نشاطها الخدمي تجاه مواطنيها- لم تعد الممارسة المباشرة هي الأسلوب الأوحد الذي تلجأ إليه الدولة في القيام بمهامها، بل لجأت في سبيل ذلك في بعض الأحيان إلى إسناد أعمالها إلى أشخاص لا تربطهم بالدولة وجهازها الإداري رابطة مباشرة كي يمثلوها في التعامل مع المواطنين، أو أن تكلفهم بعملها بصفة مؤقتة وعارضة، وعليه فإنه يدخل في حكـم الموظـف العام الخاضع لأحكام الجرائم التي تقع في إطار القطاع الحكومي أو الرسمي من لا تربطه بالدولة مثل تلك العلاقة العضوية المباشرة، ولكن مَن أُسنِد إليه عمل من أعمالها، أو يخضع حال مباشرته لهذا العمل لرقابة الدولة وإشرافها.

    وتأسيسًا على ما تقدم، فإن المشرع في الاتفاقية لم يلجأ في تحديد مفهوم الموظف العام إلى تعريفه بالقانون الإداري، وهو القانون المَعْنِيُّ بتحديد الصلة القانونية بين الموظف والدولة والذي ينظم الحقوق والالتزامات التي تربط بينهما، والقائل بأن الموظف هو: «شخص يُعهد إليه على وجه قانوني بأداء عمل في صورة من الاعتياد والانتظام في مرفق عام تديره الدولة أو أحد الأشخـاص المعنويـة العامة إدارة مباشرة» (27)، حيث رأى واضعو الاتفاقية أن ذلك التعريف ـ رغم اتساعه ـ يضيق عن استغراق الغرض من التجريم وهو الحفاظ على المال العام، وحماية نزاهة الوظيفة العمومية، وضمان ثقة جمهور الناس في عدالة الدولة وحيادها وشرعية أعمالها. ذلك أنه في ضوء أغراض التجريم المستهدفة يكون حريًّا إظهار دور الموظف تجاه المواطنين في التعريف المطلوب ليكون معيارًا واضحًا يصح الارتكان إليه في تقرير المسئولية الجنائية، بينما يفتقر التعريف الإداري إلى هـذا المعيـار، خاصة أنه يقتصر على بيان علاقة الموظف بالدولة وهو ما قد يصلح فقط لمساءلة الموظف تأديبيًّا عن انحرافــه. أمــا المسئوليـــة الجنائيـة فتقتضي تعريفًا أكثر شمولًا ودقة، بشرط ألا يحيد عن النظرية التي التزمها التعريف الإداري، وفي ذات الوقت لا يقف عند حد هذا التعريف. ومن هذا التعريف الشامل الذي تبنته الاتفاقية يتبين أن من يعد موظفًا في المعنى الإداري هو حتمًا كذلك في المدلول الجنائي، ولكن بعض من لا يُعتَبرون موظفين في المعنى الإداري يُعتَبرون موظفين في المدلول الجنائي.

    فالعبارة الأخيرة التي وردت بالفقرة (ج) من المادة الثانية من الاتفاقية (28)، والتي تحيل إلى القانون الداخلي في شأن التعريف، تفتح بابًا متسعًا جديدًا في تعريف الموظف العام، بحيث تسهم فيه المبادئ القانونية المستقر عليها وسوابق الأحكام في هذا التعريـف، وهـي التي سبـق أن أوجـدت صـورة الموظف الفعلي، ذلك الذي لا تربطه بالدولة علاقة عقدية ولا قانونية، ولكنه في ظل ظرف من الظروف الطارئة التي قد تمر بها الدولة يتناول أدوات الدولة ويتعامل بهــا إزاء الأفــراد ويظهـر عليهم من هذا المنطلق بصفته نائبًا ظاهرًا عنها، بما يخلق حالة من الاستقرار في التعامل على أدوات الدولة ووسائلها الخدمية التي يتناولها الموظف، وينشُد فيه الأفراد من ثم العدالة والحيادية.

    أما الركن المادي لجريمة الرشوة - حسبما يستخلص من نص المادة 15 من الاتفاقية - فهو لا يختلف تقريبًا عن الركن المادي المعروف في التشريع الجنائي المصري، حيث ينبغي أن يصدر عن (29) الموظف طلـب أو قبول لمزية غير مستحقة لأجل القيام أو الامتناع عن القيام بعمل من أعمال وظيفته. ولا شك أن تعبير «المزية غير المستحقة» يستوعب شتى الصور التي تصلح مقابلًا لاتجار الموظف بعمله الوظيفي أيًّا كان طابعها العيني، أو النقدي، أو المصالح والمنافع الأخرى المستترة، كما أن نموذج الرشوة المنصوص عليه في الفقرة (أ) من المادة (15) يسمح بتجريم سلوك الموظف ولو اقتصر على مجرد قبول وعد بمزية غير مستحقة من الغير للقيام أو الامتناع عن القيام بعمل من أعمال وظيفته. وصياغة النص تسمح أيضًا بتجريم رشوة الموظف سواء كانت المزية غير المستحقة لصالحه أم لصالح شخص أو كيان آخر.

    وتبدو عبارة «أو كيان آخر» الواردة بالفقرة الأخيرة من نص المادة الخامسة عشرة، ذات أهمية خاصة لكونها تعني توافر الرشوة ليس فقط لشخص طبيعي قريب أو صديـق للموظـف، بـل أيضًـا لـو كانت لصالح كيان آخر، أي شخص معنوي أو جهة ما أيًّا كانت، كما يتوافر أيضًا نموذج الرشوة سواء كانت هذه الرشوة ( في صور الوعد أو الطـلب أو القـبول أو الأخذ أو العرض) قد قدمت مباشـرة إلى الموظف نفسه، أو بطريق غير مباشر إلى شخص آخر كالوسيط

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1