Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

السيرة النبوية لابن كثير
السيرة النبوية لابن كثير
السيرة النبوية لابن كثير
Ebook1,170 pages5 hours

السيرة النبوية لابن كثير

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

السيرة النبوية لابن كثير هو أحد كتب السيرة، ألفه الحافظ ابن كثير (700 هـ-774 هـ). يبحث المؤلف في كتابه في سيرة النبي محمد من خلال ذكر العرب قبل الإسلام، ثم ولادة النبي وما يتعلق بها من اسم ونسب ورضاعة وغيرها، ونشأته وبعثته، وفترته المكية ثم هجرته وفتوحاته ووفاته وغير ذلك مما يتعلق بالسيرة النبوية المطهرة، وأكثر مرويات ابن كثير من مؤلف الكتاب ابن إسحاق المؤرخ الكبير,
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateFeb 12, 1902
ISBN9786376636548
السيرة النبوية لابن كثير

Read more from ابن كثير

Related to السيرة النبوية لابن كثير

Related ebooks

Related categories

Reviews for السيرة النبوية لابن كثير

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    السيرة النبوية لابن كثير - ابن كثير

    الغلاف

    السيرة النبوية لابن كثير

    الجزء 1

    ابن كثير

    774

    السيرة النبوية لابن هشام أو سيرة ابن هشام هو كتاب في السيرة النبوية للنبي محمد رسول الإسلام، ويعد من أهم كتب السيرة النبوية ومصادرها الرئيسية،

    بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

    تَقْدِيم

    الْحَمد لله وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على رَسُوله، وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أنيب.

    وَبعد: فَهَذَا كتاب السِّيرَة النَّبَوِيَّة للامام الْحَافِظ، أَبى الْفِدَاء إِسْمَاعِيل بن كثير، أقدمه للامة الاسلامية راجيا أَن يكون فِي نشره من الْخَيْر مَا يُحَقّق الْفَائِدَة وَمَا يقدم سيرة الرَّسُول الْكَرِيم فِي صُورَة دانية إِلَى الْكَمَال قريبَة إِلَى الْحَقِيقَة دقيقة فِي الْعرض ممحصة الرِّوَايَات والاخبار.

    إِن الامام ابْن كثير وَهُوَ الْحَافِظ المتقن قد جمع كل الاخبار عَن حَيَاة الرَّسُول ودعوته وَمَا سبقها من فَتْرَة الْجَاهِلِيَّة، وَقد بذل جهدا فِي تمحيص الاخبار وَنقد أسانيدها، وَإِن كَانَ قد ترخص فِي رِوَايَة بعض الاخبار الْوَاهِيَة كَمَا سنذكر.

    وَعَمله هَذَا يضع أَمَام الْقَارئ كل مَا يُمكن الالمام بِهِ فِي هَذَا المجال، ويجعله على بَصِيرَة فِي تفهم السِّيرَة النَّبَوِيَّة ووعى أحداثها.

    وَقد آسفنى أَن تظل طبعة هَذِه السِّيرَة الْكَرِيمَة مليئة بالتشويه والتحريف بعيدَة عَن الدقة والضبط، فآثرت عرضهَا صَحِيحَة بريئة من التحريف والتصحيف قدر الامكان، وضبطها وَشرح الْغَرِيب فِيهَا، وَالتَّعْلِيق على مَا يستبعد من الاخبار والْآثَار.

    وسأعود إِلَى قصَّة هَذَا الْكتاب وعملى فِيهِ بعد الحَدِيث عَن مُؤَلفه والالمام بشئ من أخباره (1) .

    ابْن كثير: هُوَ أَبُو الْفِدَاء عماد الدّين إِسْمَاعِيل، بن عمر، بن كثير، بن ضوء، ابْن كثير، ابْن زرع، القرشى، الشَّافِعِي.

    كَانَ أَصله من الْبَصْرَة، وَلكنه نَشأ بِدِمَشْق وتربى بهَا.

    ولد بمجدل الْقرْيَة من أَعمال مَدِينَة بصرى شَرْقي دمشق، سنة سَبْعمِائة أَو إِحْدَى وَسَبْعمائة.

    وَتوفى بعد أَن فقد بَصَره، فِي يَوْم الْخَمِيس السَّادِس وَالْعِشْرين من شعْبَان سنة أَربع وَسبعين وَسَبْعمائة، عَن أَربع وَسبعين سنة.

    نشأته: كَانَ أَبوهُ خَطِيبًا لقريته،، وَبعد مولد ابْن كثير بِأَرْبَع سِنِين توفى وَالِده، فرباه

    أَخُوهُ الشَّيْخ عبد الْوَهَّاب.

    وعَلى هَذَا الاخ تلقى ابْن كثير علومه فِي مبدأ أمره.

    ثمَّ انْتقل إِلَى دمشق سنة 706 فِي الْخَامِسَة من عمره.

    شُيُوخه: كَانَت دراسة ابْن كثير متجهة إِلَى الْفِقْه والْحَدِيث وعلوم السّنة، إِذْ كَانَت الوجهة الْغَالِبَة فِي عصره، وشيوخه فِي هَذَا المجال كَثِيرُونَ. (1) تَرْجَمته فِي شذرات الذَّهَب 6 / 231.

    والدرر الكامنة 1 / 374 وذيل تذكرة الْحفاظ للحسيني 58.

    وديل الطَّبَقَات للسيوطي.

    (*) فقد تفقه بالشيخ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن الفزارى الشهير بِابْن الفركاح، الْمُتَوفَّى سنة 729.

    وَسمع بِدِمَشْق من عِيسَى بن الْمطعم، وَمن أَحْمد بن أَبى طَالب المعمر الشهير بِابْن الشّحْنَة الْمُتَوفَّى سنة 730; وَمن الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر، وَابْن الشِّيرَازِيّ، وَإِسْحَاق ابْن الْآمِدِيّ، وَمُحَمّد بن زراد.

    ولازم الشَّيْخ جمال يُوسُف بن المزكى المزى، صَاحب تَهْذِيب الْكَمَال، الْمُتَوفَّى سنة 742.

    وَقد انْتفع بِهِ ابْن كثير، وَتخرج بِهِ، وَتزَوج بابنته.

    كَمَا قَرَأَ كثيرا على شيخ الاسلام تقى الدّين بن تَيْمِية، الْمُتَوفَّى سنة 728، ولازمه وأحبه وتأثر بآرائه.

    وفى ذَلِك يَقُول ابْن الْعِمَاد: (كَانَت لَهُ خُصُوصِيَّة بِابْن تَيْمِية ومناضلة عَنهُ وَاتِّبَاع لَهُ فِي كثير من آرائه، وَكَانَ يُفْتى بِرَأْيهِ فِي مَسْأَلَة الطَّلَاق، وامتحن بِسَبَب ذَلِك وأوذى) .

    وَيَقُول ابْن حجر: (وَأخذ عَن ابْن تَيْمِية ففتن بحبه وامتحن بِسَبَبِهِ) .

    كَمَا قَرَأَ على الشَّيْخ الْحَافِظ المؤرخ شمس الدّين الذَّهَبِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن قايماز الْمُتَوفَّى سنة 748.

    وَأَجَازَ لَهُ من مصر أَبُو مُوسَى القرافى، والحسيني، وَأَبُو الْفَتْح الدبوسي، وعَلى بن عمر الوانى، ويوسى الختنى.

    وَغير وَاحِد.

    وَقد ولى ابْن كثير مشيخة أم الصَّالح والتنكزية بعد إِمَامه الذَّهَبِيّ.

    كَمَا ذكره الذَّهَبِيّ فِي مسودة طَبَقَات الْحفاظ.

    (1) (1) ذيل تذكرة الحقاظ للحسيني 58: (*) عصره: عَاشَ ابْن كثير فِي الْقرن الثَّامِن الهجرى، من بداية هَذَا الْقرن إِلَى قرب منتهاه، فِي ظلّ دولة المماليك الَّتِى كَانَت تبسط سلطانها على مصر وَالشَّام.

    وَكَانَت فِي عصره نكبات شَدِيدَة شَهِدَهَا الْعَالم الاسلامي، ممثلة فِي هجوم التتار، وفى كَثْرَة المجاعات والاوبئة، وفى تقلب السلطة بَين أُمَرَاء المماليك الَّذين كَانُوا يوالون الانتقاض بَعضهم على بعض ... ويكاد الانسان لَا يفتح سنة من سنوات حَيَاة ابْن كثير فِي كتب التراجم والتاريخ إِلَّا ويجد فِيهَا أنباء المجاعات والاوبئة وهجوم الافرنج والتتار ومصارع الامراء، مِمَّا لَا يُوصف بِأَنَّهُ حَيَاة سياسية مُسْتَقِرَّة.

    وَلَكِن تِلْكَ الحقبة الَّتِى عاشها ابْن كثير من عصر المماليك كَانَ يسودها نشاط علمي، تمثل فِي كَثْرَة الْمدَارِس واتساع نطاق التَّعْلِيم وَكَثْرَة التَّأْلِيف، وَلذَلِك اسباب مَذْكُورَة فِي التَّارِيخ من تنافس الامراء وَكَثْرَة الاوقاف على الْعلمَاء وَبِنَاء الْمدَارِس واتصال الاقطار الاسلامية بَعْضهَا بِبَعْض، وَغير ذَلِك.

    وَلَكِن ذَلِك النشاط كَانَ محصورا فِي دَائِرَة ضيقَة دَائِرَة الِاتِّبَاع والتقليد وَالتَّلْخِيص والاختصار وَالشَّرْح، كَذَلِك كَانَ هَذَا النشاط منصرفا فِي كثرته إِلَى الْعُلُوم

    الشَّرْعِيَّة وَمَا يخدمها.

    ويبدو طَابع ذَلِك الْعَصْر وَاضحا فِي ابْن كثير، إِذْ كَانَ انْصِرَافه إِلَى عُلُوم السّنة وَالْفِقْه، أَو الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة بِوَجْه عَام وَكَانَت مؤلفاته يغلب عَلَيْهَا طَابع التَّأْلِيف فِي عصره، وَهُوَ الْميل إِلَى اخْتِصَار كتب الاقدمين، أَو إدماج بَعْضهَا فِي بعض أَو شرحها وَالتَّعْلِيق عَلَيْهَا.

    وَإِذا كَانَ لِابْنِ كثير طَابع تَجْدِيد تميز بِهِ، فَإِنَّهُ قد اكْتَسبهُ من علاقته بِابْن تَيْمِية وحبه لَهُ وتأثره بآرائه، فقد كَانَ ابْن كثير كأستاذه ابْن تَيْمِية ينفر من الخرافات ويميل إِلَى الرُّجُوع إِلَى السّنة ويعتمد على التَّحْقِيق والتدقيق بوسيلته الَّتِى يملكهَا، وهى نقد الاسانيد وتمحيص الاخبار.

    كَذَلِك كَانَ ابْن كثير فِي تَفْسِيره إِمَامًا وَصَاحب مدرسة، إِذْ نفر من الاسرائيليات والاخبار الْوَاهِيَة، كَمَا نفر من التفلسف وإقحام الرأى فِي كتاب الله، وآثر مَنْهَج تَفْسِير الْقُرْآن بِالْقُرْآنِ ثمَّ بِالْحَدِيثِ والاثر.

    مَنْزِلَته وآراء الْعلمَاء فِيهِ: احتل ابْن كثير منزلَة عالية فِي الْفِقْه وَالتَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفَتْوَى..يَقُول عَنهُ الذَّهَبِيّ: (الامام الْمُفْتى الْمُحدث البارع، فَقِيه متفنن، ومفسر نقال، وَله تصانيف مفيدة.

    وَيَقُول عَنهُ ابْن حجر: (اشْتغل بِالْحَدِيثِ مطالعة فِي متونه وَرِجَاله، وَكَانَ كثير الاستحضار حسن المفاكهة، سَارَتْ تصانيفه فِي حَيَاته، وانتفع النَّاس بهَا بعد وَفَاته) .

    وَيَقُول عَنهُ ابْن تغرى بردى: (لَازم الِاشْتِغَال ودأب وَحصل وَكتب، وبرع فِي الْفِقْه وَالتَّفْسِير والْحَدِيث، وَجمع وصنف، ودرس وَحدث وَألف، وَكَانَ لَهُ اطلَاع عَظِيم فِي الحَدِيث وَالتَّفْسِير وَالْفِقْه والعربية، وَغير ذَلِك.

    وَأفْتى ودرس إِلَى أَن توفى) .

    وَقد اشْتهر ابْن كثير بالضبط والتحرى وَالِاسْتِقْصَاء، وانتهت إِلَيْهِ فِي عصره الرياسة فِي التَّارِيخ والْحَدِيث وَالتَّفْسِير.

    يَقُول عَنهُ ابْن حجى، أحد تلامذته: (أحفظ من أدركناه لمتون الاحاديث ورجالها، وأعرفهم بجرحها وصحيحها وسقيمها، وَكَانَ أقرانه وشيوخه يعترفون لَهُ بذلك، وَمَا أعرف أَنى اجْتمعت بِهِ على كَثْرَة ترددي إِلَيْهِ إِلَّا واستفدت مِنْهُ) .

    ويصفه ابْن الْعِمَاد الحنبلى فَيَقُول: (كَانَ كثير الاستحضار قَلِيل النسْيَان، جيد الْفَهم يُشَارك فِي الْعَرَبيَّة وينظم نظما وسطا.

    قَالَ فِيهِ ابْن حبيب: سمع وَجمع وصنف، وأطرب الاسماع بالفتوى وشنف، وَحدث وَأفَاد، وطارت أوراق فتاوية إِلَى الْبِلَاد، واشتهر بالضبط والتحرير) وَيَقُول عَنهُ ابْن حجر: (وَلم يكن على طَرِيق الْمُحدثين فِي تَحْصِيل العوالي وتمييز العالي من النَّازِل وَنَحْو ذَلِك من فنونهم، وَإِنَّمَا هُوَ من محدثي الْفُقَهَاء) .

    وَلَكِن السُّيُوطِيّ يُجيب على كَلَام ابْن حجر بقوله: (الْعُمْدَة فِي علم الحَدِيث على معرفَة صَحِيح الحَدِيث وسقيمه وَعلله وَاخْتِلَاف طرقه وَرِجَاله جرحا وتعديلا، وَأما العالي والنازل وَنَحْو ذَلِك فَهُوَ من الفضلات، لَا من الاصول المهمة) .

    شعره: كَانَ ابْن كثير - كَمَا قَالَ ابْن الْعِمَاد - (ينظم نظما وسطا) وَلَا يذكر لَهُ إِلَّا الْقَلِيل من النّظم، مثل قَوْله: تمر بِنَا الايام تترى وَإِنَّمَا * نساق إِلَى الْآجَال وَالْعين تنظر

    فَلَا عَائِد ذَاك الشَّبَاب الذى مضى * وَلَا زائل هَذَا المشيب المكدر وعَلى كل فَهُوَ لم يشْتَهر بقول الشّعْر.

    أسلوبه: كَانَ ابْن كثير يُشَارك فِي الْعَرَبيَّة، وثقافته الادبية جَيِّدَة، وَلَكِن أسلوبه كَانَ على مُقْتَضى عصره من إِيثَار السجع والميل إِلَى المحسنات، ويشتمل أسلوبه فِي بعض الاحيان على أَلْفَاظ لَا تناسب مستوى ابْن كثير.

    وَفِي كِتَابه الذى نقدمه نماذج لذَلِك، مثل اسْتِعْمَاله كلمة (الاذية) وَكلمَة (مشترى) وَغير ذَلِك من أساليب غير متناسقة وجمل غير متناسبة.

    والحقيقة أَن ابْن كثير لم يكن مِمَّن يهتمون بالعبارة أَو يتجملون فِي الاسلوب، وَإِن كَانَ أسلوبه فِي التَّفْسِير قَوِيا متناسبا، وَإِنَّمَا هُوَ إِمَام مُفَسّر وفقيه مُحدث، وَلم يكن أديبا متفننا يحرص على جمال الْعبارَة وتناسق الاسلوب.

    كتبه: اشْتغل ابْن كثير بالتأليف والتصنيف، وَأكْثر كتبه فِي الحَدِيث وعلومه، ومؤلفاته مَعْدُودَة، وأهمها: 1 - تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم الذى قَالَ فِيهِ السُّيُوطِيّ: (لم يؤلف على نمطه مثله) .

    وَهُوَ يعْتَمد على التَّفْسِير بالرواية، فيفسر الْقُرْآن بِالْقُرْآنِ، ثمَّ بالاحاديث المشتهرة يَسُوقهَا بأسانيدها، ثمَّ ينْقد تِلْكَ الاسانيد وَيحكم عَلَيْهَا، ثمَّ يذكر الْآثَار المروية عَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ.

    وَهُوَ مطبوع مَشْهُور.

    2 - (الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة) فِي التَّارِيخ.

    وَهُوَ موسوعة ضخمة، ابْتَدَأَ فِيهِ بِذكر قصَص الانبياء وأخبار الامم الْمَاضِيَة، وفقا لما ورد فِي الْقُرْآن والاحاديث الصَّحِيحَة، ويكشف زيف الاسرائيليات والغرائب والمناكير.

    ثمَّ يذكر أَخْبَار الْعَرَب وأحداث الْجَاهِلِيَّة، ثمَّ سيرة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى وَفَاته، ثمَّ يُتَابع أَحْدَاث التَّارِيخ الاسلامي مُنْذُ خلَافَة أَبى بكر حَتَّى عصر ابْن كثير فِي الْقرن الثَّامِن الهجرى.

    ثمَّ يختمه بأشراط السَّاعَة والفتن والملاحم وأحوال الْآخِرَة.

    وتاريخ ابْن كثير هَذَا مرجع دَقِيق موفق لَا يزَال عَلَيْهِ التعويل.

    قَالَ عَنهُ ابْن تغرى بردى: (وَهُوَ فِي غَايَة الْجَوْدَة) .

    وَهُوَ مطبوع، وَإِن كَانَت طبعة رَدِيئَة.

    3 - اخْتِصَار عُلُوم الحَدِيث لِابْنِ الصّلاح.

    وَهُوَ كتاب نَافِع أضَاف فِيهِ ابْن كثير فَوَائِد كَثِيرَة، ورتبه وَاخْتَصَرَهُ.

    وَهُوَ مطبوع مَعَ تعليقات للمرحوم الشَّيْخ أَحْمد شَاكر باسم (الْبَاعِث الحثيث) .

    4 - مُخْتَصر كتاب (الْمدْخل إِلَى كتاب السّنَن) للبيهقي ذكره فِي مُقَدّمَة اخْتِصَار عُلُوم الحَدِيث.

    وَهُوَ مخطوط.

    5 - رِسَالَة فِي الْجِهَاد.

    مطبوعة.

    6 - (التَّكْمِيل فِي معرفَة الثِّقَات والضعفاء والمجاهيل) جمع فِيهِ كتابي (تَهْذِيب الْكَمَال) للمزى و (ميزَان الِاعْتِدَال) للذهبي.

    وَزَاد عَلَيْهِمَا زيادات مفيدة فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل.

    وَهُوَ مخطوط.

    7 - (الْهدى وَالسّنَن فِي أَحَادِيث المسانيد وَالسّنَن) وَهُوَ الْمَعْرُوف بِجَامِع المسانيد، جمع فِيهِ بَين مُسْند أَحْمد وَالْبَزَّار وابى يعلى وَابْن أَبى شيبَة، مَعَ الْكتب السِّتَّة الصَّحِيحَيْنِ وَالسّنَن الاربعة.

    ورتبه على أَبْوَاب وَهُوَ مخطوط 8 - مُسْند الشَّيْخَيْنِ أَبى بكر وَعمر.

    وَفِيه - كَمَا قَالَ ابْن كثير فِي سيرته الَّتِى بِأَيْدِينَا صفحة 433 - ذكر كَيْفيَّة إِسْلَام أَبى بكر وَأورد فضائله وشمائله وأتبع ذَلِك بسيرة الْفَارُوق رضى الله عَنهُ، وَأورد مَا رَوَاهُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَمَا رَوَى عَنْهُ مِنَ الْآثَارِ وَالْأَحْكَامِ وَالْفَتَاوَى، فَبَلَغَ ذَلِكَ ثَلَاث مجلدات وَللَّه الْحَمد والْمنَّة! كَمَا قَالَ ابْن كثير.

    وَهُوَ مخطوط أَيْضا لَا نَدْرِي أَيْن هُوَ.

    9 - السِّيرَة النَّبَوِيَّة مُطَوَّلَة ومختصرة ذكرهَا فِي تَفْسِيره فِي سُورَة الاحزاب فِي قصَّة غَزْوَة الخَنْدَق.

    وَلم تنشر قبل.

    10 - طَبَقَات الشَّافِعِيَّة.

    مُجَلد وسط، وَمَعَهُ مَنَاقِب الشَّافِعِي.

    مخطوط.

    11 - تَخْرِيج أَحَادِيث أَدِلَّة التَّنْبِيه فِي فقه الشَّافِعِيَّة.

    12 - وَخرج أَحَادِيث مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب.

    13 - كتاب الْمُقدمَات.

    ذكره فِي اختصاره مُقَدّمَة ابْن الصّلاح وأحال عَلَيْهِ.

    14 - وَيذكر ابْن حجر أَنه شرع فِي شرح للْبُخَارِيّ وَلم يكمله.

    15 - وَشرع فِي كتاب كَبِير فِي الاحكام، لم يكمل، وصل فِيهِ إِلَى الْحَج.

    وَهَكَذَا نجد اتجاه ابْن كثير نَحْو السّنة وعلومها يَتَّضِح فِي كتبه، وتغلب عَلَيْهِ روح عصره فَيتَّجه إِلَى المختصرات والشروح وَنَحْوهَا، وَظهر ابتكاره فِي كِتَابَته لتاريخه الْفَذ: (الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة) وفى تَفْسِيره لِلْقُرْآنِ الْكَرِيم.

    وَلم يخرج فِي تأليفه عَن النطاق الذى دارت حوله دراسته وأفنى فِيهِ عمره، وَهُوَ الحَدِيث والتاريخ وَالتَّفْسِير والاحكام.

    وَقد شاع الِانْتِفَاع بِالْقدرِ الْقَلِيل الذى عرف طَرِيقه إِلَى النَّاس من كتب هَذَا الامام الْعَظِيم، وَلَكِن الاسى يغشانا حِين نسْأَل: أَيْن هَذِه الْكتب الَّتِى تذكر لَهُ وَلَا يهتدى إِلَى مَكَانهَا؟! والتى نعتقد أَنَّهَا لَو عثر عَلَيْهَا وقدمت إِلَى النَّاس لسدت فراغا وحققت نفعا.

    إِن من المؤسف أَن يبدد تراث عَزِيز وَتحرم مِنْهُ أمة محتاجة.

    وَنحن نَدْعُو من هُنَا كل الَّذين يعنون بِأَمْر الثراث الاسلامي، وخاصة المسئولين عَن ذَلِك فِي الدولة، أَن يبحثوا عَن آثَار هَذَا الامام الْعَظِيم، وَأَن يهيئوا لكتبه النافعة السَّبِيل كى تَأْخُذ طريقها إِلَى أيدى النَّاس، وَأَن يُعَاد تَقْدِيم كتبه المطبوعة فِي صُورَة صَحِيحَة لائقة، بعيدَة عَن التِّجَارَة والاستغلال.

    هَذَا الْكتاب: ولكتابنا هَذَا الذى نقدمه الْيَوْم قصَّة.

    فَلَقَد كَانَ الْخَيط الذى أمسكنا بِهِ هُوَ أَن ابْن كثير ذكر فِي تَفْسِيره فِي سُورَة الاحزاب فِي قصَّة غَزْوَة الخَنْدَق، أَنه قد كتب السِّيرَة النَّبَوِيَّة مُطَوَّلَة ومختصرة، حَيْثُ يَقُول: (وَهَذَا كُله مُقَرر مفصل بأدلته وَأَحَادِيثه وَبسطه فِي كتاب السِّيرَة الذى أفردناه موجزا وبسيطا وَللَّه الْحَمد والْمنَّة) .

    وَمعنى ذَلِك أَن كِتَابَته للسيرة النَّبَوِيَّة قد عرفت طريقها إِلَى أيدى النَّاس فِي عصره، وَلَكِن الْبَحْث فِي نَاحيَة المخطوطات لم يدل على وجود تِلْكَ السِّيرَة ككتاب مُسْتَقل، ويبدو أَنه حينما ألف كِتَابه الضخم (الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة) قد أدمج تِلْكَ السِّيرَة فِيهِ، وَأَن شهرة ذَلِك الْكتاب وانتشاره فِي الانحاء، قد جعل النَّاس يقرأون تِلْكَ السِّيرَة فِيهِ، وَلم يعد لَهَا كيان مُسْتَقل ككتاب، وَإِذا كَانَ ابْن كثير قد ذكر أَنه لَهُ السِّيرَة النَّبَوِيَّة مبسوطة، أَي مُطَوَّلَة، فَإِنَّهُ لَا يعقل أَن يكْتب فِيهَا أَكثر من ذَلِك الْقسم الْمَوْجُود بكتابه (الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة) .

    وَمن هُنَا فقد اتجهت إِلَى نشر (السِّيرَة النَّبَوِيَّة لِابْنِ كثير) وهى ذَلِك الْقسم الذى

    أفرده ابْن كثير لاخبار الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة وسيرة النَّبِي صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ وتاريخ دَعوته حَتَّى وَفَاته.

    على اعْتِبَار أَن هَذَا الْقسم هُوَ السِّيرَة النَّبَوِيَّة المطولة الَّتِى أَشَارَ إِلَيْهَا ابْن كثير فِي تَفْسِيره.

    والذى دَعَاني إِلَى ذَلِك اسباب مِنْهَا: 1 - أَن تِلْكَ السِّيرَة قد شغلت نَحْو ثَلَاثَة أَجزَاء من كتاب الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة، من أَوَاخِر الْجُزْء الثَّانِي حَتَّى أَوَاخِر الجز الْخَامِس، وهى بذلك موزعة بَين أَرْبَعَة أَجزَاء.

    2 - أَن هَذِه الاجزاء من الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة مُرْتَفعَة الثّمن جدا، حَتَّى لقد بلغ ثمن الْجُزْء الثَّالِث وَحده أَرْبَعَة جنيهات مصرية إِن وجد!! تبعا لاحتكار التِّجَارَة فِي المراجع وَقلة النّسخ الْمَوْجُودَة.

    3 - أَن هَذِه الطبعة الْمشَار إِلَيْهَا مليئة بالتحريف والتشويه بِصُورَة فظيعة، وَلَا أدرى كَيفَ ظلت هَذِه الطبعة تتداول فِي أيدى الْعلمَاء والطلاب مَعَ أَنَّهَا لاتكاد تَخْلُو صفحة مِنْهَا من تَحْرِيف أَو تَصْحِيف أَو سقط.

    تِلْكَ الاسباب جَعَلتني أرى فِي نشر السِّيرَة النَّبَوِيَّة لِابْنِ كثير تَحْقِيقا لفوائد كَثِيرَة ... أهمها تَعْمِيم النَّفْع بهَا بعد أَن كَانَت محصورة فِي أيدى قلَّة مِمَّن يقدرُونَ على شِرَاء الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة كلهَا بِثمنِهَا الْمُرْتَفع.

    وَكَذَلِكَ تَحْقِيق قصد ابْن كثير حِين كتب تِلْكَ السِّيرَة المطولة وَأَرَادَ أَن تشيع وَحدهَا بَين النَّاس.

    وَكَذَلِكَ إنصاف ذَلِك الْعَمَل الْجَلِيل من أَن يظل فِي صورته الشائهة المليئة بالتحريف.

    سيرة ابْن كثير: ونقف هُنَا مستعرضين كِتَابَة ابْن كثير فِي سيرة الرَّسُول صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ، متأملين فِي خَصَائِصه باحثين عَن منهجه.

    1 - إِن أول مَا نلمسه فِي سيرة ابْن كثير أَنه اهتم بالرواية بالاسانيد، تمشيا مَعَ صبغته الْغَالِبَة عَلَيْهِ كإمام مُحدث، وَأكْثر مروياته عَن الامام أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ، وأبى نعيم.

    فَلم يكتف بِنَقْل مَا كتبه أهل السّير أَمْثَال ابْن إِسْحَاق ومُوسَى ابْن عقبَة، وَلكنه جمع مَا رَوَاهُ أهل الحَدِيث وَبِذَلِك اكْتسب مزية يتفرد بهَا بَين من كتبُوا فِي السِّيرَة.

    وَقد نقد ابْن كثير بعض الاسانيد عِنْد مَا يكون الْمَتْن غَرِيبا، ليحكم على بعض الاحاديث، وَأَحْيَانا يبين دَرَجَة الحَدِيث دون أَن ينْقد السَّنَد 2 - ثمَّ نجد ابْن كثير يمتاز بِأَنَّهُ ينْقل عَن بعض كتب السّير المفقودة مثل كتاب مُوسَى بن عقبَة، وَمثل كتاب الاموى فِي المغازى، كَمَا ينْقل عَن بعض شُرُوح السِّيرَة مثل الرَّوْض الانف لِلسُّهَيْلِي، والشفا للقاضى عِيَاض.

    3 - وفى مجَال الاستشهاد بالشعر لَا يهمل ابْن كثير هَذِه النَّاحِيَة، وَلكنه لَا يُتَابع ابْن هِشَام فِي كل مروياته من الشّعْر فيختصر بَعْضهَا ويهمل الْبَعْض الآخر.

    4 - وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن ابْن كثير يحرص على جمع كل مَا كتب فِي الْمَوْضُوع الذى يتَنَاوَلهُ، وَلكنه لَا يدمج الاحاديث والاخبار بَعْضهَا فِي بعض، بل يحْتَفظ لكل نقل بطابعه ومكانه، وَكَثِيرًا مَا يعوزه التَّرْتِيب فِي النَّقْل، فَلَا ينسق الاخبار الَّتِى ينقلها حَتَّى تكون وحدة منسجمة فأحيانا يبْدَأ بالْخبر المطول، ثمَّ يذكر بعده أَخْبَارًا تحتوى على جَانب من هَذَا الْخَبَر أَو تكرره 5 - فَإِذا تتبعنا نقُول ابْن كثير عَن غَيره وجدنَا فِيهَا ظَاهِرَة عَجِيبَة..هِيَ: أَنه يكَاد لَا يلْتَزم نَص أَي شئ يَنْقُلهُ..! فنقوله عَن ابْن إِسْحَاق أغلبها

    بِالْمَعْنَى، وَقد تتبعت ذَلِك فِي بعض الصفحات، وَرَأَيْت أَن إِثْبَات الفروق بَين ابْن كثير وَابْن إِسْحَاق شئ يطول مداه، فَابْن كثير يقدم وَيُؤَخر وَيزِيد وَينْقص، ويغير ويبدل ويفوت بِهَذَا التَّغْيِير والتبديل كثير من جمال عبارَة ابْن إِسْحَاق وتناسقها كَذَلِك نجد رِوَايَات ابْن كثير للاحاديث تخْتَلف بعض الِاخْتِلَاف عَمَّا فِي أيدى النَّاس من الْكتب الَّتِى ينْقل ابْن كثير عَنْهَا.

    فأحاديث البُخَارِيّ الَّتِى يَرْوِيهَا ابْن كثير بقوله: (وَقَالَ البُخَارِيّ) لَا تنطبق حرفيا مَعَ صَحِيح البُخَارِيّ الذى بِأَيْدِينَا.

    كَذَلِك القَوْل فِي رِوَايَته عَن صَحِيح مُسلم وَعَن مُسْند أَحْمد وَعَن دَلَائِل النُّبُوَّة لابي نعيم وَعَن دَلَائِل النُّبُوَّة للبيهقي، وَعَن الشفا للقاضى عِيَاض وَعَن الرَّوْض الانف لِلسُّهَيْلِي ... تكَاد لاتجد خَبرا مطابقا بِحُرُوفِهِ لما فِي الْكتب المتداولة، فَلَا يَخْلُو الامر من تَغْيِير أَو نقص أَو اخْتِصَار.

    وَحين نقف أَمَام هَذِه الظَّاهِرَة نبحث عَن أَسبَابهَا فَإِن هُنَاكَ أحد احْتِمَالَيْنِ: 1) إِمَّا أَن يكون ابْن كثير - وَهُوَ الامام الْحَافِظ المتقن - كَانَ يعْتَمد على حفظه وَرِوَايَته وَلَا ينْقل عَن النّسخ المتداولة 2) وَإِمَّا أَنه كَانَت هُنَاكَ نسخ أُخْرَى تخْتَلف عَمَّا وصل إِلَيْنَا من هَذِه الْكتب.

    وعَلى كل فَإِن مثل ابْن كثير حجَّة فِي بَاب الحَدِيث وَلكنهَا على أَي حَال ظَاهِرَة تستلفت النّظر أَن تكون رِوَايَات ابْن كثير للاحاديث ونقوله عَن الْكتب مُخَالفَة لما فِي أَيْدِينَا من هَذِه الْكتب ... وهى مُخَالفَة لفظية يسيرَة فِي بعض الاحيان.

    6 - فَإِذا مَا تفحصنا مَنْهَج ابْن كثير فِي الرِّوَايَات، رَأَيْنَاهُ لَا يُبَالِي بِرِوَايَة كثير من الاخبار الْوَاهِيَة وخاصة فِي أَخْبَار الْجَاهِلِيَّة وهتاف الجان وقصصه.

    وَقد كَانَ بإمكانه أَلا يلْتَفت إِلَى هَذِه الاخبار الَّتِى لَا تتمالك أَمَام النَّقْد، لكنه كَانَ يُبرئ نَفسه بأمرين: 1) ذكر السَّنَد فِي كل خبر يُثبتهُ، وَبِذَلِك يلقى التبعة على غَيره.

    ب) أَنه كَانَ يعلق على بعض هَذِه الاخبار بِأَنَّهُ (غَرِيب جدا) أَو (لم يخرجوه) وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يضعف جَانب الْخَبَر.

    لكننا مَعَ ذَلِك نود أَن لَو أهمل ابْن كثير هَذِه الاخبار الَّتِى لَيْسَ لَهَا سَنَد من الْعقل أَو الْحَقِيقَة، والتى تزحم الاذهان وتشوش على الْحَقَائِق.

    وخاصة فِيمَا يتَّصل بحياة الرَّسُول الْكَرِيم صلوَات الله عَلَيْهِ، فمثلا الحَدِيث الذى يرويهِ عَن البيهقى عَن الْعَبَّاس أَنه قَالَ للرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (رَأَيْتُكَ فِي الْمَهْدِ تُنَاغِي الْقَمَرَ وَتُشِيرُ إِلَيْهِ بإصبعك، فَحَيْثُ أَشرت إِلَيْهِ مَال)! ثمَّ يذكر مُوَافقَة الرَّسُول على ذَلِك حَدِيث لَا يتَّفق مَعَ الْعقل أَو مَعَ حقائق الْوُجُود، وَلَا يغنينا بعد ذَلِك أَن يَقُول ابْن كثير: (تفرد بِهِ أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الْحلَبِي وَهُوَ مَجْهُول) .

    إِن مثل هَذَا الحَدِيث يفتح ثغرة أَمَام أَعدَاء الاسلام ليهجموا على السِّيرَة النَّبَوِيَّة من بَاب أَمْثَال هَذَا الحَدِيث من الواهيات والموضوعات.

    كَذَلِك خبر خَالِد بن سِنَان، وهتاف الجان وأساطيره، سَار فِيهَا ابْن كثير شوطا بَعيدا ممتلئا بالخرافات والاساطير.

    لكننا مَعَ ذَلِك ننتحل الْعذر لِابْنِ كثير فِي إِثْبَات مثل هَذِه الاخبار، إِذْ كَانَ عصره يحتفل بهَا ويهتم بروايتها، وَإِذا كَانَ قَصده فِي كِتَابه الْجمع وَالِاسْتِقْصَاء وَمَا دَامَ قد أخلى تَبعته بِإِسْنَاد كل خبر إِلَى روايه واهتم بالتخريج وَالْحكم، فَإِنَّهُ بذلك يكون قد أدّى واجبه وَقَامَ بِمَا عَلَيْهِ.

    7 - إِن الْمطَالع للسيرة النَّبَوِيَّة لِابْنِ كثير يحمد لهَذَا الرجل جهده الذى قَامَ بِهِ، إِذْ مزج أَخْبَار السِّيرَة بروايات الاحاديث فسن بذلك نهجا جَدِيدا لم يكن من قبله يهتمون بِهِ.

    وَإِذ جمع كل مَا يُمكن فِي هَذَا المجال، فَوضع أَمَام الْمطَالع لكتابه مَادَّة وافية تمكنه من الدراسة والاحاطة والاستيفاء.

    وَقد أعَان ابْن كثير على ذَلِك عصره الْمُتَأَخر وإحاطته بالاحاديث وإجادته للروايات والاخبار.

    مَنْهَج التَّحْقِيق:

    اعتمدت فِي إِخْرَاج السِّيرَة النَّبَوِيَّة لِابْنِ كثير على مَا يَأْتِي:

    1 - نُسْخَة مصورة من الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة لِابْنِ كثير تحمل رقم 1110 تَارِيخ بدار الْكتب المصرية، وهى مصورة عَن مكتبة ولى الدّين 2347 بالآستانه.

    وإليها الاشارة بالحرف (ا) .

    2 - نُسْخَة مخطوطة من الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة بالمكتبة التيمورية تحمل رقم 2443 تَارِيخ وهى نَاقِصَة من أَولهَا.

    3 - النُّسْخَة المطبوعة من الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة سنة 1351 بمطبعة السَّعَادَة وَقد قوبلت على أصلين الاصل المصور الْمشَار إِلَيْهِ فِي هوامشها بالنسخة المصرية.

    وعَلى نُسْخَة مَحْفُوظَة بِالْمَدْرَسَةِ الاحمدية بحلب وعَلى كَانَ فَإِن مخطوطات الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة الْمَذْكُورَة لَا تتسم بالدقة، إِذْ أَن فِيهَا أخطاء أَشرت إِلَى كثير مِنْهَا فِي هوامش هَذَا الْجُزْء، ويبدو أَنَّهَا كتبت فِي عصور مُتَأَخِّرَة، أَو تولى نسخهَا من لَا يعول على التَّحْقِيق.

    وَقد كَانَ جهدي فِي إِخْرَاج هَذِه السِّيرَة متجها إِلَى ضَبطهَا وتنقيتها من الاخطاء الَّتِى خرجت بهَا إِلَى النَّاس فِي النُّسْخَة المطبوعة الشائعة من الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة وتشارك فِي أَكْثَرهَا النّسخ المخطوطة، فَرَجَعت إِلَى الاصول الَّتِى أَشَارَ إِلَيْهَا ابْن كثير، مثل كتب السّير وَكتب الحَدِيث، عدا بعض مَا لم يَتَيَسَّر الرُّجُوع إِلَيْهِ مثل مُعْجم الطَّبَرَانِيّ وهواتف الجان للخرائطي وَدَلَائِل النُّبُوَّة للبيهقي.

    وَلم أحاول إِثْبَات الفروق بَين ابْن كثير وَبَين كل مَا ينْقل عَنهُ، إِذْ تبينت - كَمَا أَشرت إِلَى ذَلِك قَرِيبا - أَن ابْن كثير يُخَالف فِي كِتَابه النُّصُوص الَّتِى بأيدى النَّاس من الْكتب الَّتِى ينْقل عَنْهَا، فَلَا يَخْلُو الامر من زِيَادَة أَو نقص أَو تَغْيِير أَو تَبْدِيل، وَلَكِنِّي أثبت بعض الفروق على سَبِيل الْمِثَال، مثل الفروق بَينه وَبَين البُخَارِيّ وَدَلَائِل النُّبُوَّة لابي نعيم وَمَكَارِم الاخلاق للخرائطي، وَالرَّوْض الانف لِلسُّهَيْلِي، ومسند أَحْمد وسيرة ابْن هِشَام والشفاء وَنَحْو ذَلِك، وَلَو أَنى التزمت إِثْبَات كل الفروق بَينه وَبَين إِسْحَق أَو البُخَارِيّ أَو أَحْمد وَغير ذَلِك، لطال الامر واتسع المدى، وَلَيْسَ فِي ذَلِك كَبِير فَائِدَة.

    كَذَلِك أثبت أهم الفروق بَين النّسخ المخطوطة والمطبوعة على ندرة ذَلِك.

    وَلم أعول فِي التَّعْلِيق إِلَّا على تصويب الاخطاء وَشرح مَا يغمض من الْمُفْردَات، وَلم أتوسع فِي التَّعْرِيف بالاعلام، لَان ذَلِك لَا فَائِدَة مِنْهُ فِي مثل هَذَا الْكتاب، وَحَتَّى لَا يخرج بِنَا الامر إِلَى أَن يصير الْكتاب حَاشِيَة من الحواشى الْقَدِيمَة، إِذْ لَا فَائِدَة فِي التَّعْلِيق على كل مَا يُمكن التَّعْلِيق عَلَيْهِ، بل الْفَائِدَة فِي التَّعْلِيق مَا يجب التَّعْلِيق عَلَيْهِ، وَقد يلمس الْقَارئ أَن أَسَانِيد الرِّوَايَات والاحاديث لم تظفر بِمَا ينبغى لَهَا من التَّعْرِيف بهؤلاء الرِّجَال وَذكر وفياتهم، وَلَو أَنى فعلت ذَلِك لخرجنا بِكِتَاب فِي رجال الحَدِيث مَا أرى قَارِئ السِّيرَة النَّبَوِيَّة بحاجة إِلَيْهِ، وفى هَذَا الْبَاب كتب متخصصة ميسرَة لمن أرادها.

    ويلحظ أَنى تدخلت بِنَقْد بعض الاخبار الَّتِى ذكرهَا ابْن كثير، وَلم أملك أمامها سوى الاستبعاد الْعقلِيّ، وَقد رَأَيْت ذَلِك وَاجِبا حَتَّى يتَنَبَّه الْقَارئ إِلَى أَنه لَيْسَ مطالبا بِتَصْدِيق كل مَا أثْبته ابْن كثير فِي كِتَابه هَذَا مادام لَيْسَ ثَابتا بِدَلِيل شرعى صَحِيح أَو لَيْسَ لَهُ سَنَد من الْعقل، وخاصة الاشعار الَّتِى تبدو عَلَيْهَا الصّفة والتكلف، والاخبار الاسطورية الَّتِى لَا تناسب يقظة البشرية وارتقاءها، وَلَيْسَ جَانب السَّنَد هُوَ الذى يهمنا فِي الْخَبَر فَحسب، بل يطْلب أَن يكون الْمَتْن أَيْضا منتسبا إِلَى الْحَقِيقَة بَعيدا عَن التزوير.

    وَقد نقد ابْن خلدون، وَهُوَ الامام الْحجَّة، كثيرا من الاخبار بِهَذَا الْمنْهَج، مَنْهَج الاستبعاد الْعقلِيّ وَبَيَان مُنَافَاة الْخَبَر للسنن الكونية والظروف التاريخية، كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِك فِي أول مقدمته.

    وَلم أر فَائِدَة فِي تَخْرِيج الاخبار، أَي ذكر أَمَاكِن وجودهَا فِي الْكتب، إِذْ أَن أَكثر أَخْبَار السِّيرَة مُشْتَرك بَين الْكتب الَّتِى تتناولها، فَلَا يُفِيد الْقَارئ أَن نذْكر أَن هَذَا الْخَبَر مثلا مَوْجُود فِي سيرة ابْن هِشَام وتاريخ الطَّبَرِيّ وَشرح الْمَوَاهِب والشفاء وَالرَّوْض الانف وَدَلَائِل النُّبُوَّة لابي نعيم وعيون الاثر والاكتفا للكلاعي والوفا لِابْنِ الجوزى والسيرة الحلبية وَمَا إِلَى ذَلِك من كتب السِّيرَة بالاضافة إِلَى مَا يُمكن أَن يُوجد فِيهِ الْخَبَر من كتب الحَدِيث، وفى كل ذَلِك نذْكر أرقام الصفحات، إِن ذَلِك كَانَ يملا حيزا كَبِيرا لَا حَاجَة إِلَيْهِ، ويكفى أَن يعلم الْقَارئ أَن أَكثر أَخْبَار السِّيرَة النَّبَوِيَّة وَمَا قبلهَا من فَتْرَة الْجَاهِلِيَّة مُشْتَرك بَين هَذِه الْكتب الَّتِى ذَكرنَاهَا وَغَيرهَا من كتب الحَدِيث والسيرة.

    إِن الذى عنيت بِهِ هُوَ أَن تخرج هَذِه السِّيرَة الْكَرِيمَة مضبوطة بريئة من التحريف والتشويه الذى كَانَ يُحِيط بهَا فِي طبعة الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة، وَأَن أشرح مَا يحْتَاج إِلَى الشَّرْح من الْمُفْردَات وَأَن أُشير إِلَى مَا أصلحته من أخطاء، وَمَا عثرت عَلَيْهِ من أهم الفروق، وَأَن أنبه إِلَى مَا يستبعد من الاخبار.

    وَلَا أزعم أَنى أدّيت كل مَا يجب على فِي إِخْرَاج هَذ الْكتاب، وَلَكِنِّي بذلت مَا أمكن حسب الطَّاقَة والظرف.

    وإنى الْيَوْم وَأَنا أقدم الْجُزْء الاول من هَذِه السِّيرَة، أخْلص النِّيَّة فِي بذل مَا يُمكن فِي سَبِيل إِخْرَاج بقيتها فِي أقرب ثوب إِلَى الصِّحَّة والكمال.

    إِن الظروف الَّتِى طبع فِيهَا هَذَا الْجُزْء، وَلم أكن فِيهَا قَرِيبا من المطبعة، بل اضطرتني ظروف الْعَمَل إِلَى أَن أكون بَعيدا عَنْهَا، قد جعلت فرْصَة لوُقُوع بعض الاخطاء الَّتِى

    تداركتها فِي آخر الْكتاب، وَبَعضهَا مطبعى بحت، وَالْآخر سَهْو وَنقص، وَمِنْهَا قسم هُوَ من أخطاء أصُول الْكتاب تبينته من المراجع ونبهت إِلَيْهِ حَتَّى يكون الْقَارئ على بَصِيرَة من أمره.

    وحسبي فِي هَذَا الْعَمَل نيتى وقصدي، وَلكُل امْرِئ مَا نوى ... راجيا من الله سُبْحَانَهُ أَن ينفع بِهِ وَأَن يُهَيِّئ لى إِتْمَامه بِمَا يرضيه، إِنَّه واهب الرشد ومانح التَّوْفِيق، لَهُ الْحَمد فِي الاولى وَالْآخِرَة، نعم الْمولى وَنعم النصير.

    الْقَاهِرَة 23 من ذى الْحجَّة سنة 1383 5 من مايو سنة 1964 مصطفى عبد الْوَاحِد

    ذكر أَخْبَار الْعَرَب

    (1 / 1 السِّيرَة) بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قِيلَ: إِنَّ جَمِيعَ الْعَرَبِ يَنْتَسِبُونَ إِلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ ابْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَالتَّحِيَّةُ وَالْإِكْرَامُ.

    وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُور أَن الْعَرَب العاربة قبل إِسْمَاعِيل، وَمِنْهُم عَادٌ وَثَمُودُ وَطَسْمٌ وَجَدِيسٌ وَأَمِيمٌ وَجُرْهُمٌ وَالْعَمَالِيقُ، وأمم آخَرُونَ لَا يعلمهُمْ إِلَّا الله، كَانُوا قَبْلَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَفِي زَمَانِهِ أَيْضًا.

    فَأَمَّا الْعَرَبُ الْمُسْتَعْرِبَةُ، وَهُمْ عَرَبُ الْحِجَازِ، فَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ ابْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.

    وَأَمَّا عَرَبُ الْيَمَنِ وَهُمْ حِمْيَرُ فَالْمَشْهُورُ أَنهم من قحطان، واسْمه مهزم.

    قَالَهُ ابْنُ مَاكُولَا.

    وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا أَرْبَعَةَ إِخْوَةٍ: قَحْطَانُ وَقَاحِطٌ وَمِقْحَطٌ وَفَالِغٌ.

    وَقَحْطَانُ بْنُ هُودٍ، وَقِيلَ هُوَ هُودٌ.

    وَقِيلَ هُودٌ أَخُوهُ.

    وَقِيلَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ.

    وَقِيلَ إِنَّ قَحْطَانَ مِنْ سلالة إِسْمَاعِيل، حَكَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ.

    فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ قحطان [ابْن الْهَمَيْسَعِ (1)] بْنِ تَيْمَنَ بْنِ قَيْذَرَ [بْنِ نَبْتِ (1)] بْنِ إِسْمَاعِيلَ.

    وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ فِي نَسَبِهِ إِلَى إِسْمَاعِيلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

    وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: (بَابُ نِسْبَةِ الْيَمَنِ إِلَى إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدثنَا سَلمَة رضى الله عَنهُ (1) من المخطوطة (*) قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قوم من أسلم يتناضلون بِالسُّيُوفِ فَقَالَ: ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ وَأَنَا مَعَ بَنِي فلَان لَاحَدَّ الْفَرِيقَيْنِ، فأمسكوا بِأَيْدِيهِم، فَقَالَ: مالكم؟ قَالُوا: وَكَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَ بَنِي فُلَانٍ، فَقَالَ: ارموا وَأَنا مَعكُمْ كلكُمْ (1) .

    تفرد بِهِ الْبُخَارِيُّ.

    وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ: ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا، ارْمُوا وَأَنَا مَعَ ابْنِ الْأَدْرَعِ فَأَمْسَكَ الْقَوْمُ فَقَالَ ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ.

    قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَأَسْلَمُ (2) بْنُ أَفْصَى بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ مِنْ خُزَاعَةَ.

    يَعْنِي: وَخُزَاعَةُ فِرْقَةٌ مِمَّنْ كَانَ تَمَزَّقَ مِنْ قَبَائِلِ سَبَأٍ حِينَ أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ.

    كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ.

    وَكَانَتِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ مِنْهُمْ، وَقَدْ قَالَ لَهُمْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ مِنْ سُلَالَتِهِ.

    وَتَأَوَّلَهُ آخَرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ جِنْسُ الْعَرَبِ، لَكِنَّهُ تَأْوِيلٌ بِعِيدٌ إِذْ هُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ بِلَا دَلِيلٍ.

    لَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ الْعَرَبَ الْقَحْطَانِيَّةَ مِنْ عَرَبِ الْيَمَنِ وَغَيْرِهِمْ لَيْسُوا مِنْ

    سُلَالَةِ إِسْمَاعِيلَ.

    وَعِنْدَهُمْ أَنَّ جَمِيعَ الْعَرَبِ يَنْقَسِمُونَ إِلَى قِسْمَيْنِ: قَحْطَانِيَّةٍ وَعَدْنَانِيَّةٍ.

    فَالْقَحْطَانِيَّةُ شَعْبَانِ: سَبَأٌ وَحَضْرَمَوْتُ.

    وَالْعَدْنَانِيَّةُ شَعْبَانِ أَيْضًا: رَبِيعَةُ وَمُضَرُ، ابْنًا نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ، وَالشَّعْبُ الْخَامِسُ وَهُمْ قُضَاعَةُ مُخْتَلَفٌ فِيهِمْ، فَقِيلَ إِنَّهُمْ عَدْنَانِيُّونَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ.

    وَيُرْوَى هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَجُبَيْرِ بْنِ مَطْعِمٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ وَعَمِّهِ مُصْعَبِ الزُّبَيْرِيِّ وَابْنِ هِشَامٍ.

    وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ: قُضَاعَةَ بن معد وَلكنه لَا يَصِحُّ.

    قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ. (1) صَحِيح البُخَارِيّ ج 2 ص 133.

    (2) البُخَارِيّ: وَمِنْهُم أسلم.

    (*) وَيُقَالَ: إِنَّهُمْ لَمْ (1) يَزَالُوا فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ وَصَدْرٍ مِنَ الْإِسْلَامِ يَنْتَسِبُونَ إِلَى عَدْنَانَ، فَلَمَّا كَانَ فِي زَمَنِ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وكانو أَخْوَالَهُ، انْتَسَبُوا إِلَى قَحْطَانَ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ أَعْشَى بْنُ ثَعْلَبَةَ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ: أَبْلِغْ قُضَاعَةَ فِي الْقِرْطَاسِ أَنَّهُمُ * لَوْلَا خَلَائِفُ آلِ الله مَا عنقوا قَالَتْ قُضَاعَةُ إِنَّا مِنْ ذَوِي يُمْنٍ * وَاللَّهُ يعلم مَا بروا وَلَا (2) صَدَقُوا قَدِ ادَّعَوْا وَالِدًا مَا نَالَ أُمَّهُمُ * قَدْ يَعْلَمُونَ وَلَكِنْ ذَلِكَ الْفَرَقُ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عَمْرٍو السُّهَيْلِيُّ أَيْضًا مِنْ شِعْرِ الْعَرَبِ مَا فِيهِ إبداع فِي تعيير (3) قضاعة فِي فِي انْتِسَابِهِمْ إِلَى الْيَمَنِ.

    وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

    وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُمْ مِنْ قَحْطَانَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ إِسْحَاقَ وَالْكَلْبِيِّ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ النَّسَبِ.

    قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَهُوَ قُضَاعَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ حِمْيَرَ بْنِ سَبَأِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ.

    وَقَدْ قَالَ بَعْضُ شُعَرَائِهِمْ وَهُوَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، صَحَابِيٌّ لَهُ حَدِيثَانِ: - يَا أَيُّهَا الدَّاعِي ادْعُنَا وَأَبْشِرْ * وَكُنْ قُضَاعِيًّا وَلَا تُنْزِرْ

    - نَحْنُ بَنُو الشَّيْخِ الْهِجَانِ الْأَزْهَرِ (4) * قُضَاعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِمْيَرِ النَّسَبُ الْمَعْرُوفُ غَيْرُ الْمُنْكَرِ * فِي الْحَجَرِ الْمَنْقُوشِ تَحْتَ الْمِنْبَرِ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ النَّسَبِ: هُوَ قُضَاعَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حِمْيَرَ.

    وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ سُوَيْد، عَن أَبى عشابة (5) مُحَمَّد بن مُوسَى، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا نَحْنُ مِنْ مَعَدٍّ؟ قَالَ لَا.

    قلت: فَمن نَحن؟ قَالَ: أَنْتُم من قضاعة بن مَالك بن حمير. (1) فِي الاصل: لن، وَهُوَ خطأ (2) المطبوعة: وَمَا (3) المطبوعة: تَفْسِير.

    وَهُوَ خطأ (4) الهجان: الرجل الحسيب.

    والازهر: الْمشرق الْوَجْه.

    (5) كَذَا بالمطبوعة وفى المخطوطة: مشابة وَلَا وجود لَهما.

    وَلَعَلَّه أبوعشانة حى بن يُؤمن.

    (*) قَالَ أَبُو عمر بن عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ جُهَيْنَةَ بْنَ زيد بن أسود بْنِ أَسْلَمَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافَ بْنِ قُضَاعَةَ قَبِيلَةُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، فَعَلَى هَذَا قُضَاعَةُ فِي الْيَمَنِ فِي حِمْيَرَ بْنِ سَبَأٍ.

    وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ هَذَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِمَا ذَكَرَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ قُضَاعَةَ امْرَأَةٌ مِنْ جُرْهُمٍ تَزَوَّجَهَا مَالِكُ بْنُ حِمْيَرَ فَوَلَدَتْ لَهُ قُضَاعَةَ، ثُمَّ خَلَّفَ عَلَيْهَا مَعَدُّ بْنُ عَدْنَانَ، وَابْنُهَا صَغِيرٌ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ حَمْلًا فَنُسِبَ إِلَى زَوْجِ أُمِّهِ، كَمَا كَانَتْ عَادَةُ كَثِيرٍ مِنْهُمْ يَنْسُبُونَ الرَّجُلَ إِلَى زَوْجِ أُمِّهِ (1) وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

    وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ الْبَصْرِيُّ النَّسَّابَةُ: الْعَرَبُ ثَلَاثَةُ جَرَاثِيمَ: الْعَدْنَانِيَّةُ وَالْقَحْطَانِيَّةُ وَقُضَاعَةُ.

    قِيلَ لَهُ: فَأَيُّهُمَا أَكْثَرُ الْعَدْنَانِيَّةُ أَوِ الْقَحْطَانِيَّةُ؟ فَقَالَ: مَا شَاءَتْ قضاعة، إِن تيامنت فالقحطانية أَكثر وَإِن تعدننت فالعدنانية أَكثر.

    وَهَذَا يدل على أَنهم يتلونون فِي نَسَبِهِمْ، فَإِنْ صَحَّ حَدِيثُ ابْنِ لَهِيعَةَ الْمُتَقَدّم فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ مِنَ الْقَحْطَانِيَّةِ وَاللَّهُ أعلم.

    وَقد قَالَ الله تَعَالَى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ

    ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم (2) .

    قَالَ عُلَمَاءُ النَّسَبِ: يُقَالَ شُعُوبٌ، ثُمَّ قَبَائِلُ، ثُمَّ عَمَائِرُ، ثُمَّ بُطُونٌ، ثُمَّ أَفْخَاذٌ، ثُمَّ فَصَائِلُ، ثُمَّ عَشَائِرُ، وَالْعَشِيرَةُ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَى الرجل وَلَيْسَ بعْدهَا شئ.

    وَلْنَبْدَأْ أَوَّلًا بِذِكْرِ الْقَحْطَانِيَّةِ، ثُمَّ نَذْكُرُ بَعْدَهُمْ عَرَبَ الْحِجَازِ وَهُمُ الْعَدْنَانِيَّةُ وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ مُتَّصِلًا بِسِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى وَبِه الثِّقَة. (1) قَالَ الجوانى فِي كِتَابه أصُول الاحساب: " فَجَاءَت بقضاعة على فرَاش مَالك بن مرّة، فنسبته الْعَرَب إِلَى زوج أمه مَالك بن مرّة، وهى عَادَة للْعَرَب فِيمَن يُولد على فرَاش زوج أمه.

    وَقيل إِن اسْم الجرهمية.

    قضاعة، فَلَمَّا جَاءَت بِوَلَدِهَا سمته باسمها، وَقيل: بل كَانَ اسْمه عمرا، فَلَمَّا تقضع عَن قومه أَي بعد سمى قضاعة " (2) سُورَة الحجرات 13.

    (*) وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ (بَابُ ذِكْرِ قَحْطَانَ) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ ابْن بِلَالٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ (1) وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ بِهِ.

    قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَقَحْطَانُ أَوَّلُ مَنْ قِيلَ لَهُ أَبَيْتَ اللَّعْنَ وَأَوَّلُ مَنْ قِيلَ لَهُ أَنْعِمْ صَبَاحًا .

    وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، عَنْ جرير حَدَّثَنِي رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ الْمَقْرَائِيُّ عَنْ أَبِي حَيٍّ، عَن ذى فجر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1