Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار
السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار
السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار
Ebook523 pages4 hours

السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

كتاب السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار تأليف محمد بن علي بن محمد الشوكاني، وهو من أروح وأثرى مؤلفات الشوكاني والتي سنقف فيها على مباحث تشد إليها الرحال وتحقيقات تنشرح لها صدور فحول الرجال لما اشتمل عليه من إعطاء المسائل حقها من التحقيق والسلوك فيما لها وعليها في أوضح طريق مع كل فريق.
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJun 3, 1903
ISBN9786403612804
السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

Read more from الشوكاني

Related to السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

Related ebooks

Related categories

Reviews for السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار - الشوكاني

    الغلاف

    السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

    الجزء 4

    الشوكاني

    1250

    كتاب السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار تأليف محمد بن علي بن محمد الشوكاني، وهو من أروح وأثرى مؤلفات الشوكاني والتي سنقف فيها على مباحث تشد إليها الرحال وتحقيقات تنشرح لها صدور فحول الرجال لما اشتمل عليه من إعطاء المسائل حقها من التحقيق والسلوك فيما لها وعليها في أوضح طريق مع كل فريق.

    باب الكفالة

    [فصل

    تجب إن طلبت ممن عليه حق لا في حد وقصاص إلا تبرعا ببدنه أو قدر المجلس في حد القذف كمن استحلف ثم ادعى بينة وتصح بالمال عينا مضمونة أو دينا وبالخصم ويكفي جزء منه مشاع أو يطلق على الكل وتبرعا ولو عن ميت معسر ولفظها تكفلت وأنا به زعيم ونحوهما وهو علي في المال وتصح معلقة ومؤقتة ومشروطة ولو بمجهول لا مؤجلة به إلا أن يتعلق به غرض كا لدياس ونحوه لا الرياح ونحوه فتصير حالة مسلسلة ومشتركة فيطلب من شاء] .

    قوله: باب: والكفالة تجب إن طلبت ممن عليه حق.

    أقول: الواجب الأصلي هو قضاء ما لزم بوجه الشرع فصاحب الحق يطالب من هو عليه بتسليمه وليس عليه أن يقبل الضمين حتما بل يجب إنصافه بالتسليم فإن تعذر لإعسار وجب الإنظار كما حكم به الله عزوجل وإذا طلب أن يمهله صاحب الحق مدة وكان الوفاء متعذرا في الحال إما لبعد ماله أو لعدم نفاقه في الحال كان الإمهال متوجها لأنها اقتضته الضرورة ولصاحب الحق أن يتوثق من غريمه برهن أو ضمين إن طلب ذلك وهكذا إذا كان من عليه الحق متمكنا من التسليم في الحال بلا مانع ورضي من له الحق بإمهاله مدة مع التوثق بضمين كان هذا إليه لأن مالك المال له التضييق في التسليم مع الإمكان وله التنفيس على من عليه الحق بالتأجيل هكذا ينبغي أن يقال وأما الكفالة بالوجه فلا معنى لها إلا وجوب إحضار المكفول عليه عند الحاجة إلى إحضاره وسيأتي حكمه إذا تعذر الإحضار فيصح الكفالة بوجه من عليه حد أو قصاص بهذا المعنى فيطالب الكفيل بإحضاره وسيأتي أنه لا حبس إن تعذر إحضاره.

    وأما قوله: كمن استحلف ثم ادعى بينة فقد تقدم الكلام على هذا في قوله ولا يوقف خصم لمجيء بينة عليه غائبة إلخ وإنما ذكره هنا لبيان أن لصاحب الحق الذي زعم أن له بينة أن يطلب من الحالف كفيلا في المجلس حتى يأتي ببينته وليس للتنصيص على هذا كثير فائدة وقد قدمنا أنه انقطع الحق باليمين فلا تقبل البينة بعدها.

    قوله: ويصح بالمال عينا مضمونة أو دينا.

    أقول: أما صحتها بالمال فظاهر وأما اشتراط أن تكون العين مضمونة فينبغي أن يقال أن يكون ردها واجبا على من هي في يده وإن لم تكن مضمونة فإذا كان الرد واجبا كانت الكفالة صحيحة ويجب الرد على الكفيل كما يجب على المكفول عليه فإن تلفت كان لها حكم ما تلف من الأعيان التي لا تضمن ولاشك في صحة الضمانة بتسليم الدين وليس في ذلك نزاع.

    قوله: وبالخصم.

    أقول: هذه الكفالة بالوجه مما يصدق عليها معنى مطلق الكفالة ويصدق على الكفيل أنه زعيم فيلزمه ما يلزم الزعيم إذا تعذر إحضار المكفول بوجهه وهو قوله صلى الله عليه وسلم: الزعيم غارم، كما أخرجه أبو داود 3565، والترمذي 1265، وابن ماجة 2405"، ولا وجه لتضعيف الحديث بإسماعيل بن عياش فهو إنما يضعف في روايته عن الحجازيين وهو في روايته عن الشاميين قوي وقد روى هنا عن شامي وهو شرحبيل بن مسلم وللحديث طرق وله في النسائي طريقان من رواية غير إسماعيل بن عياش وقد صحح أحدهما ابن حبان.

    فكفيل الوجه إذا تعذر عليه إحضار من تكفل بوجهه لزمه ضمان ما عليه بهذا الحديث إن كان الذي عليه مما يتعلق بالمال لا إذا كان مما يتعلق بالدين فعليه السعي في تحصيله حتى يتعذر ذلك لكل وجه وسيأتي تمام الكلام في ضمين الوجه لكنك قد عرفت بهذا أن كفالة الوجه تنول إلى ضمان المال وأن الحق قول من قال بذلك للدليل المذكور.

    وأما قوله: ويكفي ذكر جزء منه مشاع أو يطلق على الكل فظاهر.

    قوله: وتبرعا ولو عن ميت معسر.

    أقول: وجهه أنه أدخل نفسه فيما يخشى من عاقبته التضمين فلزمه الضمان بقوله صلى الله عليه وسلم: الزعيم غارم، وقد دل الدليل على صحة الكفالة عن الميت المعسر كما أخرجه البخاري وغيره من حديث سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بجنازة ليصلي عليها فقال: هل على صاحبكم من دين؟ ، فقالوا: نعم ديناران, فقال: صلوا على صاحبكم، فقال أبو قتادة: هما علي يا رسول الله فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم, زاد أحمد والدارقطني والحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له لما قضى دينه: الآن بردت عليه جلدته، وقد روي من طرق وفيها اختلاف في قدر الدين وقد تقرر بأصل الحديث صحة الضمانة.

    قوله: ولفظها الخ.

    أقول: قد عرفناك أن الاعتبار بما يفيد المعنى ولو بإشارة والمرجع في المدلولات إلى الأعراف لأن المتكلم يتكلم بما يقتضيه عرفة.

    وأما قوله: وهو علي في المال فإن كان هذا بيانا لعرف عرفه المصنف فلا حجة في أعراف قوم على قوم آخرين وإن كان بيانا للمدلول اللغوي فالظاهر عدم الفرق بين المال والبدن لأن معنى هو على في المال تسليمه وهو علي في البدن تحصيله وإحضاره ومع هذا فلا يرجع إلى المدلولات اللغوية إلا إذا لم توجد الأعراف.

    وأما كونها تصح مؤقتة ومشروطة فوجهه ظاهر لأن الكفيل أن يشترط لنفسه ما شاء ولا وجه للفرق بين الوقت والشرط وبين الأجل في التعليق بالمجهول بل الكل سواء سواء تعلق به غرض كالدياس ونحوه أو لم يتعلق به غرض كا لرباح ونحوه ولا يرجع مثل هذا الفرق إلى رواية ولا دراية لأن تعلق الغرض وعدمه أمر خارج عن التعليق الذي يجوز للكفيل أن يجعله لنفسه ويقيد ما يلزمه من الضمان وصاحب الحق بالخيار إن شاء رضي لذلك وقبله وإن شاء امتنع منه.

    وأما قوله: وتصح مسلسلة فوجهه أن الكفيل قد صار عليه من الحق ما على المكفول عليه فتصح الكفالة عليه كما تصح على المكفول عليه الأول وهكذا الاشتراك في الكفالة لا مانع من صحته ولا من ثبوت الطلب للمكفول لمن شاء من الكفلاء لأن الحق متوجه على كل واحد منهم بموجب كفالته.

    [فصل

    ويحبس حتى يفي أو يغرم ولا يرجع كفيل الوجه بما غرم لكن له طلب التثبيت للتسليم ولا حبس إن تعذر قيل وأن يسترد العين إن سلم الأصل] .

    قوله: فصل: ويحبس حتى يفي أو يغرم.

    أقول: إذا تقررت الكفالة كان للحاكم أن يقطع من ماله بقدر ما لزمه من غير حبس فإن لم يمكن الحاكم ذلك لبعد ماله أو تغلبه عليه كان له أن يحبسه أو يأمر غريمه بملازمته حتى يتخلص مما عليه ولا فرق في هذا بين كفيل الوجه إذا تعذر عليه إحضار المكفول بوجهه وبين كفيل المال كما قدمنا ولا وجه لقوله ولا يرجع كفيل الوجه بما غرم بل يرجع به لأنه غرم لحقه بسببه فيرجع كما يرجع كفيل المال.

    وأما قوله: ولكن له طلب التثبيت للتسليم يعني كفيل الوجه فوجهه ظاهر لأنه لا يجب عليه تسليم ما لم يتقرر بحكم الشرع.

    وأما قوله: ولا حبس فقد قدمنا أن حكمه حكم كفيل المال في الضمان والحكم عليه بالتسليم أو القطع من ماله أو الحبس أو الملازمة ووجه ذلك حديث: الزعيم غارم على التقرير الذي قررناه في معناه.

    وأما قوله: قيل: ويسترد العين إن سلم الأصل فهذا صواب لأنه بتسليم الأصل قد وفى بما عليه فيرجع بما سلمه سواء كان عينا أو نقدا فإن تلف رجع به على من سلمه إليه فإن أعسر رجع به على المكفول عليه لأنه غرم لحقه بسببه.

    [فصل

    وتسقط في الوجه بموته أو تسليمه نفسه حيث يمكن الاستيفاء وفيهما بسقوط ما عليه وحصول شرط سقوطها وبالإبراء أو الصلح عنها ولا يبدأ الأصل إلا في الصلح إن لم يشترط بقاؤه وباتهابه ما ضمن وله الرجوع ويصح معها طلب الخصم ما لم يشترط براءته فتنقلب حوالة] .

    قوله: فصل: وتسقط في الوجه بموته

    أقول: وجه هذا أنه قد فات وتعذر الوفاء بأمر من جهة الله عزوجل لا بسبب من الكفيل ولا بسبب من المكفول عليه فلا يجب عليه ما لا يدخل تحت قدرته.

    وأما قوله: وتسليمه نفسه الخ فظاهر لأنه بذلك قد وفى بما كفل به وفعل ما عليه وهكذا إذا حصل شرط سقوطها لأنه قد خرج عن الكفالة بمجرد حصول هذا الشرط وهكذا الإبراء لأن ما على الكفيل في الوجه والمال قد سقط بإبرائهما وبقبول الصلح منهما ومثل هذه الأمور في غاية الوضوح ليس في التنصيص عليها كثير فائدة.

    وأما كونه يبرأ الأصل في الصلح إن لم يشترط بقاؤه فلا وجه لتخصيص هذه الصورة بل لا يبرأ الأصل إلا باشتراط الكفيل لبراءته وإلا كان لصاحب الحق مطالبته على القدر المصالح به وهكذا تسقط الكفالة باتهاب الكفيل لما ضمنه لأنه بهذه الهبة قد أسقط عنه الضمان وإذا كان الموهوب للكفيل باقيا عند المكفول عليه فللكفيل أن يأخذه منه لأنه قد صار في ملكه.

    قوله: ويصح معها طلب الخصم.

    أقول: وجه هذا أن أصل الحق عليه وإسقاطه عن الكفيل لا يستلزم إسقاطه عن المكفول عليه لا شرعا ولا عقلا ولا عادة وأما الاستدلال على عدم المطالبة للأصل بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: الآن بردت عليه جلدته، ففرق بين الكفالة على ميت معسر قد تعذر الرجوع عليه وتعذرت عليه وجوه المكاسب وتعذر تعلق الضمان به وبين حي صحيح كاسب يتملك ويتعلق به الضمان وغيره.

    وأما اشتراط الكفيل براءة المكفول عليه فظاهر لأنه بريء بهذا الشرط لا أنه يبرأ من الأصل.

    [فصل

    وصحيحها أن يضمن ما قد ثبت في ذمة معلومة ولو مجهولا ولا رجوع أو سيثبت فيها وله الرجوع قبله وفاسدها أن يضمن بغير ما قد ثبت كبعين قيمي قد تلف وما سوى ذلك فباطلة كالمصادرة وضمنت ما يغرق أو يسرق ونحوهما إلا لغرض"

    قوله: فصل: وصحيحها أن يضمن بما قد ثبت في ذمة معلومة الخ.

    أقول: اعلم أن دخول الكفيل في الكفالة باختيار نفسه هو إلزام لنفسه بما لزم للغير على معين والتزام بما ذهب على الغير وهذا أمر يصح من المكلف الدخول فيه لأنه رضي بما يتعقبه من الضمان وللإنسان أن يخرج من ماله ما شاء فيما شاء ولا فرق بين أن يخرج شيئا من ماله تمليكا للغير أو هبة له أو نذرا عليه وبين أن يلزم نفسه ما لزم فلانا أو بما ذهب على فلان والجهالة في الحال لا تؤثر فسادا في هذه الكفالة ولا بطلانا لأن الاعتبار في مثل هذا بما ينتهي إليه الحال وهو سينتهي إلى العلم بقدره جملة أو تفصيلا.

    وإذا عرفت هذا فالضمانة على المعين بالمعلوم وبالمجهول وبما قد ثبت وبما سيثبت وبما على المصادر وبما يسرق أو يغرق أو يتلف بوجه من وجوه التلف كلها متفقة في اختيار المكلف لنفسه بما يلزمه من الضمان وإلزام لها بذلك من غير إكراه ولا إجبار وله أن يتصرف في ماله بما شاء وكيف شاء من غير إضاعة ولا في أمر لا يبيحه الشرع وليس في شيء من هذه الصور إضاعة مال ولا تصرف به في غير حلال فإن التزامه بما على المصادر قربة عظيمة وتفريج كربة ودفع ظلامة وأما الضمانة بعين فيما قد تلف فمعلوم عند كل عاقل أنه لا يراد منها الضمان بعين التالف لأن ذلك لا يسوغه عقل عاقل فلا بد أن يحمل على ما يصح في العقل وهو الضمانة بمثل تلك العين أو بقيمتها ولا يصح أن تكون الكفالة لاغية في مثل هذا لأنه قد أدخل نفسه فيما أدخلها فيه والمفروض أنه كامل العقل صحيح التصرف ولا يصح الرجوع في جميع هذه الأنواع على جميع التقادير فاعرف هذا فإنه الذي ينبغي المصير إليه والتعويل عليه لقوله صلى الله عليه وسلم: الزعيم غارم.

    [فصل

    ويرجع المأمور بالتسليم مطلقا أو بها في الصحيحة لا المتبرع مطلقا وفي الباطلة إلا على القابض وكذلك في الفاسدة إن سلم عما لزمه لا عن الأصل فمتبرع] .

    قوله: فصل: ويرجع المأمور بالتسليم مطلقا.

    أقول: هذا وجهه ظاهر واضح لأنه غرم لحقه بسبب أمره بالكفالة وتسليم ما اشتملت عليه ويكفي مجرد الأمر بالكفالة لأنها مستلزمة للضمان والأمر بالملزوم أمر يلازمه وأما مع عدم الأمر بل دخل فيها الكفيل تبرعا فليس له ها هنا طريق على المكفول عليه لأنه لم يأمره ولا غيره ولا تسبب لذلك بوجه من الوجوه حتى يقال إنه غرم لحقه بسببه ولا فرق بين الصحيحة والباطلة والفاسدة وللكفيل أن يرجع على من دفع إليه ماله إذا لم يلزم نفسه به إلزاما يجب عليه عنده الوفاء به فإن ألزم نفسه كان للمكفول له حق عليه بنفس هذا الإلزام ولا يصح رجوعه عليه لأنه جنى على نفسه.

    باب الحوالة

    [فصل

    إنما تصح بلفظها أو ما في حكمه وقبول المحال ولو غائبا واستقرار الدين على المحال عليه معلوما مساويا لدين المحال جنسا وصفة يتصرف به قبل قبضه فيبدأ الغريم ما تدارج ولا خيار إلا لإعسار أو تأجيل أو تغلب جهلها حالها]

    قوله: باب: الحوالة إنما تصح بلفظها أو ما في حكمه.

    أقول: تصح بما يفيدها ويدل عليها ولو بإشارة من قادر على النطق كما كررنا مثل هذا في الأبواب التي اعتبروا عليها الألفاظ وقد وسع المصنف الدائرة هنا بقوله أو ما في حكمه فأصاب وهكذا لا بد من قبول المحال للحوالة لأنها نقل ما هو له من ذمة إلى ذمة فلا ينتقل عن الذمة الأولى إلى الذمة الأخرى إلا باختياره ولكنه يأثم إذا أحيل على ملي فلم يقبل لأنه خالف الأمر النبوي وهو قوله صلى الله عليه وسلم: وإذا اتبع أحدكم على ملي فليتبع، كما في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة وفي لفظ لمسلم: وإذا أحيل أحدكم على مليء وقد ذهب الجمهور إلى أن هذا الأمر للندب وذهبت الظاهرية إلى أنه للوجوب.

    وأما قوله: واستقرار الدين على المحال عليه إلخ فلا أدري لهذا الاشتراط وجها لأن من عليه الدين إذا أحال على رجل يمتثل حوالته ويسلم ما أحال به كان ذلك هو المطلوب لأن به يحصل الوفاء بدين المحال ولو لم يكن في ذمة المحال عليه شيء من الدين.

    وأما قوله: فيبرأ الغريم ما تدارج فوجهه ظاهر لأن رضا من له الدين بنقل دينه من ذمة الغريم إلى ذمة المحال عليه يوجب عدم مطالبته للغريم وهو معنى البراءة لكن هذه البراءة مقيدة بما ذكره المصنف بقوله ولا خيارا إلا لإعسار أو تأجيل أو تغلب جهلها حالها ووجه الرجوع عليه عند حصول هذه الأمور ظاهر لأن المحيل إذا أحال على معسر أو على من يعتل بالتأجيل أو يتغلب عن التسليم مع جهل المحال لهذه الأمور فقد غره بالحوالة وهو لم يرض بنقل دينه إلى ذمة المحال عليه إلا مع عدم المانع فلا حكم لذلك الرضا الواقع مع وجود المانع لأنه غرر وتدليس.

    [فصل

    ومن رد مشترى برؤية أو حكم أو رضا على بائع قد أحال بالثمن وقبض لم يرجع به إلا عليه وكذا لو استحق أو أنكر البيع بعدهما ولا يبرأ ولا يرجع محتال عليه فعلها أو امتثل تبرعا والقول للأصل في أن القابض وكيل لا محتال إن أنكر الدين وإلا فللقابض مع لفظها] .

    قوله: فصل: ومن رد مشتري الخ.

    أقول: وجه هذا ظاهر لأن البائع هو القابض للثمن فالطريق عليه ولا فرق بين الرد بالحكم أو بالتراضي وكذا الاستحقاق وأما إنكار البيع من أصله فلا بد أن يتقوى ما يدعيه المشتري من البيع قبل أن يرجع عليه بالثمن لأن لزومه فرع ثبوت التبايع.

    وأما قوله: ولا يبرأ ولا يرجع محتال عليه فعلها أو امتثل تبرعا فوجه عدم الرجوع في الفعل تبرعا عدم وجود المناط الموجب للضمان وأما الامتثال تبرعا فإن لم يبلغه أمر المحيل له بالتسليم فهو كالصورة الأولى وإن بلغه وسلم امتثالا لأمره فمجرد الأمر يوجب له الرجوع وإن لم يكن في ذمته دين لأن الأمر يكفي في ذلك ويخرج به عن التبرع كما قدمنا من عدم اشتراط استقرار دين في ذمة المحال عليه.

    وأما قوله: والقول للأصل في أن القابض وكيل لا محال فوجهه ظاهر لأن الأصل عدم ثبوت الدين وأما إذا أقر بالدين فقد صار الظاهر مع من أقر له بالدين أنه محال لا رسول ولا وكيل.

    باب التفليس

    [والمعسر من لا يملك شيئا غير ما استثني له والمفلس من لا يفي ماله بدينه ويقبل قول من ظهرا من حاله ويحلف كلما ادعي إيساره وأمكن ويحال بينه وبين الغرماء ولا يؤجر الحر ولا يلزمه قبول الهبة ولا أخذ أرش العمد ولا المرأة التزوج ولا بمهر المثل فإن لم يظهر بين وحلف وإنما تسمعان بعد حبسه حتى غلب الظن بإفلاسه وله تحليف خصمه ما يعلمه]

    قوله: باب: التفليس والمعسر من لا يملك شيئا غير ما استثني الخ.

    أقول: هذا الفرق بين المعسر والمفلس وجعل كل واحد منهما له مفهوم مستقل لا يرجع إلى شرع ولا لغة فإن كان المصنف بصدد بيان عرف له ولأهل عصره فلا يخاطب أحد بعرف غيره على أنه لا فائدة في بيان الأعراف ها هنا لأن المراد الحكم على من صدق عليه الإعسار والإفلاس بحكم الشرع ولا شك أن معنى المعسر لغة هو من يتعسر عليه قضاء دينه والمفلس هو من أفلس عن قضاء دينه فهما من هذه الحيثية متحدان وليس المراد من هذا الباب إلا بيان ما يجب عليهما للغير لا بيان أنهما في أنفسهما متصفان بإعسار أو إفلاس فإن ذلك لا فائدة فيه ولا جدوى له قال في الصحاح أعسر الرجل أضاق وقال من القاموس أعسر افتقر وقال في الصحاح أفلس الرجل صار مفلسا كأنما صارت دراهمه فلوسه وزيوفا قال ويجوز أن يراد به أنه صار إلى حال يقال فيها ليس معه فلس وهكذا في القاموس.

    فالحاصل أن معناهما يرجع إلى شيء واحد وسيأتي الكلام على ما يستثنى لهما.

    قوله: ويقبل قول من ظهرا من حاله.

    أقول: وجه ذلك أنه قد صار بظهورهما من حاله معه أظهر الأمرين فيكون القول قوله مع يمينه وغريمه معه أخفى الأمرين فكان عليه البينة.

    وأما قوله: ويحلف كلما ادعى إيساره وأمكن فوجهه أن لصاحب الدين أن يطالب بدينه في الوقت الذي يمكن فيه أن يحول حال من عليه الدين من الإعسار إلى اليسار ولا مانع من ذلك.

    وأما قوله: ويحال بينه وبين الغرماء فوجهه ظاهر لأن مطالبته مع ظهور الإعسار ظلم يخالف ما حكم الله به من قوله سبحانه: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] .

    وأما قوله: ولا يؤجر الحر فوجهه ظاهر لأن الخطاب عليه بالقضاء إنما هو متوجه إلى ما يجده من المال ولا يكلف غير ذلك ومن لا مال له قد صدق عليه وصف العسرة فوجب إنظاره إلى ميسرة.

    وأما قوله: ولا يلزم قبول الهبة فلا وجه له لأنه قد تعلق بذمته حق لمسلم فعليه أن يقبل الهبة التي جاءت بغير طلب ولا سؤال والتعليل بالمنة عليل وهكذا أخذ أرش العمد فليس له أن يسقط على من هو عليه لأن هذا باب من المكارمة واصطناع المعروف وهو مخاطب بما هو أقدم من ذلك وهو تخليص ذمته من الدين وأما ولا المرأة التزوج فالكلام فيه كما قدمنا من قوله: ولا يؤجر الحر.

    قوله: فإن لم يظهرا بين.

    أقول: هذا صحيح ووجهه ظاهر لأنه يدعي إسقاط حق عليه وأنه متصف بصفة الإعسار والأصل عدم ذلك فعليه بيان ما هو خلاف الأصل والبينة وإن كانت على نفي الغناء الشرعي فهي لا تقصر عن إثبات الظاهر كما قدمنا من قوله: ولا تصح على نفي.

    وأما الجمع له بين البينة واليمين فخلاف ما تقرر من الشريعة المطهرة فخصمه يخير بين طلبه بالبينة أو القنوع بيمينه كما قال صلى الله عليه وسلم: شاهداك أو يمينه، ويمكن توجيه كلام المصنف بأن غاية ما تقتضيه البينة هو أن يكون الظاهر من حالة الإعسار فصار بهذه البينة القول قوله مع يمينه كما تقدم في الدعاوي.

    قوله: وإنما يسمعان بعد حبسه متى غلب الظن بإفلاسه.

    أقول: هذا من أعجب ما يقرع الأسماع كيف يحبس رجل يعرض البينة على إعساره ويعرض عن بينته ويمينه ويجمع على نفسه بين المدركين الشرعيين والمستندين المرضيين ثم يقال له لا يقبل هذا منك حتى نعزرك بالحبس وينزل بك من الهوان ما ننزله باللصوص والقطاع للطريق والمنتهكين لمحارم الله فليت شعري أي شرع هذا بل أي طاغوت يسوغه ثم قوله: حتى غلب الظن بإفلاسه كلام ساقط وأن غاية ما يحصل ببنيته أو يمينه أو كليهما هو غلبة الظن بإفلاسه فكأن المصنف قال لا يسمع ما يفيد غلبة الظن بإفلاسه إلا بعد غلبة الظن بإفلاسه نعم إذا كان الذي عليه الدين غنيا متبين الغنى ظاهر الحال فصمم على المطل فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عمرو بن الشريد أنه صلى الله عليه وسلم قال: لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته، [البخاري 5/62، أحمد 4/222، 388، 389، أبو داود 3628، النسائي 7/316، ابن ماجة 2427"]، ولكن أين حال هذا من حال من يعرض البينة واليمين على فقره وينادي بذلك بأعلى صوت!

    وأما قوله: وله تحليف خصمه ما يعلمه معسرا فوجهه ظاهر لأنه يندفع عند ذلك معرة البينية واليمين بل معرة التعزير بالحبس إذا وقف بين يدي قاض لا يدري بالمدارك الشرعية ولا يفهم حجج الله سبحانه.

    [فصل

    والبائع أولى بما تعذر ثمنه من مبيع لم يرهنه المشتري ولا استولده ولا أخرجه عن ملكه وببعض بقي منه أو تعذر ثمنه لإفلاس تجدد أو جهل حال البيع ولا أرش لما تعيب ولا لما غرم فيه للبقاء لا للنماء فيغرم وللمشتري كل الفوائد ولو متصلة وقيمة ما لا حد له وإبقاء ماله حد بلا أجرة وكل تصرف قبل الحجر ولايفرق بين ذوي الرحم وما قد شفع فيه استحق البائع ثمنه وما لم يطلبه فأسوة الغرماء].

    قوله: فصل: والبائع أولى بما تعذر ثمنه.

    أقول: هذا الحكم ثبت بما صح في السنة من طريق جماعة من الصحابة ومن ذلك ما في الصحيحين [البخاري 2402، مسلم 1559]، وغيرهما [أبو داود 3519، 3522، الترمذي 1262، النسائي 4676، 4677، ابن ماجة 2358، 2359، أحمد 2/228، 525]، من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس أو إنسان قد أفلس فهو أحق به من غيره".

    وأما قوله: من مبيع لم يرهنه المشترى فلا وجه له لأن المال باق بعينة في يد المفلس فكان صاحبه أحق به لأنه قد أدرك ماله بعينه كما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم والمرتهن يرجع على المفلس ويكون من جملة غرمائه في قضاء وأسوة.

    وأما قوله: ولا استولده فوجهه أنه قد تعلق للمستولدة حق باستيلادها فهو شبيه بإخراج العبد عن الملك.

    وأما قوله ولا أخرجه عن ملكه فوجهه ظاهر لأنه قد صار في ملك مالك آخر دخل في ملكه قبل وجود المانع وهو الإفلاس وكما يكون أحق به فهو أحق ببعض بقي منه لأنه قد وجد عين ماله وإن نقص بعضها فإن هذا لا يخرج الباقي عن كونه عين مال مالكها ويقوم مقام إخراجه عن ملكه تفريقه فلا يكون صاحب المال أحق به بعد تفريق المفلس له قبل ظهور الإفلاس كما في صحيح مسلم والنسائي أنه صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يعدم: إذا وجد عنده المتاع ولم يفرقه أنه لصاحبه الذي باعه.

    وأما قوله: أو تعذر ثمنه أي هو أحق بالبعض الذي تعذر ثمنه فيرده ما في حديث أبي بكر بن عبد الرحمن بن هشام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا فوجد متاعه بعينة فهو أحق به، أخرجه مالك في الموطأ وأبو داود 3520، مرسلا ووصله أبو داود 3522، عن أبي بكر المذكور عن أبي هريرة وضعفت هذه الطريق بأن في إسنادها إسماعيل بن عياش ولا وجه لهذا التضعيف فإن إسماعيل بن عياش إنما يضعف في الحجازيين لا في الشاميين وهو هنا روى عن الحارث الزبيدي وهو شامي ووصله أيضا عبد الرزاق في مصنفه وهكذا وصله ابن حبان والدارقطني من طريق أبي هريرة ولكن بلفظ حديث أبي هريرة المتقدم في الصحيحين وغيرهما.

    وأما قوله: ولا أرش لما تعيب فالظاهر أنه لا وجه لإهدار هذا الأرش اللازم بحكم الشرع فيأخذ العين ويكون في الأرش من جملة الغرماء.

    وأما قوله: ولا لما غرم فيه للبقاء لا للنماء فيغرم فوجهه أن الغرامة للبقاء واجبة على المالك ولم يحصل بها زيادة في المبيع فأما الغرامة للنماء فإن ظهر أثرها في المبيع كان له الرجوع بزيادة القيمة وإلا فلا لأن البائع وجد مبيعه ولا زيادة فيه.

    وأما قوله: وللمشتري كل الفوائد ولو متصلة فوجه ذلك أنها فوائد ملكه الذي استحقه بعقد البيع فيستحق منها ما حدث بعد البيع إلى وقت الإفلاس ووجه قوله وقيمة مالا حد له وإبقاء ماله حد بالأجرة أن المشتري فعل ذلك في ملكه فوجب له ذلك.

    وأما قوله: وكل تصرف قبل الحجر فوجهه أنه مالك يتصرف في ملكه كيف شاء ما لم يحجر عن التصرف بظهور الإفلاس وهكذا لا يجوز التفريق بين ذوي الأرحام المحارم لورود النهي عن ذلك للمالك الواحد وهكذا إذا اختلف المالكون لحدوث حادث مثل هذا.

    وأما قوله: وما قد شفع فيه استحق البائع ثمنه فلا يخفاك أنه قد انتقل بالشفعة إلى ملك مالك آخر حال ثبوت ملك المشتري له فالبائع لم يجده بعينه عند المفلس بعد إفلاسه فلا وجه لكونه أولى بثمنه وهذا كله مع وقوع الطلب من البائع للسلعة وأما إذا لم يطلب ردها إليه فليس له إلا أسوة الغرماء كما قال المصنف وفيه نظر فإنه وجوده بعينة بعد ظهور الإفلاس يعود به إلى ملك بائعه والأصل عدم خروجه عن ملكه بعد عوده بحكم شرع ومن ادعى خلاف هذا فعليه الدليل وغاية ما هناك أن يوقف ما هو باق بعينه حتى يطلب البائع ويعرض عليه أنه الأحق به فإن رغب عنه بعد علمه أنه أولى به كان الرغوب مبطلا لأحقيته به.

    [فصل

    ويحجر الحاكم على مديون بحال إن طلبه خصومة ولو قبل التثبيت بثلاث أو أحدهم فيكون لكلهم ولو غيبا ويتناول الزائد والمستقبل ويدخله التعميم والتخصيص فلا ينفذ منه فيما تناوله تصرف ولا إقرار إلا بإجازة الحاكم أو الغرماء أو بعد الفك ولا يدخل دين لزم بعده ولو بجناية على وديعة معه من قبله لا قبله فيدخل ويسترد له إن انكشف بعد التخصيص ولا يكفر بالصوم] .

    قوله: فصل: ويحجر الحاكم على مديون بحال.

    أقول: لما كان الدين ثابتا بذمة معلومة معينة وصاحب الدين مطالب به والغريم مماطل له مع تمكنه من القضاء من ماله

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1