Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الروض المعطار في خبر الأقطار
الروض المعطار في خبر الأقطار
الروض المعطار في خبر الأقطار
Ebook752 pages6 hours

الروض المعطار في خبر الأقطار

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

الرَّوْضُ المِعْطَارُ فِي خَبَرِ الأَقْطَارِ هو كتاب من تأليف عالم البلدان محمد بن عبد المنعم الحميري. ثمة خلاف يسير في اسمه بين تنكير كلمة «روض» أو تعريفها، وكذلك بين (خبر الأقطار) أو (أخبار الأقطار) أو (ذكر الأقطار) وتتفق المخطوطات التي اعتمدها إحسان عباس وليفي بروفنسال على أنه «الروض المعطار في خبر الأقطار». ولقد حرص الحميري على أن يجعل من كتابه معجماً جغرافياً تاريخياً قاصراً اهتمامه، غالباً على الأماكن المشهورة التي تتصل بها قصة أو حكمة طريفة وصولاً إلى الخبر العجيب أحياناً.
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJun 18, 1902
ISBN9786423851757
الروض المعطار في خبر الأقطار

Read more from ابن عبد المنعم الحميري

Related to الروض المعطار في خبر الأقطار

Related ebooks

Reviews for الروض المعطار في خبر الأقطار

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الروض المعطار في خبر الأقطار - ابن عبد المنعم الحميري

    الغلاف

    الروض المعطار في خبر الأقطار

    الجزء 2

    ابن عَبْد المُنْعِم الحميري

    900

    لرَّوْضُ المِعْطَارُ فِي خَبَرِ الأَقْطَارِ هو كتاب من تأليف عالم البلدان محمد بن عبد المنعم الحميري ثمة خلاف يسير في اسمه بين تنكير كلمة «روض» أو تعريفها، وكذلك بين (خبر الأقطار) أو (أخبار الأقطار) أو (ذكر الأقطار) وتتفق المخطوطات التي اعتمدها إحسان عباس وليفي بروفنسال على أنه «الروض المعطار في خبر الأقطار». ولقد حرص الحميري على أن يجعل من كتابه معجماً جغرافياً تاريخياً قاصراً اهتمامه، غالباً على الأماكن المشهورة التي تتصل بها قصة أو حكمة طريفة وصولاً إلى الخبر العجيب أحياناً.

    حرف الحاء

    حامد :

    جبل حامد بجزيرة صقلية بينه وبين طرابنش نحو عشرة أميال، وهو جبل عظيم شامخ الذروة عالي القنة حصين منيع، وفي أعلاه أرض سهلة للزراعة، ومياهه كثيرة، والصعود إليه هو من إحدى جهاته، وهم يرون أن منه يكون فتح هذه الجزيرة ولا يتركون مسلماً يصعد إليه، ولذلك أعدوا فيه ذلك المعقل فلو أحسوا بحادثة حملوا حريمهم فيه وقطعوا القنطرة.

    حاجر :

    موضع في ديار بني تميم، ومنازل بني فزارة بين النقرة والحاجر، وكان عيينة بن حصن قد نهى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يدخل العلوج المدينة وقال: كأني برجل منهم قد طعنك هنا، ووضع يده تحت سرته، وهو الموضع الذي طعن فيه، فلما طعنه أبو لؤلؤة لعنه الله قال: إن بين النقرة والحاجر لرأياً.

    الحجاز :

    سمي الحجاز حجازاً لأنه حجز بين الغور والشام وقيل حجز بين نجد والسراة، وقالوا: بلاد العرب من الجزيرة التي نزلوها على خمسة أقسام: تهامة والحجاز ونجد والعروض واليمن، وجبل السراة هو الحد بين تهامة ونجد، لأنه أقبل من اليمن، وهو أعظم جبال العرب حتى بلغ أطراف بوادي الشام فسمته العرب حجازاً.

    الحجون :

    بفتح الحاء، موضع بمكة عند المحصب، وهو الجبل المشرف بحذاء المسجد الذي يلي شعب الجزارين إلى ما بين الحوضين اللذين في حائط عوف، وقيل الحجون مقبرة أهل مكة تجاه دار أبي موسى الأشعري رضي الله عنه .ومن شعر الحارث بن مضاض الجرهمي يتأسف على ما فاتهم من ملك مكة:

    كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ........ أنيس ولم يسمر بمكة سامر

    بلى نحن كنا أهلها فأبادنا ........ صروف الليالي والسنون العواثر

    وفي حكاية طويلة عن إبراهيم بن المهدي أن محمداً الأمين استدعاه وطاهر محاصر له فقال له ولصاحب له: بعثت إليكما لما بلغني مصير طاهر بن الحسين إلى النهروان، وما قد صنع في أمرنا من المكروه لأفرح بكما وبحديثكما، قال: فأقبلنا نحدثه ونؤانسه حتى سلا عما كان يجده، ودعا بجارية من جواريه تسمى ضعفاء، قال: فتطيرت من اسمها، فقال لها: غني، فوضعت العود في حجرها وغنت:

    كليب لعمري كان أكثر ناصراً ........ وأيسر جرماً منك ضرج بالدم

    فتطير من قولها وقال: اسكتي فعل الله بك وصنع، ثم عاد إلى ما كان عليه من الغم والقطوب، فأقبلنا نحدثه ونبسطه إلى أن سلا وضحك، ثم أقبل علينا وقال: هاتي ما عندك، فقالت:

    هم قتلوه كي يكونوا مكانه ........ كما غدرت يوماً بكسرى مرازبه

    فأسكتها وزبرها، ثم عاد إلى غمه، فسليناه حتى عاد إلى الضحك، ثم أقبل عليها الثالثة فقال: غني، فغنت:

    كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ........ أنيس ولم يسمر بمكة سامر

    فقال لها: قومي عني فعل الله بك كذا وكذا، فقامت فعثرت بقدح كان بين يديه فكسرته وانهرق الشراب وكانت ليلة قمراء ونحن على شاطئ دجلة في قصره المعروف بالخلد، فسمعنا قائلاً يقول: 'قضي الأمر الذي فيه تستفتيان' فما قعدنا بعدها معه حتى قتل.

    الحجر :

    حطيم الكعبة وهو المدار بالبيت كأنه حجره مما يلي المثعب .وقيل هو كنصف دائرة مفروش الصحن بالرخام الأبيض، وهو من الركن الشامي إلى الركن الغربي، وله باب مما يلي الركن الشامي، وباب مما يلي الركن الغربي، وذرعه من جدار الكعبة الذي تحت الميزاب إلى جدار الحجر سبعة عشر ذراعاً وثماني أصابع، وذرع ما بين بابيه عشرون ذراعاً، وعرض داخله ثمانية وثلاثون ذراعاً، ومن خارج أربعون ذراعاً .وذكر الزهري أنه سمع ابن الزبير رضي الله عنهما يقول: على الميزاب هذا المحدودب قبور عذارى بنات إسماعيل. والحجر هذا هو الذي جلس فيه أبو سفيان وعمير بن وهب وصفوان بن أمية بعد وقيعة بدر فذكروا مصابهم بمن أصيب من قريش يومئذ، الحديث بطوله، وفيه أن عمير بن وهب جاء إلى المدينة للفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم فأتي به إليه ملبباً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'جلست أنت وفلان وفلان بالحجر فذكرتم أصحاب القليب فقلت أنت كذا وكذا ' إلى آخر الحديث وهو بطوله في سير ابن إسحاق .والحجر أيضاً على لفظه بلد ثمود بين الشام والحجاز، وقيل هو من وادي القرى وهو حصين بين الجبال، وبه بيوت منقورة في الحجر، وبها الآن بئر ثمود، ويحيط بالحجر من كل ناحية جبال ورمال لا يكاد أحد يرتقي ذروتها إلا بعد الجهد والمشقة، ومن الحجر إلى تيماء أربع مراحل .والحجر هو المذكور في القرآن في قوله تعالى: 'ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين' واجتاز النبي صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى تبوك فأمر أصحابه بالإسراع ولا يستقوا من بئرها وقال: 'لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا إلا وأنتم باكون' وكان نبيهم صالح عليه السلام، وبيوتهم باقية منحوتة في الجبال ورمتهم باقية وآثارهم بادية، وهم بين الشام والحجاز إلى ساحل البحر الحبشي على طريق الحاج إلى الشام، وهم على ناحية تبوك، وكان القوم أصحاب إبل فقال لصالح زعيم من زعمائهم: إن كنت صادقاً فأظهر لنا من هذه الصخرة ناقة سوداء عشراء ذات عرف وشعر ووبر، فتمخضت كما تتمخض الحامل وانشقت عن الناقة ثم تلاها سقبها في نحو صفتها، الخبر بطوله.

    حجر :

    بفتح الحاء باليمامة، وهي منازل بني حنيفة وبعض مضر وحجر من اليمامة على يوم وليلة، وفي حجر يقول الشاعر يذكر وقيعة:

    فلولا الريح أسمع من بحجر ........ صليل البيض تقرع بالذكور

    وكانت الوقيعة في موضع بعيد من حجر، وحجر الآن خراب وبها كانت اليمامة الملكة ساكنة في وقتها.

    الحديثة :

    كورة من كور الموصل، قال اليعقوبي: الحديثة مدينة عامرة آهلة على شاطئ دجلة لها فرض وأسواق، وهي كورة من كور الموصل لها عمارات وقرى، وأهلها أخلاط من العرب والعجم، ولها غلات واسعة وخصب وهي شرقي دجلة، وبها مصب نهر الزاب الكبير، ومنها إلى الموصل مرحلة. وكان محمد بن مروان بن الحكم لما ولي الجزيرة أيام عبد الملك بن مروان بناها وصير فيها جنداً ونقل إليها قوماً من العرب من البصرة وغيرها، والأزد أكثرهم، وكان بنيانها سنة اثنتين وسبعين. ولما اختط هرثمة الموصل وأسكنها العرب أتى الحديثة وكانت قرية بها بيعتان وأبيات للنصارى فمصرها وأسكنها قوماً من العرب، فسميت الحديثة لأنها بعد الموصل.

    الحديبية :

    الحجازيون يخففون ياء الحديبية والعراقيون يثقلونها، وقال الأصمعي: هي مخففة الياء الأخيرة ساكنة الأولى، وهو اسم بئر قريبة من مكة وطريق جدة، وفيها كانت بيعة الرضوان تحت الشجرة المذكورة في القرآن لما صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمرة وصالح كفار قريش على أن يعتمر من العام المقبل، وكانت الشجرة بالقرب من هذه البئر، ثم إن الشجرة فقدت بعد ذلك فلم توجد، كذا قال القضاعي في تاريخه عن أبي عبد الله الحاكم قال سعيد بن المسيب سمعت أبي وكان من أصحاب الشجرة يقول: قد طلبناها غير مرة فلم نجدها وكانت سمرة، وقال ابن المسيب: وقعت الفتنة الأولى - يعني مقتل عثمان رضي الله عنه - فلم تبق من أصحاب بدر أحداً ثم وقعت الثانية - يعني الحرة - فلم تبق من أصحاب الحديببة أحداً ثم وقعت الثالثة فلم ترتفع وللناس طباخ.

    الحرم :

    قال الزبير: أول من نصب أعلام الحرم عدنان بن أد لما خاف أن يدرس الحرم، فأعلام الحرم محيطة بمكة قد نصبت في البقاع والغيطان والتلاع والقيعان، فحد الحرم من ناحية التنعيم على طريق سرف إلى مر الظهران خمسة أميال، ومن طريق جدة عشرة أميال، ومن طريق اليمن ستة، ومن طريق الطائف سبعة، ومن طريق العراق كذلك .وقيل حد حرم مكة من ناحية المدينة ذو طوى على ثلاثة أميال من مكة، وحده من طريق جدة على عشرة أميال، وحده من طريق اليمن على سبعة أميال، وحده من طريق العراق على ستة أميال، وحده من طريق الطائف على أحد عشر ميلاً، فعدد أميال الحرم سبعة وثلاثون ميلاً، ودور الحرم حول الكعبة سبعمائة وثلاثة وثلاثون ميلاً.

    حراء :

    بكسر أوله ممدود، جبل بمكة، قال الأصمعي: بعضهم يذكره ويصرفه وبعضهم يؤنثه ولا يصرفه .وفي الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: 'اثبت حراء فإنما عليك نبي أو صديق أو شهيد'. وكان صلى الله عليه وسلم يتحنث في هذا الجبل الليالي ذوات العدد قبل أن يوحى إليه وفيه نزل عليه جبريل عليه السلام أول ما أوحي إليه وفيه بشره بالنبوة .وبينه وبين مكة ميل ونصف، وهو جبل منفرد على طريق حنين من مكة، وهو منيف صعب المرتقى لا يصعد إلى أعلاه إلا من موضع واحد في صفاة ملساء، وهو من جميع نواحيه منقطع لا يرقاه راق، والموضع الذي نزل فيه جبريل عليه السلام في أعلاه من مؤخره إلى شق هناك معروف.

    حروراء :

    قرية من قرى الكوفة، بينها وبين الكوفة نصف فرسخ بها اجتمع الخوارج على علي رضي الله عنه فسماهم بالحرورية، ولقي جمعهم هناك فأوقع بهم في تسع وثلاثين، وذلك أنه لما فرغ علي رضي الله عنه من صفين نادى في الناس بالرحيل فرحلوا، فمضى حتى دخل قصر الكوفة، وكان أهلها قد خرجوا مع علي رضي الله عنه إلى صفين وهم متوادون أحباء فرجعوا وهم متباغضون أعداء، ما برحوا من عسكرهم بصفين حتى فشا فيهم التحكيم، وأقبلوا في طريقهم يتدافعون ويتشاتمون ويضطربون بالسياط، يقول الخوارج: يا أعداء الله أدهنتم في أمر الله وحكمتم، ويقول الآخرون: فارقتم إمامنا وفرقتم جماعتنا. فلما دخل علي رضي الله عنه الكوفة لم يدخلوا معه وأتوا حروراء فنزل بها منهم اثنا عشر ألفاً، ويسمى هؤلاء بالحرورية لنزولهم بهذه القرية، ومضى إليهم علي رضي الله عنه فجلس إليهم وحاجهم ووعظهم، فرجع منهم ستة آلاف، رجعوا إلى الكوفة، وبقي من بقي منهم، ثم اجتمعوا على البيعة لعبد الله بن وهب الراسبي، ومضى القوم إلى النهروان ومضى إليهم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقال: ما الذي نقمتم على أمير المؤمنين ؟قالوا: قد كان للمؤمنين أميراً فلما حكم في دين الله تعالى خرج من الإيمان، فليتب بعد إقراره بالكفر نعد له. فقال ابن عباس رضي الله عنهما: ما ينبغي لمؤمن لم يشب إيمانه شك أن يقر على نفسه بالكفر، قالوا: إنه حكم، قال: إن الله تعالى قد أمر بالتحكيم في قتل صيد فقال: 'يحكم به ذوا عدل منكم' فكيف في إمامة قد أشكلت على المسلمين ؟قالوا: إنه حكم عليه فلم يرض، قال: إن الحكمين لما خالفا نبذت أقاويلهما، كما في الإمامة إذا فسق الإمام وجبت معصيته، فقال بعضهم لبعض: لا تجعلوا احتجاج قريش حجة عليكم فإن هذا من القوم الذين قال الله سبحانه وتعالى فيهم: 'بل هم قوم خصمون' وقال عز وجل 'وتنفر به قوماً لداً'، وقال مصعب بن سعد: سألت أبي عن هذه الآية 'قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا' أهم أهل حروراء ؟قال: هم اليهود والنصارى كذبوا وكفروا، لكن الحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل، وكان يسميهم الفاسقين، وآل الأمر إلى أن تجبروا وخرج إليهم علي رضي الله عنه فأوقع بهم بالنهروان، وفي شرح ذلك طول ليس هذا موضعه.

    حران :

    مدينة من ديار مضر، قديمة عتيقة، لا يدرى متى بنيت، يقال بناها هران أخو إبراهيم عليه السلام وهو أبو لوط عليه السلام، ويقال هارن، وإليه تنسب حران، وهي مدينة الصابئين ولهم بها تل عليه مصلاهم، وهم يعظمونه وينسبونه إلى إبراهيم عليه السلام، وهي من غر البلاد لكنها قليلة الماء والشجر ولها رساتيق وعمارات وموضعها في مستو من الأرض، يحيط بها جبل شامخ مسافة يومين .ويزعم الصابئون أن حاران بنى تارح، وهو أخو إبراهيم عليه السلام، مر بها بعد نيف وخمسين سنة فقال: وإنك كعهدك يا عجوز .وحران مدينة مسورة ومسجد جامعها داخل في مدينتها، ولها أربعة أبواب: باب الرقة جنوبي، والشرقي باب يزيد، والشمالي باب يزيد، والغربي باب الفرات، ولها في غربيها دويرات وفي شمالها خرب، وليس للمدينة في نفسها بساتين وماؤها من الآبار، ولها قرى متصلة بها، تضم كل قرية خلقاً كثيراً، ولها عمارات واسعة، وفي كل قرية مسجد جامع ومنار، ويزعم الصابئون أن ماني الثنوي من أهل حران وأنه كان أسقفاً بنجران، فوقع عزم من الجاثليق فقال: والله لأفسدن عليه شريعته، فقال باثنين وضارع قول المجوس، وجعل أناجيل وتسمى مسيحاً، فضارع قول النصارى وأفسد الشريعة، وقتله سابور أحد ملوك الفرس على الزندقة وصلبه على باب مدينة أرجان من مدن فارس. ويزعم الصابئون أيضاً أن ديصان الزنديق من أهل حران وأنه ولد زنا وجد منبوذاً على نهر يقال له ديصان فسمي به .وفي مدينة حران مجمع الصابئين وقد درج أكثرهم وبقيت إلى اليوم منهم هناك بقية، وأخبر من رأى بقيتهم وذكر أنهم يستقبلون الكعبة في صلاتهم كما يستقبل المسلمون، وذكر أنهم من ولد صاب بن طاط بن خنوخ، كان من أهل الحكمة والفلسفة والعلم بالنجوم وهو أول من نزل بابل واتخذ بها هيكلاً، وكان فيه كاهن يسمى كرمن ومعناه بلسانهم العالم الكبير، ووضع لأهل العصر نواميس يعملون بها وأحكاماً ينتهون إليها، وكان قد أحكم في الصقع الذي كان نازلاً به من أرض بابل بناء بطالع قد ارتصده ووقت قد اختاره، وأثبت فيه من غوامض العلوم ما بقي أثره للصابئة، ونقش بلاطات الهيكل بضروب الصناعات وصور فيها جميع المهن وصور أهلها، وسن للصابئة أن متى أدرك لأحدهم ابن وصلح أن يتصرف، أتى به والداه إلى ذلك الهيكل وقربا عنه فيه قرباناً ومشى الغلام داخل الهيكل، فإذا كان عند الصباح وفرغ أهل الهيكل من ناموسهم قصد به السادن إلى تلك البلاطات المزبور فيها جميع المهن وأراه إياها، فما مالت إليه نفس الغلام من هذه الصناعات والمهن أمر أبويه أن يسلماه فيها فيحذق في تلك الصناعة .وكان لهم في القرابين أشياء أحدثها لهم صاب من جملة ما يقربونه في صلاتهم وتقديسهم من أمور وضعها لهم صاب وهي تهليل وتحميد وتسبيح، ولم يزالوا برهة من زمانهم جارين على ما وضع لهم من ذلك وعاملين بما نهج لهم إلى أن انبعث فيهم مركيون فأحدث لهم أشياء وحد لهم حدوداً ومال بهم نحو الكواكب، فابتدع لهم ضروباً من الهياكل ونصب فيها أصناماً ووقت لهم في الصلوات أوقاتاً، وهيئة صلاتهم هو أن يدخل الهيكل وقد وضع يديه معاً على صدره ثم يستقبل القبلة عليه لباس من صوف القرابين، ثم يبسط يديه معاً مادهما وجامعاً بينهما، ثم يسجد برأسه قائماً ويزمزم، ثم يمشي القهقرى خطى يسيرة ويخرج .وهم يجمعون في مواقيت صومهم ومناسكهم بين الشهور الشمسية والقمرية، ويسمون الشهر الهلالي بما يتفق أن يقع فيه من شهور السريانيين، فيقولون: هلال تشرين الأول، هلال تشرين الثاني، وكذلك في جميعها، ويكبسون في ثلاث سنين شهراً ويجعلونه نصف آذار ويسمونه هلال آذار الثاني فتصير شهور تلك السنة ثلاثة عشر شهراً من أجل الأحد عشر يوماً وربع التي بين الشمسية والقمرية .ووصف بعض البلغاء حران فقال: بلد لا حسن لديه ولا ظل متوسداً برديه، وقد اشتق من اسمه هواؤه، فلا يألف البرد ماؤه، ولا تجد فيه مقيلاً، ولا تتنفس فيه إلا نفساً ثقيلاً، قد نبذ بالعراء، ووضع في وسط الصحراء، يعدم رونق الحضارة، وتعرى أعطافه من ملابس النضارة .ولأبينا إبراهيم عليه السلام بقبليها بنحو ثلاثة فراسخ مشهد مبارك، فيه عين ماء جارية، كان مأوى له ولسارة ومتعبداً لهما .وأهل هذه البلاد من الموصل لديار ربيعة وديار بكر إلى الشام محسنون للغرباء مكرمون للفقراء، وأهل قراها كذلك، ما يحتاجون الغرباء الصعاليك معهم زاداً. ولهذه البلدة أسواق حافلة عجيبة الترتيب مسقفة كلها بالخشب لا يزال أهلها في ظل بارد، ويتصل بأسواقها جامعها وهو في غاية الحسن، له صحن كبير فيه ثلاث قباب مرتفعة على سواري رخام تحت كل قبة بئر عذبة، وبهذه البلدة مارستان، وهي كبيرة وسورها حصين مبني بالحجارة وكذلك منار الجامع .وفتح حران عياض بن غنم أخذها على مثل صلح الرها. وحران فيها من أهل كل بلد ومن أهل كل قبيلة من نزار وقحطان، وهي في مرج أفيح وبقعة حمراء.

    الحرة :

    حرة مدينة النبي صلى الله عليه وسلم تعرف بحرة واقم فيها كانت الوقيعة الشنيعة بأهل المدينة، وذلك أنه لما شمل الناس جور يزيد بن معاوية وعماله وعمهم ظلمهم، وما ظهر من فسقه من قتله ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنصاره وما أظهر من شرب الخمور وسار بها فرعونية، أخرج أهل المدينة عامله عليهم عثمان بن محمد بن أبي سفيان لمروان بن الحكم وسائر بني أمية، وذلك عند تنسك ابن الزبير وإظهاره الدعاء لنفسه سنة ثلاث وستين، وكان إخراجهم لمن ذكرناه عن إذن ابن الزبير، واغتنمها مروان منهم إذ لم يقبضوا عليهم ويحملوهم إلى ابن الزبير، فحثوا السير نحو الشام، ونمي فعل أهل المدينة ببني أمية ومن معهم إلى يزيد فسير إليهم جيوش أهل الشام عليهم مسلم بن عقبة المري الذي أخاف المدينة ونهبها وقتل أهلها، وبايعه أهلها على أنهم عبيد يزيد وسماها نتنة مناقضة لتسمية رسول الله صلى الله عليه وسلم لها طيبة وقال: 'من أخاف المدينة أخافه الله '، فسمي مسلم هذا بمجرم ومسرف لما كان من فعله، وقال يزيد حين عرض هذا الجند:

    أبلغ أبا بكر إذا الأمر انبرى

    وأشرف القوم على وادي القرى

    أجمع سكران من القوم ترى

    يريد بهذا القول عبد الله بن الزبير وكان يكنى أبا بكر ويسمى يزيد السكران الخمير، وكتب لابن الزبير:

    ادع إلاهك في السماء فإنني ........ أدعو عليك رجال عك وأشعر

    كيف النجاة أبا خبيب منهم ........ فاحتل لنفسك قبل مأتى العسكر

    ولما انتهى الجيش من المدينة إلى الموضع المعروف بالحرة وعليهم مسلم، خرج إلى حربه أهلها عليهم عبد الله بن مطيع العدوي وعبد الله بن حنظلة الأنصاري، فكانت بينهم وقعة عظيمة قتل فيها خلق من الناس من بني هاشم وسائر قريش والأنصار وغيرهم من سائر الناس، وبايع الناس على أنهم عبيد ليزيد ومن أبى ذلك أمره مسلم على السيف غير علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب السجاد وعلي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنهم، وفي وقعة الحرة يقول محمد بن أسلم:

    فإن تقتلونا يوم حرة واقم ........ فنحن على الإسلام أول من قتل

    ونحن تركناكم ببدر أذلة ........ وأبنا بأسياف لنا منكم نفل

    ونظر الناس إلى علي بن الحسين السجاد وقد لاذ بالقبر الشريف وهو يدعو فأتي به مسرف وهو مغتاظ عليه متبر منه ومن آبائه، فلما رآه ارتعد وقام له وأقعده إلى جانبه وقال له: سلني حوائجك، فلم يسأله في أحد ممن قدم للسيف إلا شفعه فيه وانصرف، فقيل لعلي رضي الله عنه: رأيناك تحرك شفتيك فما الذي قلت ؟قال، قلت: اللهم رب السموات السبع وما أظللن والأرضين السبع وما أقللن ورب العرش العظيم ورب محمد وآله الطاهرين، أعوذ بك من شره وأدرأ بك في نحره، أسألك أن تؤتيني خيره وتكفيني شره، وقيل لمسلم: رأيناك تسب هذا الغلام وسلفه فلما أتي به إليك رفعت منزلته، قال: ما كان ذلك برأي مني ولقد ملىء قلبي منه رعباً .وأما علي بن عبد الله بن العباس رضي الله عنهما فإن أخواله من كندة منعوه منه وأناس من ربيعة كانوا في جيشه فقال علي رضي الله عنه في ذلك:

    أبي العباس قرم بني لؤي ........ وأخوالي الملوك بنو وليعه

    هم منعوا ذماري يوم جاءت ........ كتائب مسرف وبنو اللكيعه

    أراد بي التي لا عز فيها ........ فحالت دونه أيدي ربيعه

    ونزل بأهل المدينة من القتل والنهب والسرق والسبي وشبه ذلك أمر عظيم. ثم خرج عنها يريد مكة في جنوده ليوقع بابن الزبير وأهل مكة بأمر يزيد، وذلك سنة أربع وستين، فلما انتهى إلى الموضع المعروف بقديد مات مسرف لعنه الله، فاستخلف على الجيش الحصين بن نمير حتى أتى مكة في محرم سنة أربع وستين، فحاصر مكة وأحاط بها، وعاذ ابن الزبير بالبيت الحرام وسمى نفسه العائذ بالبيت، ونصب الحصين المجانيق والعرادات على مكة والمسجد من الجبال والفجاج، فتواترت أحجار المجانيق والعرادات على البيت ورمي مع الأحجار النار والنفط ومشاقات الكتان فانهدمت الكعبة ووقعت صاعقة فأحرقت من أصحاب المجانيق أحد عشر رجلاً، واشتد الأمر على أهل مكة وابن الزبير إلى أن بلغت الحصين وفاة يزيد بالشام فانحلت العزيمة ثم كانت بينه وبين ابن الزبير مخاطبات فآل الأمر إلى أن انصرف عنه إلى الشام.

    الحربية :

    محلة ببغداد بالجانب الغربي منها جماعة محدثون، فيها قبر هشام بن عروة ومنصور بن عمار وبشر الحافي وأحمد بن حنبل وغيرهم ومنها عيسى بن موسى بن أبي خالد الحربي وله حكاية، قال إبراهيم بن المدبر: جاءني يوماً محمد بن صالح الحسني بعد أن أطلق من السجن فقال: أريد أن أتحدث معك اليوم على خلوة، فقلت: افعل، فخلوت معه وأمرت برد دابته، فلما اطمأن بنا المجلس قال لي: أعلمك أني خرجت في سنة كذا ومن معي من أصحابي على القافلة الفلانية فقاتلنا من كان فيها وهزمناهم، وملكنا القافلة، فبينا أنا أحوزها وأنيخ الجمال إذ طلعت علي امرأة من العمارية ما رأيت قط أحسن وجهاً منها ولا أحلى منطقاً، فقالت: يا فتى إن رأيت أن تدعو لي بالشريف المتولي أمر هذا الجيش فإن لي عنده حاجة، فقلت: قد رأيته وسمع كلامك، فقالت: سألتك بحق الله أنت هو ؟فقلت: نعم وحق رسوله، فقالت: أنا حمدونة بنت عيسى بن موسى بن أبي خالد الحربي، ولأبي محل من سلطانه، ولنا نعمة إن كنت سمعت بها فقد كفاك ما سمعت، وإن كنت لم تسمع بها فسل عنها غيري، ووالله لا استأثرت عنك بشيء أملكه ولك بذلك عهد الله وميثاقه علي، وما أسألك إلا أن تصونني وتسترني، وهذا ألف دينار معي لنفقتي فخذها حلالاً، وهذا حلي بأغلى من خمسمائة دينار فخذه وضمني ما شئت بعده آخذه لك من تجار المدينة أو مكة ومن أهل الموسم، فليس منهم من يمنعني شيئاً أطلبه، وادفع عني واحمني من أصحابك ومن عار يلحقني. فوقع لقولها من قلبي موضع عظيم، فقلت لها: قد وهب الله عز وجل لك مالك وجاهك ووهب لك القافلة بجميع ما فيها، ثم ناديت في أصحابي: إني قد أجرت هذه القافلة ولها ذمة الله تعالى وذمة رسوله وذمتي، فمن أخذ منها خيطاً أو مخيطاً فقد أذنته بحرب، فانصرفوا معي وانصرفت، فلما أخذت فحبست فبينا أنا ذات يوم في محبسي إذ جاءني السجان فقال: إن بالباب امرأتين تزعمان أنهما من أهلك وقد حظر علي أن يدخل عليك أحد إلا أنهما أعطتاني دملج ذهب وجعلتاه لي إن أوصلتهما إليك، وقد أذنت لهما وهما بالدهليز فاخرج إليهما، فخرجت إليهما فإذا بصاحبتي، فلما رأتني بكت لما رأت من حالي وثقل الحديد علي، فأقبلت عليها الأخرى فقالت: أهو هو ؟قالت: أي والله هو، ثم أقبلت علي وقالت: والله يا سيدي لو استطعت أن أقيك مما أنت فيه بنفسي وأهلي لفعلت وكنت بذلك مني حقيقاً، ووالله لا تركت المعاونة لك والسعي في خلاصك بكل حيلة ومال وشفاعة، وهذه دنانير وثياب وطيب فاستعن بها على موضعك، ورسولي يأتيك في كل يوم بما يصلحك حتى يفرج الله عنك، ثم أخرجت إلي مائتي دينار وكسوة وطيباً، وكان رسولها يأتيني في كل يوم بطعام نظيف ويتواصل برها السجان فلا يمتنع من كل ما أريده حتى من الله بخلاصي، ثم راسلتها فخطبتها فقالت: أما من جهتي فأنا لك سامعة مطيعة، والأمر إلى أبي، فأتيته فخطبتها إليه فردني وقال: ما كنت لأحقق عليها ما قد شاع في الناس عنك في أمرها وقد صيرتها فضيحة، فقمت من عنده منكسراً مستحيياً وقلت في ذلك:

    رموني وإياها بشنعاء هم بها ........ أحق أدال الله منهم معجلا

    بأمر تركناه ورب محمد ........ عياناً فإما عفة أو تجملا

    فقلت: إن عيسى صنيعة أخي وهو لي مطيع، وأنا أكفيك أمره، فلما كان من غد لقيت عيسى في منزله وقلت: جئتك في حاجة، فقال: مقضية، فقلت: جئتك خاطباً إليك ابنتك، فقال: وهي أمتك وأنا لك عبد وقد أجبت، فقلت: إني خطبتها على من هو خير مني أباً وأماً وأشرف لك صهراً ومتصلاً محمد بن صالح العلوي، فقال: يا سيدي هذا رجل قد لحقنا بسببه ما لم يخف عليك وقيلت فينا أقوال، فقلت: أليست باطلة ؟قال: بلى والحمد لله، ولم أزل أرفق به حتى أجاب، فبعثت إلى محمد بن صالح فأحضرته، وما برحت حتى زوجه وسقت الصداق عنه، فصنع محمد بن صالح في ذلك شعراً، ولما حملت إليه حمدونة شغف بها، وكانت امرأة جميلة عاقلة، وله فيها أشعار حسان.

    الحزورة :

    موضع بمكة يلي البيت بفناء دار أم هانئ بنت أبي طالب التي كانت عند الحناطين فدخلت في المسجد الحرام، وقيل بل كانت الحزورة في موضع السقاية التي عملت الخيزران بفناء دار الأرقم، وقال بعضهم: كانت نحو الردم في الوادي، والأثبت أنها كانت من الحناطين وهو الأشهر عند المكيين، وفي الحزورة دفن عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله ابن أخي طلحة ابن عبيد الله وكان قتل مع ابن الزبير، فلما زيد في المسجد الحرام دخل قبره في المسجد، ذكر ذلك الزبير بن أبي بكر .وروى الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الله بن عدي بن حمراء الزهري أخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو واقف بالحزورة في سوق مكة: 'والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلي، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت'، وهذا من الأحاديث الصحاح التي أخرجها الدارقطني وذكر أن البخاري ومسلماً أغفلا تخريجها في كتابيهما على ما شرطاه، وهذا الحديث من أقوى ما يحتج به الشافعي في تفضيل مكة على المدينة، قال الدارقطني: والمحدثون يقولون: الحزورة بالتشديد وهو تصحيف إنما هو بالتخفيف. وقال عمرو بن العاصي لمعاوية رضي الله عنهما: رأيت في منامي أبا بكر رضي الله عنه حزيناً فسألته عن شأنه فقال: وكل بي هذان لمحاسبتي وإذا صحف يسيرة، ورأيت عمر رضي الله عنه كذلك وإذا صحف مثل الحزورة، ورأيت عثمان رضي الله عنه كذلك وإذا صحف مثل الخندمة، ورأيتك يا معاوية وصحفك مثل أحد وثبير، فقال معاوية رضي الله عنه: أرأيت ثم دنانير مصر ؟.

    حزيز :

    موضع بالبصرة، وأصل الحزيز الغليظ من الأرض. قالوا: لم ير الناس قط هواء أعدل ولا نسيماً أرق ولا أطيب منبتاً من ذلك الموضع. وقال أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد: ما آسى من العراق إلا على ثلاث خلال: ليل الحزيز ورطب السكر وحديث ابن أبي بكرة، وأراد الحجاج التعالج فدله الطبيب على هذا الموضع وأظنه المذكور في مقصورة ابن دريد:

    حزوى :

    موضع في ديار بني تميم، وفيه يقول ذو الرمة:

    خليلي عوجا من صدور الرواحل ........ بجمهور حزوى فابكيا في المنازل

    لعل انحدار الدمع يعقب راحة ........ من الوجد أو يشفي نجي البلابل

    الحطيم :

    بمكة، وهو ما بين الكعبة وما بين زمزم والمقام. قال الاخباريون: كان من لم يجد من الأعراب ثوباً من ثياب أهل مكة يطوف به رمى ثيابه هناك وطاف عرياناً، فسمي الحطيم.

    حلوان :

    من كور الجبل وبمقربة من شهرزور وخانقين، بناها قباذ بن فيروز ملك الفرس والد أنوشروان، وهي بين فارس والأهواز، وحلوان مدينة سهلية جبلية على سفح الجبل المطل على العراق، وسميت بذلك لأن معناها حافظ حد السهل، لأن حلوان أول العراق وآخر حد الجبل، وقيل سميت بحلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وكان نزلها فنسبت إليه، وبناء حلوان بالطين والحجارة، وهي نحو نصف الدينور، والجبل منها على فرسخين، والثلج يكثر بها، وهي حارة الهواء كثيرة النخل والأنهار، ومنها إلى شهرزور أربعة فراسخ، وليس بالعراق بعد الكوفة والبصرة وواسط أعمر منها ولا أكبر ولا أخصب، وجل ثمارها شجر التين .وبها نخلتان يضرب بهما المثل، يقال: أطول صحبة من نخلتي حلوان، وفيهما يقول الشاعر:

    أسعداني يا نخلتي حلوان ........ وابكيا لي من صرف هذا الزمان

    أسعداني وأيقنا أن نحساً ........ سوف يلقاكما فتفترقان

    وحدث زكريا بن شعبة قال: كان هارون الرشيد يوماً في مقيله إذ رأى في منامه كأن رجلاً وقف على باب مجلسه فضرب بيده إلى عمود الباب ثم أنشأ يقول:

    كأني بهذا القصر قد باد أهله ........ وأوحش منه ربعه ومنازله

    وصار عميد القصر من بعد بهجة ........ إلى جدث تبكي عليه جنادله

    فلم يبق إلا ذكره وحديثه ........ تبكي عليه بالعويل حلائله

    ثم خرج إلى طوس فلما نزل حلوان العراق هاج به الدم فاجتمع المتطببون على أن دواءه الجمار فوجه إلى دهقان حلوان فأحضر فسئل عن النخل فقال: ليس بهذه البلدة إلا النخلتان اللتان على عقبة حلوان فوجه إليهما من قطع إحداهما فأكل هارون جمارها فسكن عنه الدم فرحل فمر عليهما فرأى على القائمة منهما كتاباً فيه:

    أسعداني يا نخلتي حلوان ........ وابكيا لي من صرف هذا الزمان

    أسعداني وأيقنا أن نحساً ........ سوف يلقاكما فتفترقان

    ولعمري لو ذقتما حرق المو _ ت لأبكاكما الذي أبكاني

    فقال هارون: عز والله علي أن أكون أنا نحسهما ووالله لو علمت بهذا الكتاب ما قطعتها ولو كانت نفسي فيها .وقد ذكر هاتين النخلتين التطيلي الشاعر الأعمى في قصيدته التي أولها:

    ألا حدثاني عن فل وفلان ........ لعلي أرى باق على الحدثان

    فقال:

    وعن نخلتي حلوان كيف تناءتا ........ ولم تطويا كشحاً على شنآن

    وهي طويلة مختارة .وقال إسماعيل بن أبي هاشم: قرأت بحلوان على قصر لعبد العزيز بن مروان:

    أين رب القصر الذي شيد القص _ ر وأين العبيد والأجناد

    أين تلك الجموع والأمر والنه _ ي وأعوانهم وذاك السواد

    أين عبد العزيز أو أين مروا _ ن وأين الحماة والأولاد

    ما لنا لا نحسهم ونراهم ........ أترى ما الذي دهاهم فبادوا

    قال: وقرأت تحته هذا الجواب:

    أيها السائل المفكر فيهم ........ كيف بادت جموعهم والسواد

    ثم في القصر والذين بنوه ........ أسفاً حين فارقوه وبادوا

    أين كسرى وتبع قبل مروا _ ن ومن قبل تبع شداد

    أين نمرود أين فرعون موسى ........ أين من قبلهم ثمود وعاد

    كلهم في التراب أضحى رهيناً ........ حين لم تغن عنهم الأجناد

    إن في الموت يا أخي لك شغلاً ........ عن سواه والموقف الميعاد

    وفي مصر حلوان أيضاً، وهو فوق الفسطاط.

    الحليفة :

    ذو الحليفة ما بينه وبين المدينة ستة أميال وقيل سبعة وهو كان منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من المدينة لحج أو عمرة، فكان ينزل تحت شجرة في موضع المسجد الذي بذي الحليفة اليوم .وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له وهو بالمعرس بذي الحليفة إنك ببطحاء مكة، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة.

    حلب :

    مدينة بالشام، بينها وبين قنسرين اثنا عشر ميلاً، وسميت بحلب رجل من العمالقة، وهي مدينة عظيمة مسورة بحجارة بيض، ونهر قويق يجري على بابها، وفي جانبها قلعة منيعة بها مقام أميرها، ولها سبعة أبواب، منها باب الجنان وباب أربعين وباب أنطاكية وباب قنسرين وباب اليهود وباب الفراديس والباب الشرقي، ومسجد جامعها داخل المدينة، وأغلب أسواق حلب مسقف، وبحلب جماعة من اليهود ونصارى نسطوريون .قال بعضهم: حلب قدرها خطير، وذكرها في كل زمن يطير، لها قلعة شهيرة الامتناع، معدومة الشبيه والنظير في القلاع، ويقال إن هذه القلعة كانت في قديم الزمان ربوة يأوي إليها إبراهيم الخليل عليه السلام بغنيمات فيحلبها هنالك ويتصدق بلبنها فلذلك سميت حلب، وبها مشهد عظيم يقصد الناس التبرك به. ومن فضائل هذه القلعة ماء نابع فيها لا يخاف معه فيها ظمأ، والطعام يصير فيها الدهر كله، وعليها سوران دونهما خندق لا يكاد البصر يبلغ مدى عمقه، وبالجملة القلعة مشهورة بالحصانة والحسن، وأبراج سور البلد كثيرة جداً وأبراجها كلها مسكونة وكلها طيقان وداخلها المساكن السلطانية والمنازل الرفيعة. والبلد حفيل الترتيب بديع الحسن واسع الأسواق وكلها مسقفة بالخشب فهي في ظلال وارفة، وقيساريتها حديقة بستان نظافة وجمالاً مطيفة بجامعها، وجامعها من أحسن الجوامع وأجملها، وفي صحنه بئران معينان وقد استفرغت الصنعة القرنصية جهدها في منبره فما رؤي في بلد منبر على شكله وغرابة صنعته، واتصلت الصنعة الخشبية إلى المحراب فتخللت صفحاته كلها حسناً على تلك الصفة الغريبة، وكل ذلك مرصع بالعاج والأبنوس، واتصل الترصيع من المنبر إلى المحراب مع ما يليهما من جدار القبلة فتجتلي العيون منها أبهى منظر يكون في الدنيا. وحسن هذا الجامع أكثر من أن يوصف، ويتصل به من الجانب الغربي مدرسة تناسب الجامع حسناً وإتقان صنعة، وهذه المدرسة من أحفل ما بني، وجدارها الشرقي مفتح كله بيوتاً وغرفاً فوقها ولها طيقان يتصل بعضها ببعض، وقد امتد بطول الجدار عريش كرم مثمر عنباً، فجعل لكل طاق من تلك الطيقان قسطها من ذلك متدلياً أمامها، فيمد الساكن فيها يده ويجنيه متكياً بلا مشقة. وفي البلد سوى هذه المدرسة أربع مدارس أو خمس، وبها مارستان وأمرها في الاحتفال عظيم، وحسنها كله داخل لا خارج لها إلا نهرها الجاري من جوفها إلى قبليها ويشق ربضها المستدير بها، لأن لها ربضاً كبيراً فيه من الحمامات ما لا يحصى عدة، وبهذا النهر الأرحاء وهي متصلة بالبلد، وبهذا الربض بعض بساتين تتصل بطوله، وعلى الجملة فهي من بلاد الدنيا التي لا نظير لها .وكانت بحلب، سنة ست وثلاثين وأربعمائة، وقيعة عظيمة على ارمانوس الرومي، وكان قد عسكر عليها في نحو مائة وأربعين ألفاً أتت على أكثرهم، وأسر فيها نحو سبعة آلاف وخمسمائة من كبارهم وبطارقهم، وأمير حلب يومئذ شبل الدولة نصر بن صالح بن مرداس الكلابي، وكانت تجمع له من العرب وكور قنسرين نحو عشرة آلاف، وكانت الوقيعة على ثلاثة فراسخ من حلب، وكثرت الغنائم والسبي بأيدي المسلمين حتى بيع الفرس من سبي الروم بسرجه ولجامه بمثقالين، والغلام منهم بمثقال والجارية بثلاثة مثاقيل. ولبعضهم:

    حلبت الدهر أشطره ........ وفي حلب صفا حلبي

    الحلة :

    مدينة كبيرة منيفة على شط الفرات يتصل بها من جانبها الشرقي وتمتد بطوله، وبها أسواق حفيلة جامعة للمرافق المدنية والصناعات الضرورية، وهي قوية التجارة كثيرة الخلق متصلة حدائق النخل داخلاً وخارجاً، ولها جسر عظيم معقود على مراكب كبار متصلة من الشط إلى الشط تحف بها من جانبيها سلاسل من حديد كالأذرع المفتولة عظماً وضخامة تربط في خشب في كلا الشطين، والطريق من الحلة إلى بغداد أحسن طريق وأجملها من بسائط وعمائر تتصل بها القرى يميناً وشمالاً، وبين هذه البسائط مذانب من الفرات تسقيها، وللعين في ذلك مسرح وانشراح.

    حمص :

    مدينة بالشام من أوسع مدنها، ولا يجوز فيها الصرف كما يجوز في هند لأنه اسم أعجمي، سميت برجل من العمالق يسمى حمص، ويقال رجل من عاملة، هو أول من نزلها، ولها نهر عظيم يشرب منه أهلها .وهي مدينة حسنة في مستو من الأرض وهي عامرة بالناس، والمسافرون يقصدونها بالأمتعة والبضائع من كل فن، وأسواقها قائمة وخصبهم تام ومعايشهم رقيقة، وفي نسائهم جمال وحسن بشرة، وشرب أهلها من ماء يأتيهم في قناة على مرحلة منها مما يلي دمشق، والنهر المسمى بالمقلوب يجري على بابها بمقدار رمية سهم، ولهم عليه قرى متصلة وبساتين وأشجار وأنهار كبيرة، ومنها تجلب الفواكه إلى المدينة، وكانت من أكثر البلاد كروماً فتلف أكثرها، وثراها طيب للزراعات وهواؤها أعدل هواء يكون بمدن الشام، وهي مطلسمة لا تدخلها حية ولا عقرب ومتى أدخلت على باب المدينة هلكت على الحال. وبها على القبة العالية الكبيرة التي في وسطها صنم نحاس على صورة الإنسان الراكب يدور مع الريح كيف ما دارت، وفي حائط القبة حجر عليه صورة عقرب فإذا جاز إنسان ملدوغ أو ملسوع طبع ذلك الحجر الطين الذي يكون معه ثم يضع الطين على اللسعة فيبرأ للحين. وجميع أزقتها وطرقها مفروشة بالحجر الصلد، وزراعاتها مباركة كثيرة، وهي تكتفي باليسير من المطر أو السقي، وبها مسجد جامع كبير من أكبر جوامع الشام، ومنها إلى حلب خمس مراحل .وافتتحها أبو عبيدة بن الجراح صلحاً سنة أربع عشرة في خلافة عمر رضي

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1