Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

مختصر الإنصاف والشرح الكبير
مختصر الإنصاف والشرح الكبير
مختصر الإنصاف والشرح الكبير
Ebook709 pages5 hours

مختصر الإنصاف والشرح الكبير

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

ان شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأكرم مثواه قد جدد ما اندرس من عقيدة التوحيد في البلاد النجدية كما هو معلوم مشهود من حال الناس قبل قيامه لله داعيا إلي الدين الخالص حيث صفت عقائدهم من شوائب الشرك و تحقق ما أراد الله علي يديه من خير لهذه البلاد و قد امتدت اثار هذه الدعوة إلي عدّة أقطار
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateApr 20, 1903
ISBN9786409774216
مختصر الإنصاف والشرح الكبير

Read more from محمد بن عبد الوهاب

Related to مختصر الإنصاف والشرح الكبير

Related ebooks

Related categories

Reviews for مختصر الإنصاف والشرح الكبير

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    مختصر الإنصاف والشرح الكبير - محمد بن عبد الوهاب

    الغلاف

    مختصر الإنصاف والشرح الكبير

    الجزء 1

    محمد بن عبد الوهاب

    1206

    ان شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأكرم مثواه قد جدد ما اندرس من عقيدة التوحيد في البلاد النجدية كما هو معلوم مشهود من حال الناس قبل قيامه لله داعيا إلي الدين الخالص حيث صفت عقائدهم من شوائب الشرك و تحقق ما أراد الله علي يديه من خير لهذه البلاد و قد امتدت اثار هذه الدعوة إلي عدّة أقطار

    مختصر الإنصاف والشرح الكبير

    تأليف: أبي عبد الله الشيخ محمد بن عبد الوهاب

    ال

    مقدمة

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن دعا بدعوته واهتدى بهداه. أما بعد، فإن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله وأكرم مثواه، (1115-1206هـ)، قد جدد ما اندرس من عقيدة التوحيد في البلاد النجدية، كما هو معلوم مشهود من حال الناس قبل قيامه لله داعياً إلى الدين الخالص، وما آلت إليه حالهم بدعوته المباركة، حيث صفت عقائدهم من شوائب الشرك، وتحقق ما أراد الله على يديه من خير لهذه البلاد. فبجهاده ومؤازرة الإمام (محمد بن سعود) له، انقشعت غيوم الشرك المتراكمة على سماء العقيدة، وأشرقت شمس الحق بنور التوحيد، فمزقت سحب الجهل، وبددت فلول الباطل؛ فلا مكان لطاغوت مضل، أو قبر يُعبد، أو وثن له يسجد. ولا قرار لمشعوذ يستخف عقول الناس، ويروج أباطيل الخرافة.

    ولقد امتدت آثار هذه الدعوة الميمونة إلى الأقطار، فمدت ظلالها على ربوع تلك الديار التي كانت هي الأخرى تعاني من فساد المعتقد، وتتخبط في ليل غابت نجومهن واعتكر ظلامهن لا يهتدي السائر فيه سبيلاً، ولا يجد الحائر إلى غايته دليلاً.

    ولئن كان الشيخ، يرحمه الله، معنياً بالدرجة الأولى بتصحيح تصور الناس نحو العقيدة، وتثبيت قواعدها، وتجريدها من الشوائب التي أُدخلت عليها، حتى ظن أنها من الدين، لئن كان يولي هذا الأمر جل اهتمامه، فإن له، أيضاً، المؤلفات والفتاوى والردود في المسائل الفروعية، وإليه يرجع فيها، وعلى ما قرره يعوّل. وكان من أبعد الناس عن التعصب والتقليد الأعمى، يدعو إلى التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، يتوخى الدليل، ويرى الاقتداء بالأئمة فيما لم يقم الدليل على خلافه من اجتهاداتهم. والناظر في مؤلفاته يرى أنها على قسمين: منها ما ألّفه ابتداء، ومنها ما اختصره من أصوله المطولة لتيسير الانتفاع به. وقد اتجهت الرغبة منه، رحمه الله، إلى اختصار كتابين من أشهر وأوسع ما صنف في الفقه الحنبلي، لما رأى في زمنه من الحاجة لذلك. هذان الكتابان هما: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد ابن حنبل. ومؤلفه العلامة الفقيه علاء الدين علي بن سليمان المرداوي الحنبلي (817-885هـ). والثاني: الشرح الكبير ومؤلفه شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر بن قدامة المقدسي (597-682 هـ). وكلا الكتابين شرح لكتاب المقنع لموفق الدين عبد الله بن قدامة المقدسي (541-620 هـ). وتم ما أراده، رحمه الله، بمختصر لطيف، بدأ كل باب منه بما اختاره الشرح، وختمه بما استدركه من الإنصاف.

    وبحق، لقد أحسنت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حين تفضلت بطباعة ما تيسر من مؤلفات هذا الإمام، انطلاقاً من سياستها القائمة على الدعوة إلى الإسلام، والعناية بكل ما يهم المسلمين، ويربطهم بدينهم عقيدة وسلوكاً ومنهج حياة. فجزى الله القائمين عليها خيراً، ووفقهم لما فيه صلاح المسلمين.

    ثم إنه عهد إلينا من قِبل أمانة أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب بتصحيح كتاب مختصر الإنصاف والشرح الكبير، فلم نجد بداً من الإسهام بهذا العمل بقدر المستطاع. وهذا الكتاب قد طبع طبعته الأولى بالمطبعة السلفية بمصر عن نسخة خطية، ذكر ناشره محب الدين الخطيب في مقدمته أنه أرسلها إليه الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ محمد بن عبد اللطيف، وأنها معاصرة للطبقة الأولى من أبناء الشيخ، رحمه الله، كتبها سعد بن محمد الأخ الرشيد مرشد بن أحمد بن هوين، وفرغ من كتابتها يوم الثلاثاء لثلاث وعشرين خلون من جمادى الآخرة، أحد شهور سنة (1224هـ). وفي آخرها أيضاً، ذكر اسم كاتبها وتاريخ الكتابة، إلا أنه قال: بقلم ... عبده سعد بن محمد، كتبه للأخ الرشيد ... بن هوير فليحرر. كما وجد لهذا الكتاب أصل مخطوط بالمكتبة السعودية بالرياض برقم (465/86) يقع في (312) 1 صفحة من الحجم المتوسط، على صفحة الغلاف اسم الكتاب ومؤلفه. وفي أعلى الصفحة الأولى: سم الله الرحمن الرحيم، هذا منقول من الشرح الكبير والإنصاف أول كل باب من الشرح وآخر كل باب من الإنصاف. وفي آخره النص التالي: آخره والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، بلغ مقابلة في ملكه عبد الرحمن بن أحمد بن قاسم، غفر الله له ولوالديه. لذا كان عملنا في جملته لا يعدو مقابلة إحدى النسختين على الأخرى، واستدراك ما أهمل في الطبعة السلفية مما تقتضيه أصول الطباعة الحديثة، وتلافي أخطاء الطباعة فيها، مع ترقيم الآيات، وتصويب الأخطاء الإملائية مما لم تخل منه النسختان. وقد تبين لنا نقص في مواضع متعددة من المطبوعة أثبتناه بين قوسين ونبهنا 1 بين لنا أثناء المقابلة سقط بين صحيفتي 311، 312 بما يعادل ورقتين تقريباً تلافيناه من المطبوعة ومخطوطة أخرى مخرومة توجد في المكتبة السعودية برقم (89/86) .

    عليه في الحاشية، إما بقولنا: ساقط من النسخة السلفية أو زيادة من المخطوطة. وعند الاشتباه أو التردد في لفظ أو جملة، نرجع إلى الأصل فنثبت عبارته، ما لم يكن أدخل عليها شيء من التصرف، فعندئذٍ نترك عبارة المختصر على ما هي عليه، وننقل عبارة الأصل في الهامش، وننبه إلى أننا حينما نطلق كلمة الأصل نعنى بها الشرح الكبير أو الإنصاف، كما نعني بالمطبوعة: نسخة المطبعة السلفية، وبالمخطوطة أو المختصر: نسخة المكتبة السعودية المنوه عنها، والتي اعتمدت أصلاً في طباعة هذا الكتاب.

    نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يجزي مؤلفي الأصلين والمختصر خيراً، وأن ينفع بعلومهم، كما نسأله أن يجعل العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن يغفر لنا الزلات، ويتجاوز عن السيئات. وهو حسبنا ونعم الوكيل، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم إلى يوم الدين.

    عبد العزيز بن زيد الرومي صالح بن محمد الحسن

    الرياض في 22/ 1/ 1398 هـ

    كتاب الطهارة

    باب المياه

    ...

    باب المياه 1

    وهي ثلاثة: طهور، وهو الباقي على خلقته. وجملته أن كل صفة خلق عليها الماء وبقي عليها فهو طهور، لقوله صلى الله عليه وسلم: اللهم طهّرني بالثلج والبرد والماء البارد، 2 وفي البحر: هو الطهور ماؤه، الحلُّ ميتته 3.

    وهذا قول أهل العلم إلا ما روي عن ابن عمرو في ماء البحر: التيمم أعجب إليَّ منه، والأول أولى، لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً}، 4 وهذا واجد للماء.

    قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه: أن الوضوء بالماء الآجن جائز، سوى ابن سيرين، فإنه كره ذلك.

    والماء المتغير بورق الشجر، وما ينبت في الماء، أو تحمله الريح أو السيول، أو ما تغير في آنية الأدم والنحاس ونحوه، يعفى عن ذلك كله، لأنه يشق التحرز منه، أو ما يخالطه كالعود والدهن والعنبر إذا لم يستهلك فيه ولم يتحلل، لأنه تغير عن مجاورة، أو ما أصله الماء كالملح البحري، فإن كان معدنياً فهو كالزعفران، وكذلك الماء المتغير بالتراب، لأنه يوافق الماء في صفته أشبه الملح، أو ما تروح بريح ميتة إلى جانبه، لا نعلم في ذلك خلافاً، أو سخن بالشمس.

    وقال الشافعي: تكره الطهارة بماء قصد تشميسه، لحديث: لا تفعلي فإنه يورث البرص، رواه الدارقطني وقال: يرويه خالد بن إسماعيل، وهو متروك، وعمرو الأعسم، وهو منكر الحديث، ولأنه لو كره لأجل الضرر لما اختلف 1 أول كل باب ملخص من الشرح الكبير، وآخره من الإنصاف.

    2 مسلم: الصلاة (476), والترمذي: الدعوات (3547), والنسائي: الغسل والتيمم (402، 403), وأحمد (4/354) .

    3 الترمذي: الطهارة (69), والنسائي: المياه (332) والصيد والذبائح (4350), وأبو داود: الطهارة (83), وابن ماجة: الطهارة وسننها (386) والصيد (3246), وأحمد (2/237, 2/361, 2/378), ومالك: الطهارة (43), والدارمي: الطهارة (729) .

    4سورة المائدة آية: 6.

    بقصد التشميس وعدمه، أو بطاهر كالحطب ونحوه، فلا يكره، لا نعلم فيه خلافاً، إلا ما روي عن مجاهد أنه كره الوضوء بالمسخن. وإن سخن بنجاسة فهل يكره؟ على روايتين. ولا يكره الغسل والوضوء بماء زمزم، لحديث أسامة، وعنه: يكره، لقول العباس: لا أحلّها لمغتسل.

    وإذا خالط الماء طاهر لم يغيره، لم يمنع الطهارة. قال شيخنا: لا نعلم فيه خلافاً. وإذا وقع فيه ماء مستعمل عُفي عن يسيره، وهذا ظاهر حاله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لأنهم يتوضؤون من الأقداح. فإن كثر مُنع في إحدى الروايتين؛ وقال أصحاب الشافعي: إن كان الأكثر المستعمل مُنع، وإلا فلا. فإن كان معه ماء لا يكفيه لطهارته فكمله بمائع آخر لم يغيره، جاز الوضوء به، في إحدى الروايتين.

    الثاني: طاهر غير مطهر: وهو كل ماء خالطه طاهر، فغير اسمه حتى صار صبغاً أو خلاً، أو طُبخ فيه فصار مرقاً، فلا يجوز الوضوء به، لا نعلم فيه خلافاً؛ إلا أنه حكي عن أصحاب الشافعي وجه في ماء الباقلاء المغلي أنه يجوز الوضوء به. وحكي عن ابن أبي ليلى جواز الوضوء بالمياه المعتصرة، وسائر أهل العلم على خلافه، لأن هذا لا يقع عليه اسم الماء. فإن غيّر أحد أوصافه ففيه روايتان:

    إحداهما: أنه غير مطهّر، وهو قول مالك والشافعي، أشبه ماء الباقلاء المغلي. إذا ثبت هذا، فإن أصحابنا لا يفرّقون بين المذرور كالزعفران والأشنان وبين الحبوب من الباقلاء ونحوه. وقال الشافعية: ما كان مذروراً منع إذا غيّر، وما عداه لا يمنع، إلا أن ينحلّ في الماء، ووافقهم أصحابنا في الخشب والعيدان، وخالفوهم فيما ذكرنا. وشرط الخرقي الكثرة في الرائحة، لسرعة سرايتها، ولكونها تحصل عن مجاورة، فاعتبرت الكثرة ليعلم أنها عن مخالطة.

    والرواية الثانية: أنه باق على طهوريته؛ نقلها عن أحمد جماعة، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه، لأن الله تعالى قال: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} 1 وهذا عام في كل ماء، لأنه نكرة في سياق النفي، ولأن الصحابة كانوا يسافرون وغالب أسقيتهم الأدم، وهي تغيّر أوصاف الماء عادة، ولم يكونوا يتيممون معها.

    واختلف في المنفصل من المتوضئ عن الحدث والمغتسل من الجنابة، فروي أنه طاهر غير مطهّر، وهو المشهور من مذهب أبي حنيفة والشافعي، وإحدى الروايتين عن مالك، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسل فيه من الجنابة، 2 رواه أبو داود، ولولا أنه يفيد منعاً لم ينه عنه، ولأنه أزال به مانعاً من الصلاة.

    والثانية: أنه مطهّر، وهو قول الحسن وعطاء والنخعي، وإحدى الروايتين عن مالك، والقول الثاني للشافعي. وهو قول ابن المنذر. وروي عن علي وابن عمر: فيمن نسي مسح رأسه، إذا وجد بللاً في لحيته: أجزأه أن يمسح رأسه به، لما روي عنه صلى الله عليه وسلم: الماء لا يجنب، 3 وأنه اغتسل من الجنابة فرأى لمعة لم يصبها الماء، فعصر شعره عليها، رواه أحمد، ولأنه أدى به فرضاً، فجاز أن يؤدي به غيره، كالثوب يصلي فيه مراراً. وقال أبو يوسف: 1 سورة المائدة آية: 6.

    2 البخاري: الوضوء (239), ومسلم: الطهارة (282, 283), والترمذي: الطهارة (68), والنسائي: الطهارة (57, 58, 220, 221) والغسل والتيمم (397, 398, 399, 400), وأبو داود: الطهارة (70), وابن ماجة: الطهارة وسننها (344, 605), وأحمد (2/259, 2/265, 2/288, 2/316, 2/346, 2/362, 2/394, 2/433, 2/464, 2/529, 2/532), والدارمي: الطهارة (730) .

    3 الترمذي: الطهارة (65), وابن ماجة: الطهارة وسننها (370) .

    هو نجس لأنه يسمى طهارة، وهي لا تعقل إلا عن نجاسة، وتطهير الطاهر محال، ووجه طهارته: أن النبي صلى الله عليه وسلم صبّ على جابر من وضوئه، والدليل على طهارة أعضاء المحدث: قول النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمن لا ينجس.

    وأما المستعمل في طهارة مشروعة كالتجديد، ففيه روايتان، أو غمس فيه يد قائم من نوم الليل قبل غسلها ثلاثاً، فهل يسلب طهوريته؟ على روايتين:

    إحداهما: لا يسلبه، وهو الصحيح، لأن الماء قبله طهور فبقي على الأصل، والنهي عن الغمس إن كان لوهم النجاسة، فالوهم لا يزيل الطهورية، وإن كان تعبداً اقتصر على النص.

    والثانية: يسلبه للنهي، فلولا أنه يفيد منعاً لم ينه عنه، وروي عن أحمد: أحب إلي أن يريقه إذا غمس يده فيه. وهل يكون غمس بعض اليد كالجميع؟ فيه وجهان. ولا يجب غسلهما عند القيام من نوم النهار، وسوَّى الحسن بينهما، ولنا: قوله: فإنّ أحدكم لا يدري أين باتت يده، 1 والمبيت يكون في الليل خاصة. وإن كان القائم صبياً، ففيه وجهان. واختلفوا في النوم الذي يتعلق به هذا: فذكر القاضي أنه الذي ينقض الوضوء، وقال ابن عقيل: هو ما زاد على نصف الليل.

    وتجب النية للغسل في أحد الوجهين، والثاني: لا يفتقر، لأنه علل بوهم النجاسة. ولا يفتقر الغسل إلى تسمية، وقال أبو الخطاب: يفتقر، قياساً على الوضوء، وهو بعيد، لأنها لو وجبت في الوضوء وجبت تعبداً. وإذا وجد ماء قليلاً ولم يمكنه الاغتراف، ويداه نجستان، فإن أمكنه الاغتراف بفيه ويصب 1 البخاري: الوضوء (162) .

    عليهما فَعل، وإلا تيمم. وإن كانتا بعد نوم الليل، فمن قال: إن غمسهما لا يؤثر، قال: يتوضأ. ومن جعله مؤثراً، قال: يتوضأ ويتمم معه. فإن توضأ من ماء كثير أو اغتسل منه بغمس أعضائه ولم ينو غسل اليد، فعند من أوجب النية له يرتفع حدثه، ولا يجزيه عن غسل اليد، لأن غسلهما إما تعبداً وإما لوهم النجاسة، وبقاء النجاسة على العضو لا يمنع ارتفاع الحدث. وإذا انغمس الجنب أو المحدث في ماء دون القلتين ينوي رفع الحدث، صار مستعملاً ولم يرتفع حدثه؛ وقال الشافعي: يصير مستعملاً ويرتفع حدثه، لأنه إنما يصير مستعملاً بارتفاع الحدث. ولنا: قوله: لا يغتسلنّ أحدكم في الماء الدائم وهو جنب، 1 والنهي يقتضي الفساد. وإذا اجتمع ماء مستعمل إلى قلتين، صار الكل طهوراً. وإن بلغ قلتين باجتماعه، فيحتمل أن يزول المنع بحديث القلتين. وإن انضم مستعمل إلى مستعمل وبلغ قلتين، ففيه احتمالان. وإن أزيلت به النجاسة فانفصل غير متغير بعد زوالها، فهو طاهر، رواية واحدة، إن كان المحل أرضاً. وقال أبو بكر: إنما يحكم بطهارته إذا نشفت أعيان البول، فإن كانت قائمة فجرى الماء عليها فطهّرها، ففي المنفصل روايتان، كغير الأرض. ولنا: قوله: صبّوا على بول الإعرابي ذنوباً من ماء، فلو كان المنفصل نجسا، ً لكان تكثيراً للنجاسة، ولم يفرّق بين نشافه وعدمه. والظاهر أنه إنما أمر عقيب البول. وإن كان غير الأرض، فهو طاهر في أصح الوجهين؛ وهو مذهب الشافعي. وإن خلت بالطهارة منه امرأة فهو طهور، ولا يجوز للرجل الطهارة به، لحديث الحكم بن عمرو. قال أحمد: جماعة كرهوه. 1 مسلم: الطهارة (283), والنسائي: الطهارة (220) والغسل والتيمم (396), وأبو داود: الطهارة (70), وابن ماجة: الطهارة وسننها (605) .

    وخصصناه بالخلوة لقول عبد الله بن سرجس: توضأ أنت ههنا، وهي ههنا. فأما إذا خلت به فلا تقربنه. وفيه رواية: يجوز، لحديث ميمونة. فإن خلت به في إزالة النجاسة، ففيه وجهان. وإن خلت به في بعض أعضائها أو تجديد أو استنجاء، فوجهان. وإن خلت به الذمية في غسل الحيض، فوجهان: أحدهما: المنع لأنها أبعد عن الطهارة، وقد تعلق به إباحة وطئها. والثاني: الجواز، لأن طهارتها لا تصح. ويجوز للرجل والمرأة أن يغتسلا ويتوضآ من إناء واحد من غير كراهة.

    ولا يجوز رفع الحدث إلا بالماء. وقال عكرمة: النبيذ وضوء من لم يجد الماء. وعن أبي حنيفة كقول عكرمة، لحديث ابن مسعود: ثمرة طيبة وماء طهور. 1 ولنا: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}، 2 أوجب الانتقال إلى التيمم عند عدم الماء، وحديثهم لا يثبت. فأما غير النبيذ، فلا نعلم بين أهل العلم خلافاً أنه لا يجوز الوضوء به، غير ما ذكرنا في الماء المعتصر.

    القسم الثالث: نجس، وهو ما تغير بمخالطة النجاسة؛ فهو نجس بالإجماع؛ حكاه ابن المنذر. فإن لم يتغير، وهو يسير، فهل ينجس؟ على روايتين:

    إحداهما: ينجس، لحديث القلتين، وتحديده بهما يدل على نجاسة ما دونهما وإلا لم يكن مفيداً، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم القائم من نومه عن غسل يده في الماء، فدل على أنه يفيد منعاً، وأمر بغسل الإناء من ولوغ الكلب وإراقة سؤره، ولم يفرق بين ما تغير وبين ما لم يتغير. 1 الترمذي: الطهارة (88), وأبو داود: الطهارة (84), وابن ماجة: الطهارة وسننها (384), وأحمد (1/449) .

    2 سورة المائدة آية: 6.

    والثانية: لا ينجس الماء إلا بالتغير، روي عن حذيفة وأبي هريرة وابن عباس والحسن. وهو مذهب الثوري وابن المنذر، لحديث بضاعة.

    وذهب أبو حنيفة إلى أن الكثير ينجس بالنجاسة من غير تغيّر، إلا أن يبلغ حداً يغلب على الظن أن النجاسة لا تصل إليه. واختلفوا في حده لقوله: لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم يغتسل منه، 1 ولم يفرّق بين قليله وكثيره. ولنا: خبر القلتين وبئر بضاعة. وحديثهم لا بد من تخصيصه بما زاد على الحد الذي ذكروه؛ فتخصيصه بقول النبي صلى الله عليه وسلم أولى من تخصيصه بالرأي والتحكم من غير أصل. وما ذكروه من الحد تقدير من غير توقيف، ولا يصار إليه من غير نص ولا إجماع، مع أن حديثهم خاص بالبول، وهو قولنا في إحدى الروايتين جمعاً بين الحديثين؛ فنقصر الحكم على ما تناوله النص وهو البول، لأن له من التأكيد والانتشار ما ليس لغيره، إلا أن تكون النجاسة بولاً أو عذرة مائعة، ففيه روايتان:

    إحداهما: لا ينجس، وهو مذهب الشافعي وأكثر أهل العلم، لحديث القلتين. وحديث النهي عن البول فيه لا بد من تخصيصه بما لا يمكن نزحه إجماعاً. فتخصيصه بخبر القلتين أولى من تخصيصه بالرأي والتحكم.

    والأخرى: ينجس، لحديث النهي عن البول فيه، وإن كوثر النجس بماء يسير أو بغير الماء كالتراب ونحوه، فأزال التغير، لم يطهر في أحد الوجهين، والثاني يطهر لأن علة النجاسة زالت.

    فأما غير الماء إذا وقعت فيه نجاسة، ففيه ثلاث روايات:

    إحداهن: ينجس وإن كثر، لقوله: وإن كان مائعاً، فلا تقربوه، 2 ولم يفرق بين قليله وكثيره.

    الثانية: أنها كالماء، لا ينجس منها ما بلغ قلتين إلا بالتغير، قياساً على الماء. 1 البخاري: الوضوء (239), ومسلم: الطهارة (282, 283), والنسائي: الطهارة (58, 221) والغسل والتيمم (397, 398, 399), وأبو داود: الطهارة (70), وابن ماجة: الطهارة وسننها (344), وأحمد (2/316, 2/346, 2/362, 2/394, 2/433, 2/464), والدارمي: الطهارة (730) .

    2 النسائي: الفرع والعتيرة (4260), وأبو داود: الأطعمة (3842) .

    قال حرب: سألت أحمد قلت: كلب ولغ في سمن أو زيت، قال: إذا كان في آنية كبيرة، مثل حُب أو نحوه، رجوت أن لا يكون به بأسٌ، يؤكل. وإن كان في آنية صغيرة، فلا يعجبني.

    والثالثة: أن ما أصله الماء كالخل التمري، يدفع النجاسة، وما لا فلا.

    والماء المستعمل في رفع الحدث وما كان طاهراً غير مطهِّر، ففيه احتمالان، ولا فرق بين يسير النجاسة وكثيرها، وما أدركه الطرف وما لم يدركه. وعن الشافعي: أن ما لا يدركه الطرف معفى عنه للمشقة، ولنا: أن دليل التنجس لا يفرق بين قليل النجاسة وكثيرها؛ فالتفريق تحكم، وما ذكروه من المشقة ممنوع، لأنا إنما نحكم بالنجاسة إذا علمنا وصولها، ثم إن المشقة بمجردها حكمة لا يجوز تعلق الحكم بها بمجردها، وجعل ما يدركه الطرف ضابطاً لها إنما يصحُّ بالتوقيف أو باعتبار الشرع له في موضع واحد، ولم يوجد واحد منهما.

    والقلتان: خمسمائة رطل بالعراقي، وعنه: أربعمائة رطل، وهل ذلك تقريب أو تحديد؟ على وجهين.

    ونقل عن أحمد التفريق بين الجاري والواقف، فإنه قال في حوض الحمام: قد قيل إنه بمنزلة الماء الجاري، وقال في البئر: تكون لها مادة وهو واقف ليس هو بمنزلة الجاري، فعلى هذا لا ينجس إلا بالتغير لأن الأصل طهارته، ولأنه بمجموعه يزيد على القلتين. فإن قيل فالجرية لا تبلغهما، قيل: تخصيص الجرية بهذا التقدير تحكم، وهذا اختيار شيخنا، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى.

    وإن اشتبهت ثيابٌ طاهرة بنجسة، صلى في كل ثوب صلاةن بعدد النجس، وزاد صلاة. وقال أبو ثور: لا يصلي في شيء منهما. وقال أبو حنيفة والشافعي: يتحرى، كقولهما في الأواني والقبلة.

    فإن سقط عليه من طريقٍ ماء، لم يلزمه السؤال عنه. قال عمر: يا صاحب الحوض لا تخبرنا؛ فإنا نرِد عليها وترد علينا، رواه في الموطإ. قال ابن عقيل: لا يلزم ردّ الجواب، لخبر عمر.

    قال شيخنا: يحتمل أن يلزمه، لأنه سئل عن شرط الصلاة، كما لو سئل عن القبلة؛ وخبر عمر يدل على أن سؤر السباع طاهر.

    ومن هنا إلى آخر الباب: من الإنصاف:

    وعند الشيخ: أن كل ما هو طاهر تحصل به الطهارة. وقال في ماء زمزم: وعنه: يكره الغسل وحده، اختاره الشيخ. وذكر عنه أيضاً في الماء المستعمل والمغموسة به يد القائم من نوم الليل: ولو نوى جنب بانغماسه كله أو بعضه في ماء قليل راكد رفْعَ حدثه، لم يرتفع، وقيل: يرتفع، اختاره الشيخ.

    والماء في محل التطهير لا يؤثر تغيّره، وقيل: يؤثر، اختاره الشيخ وقال: التفريق بينهما بوصف غير مؤثر لغة وشرعاً. وإن لم يتغير وهو يسير، فهل ينجس؟ الرواية الثانية: لا ينجس، اختارها الشيخ. وقيل بالفرق بين يسير الرائحة وغيرها، فيعفى عن يسير الرائحة، ذكره ابن البنا، ونصره ابن رجب في شرح البخاري. وأظن أنه اختيار الشيخ وابن القيم.

    وإذا لاقت النجاسة مائعاً، فاختار الشيخ أن حكمه حكم الماء. واختار أن الثياب الطاهرة والنجسة إذا اشتبهت، صلى في واحد منها بالتحري.

    باب الآنية

    جميع الآنية الطاهرة يباح استعمالها، سواء كانت ثمينة أو لا، في قول عامة أهل العلم، إلا أنه روي عن ابن عمر أنه كره الوضوء في الصفر والنحاس والرصاص. وروي أن الملائكة تكره ريح النحاس. وقال الشافعي في أحد قوليه: ما كان ثميناً لنفاسة جوهره حرُم، لأن فيه نوع سرف، ولأن تحريم آنية الذهب والفضة تنبيه على تحريم ما هو أنفس منها. ولنا: ما روى البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ من تور من صفر. 1 وأما الجواهر فلا يصح قياسها على الأثمان، لأنها لا تُتخذ إلا نادراً. وجاز استعمال القصب من الثياب، وإن زادت قيمته على الحرير.

    ولو جعل فص خاتمه جوهرة ثمينة جاز، ولو جعله ذهباً لم يجز. قال: ولا يختلف المذهب في تحريم اتخاذ آنية الذهب والفضة، وحكي عن الشافعي إباحته لتخصيص النهي بالاستعمال كاتخاذ ثياب الحرير.

    وأما المضبب بهما، فإن كان كثيراً حرُم بكل حال. وقال أبو حنيفة: يباح لأنه تابع للمباح. ولنا: حديث: من شرب في إناء من ذهب أو فضة أو إناء فيه شيء من ذلك ... الحديث رواه الدارقطني، 2 إلا أن تكون الضبة يسيرة من الفضة، كتشعيب القدح إذا لم يباشرها بالاستعمال؛ وممن رخص فيه طاووس وإسحاق وابن المنذر. و"كان ابن عمر لا يشرب 1 البخاري: الوضوء (197) .

    2 في هامش الأصل: ذكر ابن تيمية أن الحديث ضعيف.

    من قدح فيه فضة ولا ضبة". وكره الشرب في الإناء المفضض عطاء وسالم، ولعلهم كرهوا ما قصد به الزينة أو كان كثيراً.

    ويباح طعام أهل الكتاب واستعمال آنيتهم، قال: وهل يكره؟ على روايتين:

    إحداهما: لا يكره لقوله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}، 1 وحديث ابن المغفل، وتوضأ عمرُ من جرة نصرانية.

    والثانية: يُكره، لحديث أبي ثعلبة المتفق عليه. وأما ثيابهم، فما ولي عوراتهم كالسراويل فروي عن أحمد أنه قال: أحب إلي أن يعيد إذا صلى فيه. وأما غير أهل الكتاب، فحكم ثيابهم حكم ثياب أهل الذمة عملاً بالأصل. وأما أوانيهم، فمذهب الشافعي أن حكمها حكم أواني أهل الكتاب، لأنه صلى الله عليه وسلم توضأ من مزادة مشركة. وقال القاضي: لا يستعمل ما استعملوه منها إلا بعد غسله، لحديث أبي ثعلبة. ولا نعلم خلافاً في إباحة الثوب الذي نسجوه. وتباح الصلاة في ثياب الصبيان والمربيات وثوب المرأة الذي تحيض فيه، لصلاته صلى الله عليه وسلم وهو حامل أمامة، والتوقي لذلك أوْلى لاحتمال النجاسة.

    ولأبي داود عن عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلّي في شعرنا ولحفنا. 2 ولا يجب غسل الثوب المصبوغ في حُب الصبّاغ، مسلماً كان أو كتابياً؛ فإن علمت نجاسته طهر بالغسل ولو بقي اللون، لقوله في الدم: الماء يكفيك، ولا يضرّك أثره. 3 رواه أبو داود. ويستحب تخمير الأواني وإيكاء الأسقية، للحديث. 1 سورة المائدة آية: 5.

    2 الترمذي: الجمعة (600), والنسائي: الزينة (5366), وأبو داود: الصلاة (645), وأحمد (6/129) .

    3 أبو داود: الطهارة (365), وأحمد (2/364) .

    ولا يطهر جلد الميتة بالدباغ. وعنه: يطهر منها جلد ما كان طاهراً في الحياة. قال بعض أصحابنا: يطهر جلد مأكول اللحم؛ وهو مذهب الأوزاعي وإسحاق، لقوله: ذكاة الأديم: دباغه؛ 1 والذكاة إنما تُعمل في مأكول اللحم. والأول ظاهر كلام أحمد، لأن قوله: أيما إهاب دُبغ، فقد طهر 2 يتناول المأكول وغيره، خرج منه ما كان نجساً في الحياة، لكون الدبغ إنما يرفع نجاسة حادثة بالموت، وحديثهم يحتمل أنه أراد بالذكاة: الطيبة، كقولهم: رائحة ذكية. ويحتمل أنه أراد بها الطهارة؛ يدل عليه أنه لو أراد بالذكاة الذبح، لأضافه إلى الحيوان كله لا إلى الجلد. فأمّا جلود السباع، فلا يجوز الانتفاع بها، وبه قال الأوزاعي وإسحاق. وروي عن ابن سيرين وعروة: الرخصة في الركوب على جلود النمور. ومذهب الشافعي طهارة جلود الحيوانات كلها، إلا الكلب والخنزير. وحكي عن أبي يوسف طهارة كل جلد. وحكي عن مالك، لعموم: أيما إهاب دُبغ، فقد طهر. 3 ولنا: نهيه صلى الله عليه وسلم عن ركوب جلود النمور. رواه أبو داود.

    وله في حديث آخر: نهى عن جلود السباع والركوب عليها. وإذا قلنا بطهارته بالدباغ، لم يحل أكله. فظاهر كلام الشافعي أنه إن كان من مأكول جاز، لأن الدباغ ذكاة، والأول أصح، لقوله: إنما حرّم أكلها. 4 ولا يلزم من الطهارة إباحة الأكل. ولا يجوز بيعه قبل الدبغ، لا نعلم فيه خلافاً، وهل يطهر بالدبغ قبل الغسل؟ قيل: لا، لقوله: يطهِّرها الماء والقرظ. 5 رواه أبو داود. وقيل: بلى، لقوله: أيما أهاب دُبغ، فقد طهر. 6 ولا يطهر جلد غير المأكول بالذكاة، وقال مالك: يطهر، لقوله: ذكاة الأديم دباغه، ولنا: أن النهي عن جلود السباع عام، ولأنه ذبح لا يبيح اللحم؛ وقياس الذكاة على الدبغ لا يصح لأنه أقوى.

    ولبن الميتة نجسٌ لأنه مائع في وعاء نجس، 1 أحمد (3/476) .

    2 مسلم: الحيض (366), والترمذي: اللباس (1728), والنسائي: الفرع والعتيرة (4241), وأبو داود: اللباس (4123), وابن ماجة: اللباس (3609), وأحمد (1/219), ومالك: الصيد (1079), والدارمي: الأضاحي (1985) .

    3 مسلم: الحيض (366), والترمذي: اللباس (1728), والنسائي: الفرع والعتيرة (4241), وأبو داود: اللباس (4123), وابن ماجة: اللباس (3609), وأحمد (1/219), ومالك: الصيد (1079), والدارمي: الأضاحي (1985) .

    4 مسلم: الحيض (363), والنسائي: الفرع والعتيرة (4234), وأبو داود: اللباس (4120), وابن ماجة: اللباس (3610), وأحمد (6/329) .

    5 النسائي: الفرع والعتيرة (4248), وأبو داود: اللباس (4126) .

    6 الترمذي: اللباس (1728), والنسائي: الفرع والعتيرة (4241), وأبو داود: اللباس (4123), وابن ماجة: اللباس (3609), وأحمد (1/219), والدارمي: الأضاحي (1985) .

    وكذلك أنفحتها، وروي أنها طاهرة؛ وهو قول أبي حنيفة وداود، لأن الصحابة أكلوا الجبن لما دخلوا المدائن، وهو يُعمل بالأنفحة، وذبائحهم ميتة. والأول أوْلى لأنه قيل: إن جزارهم اليهود والنصارى، ولو لم ينقل ذلك لكان الاحتمال كافياً؛ فإنه قد كان فيهم اليهود والنصارى.

    وقد روي أن الصحابة لما قدموا العراق كسروا جيشاً منهم بعد أن وضعوا طعامهم، فلما فرغ المسلمون أكلوه، وهو لا يخلو من اللحم ظاهراً. فلو حكم بنجاسة ما ذبح في بلدهم، لما أكلوا من لحمهم. وإن ماتت الدجاجة وفيها بيضة قد صلب قشرها، فهي طاهرة؛ وهو قول ابن المنذر. وكرهها علي وابن عمر ومالك. وعظام الميتة نجسة، وهو قول مالك والشافعي. ورخص في الانتفاع بعظام الفيلة: ابن سيرين وابن جريج. وقال مالك: إن ذُكِّي الفيل فعظمه طاهر، لأنه مأكول عنده. وقال الثوري وأبو حنيفة: عظام الميتة طاهرة لأن الموت لا يحلها.

    ولنا: قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} 1 وتحريم كلِّ ذي ناب من السباع، وقولهم: العظام لا يحلها الموت ممنوع، لقوله: {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} الآية 2، ولأن دليل الحياة: الإحساس والألم، وهو في العظم أشد منه في اللحم. والقرن والظفر والحافر كالعظم، لقوله: ما يُقطع من البهيمة وهي حية، فهو كميته. 3 قال الترمذي: حسن غريب. ويحتمل أن هذا طاهر، والخبر أريد به ما يُقطع مما فيه حياة فيموت بفصله، بدليل الشعر. وصوفها وشعرها وريشها طاهر، وبه قال مالك وابن المنذر. وقال الشافعي: هو نجس لأنه ينمي من الحياة، فينجس بموته كأعضائه؛ وهذا 1 سورة المائدة آية: 3.

    2 سورة يس آية: 78.

    3 الترمذي: الأطعمة (1480), وأبو داود: الصيد (2858) .

    منتقض بالبيض. وشعر الآدمي طاهر في الحياة والموت. وقال الشافعي في أحد قوليه: ينجس بفصله. ولهم في شعر النبي صلى الله عليه وسلم وجهان. ولنا: أنه صلى الله عليه وسلم فرّق شعره بين أصحابه، وما كان طاهراً منه، كان طاهراً من غيره. وهل يجوز الخرز بشعر الخنزير؟ فيه روايتان. ورخص فيه الحسن ومالك والأوزاعي. وعن أحمد أنه قال: لا بأس به؛ ولعله قال ذلك لأنه لا يسلم منه الناس، وفي تكليف غسله إتلاف أموال الناس.

    ومن هنا إلى آخر الباب: من الإنصاف:

    حكى ابن عقيل عن أبي الحسن التميمي أنه قال: إذا اتخذ مسعطاً أو قنديلاً أو نعلين أو مجمرة أو مدخنة ذهباً أو فضة كره، ولم يحرم.

    وفي الضبة أربع مسائل: كونها يسيرة بالشروط المتقدمة فتباح، وكبيرة لغير حاجة فلا تباح. واختار الشيخ الإباحة إذا كانت أقل مما فيه، وكبيرة لحاجة، ويسيرة لغير حاجة فلا تباح. وقيل: لا تحرم، اختاره الشيخ. وقال أبو بكر: يباح يسير الذهب، واختاره الشيخ وقال: قد غلط طائفة من الأصحاب حيث حكت قولا بإباحة يسير الذهب تبعاً في الآنية عن أبي بكر، وأبو بكر إنما قال ذلك في باب اللباس والتحلي وهما أوسع. وقال الشيخ أيضاً: يباح الاكتحال بميل الذهب والفضة، لأنها حاجةٌ. وإذا قلنا: يطهر جلد الميتة بالدباغ، فهل يختص بالمأكول أو ما كان طاهراً في حال الحياة؟ فيه وجهان: أحدهما: يشمل، اختاره الشيخ، واختار في الفتاوى المصرية اختصاصه بالمأكول. وعلى القول بأن الدباغ لا يطهر اختار الشيخ الانتفاع به في المائعات إن لم ينجس العين.

    ولا يطهر جلد غير المأكول بالذكاة، ولا يجوز ذبحه لأجل ذلك. قال الشيخ: ولو كان في النزع. وما طهر بدبغه جاز بيعه. وأطلق أبو الخطاب جواز بيعه مع نجاسته، قال في الفروع: فيتوجه منه جواز بيع نجاسة يجوز الانتفاع بها، ولا فرق ولا إجماع كما قيل. قال ابن قاسم المالكي: لا بأس ببيع الزبل. قال اللخمي: هذا من قوله يدل على بيع العذرة، وقال ابن الماجشون: لا بأس ببيع العذرة، لأنه من منافع الناس.

    ولبن الميتة وأنفحتها نجس. وعنه: أنه طاهر مباح، اختاره الشيخ. واختار طهارة عظمها وقرنها وظفرها، نقل الميموني: صوف الميتة ما أعلم أحداً كرهه.

    باب الاستنجاء

    يستحب لمن أراد دخول الخلاء أن يقول: بسم الله، لحديث علي، رواه ابن ماجة. ويقول: اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس، الخبيث المخبث، الشيطان الرجيم، لحديث أبي أمامة، رواه ابن ماجة، ويقول: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، لحديث أنس، متفق عليه، قال أبو عبيدة: الخبْث بسكون الباء: الشر، وبضمها وبضم الخاء: جمع خبيث، والخبائث: جمع خبيثة. استعاذ من ذكران الشياطين وإناثهم. ولا يدخله بشيء فيه ذكر الله، لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخله وضع خاتمه، 1 قال الترمذي: صحيح غريب.

    ويقدم اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج، ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض، ولا يتكلم لأنه صلى الله عليه وسلم لم يرد السلام في هذه الحال. رواه مسلم.

    ولا يذكر الله بلسانه، روي كراهته عن ابن عباس. وعن ابن سيرين: لا بأس به. ولنا: أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد السلام الذي يجب رده. فإن عطس، حمد الله بقلبه ولم يتكلم. وفي رواية: يحمد الله بلسانه.

    وإذا خرج قال: غفرانك، لحديث الترمذي وحسنه، ويقولُ: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني، لحديث ابن ماجة. ولا بأس أن يبول في الإناء، لحديث أميمة، رواه أبو داود.

    وإن كان في الفضاء، أبعد، لما روى أبو داود في الاستتار والارتياد: أنه صلى الله عليه وسلم إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد، واستتر، وارتاد مكاناً رخواً. 2 ويستحب أن يبول قاعداً، قال 1 الترمذي: اللباس (1746), والنسائي: الزينة (5213), وأبو داود: الطهارة (19), وابن ماجة: الطهارة وسننها (303) .

    2 أبو داود: الطهارة (2) .

    ابن مسعود: من الجفاء أن تبول وأنت قائم، ورويت فيه الرخصة عن عمر وغيره، لحديث حذيفة، ولعله فعله ليبين الجواز، أو كان في موضع لا يتمكن من الجلوس فيه.

    ولا يبول في شق ولا سرب ولا طريق ولا ظل نافع ولا تحت شجرة مثمرة، ومثلها موارد الماء، لما روى أبو داود: أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الجحر، 1 قال قتادة: يقال: إنها مساكن الجن، ولأنه صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل، 2 والبول تحت الشجرة المثمرة ينجس الثمرة.

    ويكره البول في الماء الراكد للنهي عنه، ولا يبول في المغتسل لما روى أبو داود عن رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمتشط أحدنا كل يوم، أو يبول في مغتسله. 3 وقد رُوي أن عامة الوسواس منه. قال أحمد: إن صب عليه الماء فجرى في البالوعة، فلا بأس. ولا يستقبل الريح لئلا يتنجس.

    ولا يجوز أن يستقبل القبلة في الفضاء، وهذا قول أكثر أهل العلم، وفي استدبارها فيه واستقبالها في البنيان روايتان. ثم ذكر في النهي حديث أبي أيوب المتفق عليه وحديث أبي هريرة عند مسلم إلى أن قال: والثالثة: يجوز في البنيان، ولا يجوز في الفضاء، وهو الصحيح. ثم ذكر حديث مروان الأصغر عن ابن عمر، رواه أبو داود وقال: هذا تفسير للنهي العام، وفيه جمع بين الأحاديث. فإذا

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1