Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

مختصر الإنصاف والشرح الكبير
مختصر الإنصاف والشرح الكبير
مختصر الإنصاف والشرح الكبير
Ebook639 pages5 hours

مختصر الإنصاف والشرح الكبير

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

ان شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأكرم مثواه قد جدد ما اندرس من عقيدة التوحيد في البلاد النجدية كما هو معلوم مشهود من حال الناس قبل قيامه لله داعيا إلي الدين الخالص حيث صفت عقائدهم من شوائب الشرك و تحقق ما أراد الله علي يديه من خير لهذه البلاد و قد امتدت اثار هذه الدعوة إلي عدّة أقطار
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateApr 20, 1903
ISBN9786368639342
مختصر الإنصاف والشرح الكبير

Read more from محمد بن عبد الوهاب

Related to مختصر الإنصاف والشرح الكبير

Related ebooks

Related categories

Reviews for مختصر الإنصاف والشرح الكبير

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    مختصر الإنصاف والشرح الكبير - محمد بن عبد الوهاب

    الغلاف

    مختصر الإنصاف والشرح الكبير

    الجزء 2

    محمد بن عبد الوهاب

    1206

    ان شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأكرم مثواه قد جدد ما اندرس من عقيدة التوحيد في البلاد النجدية كما هو معلوم مشهود من حال الناس قبل قيامه لله داعيا إلي الدين الخالص حيث صفت عقائدهم من شوائب الشرك و تحقق ما أراد الله علي يديه من خير لهذه البلاد و قد امتدت اثار هذه الدعوة إلي عدّة أقطار

    باب الهدنة

    وهي جائزة، لقوله تعالى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} الآية، 1 وقوله: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} الآية، 2 وصالح صلى الله عليه وسلم سهيلاً عشر سنين. وإنما تجوز للنظر للمسلمين، إما لضعفهم عن القتال، أو طمع في إسلامهم أو في أدائهم الجزية، وغير ذلك من المصالح. فإن صالحهم على مال يبذله لهم، فقد أطلق أحمد القول بالمنع، لأن فيه صغاراً، وهو مذهب الشافعي. قال أحمد: وهو محمول على غير حالة الضرورة، لـبذْله لعيينة ومن معه ثلث ثمار المدينة. فإن عقدها غير الإمام أو نائبه لم يصح. وإن مات الإمام أو عُزل، لم تنتقض، لقوله: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ}. 3 فإن نقضوا بقتال أو مظاهرة أو قتل مسلم أو أخذ مال، انتقض عهدهم وجاز قتالهم، لقوله: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} الآية، 4 وقوله: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} الآية. 5 وإن نقضه بعضه دون بعض، فسكت باقيهم عن الناقض فالكل ناقض، لأن قريشاً أعان بعضهم بني بكر على خزاعة وسكت 1 سورة التوبة آية: 1.

    2 سورة الأنفال آية: 61.

    3 سورة التوبة آية: 4.

    4 سورة التوبة آية: 12.

    5 سورة التوبة آية: 7.

    الباقون فانتقض عهدهم. وإن شرط فيها شرطاً فاسداً، كنقضها متى شاء، أو رد النساء إليهم، أو إدخالهم الحرم، لم يصح الشرط، وفي العقد وجهان. وإن قال: هادنتكم ما شئنا أو شاء فلان، أو شرط ذلك لنفسه دونهم، لم يصح، لأنه ينافي مقتضى العقد، كما لو شرطه في البيع أو النكاح. وقال القاضي: يصح، وهو قول الشافعي، لقوله لأهل خيبر: نقرّكم ما أقرّكم الله. 1 ولنا: أنه عقد لازم، فلم يجز اشتراط نقضه. وقصة أهل خيبر لم تكن هدنة، وإنما ساقاهم، وقد وافقوا الجماعة في أنه لو شرط في الهدنة: أقركم ما أقركم الله، لم يصح، فكيف يجتمعون مع الإجماع على عدم جوازه. كذلك إن شرط إدخالهم الحرم فهو فاسد، لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} الآية 2.

    وإذا عقد الهدنة من غير شرط، فجاءنا منهم إنسان مسلماً أو بأمان، لم يجب ردّه ولم يجز. ولا يجب رد مهر المرأة. وقال بعض أصحاب الشافعي: إن خرج العبد إلينا قبل إسلامه، ثم أسلم، لم يرد إليهم؛ فإن أسلم قبل خروجه إلينا، لم يصر حراً، لأنه في أمان منا. وقال الشافعي في قوله: إذا جاءت امرأة مسلمة رد مهرها، لقوله: {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} الآية. 3 ولنا: أنه من غير دار الإسلام خرج إلينا، فلم يجب رده ولا رد شيء عنه كالحر، كما لو أسلم بعد خروجه. وقوله: إنه في أمان منا، قلنا: إنما أمناهم ممن هو في دار الإسلام الذين هم في قبضة الإمام، كما لو خرج قبل إسلامه، ولهذا "لما قتل أبو بصير الرجل، لم ينكر عليه ولم يضمنه. فلما انفرد هو وأصحابه فقطعوا الطريق عليهم، لم ينكر ذلك عليهم ولم يأمرهم بردّ ما أخذوه. 1 البخاري: الشروط (2730) .

    2 سورة التوبة آية: 28.

    3 سورة الممتحنة آية: 10.

    وأما المرأة فلا يردّ مهرها لأنها لم تأخذ منهم شيئاً، ولو أخذته كانت قد قاهرتهم عليه في دار القهر، ولو وجب لوجب مهر المثل دون المسمى. وأما الآية، فقال قتادة: نسخ رد المهر، وقال عطاء والزهري: لا يعمل بها اليوم، على أنها في قصة الحديبية حين شرط رد من جاء مسلماً. وكلامنا فيما إذا وقع الصلح من غير شرط. وإذا شرط رد النساء لم يصح أيضاً. وإن شرط رد من جاء مسلماً من الرجال جاز، وقال أصحاب الشافعي: لا يجوز شرط رده، إلا أن يكون له عشيرة تحميه. ولنا: أنه صلى الله عليه وسلم لم يخص ذا العشيرة، ولأنه إذا كانت عشيرته هي التي تفتنه فهو كمن لا عشيرة له، لكن إنما يجوز هذا الشرط عند شدة الحاجة إليه. وله أن يأمره سراً بالهرب منهم ومقاتلتهم، لقصة أبي بصير، ولقول عمر لأبي جندل: دم أحدهم دم الكلب".

    وإذا طلبت امرأة مسلمة الخروج من عندهم، جاز لكل مسلم إخراجها، لقصة بنت حمزة. وعلى الإمام حماية من هادنه من المسلمين دون غيرهم. وإن سباهم كفار آخرون، لم يجز لنا شراؤهم، وعن أبي حنيفة: يجوز. وإن خاف نقض العهد منهم، نبذ إليهم عهدهم، لقوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} الآية، 1 أي: تصير أنت وهم سواء في العلم بالنبذ.

    ولا يجوز أن يبدأهم بقتال أو غارة قبل إعلامهم، للآية. ومن أتلف منهم شيئاً على مسلم ضمنه، وإن قذفه جُلد، لأن الهدنة تقتضي أمان المسلمين بهم. 1 سورة الأنفال آية: 58.

    باب عقد الذمة

    لا تجوز إلا من الإمام أو نائبه، لا نعلم فيه خلافاً، والأصل فيه وفي إخراج الجزية: الكتاب والسنة والإجماع، كقوله: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} الآية، 1 وقول المغيرة يوم نهاوند: أمرنا نبينا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله، أو تؤدوا الجزية. 2 رواه البخاري. وحديث بريدة، مرفوعاً: ادعُهم إلى إحدى ثلاث خصال. 3 رواه مسلم. وأجمعوا على جواز أخذ الجزية في الجملة. ولا يجوز عقدها إلا لأهل الكتاب، ومن له شبهة كتاب؛ فأهل الكتاب: اليهود والنصارى ومن دان بدينهم، كالسامرة يدينون بشريعة موسى وإنما خالفوهم في فروع دينه، وفِرَق النصارى من اليعقوبية والنسطورية والملكية والإفرنج والروم والأرمن وغيرهم ممن انتسب إلى شريعة عيسى، وما عداهم ليس أهل كتاب لقوله: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} الآية 4.

    فأما أهل صحف إبراهيم وشيث وزبور داود، فلا تقبل منهم، لأنهم من غير الطائفتين، ولأن هذه الصحف ليس فيها شرائع، إنما هي مواعظ. وأما الذين لهم شبهة كتاب، فهم المجوس، هذا قول الأكثر. وعن أبي ثور: أنهم من أهل الكتاب، وتحل ذبائحهم ونساؤهم، وهو خلاف الإجماع. وما روي عن عليّ: أن لهم كتاباً ورُفع، وأنّ ملِكهم قال: إن آدم أنكح بنيه بناته، فأنا على دينه، فقال أبو عبيد: لا أحسبه محفوظاً. 1 سورة التوبة آية: 29.

    2 البخاري: الجزية (3160) .

    3 مسلم: الجهاد والسير (1731), والترمذي: السير (1617), وأبو داود: الجهاد (2612), وابن ماجة: الجهاد (2858), وأحمد (5/352, 5/358), والدارمي: السير (2442) .

    4 سورة الأنعام آية: 156.

    إذا ثبت هذا، فإن أخذها من أهل الكتاب والمجوس إذا لم يكونوا من العرب، ثابت بالإجماع؛ فإن الصحابة أجمعوا على ذلك. فإن كانوا من العرب، فحكمهم حكم العجم. وقال أبو يوسف: لا تؤخذ من العرب، لشرفهم بالنبي صلى الله عليه وسلم. ولنا: عموم الآية، وبعْثه خالداً إلى أكيدر دومة، فصالحه على الجزية؛ وهو من العرب. وأخذَها من نصارى نجران؛ وهم من العرب، ولأنه إجماع، فـإن عمر أخذها من بني تغلب، فلم ينكر وكان إجماعاً. فأما غيرهم فلا يقبل منهم إلا الإسلام. وعنه: تقبل من جميع الكفار إلا عبدة الأوثان من العرب، لحديث بريدة، وعن مالك: تقبل من الجميع، إلا مشركي قريش. وعن الأوزاعي: تقبل من جميعهم، لحديث بريدة. ولنا: قوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} الآية، 1وقوله: أُمرت أن أقاتل الناس ... 2 الحديث، وهذا عام خص منه ما ذكرنا.

    ولا يجوز عقد الذمة المؤبدة إلا بشرطين: أحدهما: التزام إعطاء الجزية في كل حول. الثاني: التزام أحكام الإسلام، وهو قبول ما يحكم به عليهم من أداء حق وترك محرم، لقوله تعالى: {وَهُمْ صَاغِرُونَ}. 3 والصابيء إذا انتسب إلى أحد الكتابين فهو من أهله، وإلا فلا. ولا نعلم خلافاً أنها لا تجب على الصبي والمرأة، ولا زائل العقل. 1 سورة التوبة آية: 5.

    2 صحيح البخاري: كتاب الصلاة (393) وكتاب الزكاة (1400) وكتاب الجهاد والسير (2946) وكتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم (6924) وكتاب الاعتصام بالكتاب والسنة (7285), وصحيح مسلم: كتاب الإيمان (20, 21), وسنن الترمذي: كتاب الإيمان (2606, 2607) وكتاب تفسير القرآن (3341), وسنن النسائي: كتاب الزكاة (2443) وكتاب الجهاد (3090, 3091, 3092, 3093, 3095) وكتاب تحريم الدم (3970, 3971, 3972, 3973, 3974, 3975, 3976, 3977, 3979, 3982), وسنن أبي داود: كتاب الزكاة (1556) وكتاب الجهاد (2640) وكتاب الجنائز (3194)، وسنن ابن ماجة: كتاب الفتن (3927, 3928, 3929), ومسند أحمد (1/11، 1/19 ,1/35, 1/47, 2/314, 2/377, 2/423, 2/439, 2/475, 2/482, 2/502, 2/527, 2/528, 3/295, 3/300, 3/332, 3/339, 3/394, 4/8), وسنن الدارمي: كتاب السير (2446) .

    3 سورة التوبة آية: 29.

    باب أحكام الذمة

    تقام عليهم الحدود فيما يعتقدون تحريمه، لحديث: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهوديين قد فجرا 1 الحديث. ويقرون على ما يعتقدون حله، إلا أنهم يمنعون من إظهاره. ويلزمهم التميز عن المسلمين في شعورهم، بحذف مقادم رؤوسهم، وترك الفرق.

    ومن هنا إلى آخر الباب: من الإنصاف:

    يصرف الفيء في المصالح، واختار الشيخ أنه لا حظ للرافضة فيه، وذكره في الهدي. وعن مالك وأحمد: يبدأ بالمهاجرين، ثم الأقرب فالأقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويجوز المفاضلة بينهم لمعنى فيهم، اختاره الشيخ.

    ويحرم الأخذ من بيت المال، إلا بإذن الإمام. ولا يجوز الصدقة منه، وكذلك السرقة، ويسلمه للإمام، قال الشيخ: لو أتلفه ضمنه. والرسول والمستأمن لا يقيم سنة فصاعدا إلا بجزية، اختاره الشيخ. قوله: والأسير إذا أطلقه الكفار بشرط أن يقيم عندهم مدة، لزمه، قال الشيخ: لا ينبغي أن يدخل معهم في التزام الإقامة أبداً، لأن الهجرة واجبة عليه؛ ففيه التزام ترك الواجب، اللهم إلا أن يمنعوه من دينه، ففيه التزام ترك المستحب، وفيه نظر.

    واختار في الرد على الرافضة أخذ الجزية [من كل فرق الكفار، وأنه لم يبق أحد من مشركي العرب بعد نزول الجزية] بل كانوا قد أسلموا، 1 زيادة من المخطوطة ساقطة من الطبعة السلفية.

    وقال في الاعتصام بالكتاب والسنة: من أخذها من الجميع، أو سوَّى بين المجوس وأهل الكتاب، فقد خالف الكتاب والسنة. وليس للإمام نقض عهدهم وتجديد الجزية عليهم، لأن عقد الذمة مؤبد، وقد عقده عمر معهم. واختار ابن عقيل جواز ذلك لاختلاف المصلحة باختلاف الأزمنة. وقد فعله عمر بن عبد العزيز، واختاره الشيخ. ويكون العقد لازماً على الصحيح، يعني: عقد الهدنة، قال الشيخ: ويكون أيضاً جائزاً، فإن زاد على عشر سنين بطل في الزيادة. وإن هادنهم مطلقاً لم يصح. وقال الشيخ: يصح، وتكون جائزة ويعمل بالمصلحة، لأن الله أمر بنبذ العهود المطلقة وإتمام المؤقتة. وإن قال: هادنتكم ما شئنا أو شاء فلان، لم يصح، وقيل: يصح. ولو قال: نقرّكم ما أقرّكم الله، لم يصح، وقال الشيخ: يصح. وإن منعناه في قوله: ما شئنا. قوله: ويأمره سراً بقتالهم والفرار منهم، قال في الترغيب وغيره: يعرِّض له أن لا يرجع إليهم. وإن سباهم كفار لم يجز لنا شراؤهم، وذكر الشيخ رواية منصوصة: يجوز شراؤهم من سابيهم. وفي الهدي في غزوة الفتح: أن أهل العهد إذا حاربوا من في ذمة الإمام، صاروا بذلك أهل حرب، فله أن يبيّتهم، وإنما يعلمهم إذا خاف منهم الخيانة، وأنه ينتقض عهد الجميع إذا لم ينكروا عليهم.

    ومتى مات الإمام أو عُزل لزم مَن بعده الوفاء بعقده، لأنه لا ينتقض باجتهاد غيره، وجوَّز ابن عقيل وغيره نقض ما عقد الخلفاء الأربعة، نحو صلح تغلب، لاختلاف المصالح باختلاف الأزمنة.

    ولا جزية على راهب، وقيل: بلى. ولا يبقي بيده مالاً إلا بُلْغته فقط، ويؤخذ ما بيده، قاله الشيخ. وقال: يؤخذ منهم ما لنا كالرزق الذي للديور والمزارع إجماعاً. [وقال: من له تجارة أو زراعة وهو مخالط لهم أو معاونهم على دينهم، كمن يدعو إليه من راهب وغيره، فإنها تلزمه إجماعا]، 1 وحكمه حكمهم بلا نزاع. ولا يُبدؤون بالسلام، وفيه احتمال: يجوز للحاجة، ومثله: كيف أصبحت؟ كيف حالك؟ وجوّزه الشيخ. وإذا سلّموا، ردّ عليهم، قال الشيخ: ترد تحيتهم، فقال: يجوز أن يقول له: أهلاً وسهلاً. وفي تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم روايتان: إحداهما: أنه يجوز لمصلحة راجحة، كرجاء إسلامه، اختاره الشيخ.

    وكره أحمد الدعاء بالبقاء لأحد، اختاره الشيخ. قوله: ويُمنعون من إحداث الكنائس والبِيع، قال الشيخ: إجماعاً. وقال الشيخ: يُمنعون من إظهار الأكل والشرب في رمضان، قال: ولو أبى من الصغار انتقض عهده. وقال في نصراني لعن مسلماً: تجب عقوبته بما يردعه وأمثاله عن ذلك.

    وقال: قال أحمد فيمن زنى بمسلمة: يُقتل، قيل له: فإن أسلم؟ قال: وإن أسلم. هذا قد وجب عليه. قال الشيخ: من قهر قوماً من المسلمين، ونقلهم إلى دار الحرب، ظاهر المذهب: أنه يُقتل ولو بعد إسلامه، وأنه أشبه بالكتاب والسنة، كالمحارب. والله أعلم. 1 من النسخة الخطية.

    كاب البيع

    باب الضمان

    ...

    باب الضمان

    ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما في حال الحياة والموت، وحكي عن مالك في إحدى الروايتين عنه: أنه لا يطالب الضامن إلا إذا تعذر مطالبة المضمون عنه. ولنا: قوله عليه السلام: الزعيم غارم. 1 وعن أحمد رواية أن الميت يبرأ بمجرد الضمان، لما روى أبو سعيد قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة، فلما وضعت قال: هل على صاحبكم من دين، قالوا: نعم درهمان. قال: صلّوا على صاحبكم. فقال عليٌّ: هما عليَّ يا رسول الله. [وأنا لهما ضامن]. 2 فصلى عليه صلى الله عليه وسلم ثم أقبل على عليٍّ فقال: جزاك الله عن الإسلام خيراً، وفك رهانك كما فككت رهان أخيك. فقيل: يا رسول الله، هذا لعليّ خاصة أم للناس عامة؟ فقال: بل للناس عامة. رواه الدارقطني.

    وروى أحمد عن جابر قال: توفي صاحب لنا فأتينا به النبي صلى الله عليه وسلم ليصلّي عليه. فخطا خطوة ثم قال: أعليه دين؟ قلنا: ديناران. فانصرف. فتحملهما أبو قتادة، فقال: الديناران عليَّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجب حق الغريم، وبرئ الميت منهما؟ قال: نعم. فصلى عليه، ثم قال بعد ذلك: ما فعل الديناران؟ قال: إنما مات أمس، فعاد إليه من الغد، فقال قضيتهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الآن بردت جلده . 3 وهذا صريح في براءة المضمون عنه، 1 الترمذي: البيوع (1265), وأبو داود: البيوع (3565), وابن ماجة: الأحكام (2405) .

    2 زيادة من المخطوطة.

    3 أحمد (3/330) .

    لقوله: وبرئ الميت منهما. ولنا: قوله صلى الله عليه وسلم: نفس المؤمن معلّقة بديْنه حتى يُقضى عنه، 1 وقوله: الآن بردت جلده، حين أخبره أنه قضى دينه. فأما صلاته على المضمون عنه، فلأنه صار له وفاء، وإنما كان يمتنع من الصلاة على من لم يخلف وفاء.

    وأما قوله: فكّ الله رهانك ... إلخ، فإنه كان بحال لا يصلي عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما ضمنه فكّه من ذلك أو ما في معناه. وقوله: برئ الميت منهما أي: صرت أنت المطالب بهما، وهذا على وجه التأكيد وثبوت الحق في ذمته، ووجوب الأداء عنه، بدليل قوله: الآن بردت عليه جلده. ولا يعتبر رضى المضمون له ولا المضمون عنه [ولا معرفة الضامن لهما. وقال أبو حنيفة: يعتبر رضى المضمون له. ولنا: أن أبا قتادة ضمن من غير رضى المضمون له ولا المضمون عنه]. 2 وقال القاضي: يعتبر معرفتهما. ولنا: حديث أبي قتادة وعلي، فإنهما ضمنا لمن لم يعرفا وعن من لم يعرفا، ولا يعتبر كون الحق معلوماً ولا واجباً إذا كان مآله إلى الوجوب، فمتى قال: أنا ضامن لك ما على فلان، أو ما تقوم به البينة، أو ما يقر به لك، صح؛ وبه قال أبو حنيفة ومالك. وقال الشافعي وابن المنذر: لا يصح كالثمن. ولنا: قوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ}. 3 وهو غير معلوم، لأنه يختلف باختلافه. وقوله عليه السلام: الزعيم غارم. ويصح ضمان ما لم يجب كقوله: ما أعطيت فلانا فهو عليَّ، والخلاف فيها كالتي قبلها، والدليل ما ذكرنا.

    ويصح ضمان عهدة المبيع عن البائع للمشتري، وعن المشتري للبائع. فعن 1 الترمذي: الجنائز (1078), وابن ماجة: الأحكام (2413), وأحمد (2/440, 2/475), والدارمي: البيوع (2591) .

    2 زيادة من المخطوطة.

    3 سورة يوسف آية: 72.

    المشتري: أن يضمن الثمن الواجب بالبيع قبل تسليمه، أو إن ظهر فيه عيب، أو استحق، رجع على الضامن. وعن البائع: أن يضمن الثمن متى خرج المبيع مستحقاً، أو رد بعيب أو أرش العيب. والعهدة: الكتاب الذي يكتب فيه وثيقة البيع، ويذكر فيه الثمن، فعبر به عن الثمن الذي يضمنه. وحكي عن أبي يوسف: إذا قال: ضمنت عهدته، لم يصح لأن العهدة الصك بالابتياع، كذا فسره أهل اللغة، وليس بصحيح، لأنها في العرف عبارة عن الدرك، والمطلق يحمل على الأسماء العرفية.

    وممن أجاز ضمان العهدة في الجملة: أبو حنيفة ومالك والشافعي. ولا يصح ضمان الأمانات، كالوديعة، والعين المؤجرة، والشركة، والمضاربة، والعين المدفوعة إلى الخياط، لأنها غير مضمونة على صاحب اليد. وإن ضمن التعدي فيها، فظاهر كلام أحمد: صحة ضمانها. فأما الأعيان المضمونة، كالغصوب، والعواري، والمقبوضة على وجه السوم، فيصح ضمانها.

    ويصح ضمان الجعل في الجعالة، وفي المسابقة والمناضلة، وقال أصحاب الشافعي: لا يصح في أحد الوجهين، لأنه لا يؤول إلى اللزوم، أشبه مال الكتابة. ولنا: قوله: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} 1.

    وإن ضمن وقضى بغير أمره، ففيه روايتان: إحداهما: يرجع. والثانية: لا يرجع، بدليل حديث علي وأبي قتادة، فإنهما لو استحقا الرجوع على الميت صار الدين لهما، وكانت ذمة الميت مشغولة.

    ووجه الأولى: أنه قضاء مبرئ من ديْن واجب، كالحاكم إذا قضى عنه عند امتناعه. فأما علي وأبو قتادة فإنهما تبرعا، فإنهما قضيا ديناً قصداً لتبرئة ذمته، مع علمهما أنه لم يترك وفاء؛ والمتبرع لا يرجع بشيء وإنما 1 سورة يوسف آية: 72.

    الخلاف في المحتسب. وإن اعترف المضمون له بالقضاء وأنكر المضمون عنه، لم يسمع إنكاره. وفيه وجه: أنه لا يقبل، لأن الضامن مدّع بما يستحق الرجوع به، وقول المضمون له شهادة على فعل نفسه، فلا يقبل. والأول أصح. وشهادة الإنسان على فعل نفسه صحيحة، كشهادة المرضعة، وقد ثبت ذلك بخبر عقبة بن الحارث.

    (فصل): الكفالة التزام إحضار المكفول به، وجملة ذلك أن الكفالة بالنفس صحيحة، في قول أكثر أهل العلم. وقال الشافعي في بعض أقواله: الكفالة بالبدن ضعيفة. فمن أصحابه من قال: مراده: ضعيفة في القياس، وإلا فهي صحيحة، للإجماع والأثر. ومنهم من حكى قولين. ولنا: قوله تعالى: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ}. 1 وتصح ببدن كل من يلزمه الحضور في مجلس الحكم بديْن لازم، معلوم أو مجهول. وتصح ببدن المحبوس والغائب. وقال أبو حنيفة: لا تصح. وتصح بالأعيان المضمونة، كالغصوب والعواري. ولا تصح ببدن من عليه حد أو قصاص، وهو قول أكثر العلماء. واختلف قولا الشافعي في حدود الآدميين كالقذف، فقال في موضع: لا كفالة في حد ولا لعان. وقال في موضع: يجوز، قال: لأنه حق لآدمي. ولنا: ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، مرفوعاً: لا كفالة في حد، ولأن الكفالة استيثاق، والحدود مبناها على الدرء بالشبهات، ولأنه حق لا يجوز استيفاؤه من الكفيل إذا تعذر إحضار المكفول به كحد الزنى.

    وإن قال: إن جئت 1 سورة يوسف آية: 66.

    به في وقت كذا وإلا فأنا كفيل ببدن فلان، أو فأنا ضامن لك المال الذي عليه، أو إذا جاء زيد فأنا ضامن عليه، أو إذا قدم الحاج فأنا كفيل، فقال القاضي: لا يصح، وهو مذهب الشافعي. وقال الشريف أبو جعفر: يصح، وهو قول أبي حنيفة. ولا تصح إلا برضى الكفيل، وفي رضى المكفول به وجهان. ومتى أحضره وسلمه برئ إلا أن يحضره قبل الأجل وفي قبضه ضرر.

    وإن مات المكفول به، أو تلفت العين بفعل الله، أو سلم نفسه، برئ الكفيل؛ وبه قال الشافعي. ويحتمل ألا يسقط بالموت، ويطالب بما عليه، وهو قول مالك. ومتى تعذر إحضار المكفول به مع حياته، أو امتنع من إحضاره، لزمه ما عليه. وقال أكثرهم: لا غرم عليه. ولنا: قوله: الزعيم غارم 1.

    وإذا كانت السفينة في البحر، وفيها متاع فخيف غرقها، فألقى بعض من فيها متاعه لتخف، لم يرجع به، سواء ألقاه محتسباً بالرجوع أو متبرعاً. وإن قال له بعضهم: ألقه، فألقاه، فكذلك لأنه لم يكرهه.

    وقال مهنا: سألت أحمد: عن رجل له على رجل ألف درهم، فأقام كفيلين بها كل منهما ضامن، فأحال رب المال عليه رجلاً بحقه، قال: يبرأ الكفيلان. قلت: فإن مات الذي أحاله عليه بالحق ولم يترك شيئاً؟ قال: لا شيء له، ويذهب الألف.

    ومن هنا إلى آخر الباب: من الإنصاف:

    قال الشيخ: قياس المذهب: يصح الضمان بكل لفظ فُهم منه الضمان عرفاً مثل: بعهُ وأنا أعطيك الثمن، أو لا تطالبه وأنا أعطيك، ونحو ذلك. واختار أيضاً صحة ضمان الحارس ونحوه، وتجار الحرب ما يذهب من 1 الترمذي: البيوع (1265), وأبو داود: البيوع (3565), وابن ماجة: الأحكام (2405) .

    البلد أو البحر، وإن غايته ضمان ما لم يجب، وضمان المجهول، كضمان السوق، وهو أن يضمن ما يجب على التجار للناس من الديون، وهو جائز عند أكثر العلماء، كمالك وأبي حنيفة وأحمد. وقال: لو تغيب مضمون عنه، أطلقه في موضع وقيده في آخر، بقادر على الوفاء فأمسك الضامن وغرم شيئاً بسبب ذلك، وأنفقه في حبس، رجع به على المضمون عنه.

    قوله في الكفالة: ولا تصح ببدن من عليه حد أو قصاص، وقال الشيخ: تصح، اختاره في الفائق. وقال الشيخ: إن كان المكفول في حبس الشرع فسلمه إليه فيه بريء ولا يلزمه إحضاره منه إليه عند أحد من الأئمة، ويمكنه الحاكم من الإخراج ليخاصم غريمه ثم يرده، هذا مذهب الأئمة كمالك وأحمد وغيرهما. قوله: وإن مات المكفول به، أو تلفت العين بفعل الله، أو سلم نفسه، برئ الكفيل. إذا مات المكفول به، برئ الكفيل سواء توانى الكفيل في تسليمه حتى مات أو لا، نص عليه. وقيل: لا يبرأ مطلقاً، فيلزمه الديْن، اختاره الشيخ. وقال: السجان كالكفيل، ولو ضمن معرفته أخذ به، نقله أبو طالب. ولو خيف من غرق السفينة فألقى بعضهم متاعه، لم يرجع، وفي الرعاية: يحتمل أن يرجع إذا نوى، وما هو ببعيد. انتهى.

    ويجب الإلقاء إن خيف تلف الركاب. ولو قال: طلق زوجتك وعليَّ ألف، أو مهرها، لزمه؛ قاله في الرعاية. وقال: لو قال: بعْ عبدك من زيد بمائة، وعلي مائة أخرى، لم يلزمه، وفيه احتمال. والله أعلم.

    باب الحوالة

    الحوالة ثابتة بالسنة والإجماع، لقوله عليه السلام: مطْل الغني ظلم، وإذا أُتبع أحدكم على مليء، فليتبع. 1 متفق عليه، وفي لفظ: ومن أُحيل بحقه على مليء، فليحتل. 2 وإذا صحت برئت ذمة المحيل، وانتقل الحق إلى ذمة المحال عليه، في قول عامة أهل العلم. وعن الحسن: أنه كان لا يرى الحوالة براءة إلا أن يُبرئه. وعن زفر: أنه أجراها مجرى الضمان. ولنا: أنها مشتقة من تحويل الحق، فمتى رضي بها المحتال، ولم يشترط اليسار، لم يعد الحق أبداً؛ وبه قال الشافعي وأبو عبيد. وقال شريح: متى أفلس أو مات رجع على صاحبه. [وقال أبو يوسف: يرجع في حالين: إذا مات المحال عليه مفلساً، أو إذا جحده وحلف عليه عند الحاكم، وإذا حجر عليه لفلس،] لأنه روي عن عثمان أنه سئل عن: رجل أحيل بحقه، فمات المحال عليه مفلساً؟ فقال: يرجع بحقه، لأنه لا توى على مال امرئ مسلم. ولنا: أن حزناً جد ابن المسيب كان له على عليّ (ديْن فأحاله به، فمات المحال عليه، فأخبره، فقال: اخترت علينا، أبعدك الله! . فأبعده بمجرد احتياله ولم يخبره أن له الرجوع. وحديث عثمان لم يصح، يرويه معاوية بن قرة عن عثمان، ولم يصح سماعه منه، ولو صح لكان قول عليّ مخالفاًً له. 1 البخاري: الحوالات (2287, 2288) وفي الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس (2400), ومسلم: المساقاة (1564), والترمذي: البيوع (1308), والنسائي: البيوع (4691), وأبو داود: البيوع (3345), وابن ماجة: الأحكام (2403), وأحمد (2/376, 2/379, 2/463, 2/465)، ومالك: البيوع (1379), والدارمي: البيوع (2586) .

    2 البخاري: الحوالات (2287, 2288), ومسلم: المساقاة (1564), والترمذي: البيوع (1308), والنسائي: البيوع (4688, 4691), وأبو داود: البيوع (3345), وابن ماجة: الأحكام (2403), وأحمد (2/463), ومالك: البيوع (1379), والدارمي: البيوع (2586) .

    ولا تصح إلا بشروط ثلاثة:

    (أحدها): أن يحيل على ديْن مستقر، فإن أحال على مال الكتابة، أو السلَم، أو الصداق قبل الدخول، لم يصح.

    (الثاني): اتفاق الدينين في الجنس والصفة والحلول والتأجيل.

    (الثالث): أن يحيل برضاه، ولا خلاف في هذا.

    ولا تصح فيما لا يصح السلَم فيه. فأما ما يثبت في الذمة سلماً غير المثليات، كالمعدود والمذروع، ففي صحتها به وجهان.

    ولا يعتبر رضى المحال عليه، ولا رضى المحتال، إن كان المحال عليه مليئاً، والمليء: القادر على الوفاء غير المماطل. قال أحمد في تفسير المليء: أن يكون مليئاً بماله وقوله وبدنه. وقال أبو حنيفة: يعتبر رضاهما. وقال مالك: يعتبر رضى المحتال، وأما المحال عليه فقال مالك: لا يعتبر رضاه، إلا إن كان المحتال عدوه. ولنا: الحديث المتقدم. وإن شرط ملاءة المحال عليه فبان معسراً رجع. وقال بعض الشافعية: لا يرجع، لأنها لا ترد بالإعسار. ولنا: قوله عليه السلام: المسلمون على شروطهم. 1 وإذا لم يرض المحتال، ثم بان المحال عليه مفلساً أو ميتاً، رجع بغير خلاف. وإن رضي بالحوالة لم يرجع، ويحتمل أن يرجع لأن الفلس عيب. وإن فسخ العقد بعيب أو إقالة، لم تبطل الحوالة.

    ومن هنا إلى آخر الباب: من الإنصاف:

    وظاهر ما قدمه في المحرر: صحة الحوالة على المهر قبل الدخول، وعلى الأجرة بالعقد، وقال الزركشي: لا يظهر لي منع الحوالة بالمسلَم فيه. 1 أبو داود: الأقضية (3594) .

    وقال عن تفسير أحمد: الذي يظهر لي أن المليء بالمال أن يقدر على الوفاء، والقول: ألا يكون مماطلاً، والبدن يمكن حضوره إلى مجلس الحكم.

    وقال الشيخ: الحوالة على ماله في الديون إذن في الاستيفاء فقط، وللمحتال الرجوع ومطالبة محيله. انتهى.

    ونقل مهنا فيمن بعث رجلاً إلى رجل له عنده مال، فقال: خذ منه ديناراً، فأخذ منه أكثر، قال: الضمان على المرسل لتغريره، ويرجع هو على الرسول. والله سبحانه أعلم.

    باب الصلح

    الصلح أنواع: بين المسلمين وأهل الحرب، وبين أهل العدل وأهل البغي، وبين الزوجين. وعن أبي هريرة، مرفوعاً: الصلح بين المسلمين جائز، إلا صلحاً حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً. 1 صححه الترمذي. وأجمعوا على جواز الصلح في هذه الأنواع، ولكل نوع منها باب يفرد له.

    وهذا بين (المختلفين في الأموال)، وهما قسمان:

    القسم الأول: صلح على الإقرار، وهو نوعان:

    أحدهما: صلح على جنس الحق، مثل أن يقرّ له بديْن فيضع عنه بعضه، أو عين فيهب له بعضها، فيصح إن لم يكن بشرط. قال أحمد: إذا كان للرجل الديْن فوضع بعض حقه وأخذ الباقي، كان ذلك جائزاً لهما. ولو فعل ذلك قاضٍ شافعي لم يكن عليه في ذلك إثم، إذا كان على وجه النظر لهما، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد كلّم غرماء جابر ليضعوا عنه، وفي الذي أصيب في حديقته وهو ملزوم، فأشار إلى غرمائه بالنصف. ولا يصح ممن لا يملك التبرع كولي اليتيم، إلا في حال الإنكار وعدم البينة، لأن استيفاء البعض عند العجز أولى من تركه. وإن صالح عن المؤجل ببعضه حالاًّ لم يصح، كرهه ابن عمر، وقال: نهى عمر أن يباع العين بالديْن، وكرهه ابن المسيب والقاسم ومالك والشافعي وأبو حنيفة. وروي عن ابن عباس 1 الترمذي: الأحكام (1352), وابن ماجة: الأحكام (2353) .

    وابن سيرين والنخعي: أنه لا بأس به. وعن الحسن وابن سيرين أنهما كانا لا يريان بأسا بالعروض أن يأخذها عن حقه قبل محله. وإذا صالحه عن ألف حالّ بنصفه مؤجل اختياراً منه، صح الإسقاط، فلم يلزم التأجيل لأن الحال لا يتأجل. ولو صالح عن المائة الثابتة بالإتلاف بمائة مؤجلة، لم تصر مؤجلة، وعنه: أنها تصير مؤجلة. وإن صالح إنساناً ليقرّ له بالعبودية، أو امرأة لتقرّ له بالزوجية لم يصح، لأنه يحلّ حراماً، فإن إرقاق الحر نفسه لا يحل بعوض ولا غيره. فإن دفعت المرأة عوضاً عن الدعوى، ففيه وجهان. وإن دفع المدعى عليه العبودية إلى المدعي صلحاً صح، لأنه يجوز أن يعتق عبده بمال.

    النوع الثاني: أن يصالحه عن الحق بغير جنسه، فهو معاوضة، مثل أن يقرّ له بمائة درهم، فيصالحه عنها بعشرة دنانير، فهذا يشترط له شروط الصرف، أو يعترف له بعروض فيصالحه على أثمان أو بالعكس، فهذا بيع يثبت فيه أحكامه، أو يصالحه على سكنى دار، أو يعمل له عملاً معلوماً، فتكون إجارة لها حكمها. وإن صالحت المرأة بتزويج نفسها صح. وإذا ادعى زرعاً في يد رجل فأقر له به، ثم صالحه على دراهم، جاز على الوجه الذي يجوز به بيع الزرع.

    ويصح الصلح عن المجهول بمعلوم، سواء كان عيناً أو ديناً، إذا كان مما لا سبيل إلى معرفته. وقال ابن أبي موسى: الصلح الجائز هو صلح الزوجة من صداقها الذي لا بيّنة لها به ولا علم لها ولا للورثة بمبلغه، وكذلك الرجلان يكون بينهما المعاملة لا علم لواحد منهما بما عليه لصاحبه، وكذلك من عليه حق لا علم له بقدره، وسواء كان صاحب الحق يعلم قدره ولا بيّنة له أو لا. وقال الشافعي: لا يصح الصلح عن مجهول، لأنه فرع البيع.

    ولنا: قوله صلى الله عليه وسلم للذيْن اختصما في مواريث درست: استهما، وتوخّيا، وليحلل أحدكما صاحبه. 1 رواه أحمد. فأما ما يمكنهما معرفته، أو يعلمه الذي هو عليه ويجهله صاحبه، فلا يصح الصلح عليه مع الجهل. قال أحمد: إن صولحت امرأة من ثمنها لم يصح، واحتج بقول شريح: أيما امرأة صولحت من ثمنها، لم يتبيّن لها ما ترك زوجها، فهي الريبة كلها. قال: وإن ورث قوم مالاً ودوراً أو غير ذلك، فقال بعضهم: نخرجك من الميراث بألف درهم، أكره ذلك. ولا يشترى منها شيئاً وهي لا تعلم، لعلها تظن أنه قليل وهو يعلم أنه كثير. إنما يصالح الرجل الرجل على الشيء لا يعرفه، أو يكون رجل يعلم ما لَه عند رجل، والآخر لا يعلمه، فيصالحه، فأما إذا علم، فَلِمَ يصالحه؟ إنما يريد أن يهضم حقه ويذهب به.

    القسم الثاني: أن يدعي عليه عيناً أو ديْناً فينكره، ثم يصالحه على مال، فيصح ويكون بيعاً في حق المدعي، حتى إن وجد بما أخذه عيباً فله رده وفسخ الصلح. والصلح على الإنكار صحيح، وبه قال مالك. وقال الشافعي: لا يصح لأنه عاوض عما

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1