Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

شرح صحيح البخاري
شرح صحيح البخاري
شرح صحيح البخاري
Ebook783 pages5 hours

شرح صحيح البخاري

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

هذا كتاب شَرحَ فيه مصنفُه كتاب: «الجامع الصحيح» للإمام البخاري، فبيَّن المفردات والألفاظ غير الواضحة، ووجَّه الروايات نحويًّا وصرفيًّا، كما تعرض لبيان خواص التراكيب بحسب علوم البلاغة، وذكر ما يستفاد وما يتعلق بالحديث من المسائل الفقهية، وبخاصة المذهب المالكي، وذكر ما يتعلق بأصول الفقه من الخاص والعام، والمجمل والمبين، وأنواع الأقيسة، وذكر ما يتعلق بالآداب والدقائق، وما يتعلق بعلوم الحديث واصطلاحات المحدثين، وبيَّن الملتبس والمشتبه، والمختلف والمؤتلف من الأسماء والأنساب وغيرها.
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateMar 24, 1901
ISBN9786367024675
شرح صحيح البخاري

Related to شرح صحيح البخاري

Related ebooks

Related categories

Reviews for شرح صحيح البخاري

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    شرح صحيح البخاري - ابن بطال

    الغلاف

    شرح صحيح البخاري

    الجزء 10

    ابن بطال

    449

    هذا كتاب شَرحَ فيه مصنفُه كتاب: «الجامع الصحيح» للإمام البخاري، فبيَّن المفردات والألفاظ غير الواضحة، ووجَّه الروايات نحويًّا وصرفيًّا، كما تعرض لبيان خواص التراكيب بحسب علوم البلاغة، وذكر ما يستفاد وما يتعلق بالحديث من المسائل الفقهية، وبخاصة المذهب المالكي، وذكر ما يتعلق بأصول الفقه من الخاص والعام، والمجمل والمبين، وأنواع الأقيسة، وذكر ما يتعلق بالآداب والدقائق، وما يتعلق بعلوم الحديث واصطلاحات المحدثين، وبيَّن الملتبس والمشتبه، والمختلف والمؤتلف من الأسماء والأنساب وغيرها.

    - باب الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِى الأمْوَالِ وَالْحُدُودِ

    وَقَالَ النَّبِىُّ (صلى الله عليه وسلم): (شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ). وَقَالَ ابْنِ شُبْرُمَةَ، كَلَّمَنِى أَبُو الزِّنَادِ فِى شَهَادَةِ الشَّاهِدِ وَيَمِينِ الْمُدَّعِى، فَقُلْتُ: قَالَ اللَّهُ: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ) [البقرة: 282] الآية. قُلْتُ: إِذَا كَانَ يُكْتَفَى بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِى، فَمَا تَحْتَاجُ أَنْ تُذْكِرَ إِحْدَاهُمَا الأخْرَى، مَا كَانَ يَصْنَعُ بِذِكْرِ هَذِهِ الأخْرَى. / 30 - فيه: ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِىَّ (صلى الله عليه وسلم) قَضَى بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. / 31 - وفيه: ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِىَّ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ. أجمع العلماء على استحلاف المدعى عليه فى الأموال، واختلفوا فى الحدود والطلاق والنكاح والعتاق، فذهب الشافعى أن اليمين واجب على كل مدعى عليه إذا لم يكن للمدعى بينة، وسواء كانت الدعوى فى دم أو جراح أو طلاق أو نكاح أو عتق أو غير ذلك، واحتج بقوله (صلى الله عليه وسلم): (شاهداك أو يمينه) قال: ولم يخص النبى (صلى الله عليه وسلم) مدعى مال دون مدعى دم أو غيره، بل الواجب أن يحمل قوله على العموم، ألا ترى أنه جعل القسامة فى دعوى الدم، وقال للأنصار: (تبرئكم يهود بخمسين يمينًا) والدم أعظم حرمة من المال. وقال الشافعى وأبو ثور: إذا ادعت المرأة على زوجها خلعًا أو طلاقًا، وجحد الزوج الطلاق، فالمرأة المدعية عليها البينة، فإن لم يكن لها بينة استحلف الزوج، وإن ادعى الزوج أنه خالعها على مال وهى ناشز فأنكرت المرأة، فإن أقام البينة لزمها المال، وإن لم يقم بينة حلفت ولزم الزوج الفراق؛ لأنه أقرَّ بذلك، وإن ادعى العبد العتق ولم تكن له بينة استحلف السيد فإن حلف برئ، وإن ادعى السيد أنه أعتق عبده على مال، والعبد منكر لذلك حلف ولزم السيد العتق. وكان سوار يحلف فى الطلاق، وكان أبو يوسف ومحمد يريان أن يستحلف على النكاح، فإن أبى أن يحلف ألزم النكاح. وذكر ابن المنذر، عن الشعبى، والثورى، وأصحاب الرأى، أنه لا يستحلف على شىء من الحدود ولا على القذف، وقالوا: يستحلفه على السرقة فإن نكل عن اليمين لزمه النكال، وفيه قول آخر: لا يمين فى الطلاق والنكاح والعتق والفرية إلا أن يقيم المدعى شاهدًا واحدًا، فإذا أقامه استحلف المدعى عليه. هذا قول مالك بن أنس. قال ابن حبيب: إذا أقامت المرأة أو العبد شاهدًا واحدًا على أن الزوج طلقها أو أن السيد أعتقه؛ فإن اليمين تكون على السيد والزوج، فإن حلفا سقط عنهما الطلاق والعتق، هذا قول مالك وابن الماجشون وابن كنانة قال مالك فى المدونة: فإن نكل قضى بالطلاق والعتق. ثم رجع مالك فقال: لا يقضى بالطلاق والعتق. ثم رجع مالك فقال: لا يقضى بالطلاق وليسجن، فإن طال سجنه دين وترك. وبهذا أخذ ابن القاسم، وطول السجن عنده سنة، وروى أشهب عن مالك فى العتبية فى الرجل يأتى بشاهد واحد على رجل شتمه: أيحلف مع شاهده ويستحق ذلك، أو يستحلف المدعى عليه ويبرأ؟ قال: لا يحلف فى مثل هذا مع الشاهد، وأرى إن كان الشاتم معروفًا بالسفه أن يعزر ويؤدب. قلت له: أفترى على المدعى عليه يمينًا؟ قال: نعم، وليس كل ما رأى المرء يحب أن يجعله سنة فيذهب به إلى الأمصار، فتضعف يمين المدعى عليه فى هذه المسألة حين رأى ألا يجعل قوله سنة. وذهب أهل المقالة الأولى إلى وجوب اليمين على المدعى عليه بمجرد الدعوى فى كل دعوى، ولم ير مالك على المدعى عليه يمينًا، حتى يقيم المدعى شاهدًا واحدًا فى دعوى النكاح والطلاق، والعتق والفرية. والعتاقة عند مالك حد من الحدود؛ لأنه إذا أعتق العبد ثبتت حرمته وجازت شهادته ووقعت الحدود له وعليه بخلاف ما كانت قبل ذلك ورأى فى الأموال خاصة اليمين على المدعى عليه دون شاهد يقيمه المدعى؛ لأن إيجاب البينة على المدعى واليمين على من أنكر إنما ورد فى خصام فى أرض بين الأشعث وبين رجل آخر، ففيه قال (صلى الله عليه وسلم): (شاهداك أو يمينه). فرأى مالك حمل الحديث على ما ورد عليه فى الأموال خاصة، ورأى فى دعوى النكاح والطلاق والعتق والفرية إذا أقام المدعى شاهدًا واحدًا أن يحلف المدعى عليه فيتبرأ بذلك من الدعوى التى قويت شبهتها بالشاهد، ولو جاز فيها دخول الأيمان دون شاهد يقيمه المدعى لأدى ذلك إلى إضاعة الحدود واستباحة الفروج ورفع الملك. ولا يشاء أحد أن يدعى نكاح امرأة فتنكر فيحلفها أو يبتذلها بذلك، فإن لم تحلف أخذها زوجها واستباح فرجها الذى هو أعلى رتبة من المال؛ لأن المال يقبل فيه شاهد وامرأتان ولا يقبل ذلك فى النكاح، ولو أدعى أنها زوجته وصدقته المرأة لم يحكم بينهما بثبوت الزوجية بتقاررهما دون بينة تشهد على ذلك، فكذلك لا تقبل دعوى المرأة على زوجها أنه طلقها إلا بالبينة ولا تحلفه بدعواها؛ لأن هذا يؤدى إلى أن يستبيح الأجنبى فرجها مع كونها زوجة الأول؛ لأنه لا تشاء امرأة تكره زوجها إلا ادعت عليه كل يوم طلاقها، ولا يشاء عبد العتق إلا ادعى على مولاه أنه أعتقه، ولا سيما إذا علم أن الزوج أو السيد ممن لا يحلف فى مقطع الحقوق فكثير من الناس يتجنب ذلك، وإن لم يحلف الزوج ولا السيد طلقت المرأة وعتق العبد، هذا على قول مالك الأول الذى أوجب العتق والطلاق بالنكول، والقول الآخر الذى رجع إليه أشد احتياطًا فى تحصين الفروج والحدود. وأما قياس الشافعى كل دعوى على القسامة، فالقسامة باب مخصوص ولا يجوز أن يقاس على المخصوص، ولا يجوز أن يؤخذ ما أصله موجود فى سنة النبى (صلى الله عليه وسلم) فيجعل فرعًا يقاس على أصل لا يشبهه؛ لأن قياس الأصول بعضها على بعض لا يجوز، ولو كان فرعًا ما جاز قياسه على أصل لا يشبهه وأحق الناس بأن يمنع أن يجعل فى باب الدعوى بالدم قياسًا على القسامة من لا يرى القود بالقسامة وهو الشافعى، والقسامة يبدأ فيها المدعى باليمين عند مالك والشافعى، والمدعى عليه فى غير هذا يبدأ باليمين وأيضًا فإن القسامة لم يحكم فيها بالأيمان إلا بعد اللوث، وأقيمت الأيمان مقام الشهادة وغلظت حتى جعلت خمسين يمينًا، وليس هذا فى شىء من الأحكام. وقال محمد بن عمر بن لبابة: مذهب مالك على ما روى عن عمر بن عبد العزيز أنه لا يجب يمين إلا بخلطة، وبذلك حكم القضاة عندنا، والذى أذهب إليه فى خاصة نفسى وأفتى به من قلدنى فاليمين بالدعوى؛ لقول النبى (صلى الله عليه وسلم): (اليمين على المدعى عليه). وقال ابن المنذر: لما جعل النبى (صلى الله عليه وسلم) اليمين على المدعى عليه دخل فى ذلك الخيار والشرار، والمسلمون والكفار، والرجال والنساء علم بين المدعى والمدعى عليه معاملة أم لا. هذا قول الكوفيين والشافعى، وأصحاب الحديث وأحمد بن حنبل. قال ابن المنذر: ولما قال من خالفنا أن البينة تقبل بغير سبب تقدم من معاملة بين المدعى وبين صاحبه، وجب كذلك أن يستحلف المدعى عليه وإن لم تعلم معاملة تقدمت بينهما؛ لأن مخرج الكلام من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) واحد، وما أحد فى أول ما يعامل صاحبه إلا ولا معاملة كانت بينهما قبلها. واحتج الكوفيون بقوله (صلى الله عليه وسلم): (شاهداك أو يمينه) فى أن اليمين لا يجب ردها على المدعى إذا نكل المدعى عليه. قالوا: ويحكم بنكول المدعى عليه، ألا ترى قوله (صلى الله عليه وسلم): (شاهداك أو يمينه) ولم يقل: أو يمينك، ولو كان الحكم يتعلق بيمين المدعى لذكره كما ذكر بينة المدعى ويمين المدعى عليه، وستأتى مذاهب العلماء فى رد اليمين فى باب القسامة. وقوله: (شاهداك أو يمينه). قال سيبويه: المعنى: ما يثبت لك شاهداك، وتأويله ما يثبت لك بشهادة شاهديك فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.

    وأما احتجاج ابن شبرمة على أبى الزناد فى إبطال الحكم باليمين مع الشاهد، فإن العلماء اختلفوا فيه، فممن وافق ابن شبرمة فى ذلك: ابن أبى ليلى، وعطاء، والنخعى، والشعبى، والكوفيون، والأوزاعى قالوا: لا يجوز القضاء باليمين مع الشاهد. قال محمد ابن الحسن: وإن حكم قاض بذلك نقض حكمه، وهو بدعة. قالوا: وقال ابن شهاب: إنه بدعة، أول ما حكم به معاوية، وهو قول الزهرى، والليث. وروى عن أبى بكر الصديق وعمر وعلى وأبى بن كعب أنه يحكم باليمين مع الشاهد، وهو قول الفقهاء السبعة المدنيين وربيعة وأبى الزناد، وقال به من أهل العراق: الحسن البصرى وعبد الله بن عتبة وإياس بن معاوية. قال مالك والشافعى وأحمد وإسحاق وأبو ثور والحكم به فى الأموال عندهم خاصة، وأجمعوا أنه لا يجب حد بيمين وشاهد. واحتج الكوفيون فقالوا: الحكم باليمين مع الشاهد خلاف القرآن والسنة؛ لقوله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) [البقرة: 282]، وقوله: (شاهداكم أو يمينه) فيقال لهم: ليس بخلاف للقرآن والسنة كما توهمتموه، وإنما هو زيادة كنكاح المرأة على عمتها وخالتها مع قوله تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) [النساء: 24]، ومثل المسح على الخفين مع ما نزل به القرآن من غسل الرجلين ومسحهما، فكذلك ما قضى به النبى (صلى الله عليه وسلم) لعبد الله مع اليمين مع الشاهد مع قوله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) [البقرة: 282].

    ويقال لهم: إن مالكًا أوجب القصاص فى الجراح باليمين مع الشاهد، فقال فى المدونة: وكل جرح فيه قصاص فإنه يقتص فيه بيمين وشاهد، وقاله عمر بن عبد العزيز، ووقع له فى كتاب الأقضية ما يوهم خلاف هذا الأصل فقال: ومن ادعى على رجل قصاصًا وأنه ضربه بالسوط لم يجب عليه يمين إلا أن يأتى بشاهد فيستحلف له، وقد كان يجب على أصله المتقدم أن يحلف المضروب مع شاهده ويقتص، ولم يجب ذلك له مالك فى هذه المسألة، ووجه المسألتين أن القصاص المذكور فى هذه المسألة الأخيرة ليس بجرح يجب فيه قصاص ولا دية معلومة، وإنما هو فى الركضة واللطمة، ألا ترى أنه جعل القصاص المذكور مع الضربة بالسوط؛ وليس فى شىء من ذلك قصاص عنده مثله، وإنما فيه أدب الإمام، والأدب لا يجب بشاهد ويمين، وإنما هو إلى اجتهاد الإمام، ولو وجب ذلك بشاهد ويمين لكن مقدرًا، ولم يكن فيه لاجتهاد السلطان مدخل، والمسألة الأولى القصاص فيها إلى المجروح وهو من حقوقه فهو كسائر الحقوق التى يستحقها بشاهد ويمين، ولابد مع القصاص من أدب السلطان بجرأته على جرحه، والمسألة الأخرى إنما فيها أدب التعدى فقط فلذلك يحلف فيها المدعى، واحتج الكوفيون أيضًا فقالوا: الزيادة عندنا على النص نسخ له. قال ابن القصار: فالجواب أن ذلك بيان وليس بنسخ؛ لأن النسخ إنما هو لو ورد مقترنًا به لم يمكن الجمع بينهما، وفى هذا الموضع لو ورد مقترنًا لجاز أن يجمع بينهما وهو أن يقول تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم أو شاهدًا وامرأتين أو شاهدًا ويمين) فإن ذلك لا يتنافى، وإثبات شاهد ويمين هو إثبات حكم كما يأمرنا بالصلاة ثم يوجب الصوم. وقد تناقض الكوفيون فى هذا الأصل، فنقضوا الطهارة بالقهقهة وزادوها على الأحداث الثمانية، وجوزوا الوضوء بالنبيذ، وزادوه على الوضوء بالماء المنصوص عليه فى الكتاب والسنة، ولم يجعلوا ذلك نسخًا لما تقدم فتركوا أصلهم. وقد احتج مالك لهذه المسألة فى الموطأ فقال: من الحجة فيها أن يقال: أرأيت لو أن رجلا ادعى على رجل مالا، أليس يحلف المطلوب ما ذلك الحق عليه؟ فإن حلف بطل ذلك الحق عنه، وإن نكل عن اليمين حلف صاحب الحق أن حقه لَحَق، وثبت حقه على صاحبه، فهذا ما لا اختلاف فيه عند أحد من الناس، فمن أقر بهذا فليقر باليمين مع الشاهد. يريد مالك أنه إذا حلف صاحب الحق فإنه يقضى له بحقه ولا شاهد معه، فكيف بمن معه شاهد؟ فهو أولى أن يحلف مع شاهده. قال المهلب: والشاهد واليمين إنما جعله الله رخصة عند عدم الشاهد الآخر بموت أو سفر أو غير ذلك من العوائق كما جعل تعالى رجلا وامرأتين رخصة عند عدم شاهدين؛ لأنه معلوم أنه لا يحضر المتبايعين شاهدان عدلان أو أكثر فيقتصرا على شاهد وامرأتين أو على شاهد واحد، هذا غير موجود فى العادات، بل من شأن الناس الاستكثار من الشهود، فنقل الله العباد فى صفة الشهود من حال إلى حال أسهل منها رفقًا من الله بخلقه، وحفظًا لأموالهم فلا تناقض فى شىء من ذلك، والحديث فى ذلك رواه مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قضى باليمين مع الشاهد) .

    - باب إِذَا ادَّعَى أَوْ قَذَفَ فَلَهُ أَنْ يَلْتَمِسَ الْبَيِّنَةَ وَيَنْطَلِقَ لِطَلَبِ الْبَيِّنَةِ

    / 32 - فيه: ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ هِلالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِىِّ (صلى الله عليه وسلم) بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ، فَقَالَ النَّبِىُّ (صلى الله عليه وسلم): (الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِى ظَهْرِكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلا، يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: الْبَيِّنَةَ أَوْ حَدٌّ فِى ظَهْرِكَ، فَذَكَرَ حَدِيثَ اللِّعَانِ). هذا الحديث إنما هو فى رمى أحد الزوجين صاحبه، فهو الذى يقال له: انطلق فائت بالبينة؛ لأن الزوجين ليس بينهما جلد، وإنما سقط الجلد بينهما بالتلاعن، والأجنبيون بخلاف حكم الزوجين فى ذلك؛ فإذا قذف أجنبى أجنبيا لم يترك لطلب البينة ولا يضمنه أحد، بل يحبسه الإمام خشية أن يفوت أو يهرب، أو يرتاد من يطلب بينته، وإنما لم يضمنه أحد، لأن الحدود لا كفالة فيها ولا ضمان؛ لأنه لا يحد أحد عن أحد. وقوله: (البينة وإلا حد فى ظهرك) كان قبل نزول حكم اللعان على ظاهر قوله تعالى: (والذين يرمون المحصنات) [النور: 4] الآية. فدخل فى حكم الآية الزوجان وغيرهما، فلما نزل قوله تعالى: (والذين يرمون أزواجهم) [النور: 5]، وحكم الله باللعان بين الزوجين بخلاف حكم الأجنبيين، وخص الزوجين بألا يحد المتلاعن إلا أن يأبى من اللعان، وكذلك المرأة إذا أبت من اللعان بعد لعان الزوج حدت، بخلاف أحكام الأجنبيين أنه من لم يقم البينة على قذفه وجب عليه الحد؛ لقوله: (وإلا حد فى ظهرك) .

    - باب يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَيْثُمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَلا يُصْرَفُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى غَيْرِهِ

    قَضَى مَرْوَانُ بِالْيَمِينِ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: أَحْلِفُ لَهُ مَكَانِى، فَجَعَلَ زَيْدٌ يَحْلِفُ، وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَجَعَلَ مَرْوَانُ يَعْجَبُ مِنْهُ، وَقَالَ النَّبِىُّ (صلى الله عليه وسلم): شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ، فَلَمْ يَخُصَّ مَكَانًا دُونَ مَكَانٍ. / 33 - فيه: ابْنِ مَسْعُود، قَالَ (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ؛ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالا، لَقِىَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ). اختلف العلماء فى هذا الباب فقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يجب استحلاف أحد عند منبر النبى (صلى الله عليه وسلم) ولا بين الركن والمقام فى قليل الأشياء ولا كثيرها ولا فى الدماء، وإنما يحلفون الحكام من وجبت عليه اليمين فى مجالسهم. وإلى هذا القول ذهب البخارى، وقال مالك: لا يحلف أحد عند منبر إلا منبر النبى (صلى الله عليه وسلم) ومن أبى أن يحلف عند منبر النبى (صلى الله عليه وسلم) فهو كالناكل عن اليمين، ويجلب فى أيمان القسامة إلى مكة من كان من عملها فيحلف بين الركن والمقام، ويجلب إلى المدينة من كان من عملها فيحلف عند المنبر. وهو قول الشافعى. ولا يكون اليمين عند مالك فى مقطع الحق فى أقل من ثلاثة دراهم قياسًا على القطع، وعند الشافعى فى عشرين دينارًا قياسًا على الزكاة، كذلك عند منبر كل مسجد، وروى ابن جريج، عن عكرمة قال: أبصر عبد الرحمن بن عوف قومًا يحلفون بين المقام والبيت فقال: أعلى دم؟ فقيل: لا. قال: أفعلى عظيم من المال؟ قيل: لا. قال: لقد خشيت أن يتهاون الناس بهذا المقام. قال: ومنبر النبى (صلى الله عليه وسلم) فى التعظيم مثل ذلك؛ لما ورد فيه من الوعيد على من حلف عنده بيمين كاذبة. واحتج أبو حنيفة بأنا روينا عن زيد بن ثابت أنه لم يحلف على المنبر وخالفتموه إلى قول مروان بغير حجة. قال: وليس قوله (صلى الله عليه وسلم): (من حلف على منبرى هذا. .) يوجب أن الاستحلاف لم يجب. واحتج عليه الشافعى فقال: لو لم يعلم زيد أن اليمين عند المنبر سنة لأنكر ذلك على مروان، وقال له: لا والله ما أحلف إلا فى مجلسك. وما كان يمنع أن يقول لمروان ما هو أعظم من هذا لجلالة قدره عنده، وقد أنكر عليه أمر الصكوك وقال له: أتحل الربا يا مروان؟ فقال مروان: أعوذ بالله من هذا. فقال: الناس يتبايعون الصكوك قبل أن يقبضوها. فبعث مروان الحرس ينتزعونها من أيدى الناس. فكذلك كان ينكر عليه اليمين عند المنبر لولا علمه أنها السنة، وإنما كره أن يحلف عند المنبر. قال المؤلف: واليمين عند المنبر بمكة والمدينة لا خلاف فيه فى قديم ولا حديث وأن نقل الحديث فيه تكلف؛ لإجماع السلف عليه، ولقد بلغنى أن عمر بن الخطاب حلف عند المنبر فى خصومة كانت بينه وبين رجل، وأن عثمان ردت عليه اليمين عند المنبر، فافتدى منها وقال: أخاف أن توافق قدرًا فيقال: إنه بيمينه. قال المهلب: وإنما أمر أن يحلف فى أعظم موضع فى المسجد، ليرتدع أهل الباطل، وهذا مستنبط من قوله تعالى: (تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله) [المائدة: 106]، فاشتراطه بعد الصلاة تعظيمًا للوقت وإرهابًا به؛ لشهود الملائكة ذلك الوقت، مخصوصة وقت التعظيم كخصوصة موضع التعظيم، ألا ترى ما ظهر من تهيب زيد بن ثابت للموضع، فمن هو دون ذلك من أهل المعاصى الخائفين من العقوبات أولى أن يرهبوا المكان العظيم.

    - باب الْيَمِينِ بَعْدَ الْعَصْرِ

    / 34 - فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النبى، (صلى الله عليه وسلم): (ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ، وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمِ الِقْيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلا لا يُبَايِعُهُ إِلا لِلدُّنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ، وَإِلا لَمْ يَفِ لَهُ وَرَجُلٌ سَاوَمَ رَجُلا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا كَذَا وَكَذَا فَأَخَذَهَا).

    قال المهلب: إنما خص النبى (صلى الله عليه وسلم) هذا الوقت بالتعظيم وجعل الإثم فيه أكبر من غيره؛ لشهود ملائكة الليل والنهار فى وقت العصر، وليرتدع الناس عن الأيمان الكاذبة فى هذا الوقت المعظم. وقوله: (ثلاثة لا يكلمهم الله) يعنى: وقتًا دون وقت لمن أنفذ الله عليه الوعيد، وليس على الاستمرار والخلود. هذا مذهب أهل السنة، وفيه أنه قد يستحق النوع من العذاب على ذنوب مختلفة، فالمانع لفضل الماء أصغر معصية من المبايع الناكث، والحالف الآثم، والله أعلم.

    - باب إِذَا تَسَارَعَ قَوْمٌ فِى الْيَمِينِ

    / 35 - فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ (صلى الله عليه وسلم) عَرَضَ عَلَى قَوْمٍ الْيَمِينَ، فَأَسْرَعُوا، فَأَمَرَ أَنْ يُسْهَمَ بَيْنَهُمْ فِى الْيَمِينِ أَيُّهُمْ يَحْلِفُ. إنما كره النبى (صلى الله عليه وسلم) تسارعهم فى اليمين والله أعلم لئلا تقع أيمانهم معًا فلا يستوفى الذى له الحق أيمانهم على معنى دعواه، ومن حقه أن يستوفى يمين كل واحد منهم على حدته، فإذا استوفى قوم فى حق من الحقوق لم يبدأ أحد منهم قبل صاحبه فى أخذ ما يأخذ أو دفع ما يدفع عن نفسه إلا بالقرعة، والقرعة سنة فى مثل هذا، ألا ترى أن النبى (صلى الله عليه وسلم) أقرع بين نسائه عند سفره، وكن قد استوين فى الحرمة والعصمة، ولم تكن واحدة أولى بالسفر من صاحبتها.

    - باب كَيْفَ يُسْتَحْلَفُ وَقَالِهِ تَعَالَى: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا) النساء: 62 . وَقَوْلُهُ: (وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ) التوبة: 56 ) يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ) التوبة: 62 ) فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا) المائدة: 107

    . يُقَالُ: بِاللَّهِ، وَتَاللَّهِ، وَوَاللَّهِ. وَقَالَ (صلى الله عليه وسلم): (وَرَجُلٌ حَلَفَ بِاللَّهِ كَاذِبًا بَعْدَ الْعَصْرِ) وَلا يُحْلَفُ بِغَيْرِ اللَّهِ / 36 - فيه: طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِاللَّهِ، يَقُولُ: (أَنَّ رجلاً جَاءَ إِلَى النبى (صلى الله عليه وسلم)، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُهُ عَنِ الإسْلامِ. .، إلى قَوْلهُ: وَاللَّهِ لا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلا أَنْقُصُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ). / 37 - وفيه: ابْنِ عُمَرَ قَالَ النَّبِىَّ (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ). قال ابن المنذر: اختلف العلماء فى كيفية اليمين التى يجب أن يحلف بها. فقالت طائفة: يحلف بالله ولا يزيد عليه. وقال مالك: يحلف بالله الذى لا إله إلا هو ما له عنده حق وما ادعيت علىّ إلا باطلا. وقال الكوفى: يحلف بالله الذى لا إله إلا هو، فإن اتهمه القاضى غلظ عليه اليمين فيزيد: عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الذى يعلم من السر ما يعلم من العلانية الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور. قال ابن المنذر: وبأى ذلك حلفه الحاكم يجزئ.

    وكل ما أورده البخارى من آيات القرآن ومن الأحاديث فى هذا الباب حجة لمن اقتصر على الحلف بالله ولم يزد عليه، وكذلك قال عثمان لابن عمر: تحلف بالله لقد بعته وما به داء تعلمه. وأجمعوا أنه لا ينبغى للحاكم أن يستحلف بالطلاق أو العتاق أو الحج أو المصحف.

    - باب مَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الْيَمِينِ وَقَالَ النَّبِىُّ (صلى الله عليه وسلم) : (لَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ. وَقَالَ طَاوُسٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَشُرَيْحٌ: الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَحَقُّ مِنَ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ

    . / 38 - وفيه: أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النبى (صلى الله عليه وسلم) قَالَ: (إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَىَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ فَلا يَأْخُذْهَا). اختلف العلماء فى هذه المسألة، فذهب جمهور العلماء إلى أنه إن استحلف المدعى عليه، ثم أقام المدعى البينة قبلت بينته وقضى له بها على ما ذكر البخارى، عن شريح وطاوس والنخعى، وهو قول الثورى والكوفيين، والليث والشافعى، وأحمد وإسحاق، وقال مالك فى المدونة: إن استحلفه وهو لا يعلم بالبينة ثم علمها قضى له بها، وإن استحلفه ورضى بيمينه تاركًا لبينته وهى حاضرة أو غائبة فلا حق له إذا شهدت له. قاله مطرف، وابن الماجشون. وقال ابن أبى ليلى: لا تقبل بينته بعد استحلاف المدعى عليه. وبه قال أبو عبيد وأهل الظاهر. قال ابن المنذر: واحتج لابن أبى ليلى بعض الناس فقال: لما حكم النبى (صلى الله عليه وسلم) بالبينة على المدعى واليمين على المنكر كان المدعى لا يستحق المال بدعواه والمنكر لا يبرأ من حق المدعى بجحوده، فإذا أقام المدعى البينة أخذ المال، وإذا حلف المدعى عليه برئ، وإذا برئ فلا سبيل إليه. واحتج أهل المقالة الأولى بقوله (صلى الله عليه وسلم): (فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا فإنما أقطع له قطعة من النار) فدل هذا أن يمين المدعى عليه لا يسقط الحق، وقطعه لا يوجب له ملكه، فهو كالقاطع الطريق لا يملك ما قطعه، ألا ترى أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قد نهاه عن أخذه بقوله: (فلا يأخذه). وقد ذكر ابن حبيب أن عمر بن الخطاب تخاصم إليه يهودى ورجل من المسلمين، فقال عمر: بينتك. فقال: ما تحضرنى اليوم. فأحلف عمر المدعى عليه، ثم أتى اليهودى بعد ذلك بالبينة فقضى له عمر ببينته. وقال: البينة العادلة خير من اليمين الفاجرة. وروى أبو زيد عن ابن الماجشون فى اليمانية أنه يقضى له بالبينة، وإن كان عالمًا بها على قول عمر بن الخطاب. واختلف عن مالك، إذا أقام الطالب شاهدًا واحدًا، وأبى أن يحلف معه فحلف المطلوب، ثم وجد الطالب شاهدًا آخر هل يضيفه إلى الشاهد الأول أم لا؟ فروى ابن الماجشون عن مالك أنه يضيفه إلى الأول، وروى ابن كنانة عن مالك أنه لا يضيفه إلى الشاهد الأول، ورواه يحيى، عن ابن القاسم.

    - باب مَنْ أَمَرَ بِإِنْجَازِ الْوَعْدِ

    وَفَعَلَهُ الْحَسَنُ، وَذَكَرَ إِسْمَاعِيلَ: (إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ) [مريم: 54]، وَقَضَى ابْنُ الأشْوَعِ بِالْوَعْدِ، وَذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، وَقَالَ: الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ، سَمِعْتُ النَّبِىَّ (صلى الله عليه وسلم) وَذَكَرَ صِهْرًا لَهُ، قَالَ: وَعَدَنِى فَوَفَانِى. / 39 - فيه: ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو سُفْيَانَ أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لَهُ: سَأَلْتُكَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ، وَبالصِّدْقِ، وَالْعَفَافِ، وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَأَدَاءِ الأمَانَةِ، قَالَ: وَهَذِهِ صِفَةُ نَبِىٍّ. / 40 - وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النبى، (صلى الله عليه وسلم): آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ). / 41 - وفيه: جَابِرِ: لَمَّا مَاتَ النَّبِىُّ (صلى الله عليه وسلم)، جَاءَ أَبَا بَكْرٍ مَالٌ مِنْ قِبَلِ الْعَلاءِ بْنِ الْحَضْرَمِىِّ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى النَّبِىِّ (صلى الله عليه وسلم) دَيْنٌ أَوْ كَانَتْ لَهُ قِبَلَهُ عِدَةٌ، فَلْيَأْتِنَا، قَالَ جَابِرٌ: فَقُلْتُ: وَعَدَنِى رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) أَنْ يُعْطِيَنِى هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، فَبَسَطَ يَدَيْهِ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ جَابِرٌ: فَعَدَّ فِى يَدِى خَمْسَ مِائَةٍ، ثُمَّ خَمْسَ مِائَةٍ، ثُمَّ خَمْسَ مِائَةٍ. / 42 - وفيه: ابْنِ جُبَيْرٍ: سَأَلَنِى يَهُودِىٌّ: أَىَّ الأجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قُلْتُ: لا أَدْرِى، حَتَّى أَقْدَمَ عَلَى حَبْرِ الْعَرَبِ، فَأَسْأَلَهُ، فَقَدِمْتُ: فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: قَضَى أَكْثَرَهُمَا وَأَطْيَبَهُمَا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) إِذَا قَالَ فَعَلَ. قال المهلب: إنجاز الوعد مندوب إليه مأمور به، وليس بواجب فرضًا، والدليل على ذلك اتفاق الجميع على أن من وعد بشىء لم يضرب به مع الغرماء، ولا خلاف أن ذلك مستحسن، وقد أثنى الله على من صدق وعده، ووفى بنذره، وذلك من مكارم الأخلاق، ولما كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أولى الناس بها وأبدرهم إليها أدى عنه أبو بكر الصديق خليفته، وقام فيه مقامه، ولم يسأل أبو بكر جابرًا البينة على ما ادعاه على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من العدة، لأنه لم يكن شيئًا ادعاه جابر فى ذمة النبى (صلى الله عليه وسلم)، وإنما ادعى شيئًا فى بيت المال والفئ، وذلك موكول إلى اجتهاد الإمام، وقد تقدم اختلاف الفقهاء فيما يلزم من العدة، وما لا يلزم منها فى كتاب الهبات.

    - باب لا يُسْأَلُ أَهْلُ الشِّرْكِ عَنِ الشَّهَادَةِ وَغَيْرِهَا

    وَقَالَ الشَّعْبِىُّ: لا تَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْمِلَلِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ) [المائدة: 14]، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ (صلى الله عليه وسلم): لا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ وَ) قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلينا (الآيَةَ [البقرة: 136]. / 43 - وفيه: ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ، وَكِتَابُكُمِ الَّذِى أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّهِ (صلى الله عليه وسلم) أَحْدَثُ الأخْبَارِ بِاللَّهِ، تَقْرَءُونَهُ لَمْ يُشَبْ، وَقَدْ حَدَّثَكُمُ اللَّهُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ وَغَيَّرُوا بِأَيْدِيهِمُ الْكِتَابَ، وَقَالُوا: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا) [البقرة: 79] أَفَلا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنَ الْعِلْمِ عَنْ مُسَاءَلَتِهِمْ؟، وَلا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلا قَطُّ يَسْأَلُكُمْ عَنِ الَّذِى أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ.

    اختلف العلماء فى هذا الباب فقالت طائفة: لا تجوز شهادة أهل الكفر بعضهم على بعض ولا على مسلم. روى ذلك عن الحسن البصرى، وهو قول مالك والشافعى وأحمد وأبى ثور. وقالت طائفة: تقبل على المشركين وإن اختلفت مللهم، ولا تقبل على المسلمين. روى هذا عن شريح وعمر بن عبد العزيز، وهو قول أبى حنيفة والثورى وقالوا: الكفر كله ملة واحدة. وقال ابن أبى ليلى والحكم وعطاء: تجوز شهادة أهل كل ملة بعضهم على بعض، ولا تجوز على ملة غيرها، وهو قول الليث وإسحاق، للعداوة التى بينهم، وقد ذكر الله فى كتابه فقال: (فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء) [المائدة: 14]. وقال ابن شعبان: أجمع العلماء أنه لا تجوز شهادة العدو على عدوّه فى شىء، وإن كان عدلا، والعداوة تزيل العدالة فكيف بعداوة كافر؟ واحتج الكوفيون بما رواه مالك، عن نافع، عن ابن عمر: (أن اليهود جاءوا إلى النبى (صلى الله عليه وسلم) برجل منهم وامرأة زنيا فأمر النبى (صلى الله عليه وسلم) برجمهما). واحتج من لم يجزها فقال: لا حجة لكم فى هذا الحديث؛ لأنكم لا تقولون به ولا نحن؛ لأن عندنا وعندكم أن من شروط الرجم الإسلام، وقد روى أن اليهوديين اعترفا بالزنا فرجمهما بإقرارهما لا بالشهادة. قال المهلب: وحجة من لم يجز شهادتهم على كافر ولا على مسلم أن الله وصفهم بالكذب عليه وعلى كتابه، واتفق العلماء أن الكاذبين على الناس لا تقبل شهادتهم، فالكذب على الله أعظم فهو أولى برد شهادتهم. قال ابن القصار: وأيضًا فإن المسلم الفاسق لا تقبل شهادته، والكافر أفسق، فلا يجوز قبوله على فاسق مثله ولا على مطيع. فإن قيل: فقد أجازت طائفة من السلف شهادتهم على المسلم فى الوصية فى السفر للضرورة، روى ذلك عن شريح والنخعى، وبه قال الأوزاعى، وقال ابن عباس فى تأويل قوله: (أو آخران من غيركم) [المائدة: 106]: من غير المسلمين. قيل: قد قال الحسن البصرى: (أو آخران من غيركم) [المائدة: 106]: من غير قومكم من أهل الملة. واتفق مالك والكوفيون والشافعى على أنهم لا تجوز شهادتهم فى الوصية فى حضر ولا سفر، والآية عندهم منسوخة، فلم يلزمهم تأويل ابن عباس؛ لأجل من خالفه من العلماء، وقد شرط الله قبول العدول فى الشهادة بقوله: (ممن ترضون من الشهداء) [البقرة: 282]، وقال تعالى: (وأشهدوا ذوى عدل منكم) [الطلاق: 2]. قال المهلب: وقوله (صلى الله عليه وسلم): (لا تصدقوا أهل الكتاب) حجة لمن لم يجز شهادتهم. وقوله: (ولا تكذبوهم) يعنى: فيما ادعوا من الكتاب ومن أخبارهم؛ مما يمكن أن يكون صدقًا أو كذبًا؛ لإخبار الله تعالى عنهم أنهم بدلوا الكتاب ليشتروا به ثمنًا قليلا، ومن كذب على الله فهو أحرى بالكذب فى سائر حديثه.

    وسأل بعض علماء النصارى محمد بن وضاح فقال: ما بال كتابكم معشر المسلمين لا زيادة فيه ولا نقصان وكتابنا بخلاف ذلك؟ فقال له: لأن الله وكل حفظ كتابكم إليكم فقال: (بما استحفظوا من كتاب الله) [المائدة: 44] فما وكله إلى المخلوقين دخله الخرم والنقصان، وقال فى القرآن: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) [الحجر: 9] فتولى الله حفظه فلا سبيل إلى الزيادة فيه ولا إلى النقصان.

    - باب الْقُرْعَةِ فِى الْمُشْكِلاتِ

    وَقَوْلِهِ تَعَالَى: (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) [آل عمران: 44]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اقْتَرَعُوا فَجَرَتِ الأقْلامُ مَعَ الْجِرْيَةِ، وَعَالَ قَلَمُ زَكَرِيَّاءَ الْجِرْيَةَ، فَكَفَلَهَا زكَرِيَّاءُ وَقَوْلِهِ: (فَسَاهَمَ) [الصافات: 141] أَقْرَعَ) فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (مِنَ الْمَسْهُومِينَ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَرَضَ النَّبِىُّ (صلى الله عليه وسلم) عَلَى قَوْمٍ الْيَمِينَ، فَأَسْرَعُوا، فَأَمَرَ أَنْ يُسْهِمَ بَيْنَهُمْ أَيُّهُمْ يَحْلِفُ. / 44 - فيه: النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ: قَالَ النَّبِىُّ (صلى الله عليه وسلم): (مَثَلُ الْمُدْهِنِ فِى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا، مَثَلُ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا سَفِينَةً، فَصَارَ بَعْضُهُمْ فِى أَسْفَلِهَا وَصَارَ بَعْضُهُمْ فِى أَعْلاهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِى أَسْفَلِهَا يَمُرُّونَ بِالْمَاءِ عَلَى الَّذِينَ فِى أَعْلاهَا، فَتَأَذَّوْا بِهِ، فَأَخَذَوا فَأْسًا، فَجَعَلَ يَنْقُرُ أَسْفَلَ السَّفِينَةِ، فَأَتَوْهُ، فَقَالُوا مَا لَكَ؟ قَالَ: تَأَذَّيْتُمْ بِى، وَلا بُدَّ لِى مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَنْجَوْهُ وَنَجَّوْا أَنْفُسَهُمْ، وَإِنْ تَرَكُوهُ أَهْلَكُوهُ، وَأَهْلَكُوا أَنْفُسَهُمْ).

    / 45 - وفيه: أُمَّ الْعَلاءِ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ طَارَ لَهُمْ سَهْمُهُ فِى السُّكْنَى حِينَ أَقْرَعَتِ الأنْصَارُ

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1