Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

قراءة أسلوبية في شعر أبي العتاهية
قراءة أسلوبية في شعر أبي العتاهية
قراءة أسلوبية في شعر أبي العتاهية
Ebook669 pages5 hours

قراءة أسلوبية في شعر أبي العتاهية

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يعد كتاب "قراءة أسلوبية في شعر أبي العتاهية" للأستاذ الدكتور حامد أيوب، إحدى المصادر المهمة في فهم وتحليل شعر أبي العتاهية، الذي يُعتبر واحدًا من أبرز شعراء العصر العباسي. يقدم هذا الكتاب قراءة متعمقة للغة وتراكيب شعر أبي العتاهية اللغوية، حيث يناقش الأساليب المستخدمة في الحذف والإضافة وترتيب الجمل في الأبيات الشعرية.

يبدأ الكتاب بتقديم نبذة عن حياة وإنجازات أبي العتاهية، ويسلط الضوء على دوره في تطوير الشعر العربي وإثراء الأدب العربي بأسلوبه الفريد وابتكاراته الشعرية. ثم ينتقل الكتاب إلى تحليل أسلوب أبي العتاهية في استخدام الحذف والإضافة في قصائده.

يعتبر استخدام أبي العتاهية للحذف والإضافة من الأساليب الأساسية في شعره، حيث يقوم بحذف بعض الكلمات أو الأحرف من الجملة الأصلية لإيجاد التوازن والإيقاع المناسب في البيت الشعري. كما يقوم بإضافة بعض الكلمات أو الأحرف لتعزيز المعنى أو لتحقيق النغمة الموسيقية المرغوبة. ويتناول الكتاب أمثلة توضيحية لهذه الأساليب في قصائيات أبي العتاهية.

بالإضافة إلى ذلك، يعمق الكتاب في تحليل ترتيب الجمل في الأبيات الشعرية لأبي العتاهية. ففي شعره، يتمتع أبو العتاهية بقدرة فائقة في ترتيب الكلمات والجمل بطريقة تخلق توازنًا وجمالًا فائقًا في الشعر. يستعرض الكتاب أمثلة لتلك الجمل المتقنة ويقدم تحليلًا وافيًا لتأثيرها على البناء الشعري وتفاعلها مع المعنى.

يعتبر هذا الكتاب إضافة قيمة لدراسة الشعر العربي، وخاصة شعر أبي العتاهية. فهو يقدم قراءة متعمقة وشاملة لأسلوبه الأدبي ويساهم في فهم أعماله بطريقة أكثر نقدية وتحليلية. يمكن للقراء والباحثين في الأدب العربي الاستفادة من هذا الكتاب في توسير البحث والدراسة في شعر أبي العتاهية، وفهم أساليبه وتقنياته الشعرية.

باختصار، يعد كتاب "قراءة أسلوبية في شعر أبي العتاهية" للأستاذ الدكتور حامد أيوب مرجعًا هامًا لفهم وتحليل شعر أبي العتاهية. يقدم الكتاب قراءة متعمقة للغة وتراكيب الشعر اللغوية لأبي العتاهية، مع التركيز على أساليب الحذف والإضافة وترتيب الجمل في الأبيات الشعرية. يوفر الكتاب أمثلة توضيحية وتحليلًا شاملاً لأعمال أبي العتاهية، مما يساهم في تعميق فهمنا لأسلوبه الأدبي وتقنياته الشعرية.

Languageالعربية
PublisherKinzy
Release dateSep 15, 2023
ISBN9798223532842
قراءة أسلوبية في شعر أبي العتاهية
Author

أ.د : حامد أيوب

Dr. Hamed Mohammed Abdelaziz Ayoub is a renowned professor specializing in Arabic grammar, morphology, and prosody. He served as a professor of Arabic grammar, morphology, and prosody at the Department of Arabic Language, Faculty of Arts, Al-Jouf University. He was also the Editor-in-Chief of Al-Jouf University Journal of Humanities and the Linguistic Advisor to the Vice President of Al-Jouf University. Educational Qualifications: - Bachelor's degree in Arabic Language and Islamic Sciences from Dar Al-Uloom College, Cairo University in 1997. - Master's degree in Arabic grammar, morphology, and prosody from Dar Al-Uloom College, Cairo University in 2002, with an excellent grade. - PhD in Arabic grammar, morphology, and prosody from Dar Al-Uloom College, Cairo University in 2006, with honors. - Assistant Professor (Associate) of Arabic grammar, morphology, and prosody, promoted by the Scientific Committee for the Promotion of Assistant Professors at the Supreme Council of Egyptian Universities on March 28, 2015. - Associate Professor of Arabic grammar, morphology, and prosody, appointed by the Council of Al-Jouf University on April 2, 2015. - Professor of Arabic grammar, morphology, and prosody, promoted by the Scientific Committee for the Promotion of Professors at the Supreme Council of Egyptian Universities on January 29, 2022, with an average score of 93.42%. Each of the seven research papers submitted for promotion received a rating of very good.

Read more from أ.د : حامد أيوب

Related to قراءة أسلوبية في شعر أبي العتاهية

Related ebooks

Reviews for قراءة أسلوبية في شعر أبي العتاهية

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    قراءة أسلوبية في شعر أبي العتاهية - أ.د : حامد أيوب

    شكر وتقدير

    أتقدم بخالص الشكر والتقدير التامين الكاملين للعالم الجليل أستاذي

    الأستاذ الدكتور : أحمد محمد عبدالعزيز كشك 

    فقد كان لي  المعلم الرائد والمثال النبيل للخير  ، فجزاه الله عني وعن طلاب العلم خير الجزاء كما أتقدم بجزيل الشكر والتقدير للعالم الجليل الأستاذ الدكتور محمد حماسة عبداللطيف ؛ لأنه صاحب هذا العنوان المقترح للكتاب الذي بين أيدي القراء .

    الإهداء

    ––––––––

    إلى روح والدي رحمهما الله، وفاء قر في قلبي.

    المقـــــــــــــــــــــــدمـــــة

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، وبعد

    فقد جاء هذا الكتاب بعنوان:

    (قراءة أسلوبية في شعر أبي العتاهية )

    وسعيت من خلاله إلى تحقيق بعض الأهداف منها : 

    1-  تعميق الفهم النحوي الدلالي للغتنا، فالعلاقة قائمة على أساس من التمازج بين العناصر النحوية و العناصر الدلالية، من هنا جاءت هذه الدراسة لتستوعب شعر أبي العتاهية بالتحليل النحوي الدلالي.

    2- دراسة بناء الجملة عند أبي العتاهية من خلال قصائده في ديوانه، وبيان حركة الجملة لديه من تقديم و تأخير، وذكر و حذف و ربط إلى آخر ما يظهر خصوصية استخدام الجملة لدى هذا الشاعر، خاصة أن للشعر لغته الخاصة المتوقدة بمجريات الانتقاء والاختيار، والاعتماد على بناء الجملة الشعرية في دراسة النص وتفسيره لا محيد عنه، ولا بديل له لمن يريد أن يقدم دراسة نصية مقنعة كما يقول الأستاذ الدكتور محمد حماسة في كتابه بناء الجملة العربية([1])، إضافة إلى أن فهم أي نص و تحليله لابد من فهم بنائه النحوي على مستوى الجملة أولا وعلى مستوى النص كله ثانيا. ([2])

    3- إثبات أن النحو يعد أفضل المداخل لتفسير الشعر والوقوف على معطياته؛ لأنه

    كما يقول الأستاذ الدكتور محمد حماسة : يتيح حرية في التطبيق تتوازى مع حرية الشعر نفسه في الإبداع. ([3])

    4- الإسهام في تأصيل الدرس اللغوى الحديث وإثبات وجوده في العربية، للخروج ببعض السمات التعبيرية للغة والتى يمكن أن تعمم بتضافر كثير من الدراسات على فترة ما.

    و كانت وسيلتي لكي أحقق هذه الغاية قائمة على شرح ديوان أبي العتاهية طبعة دار الكتب العلمية لسنة 1405هـ - 1985م ؛لأن النص موثوق بها ، وقد بلغ عدد أبيات الديوان أربعة آلاف ومائة  وستة وثمانين بيتاً.

    وقد جاء الكتاب في : مقدمة، وتمهيد،  وأربعة فصول، وخاتمة، وثبت بالمصادر، والمراجع، ثم الفهرست العام لمحتوى الكتاب.

    أما عن التمهيد فقد جاء في  ثلاثة مباحث :

    المبحث الأول : أبو العتاهية.

    المبحث الثاني بعنوان : ( لغة الشعر)

    وتناولت من خلاله الحديث عن لغة الشعر بوصفها لغة إبداعية متوقدة دائما بمجريات الانتقاء والاختيار، وإشارات النحاة الأوائل إلى ذلك كسيبويه وابن جني وعبد القاهر الجرجاني، ثم الحديث عن فكرة الضرورة في الشعر، و أنها أمر يجب طرحه جانبا ، واختتمت المبحث بتعليق على لغة الشعر.

    أما المبحث الثالث فيختص بــ  ( العلاقة بين النحو والدلالة تنظير وتطبيق )، و قد تناولت فيه العلاقة بين النحو و الدلالة باعتبار أن النحو أى التركيب طريق إبداعى آخر موصول بحبل الدلالة التى تمثل المطلب الأخير البادى في ثوب فنى يحقق الجمال و المتعة و الإثارة ([4]) .على حد تعبير الأستاذ الدكتور أحمد كشك  وموقف النحاة من هذا التمازج كسيبويه وابن جني و عبد القاهر و ابن مالك و العلوي ، و ظهور هذا التمازج عند التوليديين، و اختتمت المبحث بدراسة تطبيقية على مقطوعة شعرية لأبي العتاهية؛ لنقف على أهمية النحو في تفسير النص الشعري ، ثم تعليق على ما سبق عرضه.

    أما عن الفصول الأربعة ، فهى :

    الفصل الأول :- ( الحذف و علاقته بالدلالة في شعر أبي العتاهية )

    ويتناول هذا الفصل الحذف التركيبي في شعر أبي العتاهية باعتباره واحداً من القضايا التركيبية التى تدخل بناء الجملة مؤثرة في دلالتها و كونه عدولاً عما هو مألوف من طرق التعبير سواء أكان الحذف حذف أسماء أم كان حذف أفعال أم  كان حذف حروف، لذا قمت بتقسيم هذا الفصل إلى أربعة مباحث:

    المبحث الأول :- (مفهوم الحذف عند القدامى والمحدثين)، و تناولت فيه الحذف في اللغة و الاصطلاح ، و الحذف عند القدماء العرب ، و الحذف عند التوليديين التحويليين ، ثم الحذف عند علماء النص .

    المبحث الثاني : ( حذف الأسماء )، و تناولت فيه حذف المبتدأ في الجملة الاسمية المجردة و الجملة الاسمية المنسوخة ، و حذف الخبر في الجملة الاسمية المجردة و المنسوخة ، وحذف الفاعل وجوباً و جوازاً ، وحذف المفعول به اقتصاراً و اختصاراً، وحذف المضاف و المضاف إليه و الموصوف و الصفة والمعطوف و الحال و التمييز.

    المبحث الثالث : و قد جاء بعنوان ( حذف الأفعال ) ، و تناولت من خلاله حذف الفعل جوازاً ، و الإشارة إلى حذف الفعل وجوباً.

    المبحث الرابع :( حذف الحروف ) و تناولت فيه حذف الحروف قياساً وسماعاً ، ثم اختتمت الفصل بتعليق على أنواع الحذف في شعر أبي العتاهية .

    وتناولت في الفصل الثاني :( الزيادة وعلاقتها بالدلالة في شعر أبي العتاهية )،

    و قسمته إلى ثلاثة مباحث:-

    المبحث الأول :-  بعنوان ( الإطار النظري للزيادة ) و يشمل تعريف الزيادة وأقسامها ، والزيادة  بين القدماء و المحدثين

    المبحث الثاني : - زيادة كان.

    المبحث الثالث:- زيادة الحروف.

    وانتهى الفصل بالحديث عن سمات الزيادة في شعر أبي العتاهية.

    الفصل الثالث :- ( الرتبة وعلاقتها بالدلالة في شعر أبي العتاهية) و قمت بتقسيمه إلى

    أربعة مباحث :

    المبحث الأول :- الإطار النظري للرتبة.

    المبحث الثاني :- إعادة الترتيب في الجملة الاسمية.

    المبحث الثالث :- إعادة الترتيب في الجملة الفعلية .

    المبحث الرابع :- إعادة الترتيب باستخدام الفصل.

    واختتمت الفصل بالحديث عن أهم سمات الرتبة و علاقتها بالدلالة في شعر أبي العتاهية .

    الفصل الرابع :- (العلامة الإعرابية وعلاقتها بالدلالة في شعر أبي العتاهية)، و قد جاء في

    مبحثين :-

    المبحث الأول:- الترخص في العلامة الإعرابية و علاقته بالدلالة.

    المبحث الثاني :- تعدد وجوه الإعراب و علاقته بالدلالة .

    واختتمت الفصل بالحديث عن أهم سمات العلامة الإعرابية و علاقتها بالدلالة في شعر أبي العتاهية

    أما الخاتمة  فقد تضمنت عرضا لأهم النتائج التى توصل إليها المؤلف.

    وأما المصادر و المراجع، فقد تنوعت بين القديم و الحديث بالإضافة إلى المراجع الأجنبية إن اقتضى الأمر ذلك ،  فالعلم بنيان يبنى لاحقه بسابقه ، لذلك فقد كان جل الاعتماد في المقام الأول على المصادر القديمة مثل الكتاب لسيبويه و المقتضب للمبرد و الخصائص لابن جني و مغنى اللبيب لابن هشام، وشرح المفصل لابن يعيش و الهمع للسيوطى، و دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني، و غير ذلك ، أما عن المراجع الحديثة فمنها مؤلفات

    الأستاذ الدكتور أحمد كشك، والأستاذ الدكتور/ محمد حماسة ،والأستاذ الدكتورإبراهيم أنيس، والأستاذ الدكتورمحمد عبد المطلب، والأستاذ الدكتورعلي عشري، والأستاذ الدكتور محمد خطابي ، والأستاذ الدكتور طاهر حمودة ، والأستاذ الدكتور محمود سليمان ياقوت وغير ذلك من المؤلفات على نحو ما هو مبين في ثنايا الكتاب.

    أما عن منهج المؤلف لهذه الدراسة، فإنه منهج وصفي استقرائي تطبيقي يقوم على استقراء المادة اللغوية ، ثم تناولها بالدراسة اللغوية المتصلة بالتراكيب النحوية من خلال التقسيم و التجريد و الملاحظة و الوصف و التحليل ، وذلك بعرض أنماط الجمل الممثل بها و أنواعها ، و علاقتها بغيرها ، و الكشف عن طاقتها التعبيرية في شعر أبي العتاهية إضافة إلى الاستعانة بآلات البحث التراثية و الحديثة .

    والله أسأل أن يتقبل هذا العمل وأن يجعله في ميزان حسناتي، وأن يثيب عليه أستاذي الجليل الأستاذ الدكتور/ أحمد كشك ، وأرجوه سبحانه أن يبلغني بنيتي ما قصر عنه عملي وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

    وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

    " وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب

    التمهيد

    ويتضمن عدة مباحث:

    1-  أبو العتاهية

    2-  لغة الشعر

    3-  العلاقة بين النحو والدلالة تنظير وتطبيق

    المبحث الأول: أبـــــــــــــــــو العــــــــــــتاهيـــة

    من أبو العتاهية ؟

    أبو العتاهية لقب غلب عليه. واسمه إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان ، مولى عنزه ، وكنيته أبو إسحاق. وأمه أم زيد بنت زياد المحاربى مولى بنى زهرة. ([5])

    أما سبب كنيته بأبي العتاهية ففيه قولان أحدهما أن الخليفة المهدى قال يوما له: أنت إنسان متحذلق معته فاستوت له من ذلك كنية غلبت عليه دون اسمه وكنيته وسارت له في الناس. ([6])

    والقول الثاني لمحمد بن يحيى قال: كُنى بأبي العتاهية أن كان يحب الشهرة والمجون والتعته.  ([7])

    وأبو العتاهية شاعر كوفي عريق في كوفيته ([8](. بلدة الكوفة وبلد آبائه، وبها مولده ومنشؤه وباديته ([9]). وهو من الموالى ولاؤه من قِبل أبيه لعنزة، ومن قِبل أمه لبنى زُهرة ([10]). والظاهر أنه من الأنباط فقد كان جده الثاني من كيسان من أهل عين التمر ([11])، وهى بلدة قريبة من الأنبار غربى الكوفة بقربها موضع يقال له شفاثا ([12]).

    وفي أخبار أبي العتاهية ما يدل على أنه يكره أن يُنسب إلى الأنباط لأنهم كانوا يمثلون طبقة اجتماعية مُتدنية المنزلة في مجتمع الكوفة. ذى الطبقة العربية الأرستقراطية، وطبقة الموالى التى تليها في الرتبة والمكانة ([13]). فيذكر أبو الفرج الأصفهانى ما يدل على ذلك فيقول: قال: لم أر قط مندل بن على العنزى وأخاه حيان بن على غضبا من شىء قط إلا يوما واحدا دخل عليهما أبو العتاهية وهو مضمخ بالدماء.. فقالا له: ويحك! ما بالك ؟ فقال لهما: من أنا؟ فقالا له: أنت أخونا وابن عمنا ومولانا. فقال: إن فلاناً الجزار قتلنى وضربنى وزعم أنى نبطى([14])، فإن كنت نبطياً هربت على وجهى وإلا فقوما فخذا لى بحقى. فقام معه مندل بن على وما تعلق نعله ([15]) غضبا ؛ وقال له: والله لوكان حقك على عيسى بن موسى لأخذته لك منه، ومر معه حافياً حتى أخذ له بحقه ([16]).

    ولعل هذا الوضع الاجتماعى المتدنى للأنباط هو الذى كان يجعل أبا العتاهية يألم من الانتساب إليهم في عصر كانت الطبقة الاجتماعية فيه حادة الدلالة قاسية المعنى ([17]).

    وقد ولد أبو العتاهية في سنة ثلاثين ومائة ([18]) في الوقت الذى شهد نهاية الدولة الأموية وميلاد الدولة العباسية فرأى بعينيه الصغيرتين دماء تسيل، ورؤوسا تتساقط، وأرواحاً تنتزع وأشلاء تتناثر، وريح الموت والفناء تفوح في كل مكان. وانطبعت هذه الصورة القاتمة للحياة في نفسه الصغيرة.([19])

    وزاد من إحساس أبي العتاهية بالضياع انه نشأ في أسرة فقيرة. مغموراً. فكان أبو العتاهية وأهله يعملون الجرار الخضر ([20])، ثم كان يبيع الفخار بالكوفة .([21])

    وأبو العتاهية كما تدل أوصافهكان قضيفا([22])،أبيض اللون، أسود الشعر، له وفرة جعدة ([23])،وهيئة حسنة ([24])فنزعت به نفسه إلى اللهو والمجون، فماذا يصنع؟! إنه لم يجد أمامه إلا أن ينخرط في جماعة المخنثين. وبذلك كُتب عليه أن يكون سييء السيرة في مطالع حياته . ([25])

    ومرت به في حداثته تجربة نفسية كانت لها أعمق الأثر في حياته وفنه بعد ذلك، فقد تعلق قلبه. بامرأة نائحة من أهل الحيرة لها حُسن وجمال يقال لها سُعدى، وكان عبد الله بن معن بن زائدة المكنى بأبي الفضل يهواها أيضا وكانت مولاة لهم . ([26])

    فهذه المرأة قد أثرت في شاعرنا أعمق الأثر، فزادت من سواد الدنيا وأحزانها، فهى لم تغن غناء يبعث الأمل ويجدد الحياة بل كانت تنوح ، وليس من شك من أن نفسه المتفتحة قد تأثرت بما كانت تنوح به صاحبته من شعر يصور قصة الحياة الفانية ويرسم صورة حزينةللمصير المحتوم. ومن يدرى فلعله هو نفسه قد نظم لها شعراً تنوح به ([27])

    إضافة إلى هذا أن الحب كانت نهايته مفجعة لأبي العتاهية، فقد تخلت سعدى عنه بعدما زادت من جراحه جرحا ، مما اضطره إلى أن يهجوها هجاء شنيعاً، واتهمها بالنساء ([28]) ويبدو أن هذا الهجاء كان رد فعل لهذا الجرح الذى سببته سعدى.

    ماذا قيل عن شعره؟:

    كان أبو العتاهية كما تدل الأخبار وتشهد النصوص شاعراً قديراً بطبعه، فقد وصفه الجاحظ بأنه أحد المطبوعين على الشعر حين قال: والمطبوعون على الشعر من المولدين بشار العقيلى, والسيد الحميرى، وأبو العتاهية ([29])، وذكر ابن قتيبة أنه كان أحد المطبوعين, وممن يكاد يكون كلامه كله شعرا([30])، وهو ما نجده عند ابن المعتز ([31])، وقال عنه البغدادى: إن أحداً لم يجتمع له ديوانه إلى شعر الزهد وطريقة الوعظ،، فأحسن القول فيه وجود و أربى على كل من ذهب ذلك المذهب، وأكثر شعره، حكم وأمثال، بكماله لعظمه وكان يقول في الغزل والمديح والهجاء قديما ثم تنسك وعدل عن ذلك إلى شعر الزهد وطريقة الوعظ،، فأحسن القول فيه وجود و أربى على كل من ذهب ذلك المذهب، وأكثر شعره، حكم وأمثال، وكان سهل القول ، قريب المأخذ، بعيداً عن التكلف ، متقدماً في الطبع ([32])، وقال عنه صاحب الأغانى: أطبع الناس بشار والسيد وأبو العتاهية. وما قدر أحد على جمع شعر هؤلاء الثلاثة لكثرته. وكان غزير البحر، لطيف المعانى، سهل الألفاظ، ، كثير الافتنان ، قليل التكلف إلا أنه كثير الساقط المرذول مع ذلك ([33])، وقال عنه مصعب بن عبد الله أبو العتاهية أشعر الناس ([34])، ووصفه سلم الخاسر بأنه أشعر الجن والإنس ([35]) ، وقال عنه ابن الأعرابي: ما رأيت شاعراً قط أطبع ولا أقدر على بيت منه ، وما أحسب إلا ضرباً من السحر ([36])، وقال أبو نواس: لست أشعر الناس وهو حي يعنى أبا العتاهية ([37])، وقد كان أبو العتاهية نفسه يشعر بهذه المقدرة فكان يقول عن نفسه: ما أردته قط إلا مثل لى ، فأقول ما أريد وأترك مالا أريد ([38])، وقد وصل شعوره بهذه المقدرة إلى أن يقول: لو شئت أن أجعل كلامى كله شعرا لفعلت.([39])

    إذن فالأمر الذى لا مرية فيه أن أبا العتاهية شاعر قدير بطبعه، وإذا كان هناك من حاول أن يهون من شأن هذه المقدرة ويرجعها إلى كثرة ركوبه القوافي السهلة، فإنه عند ما عرض عليه أن يقول في القوافي الصعبة لم تخنه قريحته وقال من ساعته. ([40])

    - التجديد في الأوزان والقوافي:

    إضافة إلى العديد من السمات الفنية التى امتاز بها شعر أبي العتاهية ([41]) ، فإن مقدرته الشعرية قد منحته قدراً كبيراً من القدرة على التجديد في أوزان الشعر العربى وقوافيه ، فها هو ابن قتيبة يقول عنه: وكان لسرعته وسهولة الشعر عليه ربما قال شعراً موزوناً يخرج به عن أعاريض الشعر وأوزان العرب ([42])، ويقول ابن المعتز: كان أبو العتاهية ، لسهولة شعره وجودة طبعه فيه، ربما قال موزوناً ليس من الأعاريض المعروفة، وكان يلعب بالشعر لعباً، ويأخذ كيف يشاء([43]) ويقول عنه ابنه محمد: وله أوزان لا تدخل في العروض0([44]), ويقول أبو الفرج: وله أوزان طريفه قالها مما لم يتقدمه الأوائل فيها ([45])، وقد سُئل أبو العتاهية: هل تعرف العروض؟ فقال أنا أكبر من العروض. ([46])

    وقد فسر الأستاذ الدكتور/ يوسف خليف سر هذه الظاهرة حين قال: فهى ظاهرة ترجع- كما قلنا- إلى ثقته بأذنه الموسيقية ([47])، فأبو العتاهية قد وثق بمقدارته الشعرية وأذنه الموسيقية ، فيقول صاحب طبقات الشعراء:" جلس أبو العتاهية يوما إلى قصار فسمع صوت الكدين ([48]) فقال باقتداره شعرا على إيقاعه، منه هذا البيت:

    كأنه نظرا إلى القصار أخذ ثوبا بعد ثوب ،  فشبهه بأخذ الموت إنسانا بعد إنسان ، وأخذ الوزن من وقع الكدين". ([49] )

    أى أن الأذن الموسيقية لأبي العتاهية جعلته يحاكى صوت الطبيعة ،  فيأتى بأوزان لم يعرفها الخليل بن أحمد ، ومن أمثلة خروجه على العروض قوله:

    فوزنه. فعلن أربع مرات ،  وقد قال قوم: العرب لم تقل على وزن هذا شعرا، ولا ذكره الخليل ولا غيره من العروضين".  ([50])

    والحق أن للخليل أبياتا على  المتدارك للتمثيل، وهو إن لم يذكر المتدارك فهو معكوس المتقارب لديه. وقد استدركه الأخفش الأوسط على الخليل بن أحمد .

    وعلى النحو ما جدد أبو العتاهية في الأوزان جدد في القوافي كما في أرجوزته المزدوجة ، وهى التى تكون القافية فيه لا تطرد في الأبيات بل تختلف من بيت إلى بيت ، وحدود المزدوج أن يؤتى ببيتين من مشطور أي بحر مقفيين،  وبعدهما غيرهما بقافية أخرى وهكذا.([51])

    وقد سمى أبو العتاهية هذه الأرجوزة بذات المثال" وهذه الأرجوزة من بدائع أبي العتاهية، ويقال: إن له فيها أربعة آلاف مثل. منها قوله:-

    وقد عُرِف في العصر العباسى نوع من الشعر يسمى الرباعيات كان رد فعل لشيوع المزدوج، وهو يتألف من أربعة شطور، يتفق أولها ورابعها في قافية واحدة ، أما الشطر الثالث فقد يتخذ نفس القافية وقد لا يتخذها.([53])

    وكان أبو العتاهية يكثر من النظم في هذا الضرب في غزله وزهده كقوله:" في الموت

    وقد كان أبو العتاهية يبنى قوافيه على تاء التأنيث الساكنة أو واو الجماعة ، وهما حرفان يندر ظهورهما في القوافي العربية ([55])  ،  ومن أمثلة ذلك قوله:

    من هنا نرى أن ميل أبي العتاهية إلى التجديد سواء أكان في الوزن أم القافية كان مبعثه ثقته بمقدرته الشعرية وأذنه الموسيقية، فقد كان يرى دائما أنه أكبر من العروض، وأنه قادر على أن يصوغ كل كلامه شعراً.

    وفاته:-

    قيل إن أبا العتاهية توفي سنة ثلاث عشرة ومائتين ، أو سنة إحدى عشرة ومائتين، ودفن حيال قنطرة الزياتين في الجانب الغربى ببغداد.([60])

    المبحــــــــــث الثاني : لغـــــــــــــــــــــة الشعــــــــــــر

    الشعر  فن العربية الأول حظى باهتمام كبير، فكان سجلا حافلاً لأيام العرب وموضع فخرها، امتاز بقدرته على إمتاع  النفس، فهو إكسير الحياة إنه طائر الخيال  الجميل الذى لا يقدم  لك الواقع مباشرة... لكنه  يحتال على هذا الواقع بفن( الإيهام) المبنى على الرمز  والمجاز. فيضع الصورة مكان الحقيقة  الحرفية ويجمع في بؤرة واحدة  الحقيقة المصورة التى تتسع لما هو كائن ، بالإضافة إلى ما كان وما يمكن أن يكون. ([61])

    فالشعر إبداع وتتسم حركته الإبداعية بأنها دائماً متوقدة بمجريات الانتقاء والاختيار، فإذا كانت اللغة هي المادة الأساسية للأديب، فإن الشاعر له لغته الخاصة التى يمكن أن نطلق عليهما لغة الشعر لأنها لغة إبداعية فهو يستخدم  ما يعرفونه بطريقة تختلف عن الطريقة التى يعرفون فيتولد منها  ما يدهش ويوقف على سر جديد من أسرار الروح الإنسانى الغامض ،  والحياة الإنسانية الولود ، ويكشف جانباً من جوانب  هذين العالمين الروح والحياة.

    إنهم يعنون بذلك أن لغة الشعر تختلف في أسلوبها عن لغة الكلام العادي بما تكون عليه وبما تثيره فينا".  ([62])

    ففي لغة اشعر يستهلك المضمون الشعري ويفنى في البناء اللغوى الذى يتضمنه بحيث يستحيل الفصل بينهما ، فالمشاعر  والأحاسيس والأفكار، وكل العناصر الشعورية والذهنية ، تتحول في الشعر إلى عناصر لغوية ، بحيث إذا تقوض البناء اللغوى في الشعر تقوض معه الكيان النفسي والشعورى المتضمن فيه ".([63])

    ولقد حاول النحاة من قديم أن يضعوا بين أيدينا حقيقة هذه اللغة الشعرية وتميزها

    فهاهو سيبويه يعقد  في كتابه الرائد بابا سماه هذا باب ما يحتمل الشعر ([64]) ليفرق منذ اللحظة الأولى بين الشعر وغيره من الأجناس الأدبية وليعلن عن تميزه  ، فهو يحتمل ما لا  يحتمله غيره.

    وقد بدأ سيبويه بمبدأ عام هو قوله: اعلم أنه يجوز في الشعر ما لا يجوز في الكلام من صرف ما لا ينصرف يشبهونه  بما ينصرف من الأسماء  ، لأنها أسماء ،  كما أنها أسماء وحذف ما لا يحذف يشبهونه بما قد حذف واستعمل محذوفا ([65]ً).

    وقد ختم هذا الباب بمبدأ عام كذلك هو قوله:- وليس شي ء  يضطرون إليه إلا وهم يحاولون به  وجها ([66])  أى أن ما يرد في الشعر محكوم  بقوانين لغوية خاصة تسمح به، وتجيزه في هذا المستوى  من مستويات الكلام ، وليس شيئاً يلجئهم إليه الوزن وتضطرهم نحوه القافية ، أو أن هذه الأمور الجائزة متروكة لعبت العابثين ، ولغو اللاغين، بل إنها خصائص خاصة، يجيزها النظام اللغوى في هذا الضرب المخصوص من الكلام ، ولها وجه يطلب ، ومعنى يراد([67]).

    أو كما يقول الأستاذ الدكتور محمد عبد المطلب وبرغم ما نراه في هذا المقياس من موضوعية نجد خلطا- من خلاله – بين مستويات اللغة دون تحديد لمستوى الأداء في الشعر وما يتميز به من خصائص تركيبية حتى يمكننا القول إن الضرورات الشعرية   التى كثر الحديث عنها ليست سوى خاصية تركيبية في الأداء الشعري ([68]).

    إذن فلغة  الشعر تختلف بخصوصيتها عن لغة النثر، فالشاعر يستخدم اللغة استخداماً مخالفاً لما هو معهود في النثر، أو كما يرى الأستاذ الدكتور/ أحمد كشك: تعد اللغة في بنيان الشعر قيمة إيقاعية ومعنوية تمنح الشاعر فيضاً من العطاء ويمنحها الشاعر من طاقاته الإبداعية وحسه الصادق مذاقاً خاصاً وهذا ا جعلها أحياناً طوع يديه تخضع لسياقه وإن خالفت نواميسها التى وضعت لها. والأصل أن تكون طاقة الشاعر الإبداعية وإلهامه الصافي مع نظام اللغة والسياق الإيقاعي صنوين متآلفين لا يخرج أحدهما عن ناموس الآخر. ([69])

    ومن خلال هذا المزج يعاد صياغة الجود  على  نحو يتسم بالجمال والثراء وإذا كان هناك من النحويين من تعاملوا مع مبدأ  سيبويه اللغوى على أن للشعر ضرورات،  فقد نتج ذلك عن خلطهم بين لغة الشعر ولغة النثر،  وإنما هو من " خصائص لغة الشعر، والذى دعاهم  للحكم عليه بذلك هو الخلط بين مستوى الشعر و النثر في التقعيد وأن مصطلح

    الضرورة لا يدل  على مدلوله الحقيقى عن طريق التنظير بما في  القراءات القرآنية والحديث النبوى والاستعمالات النثرية المختلفة، وأن هذا المصطلح  أوجدته ظروف المنهج المعيارى الذى اتبعه النحاة، بالإضافة إلى الأسباب  الأخرى.... وأن بعض  ما قيل عنه إنه ضرورة يمكن أن يكون آثاراً تاريخية المرحلة سابقة من مراحل تطور اللغة كما أن بعضها يعد جذوراً تاريخية لاستعمالات لهجية معاصرة وأن عدم تنبه النحاة  لتطور اللغة هو الذى دفعهم للحكم عليه بأنه ضرورة". ([70])

    أى أن الشعر ليس موضع اضطرار،  وقد نتجت التسمية عن الخلط بين الشعر والنثر، متناسين أن الشعر معاناة وترحال  أو كما يرى الأستاذ الدكتور / على عشرى بأنه:  " مغامرة يحاول خلالها أن يعيد اكتشاف الوجود وأن يكسبه معنى جديداً  غير معناه العادي المبتذل.

    ووسيلته إلى ذلك هى النفاذ إلى صميم هذا الوجود لاكتشاف تلك العلاقات الخفية الحميمة التى تربط بين عناصر الوجود ومكونات المختلفة ، حتى تلك التى تبدو في الظاهر على أكبر قدر من التباعد والتنافر، وهو في سبيل وصوله إلى هذه العلاقات الخفية الحميمة كثيراً ما يتجاوز  العلاقات الظاهرة المحسوسة المنطقية بين هذه العناصر....  لتتحول عناصر الوجود وأشياؤه إلى مجرد  مفردات وأدوات في يديه يشكل بها عالمه  الشعري الخاص "([71]).

    فإن كان الشاعر يعبر عن عالم خاص مقتضي الخصوصية أن تكون أداته التى يبدع بها وفيها خاصة  ومتفردة لذلك وهو ليس مضطراً  إلى ما يسميه النحاة ضرورة إلا  من وجهة نظر فنية خاصة لسياق قصيدته، وليس مضطراً اضطراراً  لغوياً أو نحوياً ([72])،ولذلك كان الشعر، كالإبداع الذى هو منه، قرين الحرية ونقيض الضرورة ([73]).

    وقد أشار ابن جني في لفته رائعة إلى أن  الضرورة ليست  دليل ضعف بل موضع تميز وتفرد  يقول في هذا: فمتى رأيت الشاعر قد ارتكب مثل هذه الضرورات على قبحها وانخراق الأصول بها،  فأعلم أن ذلك ،  على ما جشمه منه ، وإن دل من وجه على جوره و تعسفه،  فإنه من وجه آخر مؤذن بصياله،  وتخمطه، وليس بقاطع دليل على ضعف لغته ولا قصوره عن اختيار الوجه الناطق بفصاحته ، بل مثله في ذلك  عندى مثل مجرى الجموح بلا لجام ، ووارد  الحرب الضروس حاسراً من غير احتشام ، فهو وإن كان ملوماً في عنفه  وتهالكه، فإنه مشهود له بشجاعته وفيض منته .([74])

    فهى نظرة  تعود بنا إلى البداية حيث إن سيبويه قد أشار إلى أنه ليس شي ء يضطرون إليه إلا وهم يحاولون به وجها ([75]) فاللغة في الشعر وسيلة وغاية وكل لفظه لها دلالتها وإيحاءاتها؛  لذا يجب الاعتراف الكامل بأن الشاعر الحق سواء أكان قديماً أم معاصراً هو الذى يمتلك اللغة وهو الذى يبدع بها  وفيها . ([76])

    من هنا كانت المقارنة بين لغة الشعر ولغة النثر مجحفة بحق الشعر؛ لأن قواعد النثر الصارمة لا يمكن بحال تطبيقها على الشعر  لأن الشعر – مرة أخرى - ليس هو النثر مضافا إليه الوزن والقافية، ولذلك ينبغي ألا نحرص على المقارنة بين الشعر والنثر، لأن المقارنة  بينهما تظلم الشعر وتفقده أهم خصائصه. إن المعنى النثرى يمكن التعبير عنه بعبارة نثرية أخرى ، لكن المعنى الشعري لا يؤدى إلا بالصورة التى  أرادها الشعر وبالتركيب اللغوى الذى اختاره ومن هنا يمكن ترجمة النثر، ولا يمكن ترجمة الشعر  من لغة إلى أخرى ؛ لأن اللغة في الشعر غاية وليست وسيلة ، وتصبح خدمة اللغة غاية كبرى ([77]).

    وهذا ما أكده الأستاذ  الدكتور / على عشرى بقوله: وكما يمكن التغيير عن المضمون النثرى بأي أسلوب آخر فكذلك  يمكن ترجمته من لغة إلى أخرى دون أن يفقد شيئاً ذا بال من قيمته أما الشعر فيستحيل ترجمته من لغة إلى لغة دون أن يفقد الكثير من خواصه وسماته . ([78])

    وقد أدرك عبد القاهر الجرجاني أنه من خلال النحو يمكنه  أن يدرك نظام اللغة، وهو نظام يختلف في تركيبه من جنس إلى جنس ، فالشعر له نظامه النحوي الذى تكاد وتكون إمكاناته نسقاً مغلقاً على ذاته بحيث لا يتداخل هذا النسق مع غيره من أنساق فنون القول. ([79])

    ويبدو ذلك واضحا من تعليق عبد القاهر الجرحانى على قول البحترى.(7)

    قد علم أن المعنى إذا بعدت عنى أبلتنى وإن قربت منى شفتنى إلا أنك تجد الشعر يأبى ذكر ذلك ، ويوجب إطراحه. وذلك لأنه أراد أن يجعل البلى كأنه واجب في بعادها أن يوجبه ويجلبه ، وكأنه كالطبيعة فيه ، وكذلك حال الشفاء مع القرب ، حتى كأنه قال: أتدرى ما بعادها؟ هو الداء المضنى وما قربها؟ هو الشفاء والبرء من كل داء. ولا سبيل لك إلى هذه اللطيفة وهذه النكتة إلا بحذف المفعول البته فاعرفه ". ([80])

    ويعد الأستاذ الدكتور / رمضان عبد التواب من الداعين إلى فصل الشعر عن النثر

    حيث يقول: إن الشعر بما فيه من قيود الوزن والقافية قد تمتنع فيه أشياء تجوز في النثر، كما تؤدى ضرورة الوزن في بعض الأحيان إلى ابتداع نوع من الأسلوب الذى لم يألفه النثر، بل ربما قادت تلك الضرورة إلى توليد الصيغ  والألفاظ في أحيان أخرى. ([81])

    إذن فإن لغة الشعر تختص بأمرين:

    أولهما: الوزن والقافية

    ثانيهما: الظواهر النحوية الشعرية المخالفة للغة النث ر،  والتى تؤدى

    إلى توليد الصيغ والألفاظ.

    وقد أيد هذا الاتجاه  الأستاذ الدكتور / محمد حماسة عندما قال معلقا على قول الأستاذ الدكتور / رمضان عبد التواب:  وهذا كلام صحيح كل الصحة ولا يستطيع باحث منصف أن يختلف معه في تفصيلاته. ( [82])

    أى أن اللغة الشعرية تتميز بالإبداع والتفرد ويعود هذا إلى اختلاف أسلوبها وما  فرضته طبيعته الشعرية وهذا ما أكده الأستاذ الدكتور / تمام حسان حيث يقول: وإذا صح أن لكل رجل أسلوبه، فللنثر العلمى أسلوب وللنثر الأدبى أسلوب آخر، وأسلوب القصة غير أسلوب المقالة وكل هذه الأساليب تختلف عن أسلوب المقامة، وكذلك يختلف الشعر عن جميع ما سبق، ولا يعود اختلاف الشعر عن النثر إلى الأسلوب فقط ، وإنما يعود كذلك إلى الاختلاف في الخصائص التركيبية نحوياً وصرفياَ...  ولقد فرض الشعر على نفسه  من القيود التركيبية والشكلية وزناً وقافية وغير ذلك مما حتم على الشعر أن يلجأ إلى التوسع في المعنى بالاعتماد على الدلالة الطبيعية والتوسع في الصرف ، والنحو لضرورة وغير ضرورة لأنه لولا هذه الحرية الصرفية والنحوية ما أمكن مع قيود  عمود الشعر أن يكون الشعر أداة ناجحة من أدوات التعبير الفنى. ([83])

    ومعنى هذا أن الشعر إذا فَقدَ ما يميزه صار نثراً منظوماً لأن السمة الرئيسية التى تميز اللغة الشعرية عن اللغة المعيارية هى سمتها التحريفية ، أى انحرافها عن قانون اللغة المعيارية وخرقها له والمراد باللغة المعيارية - هنا- اللغة التى تلتزم مجموعة من القواعد الصوتية والصرفية والنحوية المتواضع عليها ، التى تستخدم في الكتابة غير الفنية ، وهى تتسم بالانضباط والالتزام والاستقرار لتحقق هدفاً مناسباً هو التوصيل. ([84])

    إضافة إلى أن لغة الشعر تختلف عن اللغة النثرية في الشكل ، فكذلك تختلفان  في  الوظيفة ففي الوقت الذى تسعى فيه الأولى- أى اللغة المعيارية- إلى التوصيل يتقهقر  هذا التوصيل إلى الوراء في اللغة الشعرية، حيث تستخدم  حدا أقصى من الأمامية ، لتصبح الوظيفة الجمالية هى المهيمنة". ([85])

    من هنا يتبين لنا أن اللغة في الشعر لها خصوصيتها ؛ لأنها ترتدى ثوب الشعر منذ اللحظة الأولى ، فالإبداع والجمال وسيلة وغاية في الشعر، خاصة أن الشعراء أمراء الكلام " يصرفونه أنى شاءوا، وجائز لهم ما لا يجوز لغيرهم من إطلاق المعنى وتقييده ، ومن تصريف اللفظ وتعقيده ، ومن مقصوره ، وقصر

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1