Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

أخبار العباس وولده
أخبار العباس وولده
أخبار العباس وولده
Ebook549 pages4 hours

أخبار العباس وولده

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

المخطوط يتحدث عن العباس، وعبد الله بن العباس، وعلي بن عبد الله، ومحمد بن علي ثم عن إبراهيم الامام ابن محمد بن علي، ونهايته، وهرب أخيه أبي العباس إلى الكوفة قبيل دخول القوات الخراسانية هذه المدينة. وحين يتناول المخطوط سيرة العباس بن عبد المطلب وأولاده المذكورين، يجعل محور حديثه قضية الامامة وموقف العباسيين منها وتطلعهم إليها وعملهم في سبيلها. فهو في حقيقته تاريخ موسع للدعوة العباسية
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateDec 5, 1900
ISBN9786698759321
أخبار العباس وولده

Read more from أبو القاسم الزجاجي

Related to أخبار العباس وولده

Related ebooks

Reviews for أخبار العباس وولده

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    أخبار العباس وولده - أبو القاسم الزجاجي

    موت العباس بن عبد المطلب

    رضي الله عنه

    قال: دخل عثمان على العباس في مرضه الذي مات فيه فقال: أوصني بما ينفعني به، وزودني، فقال: الزم ثلاث خصال تصب بها ثلاث عوام، فالخواص: ترك مصانعة الناس في الحق، وسلامة القلب، وحفظ اللسان، تُصب بها سرور الرعية، وسلامة الدين، ورضى الرب .محمد بن عمر قال: حدثنا يحيى بن العلاء عن عبد المجيد بن سهيل، عن نملة بن أبي نملة عن أبيه قال: لما مات العباس بن عبد المطلب بعثت بنو هاشم مؤذناً يؤذن أهل العوالي: رحم الله من شهد العباس، قال: فحشد الناس ونزلوا من العوالي .محمد بن عمر قال: حدثني ابن أبي سبرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن دويس عن عبد الرحمن بن يزيد بن حارثة، قال: جاءنا مؤذن يؤذننا بموت العباس بن عبد المطلب بقباء على حمار، ثم جاءنا آخر على حمار، فقلت: من الأول ؟فقال: مولى لبني هاشم، والثاني رسول عثمان بن عفان، فاستقرى قرى الأنصار قريةً قرية حتى انتهى إلى السافلة. فقلت وأتينا بني حارثة وما والاها، فحشد الناس فما غادرنا النساء، فلما أُي به إلى موضع الجنائز تضايق، فتقدموا إلى البقيع، فقلت ليتقدموا، فصلينا عليه بالبقيع، وما رأيت مثل ذلك الخروج على أحد من الناس قط وما يستطيع أحد من الناس أن يدنو إلى سريره وغلب بنو هاشم، فلما انتهوا إلى اللحد ازدحموا عليه، فأرى عثمان اعتزل، وبعث الشرط يضربون الناس عن بني هاشم، حتى خلص بنو هاشم، وكانوا هم الذين نزلوا في حفرته ودلوه في اللحد، ولقد رأيت على سريره برد حبرة قد تقطع من زحامهم .محمد بن عمر قال: حدثتني عبيدة بنت نائل عن عائشة بنت سعد قالت: جاءنا رسول عثمان ونحن بقصرنا على عشرة أميال من المدينة، أن العباس قد تُوفي، فنزل أبي ونزل سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، ونزل أبو هريرة من الشجرة، قالت عائشة: فجاءنا أبي بعد ذلك بيوم فقال: ما قدرنا أن ندنو من سريره من كثرة الناس، غُلبنا عليه، لقد كنت أحب حمله .محمد بن عمر قال: حدثني يعقوب بن محمد عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة عن الحارث بن عبد الله بن كعب عن أم عمارة قالت: حضرنا - نساء الأنصار - طراً جنازة العباس، وكنا أول من بكى عليه، ومعنا المهاجرات الأول والمبايعات .محمد بن عمر قال: حدثنا ابن أبي سبرة عن عباس بن عبد الله بن معبد قال: لما مات العباس أرسل إليهم عثمان: إن رأيتم أحضر غسله فعلتم، فأذنوا له فحضر، وكان جالساً ناحية من البيت، وغسّله علي بن أبي طالب وعبد الله وعبيد الله وقثم بنو العباس، وحدّت نساء بني هاشم سنة .محمد بن عمر قال: حدثني ابن أبي سبرة عن عبد المجيد بن سهيل عن عيسى بن طلحة قال: رأيت عثمان يكبر على العباس بالبقيع، وما يقدر من لغط الناس، ولقد بلغ الناس الحشّان، وما تخلف أحد من الرجال والنساء والصبيان .محمد بن عمر قال: أخبرنا خالد بن القاسم البياضي، قال: أخبرني شعبة مولى ابن عباس، قال: سمعت ابن عباس يقول: كان العباس معتدل القامة وكان يخبرنا عن عبد المطلب أنه مات وهو أعدل قناة منهوتوفي العباس يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة خلت من رجب سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان بن عفان وهو ابن ثمان وثمانين سنة ودُفن بالبقيع في مقبرة بني هاشم، رضي الله عنه.

    أخبار عبد الله بن العباس

    ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم

    كان عبد الله يكنى أبا العباس. ولد في الشعب قبل خروج بني هاشم منه، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن العباس ابن ثلاث عشرة سنة .سفيان بن عيينة عن عبد الله بن يزيد قال: سمعت ابن عباس يقول: أنا ممن قدّم سول الله صلى الله عليه وسلم في ضعفه أهله مع الثقل من مزدلفة إلى منى. ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم أعطه الحكمة، وعلمه التأويل، ورأى جبريل، فقال سول الله صلى الله عليه وسلم: عسى ألا تموت حتى تؤتى علماً ويذهب بصرك .وكان عمر يأذن له مع المهاجرين ويسأله ويقول: غص غوّاص، وكان إذا رآه مقبلاً قال: أتاكم فتى الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول .أبو صالح عن ابن باس قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح رأسي من مقدمه حتى انتهى إلى قدمي، ثم مسح ذؤابتي حتى انتهى إلى عقبي، ودعا لي بالإيمان والحكمة فقال: اللهم إني أُعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم، فقال المسور بن مخرمة الزهري في تصديق ذلك:

    أدنى النبيًّ ابنَ عبّاسٍ وقال له ........ قولاً فقُدّسَ يه الأهلُ والولدُ

    والعلمُ والسلمُ كانا رأسَ دَعوته ........ ما مثلُ هذا بما يُرجى له أحدُ

    وقبلَها دعوةٌ كانت مباركةً ........ ثمَّ الظهور بما فيهم وما ولدوا

    كم دعوةٍ سبقتْ فيهم مباركةٍ ........ فيها افتخارٌ وفيها يكثرُ العددُ

    سليمان بن حرب عن حماد بن سلمة قال: حدثنا عبد الله ابن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كنت في بيت خالتي ميمونة فوضعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طهوراً فقال: من وضع هذا ؟قالت ميمونة: عبد الله، قال: اللهم فقِّهه في الدين وعلمه التأويل .إسماعيل بن أبي أُويس عن أخيه أبي بكر بن أبي أُويس عن سليمان ابن بلال عن عمرو بن أبي عمرو عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله عن عكرمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أعط ابن عباس الحكمة وعلمه التأويل .ساعدة بن عبيد الله عن عكرمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أعط ابن عباس الحكمة وعلمه التأويل .ساعدة بن عبيد الله عن داود بن عطاء عن زيد بن أسلم عن ابن عمر قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن العباس: اللهم بارك فيه وانشر منه .ساعدة بن عبيد الله المزني عن داود بن عطاء عن موسى بن عبيدة الزيدي عن محمد بن عمرو بن عطاء العامري، من أنفسهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ابن عباس يوماً مقبلاً فقال: اللهم إني أحب عبد الله بن عباس فأحبه.

    ومن أخبار عبد الله مع النبي

    صلى الله عليه وسلم

    أبو ضمرة أنس بن عياض الليثي عن أبي طلحة عن عمر بن عبد الله مولى غفرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أردف عبد الله ابن عباس فقال: يا غلام! ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن ؟قال: بلى يا رسول الله صلى الله عليك بأبي أنت وأمي، قال: احفظ الله تجده أمامك، اذكر الله في الرخاء يذكرك في الشدة، إذا سألت فسل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، جفّ القلم بما هو كائن، فلو جهد الخلق على أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك لم يقدروا عليه، ولو جهدوا على أن يضروك بشيء لم يكتبه عليك لم يقدروا ليه، فعليك بالصدق في اليقين، وإن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً، واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا.

    علمُ عبد الله

    قال: كان يقال لعبد الله بن العباس حبر هذه الأمة لسعة علمه، وقد كان في صغره لزم علياً، وكان يزقه العلم زقاً. وقيل من أراد العلم والجود والجمال فليأت دار العباس بن عبد المطلب يجد ذلك كله .أبو أُسامة عن زائدة عن سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهم: أنه كان يسمعهم يقولون: يكون في هذه الأمة اثنا عشر خليفة، قال ما أحمقكم! إن بعد الاثني عشر ثلاثة منا: السفاح والمنصور والمهدي يسلمها إلى الدجال. قال أبو أُسامة: وتأويل هذا عندي ولد المهدي يسلمونها إلى الدجال .أبو حامد المستملي قال: حدثنا أبو هشام محمد بن يزيد الرفاعي قال: حدثنا يحيى ابن آدم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: ما رأيت أعلم بالسنة، ولا أجلد رأياً، ولا أثقب نظراً حين ينظر، من ابن عباس رضي الله عنهما، إن كان عمر ابن الخطاب ليقول: قد طرأت علينا عضل أقضية أنت لها ولأمثالها .العنزي قال: حدثني علي بن إسماعيل قال: أخبرنا عمي إبراهيم ابن محمد قال: حدثني شداد الحارثي قال: حدثني عبيد الله بن الحر العنبري عن أبي عرابة الهجيمي قال: كان ابن عباس يفطر الناس في شهر رمضان بالبصرة، فكان لا ينقلبون في كل ليلة أن يسمعوا فائدة في دين أو دنيا، فكانوا إذا فرغنا من العشاء تكلم فأقل وأوجز، فقال لهم ليلة: ملاك أمركم الدين، وزينكم العلم، وحصون أعراضكم الأدب، وعزكم الحلم، وصلتكم الوفاء، وطولكم في الدنيا والآخرة المعروف، فاتقوا الله يجعل لكم من أمركم يسرا. فقال رجل من القوم: يا أبا العباس من أشعر الناس ؟فإنا قد تمارينا في ذلك منذ اليوم فكان كل قوم يقول: شاعرنا، وأقبل عبد الله على أبي الأسود، فقال: يا أبا الأسود من أشعر الناس ؟فقال أبو الأسود: الذي يقول :

    ولقد أغتدي يدافِعُ ركني ........ أجوليّ ذو ميعةٍ إضريجُ

    مِخلَطٌ مِزيَلٌ مِعَنٌ مِفَنٌّ ........ مِنفحٌ مطرَحٌ سبوحٌ خَروج

    سَلْهٌب شرْجبٌ كأنَّ رماحاً ........ حملَتْهُ وفي السراةِ دُموج

    تتعادى به قوائمٌ لأمٍ ........ وحوامٍ صُمّ الحوافرِ عوجُ

    مقبلاتٌ في الجري أو مدبراتٌ ........ بهوًى طائعٍ بهن يهيجُ

    هذا الشعر لأبي دواد الإيادي، وكان أبو الأسود يفضله. فقال ابن عباس: إن شعراءكم قد قالوا فبلغ كل رجل منهم بعض ما أراد، ولو كانت لهم غاية يستبقون إليها يجمعهم فيها طريق واحد، لعلمنا أيهم أسبق إلى تلك الغاية، فإن يك قال، ولم يقل عن رغبة ولا رهبة، فامرؤ القيس بن حجر .العنزي قال: حدثنا علي بن سليمان النوفلي قال: حدثني أبي عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ختن الفضل بن يسار أبي جعفر الأعرج القارئ قال: حدثني أبو حسنة عن الحكم الأعرج وهو عمه قال: رأيت ابن عباس مدلياً رجليه في حوض زمزم فأتاه رجل فقال: يا ابن عباس إني رجل أُصيب الصيد فأُصمي وأنمي، قال: كلْ ما أميت ودع ما أنميت، يعني كل ما اقصعته وأنت تراه، وإذا تحامل عنك برميته فمات وقد غاب عن عينيك فلا تأكل وهو الإنماء. وأنشد ابن عباس:

    ورأت معدٌّ حولها أسداً ........ غير أن قد يُصمي ولا ينُمي

    قال: ثم أتاه رجل آخر فقال: يا بن عباس خبرنا عن يوم عاشوراء، قال: هو اليوم التاسع من قبل إظماء الإبل يسمون يوم التاسع العشر .العنزي قال: حدثنا الرياشي قال: دخل عبد الله بن صفوان الجمحي على عبد الله بن الزبير فقال ؛أنت والله كما قال الشاعر:

    فإن تصبْكَ من الأيّامِ جائحةٌ ........ لا نبْكِ منك على دنيا ولا دينِ

    فقال: وما ذاك ويحك ؟قال: هذان ابنا عباس: أحدهما يُفتي الناس في دينهم، والآخر يطعم الناس، فماذا بقيا لك. فأرسل إليهما ابن الزبير فقال: إنكما تريدان أن ترفعا راية قد وضعها الله، ففرقا عنكما مراق العراق. فأرسل إليه عبد الله بن عباس فقال: ويلك أي الرجلين نطرد عنا: أطالب علم أم طالب دنيا ؟فبلغ الخبر أبا الطفيل فقال أبياته .أخبرنا علي بن إبراهيم بن هاشم القمي عن أبيه عن الزبيري بإسناد له يرفعه قال: بينا عمر جالس في جماعة من أصحابه، فتذاكروا الشعر، فقال: من أشعر الناس ؟فاختلفوا، فدخل بد الله بن عباس، فقال عمر: قد جاءكم ابن بجدتها، وأعلم الناس: من أشعر الناس يا ابن عباس ؟قال: زهير بن أبي سلمى المزني. قال: أنشدني من شعره، فأنشده:

    لو كان يقعدُ فوقَ الشمسِ من كرمٍ ........ قومٌ بأحسابهم أو مجدِهم قعدوا

    قومٌ أبوهم سنانٌ حين ينسُبُهم ........ طابوا وطاب من الأولادِ ما ولدوا

    فقال عمر: قاتله الله يابن عباس، لقد قال كلاماً حسناً ما كان ينبغي أن يكون هذا الكلام إلا في أهل البيت لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال ابن عباس: وفقك الله يا أمير المؤمنين فلم تزل موفقاً. فقال: أتدري ما منع الناس منكم ؟قال: ما أدري، قال: كرهت قريش أن يولوكم هذا الأمر فتجحفون على الناس جحفاً، فنظرت قريش لأنفسها فاختارت فوفقت فأصابت إن شاء الله .فقال: يميط أمير المؤمنين عني الغضب ويسمع كلامي، فقال هات. قال: أما قولك إن قريشاً كرهت، فإن الله يقول: (كرهوا ما أنزل اللهُ فأحبط أعمالهم)، وأما قولك: إنها نظرت فاختارت، فإن الله نظر فاختار من خير خلقه، فإن كانت قريش نظرت من حيث نظر الله فقد أصابت. قال: فقال عمر: أبت قلوبكم يا بني هاشم لنا إلا غشاً لا يزول، وحقداً لا يحول. قال: مهلاً يا أمير المؤمنين، لا تنسب قلوب بني هاشم إلى الغش، فإن قلوب بني هاشم من قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وأما قولك: حقداً لا يحول، فكيف لا يحقد من غضب شيئه، ورآه في يد غيره. قال: فقال: يا بن عباس اخرج عني، فلما خرج ناداه فقال له: أما إني على ما كان منك لحقك لراعٍ، فقال له: إن لي عليك وعلى كل مؤمن حقاً، فمن عرفه فقد أصاب ومن لم يعرفه فحظه أخطأ. فقال عمر: لله در ابن عباس، والله ما رأيته لاحى رجلاً قط إلا خصمه .قال: قال مجاهد: كان عبد الله بن عباس أمد الناس قامة وأعظمهم جفنة وأوسعهم علماً .مفضل بن غسان عن أبيه عن رجل من بني تميم عن عبيد الله بن الحسن عن المؤمل عن أبيه قال: كان ابن عباس مثجاً يتحدر غرباً، وكان أمير البصرة يعشّي الناس في شهر رمضان، فلا ينقضي الشهر حتى يفقههم، وكان إذا كانت آخر ليلة من شهر رمضان يعظهم ويتكلم بكلام يردعهم ويقول: ملاك أمركم الدين، وصلتكم الوفاء، وزينتكم العلم، وسلامتكم الحلم، وطولكم المعروف، إن الله كلفكم الوسع فاتقوا الله ما استطعتم. قال: فقام أعرابي، فقال من أشعر الناس أيها الأمير ؟قال: أفي أثر العظة ؟قل يا أبا الأسود. قال: فقال أبو الأسود الدؤلي: أشعر الناس الذي يقول:

    فإنّك كالليلِ الذي هو مدركي ........ وإن خلتُ أن المنتأى عنك واسعُ

    قال: نابغة بني ذبيان .قال: كان عبد الله بن عباس إذا أقبل قلت من أجمل الناس، وإذا تكلم قلت من أفصح الناس، وإذا أفتى قلت من أعلم الناس .قال أبو عبيدة: أتى عمر بن أبي ربيعة لعبد الله بن عباس وهو في المسجد فقال: أمتع الله بك، إني قلت شعراً، فأحببت أن تعرفه لتشير عليّ فيه، قال: أنشدني، فأنشده:

    تشطّ غداً دارُ جيراننا

    فقال ابن عباس:

    للدّار بعد غدٍ أبعدُ

    فقال عمر: أسمعت أصلحك الله هذا الشعر من أحد ؟قال: لا ولكن كذا ينبغي أن يكون. قال: فإني كذا قلت، قال: فأنشدني فأنشده حتى مر في الكلمة كلها، قال: أنت شاعر إذا شئت فقل .وقال ابن عباس يوماً: هل أحدث المغيري شيئاً ؟فجاءه حتى أنشده:

    أمِن آلِ نُعمٍ أنتَ غادٍ فمبكرُ

    حتى بلغ قوله:

    رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت ........ فيضحى وأمّا بالعشي فيحضر

    فقال له: أحسنت! أحسنت! فلما انصرف عمر، قال رجل من جلساء ابن عباس: أي إحسان ههنا:

    رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت ........ فيضحى وأما بالعشيِّ فيخسر

    فقال ابن عباس: أو هكذا قال ؟إنما قال فيخصر، فقد أحسن الوصف، ثم مر ابن باس في الكلمة إلى آخرها، وهي سبعون بيتاً، ويقال: مر من أولها إلى آخرها ثم قلبها، حفظاً لها ي مجلس واحد.

    خبر عبد الله بن عباس يوم الحكمين

    قال ، لما جُعل أبو موسى وعمرو بن العاص حكمين ، وأرادوا المسير إلى دومة الجندل ، لقي عبد الله بن عباس أبا موسى ، فقال : يا أبا موسى إن الناس لم يرضوا بك لفضل لا تشارك فيه ، ما أكثر أشباهك المقدمين قبلك من المهاجرين والأنصار غير أن أهل الكوفة أبوا أن يرضوا ، وأيم الله إني لأخالك شراً لنا ولهم ، إنك قد رُميت بداهية العرب ومن حارب الله ورسوله ، وليست في علي خصلة تحرم عليه الخلافة ، وليست في معاوية خصلة تحل بها له الخلافة . فإن تقذف بحقك على باطله تدرك حاجتك يه ، وإن تطمع باطله في حقك يُدرك حاجته فيك إذا أنت لقيت عمراً فأعلمه أن معاوية طليق الإسلام ، وأن أباه لعين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه ادّعى الخلافة على غير مشورة ، فإن صدقك ، فعجل خلعه ، وإن كذبك فقد حُرّم عليك كلامه ، فإن زعم أن عمر وعثمان استعملاه فقد صدق . استعمله عمر ، وعمر الوالي عليه بمنزلة الطبيب من المريض يحميه ما يشتهي ، ويوجره ما يكره ، واستعمله عثمان برأي عمر وما أكثر من استعملا لم يدعوا ما ادّعى معاوية ، واعلم أن كل شيء يسرك من عمرو فينا فلما يسوءك أكثر ، ومهما نسيت من شيء فلا تنسين أن الذين بايعوا علياً هم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بُويعوا عليه .وقال : قال ابن عباس لعلي رحمة الله عليهما ورضي عنهما : اجعلني السفير بينك وبين معاوية في الحكمين ، فوالله لأفتلن حبلاً لا ينقطع وسطه ، ولا ينبت طرفاه . قال علي : لست من كيدك وكيد معاوية في شيء ، والله لا أعطيه إلا السيف حتى يدخل في الحق . قال ابن عباس : هو والله لا يعطيك إلا السيف حتى يغلب بباطله حقك . قال علي : وكيف ذلك ؟ قال : لأنك اليوم تُطاع وتُعصى غداً ، وإنه يطاع فلا يُعصى . فلما انتشر على علي أصحابه ، وابن عباس بالبصرة ، قال : لله در ابن عباس إنه لينظر إلى الغيب من ستر رقيق .الجهني قال ، شهدت الحكمين بدومة الجندل ، وقد اعتزلت الفتنة في ناسٍ من القراء ، فقال لي أصحابي : لو أتيت هذين الرجلين ، فخبرت ما قبلهما ، ولمن يبايعان ، وعلى من يجتمعان ، وذلك بعد ما طال مقامهما ، لا يعلم أحد ما يريدان ، وإلى من يدعوان . فأتيت أبا موسى فوجدته على بغلة بسرجٍ ، ووجدته شيخاً خلقاً عليه ثياب خلقان ، فقلت له : صحبت سول الله صلى الله عليه وسلم ، وكنت من صالحي أصحابه ، وقد قاربت الآخرة فما بينك وبين الجنة إلا كلمة محقة أو مبطلة ، فانظر أين أنت غداً من الله . قال : أما إني سأدعو إلى رجل لا يختلف فيه اثنان . فقلت : أما هذا فقد أبان عما في نفسه ، فلقيت عمراً ، فقلت له مثل ذلك ، فقال : إليك عني ، فلست من أهل المشاورة ، والله ما ينفعك الحق ولا يضرك الباطل ، فإن الظلف لا يجري مع الخف . فانصرفت وأنا أقول : يا لهذا الحي من قريش ، والله لكأنما أُقفل على قلوبهم بأقفال حديد .

    خبر عبد الله يوم الخوارج

    ويذكر أهل العلم من غير وجه ، أن علياً عليه السلام ، لما عزم الخوارج بالبيعة لعبد الله بن وهب الراسبي ، وجه إليهم عبد الله بن العباس ليناظرهم ، فقال لهم : ما الذي نقمتم على أمير المؤمنين ؟ قالوا : كان للمؤمنين أميراً ، فلما حكم في دين الله ، خرج من الإيمان ، فليتب بعد إقراره بالكفر نعد له . فقال ابن عباس : لا ينبغي لمؤمن لم يشب إيمانه شك أن يقر على نفسه بالكفر ، قالوا : إنه حكم ، قال : إن الله أمرنا بالتحكيم في قتل صيدٍ ، فقال : ( يحكمُ بهِ ذوا عدلٍ منكُم ) ، فكيف في إمامة قد أشكلت على المسلمين ؟ فقالوا : إنه حكم عليه فلم يرض ، فقال : إن الحكومة كالإمامة ، ومتى فسق الإمام وجبت معصيته ، وكذلك الحكمان لما خالفا نبذت أقاويلهما . فقال بعضهم لبعض : اجعلوا احتجاج قريش حجة عليهم ، فإن هذا من الذين قال الله تبارك وتعالى فيهم : ( بَل هم قَوْمٌ خصمون ) ، وقال جلَّ ثناؤه : ( وتنذرَ بهِ قوْماً لُدّا ) .ثم أن علياً عليه السلام جاء فناظرهم مناظرة ابن عباس إياهم ، فكان فيما قال لهم : ألا تعلمون أن هؤلاء القوم لما رفعوا المصاحف قلت لكم هذه مكيدة ووهن ، وأنهم لو قصدوا إلى حكم المصاحف لم يأتوني ، ثم سألوني التحكيم ، أفعلمتم أنه كان منكم أحد أكره لذلك مني ؟ قالوا : نعم ، قال : فهل علمتم أنكم استكرهتموني على ذلك حتى أجبتكم إليه ، فاشترطت أن حكمهما نافذ ما حكما بحكم الله ، فمتى خالفاه فأنا وأنتم من ذلك براء ، وأنتم تعلمون أن حكم الله لا يعدوني ، قالوا : اللهم نعم ، وفيهم في ذلك ابن الكواء ، وهذا من قبل أن يذبحوا عبد الله بن خباب ، وإنما ذبحوه في الفرقة الثالثة بكسكر . فقالوا لعلي : حكمت في دين الله برأينا ، ونحن مقرون بأنا قد كفرنا ، ونحن تائبون ، فأقرر بمثل ما أقررنا به وتب ننهض معك إلى الشام ، فقال : أما تعلمون أن الله عزّ وجلّ قد أمرنا بالتحكيم في شقاق بين رجل وامرأته ، فقال تعالى : ( فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها ) ، وفي صيد أُصيب في الحرم كأرنب تساوي ربع درهم ، فقال : ( يحكُم به ذَوَا عدلٍ منكُم ) . فقالوا : إن عمراً لما أبى عليك أن تقول 'هذا كتاب كتبه عبد الله علي أمير المؤمنين' ، محوت اسمك من الخلافة وكتبت : 'علي بن أبي طالب' ، فقد خلعت نفسك . فقال لهم : لي برسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة ، حيث أبى عليه سهيل ابن عمرو ، فقال : لو أقررت أنك رسول الله ما خالفتك ، ولكني أقدمك لفضلك ، فاكتب : محمد بن عبد الله ، فقال : يا علي امح رسول الله ، فقلت يا سول الله لا تسخو نفسي بمحو اسمك من النبوة ، قال : فقفني عليه ، قال فمحاه بيده ، ثم قال : اكتب محمد بن عبد الله ، ثم تبسم إليّ ، فقال : يا علي إنك ستسام مثلها فتُعطى . فرجع معه منهم ألفان من حروراء ، وقد كانوا تجمعوا بها ، فقال لهم : ما نسميكم ، ثم قال : أنتم الحرورية لاجتماعكم بحروراء .

    أخبار عبد الله مع معاوية

    ابن دأب ومعمر عن إدريس ومحمد بن إسحاق قال: قدم ابن عباس على معاوية ابن أبي سفيان، وكان يلبس أدنى ثيابه ويخفض شأنه، لما كان يعرف من كراهية معاوية لإظهار أمره، وكان معاوية يجفوه، فمكث عنده مقيماً ما شاء الله. ثم إن مروان بن الحكم كتب إلى معاوية، يخبره بمرض الحسن ابن علي، وأنه رأى أن به السل، فكتب إليه معاوية: لا تغبني خبره يوماً. فكان يأتي خبره معاوية كل يوم. فقال رجل من قريش: إني لبالباب في اليوم الذي جاء فيه نعي الحسن بن علي عليه السلام، إذ مر يزيد بن معاوية داخلاً على أبيه، فأدخلني، فما مر بباب إلا قالوا: مرحباً يابن أمير المؤمنين، حتى انتهى إلى البيت الذي فيه معاوية، وإذا امرأته بنت قرظة تعطره وتسرّح لحيته، فلما رأتنا امرأته، قالت: واسوأتاه، أتدخل علينا الرجال ؟فقال لها: اسكتي، وإلا عزمت على أمير المؤمنين أن يتزوج أربع قرشيات كلهن يأتين بغلام يبايع له بالخلافة. فقال لها معاوية: سكتي، فلو عزم عليّ يزيد لم أجد بداً من إنفاذ عزيمته، فقامت فلم تقدر على النهوض، حتى وضعت يدها على الأرض، ثم ارتفعت، فلما ولت، قال معاوية: ما كنا لنغيرها. قال يزيد: وما كنت لأعزم عليك، إنما قلت ما قلت لأذعرها. فإنا كذلك إذ دخل شيخ طوال، كان على الصائفة، فسأله معاوية عن أمر الناس والجند، فبينا نحن كذلك ذ دخل غلام معاوية، فقال: يا أمير المؤمنين بشراي، قال: وما ذلك، قال: في هذه الصحيفة ما تحب. قال: لك بشراك، فدفعها إليه، ولما قرأها خرّ ساجداً، ثم رفع رأسه، فعرفنا السرور في وجهه، فنعى الحسن بن علي، فبكى الشيخ وانتحب، ووضع يده على. .. . ينتحب، فقال له الغلام: اسكت أيها الشيخ، فقد شققت على أمير المؤمنين، هل الحسن إلا أحد رجلين: إما منافق أراح الله منه، وإما برّ فما عند الله خير للأبرار .ثم أن معاوية قال لحاجبه: أذن للناس وأخر أذن ابن عباس. فلما أصبح ودخل عليه الناس أذنوا لابن عباس، فسلّم فقال معاوية: يا أبا العباس أما ترى ما حدث بأهلك ؟قال: لا. قال: فإن أبا محمد قد توفي، فأعظم الله أجرك. قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، عند الله نحتسب مصيبتنا بالحسن عليه السلام فقد بلغتني سجدتك، وما أظن ذاك إلا لوفاته، أما والله لا يسدُّ جسده حفرتك، ولا يزيد انقضاء أجله في عمرك، ولطالما رزئنا بمن هو أعظم رزءاً من الحسن عليه السلام، ثم جبر الله. قال معاوية: كم أتى له ؟قال: شأنه أعظم من أن يجهل مولده. قال: إني أحسبه قد ترك صبياناً صغاراً. قال: كلنا كان صغيراً فكبر. قال معاوية: أصبحت سيد أهل بيتك يا أبا العباس. قال: أما ما أبقى الله أبا عبد الله الحسين بن علي عليه السلام فلا. قال: ثم نهض وعيناه تدمع، فلما ولى قال معاوية: لله دره، والله ما هيجناه قطُّ إلا وجدناه معداُ. فلما رجع ابن عباس إلى رحله، جلس بفنائه، وجاءه الناس يعزونه، وجاءته خيل، كلما جاءه إنسان نزل ووقف حتى جاءه يزيد بن معاوية، فأوسع له ابن عباس، فأبى أن يجلس إلا بين يديه مجلس المعزّي، فذكر الحسن عليه السلام في فضله وسابقته وقرابته، فأحسن ذكره، وترحم عليه، ثم قام فركب، فأتبعه ابن عباس بصره فلما ولى قال: إذا ذهب بنو حرب ذهب حلماء قريش .ثم إن ابن عباس دخل بعد ذلك بأيام على معاوية، فقال له معاوية: يا أبا العباس! هل ترى ما حدث في أهلك ؟قال: لا، قال: فإن أُسامة بن زيد هلك، ثم خرج. فلما كانت الجمعة، قال ابن عباس: يا غلام اعطني ثيابي، حتى متى أصبر لهذا المنافق ينعى إلي أهل بيتي رجلاً رجلا، فلبس ثيابه ثم اعتم وتطيب بطيب كان يعرف به إذا ما وجد ريحه، فلما دخل المسجد قال أهل الشام: ما يشبه هذا إلا الملائكة، من هذا ؟فلما صلى أسند إلى اسطوانة، فلم تبق في المسجد حلقة إلا تقوضت إليه، فلم يُسأل عن حلال ولا حرام ولا فقه ولا تفسير قرآن ولا حديث جاهلية ولا إسلام إلا أنبأهم به. فافتقد معاوية يومئذٍ من كان يدخل عليه، وقال لحاجبه: أين الناس ؟قال: عند ابن عباس، فأخبره بخبره واجتماع الناس إليه، وأنه لو شاء أن يضربه بمائة ألف سيف فعل قبل الليل. فقال: نحن أظلم منه، حبسناه عن أهلهن ومنعناه حاجته، ونعينا إليه أحبته، انطلق يا غلام فادعه. فلما أتاه الحاجب قال: إنا معشر بني عبد مناف إذا حضرت الصلاة لم نقم حتى تُقضى الصلاة، أصلي وآتيه إن شاء الله. فرجع فأخبره،

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1