Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

تفسير الطبري
تفسير الطبري
تفسير الطبري
Ebook1,289 pages6 hours

تفسير الطبري

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

جامع البيان في تفسير القرآن أو جامع البيان عن تأويل آي القرآن أو جامع البيان في تأويل القرآن المعروف بـ «تفسير الطبري» للإمام محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الشهير بالإمام أبو جعفر الطبري، هو من أشهر الكتب الإسلامية المختصة بعلم تفسير القرآن الكريم عند أهل السنة والجماعة، ويُعِدُّه البعضِ المرجعَ الأول للتفسير
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateNov 5, 1900
ISBN9786363563543
تفسير الطبري

Read more from الطبراني

Related to تفسير الطبري

Related ebooks

Related categories

Reviews for تفسير الطبري

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    تفسير الطبري - الطبراني

    الغلاف

    تفسير الطبري

    الجزء 10

    الطبري، أبو جعفر

    310

    جامع البيان في تفسير القرآن أو جامع البيان عن تأويل آي القرآن أو جامع البيان في تأويل القرآن المعروف بـ «تفسير الطبري» للإمام محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الشهير بالإمام أبو جعفر الطبري، هو من أشهر الكتب الإسلامية المختصة بعلم تفسير القرآن الكريم عند أهل السنة والجماعة، ويُعِدُّه البعضِ المرجعَ الأول للتفسير

    الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} النساء: 48 يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فِي عِبَادَتِهِ غَيْرَهُ مِنْ خَلْقِهِ , فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا , يَقُولُ: فَقَدِ اخْتَلَقَ إِثْمًا عَظِيمًا. وَإِنَّمَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُفْتَرِيًا , لِأَنَّهُ قَالَ زُورًا وَإِفْكًا بِجُحُودِهِ وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ

    وَإِقْرَارِهِ بِأَنَّ لِلَّهِ شَرِيكًا مِنْ خَلْقِهِ وَصَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا, فَقَائِلُ ذَلِكَ مُفْتَرٍ, وَكَذَلِكَ كُلُّ كَاذِبٌ فَهُوَ مُفْتَرٍ فِي كَذِبِهِ مُخْتَلِقٌ لَهُ

    الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} النساء: 49 يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَلَمْ تَرَ يَا مُحَمَّدُ بِقَلْبِكَ الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ مِنَ الْيَهُودِ فَيُبَرِّئُونَهَا مِنَ الذُّنُوبِ , وَيُطَهِّرُونَهَا وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي كَانَتِ الْيَهُودُ تُزَكِّي بِهِ

    أَنْفُسَهَا, فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتْ تَزْكِيَتُهُمْ أَنْفُسَهُمْ قَوْلَهُمْ: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18] ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ, قَالَ: ثنا يَزِيدُ, قَالَ: ثنا سَعِيدٌ, عَنْ قَتَادَةَ, قَوْلُهُ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: 49] وَهُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ الْيَهُودُ زَكُّوا أَنْفُسَهُمْ بِأَمْرٍ لَمْ يَبْلُغُوهُ, فَقَالُوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ, وَقَالُوا: لَا ذُنُوبَ لَنَا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى, قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ, قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ, عَنِ الْحَسَنِ, فِي قَوْلِهِ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} [النساء: 49] قَالَ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى, قَالُوا: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18] وَقَالُوا: {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} [البقرة: 111] " وَحَدَّثَنَا الْقَاسِمُ, قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ, قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ, عَنْ عُبَيْدِ بْنِ سُلَيْمَانَ, عَنِ الضَّحَّاكِ, قَالَ: قَالَتْ يَهُودُ: لَيْسَتْ لَنَا ذُنُوبٌ إِلَّا كَذُنُوبِ أَوْلَادِنَا يَوْمَ

    يُولَدُونَ, فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ ذُنُوبٌ, فَإِنَّ لَنَا ذَنُوبًا, فَإِنَّمَا نَحْنُ مِثْلُهُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 50] حَدَّثَنِي يُونُسُ, قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ, قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} [النساء: 49] قَالَ: قَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} [البقرة: 111] وَقَالُوا: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18] وَقَالُوا: نَحْنُ عَلَى الَّذِي يُحِبُّ اللَّهُ. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [النساء: 49] حِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ, وَأَنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ وَأَهْلُ طَاعَتِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ, قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ, قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ, عَنِ السُّدِّيِّ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: 49] نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ, قَالُوا: إِنَّا نُعَلِّمُ أَبْنَاءَنَا التَّوْرَاةَ صِغَارًا فَلَا تَكُونُ لَهُمْ ذُنُوبٌ, وَذُنُوبُنَا مِثْلُ ذُنُوبِ أَبْنَائِنَا, مَا عَمِلْنَا بِالنَّهَارِ كُفِّرَ عَنَّا بِاللَّيْلِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَتْ تَزْكِيَتُهُمْ أَنْفُسَهُمْ تَقْدِيمَهُمْ أَطْفَالَهُمْ لِإِمَامَتِهِمْ فِي صَلَاتِهِمْ زَعْمًا مِنْهَا أَنَّهُمْ لَا ذُنُوبَ لَهُمْ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو, قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ, عَنْ عِيسَى, عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ, عَنْ مُجَاهِدٍ, فِي قَوْلِهِ: {يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} [النساء: 49] قَالَ: «يَهُودُ, كَانُوا يُقَدِّمُونَ صِبْيَانَهُمْ فِي

    الصَّلَاةِ فَيَؤُمُّونَهُمْ, يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لَا ذُنُوبَ لَهُمْ. فَتِلْكَ التَّزْكِيَةُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ, عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ, عَنْ مُجَاهِدٍ, مِثْلَهُ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ, عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ, عَنِ الْأَعْرَجِ, عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانُوا يُقَدِّمُونَ الصِّبْيَانَ أَمَامَهُمْ فِي الدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ يَؤُمُّونَهُمْ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لَا ذُنُوبَ لَهُمْ, فَتِلْكَ تَزْكِيَةُُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ, قَالَ: ثنا أَبِي, عَنْ سُفْيَانَ, عَنْ حُصَيْنٍ, عَنْ أَبِي مَالِكٍ, فِي قَوْلِهِ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} [النساء: 49] قَالَ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ كَانُوا يُقَدِّمُونَ صِبْيَانَهُمْ يَقُولُونَ: لَيْسَتْ لَهُمْ ذُنُوبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ, قَالَ: ثنا أَبِي, عَنْ أَبِي مَكِينٍ, عَنْ عِكْرِمَةَ, فِي قَوْلِهِ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} [النساء: 49] قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يُقَدِّمُونَ الْغِلْمَانَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ يُصَلُّونَ بِهِمْ, يَقُولُونَ لَيْسَ لَهُمْ ذُنُوبٌ, فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} [النساء: 49] الْآيَةُ

    وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ تَزْكِيَتُهُمْ أَنْفُسَهُمْ كَانَتْ قَوْلَهُمْ: إِنَّ أَبْنَاءَنَا سَيَشْفَعُونَ لَنَا وَيُزَكُّونَنَا ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ, قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: قَالَ ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, قَوْلُهُ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} [النساء: 49] وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا: إِنَّ أَبْنَاءَنَا قَدْ تُوُفُّوا وَهُمْ لَنَا قُرْبَةٌ عِنْدَ اللَّهِ, وَسَيَشْفَعُونَ وَيُزَكُّونَنَا. فَقَالَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} [النساء: 49] إِلَى {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: 49] وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُمْ تَزْكِيَةً مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَسْعُودِيُّ, قَالَ: ثنا أَبِي, عَنْ أَبِيهِ, عَنِ الْأَعْمَشِ, عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ, عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ, قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَغْدُو بِدِينِهِ, ثُمَّ يَرْجِعُ وَمَا مَعَهُ مِنْهُ شَيْءٌ. يلْقَى الرَّجُلَ لَيْسَ يَمْلِكُ لَهُ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا, فَيَقُولُ: وَاللَّهِ إِنَّكَ لَذَيْتَ وَذَيْتَ, وَلَعَلَّهُ أَنْ

    يَرْجِعَ, وَلَمْ يَحِلَّ عَنْ حَاجَتِهِ بِشَيْءٍ, وَقَدْ أَسْخَطَ اللَّهَ عَلَيْهِ. ثُمَّ قَرَأَ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} [النساء: 49] الْآيَةَ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى تَزْكِيَةِ الْقَوْمِ الَّذِينَ وَصَفَهَمُ اللَّهُ بِأَنَّهُمْ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ وَوَصْفِهِمْ إِيَّاهَا بِأَنَّهَا لَا ذُنُوبَ لَهَا وَلَا خَطَايَا, وَأَنَّهُمْ لِلَّهِ أَبْنَاءٌ وَأَحِبَّاءٌ, كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَهُ, لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ أَظْهَرُ مَعَانِيهِ لِإِخْبَارِ اللَّهِ عَنْهُمْ أَنَّهَا إِنَّمَا كَانُوا يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ دُونَ غَيْرِهَا. وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: مَعْنَى ذَلِكَ: تَقْدِيمُهُمْ أَطْفَالَهُمْ لِلصَّلَاةِ, فَتَأْوِيلٌ لَا تُدْرَكُ صِحَّتُهُ إِلَّا بِخَبَرٍ حُجَّةٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءِ} [النساء: 49] فَإِنَّهُ تَكْذِيبٌ مِنَ اللَّهِ الْمُزَكِّينَ أَنْفُسَهُمْ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى, الْمُبَرِّئِيهَا مِنَ الذُّنُوبِ, يَقُولُ اللَّهُ لَهُمْ: مَا الْأَمْرُ كَمَا زَعَمْتُمْ أَنَّهُ لَا ذُنُوبَ لَكُمْ وَلَا خَطَايَا, وَإِنَّكُمْ بُرَآءُ مِمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ, وَلَكِنَّكُمْ أَهْلُ فِرْيَةٍ وَكَذِبٍ عَلَى اللَّهِ, وَلَيْسَ الْمُزَكِّي مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ, وَلَكِنَّهُ الَّذِي يُزَكِّيهِ اللَّهُ, وَاللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ, فَيُطَهِّرُهُ وَيُبَرِّئُهُ مِنَ الذُّنُوبِ بِتَوْفِيقِهِ لِاجْتِنَابِ مَا يَكْرَهُهُ مِنْ مَعَاصِيهِ إِلَى مَا يَرْضَاهُ مِنْ طَاعَتِهِ.

    وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النساء: 50] وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ بِدَعْوَاهُمْ أَنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ, وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ طَهَّرَهُمْ مِنَ الذُّنُوبِ

    الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} النساء: 49 يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلَا يَظْلِمُ اللَّهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ وَلَا غَيْرَهُمْ مِنْ خَلْقِهِ , فَيَبْخَسُهُمْ فِي تَرْكِهِ تَزْكِيَتَهُمْ , وَتَزْكِيَةِ مَنْ تَرَكَ تَزْكِيَتَهُ , وَفِي تَزْكِيَةِ مَنْ زَكَّى مِنْ خَلْقِهِ شَيْئًا مِنْ حُقُوقِهِمْ وَلَا يَضَعُ شَيْئًا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ

    , وَلَكِنَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ, فَيُوَفِّقُهُ, وَيَخْذُلُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ أَهْلِ مَعَاصِيهِ؛ كُلُّ ذَلِكَ إِلَيْهِ وَبِيَدِهِ, وَهُوَ فِي كُلِّ ذَلِكَ غَيْرُ ظَالِمٍ أَحَدًا مِمَّنْ زَكَّاهُ أَوْ لَمْ يُزَكِّهِ فَتِيلًا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْفَتِيلِ, فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَا خَرَجَ مِنْ بَيْنَ الْأُصْبُعَيْنِ وَالْكَفَّيْنِ مِنَ الْوَسَخِ إِذَا فَتَلْتَ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ, قَالَ: ثنا أَبُو كُدَيْنَةَ, عَنْ قَابُوسَ, عَنْ أَبِيهِ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, قَالَ: الْفَتِيلُ: مَا خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أُصْبُعَيْكِ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا حَكَّامٌ, عَنْ عَنبَسَةَ, عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ, عَنِ التَّيْمِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ, عَنْ قَوْلِهِ: {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: 49] قَالَ: «مَا فَتَلْتَ بَيْنَ أُصْبُعَيْكَ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبِي, عَنْ زَيْدِ بْنِ دِرْهَمٍ أَبِي الْعَلَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: 49] قَالَ: الْفَتِيلُ: هُوَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ بَيْنَ إِصْبَعَيِّ الرَّجُلِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: 49] وَالْفَتِيلُ: هُوَ أَنْ تَدْلُكَ بَيْنَ أُصْبُعَيْكَ, فَمَا خَرَجَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ, قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ, قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ, عَنْ أَبِي مَالِكٍ, فِي قَوْلِهِ: {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: 49] قَالَ: الْفَتِيلُ: الْوَسَخُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الْكَفَّيْنِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ, قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ, قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ, عَنِ السُّدِّيِّ, قَالَ: الْفَتِيلُ: مَا فَتَلْتَ بِهِ يَدَيْكَ فَخَرَجَ وَسَخٌ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا جَرِيرٌ, عَنْ مَنْصُورٍ, عَنْ مُجَاهِدٍ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, فِي قَوْلِهِ: {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: 49] قَالَ: «مَا تَدْلُكْهُ فِي يَدَيْكَ فَيَخْرُجُ بَيْنَهُمَا» وَأُنَاسٌ يَقُولُونَ: الَّذِي يَكُونُ فِي بَطْنِ النَّوَاةِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى, قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ, قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ, عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, قَوْلُهُ: {فَتِيلًا} [النساء: 49] قَالَ: «الَّذِي فِي بَطْنِ النَّوَاةِ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ, قَالَ: ثنا أَبِي, عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو, عَنْ عَطَاءٍ, قَالَ: الْفَتِيلُ: الَّذِي فِي بَطْنِ النَّوَاةِ حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: ثني طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو, أَنَّهُ سَمِعَ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ يَقُولُ, فَذَكَرَ مِثْلَهُ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ, قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ, قَالَ: ثني حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ, أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا, يَقُولُ: الْفَتِيلُ: الَّذِي فِي شِقِّ النَّوَاةِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ, قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ, قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ, عَنْ مَنْصُورٍ, عَنْ مُجَاهِدٍ, قَالَ: الْفَتِيلُ: فِي النَّوَى حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى, قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ, قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ, عَنْ قَتَادَةَ, فِي قَوْلِهِ: {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: 49] قَالَ: الْفَتِيلُ: الَّذِي فِي شِقِّ النَّوَاةِ حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ, قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ, يَقُولُ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ, قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ, يَقُولُ: الْفَتِيلُ: شِقُّ النَّوَاةِ حَدَّثَنِي يُونُسُ, قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ, قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْفَتِيلُ: الَّذِي فِي بَطْنِ النَّوَاةِ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ, قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ, قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ, عَنِ الضَّحَّاكِ, قَالَ: الْفَتِيلُ: الَّذِي يَكُونُ فِي شِقِّ النَّوَاةِ حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ, عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ, عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: 49] فَتِيلُ النَّوَاةِ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ, قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ, قَالَ: ثنا قُرَّةُ, عَنْ عَطِيَّةَ, قَالَ: الْفَتِيلُ: الَّذِي فِي بَطْنِ النَّوَاةِ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَصْلُ الْفَتِيلِ: الْمَفْتُولُ, صُرِفَ مِنْ مَفْعُولٍ إِلَى فَعِيلٍ, كَمَا قِيلَ: صَرِيعٌ وَدَهِينٌ مِنْ مَصْرُوعٍ وَمَدْهُونٍ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ, وَكَانَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا قَصَدَ بِقَوْلِهِ: {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: 49] الْخَبَرَ عَنْ أَنَّهُ لَا يَظْلِمْ عِبَادَهُ أَقَلَّ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا خَطَرَ لَهَا, فَكَيْفَ بِمَا لَهُ خَطَرٌ, وَكَانَ الْوَسَخُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أُصْبُعَيِ الرَّجُلِ أَوْ مِنْ بَيْنِ كَفَّيْهِ إِذَا فَتَلَ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى, كَالَّذِي هُوَ فِي شِقِّ النَّوَاةِ وَبَطْنِهَا, وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي هِيَ مَفْتُولَةٌ, مِمَّا لَا خَطَرَ لَهُ وَلَا قِيمَةَ, فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ كُلُّ ذَلِكَ دَاخِلَا فِي مَعْنَى الْفَتِيلِ, إِلَّا أَنْ يُخْرِجَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهَرُ التَّنْزِيلِ

    الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا} النساء: 50 يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: انْظُرْ يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ يَفْتَرِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْقَائِلُونَ: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ , وَأَنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى , الزَّاعِمُونَ

    أَنَّهُ لَا ذُنُوبَ لَهُمُ الْكَذِبَ وَالزُّورَ مِنَ الْقَوْلِ, فَيَخْتَلِقُونَهُ عَلَى اللَّهِ. {وَكَفَى بِهِ} [النساء: 50] يَقُولُ: " وَحَسْبُهُمْ بِقِيلِهِمْ ذَلِكَ الْكَذِبُ وَالزُّورُ عَلَى اللَّهِ {إِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 50]

    يَعْنِي: أَنَّهُ يُبَيِّنُ كَذِبَهُمْ لِسَامِعِيهِ, وَيُوَضِّحُ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَفَكَةٌ فَجَرَةٌ. كَمَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ, قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ, قَالَ: ثني حَجَّاجٌ, عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} [النساء: 49] قَالَ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النساء: 50] "

    الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} النساء: 51 يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَلَمْ تَرَ بِقَلْبِكَ يَا مُحَمَّدُ إِلَى الَّذِينَ أُعْطُوا حَظًّا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَعَلِمُوهُ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ , يَعْنِي:

    يُصَدِّقُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَكْفُرُونَ بِاللَّهِ, وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ الْإِيمَانَ بِهِمَا كُفْرٌ وَالتَّصْدِيقَ بِهِمَا شِرْكٌ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ, فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمَا صَنَمَانِ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَهُمَا مِنْ دُونِ اللَّهِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى, قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ, قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ, قَالَ: أَخْبَرَنِي أَيُّوبُ, عَنْ عِكْرِمَةَ, أَنَّهُ قَالَ: الْجِبْتُ وَالطَّاغُوتُ: صَنَمَانِ وَقَالَ آخَرُونَ: الْجِبْتُ: الْأَصْنَامُ, وَالطَّاغُوتُ: تَرَاجِمَةُ الْأَصْنَامِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ, قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, قَوْلُهُ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 51] الْجِبْتُ: الْأَصْنَامُ, وَالطَّاغُوتُ: الَّذِينَ يَكُونُونَ بَيْنَ أَيْدِي الْأَصْنَامِ يُعَبِّرُونَ عَنْهَا الْكَذِبَ لِيُضِلُّوا النَّاسَ وَزَعَمَ رِجَالٌ أَنَّ الْجِبْتَ: الْكَاهِنُ. وَالطَّاغُوتَ: رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ يُدْعَى كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ, وَكَانَ سَيِّدَ الْيَهُودِ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْجِبْتُ: السَّحَرُ, وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى, قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ, عَنْ شُعْبَةَ, عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ, عَنْ حَسَّانَ بْنِ فَائِدٍ, قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْجِبْتُ: السِّحْرُ, وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبِي, عَنْ سُفْيَانَ, عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ, عَنْ حَسَّانَ بْنِ فَائِدٍ الْعَنْسِيِّ, عَنْ عُمَرَ مِثْلَهُ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ, قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ, قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ, عَمَّنْ حَدَّثَهُ, عَنْ مُجَاهِدٍ, قَالَ: الْجِبْتُ: السِّحْرُ, وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ, قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ, قَالَ: أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا, عَنِ الشَّعْبِيِّ, قَالَ: الْجِبْتُ: السِّحْرُ, وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو, قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ, عَنْ عِيسَى, عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ, عَنْ مُجَاهِدٍ, فِي قَوْلِهِ: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 51] قَالَ: الْجِبْتُ: السِّحْرُ, وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ إِنْسَانٍ يَتَحَاكَمُونَ إِلَيْهِ, وَهُوَ صَاحِبُ أَمْرِهِمْ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا جَرِيرٌ, عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ, عَنْ قَيْسٍ, عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْجِبْتُ: السِّحْرُ, وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ وَالْكَاهِنُ وَقَالَ آخَرُونَ: الْجِبْتُ: السَّاحِرُ, وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ, قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ, قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانَ أَبِي يَقُولُ: الْجِبْتُ: السَّاحِرُ, وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ

    وَقَالَ آخَرُونَ: الْجِبْتُ: السَّاحِرُ, وَالطَّاغُوتُ: الْكَاهِنُ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ, قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ, قَالَ: ثنا شُعْبَةُ, عَنْ أَبِي بِشْرٍ, عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ, فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {الْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} قَالَ: الْجِبْتُ: السَّاحِرُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ, وَالطَّاغُوتُ: الْكَاهِنُ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى, قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى, قَالَ: ثنا دَاوُدُ, عَنْ رُفَيْعٍ, قَالَ: الْجِبْتُ: السَّاحِرُ, وَالطَّاغُوتُ: الْكَاهِنُ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى, قَالَ: ثني عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا دَاوُدُ, عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ, أَنَّهُ قَالَ: الطَّاغُوتُ: السَّاحِرُ, وَالْجِبْتُ: الْكَاهِنُ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ, عَنْ دَاوُدَ, عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ: {الْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} قَالَ: «أَحَدُهُمَا السِّحْرُ, وَالْآخَرُ الشَّيْطَانُ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْجِبْتُ: الشَّيْطَانُ, وَالطَّاغُوتُ: الْكَاهِنُ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ, قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ, قَالَ: ثنا سَعِيدٌ, عَنْ قَتَادَةَ: قَوْلَهُ: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 51] كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّ الْجِبْتَ شَيْطَانٌ, وَالطَّاغُوتَ الْكَاهِنُ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ, عَنْ قَتَادَةَ, مِثْلَهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ, قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ, قَالَ: ثنا أَسْبَاطُ, عَنِ السُّدِّيِّ, قَالَ: الْجِبْتُ: الشَّيْطَانُ, وَالطَّاغُوتُ: الْكَاهِنُ "

    وَقَالَ آخَرُونَ: الْجِبْتُ: الْكَاهِنُ, وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ, قَالَ: ثنا أَبِي, عَنْ سُفْيَانَ, عَنْ رَجُلٍ, عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ, قَالَ: الْجِبْتُ: الْكَاهِنُ: وَالطَّاغُوتُ: السَّاحِرُ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ, قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ, قَالَ: ثنا عَوْفٌ, عَنْ مُحَمَّدٍ, قَالَ فِي الْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ قَالَ: الْجِبْتُ: الْكَاهِنُ, وَالْآخَرُ: السَّاحِرُ " وَقَالَ آخَرُونَ: الْجِبْتُ: حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ, وَالطَّاغُوتُ: كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى, قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ, قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ, عَنْ عَلِيٍّ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, قَوْلُهُ: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 51] الطَّاغُوتُ: كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ,

    وَالْجِبْتُ: حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى, قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ, قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ, عَنْ جُوَيْبِرٍ, عَنِ الضَّحَّاكِ, قَالَ: الْجِبْتُ: حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ, وَالطَّاغُوتُ: كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ, قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ, قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ, عَنِ الضَّحَّاكِ, فِي قَوْلِهِ: {الْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} قَالَ: الْجِبْتُ: حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ, وَالطَّاغُوتُ: كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَقَالَ آخَرُونَ: الْجِبْتُ: كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ, وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ, قَالَ: ثنا جَرِيرٌ, عَنْ لَيْثٍ, عَنْ مُجَاهِدٍ, قَالَ: الْجِبْتُ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ, وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ كَانَ فِي صُورَةِ إِنْسَانٍ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي تَأْوِيلِ: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 51] أَنْ يُقَالَ: يُصَدِّقُونَ بِمَعْبُودَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ يَعْبُدُونَهُمَا مِنْ دُونِ اللَّهِ, وَيَتَّخِذُونَهُمَا إِلَهَيْنِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْجِبْتَ وَالطَّاغُوتَ اسْمَانِ لِكُلِّ مُعَظَّمٍ بِعِبَادَةٍ مِنْ دُونِ اللَّهِ, أَوْ طَاعَةٍ أَوْ خُضُوعٍ لَهُ, كَائِنًا مَا كَانَ ذَلِكَ الْمُعَظَّمَ مِنْ حَجَرٍ أَوْ إِنْسَانٍ أَوْ شَيْطَانٍ.

    وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَكَانَتِ الْأَصْنَامُ الَّتِي كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَعْبُدُهَا كَانَتْ مُعَظَّمَةً بِالْعِبَادَةِ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ كَانَتْ جُبُوتًا وَطَوَاغِيتَ, وَكَذَلِكَ الشَّيَاطِينُ الَّتِي كَانَتِ الْكُفَّارُ تُطِيعُهَا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ, وَكَذَلِكَ السَّاحِرُ وَالْكَاهِنُ اللَّذَانِ كَانَ مَقْبُولًا مِنْهُمَا مَا قَالَا فِي أَهْلِ الشِّرْكِ بِاللَّهِ, وَكَذَلِكَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ, وَكَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ, لِأَنَّهُمَا كَانَا مُطَاعَيْنِ فِي أَهْلِ مِلَّتِهِمَا مِنَ الْيَهُودِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَالْكُفْرِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ, فَكَانَا جِبْتَيْنِ وَطَاغُوتَيْنِ. وَقَدْ بَيَّنْتُ الْأَصْلَ الَّذِي مِنْهُ قِيلَ لِلطَّاغُوتِ طَاغُوتٌ, بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ

    الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} النساء: 51 يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ جَحَدُوا وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ وَرِسَالَةَ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {هَؤُلَاءِ} البقرة: 31 يَعْنِي بِذَلِكَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِالْكُفْرِ {أَهْدَى} النساء: 51 يَعْنِي أَقُومَ وَأَعْدَلَ {مِنَ الَّذِينَ

    آمَنُوا} [البقرة: 212] يَعْنِي مِنَ الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَأَقَرُّوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {سَبِيلًا} [آل عمران: 97] يَعْنِي: طَرِيقًا وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَثَلٌ, وَمَعْنَى الْكَلَامِ: إِنَّ اللَّهَ وَصَفَ الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ بِتَعْظِيمِهِمْ غَيْرَ اللَّهِ بِالْعِبَادَةِ وَالْإِذْعَانِ لَهُ بِالطَّاعَةِ فِي الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَعْصِيَتِهِمَا, وَأَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ أَهْلَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ, وَإِنَّ دِينَ أَهْلِ التَّكْذِيبِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ أَعْدَلُ وَأَصْوَبُ مِنْ دِينِ أَهْلِ التَّصْدِيقِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ, وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَةِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ, وَأَنَّهُ قَائِلٌ ذَلِكَ ذِكْرُ الْآثَارِ الْوَارِدَةِ بِمَا قُلْنَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى, قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ, عَنْ دَاوُدَ, عَنْ عِكْرِمَةَ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, قَالَ: لَمَّا قَدِمَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ مَكَّةَ قَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ: أَنْتَ خَيْرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَسَيِّدُهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: أَلَا تَرَى إِلَى هَذَا الصُّنْبُورِ الْمُنْبَتِرِ مِنْ قَوْمِهِ يَزْعُمُ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنَّا, وَنَحْنُ أَهْلُ الْحَجِيجِ وَأَهْلُ السِّدَانَةِ وَأَهْلُ السِّقَايَةِ؟ قَالَ: أَنْتُمْ خَيْرٌ مِنْهُ. قَالَ: فَأُنْزِلَتْ: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3] وَأُنْزِلَتْ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 51] إِلَى قَوْلِهِ: {فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} [النساء: 52]

    حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى, قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ, قَالَ: ثنا دَاوُدُ, عَنْ عِكْرِمَةَ, فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} [آل عمران: 23] ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ, عَنْ دَاوُدَ, عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَدِمَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ مَكَّةَ, فَقَالَ لَهُ الْمُشْرِكُونَ: احْكُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَذَا الصُّنْبُورِ الْأَبْتَرِ, فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَسَيِّدُ قَوْمِكَ. فَقَالَ كَعْبٌ: أَنْتُمْ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} [آل عمران: 23] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ " حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ, عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ انْطَلَقَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ, فَاسْتَجَاشَهُمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَغْزُوهُ, وَقَالَ: إِنَّا مَعَكُمْ نُقَاتِلُهُ, فَقَالُوا: إِنَّكُمْ أَهْلُ كِتَابٍ, وَهُوَ صَاحِبُ كِتَابٍ, وَلَا نَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَكْرًا مِنْكُمْ, فَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ نَخْرُجَ مَعَكَ فَاسْجُدْ لِهَذَيْنِ الصَّنَمَيْنِ وَآمِنْ بِهِمَا. ففَعَلَ. ثُمَّ قَالُوا: نَحْنُ أَهْدَى أَمْ مُحَمَّدٌ؟ فَنَحْنُ نَنْحَرُ الْكَوْمَاءَ, وَنَسْقِي اللَّبَنَ عَلَى الْمَاءِ, وَنَصِلُ الرَّحِمَ, وَنُقْرِي الضَّيْفَ, وَنَطُوفُ بِهَذَا الْبَيْتِ, وَمُحَمَّدٌ قَطَعَ رَحِمَهُ,

    وَخَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ. قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ خَيْرٌ وَأَهْدَى. فَنَزَلَتْ فِيهِ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} [النساء: 51] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ, قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ, قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ, عَنِ السُّدِّيِّ, قَالَ: لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَهُودِ بَنِي النَّضِيرِ مَا كَانَ حِينَ أَتَاهُمْ يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ الْعَامِرِيَّيْنِ, فَهَمُّوا بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ, فَأَطْلَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ عَلَى مَا هَمُّوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ, وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ, فَهَرَبَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ, فَعَاهَدَهُمْ عَلَى مُحَمَّدٍ, فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ: يَا أَبَا سَعْدٍ, إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَقْرَءُونَ الْكِتَابَ وَتَعْلَمُونَ, وَنَحْنُ قَوْمٌ لَا نَعْلَمُ, فَأَخْبِرْنَا: دِينُنَا خَيْرٌ أَمْ دِينُ مُحَمَّدٍ؟ قَالَ كَعْبٌ: اعْرِضُوا عَلَيَّ دِينَكُمْ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: نَحْنُ قَوْمٌ نَنْحَرُ الْكَوْمَاءَ, وَنَسْقِي الْحَجِيجَ الْمَاءَ, وَنُقْرِي الضَّيْفَ, وَنَعْمُرُ بَيْتَ رَبِّنَا, وَنَعْبُدُ آلِهَتَنَا الَّتِي كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا, وَمُحَمَّدٌ يَأْمُرُنَا أَنْ نَتْرُكَ هَذَا وَنَتَّبِعَهُ. قَالَ: دِينُكُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ, فَاثْبُتُوا عَلَيْهِ. أَلَا تَرَوْنَ أَنَّ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّهُ بُعِثَ بِالتَّوَاضُعِ, وَهُوَ يَنْكِحُ مِنَ النِّسَاءِ مَا شَاءَ؟ وَمَا نَعْلَمُ مُلْكًا أَعْظَمَ مِنْ مُلْكِ النِّسَاءِ. فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} [النساء: 51] حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ, قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ, قَالَ: ثني حَجَّاجٌ, عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ, عَنْ مُجَاهِدٍ, قَالَ: نَزَلَتْ فِي كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَكُفَّارِ قُرَيْشٍ قَالَ: كُفَّارُ قُرَيْشٍ أَهْدَى مِنْ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَدِمَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ, فَجَاءَتْهُ قُرَيْشٌ فَسَأَلَتْهُ عَنْ مُحَمَّدٍ فَصَغَّرَ أَمْرَهُ وَيَسَّرَهُ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ ضَالٌّ. قَالَ: ثُمَّ قَالُوا لَهُ: نَنْشُدُكَ اللَّهَ نَحْنُ أَهْدَى أَمْ هُوَ؟ فَإِنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّا نَنْحَرُ الْكَوْمَ, وَنَسْقِي الْحَجِيجَ, وَنَعْمُرُ الْبَيْتَ, وَنُطْعِمُ مَا هَبَّتِ الرِّيحُ. قَالَ: أَنْتُمْ أَهْدَى " وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هَذِهِ الصِّفَةُ صِفَةُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْيَهُودِ مِنْهُمْ حُيَيُّ بْنُ

    أَخْطَبَ, وَهُمُ الَّذِينَ قَالُوا لِلْمُشْرِكِينَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوهُ لَهُمْ ذِكْرُ الْأَخْبَارِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ, قَالَ: ثنا سَلَمَةُ, عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ, عَمَّنْ قَالَهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ, عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, قَالَ: كَانَ الَّذِينَ حَزَّبُوا الْأَحْزَابَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ وَبَنِي قُرَيْظَةَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ, وَسَلَّامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ, وَأَبُو رَافِعٍ, وَالرَّبِيعُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ, وَأَبُو عَامِرٍ, وَوَحْوَحُ بْنُ عَامِرٍ, وَهَوْذَةُ بْنُ قَيْسٍ؛ فَأَمَّا وَحْوَحُ, وَأَبُو عَامِرٍ, وَهَوْذَةُ فَمِنْ بَنِي وَائِلٍ, وَكَانَ سَائِرُهُمْ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ. فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى قُرَيْشٍ, قَالُوا: هَؤُلَاءِ أَحْبَارُ يَهُودَ وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْكُتُبِ الْأُوَلِ, فَاسْأَلُوهُمْ أَدِينُكُمْ خَيْرٌ, أَمْ دِينُ مُحَمَّدٍ؟ فَسَأَلُوهُمْ, فَقَالُوا: بَلْ دِينُكُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ, وَأَنْتُمْ أَهْدَى مِنْهُ وَمِمَّنِ اتَّبَعَهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 51] إِلَى قَوْلِهِ: {وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} [النساء: 54] " حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ, قَالَ: ثنا يَزِيدُ, قَالَ: ثنا سَعِيدٌ, عَنْ قَتَادَةَ, قَوْلُهُ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 51] الْآيَةُ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ فِي كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَرَجُلَيْنِ مِنَ

    الْيَهُودِ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ لَقِيَا قُرَيْشًا بَمَوْسِمٍ, فَقَالَ لَهُمُ الْمُشْرِكُونَ: أَنَحْنُ أَهْدَى أَمْ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ؟ فَإِنَّا أَهْلُ السِّدَانَةِ وَالسِّقَايَةِ وَأَهْلُ الْحَرَمِ. فَقَالَا: لَا, بَلْ أَهْدَى مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ. وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُمَا كَاذِبَانِ, إِنَّمَا حَمَلَهُمَا عَلَى ذَلِكَ حَسَدُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ " وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هَذِهِ صِفَةُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَحْدَهُ, وَإِيَّاهُ عَنَى بِقَوْلِهِ: {وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} [النساء: 51] ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ, قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ, قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} [آل عمران: 23] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ: جَاءَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ, فَقَالُوا: يَا حُيَيُّ إِنَّكُمْ أَصْحَابُ كُتُبٍ, فَنَحْنُ خَيْرٌ أَمْ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ؟ فَقَالَ: نَحْنُ وَأَنْتُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} [آل عمران: 23] إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} [النساء: 52] وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ, وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَانَتِ الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْخَبَرِ الَّذِي رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ سَعْدٍ أَوْ يَكُونَ حُيَيًّا وَآخَرَ مَعَهُ, إِمَّا كَعْبًا وَإِمَّا غَيْرَهُ

    الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} النساء: 52 يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ {أُولَئِكَ} البقرة: 5 هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ أَنَّهُمْ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ وَهُمْ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ , هُمُ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ , يَقُولُ: أَخْزَاهُمُ اللَّهُ فَأَبْعَدَهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ بِإِيمَانِهِمْ

    بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ, عِنَادًا مِنْهُمْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ, وَبِقَوْلِهِمْ: {لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} [النساء: 51] {وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ} [النساء: 52] يَقُولُ: وَمَنْ يُخْزِهِ اللَّهُ فَيُبْعِدَهُ مِنْ رَحْمَتِهِ {فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} [النساء: 52] يَقُولُ: فَلَنْ تَجِدَ لَهُ يَا مُحَمَّدُ نَاصِرًا يَنْصُرُهُ مِنْ عُقُوبَةِ اللَّهِ وَلَعْنَتِهِ الَّتِي تَحِلُّ بِهِ فَيَدْفَعُ ذَلِكَ عَنْهُ؛ كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ, قَالَ: ثنا يَزِيدُ, قَالَ: ثنا سَعِيدٌ, عَنْ قَتَادَةَ, قَالَ: قَالَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ مَا قَالَا, يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِمَا: هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا, وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُمَا كَاذِبَانِ, فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} [النساء: 52] "

    الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} النساء: 53 يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ} النساء: 53 أَمْ لَهُمْ حَظٌّ مِنَ الْمُلْكِ , يَقُولُ: لَيْسَ لَهُمْ حَظٌّ مِنَ الْمُلْكِ. كَمَا:

    حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ, قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ, قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ, عَنِ السُّدِّيِّ: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ} [النساء: 53] يَقُولُ: «لَوْ كَانَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ

    الْمُلْكِ إِذًا لَمْ يُؤْتُوا مُحَمَّدًا نَقِيرًا» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ, قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ, قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ, قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ اللَّهُ: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ} [النساء: 53] قَالَ: فَلَيْسَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ {فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} [النساء: 53] وَلَوْ كَانَ لَهُمْ نَصِيبٌ وَحَظُّ مِنَ الْمُلْكِ, لَمْ يَكُونُوا إِذًا يُعْطُونَ النَّاسَ نَقِيرًا مِنْ بُخْلِهِمْ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى النَّقِيرِ, فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ النُّقْطَةُ الَّتِي فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى, قَالَ: ثني عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ, عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {نَقِيرًا} [النساء: 53] يَقُولُ: «النُّقْطَةُ الَّتِي فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ» حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ قَالَ: ثنا أَبُو كُدَيْنَةَ, عَنْ قَابُوسَ, عَنْ أَبِيهِ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «النَّقِيرُ الَّذِي فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ» حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ, عَنْ إِسْرَائِيلَ,

    عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: النَّقِيرُ: وَسَطُ النَّوَاةِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} [النساء: 53] النَّقِيرُ: نَقِيرُ النَّوَاةِ: وَسَطُهَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ, قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ, قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ, عَنِ السُّدِّيِّ, قَوْلُهُ: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} [النساء: 53] يَقُولُ: لَوْ كَانَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ إِذًا لَمْ يُؤْتُوا مُحَمَّدًا نَقِيرًا, وَالنَّقِيرُ: النُّكْتَةُ الَّتِي فِي وَسَطِ النَّوَاةِ حَدَّثَنِي يُونُسُ, قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ, قَالَ: ثني طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو أَنَّهُ سَمِعَ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ, يَقُولُ: النَّقِيرُ: الَّذِي فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ, قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ, قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ, عَنِ

    الضَّحَّاكِ, قَالَ: النَّقِيرُ: النُّقْرَةُ الَّتِي تَكُونُ فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ, قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ, قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ, عَنْ أَبِي مَالِكٍ, قَالَ: النَّقِيرُ: الَّذِي فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ وَقَالَ آخَرُونَ: النَّقِيرُ: الْحَبَّةُ الَّتِي تَكُونُ فِي وَسَطِ النَّوَاةِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو, قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ, عَنْ عِيسَى, عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ, عَنْ مُجَاهِدٍ, فِي قَوْلِ اللَّهِ: {نَقِيرًا} [النساء: 53] قَالَ: النَّقِيرُ: حَبَّةُ النَّوَاةِ الَّتِي فِي وَسَطِهَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ, عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ, عَنْ مُجَاهِدٍ: {فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} [النساء: 53] قَالَ: النَّقِيرُ: حَبَّةُ النَّوَاةِ الَّتِي فِي وَسَطِهَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ, عَنْ مَنْصُورٍ, عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «النَّقِيرُ فِي النَّوَى» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجُ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرِ أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ: النَّقِيرُ: نَقِيرُ النَّوَاةِ الَّذِي فِي وَسَطِهَا حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ, قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ, يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ, قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ, يَقُولُ: النَّقِيرُ: نَقِيرُ النَّوَاةِ الَّذِي يَكُونُ فِي وَسَطِ النَّوَاةِ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: نَقْرُ الرَّجُلِ الشَّيْءَ بِطَرَفِ أَصَابِعِهِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ, قَالَ: ثنا أَبِي, عَنْ يَزِيدَ بْنِ دِرْهَمٍ أَبِي الْعَلَاءِ, قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةَ, وَوَضَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ, طَرَفَ الْإِبْهَامِ عَلَى ظَهْرِ السَّبَّابَةِ ثُمَّ رَفَعَهُمَا وَقَالَ: «هَذَا النَّقِيرُ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَصَفَ هَؤُلَاءِ الْفِرْقَةَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْبُخْلِ بِالْيَسِيرِ مِنَ الشَّيْءِ الَّذِي لَا خَطَرَ لَهُ, وَلَوْ كَانُوا مُلُوكًا وَأَهْلَ قُدْرَةٍ عَلَى الْأَشْيَاءِ الْجَلِيلَةِ الْأَقْدَارِ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ, فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِمَعْنَى النَّقِيرِ أَنْ يَكُونَ أَصْغَرَ مَا يَكُونُ مِنَ النَّقْرِ, وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى بِهِ, فَالنُّقْرَةُ الَّتِي فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ مِنْ صِغَارِ النُّقَرِ, وَقَدْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ كُلُّ مَا شَاكَلَهَا مِنَ النُّقَرِ.

    وَرُفِعَ قَوْلُهُ: {لَا يُؤْتَوْنَ النَّاسَ} [النساء: 53] وَلَمْ يُنْصَبْ بِإِذًا, وَمِنْ حُكْمِهَا أَنْ تَنْصُبَ الْأَفْعَالَ الْمُسْتَقْبَلَةَ إِذَا ابْتُدِئَ الْكَلَامُ بِهَا؛ لِأَنَّ مَعَهَا فَاءٌ, وَمِنْ حُكْمِهَا إِذَا دَخَلَ فِيهَا بَعْضُ حُرُوفِ الْعَطْفِ أَنْ تُوَجَّهَ إِلَى الِابْتِدَاءِ بِهَا مَرَّةً وَإِلَى النَّقْلِ عَنْهَا إِلَى غَيْرَهَا أُخْرَى, وَهَذَا الْمَوْضِعُ مِمَّا أُرِيدَ بِالْفَاءِ فِيهِ النَّقْلُ عَنْ إِذًا إِلَى مَا بَعْدَهَا, وَأَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْكَلَامِ: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ فَلَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا إِذًا

    الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} النساء: 54 يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} النساء: 54 أَمْ يَحْسُدُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ كَمَا:

    حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو, قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ, عَنْ عِيسَى, عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ, عَنْ مُجَاهِدٍ, فِي قَوْلِ اللَّهِ: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} [النساء: 54] قَالَ: «الْيَهُودُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ, عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ, عَنْ مُجَاهِدٍ, مِثْلَهُ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ, قَالَ: ثنا يَزِيدُ, قَالَ: ثنا سَعِيدٌ, عَنْ قَتَادَةَ, مِثْلَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ: {النَّاسَ} [النساء: 54] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ عَنَى اللَّهُ

    بِهِ, فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى اللَّهُ بِذَلِكَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى, قَالَ: ثنا عَمْرٌو, قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ, قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ, عَنْ خَالِدٍ, عَنْ عِكْرِمَةَ, فِي قَوْلِهِ: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54] قَالَ: النَّاسُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ, قَالَ: ثني أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ, عَنِ السُّدِّيِّ: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54] يَعْنِي: «مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ, قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, مِثْلَهُ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ, قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ, قَالَ: ثني حَجَّاجٌ, عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ, عَنْ مُجَاهِدٍ: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54] قَالَ: النَّاسُ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ, قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ, يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ, قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ, يَقُولُ: فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى اللَّهُ بِهِ الْعَرَبَ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ, قَالَ: ثنا يَزِيدُ, قَالَ: ثنا سَعِيدٌ, عَنْ قَتَادَةَ, قَوْلُهُ: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54] أُولَئِكَ الْيَهُودُ حَسَدُوا هَذَا الْحَيَّ مِنَ الْعَرَبِ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ " وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَاتَبَ الْيَهُودَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ, فَقَالَ لَهُمْ فِي قِيلِهِمْ لِلْمُشْرِكِينَ مِنْ عَبْدَةِ الْأَوْثَانِ إِنَّهُمْ أَهْدَى مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ سَبِيلًا عَلَى عِلْمٍ مِنْهُمْ بِأَنَّهُمْ فِي قِيلِهِمْ مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ كَذْبَةً: أَمْ يَحْسُدُونَ مُحَمَّدًا عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ, لِأَنَّ مَا قَبْلَ قَوْلِهِ: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54] مَضَى بِذَمِّ الْقَائِلِينَ مِنَ الْيَهُودِ لِلَّذِينَ كَفَرُوا: {هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} [النساء: 51] فَإِلْحَاقُ قَوْلِهِ: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54] بِذَمِّهِمْ عَلَى ذَلِكَ, وَتَقْرِيظِ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قِيلَ فِيهِمْ مَا قِيلَ أَشْبَهُ وَأَوْلَى, مَا لَمْ يَأْتِ دَلَالَةٌ عَلَى انْصِرَافِ مَعْنَاهُ عَنْ مَعْنَى ذَلِكَ.

    وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ الْفَضْلِ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ آتَى الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ فِي قَوْلِهِ: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ الْفَضْلُ هُوَ النُّبُوَّةُ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ, قَالَ: ثنا يَزِيدُ, قَالَ: ثنا سَعِيدٌ, عَنْ قَتَادَةَ: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54] حَسَدُوا هَذَا الْحَيَّ مِنَ الْعَرَبِ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ, بَعَثَ اللَّهُ مِنْهُمْ نَبِيًّا فَحَسَدُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ " حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ, قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ, قَالَ: ثني حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: {عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54] قَالَ: «النُّبُوَّةُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ الْفَضْلُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّهُ آتَاهُمُوهُ: هُوَ إِبَاحَتُهُ مَا أَبَاحَ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1